الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب تتميم الكلام على كلمات مفتقرة إلى ذلك
ص: يستفهم بكيف عن الحال قبل ما يستغنى به، وعن الخبر قبل ما لا يستغنى به. ومعناها: على أي حال؟ فلذا تسمى ظرفا، وربما صحبتها "على" ولجوابها وللبدل منها النصب في الأول، والرفع في الثاني إن عدمت نواسخ الابتداء، وإلا فالنصب، ولا يجازى بها قياسا خلافا للكوفيين.
ش: من الأسماء المبنية كيف، وتدل على اسميتها أمور:
أحدها: انتفاء أن تكون حرفا، للاكتفاء بها مع الاسم المفرد، نحو: كيف أنت؟ وانتفاء أن تكون فعلا، لدخولها على الأفعال واتصالها بها، نحو:(كيف فعل ربك) والفعل لا يدخل على الفعل إلا مفصولا عنه في النية بضمير الفاعل المستكن، كما في قولك: إن تقم أقم. فلما انتفى أن تكون حرفا، وأن تكون فعلا تعين أن تكون اسما.
الثاني: جواز إبدال الاسم منها، كما في قولك: كيف زيد؟ أفارغ أم مشغول؟ وكيف سرت؟ أراكبا أم ماشيا؟ فلولا أن كيف اسم لما أبدل منها الاسم.
الثالث: دخول حرف الجر عليها في قول بعضهم: على كيف تبيع الأحمرين؟
وهي اسم مبني لشبهها بالحرف في المعنى، لتضمنها معنى همزة الاستفهام، بدليل وجوب اقتران الهمزة بالبدل منها، نحو: كيف زيد؟ أصحيح أم سقيم؟
وبنيت على حركة فرارا من التقاء الساكنين، وكانت الحركة فتحة لأنها أخف، والنطق بها بعد الياء الساكنة أسهل.
ومعنى كيف الاستفهام عن وصف منكور لموصوف بعده مذكور، فلذلك لا يبدل منها، ولا يجاب إلا بصفة نكرة، فيجب أن تكون عامة لجميع أحوال الموصوف حتى يصح أن يجاب بعضها. ولذلك تسمى اسم استفهام عن الحال.
قيل: معناها على أي حال، فتسمى ظرفا، لأنها في تأويل جار ومجرور، كما أن الظرف في تأويل جار ومجرور. ولا شك في صحة تقدير: على أي حال مكان كيف، وأن قولك: كيف زيد؟ في معنى: على أي حال زيد؟ ولكن ليس لأن كيف موضوعة لذلك المعنى، بل لأن معناها راجع إليه بنوع من اللزوم، ويدل على ذلك أمران: أحدهما: أنه كما يصح تقدير: على أي حال مكان كيف، كذلك يصح تقدير وصف مجرد من حرف جر مكانها، فيجوز أن يأتي بدل "كيف" من نحو: كيف أنت؟ أقائم أم غير قائم؟ وشبهه، فتقول: أقائم أنت أم غير قائم؟ فتفيد بذلك ما تفيده: كيف أنت؟ فيجب أن تكون حقيقة في الاستفهام عن الحال، لأن كونها ظرفا مستلزم لكثرة التضمين، ولتقدير الاستقرار، وكلاهما على خلاف الأصل.
الثاني: أن البدل من كيف إما منصوب، نحو: كيف سرت؟ أراكبا أم ماشيا؟ وإما مرفوع، نحو: كيف زيد؟ أصحيح أم سقيم؟ ولو كانت ظرفا لما كان البدل منها إلا مجرورا مثل ما تضمنته، فكان يجب أن يقال: كيف سرت؟ أعلى ركوب أم على مشي، وكيف زيد؟ أعلى صحة أم على سقم؟ كما يجب أن يقال: أين كنت؟ أفي الدار أم في المسجد؟ فلما لم يجب أن يقال ذلك، بل أبدلوا منها بدون حرف جر، علم أنها ليست ظرفا.
ولكيف صدر الكلام كغيرها من أدوات الاستفهام، ولا تخرج في الاستعمال عن أن تكون في موضع نصب على الحال، أو خبر مبتدأ في الحال أو الأصل، إلا ما شذ من نحو جرها بعلى في قول بعضهم: على كيف تبيع الأحْمَرَيْن؟ فإذا وقعت كيف قبل تام مستغن عنها كانت في موضع نصب على الحال، لأنها في
تأويل صفة نكرة متقدمة على موصوفها، والصفة المتقدمة على الموصوف لا يجوز أن تكون نعتا له، لأن النعت تابع، فلا يتقدم على المتبوع، بل يجب فيها أحد أمرين: إما أن تجعل حالا من الموصوف، وإما أن تقام مقامه، ويجعل هو بدلا منها، فلم يجز في كيف أن تقام مقام الموصوف، لأنها في تأويل صفة نكرة، والصفة النكرة يقبح فيها ذلك. فوجب أن تكون حالا، ولذلك يبدل منها، ويجاب بالنصب، تقول: كيف سار زيد؟ أراكبا أم ماشيا؟ فيقال: ماشيا أو راكبا. ويقال: كيف جئت؟ فتقول: مسرعا، بالنصب لا غير، لأن البدل من الحال حال، والحال لا تكون إلا منصوبة.
وإذا وقعت كيف قبل ما لا يتم كلاما، كانت خبرا مقدما، وما بعدها مخبر عنه، لأنه لا يجوز أن تكون ملغاة، لأنه قد حصلت بها الفائدة، وتم بها الكلام، ولا يجوز أن تكون هي المخبر عنه، وما بعدها الخبر، لأنها في تأويل صفة نكرة، فيقبح جعلها اسما مخبرا عنه بما بعده، فوجب أن تكون خبرا مقدما في موضع رفع، إن عدمت نواسخ الابتداء، ولذلك يبدل منها ويجاب بالرفع، نحو: كيف زيد؟ أفارغ أم مشغول؟ وإن وجدت نواسخ الابتداء فهي في موضع نصب خبرا قبل كان أو إحدى أخواتها، (ومفعولا ثانيا قبل ظن أو إحدى أخواتها)، ولذلك يبدل منها ويجاب بالنصب نحو: كيف كان زيد؟ أصحيحا أم سقيما؟ وكيف رأيت عمرا، أشاعرا أم فقيها؟ وقد تقدم الكلام على المجازاة بها، فلا حاجة إلى إعادته.
فصل: ص: تكون "قد" اسما لكفى، فتستعمل استعمال أسماء الأفعال، وترادف "حسبا" فتوافقها في الإضافة إلى غير ياء المتكلم، وتكون حرفا فتدخل على فعل ماض متوقع لا يشبه الحرف لتقريبه من الحال، وعلى مضارع مجرد من جازم وناصب وحرف تنفيس لتقليل معناه، وعليهما للتحقيق، ولا تفصل من أحدهما بغير قسم، وقد يغني عنه دليل فيوقف عليها.
ش: تكون قد في الكلام اسما وحرفا، فإذا كانت اسما فهي على ضربين: أحدهما: اسم فعل ماض بمعنى كفى، فتستعمل استعمال أسماء الأفعال، فيتم بها
الكلام مع الفاعل، ولا يبرز معها ضميره، وتنصب المفعول، كقولك: قدْ زيدا درهمان، والدرهمان قد زيدا، ولا يجوز "قدا"، كما يجوز: كفيا، لأن قد اسم فعل.
والثاني: أن تكون بمعنى حسب، أي "كاف" فتوافقها في الإضافة إلى المفعول، وفي لزوم استعمال أحد جزأي الابتداء، كقولك: قدْ زيدٍ درهمٌ، كما تقول: حَسْبُ زيدٍ درهمٌ، فقد في هذا اسم لمرادفتها لما ثبتت اسميته معنى واستعمالا، وهي مبتدأ، ودرهم الخبر، ولكنها مبنية على السكون لوضعها على حرفين، وشبهها بقد الحرفية، فلم يظهر فيها الرفع.
وقوله: فتوافقها في الإضافة إلى غير ياء المتكلم معناه أن "قد" تضاف إلى كل ما تضاف إليه حسب، إلا أن حسبا تضاف إلى ياء المتكلم مجردة عن نون الوقاية كقوله:
فحسْبِيَ مِنْ ذي عندهم ما كَفانيا
"وقد" تضاف إلى الياء مجردة، ومع نون الوقاية، كما سبق الاستشهاد عليه في باب المضمر، نحو قول الشاعر:
إذا قال قَدْني قال بالله حَلْفَة
وقول الراجز:
قَدْنِيَ مِنْ نصرِ الخُبَيْبين قَدِي
وإذا كانت حرفا فهي على ثلاثة أضرب: أحدها: أن تكون حرف تقريب، فتدخل على فعل ماض متصرف متوقع، أي منتظر، لتقريبه من الحال.
الثاني: أن تكون حرف تقليل، فتدخل على المضارع المجرد من جازم وناصب وحرف تنفيس لتقليل وقوعه، كقولك: البخيل قد يعطى، والجواد قد يمنع.
الثالث: أن تكون حرف تحقيق، فتدخل على كل من بناء المضارع والماضي لتقرير معناه، ونفي الشك عنه، فدخولها على الماضي كثير كقوله تعالى:(قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) وقوله تعالى: (ولقد نادانا نوح): (ولقد عهدنا إلى آدم) ومن دخولها على المضارع قوله تعالى: (قد نرى تقلب وجهك في السماء): (قد يعلم الله المُعَوِّقين منكم) وقول الشاعر:
قد أترك القِرْن مُصْفَرًّا أناملُه
…
كأنَّ أثوابه مُجَّت بفِرْصاد
وهو في علم البيان من التقليل على طريق التهكم.
ولا يفصل بين قد والفعل إلا بالقسم، كقول الشاعر:
أخالد قد والله أُوطِئْتَ عُشْوة
…
وما العاشقُ المظلومُ فينا بسارق
أقرّ بما لم يأته المرءُ إنه
…
رأى القطع خيرا من فضيحة عاشق
وقول الآخر:
لقد أرسلوني في الكواعب راعيا
…
فقد وأبِي راعي الكواعِبِ أُفْرِسُ
أراد: فقد أفرس راعي الكواعب وحق أبي، ويجوز أن يكون (أضاف الأب إلى راعي) وهو يعني نفسه.
وقد يغني عن الفعل بعدها دليل فيحذف، كما حذف بعد لمّا، ويوقف عليها، كقولك: أزفَ الشُّخوصُ وكأن قد. قال النابغة:
أزِف التَّرُحُّل غير أن ركابنا
…
لَمّا تَزُل برحالنا وكأنْ قد
أي: وكأن قد زالت.
ص: وترادفها هل، وتساوي همزة الاستفهام فيما لم يصحب نافيا، وما لم يطلب به تعيين، ويكثر قيام "مَنْ" مقرونة بالواو مقام النافي فيجاء غالبا بإلا قصدا للإيجاب، وقد يقصد بأيّ نفي، فيعطف على ما في حيزها بولا. ولأصالة الهمزة استأثرت بتمام التصدير، فدخلت على الواو والفاء وثم، ولم يدخلن عليها، ولم تُعَد بعد أم، بخلاف هل وسائر أخواتها، ويجوز ألا تعاد هل لشبهها بالهمزة في الحرفية، وأن تعاد لشبهها بأخواتها في عدم الأصالة، وقد تدخل عليها الهمزة فتتعين مُرادفةُ قد، وربما أبدلت هاؤها همزة.
ش: هل حرف استفهام، تجيء مع الماضي بمعنى قد، كقوله تعالى:(هل أتى على الإنسان حين من الدهر) قال المفسرون: المعنى: قد أتى على الإنسان حين من الدهر. وللاستفهام حرفان: الهمزة وهل.
فالهمزة يستفهم بها عن التصديق، كقوله: أزيد قائم؟ وأقام عمرو؟ عن التصور لطلب التعيين، كقولك: أزيد قام؟ وأعمرا كلمت؟
وتدخل على النفي لتقرير أو توبيخ أو تمن أو نحو ذلك، كما سبق التنبيه عليه في باب: لا لنفي الجنس.
وأما هل فيستفهم بها عن التصديق الموجب لا غير، ولذلك قبح: هل زيد قام؟ وهل عمرا ضربت؟. وامتنع: هل زيد قائم أو عمرو؟.
وإلى كون هل للاستفهام الموجب الإشارة بقوله: وتساوي همزة الاستفهام فيما لم يصحب نافيا، ولم يطلب فيه تعيين.
وكثيرا ما يعدى الاستفهام عن أصله فيؤتى به في مقام الإنكار والجحد، فيجرى مجرى النفي. فمما جاء من ذلك بالهمزة قوله تعالى:(أهم يَقْسِمون رحمة ربك) وبهل في قوله تعالى: (وهل نجازي إلا الكفور) وبمتى كقولهم في مقام الجَحْد: متى قلت هذا؟ وبأين نحو ما حكى الكسائي: أين كنت لتنجو مني. أي ما كنت لتنجو مني. وبكيف كقراءة عبد الله. (كيف يكون للمشركين عهدٌ عند الله) وقد جاء ذلك بمَنْ مقرونة بالواو وبعدها إلا في الغالب لقصد الإيجاب، كقوله تعالى:(ومَن يرغبُ عن ملَّة إبراهيم إلا مَنْ سَفِه نفسه) المعنى: وما يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه. ومثله: (ومَن يقنطُ من رحمة ربه إلا الضالون).
وقد يجيء نفي بأيّ فيعطف على ما في حيزها بولا، كقول الشاعر:
فاذهب فأيُّ فتى في الناس أحْرَزَه
…
عن حَتْفه ظُلَمٌ دُعْجٌ ولا جَبَل
واعلم أن أصل أدوات الاستفهام الهمزة لأنها تأتي في الإيجاب والنفي، ويستفهم بها عن التصور وعن التصديق، ولكونها أصل أدوات الاستفهام،
والاستفهام له صدر الكلام، استأثرت عن أخواتها بتمام التصدير، فدخلت على العواطف من الواو والفاء وثم، ولم يدخلن عليها، فلا يقال: قد قام زيد، فأقام أخوه؟ كما يقال: فهل قام أخوه؟ وإنما يقال: قد قام زيد، أفقام أخوه؟ كما قال تعالى:(أو لم يهدِ للذين يرثون الأرض): (أفلم يَيْئَس الذين آمنوا): (أثُمّ إذا ما وقع آمنتم به) وهو عند سيبويه على التقديم والتأخير، إيثار الهمزة الاستفهام بتمام التصدير. وفي امتناع دخول العواطف عليها مع مساواتها لهل في صحة عطف ما هي فيه على ما قبله، شاهد على صدق قول سيبويه.
وقد حمل الزمخشري بعض ما جاء من ذلك في القرآن الكريم على إضمار المعطوف عليه، فقال في قوله تعالى:(أو كُلّما عاهدوا عهدا) و: (أفكلما جاءكم رسول)(تقديره: أكفروا وكلما عاهدوا، وأكفرتم فكلما جاءكم رسول)، وهو إضمار لا دليل عليه، ولا يفتقر تصحيح الكلام إليه.
ولاسئثار الهمزة بتمام التصدير لم تعد بعد أم المتصلة ولا المنقطعة، تقول: أدبس في الإناء أم عسل؟ وأزيد خارج أم عمرو مقيم؟ وليس لك أن تعيد الهمزة بعد أم، كما تعيد الجار للتوكيد في نحو: أبزيد مررت أم بعمرو، لأنها لما لم تقع للتأسيس بعد العاطف كانت عن وقوعها للتوكيد بعده أبعد.
وأما هل فيجوز فيها مع أم المنقطعة ألا تعاد، استغناء بدلالة العاطف على التشريك، نحو: هل قام زيد أم خرج عمرو، ويجوز أن تعاد توكيدا، لأنه لا يمتنع دخول العاطف عليها نحو: هل قام زيد أم هل خرج عمرو؟ وقال الله