الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت وأنه لقوة كان، أنه ليس من الأفعال ما يقع بعد إن غير كان إلا ومعناه الاستقبال، لا تقول: إن جئتني أمس أكرمتك اليوم، ولم يُصَوّب ما ذهب إليه المبرد في هذه المسألة، وقد رده عليه ابن السراج فقال: "والذي قاله أبو العباس لست أقوله، ولا يجوز أن تكون إن تخ
لو
من الفعل المستقبل لأن هذا نقض لأصول الكلام، وما وضعت له" قال: والتأويل عندي في قولهم: إن كنت زرتني أمس أكرمتك اليوم، أي إن تكن كنت ممن زارني أمس أكرمتك اليوم، فدلت كنت على تكن، وكذلك قوله تعالى:(إن كنت قلته فقد علمته) أي: إن أكن كنت، أو إن أقل كنت قلته، أو أقر بهذا الكلام. وقد حكى عن المازني ما يقارب هذا".
وقوله: "وقد يكون الجواب ماضي اللفظ والمعنى، مقرونا بالفاء مع قد ظاهرة أو مقدرة" أشار به إلى نحو قوله تعالى: (إن يسرقْ فقد سرق أخ له من قبل) وقوله تعالى: (إن كان قميصه قدّ من قُبُل فصدقت) تقديره: فقد صدقت، وهو عندي محمول على التأويل المذكور، ولا يستقيم أن يكون على غيره، لتقدم الشرط على الجزاء، واستحالة تقدم المستقبل على الماضي في الخارج أو في الذهن.
ولا ترد إنْ بمعنى إذ.
فصل: ص: لو حرف شرط يقتضي امتناع ما يليه، واستلزامه لتاليه، واستعمالها في المضي غالبا، فلذا لم يجزم بها إلا اضطرارا، وزعم اطراد ذلك على لغة.
ش: من حروف المعاني لو، وهي في الكلام على ضربين: موصولة وشرطية.
فالموصولة هي التي تأتي مع الفعل في تأويل مصدر كما في قوله تعالى: (يودُّ أحدهم لو يُعَمّر) وقد تقدم ذكرها.
وأما الشرطية فهي لتعليق ما امتنع لامتناع شرطه، فتقتضي جملتين ماضيتين، الأولى منهما مستلزمة للثانية لأنها شرط، والثانية جوابه.
وتقتضي أيضا امتناع الشرط، لأنه لو ثبت لثبت جوابه، وكان الإخبار بذلك إعلاما بإيجاب لإيجاب، لا بتعليق ما امتنع لامتناع شرطه، فيخرج لو عن معناها.
ولا تقتضي امتناع الجواب في نفس الأمر، ولا ثبوته لأنه لازم والشرط ملزوم، ولا يلزم من انتفاء الملزوم انتفاء اللازم، بل إن كان مساويا للشرط امتنع بامتناعه، كما في نحو: لو كانت الشمس طالعة فالنهار موجود. وإن كان أعم من الشرط لم يلزم أن يكون ممتنعا في نفس الأمر لامتناع شرطه، لجواز كونه لازما لأمر ثابت، فيكون أيضا هو ثابتا لثبوت ملزومه، كما في قولك: لو ترك العبد سؤال ربه لأعطاه، فإن تركه السؤال محكوم بكونه مستلزما للعطاء، وبكونه ممتنعا، والعطاء محكوم بثبوته على كل حال، والمعنى أن إعطاءه حاصل مع ترك السؤال، فكيف مع السؤال، كما في قول عمر رضي الله عنه: نعم العبد صُهَيب، لو لم يخف الله لم يعصه". فإن عدم الخوف محكوم بكونه مستلزما لعدم المعصية، وبكونه ممتنعا، وعدم المعصية محكوم بثبوته، لأنه إذا كان ثابتا على تقدير عدم ثبوت الخوف، فالحكم بثبوته على تقدير ثبوت الخوف أولى. وكما في قوله تعالى:(ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام، والبحر يمُدُّه من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله) لأن عدم النفاد ثابت على تقدير كون ما في
الأرض من شجرة أقلاما مدادها البحر وسبعة أمثاله، وعلى تقدير عدم ذلك.
وقد ظهر من هذا أن "لو" حرف شرط في الماضي، وأنها تقتضي نفي تاليها، واستلزم ثبوته ثبوت تاليه، لأنهما شرط وجواب. ولا تقتضي نفي الجواب في نفس الأمر ولا ثبوته.
وقال أكثر النحويين: لو حرف يدل على امتناع الشيء لامتناع غيره. أي على امتناع الثاني لامتناع الأول. وكان شيخنا رحمه الله يرى أنه تفسير للو بأخص من معناها، لأنه يقتضي كون جوابها ممتنعا غير ثابت على وجه، وذلك فيها غير ثابت، بدليل مجيء جوابها ثابتا في نحو ما تقدم من الأمثلة. ولا شك أن ما قاله الشيخ في تفسير لو أحسن وأدل على معنى لو مما قال النحويون، غير أن ما قالوه عندي تفسير صحيح واف بشرح معنى لو، وهو الذي قصد سيبويه رحمه الله من قوله: لما كان سيقع لوقوع غيره، يعني أنها تقتضي فعلا امتنع لامتناع ما كان يثبت لثبوته، وهو نحو ما قال غيره.
ولنرجع إلى بيان صحته فنقول: قولهم: لو تدل على امتناع الثاني لامتناع الأول، يستقيم على وجهين: الأول: أن يكون المراد أن جواب لو ممتنع لامتناع الشرط، غير ثابت لثبوت غيره، بناء على مفهوم الشرط في عرف اللغة، لا في حكم العقل، فإنك إذا قلت: إن قام زيد قام عمرو، فهو دال في عرفهم على أنه إذا لم يقم زيد لم يقم عمرو، لأن الأصل فيما علق على شيء ألا يكون معلقا على غيره، فجرى العرف على هذا الأصل، ولذلك فهموا عدم جواز القصر في السفر عند عدم الخوف في قوله تعالى:(فليس عليكم جناحٌ أن تقصُروا من الصلاة إن خفتم) وعلى هذا إذا قلت: لو جئتني لأكرمتك، فقد دلت "لو" على أن المجيء مستلزم للإكرام، وعلى أنه ممتنع، فيفهم منه أن الإكرام ممتنع أيضا، غير ثابت بوجه، كما يفهم من نفي شرط إن نفي جوابه.
والوجه الثاني: أن يكون المراد أن جواب لو ممتنع لامتناع شرطه، وقد يكون
ثابتا لثبوت غيره، لأنها إذا كانت تقتضي نفي تاليها، واستلزامه لتاليه، فقد دلت على امتناع الثاني لامتناع الأول، لأنه (متى انتفى شيء انتفى مساويه في اللزوم، مع احتمال أن يكون ثابتا لثبوت أمر آخر، فيصح إذن أن يقال: لو حرف يدل على امتناع الثاني لامتناع الأول، لأنه) لا يقتضي كونها تدل على امتناع الجواب على كل تقدير، بل على امتناعه بامتناع الشرط المذكور، مع احتمال كونه ثابتا لثبوت أمر آخر، وغير ثابت، لأن امتناع شيء لامتناع علة، لا ينافي ثبوته لثبوت علة أخرى، ولا انتفاءه لانتفاء جميع علله.
وعند أكثر المحققين أن "لو" لا تستعمل في غير المضي غالبا، وليس بلازم، لأنها قد تأتي للشرط في المستقبل بمنزلة إنْ، واحتجوا بنحو قول الشاعر:
ولو تلتقي أصداؤنا بعد موتنا
…
ومن دون رَمْسَيْنا من الأرض سبسبُ
لظل صدى صوتي ولو كنت رِمّة
…
لصوت صدى ليلى يَهَشُّ ويطرب
وقال الآخر:
ولو أن ليلى الأخيليةَ سلمت
…
عليّ ودوني جَنْدَل وصفائحُ
لسلمتُ تسليمَ البشاشة أوزَقا
…
إليها صدًى من جانب القبر صائحُ
وقوله تعالى: (وليَخْشَ الذين لو تركوا من خلفهم ذريَّة ضعافا خافوا عليهم) وليس بحجة، لأن غاية ما فيه أن ما جعل شرطا للو مستقبل في نفسه، أو مقيد بمستقبل، وذلك لا ينافي امتناعه فيما مضى لامتناع غيره، ولا يحوج إلى إخراج لو عما عهد من معناها إلى غيره.
ولما كانت لو للشرط في الماضي كان دخولها في المضارع على خلاف الأصل، فلم تجزمه في سعة الكلام، كما تجزمه إنْ، وإن كانت مثلها في الاختصاص بالفعل.
وحكى الشجري أن بعضهم يرى الجزم بها لغة، والمعروف أنه لا يجزم بها إلا في الضرورة، كقوله:
تامَتْ فؤادَك لو يَحزُنْك ما صنعت
…
إحدى نساءِ بني ذُهل بن شيبانا
وقول الآخر:
لو يشا طار به ذو مَيْعةٍ
…
لاحقُ الآطالِ نَهدٌ ذو خُصَل
وذهب الشيخ رحمه الله في شرح الكافية إلى منع الجزم بلو في السعة والضرورة، وقال عن تسكين النون من: يحزنْك: فهذا من تسكين ضمة الإعراب تخفيفا، كما قرأ أبو عمرو:(ينصرْكم) و: (يأمرْكم) و: (يشعرْكم) وكما قرأ بعض السلف: (ورُسُلْنا لديهم يكتبون) بتسكين اللام. وعن تسكين الهمزة من: "لو يشا" وهذا لا حُجة فيه، لأن من العرب من يقول: جايجي، وشايشا، بترك الهمزة، فيمكن أن يكون قائل هذا البيت من لغته ترك همزة يشاء، فقال: يشاء، ثم أبدل الألف همزة، كما قيل في: عالم وخاتم: عألم وخأتم، وكما فعل ابن ذكوان في:(تأكل منسأته) حين قرأ: منساته، بهمزة ساكنة، والأصل: مِنسأته، مفْعلة، مَن نسأه زجره بالعصا، ولذلك سميت منسأة، فأبدل الهمزة ألفا، ثم أبدل الألف همزة ساكنة، فعلى ذلك يحمل قوله: لو يشأ.
ص: وإن وليها اسم فهو معمولُ فعل مضمر مُفَسَّر بظاهر بعد الاسم، وربما وليها اسمان مرفوعان، وإن وليها "أنّ" لم يلزم كون خبرها فعلا، خلافا لزاعم ذلك.
ش: لو مختصة بالأفعال، فلا تباشر الجمل الاسمية، ولكن يليها الاسم مرفوعا ومنصوبا، فإن وليها المرفوع، فإن كان غير أنّ وصلتها، فهو مرفوع بفعل مضمر مُفَسَّر بظاهر بعد الاسم، نحو: لو ذاتُ سوارٍ لطمتني، ولو زيد قام أبوه قمت.
وإن كانت أنّ وصلتها كما في قولك: لو أنك جئتني لأكرمتك، فهو عند سيبويه في موضع رفع بالابتداء، والخبر محذوف، وقد شذ ابتداء أن بعد لو، كما نصب غدوة بعد لدن.
وعند الأخفش في موضع رفع بثبت مضمرا، كما هو كذلك بعد ما النائبة عن الظرف، كقولهم: ما أفعله ما أن حراء مكانه، ولا أكلمه ما أن في السماء نجما.
وإن ولى "لو" اسم منصوب، فقد يكون منصوبا بما بعده، كما في قولك: لو زيدا ضربت لأكرمتك. وقد يكون منصوبا بفعل مضمر مُفَسَّر بظاهر بعد الاسم، أو غير مفسر. فالأول نحو: لو زيدا رأيته أكرمك، ولو عمرا كلمت أخاه لأعطاك.
والثاني قولهم: اضرب ولو زيدا، وألا شرابَ ولو ماء.
ويندر المجيء باسمين مرفوعين بعد لو في قول الشاعر:
لو بغير الماء حلقي شَرِقٌ
…
كنتُ كالغصّان بالماء اعتِصاري
وحمله أبو علي على أن حلقي فاعل لفعل مضمر يفسره شَرِق، وشرق خبر مبتدأ محذوف مدلول عليه بالفاعل، والتقدير: لو شرِقَ بغير الماء حلقي هو
شرق. وحمله شيخنا رحمه الله على أن حلقي مبتدأ، وشرق خبره، وبغير الماء متعلق بالخبر، وقد ابتدأ الكلام بعد لو، (لأنها) لما لم تعمل لم يسلك بها سبيل إنْ في الاختصاص بالفعل أبدا، فنبه على ذلك بمباشرتها أنّ كثيرا، وبمباشرة غيرها قليلا. ومحمله عندي على أن يكون قوله: حلقي شرق، مبتدأ وخبرا في موضع نصب بكان الشانية مضمرة تقديره: لو كان الأمر والشأن حلقي شرق بغير الماء، كنت كالغصان، وكان بالماء اعتصاري.
وزعم الزمخشري أن الخبر بعد لو أن ملتزم مجيئه فعلا، ليكون ذلك عوضا عن ظهور الفعل المقدر بين لو وأنّ، ومنع صحة قولك: لو أن زيدا حاضري لأكرمتك. قال الشيخ رحمه الله: وما منعه شائع في كلام العرب، كقوله تعالى:(ولو أنّ ما في الأرض من شجرة أقلامٌ) وكقول الراجز:
لو أن حيًّا مُدْرِكُ النجاح
…
أدركه مُلاعِبُ الرِّماح
وكقول الآخر:
ولو أنّ حيًّا فائتُ الموتِ فاته
…
أخو الحرب فوق القارِحِ العَدَوان
وقول الآخر:
ولو أنّ ما أبْقَيتِ مني مُعَلّق
…
بعُودٍ ثُمامٍ ما تأوَّدَ عودُها
وقول الآخر:
ولو أنّها عُصفورةٌ لحسِبتها
…
مُسَوَّمةً تدعو عُبَيْدا وأزْنَما
ص: وجوابها في الغالب فعل مجزوم بلم، أو ماض منفي بما، أو مُثبت مقرون غالبا بلام مفتوحة لا تحذف غالبا إلا في صلة، وقد تصحب ما النافية.
ش: انفردت "لو" بلزوم كون جوابها في الغالب فعلا مضارعا مجزوما بلم، نحو: لو قام زيد لم أقم. أو ماضيا مثبتا أو منفيا بما، فإن كان مثبتا، فالأكثر أن تصحبه لام مفتوحة نحو:(ولو عَلِمَ اللهُ فيهم خيرا لأسمعهم، ولو أسمعهم لتَوَلَّوْا) وقد تخلو منها كما في قوله تعالى: (لو شئتَ أهلكتهم من قبلُ وإياي) وقوله تعالى: (ولْيَخْشَ الذين لو تركوا من خلفهم ذُرِّيَّةً ضعافا خافوا عليهم).
وإن كان منفيا بما فالأكثر خلوه من اللام، كما في قوله تعالى:(لو كان خيرا ما سبقونا إليه) وقد تصحبه كما في قولك: لو كان كذا لما كان كذا.
وقوله: غالبا، احتراز من مجيء جواب لو جملة اسمية مصدرة باللام، كقوله تعالى:(ولو أنهم آمنُوا واتَّقَوْا لمثُوبةٌ من عند الله خيرٌ لو) وبالفاء كما أنشده الشيخ رحمه الله من قول الشاعر:
قالت سلامةُ لم تكن لك عادةٌ
…
أن تَتْرُكَ الأعداء حتى تُعْذَرا
لو كان قَتْلى يا سلامُ فراحةٌ
…
لكنْ فَرَرْتُ مخافةً أن أوسرا