الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعالى: (هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلماتُ والنورُ، أم جعلوا لله شركاء) فجمع بين الاستعمالين.
فإن قلت: كيف صح الجمع بين هل وأم المنقطعة، والنحويون يقولون: إنها تفيد الاستفهام والإضراب معا؟ قلت يتجه ذلك على أن تكون "أم" دالة على الإضراب الوضع، وعلى الاستفهام إذا لم يذكر بعدها بالالتزام العرفي، فإنها لا تدخل إلا على جملة استفهامية، فصار لفظها مشعرا بالاستفهام، فيجوز إظهاره بعدها على الأصل، ويجوز إضماره استغناء بدلالة أم.
فأما قوله: "ويجوز في هل ألا تعاد لشبههما بالهمزة في الحرفية، وأن تعاد لشبهها بأخواتها بعدم الأصالة" فكلام غير محقق، فإن عدم إعادة "هل" بعد "أم" مثل عدم إعادة الهمزة في كونه على وفق الدليل، فلا فائدة في قياس جواز أحدهما على جواز الآخر، وإعادة هل بعد أم ليست مثل إعادة أخواتها في أسماء الاستفهام، فإن هل تعاد توكيدا كما سبق، وغيرها يعاد تأسيسا إذا قصد معناه، وإذا لم يقصد معناه لم يذكر، تقول: متى قام زيد؟ أم متى خرج عمرو؟ إذا أضربت عن الاستفهام عن وقت قيام زيد، إلى الاستفهام عن وقت خروج عمرو أو نحو ذلك.
وقد تدخل الهمزة على هل فتتعين أن تكون المرادفة لقد، كقول الشاعر:
سائِلْ فوارسَ يَرْبُوع بِشَدَّتنا
…
أهَلْ رأوْنا بقاع القُفِّ ذي الأكَم
وقد تبدل هاؤها همزة، فيقال: أل قام زيد؟ مكان هل قام زيد؟
فصل: ص:
حروف التحضيض
"هلّا" و"ألا" و"لولا" و"لو ما"
ولا يليهن غالبا إلا فعل ظاهر، أو معمول فعل مضمر مدلول عليه بلفظ أو معنى، وقلما يخلو مصحوبها من توبيخ، وإذا خلا منه فقد يغني عنهن "لو" و "ألا". وتدل أيضا "لولا" و"لوما" على امتناع لوجوب فيختصان بالأسماء، ويقتضيان جوابا كجواب "لو"، وقد يلي الفعل "لولا" غير مفهمة تحضيضا، فتؤول "بلو لم" أو تجعل المختصة بالأسماء، والفعل صلة لأن مقدرة.
ش: التحضيض مبالغة في الحض على الشيء، وهو طلبه والحث على فعله، وحروفه: هلا، وألا، ولولا، ولوما، يدخلن على الفعل للتوبيخ في ضمن التنديم إن كان ماضيا، وفي ضمن التقاضي إن كان مستقبلا، وكأنهن مأخوذات من "هل" المنقولة إلى التمني في نحو قوله تعالى:(فهل لنا من شُفَعاء) مبدلة هاؤها همزة على لغة. ومن "لو" المنقولة إلى التمني أيضا في نحو: لو تأتيني فتحدثَني، بالنصب، لما فيها من تقدير غير الواقع واقعا، ثم ركبا مع لا وما المزيدتين تنبيها على نقلهما إلى التحضيض، فإذا قلت: هلّا فعلت: فكأنك قلت: ليتك فعلت، متولدا منه معنى التنديم. وإذا (قلت: هلا تفعل)، فكأنك قلت: ليتك تفعل، متولدا منه معنى التقاضي والحث.
ولحروف التحضيض صدور الكلام، وهي مختصة بالأفعال، وإنما يليها في الغالب فعل ظاهر متصل، نحو: هلا تضرب زيدا، أو مفصول بمفعول نحو: هلا زيدا ضربت، وإما بمعمول فعل مضمر على شريطة التفسير كقولك: هلا زيدا ضربته،
أو مدلول عليه بمذكور قبل، كقول الشاعر:
تَعُدُّون عَقْرَ النِّيبِ أفضلَ مجدِكم
…
بني ضَوْطَرَى لولا الكميَّ المُقَنَّعا
المعنى: لولا تعدون عقر الكمى، فحذف الفعل والمضاف، وأقام المضاف إليه مقامه، اعتمادا على دلالة الكلام.
وقد تلي حروفَ التحضيض جملة اسمية، كقول الشاعر:
ونُبِّئتُ ليلى أرسلت بشفاعةٍ
…
إليّ فهلّا نَفْسُ ليلى شَفيعُها
وهو شاذ نادر، ويمكن تخريجه على إضمار كان الشانية، وجعل الجملة المذكورة خبرها، والتقدير: فهلا كان الأمر والشأن نفس ليلى شفيعها.
وتخلو الحروف المذكورة عن التوبيخ، فتكون لطلب الفعل على سبيل العرض، كما في قوله تعالى:(فلولا نَفَر من كل فرقة منهم طائفةٌ) وقوله تعالى: (لولا أخَّرْتَني إلى أجل قريب فأصَّدَّق) ويجوز أن تغني عنهن حينئذ "لو" المنقولة إلى التمني، كما تقدم في نحو: لو تأتيني فتحدثني. و"ألا" المخففة من المثقلة، كقولهم: ألا تنزل فتصيب خيرا.
وتدل أيضا "لولا" و"لوما" على امتناع الشيء لوجود غيره، فيختصان بالأسماء، ويقتضيان جوابا كجواب "لو" فيكون فعلا مجزوما بلم، أو ماضيا منفيا أو مثبتا مقرونا في الغالب بلام مفتوحة.
وقد يلي الفعل "لولا" غير مفهمة تحضيضا كقوله:
لا دَرّ دَرُّكِ إني قد رميتُ به
…
لولا حُدِدْتُ ولا عُذْرى لمحْدُود
والوجه فيه أن تكون "لو" هي التي لامتناع الشيء لامتناع غيره، ولا بعدها حرف نفي مع الماضي بمعنى لم يفعل، كما في قول الراجز:
وأيُّ شيءٍ سَيِّء لا فعله
أي لم يفعله، والتقدير: لو لم أحد لرميت به.
ويجوز أن تكون "لو" مع "لا" هي التي لامتناع الشيء لوجود غيره، وقد وليها الفعل على أنه صلة لأن مضمرة، والمعنى: لولا أحد لرميت.
فصل: ص: "ها" و"يا" حرفا تنبيه، وأكثر استعمال "ها" مع ضمير رفع منفصل، أو اسم إشارة. وأكثر ما يلي "يا" نداء أو أمر أو تمن أو تقليل، وقد يعزى التنبيه إلى "ألا" و"أما" وهما للاستفتاح مطلقا، وكثر "ألا" قبل النداء، و"أما" قبل القسم، وتبدل همزتها هاء أو عينا، وقد تحذف ألفها في الأحوال الثلاث.
هذا آخر ما ألف من كلام ابن المصنف رحمة الله عليه، من تكميل شرح التسهيل، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى آله الطيبين الطاهرين.