المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب في الشهادات - شرح الزرقاني على مختصر خليل وحاشية البناني - جـ ٧

[الزرقاني، عبد الباقي]

الفصل: ‌باب في الشهادات

‌باب في الشهادات

وأل في قوله: (العدل) للحقيقة أي حقيقته عند الفقهاء لا المحدثين من اتصف

ــ

الشهادات

قال في التنبيهات الشهادة معناها البيان وبه سمي الشاهد لأنه يبين عند الحاكم الحق من الباطل وهو أحد معاني تسمية الله شهيدًا وإليه أشار بعضهم في معنى قول الله تعالى شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائمًا بالقسط أي بين وقيل هو فيهما بمعنى العلم اهـ.

وهي في الاصطلاح قال ابن عبد السلام لا حاجة لتعريف حقيقتها لأنها معلومة واعترضه ابن عرفة بأنه مناف لقول القرافي في الفرق الأول بعد المائة من قواعده أنه أقام ثمان سنين يطلب الفرق بين الشهادة والرواية ويسأل الفضلاء عنه قال ولم أزل كذلك في شدة قلق حتى طالعت شرح البرهان للمازري فوجدته حقق المسألة وفرق بين الأمرين فقال هما خبران غير أن المخبر عنه إن كان عامًّا لا يختص بمعين فهو الرواية كقوله عليه الصلاة والسلام: "إنما الأعمال بالنيات" أو الشفعة فيما لا ينقسم لا يختص بشخص معين بل هو عام في كل الخلق والإعصار والأمصار بخلاف قول العدل عند الحاكم لهذا عند هذا دينار إلزام لمعين لا يتعداه لغيره فهذا هو الشهادة والأول هو الرواية ثم تجتمع الشوائب بعد ذلك ووجه مناسبة شرط التعدد في الشهادة وبقية الشروط أن إلزام المعين يتوقع فيه عداوة باطنة لم يطلع عليها الحاكم فاحتاط الشارع لذلك اهـ.

قال ابن غازي وناقشه أبو القاسم بن الشاط وابن عرفة وبعض التونسيين على ما حكى ابن عرفة فأما ابن الشاط فقال لم يقتصر الإمام المازري في مفتتح كلامه الذي نقل منه الشهاب على التفريق بالعموم والخصوص ولكنه ذكر مع الخصوص قيدًا آخر وهو إمكان الترافع إلى الحكام والتخاصم وطلب فضل القضاء ثم اقتصر في مختتم كلامه على العموم والخصوص والأصح اعتبار القيد المذكور ويتضح ذلك بتقسيم آخر وهو أن الخبر ما أن يقصد به أن يترتب عليه فضل قضاء وإبرام حكم أم لا فإن قصد به ذلك فهو الشهادة وإن لم يقصد به ذلك فأما أن يقصد به تعريف دليل حكم شرعي أولًا فإن قصد بذلك فهو الرواية وإلا فهو سائر أنواع الخبر اهـ.

قلت: وعلى هذا جرى في جمع الجوامع إذ قال الإخبار عن عام لا ترافع فيه الرواية وخلافه الشهادة اهـ.

قال ابن غازي رحمه الله تعالى: وأما بعض التونسيين فقال كيف يقيم مدة يطلب الفرق بينهما وهو مذكور في أيسر الكتب المتداولة بين المبتدئين وهو تنبيه ابن بشير في كتاب

ص: 287

بالأوصاف الآتية لا للعهد الذكري المتقدم أول القضاء كما في د لأنه وصف للقاضي وهنا

ــ

الصيام منه وكذا كان يتعقب عليه حكايته عن نفسه مثل ذلك في الفرق بين علم الجنس وعلم الشخص مع أنه مذكور في الجزولية وأما ابن عرفة فقال: ما ارتضاه القرافي وتبع فيه المازري من أن الشهادة هي الخبر المتعلق بجزئي والرواية الخبر المتعلق بكليّ يرد بأن الرواية تتعلق بالجزئي كثير الحديث قوله صلى الله عليه وسلم يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة وحديث تميم الداري في السفينة التي لعب البحر بهم فيها حتى ألقتهم بجزيرة ووجدوا فيها الرجل المفسر بالدجال إلى غير ذلك من الأحاديث المتعلقة بأمور جزئية ولأجل هذا تجدهم يقولون اختلف في القضايا العينية هل تعم أم لا، وكآية {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1)} [المسد: 1] ونحوها كثير قلت فإذا قيدنا الشهادة بإمكان الترافع كما تقدم عن ابن الشاط سقط اعتراض ابن عرفة فتأمله اهـ. ثم قال ابن عرفة والصواب أن الشهادة قول هو بحيث يوجب على الحاكم سماعه الحكم بمقضاه أن عدل قائله مع تعدده أو حلف طالبه فتخرج الرواية والخبر القسيم للشهادة وإخبار القاضي بما ثبت عنده قاضيًا آخر فلا يجب عليه الحكم بمقتضى ما كتب به إليه لعدم شرطه بالتعدد أو الحلف وتدخل الشهادة قبل الأداء وغير التامة لأن الحيثية لا توجب حصول مدلول ما أضيفت إليه بالفعل حسبما ذكروه في تعريف الدلالة اهـ.

قال ح رحمه الله تعالى: قوله إن عدل قائله يريد إن ثبتت عدالته عند القاضي بالبينة أو بكونه يعلمها لو قال قول عدل الخ. وأسقط قوله أن يدل قائله لكاد أبين ثم قال: والظاهر أن في حده دور الآن الحكم بافتقاره للتعدد فرع عن كونه شهادة اهـ.

واعترضه أيضًا ابن مرزوق بفساد الجمع لعدم شموله لما مر من أعمال شهادة الواحد في الخلطة وفي الطلاق والعتق ولذلك طلب الحالف ثمة اهـ.

تنبيه: قال ابن عرفة: قال القرافي ولفظ الأداء أؤدي وأشهد مع أنه إنشاء لا خبر فلو قال أديت أو شهدت لم يفد عكس لفظ الإنشاء في بعث واشتريت وأبيع وأشتري ابن عرفة قلت الأظهر أن هذا العرف تقرر لا لذات حقيقة الأداء أو غيره والأظهر أن الإشارة المفهمة لذلك تكفي اهـ.

وشاهدت بعض المفتين أداها إشارة فلم يقبلها منه من أداها إليه وفي النوادر عن أشهب أن قال هذه شهادتي فذلك أداء لها اهـ.

وما استظهره من أن ذلك لعرف تقرر صرح به القرافي إذ قال بعد ما تقدم عنه وسبب الفرق الوضع العرفي فما وضعه العرف للإنشاء كان إنشاء ومالًا فلا هو اعترض طفى على القرافي بأن جعله أشهد إنشاء غير صحيح لغة واصطلاحًا لقول الجوهري الشهادة خبر قاطع تقول منه شهد فلان على كذا. اهـ ولوصف الفقهاء الشاهد بالصدق أو الزور وهما من عوارض الخبر ولما قدمه القرافي عن المازري في الفرق بين الشهادة والرواية من قوله هما خبران الخ. وأما قول المحلي في شرح السبكي لا منافاة بين كون أشهد إنشاء وكون معنى الشهادات إخبار لأنه صيغة مؤدية لذلك المعنى بمتعلقه اهـ.

فيرد بأن الشهادة مصدر أشهد فيلزم من جهل أحدهما إنشاء كون الآخر كذلك فلا

ص: 288

وصف للشاهد (حر) حال الأداء ولو عتيقًا لكن إن شهد لمعتقه فله شرط آخر وهو التبريز فإن استحق الشاهد الحربر ق لم ترد شهادته لأنه قد لا يعرف غيره الحق المشهود به كما قال في توضيحه ولا ينافي ما مر من نقض الحكم فيما إذا قضى بشاهدين أحدهما عبد لأن ما هنا طرأ استحقاقه بالرقية بعد اشتهاره بالحرية وهناك لم يشتهر وإنما قصر القاضي في الفحص عن كون الشاهد رقيقًا وأما القاضي إذا استحق برق فترد أحكامه لأن للإمام مندوحة عن ولايته نعم يجوز له ولاية العتق عند الجمهور خلافًا لسحنون كما مر (مسلم)

ــ

معنى للمخالفة بينهما والفرق الذي ذكره القرافي رحمه الله تعالى لم يذكره غيره ويبعد أن يتقرر عنده دون غيره وقد قال ابن فرحون في تبصرته هذا الذي قاله القرافي هو مذهب الشافعية ولم أره لأحد من المالكية وأطال في تبصرته في ذلك فانظره ومن تصفح نصوص المالكية علم بطلان حصر القرافي الشهادة في لفظ أشهد، والله الموفق للصواب اهـ.

من طفى باختصار وهو غير صحيح أما أولًا فإنه قد التبس عليه مدلول صيغة أشهد بمدلول مادته والفرق بينهما واضح بالضرورة إذ لا يلزم من كون صيغة أشهد نقلت من الخبر إلى الإنشاء أن تكون مادته وهي الشهادة نقلت كذلك إليه ألا ترى أن لفظ أشهد بكذا صيغة فعل الأمر إنشاء قطعًا ومصدره الشهادة بمعنى الإخبار وكذا أخبرنا بكذا وحدثنا به بصيغة الأمر وبالجملة فما قاله المحلي هو التحقيق وخلافه اشتباه وأما ثانيًا فإن ما ذكره عن ابن فرحون من أن ما ذكره القرافي من حصر الشهادة في لفظ أشهد لم يره لغيره قصور بل سبق القرافي بذلك ابن العربي وحكاه المازري عن ابن القصار وإن استظهر خلافه كما نقله ابن هل الذي الدر النثير على نوازل أبي الحسن الصغير ونصه معترضًا على من أنكر وجود ذلك في المذهب وهذا منهم عجيب فقد سبق القرافي إلى ذلك ابن العربي فقال: وأداء الشهادة بلفظ الشهادة تعبد لا إدراك عند العلماء لمعناه ولا يجزي غيره عنه ونقل إجماع الأمة على أن الرجل لو قال للحاكم أنا أبين عندك أو أعلم كذا بدلًا من قوله أشهد لما أصغى إليه ولا قضى بقوله حتى يقول أشهد اهـ.

وحكى المازري عن ابن القصار ما حكاه ابن العربي من ذلك وإن شهد لفظ مخصوص يتعبد به في أداء الشهادة وقال المازري عندي ولو قال الشاهد: سمعت كذا أو علمت هذا وفهم القاضي منه قصد الشهادة تقضي بذلك كما يقضي لو قال أنا أشهد به اهـ باختصار.

فما قاله ابن العربي وابن القصار موافق لما قاله القرافي إلا أن القرافي أناط ذلك بالوضع العرفي وهما بالتعبد والله أعلم اهـ.

(العدل حر) قول ز لأنه وصف للقاضي الخ فيه أن العدالة المطلوبة في القاضي هي العدالة المطلوبة في الشاهد (مسلم) قول ز ولو على مثله على المشهور الخ فيه نظر بل كلام ضيح يفيد اتفاق المذهب على بطلان شهادة الكافر لمثله خلافًا لأبي حنيفة والشافعي وقتادة ويفيد الإجماع على بطلان شهادته لمسلم وتعقب ابن مرزوق الإجماع بأن من العلماء من قال بجواز شهادة كافر لمسلم في وصية في السفر للضرورة اهـ.

ص: 289

حال الأداء لا كافر ولو على مثله على المشهور (عاقل) حال الأداء والتحمل معًا (بالغ) حال الأداء وأما حال التحمل فالمعتبر فيه الضبط والتمييز فلا تصح شهادة الصبيان إلا على بعضهم بشروط تأتي له في جرح أو قتل لا في مال فالآتي يخصص عموم مفهوم ما هنا ولم يعبر عن هذين الوصفين بمكلف لاقتضائه أن من تحمل شهادة وحلف بالطلاق لا يؤديها وأكره على أدائها إكراها حرًّا ما فإنه لا تصح شهادته مع عقله وبلوغه وسائر ما ذكره المصنف لأن المكره غير مكلف مع أنها صحيحة فلذا عدل عنه وذكرهما (بلا فسق) بجارحة بدليل ما يأتي له في الفاسق بالاعتقاد (و) بلا (حجر) لسفه فلا تصح من فاسق ولا مجهول حال ولا محجور عليه بوصي أو مقدم لأجل سفه ولو صار حافظًا للمال إذ لا ينفك عنه حجرهما إلا بفكهما بخلاف ذي الأب فلا يثبت عليه الحجر حيث حفظ المال إلا أن حجر عليه قرب بلوغه وكان مجهول الحال وقولي بلا حجر لسفه احتراز عن الحجر على الزوجة والمريض والمفلس فإنه لا يمنع شهادتهم (و) بلا (بدعة) فلا تصح من مبتدع تعمد أو جهل بل (وإن تأول كخارجيّ وقدريّ) ونحوه قول ابن الحاجب ولا

ــ

ويعني خارج المذهب كما عزاه ابن سهل لشريح وابن المسيب وسعيد بن جبير وعبيدة وابن سيرين وغيرهم (عاقل) ابن عرفة المازري وشرط العقل واضح لأن المجنون لا يعقل ما يقول ولا يضبطه ومن هو كذلك لا يلتفت إلى قوله ابن عبد السلام لا يختلف في اعتبار العقل في حالتي التحمل والأداء ولا يضر ذهاب العقل في غير هاتين الحالتين، ونص عليه عبد الملك قلت ما ذكره هو مقتضى المذهب ونص عبد الملك عليه لا أعرفه بل نقل الشيخ عن المجموعة قال ابن وهب عن مالك في الكبير: يجن ثم يفيق إن كان يفيق إفاقة يعقلها جازت شهادته وبيعه وابتياعه اهـ.

هكذا في نسخة صحيحة من ابن عرفة وقد وقع في المواقف في نقله تحريف يسير (بالغ) قول ز لاقتضائه أن من تحمل شهادة إلى قوله مع أنها صحيحة الخ فيه نظر لأن المكره لا يؤمن أن يشهد بما لا يعلم، فالإكراه يمنع الثقة بشهادته (بلا حجر) ابن عرفة وفي شرط عدم الولاية في المال خلاف سمع أشهب أتجوز شهادة المولى عليه وهو عدل قال: نعم وابن رشد مثله روى ابن عبد الحكم في الموازية وهو قياس المعلوم من قول ابن القاسم في لغو الولاية على اليتيم البالغ في جواز أفعاله وردها وإلا في على مشهور المذهب المعلوم من قول مالك رحمه الله وأصحابه في أن المولى عليه لا تنفذ أفعاله وإن كان رشيدًا في أحواله أن لا تجوز شهادته وإن كان مثله لو طلب ماله أخذه وهو نص أشهب في المجموعة اهـ.

وفي ضيح عن ابن عبد السلام أن الثاني هو ظاهر كتاب الشهادات كما من المدونة وقد ظهر أن الخلاف في شهادته مبني على الخلاف في اعتبار الحال أو الولاية، وقد تقدم في الحجر أن الذي به العمل قديمًا وحديثًا هو قول ابن القاسم باعتبار الحال فانظر هل يجري ذلك هنا والله تعالى أعلم وفي شرح التحفة لابن الناظم ما يفيد ذلك اهـ.

(وإن تأول كخارجي وقدري) قول ز لا يشترط منها حال الأداء والتحمل إلا العقل الخ هذا

ص: 290

يعذر بجهل ولا تأويل كالقدري والخارجي قال في توضيحه تبعًا لابن عبد السلام يحتمل أن يكون القدري مثالًا للجاهل لأن أكثر شبههم عقلية والخطأ فيها يسمى جهلًا والخارجي مثالًا للمتأول لأن شبههم سمعية والخطأ فيها يسمى تأويلًا ويحتمل أن يريد بالجاهل المقلد من الفريقين وبالمتأول المجتهد منهما ولم يعذروا هنا بالتأويل لكونه أدى إلى كفر أو فسق ولا كذلك التأويل في المحاربين اهـ.

ثم قول المصنف العدل صفة موصوف محذوف أي الشاهد العدل حر الخ وسيأتي أن قوله ذو مروءة نعت له أو خبر ثان وحينئذٍ فيفيد أن هذه الشروط في عدالة من تقبل شهادته وعلى هذا فقد تبع أهل المذهب حيث جعلوا هذه الشروط شروطًا في عدالة خاصة وهي عدالة من تقبل شهادته لا مطلق العدالة كما زعم بعض أنه ظاهر المصنف قائلًا لما يلزم عليه أنه إن لم يستوف هذه الشروط يكون فاسقًا بخلاف كلام أهل المذهب فإنه لا يلزم من كونه غير مقبول الشهادة كأكل بلدي بسوق أن يكون فاسقًا ثم أن هذه الشروط لا يشترط منها حال الأداء والتحمل إلا العقل وبقيتها إنما تشترط حال الأداء كما مر وكما يدل له قوله الآتي ولا أن حرص على إزالة نقص فيما رد فيه الخ (لم يباشر كبيرة) أي لم يتلبس بها حال الأداء بأن لم تقع منه أصلًا أو عرفت توبته منها فإن لم تعرف توبته منها حينئذٍ فمباشر ولا يصدق عليه كلامه واعترض بأن هذه يغني عنها قوله وفسق وأجيب بأن هذه إلى قوله خسة تفسير لفسق وبأن هذه في كبيرة في الباطن كغل وحسد ورياء كما يدل عليه لفظ المباشرة التي هي المخالطة وقوله وفسق أي بالجوارح الظاهرة كما هو المناسب لتعريفه الذي هو الخروج عن الطاعة (أو) لم يباشر (كثير كذب) فتغتفر الكذبة الواحدة في السنة لعسر التحرز منها وهي صغيرة إلا أن ترتب عليها عظيم مفسدة فكبيرة قادحة (أو صغيرة خسة) كتطفيف حبَّة أو نظرة واحدة أو سرقة لقمة لدلالة ذلك على دناءة الهمة وقلة المروءة وقيد بعضهم ذلك بما إذا لم يكن لمسكين فيلحق بالكبيرة قاله تت وأما صغائر غير الخسة فلا تقدح إلا بشرط الإدمان عليها (وسفاهة) أي مجون بأن لا يبالي بما صنع أو بأن تقل مروءته فيكثر الدعابة والهزل في أكثر الأوقات

ــ

التفصيل إنما هو في غير شهود النكاح والشهود على الخط، وأما في النكاح والخط فلا بد من وجود الشروط المذكورة كلها وقت الأداء وقت التحمل قاله الشيخ مس وهو ظاهر اهـ.

(أو صغيرة خسة) قول ز أو نظرة واحدة الخ فيه نظر بل النظرة الواحدة ليس من صغائر الخسة اهـ.

(وسفاهة): قول ز أي مجون بأن لا يبالي بما صنع الخ قال ابن مرزوق كإخراج الصوت من فيه وكالنطق بألفاظ الخنى في الملا مما يستشبع النطق به وأما ما يقل المروءة فأكثر ما يذكر فيه ما هو من المباح وقد يفعله من ليس بسفيه بخلاف السفاهة، فمحرم أو قريب منه فلذلك لم يكتف المصنف بالمروءة اهـ.

ص: 291

لكن هذا يغني عنه قوله ذو مروءة فالأولى التفسير الأول والمراد سفاهة لا حجر معها لئلا يتكرر مع قوله وحجر إذ معناه حجر لسفه كما مر (و) لم يباشر (لعب نرد) فهو عطف على كبيرة وإن لم يدمه بل ولو مرة ولو لم يكن فيه قمار ومثله لطلب كما في د عن بعضهم وليس في البساطي التصريح بحرمة لعبه ونعت قوله حر بقوله (ذو مروءة) أو خبر ثانٍ وكذا يقال فيما تقدم وقول تت كالشارح عطف على حر أي بحرف عطف مقدر أي ذو صون عن كل خلق دنيء يرى أن من تخلق به لا يحافظ على دينه وإن لم يكن حرًّا ما فترك المروءة يدل على عدم المحافظة الدينية ويتسبب عنه غالبًا اتباع الشهوات ولذا قال (بترك غير لائق) أي ذو المروءة هو من يترك ما لا يليق فهو كقول ابن الحاجب المروءة الارتفاع عن كل ما يرى أن من تخلق به لا يحافظ على دينه وإن لم يكن حرامًا اهـ.

وبين المصنف غير اللائق بقوله: (من) لعب (حمام) مع إدمانه ولا يصح حمله على الوجه المحرم لأنه في بيان ترك غير اللائق وهذا يشمل اللعب به الذي ليس بمحرم لأنه يخل بالمروءة ويشمل اللعب به المحرم الذي ليس من الكبيرة ولا من صغيرة الخسة ولا يشمل ما اللعب به مقامرة لأنه كبيرة ومما لا يليق معاشرة الأراذل قال الأفقهسي لا تقبل شهادة الغموس والمراد به من يعاشر الصالحين ويظن أنه منهم والفاسقين ويظن أنه منهم اهـ.

لأن أقل أحواله أنه يعاشر الأراذل إن لم يوافقهم في الفعل (وسماع غناء) بالمد سماعًا متكررًا بغير آلة لإخلال سماعه بالمروءة وإن كره في هذه الحالة حيث لم يكن

ــ

(ولعب نرد): قال عياض في المشارق والنردشير لفظ فارسي لنوع من الآلات التي يقامر عليها ويقال فيه النرد أيضًا والكعاب اهـ.

وقوله ز ومثله الطاب الخ كلامه صريح في أن هذا اسم لنوع من آلات اللعب أيضًا وهو بالألف بين الطاء المهملة والباء الموحدة كذا رأيته في حاشية الشيخ أحمد رحمه الله وفي كثير من نسخ ز والله أعلم اهـ.

(ذو مروءة) ابن عرفة المروءة هي المحافظة على فعل ما تركه من المباح يوجب الذم عرفًا وعلى ترك ما فعله من مباح يوجب ذمه عرفًا اهـ.

جعل الأمور التي تخل بالمروءة مباحة مع أن فعلها يبطل الشهادة ومثله قول التحفة:

وما أبيح وهو في العيان

يقدح في مروءة الإنسان

وانظره مع في نوازل الأقضية من المعيار عن أبي إسحاق الشاطبي ما نصه الاتصاف بالمروءة مطلوب كما أن الاتصاف بخلافها منهي عنه وإن ظهر لبادىء الرأي أنه مباح انظر تمامه فيه (من حمام) ابن عرفة روى أبو داود بسنده عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يتبع حمامة فقال: "شيطان يتبع شيطانة" وصححه عبد الحق بالسكوت عنه ولم يتعقبه ابن القطان عليه اهـ.

(وسماع غناء) قول ز ومتى لم يحمل على محرم جاز بعرس وصنيع الخ انظر الجواز

ص: 292

بقبيح أو يحمل عليه واعلم أن الغناء إما بآلة أو بغيرها وفي كل إما أن يحمل على تعلق بمحرم أم لا وفي كل إما أن يتكرر أم لا وفي كل إما فعلًا أو سماعًا وفي كل إما في عرس أو صنيع وأما في غير ذلك فمتى حمل على تعلق بمحرم حرم فعلًا وسماعًا تكرر أم لا بآلة أم لا في عرس صنيع أو نحوهما أو في غير ذلك ومتى يحمل على محرم جاز بعرس وصنيع كولادة وعقد نكاح ونحوهما بآلة وغيرها سماعًا وفعلًا تكرر أم لا لا بغير عرس وصنيع فيمنع إن تكرر بآلة وغيرها فعلًا وسماعًا وإن لم يتكرر كره سماعًا وهل كذا فعلًا أو يمنع خلاف.

فائدة: في المدخل الغناء ينبت النفاق كما ينبت الماء البقل (ودباغة وحياكة اختيارًا) في بلد يزريان بفاعلهما وليس من أهلهما وأما اضطرارًا أو من أهلهما فلا يدلان على ترك المروءة كما يفيده في الحياكة قول ابن عرفة ليست بتونس من الصناعات الدنية وقول البرزلي أنها بإفريقية من الصناعات الرفيعة يفعلها وجوه الناس اهـ.

فتقاس الدباغة عليها لكن الظاهر أن الدباغة من الصناعات الدنية مطلقًا والخياطة من الرفيعة مطلقًا لحديث ورد في مدحها في حق الرجال ومدح صناعة الغزل في حق النساء ولفظه عمل الأبرار من الرجال الخياطة وعمل الأبرار من النساء الغزل خط وابن لال وابن عساكر عن سهل بن سعد اهـ.

من الجامع الصغير ومثل ما ذكره المصنف الحجامة ثم ما فسر به المصنف المروءة شامل للمرأة لأنها بهذا المعنى تتصف بها كالرجل وقد تفسر المروءة بكمال الرجولية كما قاله السعد التفتازاني وهي بهذا المعنى لا تشمل المرأة وإن كان يقال لها رجلة كما مر عن الصحاح في باب الحجر (وإدامة شطرنج) ظاهره أن لعبه غير حرام لجعله من أفراد ما لا يليق مع تقييده بالإدامة ويوافقه تصحيح القرافي أنه مكروه ولكن المذهب أن لعبه حرام

ــ

وفي ابن عرفة قال ابن عبد الحكم سماع العود جرحة إلا أن يكون في صنيع لا شرب فيه فلا يجرح وإن كره على كل حال اهـ.

(ودباغة وحياكة الخ) قول ز ولفظه عمل الأبرار الخ هذا الحديث نسبه السيوطي للخطيب البغدادي وإليه رمز بلفظ خط ولابن عساكر وإليه رمز يلفظ كر كما بين ذلك في ديباجة جامعه وهو حديث ضعيف لأنه ذكر في الجامع الكبير أن كل ما يعزوه للخطيب أو لابن عساكر فهو حديث ضعيف وأنه يستغني بالعزو إليهما عن بيان ضعفه (وإدامة شطرنج) ابن غازي قال أبو عبد الله بن هشام اللخمي في لحن العامة ويقولون شطرنج بفتح الشين وحكى ابن جني أن الصواب كسرها ليكون على بناء جرد حل وذلك قبل ذلك أنه يقال بالشين وبالسين لأنه إما مشتق من المشاطرة أو التسطير قال المازري قال الأبهري في تعليل التفريق بين الإدمان وعدمه لأن الإنسان لا يسلم من يسير لهو وقد قال بعض الشعراء:

أفد طبعك المكدود بالجد راحة

ص: 293

وفسر أحمد بن نصر الإدامة بأن يلعب في السنة أكثر من مرة وبعض الأشياخ بمرة في السنة أي ومرة أخرى في سنة ثانية حتى يقال له إدامة قال الشارح وإنما اشترط الإدمان في الشطرنج دون ما عداه لاختلاف الناس في إباحته إذ قد روي عن جماعة من التابعين أنهم كانوا يلعبون بها اهـ.

أي ولأنه لم يرد فيه مثل ما ورد في النرد من خبر من لعب به فكأنما صبغ يده في لحم خنزير أو دمه وما عزى لمذهب مالك من أنها شر من النرد كما في تت فلا يقتضي ورود خبر فيها مثله ولذا حرم وأسقط الشهادة وإن لم يدمه بخلاف الشطرنج فلا يسقطها إلا إدامته كما قال المصنف (وإن) كان الشاهد العدل (أعمى في قول) خلافًا لأبي حنيفة والشافعي لا في فعل ولو علمه قبل العمى على المعتمد كما في ح خلافًا لاقتصار شرح الإرشاد على الجواز حينئذٍ (أو أصم) غير أعمى (في فعل) لا في قول ما لم يكن سمعه قبل الصمم كذا ينبغي قياسًا على الأعمى على ما في شرح الإرشاد وأما الأعمى الأصم فلا تقبل شهادته ولا يتزوج وله وطء زوجته إذا طرأ عليه ذلك ويعتمد على القرائن وتقبل شهادة الأخرس كما قال ابن شعبان ويؤديها بإشارة مفهمة أو كتابة ولما ذكر شروط شهادة العدل ذكر موانعها جمع مانع وهو ما وجوده مانع من قبول الشهادة والحكم بها وعرف بأنه الوصف الوجودي الظاهر المنضبط فقال: (ليس بمغفل) بل فطن (إلا) أن يشهد

ــ

يجم وعلله بشيء من المزح ولكن إذا أعطيته المزح فليكن بمقدار ما يعطي الطعام من الملح ابن رشد لا خلاف بين مالك وأصحابه أن الإدمان على اللعب بها جرحة وقد قيل الإدمان أن يلعب بها في السنة أكثر من مرة واحدة انتهى.

وما في ز عن المذهب من أنها شر من النرد الخ هو في المدونة لكن قال في ضيح لعل مالكًا إنما قال ذلك لأن الشطرنج يفتقر إلى حساب وفكرة بخلاف النرد لأنه مثل النرد في الحرمة وقول ز لم يرد فيه مثل ما ورد في النرد من خبر من لشعب الخ هذا الحديث في صحيح مسلم كما في ابن عرفة وضيح وغيرهما (وإن أعمى في قول الخ) لا خصوصية للقول بل تجوز فيما عدا المرئيات من المسموعات والملموسات والمذوقات والمشمومات ابن عرفة نقل المازري عن المذهب تجوز شهادة البصير فيما يضح أن يعلمه البصير اهـ.

قال طفى وإنما خص المصنف كغيره الأقوال لأن الملموس والذوق والمشموم يستوي فيها الأعمى وغيره فهي محل اتفاق وإنما محل الخلاف المسموعات فمذهب مالك رحمه الله الجواز ومذهب الشافعي والحنفي كالجمهور المنع وقول ز ولو علمه قبل العمى على المعتمد كما في ح الخ فيه نظر وما في ح استدل عليه بأن أصحابنا ينقلون أولًا المذهب ثم يقولون، وقال الشافعي: تجوز فيما تحمله قبل العمى قال: فتخصيصهم التفرقة بين ما تحمله قبل العمى وبين ما تحمله بعده بالشافعي يدل على أن المذهب عدم التفصيل اهـ.

قال طفى وهو وهم منه لأن التفرقة إنما ذكروها في الأقوال ولم يتعرضوا للأفعال أصلًا فلا دليل له في كلامهم اهـ باختصار.

ص: 294

المغفل (فيما لا يلبس) بفتح التحتية وكسر الباء الموحدة وماضيه بفتحها من قبيل قوله تعالى: {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [الأنعام: 9] أي لا يختلط عليه كرأيت هذا يقطع يد هذا أو يسرق متاعه فتقبل والمغفل من لا يستعمل القوة المنبهة مع وجودها فيه وأما البليد فهو خال منها فلا تصح شهادته مطلقًا (ولا) تقبل شهادة شاهد (متأكد القرب) للمشهود له (كأب وإن علا) أي فلا يشهد أب ولا أم لولد ولو من ملاعنة لصحة استلحاقه أي ولا لزوج ولد وأما قوله: (وزوجها) أي الأب والأم إذ الكاف أدخلتهما فمعناه أن زوجة الأب لا تشهد لربيبها وهو ولد زوجها وإن سفل وزوج الأم لا يشهد لربيبه وهو ولد (وولد وإن سفل كبنت) وابن لا يشهد أن لأبويهما وخص البنت بالذكر وإن كان الابن مثلها كما علمت ليتوصل للحكم في قوله: (وزوجهما) أي زوج البنت وزوجة الابن لا يشهد كل لأصله فزوج البنت لا يشهد لأبوي زوجته وأولى لفرعهما وزوجة الابن لا تشهد لأبوي زوجها وأولى لفرعهما ويشهدان لزوجة الأب وزوج الأم وكذا تجوز شهادة أحد أبوي الزوجة لابن زوج ابنته أو لبنته أو لأبويه كما يفيده ابن عرفة وكذا شهادة زوجهما لزوج الربيبة ولزوجة الربيب جائزة.

تتمة: لا تجوز شهادة سمسار إن تولى العقد وإلا جازت إن كانت سمسرته لا تختلف بقلة الثمن وكثرته ولا تجوز شهادة الخاطب إذا تولى العقد وتجوز شهادة المشرف لمن هو مشرف عليه بخلاف الوصي لمن أوصى عليه (وشهادة ابن مع أب) المقبول منها (واحدة) وتلغى الأخرى ففي الأموال لا بد من يمين المشهود له وفي النكاح ونحوه لا بد من آخر غيرهما وإذا طرأ فسق لأحدهما مما يوجب بطلان شهادة الشاهد فالظاهر بطلانهما لئلا يلزم الترجيح بلا مرجح وينبغي مثل الابن مع الأب شهادة من لا تقبل شهادته لآخر مما مر إذا شهدا لغيرهما وشبه في الإلغاء المقدر قوله: (ككل) أي كشهادة

ــ

وقول ز في الأعمى والأصم ولا يتزوج الخ. يعني والله أعلم لا يلي ذلك بنفسه وإلا فيجوز أن يولي عليه من ينظر له بالأصلح له كما يقدم الحاكم على المجنون والسفيه من ينظر لهما والله تعالى أعلم (كبنت) ابن عاشر لعل صوابه لبنت باللام لا بالكاف ليكون بالغ على أضعف المراتب تأمله اهـ.

(وشهادة ابن مع أب واحدة) هذا قول أصبغ ومقابله لسحنون ومطرف شهادة الابن مع أبيه شهادتان قال ابن فرحون وهو القول المعمول به وقال في التحفة:

وساغ أن يشهد الابن في محل

مع أبيه وبه جرى العمل

ومثله لابن سلمون وابن راشد في اللباب وذكر في معين الحكام أن القول يكون شهادة الأب مع ابنه شهادتين أعدل من القول بأنهما شهادة واحدة وفي المتيطية الذي جرى به العمل إنهما شهادة واحدة وقيل شهادتان وهو أقيس اهـ.

فكان على المصنف أن يقتصر على هذا القول لقوّته كما ترى أو يحكى قولين قاله طفى

ص: 295

كل من الابن والأب على البدلية (عند الآخر) فتلغى (أو) شهادته (على شهادته أو) على (حكمه) فتلغى لأن فيه تزكية له فيهما وكذا شهادته على خط أبيه على ما لصر لأن فيه شهادة بتعديله وبحث فيه عج بأن الواقع في الشهادة على خطه ليس إنشاء الشهادات بالتعديل والممتنع إنشاؤها به ولذا أفتى ابن ناجي بجوازها وأخرج من منع شهادة متأكد القرب لقوة التهمة قوله: (بخلاف) شهادة (أخ لأخ) فتجوز (إن برز) الشاهد (ولو) كانت شهادته له بتعديل أي بأن كان يعدله وهو المشهور وعليه حملها الأكثر (وتؤولت أيضًا بخلافه) أي بأنه لا يعدل أخاه لأنه يشرف بتعديله وإنما يعدل من شهد لأخيه كذا قرر الشارح وتت وقرره ق بما يفيد أنها تؤولت على أن الأخ يشهد لأخيه وإن لم يكن مبرزًا والمصنف محتمل لهما والمعتمد اشتراط التبريز ويشترط أيضًا أن لا يكون الشاهد في عيال المشهود له وكذا المسائل الآتية وأن تكون بمال أو جرح عمد يؤول له لا في جرح عمد فيه قصاص على المشهور وبرز بضم الباء الموحدة وتشديد الراء المكسورة لقولهم في اسم فاعله مبرز دون بارز كذا لد عن بعض شيوخه استظهارًا ونحوه في شفاء الغليل والمشارق وفي الصحاح أنه يجوز فيه التخفيف واسم الفاعل منه بارز انتهى.

ــ

وذكر الشيخ أبو سالم الكلالي رحمه الله في الأنكحة الإغريسية ما محصله أن شيخيه الفقهين سيدي يحيى السراج وسيدي عبد الواحد الحميدي رضي الله عنهما اختلفا في هذه المسألة ووقع بينهما نزاع عظيم فأفتى السراج بما عند المصنف وأفتى الحميد بما في التحفة فوقع الاجتماع عليها عند السلطان أبي العباس السعدي بفاس العليا ووقع الحكم فيها بما قاله الحميدي لعلمه بالعمل انظر شرح التحفة للشيخ ميارة رحمه الله وقد ذكر ابن رشد أن الخلاف في هذا الفرع وفي الفروع الثلاثة بعده واحد ولم يرجح واحدًا من القولين انظره في ق وزاد أبو الحسن على الفروع المذكورة شهادة الولد على خط أبيه فذكر أن فيها القولين وقول ز فالظاهر بطلانهما الخ فيه نظر بل لأوجه لبطلان شهادة العدل منهما إذا طرأ فسق الآخر (وتؤولت أيضًا بخلافه) قول ز والمصنف محتمل لهما الخ أي محتمل لكل منهما ويصح حمله على مجموعهما على أن المعنى وتؤولت بخلاف ما ذكر في الموضعين وهذا أفيد أما التأويلان في اشتراط التبريز فقال في ضيح والقول باشتراط التبريز هو الذي في أول شهادات المدونة ولم يشترطه في أثنائها واختلف الشيوخ فحمله الأكثرون على أنه خلاف كما فعل المصنف أي ابن الحاجب ورأى بعضهم أن ما في أوّل الشهادات قيل لغيره اهـ.

وأما في التعديل فقال في ضيح أيضًا على قول ابن الحاجب وفي جواز تعديله قولان لابن القاسم وأشهب ما نصه الجواز لابن القاسم وهو ظاهر المدونة بشرط التبريز لقوله فيها إذا يكن الأجير والأخ في العيال تجوز شهادتهما إذا كانا مبرزين في الأموال والتعديل وعلى هذا الظاهر حملها الأكثرون وقال بعضهم المراد بالتعديل هنا تعديل من شهد لأخيه فيكون من باب المال وعلى الأول يجرح من جرحه وعلى الثاني لا يجرح من جرحه اهـ.

ص: 296

(كأجير) يشهد له استأجره إن برز ولم يكن في عياله (ومولى) أسفل ويجوز عكسه بغير شرط التبريز (و) صديق (ملاطف) وهو من يسرّه ما يسرك ويضره ما يضرك لصدقه ويشترط أيضًا أن لا يكون في عياله (ومفاوض في غير مفاوضة) وكذا كل شريك تجر عنان أو غيرها يشهد لشريكه في غير الشركة إن برز أيضًا وأما شريك في معين كدابة فيشهد لشريكه في غير ما فيه الشركة وإن لم يكن مبرزًا وأما ما فيه الاشتراك مطلقًا أي معينًا أو غيره فيمنع ولو مبرزًا لتضمنها الشهادة نفسه فالأقسام ثلاثة (وزائد) في شهادته عما شهد به قبل ذلك حكم به أم لا (أو منقص) عنها فيقبل إن برز سواء كانت الزيادة بعد أن تكون الأولى على طبق دعوى المدعي أم لا غير إن ما زاده على دعوى المدعي لا يأخذه المدعي لعدم دعواه به واعلم أن لنا مقامين الأول من ادعى قدرًا فشهد له عدل ابتداء بأزيد منه أو أنقص قبلت شهادته وإن لم يكن مبرزًا ويحلف معه فيهما لكن على

ــ

باختصار وقول ز وبرز بضم الباء الموحدة وتشديد الراء المكسورة الخ غير صحيح بل بفتحهما مع التشديد وهو فعل لازم واسم الفاعل منه مبرز بكسر الراء المشددة قال في التنبيهات أي ظاهر العدالة سابقًا على غيره متقدمًا وأصله تبريز الخيل في السبق وتقدم سابقها وهو المبرز لظهوره وبروز إمامها اهـ.

وفي القاموس برز ككرم وبرز تبريز أفاق أصحابه فضلًا أو شجاعة والفرس عن الخيل سبقها وراكبه نجاه انتهى وليس التبريز هو الانتصاب للشهادة كما يعتقده الجهلة وقول ز كذا لأحمد الخ يوهم أن الشيخ أحمد ضبطه بضم الباء وليس كذلك ونصه في قول المصنف أن برز قال بعض الشيوخ الظاهر أنه بتشديد الراء لقولهم في اسم الفاعل مبرز دون بارز اهـ.

هذا لفظه وقد علمت من كلام القاموس أن يكون مخففًا ومشددًا (وملاطف) قال ح رحمه الله تعالى الملاطف هو المختص بالرجل الذي يلاطف كل واحد منهما صاحبه ومعنى اللطف الإحسان والبرّ والتكرمة قاله في التنبيهات وقال ابن فرحون الملاطف هو الذي قيل فيه:

إن أخاك الحق من كان معك

ومن يضر نفسه لينفعك

ومن إذا ريب الزمان صدعك

شتت فيك شمله ليجمعك

انتهى.

وهذا الذي قاله بعيد وقلّ وأن يوجد أحد بهذه الصفات فالأولى تفسيره بما في التنبيهات والله أعلم اهـ.

باختصار (ومفاوض في غير مفاوضة) قول ز وكذا كل شريك تجر عنان أو غيرها الخ تبع في هذا عج قال طفى وهو غير حسن وما أدري ما الحامل له على مخالفة القيد الذي ذكره الأئمة فقد قيد بالمفاوض في المدونة وابن رشد وضيح وابن عرفة فيجب اتباعه اهـ.

(وزائد أو منقص) فإن لم يكن مبرزًا بطلت شهادته كلها قال ابن رشد وإذا لم يأت الشاهد بالشهادة على وجهها وسقط عن حفظه بعضها فإنها تسقط كلها بإجماع اهـ.

ص: 297

طبق دعواه فقط في الأولى ولا يأخذ الزائد وعلى طبق شهادة الشاهد في الثانية وأخذ ما شهد به فقط فإن رجع فيها إلى شهادته بما ادعى المدعي قبل إن كان مبرزًا وهذا هو المقام الثاني ويحلف المدعي إلى ما رجع له الشاهد لأنه إنما حلف قبل على طبق شهادته وكلام المصنف في المقام الثاني لاشتراطه التبريز لا الأول لعدم اشتراطه كما علمت (وذاكرًا) أي متذكر الشهادة (بعد شك منه) فيها حين سئل عنها وكذا بعد نسيان وليس هذا قوله وزائد أو منقص لأنه جزم في شهادته بشيء ثم ذكر زائدًا أو ناقصًا والناسي لم يذكر شيئًا أصلًا حتى يجزم به وظاهر المصنف سواء كان الذاكر صحيحًا أو مريضًا وهو كذلك وما في الرواية من تقييده بالمريض فرض مسألة (وتزكية) يعمل بها من مبرزًا وفيه حذف مضاف أي وذي تزكية لأن التبريز شرط في المزكي لا في التزكية وتقبل شهادة من يفتقر لها في مال بل (وإن بحد) أي فيه خلافًا لقول أحمد بن عبد الملك إنما يقبل في الدماء المبرز لا من يحتاج لتزكية ولو قال المصنف وإن بدم لحسن رده عليه إذ الخلاف فيه خاصة لا في مطلق الحد كما يقتضيه المصنف والتزكية إنما تكون (من معروف) عند القاضي بالعدالة أو بين الناس (إلا) الشاهد (الغريب) فلا يشترط معرفة القاضي بعدالة مزكيه لكن لا بد أن يزكي ذلك المزكي من هو معروف عند القاضي بالعدالة فمعرفة القاضي لا بد منها لكن إن كان الشاهد غير غريب فبلا واسطة وإن كان غريبًا فبواسطة ومثل الغريب النساء لقلة خبرة الرجال بهن (بأشهد أنه عدل رضا) مقتضاه أنه لا بد من لفظ أشهد فلو قال هو عدل رضا لم يكف على المشهور نقله طخ عن البساطي واعتمد مق عدم اشتراطه وأما الجمع بين عدل رضا فلا بد منه فإن اقتصر على أحدهما لم يجزه

ــ

نقله ح وبحث ابن مرزوق فيما إذا شهد بنقص بعد الحكم واستظهر أن ذلك من باب الرجوع عن الشهادة فيجري على حكمه فلا ينقض الحكم ويغرم الشاهد اهـ.

(وإن بحد) قول ز خلافًا لقول أحمد بن عبد الملك إنما يقبل في الدماء المبرز الخ فيه نظر فإن أحمد بن عبد الملك لم يشترط في الدماء التبريز وإنما اشترط فيها عدم احتياج الشاهد إلى التعديل ولا يلزم من ذلك أن يكون مبرزًا ونص المتيطي قال الباجي في وثائقه يجوز التعديل في الدماء وغيرها وهو قول مالك وقال أحمد بن عبد الملك لا يكون التعديل في الدماء ولا يقضي به انتهى هكذا نقله غير واحد (إلا الغريب) ومثله النساء وفي ذلك يذكر البيت المنسوب لسيدي عبد الواحد الوانشريسي وهو:

شهادة على شهادة هبا

إلا شهادة النسا والغربا

ونسبه ابن عاشر لسيدي علي بن هارون وقال أصرح من هذا البيت قولي مصلحًا له:

تعديل احتاج لتعديل هبا

إلا عدالة النسا والغربا

أي إلا تعديل النساء والغرباء فإنه يجوز تعديل من عدلهن وإن كان المعدل لهن غير معروف والهباء ما يرى في الشمس تدخل من كوّة مثل الغبار (بأشهد أنه عدل رضا) قول ز

ص: 298

على المشهور واشتراط العدالة لإشعارها بسلامة الدين والرضا لإشعاره بالسلامة من البله والغفلة قاله الشارح وهو الصواب وجعل تت تعليل الثاني للأول فيه قلب فإن قلت تفسير الشارح الرضا بما ذكر يغني عنه عدل لأنه أخذ فيما تقدم في مفهومه أنه ليس بمغفل قلت السلامة من الغفلة ليست معتبرة في مفهومه مطلقًا بل فيما يلبس كما تقدم فذكرت هنا معه لبيان أن التزكية مما يلبس وأيضًا الجمع بينهما للاحتياط (من فطن عارف) بباطن المزكى بالفتح كمعرفة ظاهره (لا يخدع) في عقله ولا يستزل في رأيه وهو تفسير وبيان لفطن فلو قدمه عقبه لكان أظهر (معتمد) في التزكية (على طول عشرة) وخالطه في الأخذ والإعطاء وسافر معه ورافقه ويرجع في طولها للعرف (لا) على (سماع) من معين أو من ثقات وغيرهم لم يحصل بخبرهم القطع وقطع المزكى بالتزكية فلا يزكي فإن أسندها للسماع من غير قطع جاز وكفت أو حصل بخبرهم القطع اعتمد فيها عليه ولو قطع بشهادة التزكية كما يأتي في شهادة السماع فلا تخالف (من سوقه أو محلته) لا من غيرهم لا من غيرهم لأن وقوفهم عن التزكية ريبة إلا لتعذر بأن لم يكن فيهم عدول مبرزين وليس الجار والمجرور متعلقين بسماع وإنما يتعلقان بالتزكية صفة لها أيضًا فكأنه قال وتزكية حاصلة من معروف

ــ

فإن اقتصر على أحدهما لم يجزه على المشهور الخ نقل ابن عرفة عن ابن رشد ما نصه اختار أن يجمع بين قوله هو عندي من أهل العدل والرضا لقول الله تعالى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} مع قوله عز وجل: {ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} فإن اقتصر على أحدهما اكتفى به لأنه سبحانه وتعالى ذكر كل لفظة على حدة ابن عرفة قلت وهذا نقل ابن فتوح عن المذهب اللخمي إن قال هو عدل رضا صحت العدالة واختلف أن اقتصر على إحدى الكلمتين هل هو تعديل أم لا فإن قال إحدى الكلمتين ولم يسأل عن الأخرى فهو تعديل لورود القرآن العظيم بقبول شهادة من وصف بإحداهما وأن سئل عن الأخرى فوقف فهو ريبة في تعديله يسئل عن سبب وقفه فقد يذكر ما لا يقدح في العدالة أو يذكر ما يريب فيوقف عنه اهـ.

وفي الجلاب التزكية أن يقول الشاهد أن نشهد بأن فلانًا عدل رضا ولا يقتصر أن على لفظ واحد من العدالة والرضا هكذا نقله ابن عرفة وفي ضيح كون إحدى الكلمتين لا تكفي هو الذي في الجلاب قال في الكافي هو تحصيل مذهب مالك وقال ابن زرقون المعلوم من المذهب خلافه وأنه إن اقتصر على إحداهما أجزأه وهو المعلوم لمالك وسحنون وغيرهما واختار اللخمي التفصيل ثم ذكر ما تقدم عنه وبه تعلم أنه كان على المصنف أن يشير هنا إلى الخلاف في ذلك والله تعالى أعلم (من فطن عارف) أي عارف بأحوال الناس بمخالطته لهم فلا يغتر بظواهرهم إذ كم من ظاهر مموّه على باطن مشوّه وعليه يترتب قوله لا يخدم ويحتمل أن يكون مراد المصنف عارف بما يقدح في العدالة انظر ابن الحاجب وأما معرفته بالمزكي فتؤخذ من قوله من سوقه الخ فلا تفسر به المعرفة هنا كما فعل ز والله أعلم (لا سماع) لما عورض هذا مع ما يأتي من قبول شهادة السماع في التعديل وفقوا بين المحلين بتخصيص هذا بالسماع من معين أي فلا يقبل من المعدلين أو المجرحين أن يقولوا سمعنا

ص: 299

وحاصلة من أهل سوقه الخ وأشعر إتيانه بأوصاف المزكي بالكسر مذكرة أن النساء لا تقبل تزكيتهن لا لرجال ولا لنساء ولو فيما تجوز شهادتهن فيه وهو كذلك (ووجبت) التزكية أي الشهادة بها (إن تعين) أداؤها بأن لا يوجد من يعدله غيره أو نحو ذلك وفي بعض النسخ ووجب أي التعديل ثم إن عرف تزكية الشاهد بالحق أربعة وجبت على كل اثنين كفاية وإن لم يعرفها إلا اثنان فهي فرض عين عليهما ومحل الوجوب بقسيمه إن طلبت في حق آدمي فإن لم تطلب في حقه لم تجب وأما في محض حق الله فتجب المبادرة بالتزكية إن استديم تحريمه كالشهادة كما يأتي (كجزح) بفتح الجيم (إن بطل حق) تشبيه في الوجوب أي أن من علم جرحة شاهد وأنه إن لم يجرحه بطل الحق بسبب شهادته أو حق باطل فإنه يجب تجريحه لئلا يضيع الحق أو يحق الباطل والشرط راجع لما بعد الكاف لا لما قبلها أيضًا لاستغنائه بشرطه الذي هو في المعنى يرجع إلى بطلان الحق حيث ترك التزكية (وندب تزكية سر معها) أي مع تزكية العلانية أي ندب للقاضي طلب الجمع بينهما فإن اقتصر على السر أجزأت اتفاقًا كالعلانية على المعتمد وندب السرية متوقف على كونه (من متعدد) فهو مندوب فقط كما أن حصول وجوب تزكية العلانية يتوقف على التعدد ويفترقان في أن السرية لا يشترط فيها التبريز ولا الأعذار للمشهود عليه كما مر دون الغلانية فيهما وتقبل التزكية بقسميها (وإن لم يعرف) المزكي (الاسم) للمزكى بالفتح ولا الكنية المشهور بها ولا اللقب لأنه يزكي ذاته لا ما اشتهر به (أو لم يذكر السبب) لأن التعديل يتوقف على أمور بما لا يتيسر استحضارها عند التزكية (بخلاف الجرح) بالفتح فلا بد من ذكر سببه لأنه ربما اعتقده المجرح بما لا يجرح به شرعًا كالبول قائمًا وعدم

ــ

فلانًا وفلانًا يشهدان بأن فلانًا عدل رضا أو غير عدل نقله العوفي عن سحنون في المجموعة قال إلا أن يكون المشهود على شهادته قد أشهدهم على التزكية أو التجريح اهـ.

نقله طخ ووفق الشيخ أحمد بين الموضعين بتوفيق آخر فحمل ما هنا على ما إذا شهد بالقطع معتمدًا على سماع فاشيًا كان أولًا وما يأتي حيث شهد على السماع وجمع ز بين التوفيقين قال ابن عاشر وإذا كفي في التعديل السماع الفاشي ضاعت هذه القيود أي معتمدًا على طول عشرة الخ (وندب تزكية سر معها) قول ز وندب السرية متوقف على كونه من متعدد الخ مثله في خشن وهو ظاهر في تزكية السر من حيث هي لا بقيد جمعها مع العلانية وأما ندب جمعها مع العلانية فلا يتوقف على التعدد بل يكفي في تحصيل ندب الجمعية واحد لكن إذا جمعها من متعدد مع العلانية فقد حصل مستحبان وهما جمعها مع العلانية وكونها من متعدد وهذا ظاهر ويفيده كلام ضج وغيره (وإن لم يعرف الاسم) قال غ قال في النوادر عن ابن سحنون عن أبيه أن من عدل رجلًا لم يعرف اسمه قبل تعديله وجعله ابن عرفة كالنافي لقول سحنون في نوازله لا ينبغي لأحد أن يزكي رجلًا إلا أجلًا قد خالطه في الأخذ والإعطاء وسافر معه ورافقه ولقول اللخمي عن ابن المواز لا يزكيه حتى تطول المخالطة

ص: 300

ترجيح الميزان (وهو مقدم) على البينة الشاهدة بالعدالة لأنها تحكي عن ظاهر الأمر والمجرحة تحكي عن باطنه وأيضًا المجرح متمسك بالأصل (وإن شهد) المزكى بالفتح (ثانيًا) قبل تمام عام وجهل حاله (ففي الاكتفاء بالتزكية الأولى) وعدمه إن لم يكثر معدلوه (تردد) فإن لم يجهل حاله بل عرف بالخير أو كثر معدلوه لم يحتج بتزكية أخرى فإن شهد مجهول الحال بعد سنة ولم يكن زكاه قبلها كثيرون احتيج لإعادتها ثانيًا وعطف على قوله

ــ

فيعلم باطنه كما يعلم ظاهره قال يريد يعلم باطنه في غالب الأمر لا أنه يقطع بذلك قال ابن غازي والذي في أصل المتيطي وتجوز تزكية من لا يعرف اسمه إذا كان مشهورًا بكنية أو لقب لا يعز عليه ذكره ورب رجل مشهور بكنيته لا يعرف له اسم وهذا كأشهب بن عبد العزيز لا يكاد أكثر الناس يعرف اسمه مسكين وسحنون بن سعيد اسمه عبد السلام وقد غلب عليه سحنون في حياته وبعد وفاته وبه كان يخاطب عن نفسه اهـ.

وبه تعلم ما في كلام ز رحمه الله تعالى والله أعلم.

فائدة: لا ينبغي الإسراع إلى التزكية لصعوبتها ولذلك حذروا من الشهادة في ست مسائل وهي التزكية والشهادة على الخط والجرح والتحجير والرشد والتدمية ونظمها بعضهم فقال:

أترك شهادة بجرح تزكيه

رشد وتحجير وخط تدميه

اهـ.

(وهو مقدم) سمع القرينان مالكًا في الشاهد يعدله الرجلان ويأتي المطلوب برجلين يجرحانه قال ينظر في ذلك إلى الشهود أيهم أعدل وقال ابن نافع المجرحان أولى ويسقط التعديل وقال سحنون مثله ابن رشد قول ابن نافع وسحنون هو دليل ما في كتاب السرقة من المدونة وراوية عيسى عن ابن القاسم عن مالك وفي المسألة قول ثالث حكاه في المبسوط عن مطرف وابن وهب وهو أن التعديل أولى من التجريح وهذا الاختلاف إنما هو إذا لم يبين المجروحون الجرحة وتعارضت الشهادة في الظاهر بأن يقول المعدلون هو عدل جائز الشهادة ويقول المجرحون هو مسخوط غير جائز الشهادة فأما إذا بين المجرحون المجرحة فلا اختلاف في أن شهادتهم أعمل من شهادة المعدلين وإن كانوا أقل عدالة منهم ولكل قول منها وجه ثم قال بعد توجيهها والقول بأن شهادة المجرحين أعمل هو أظهر الأقوال وأولاها بالصواب اهـ.

منه وقال ابن سهل تقديم الجرح على التعديل أصح في النظر وقائله كثير وعليه العمل اهـ.

وقال المتيطي لما تعرض لاختلاف الشهود في الكفاءة في النكاح ما نصه والذي مضى به العمل أن التجريح أتم شهادة لأنهم علموا من الباطن ما لم يعرفه المعدلون وهو قول ابن نافع وسحنون اهـ.

وقال في كتاب الشهادة من نهايته أيضًا ما نصه وشهادة التجريح أقوى من شهادة التعديل فيبطل بشهادة عدلين شهادة من يعدله العدد الكثير من الرجال العدول لأن المجرح علم من باطن حال المجرح ما لم يعلمه المزكي هذا هو القول المشهور من قول مالك وأصحابه اهـ.

ص: 301

بخلاف الخ قوله: (وبخلافها لأحد ولديه على) ولده (الآخر أو) لأحد (أبويه) على الآخر فتجوز (إن لم يظهر) في المسألتين (ميل) للمشهود له فإن ظهر لم تجز كشهادة الأب للبار على العاق أو للصغير على الكبير أو للسفيه على الرشيد لاتهامه على إبقائه المال تحت يده أي الأب وتجوز شهادة الولد على أبيه بطلاق أمه إن كانت منكرة واختلف إن كانت هي القائمة بذلك فمنعها أشهب وأجازها ابن القاسم وإن شهد بطلاق غير أمه لم يجز إن كانت أمه في عصمة أبيه لا إن كانت ميتة ولو شهد لأبيه على جده أو لولده على ولد ولده لانبغى أن لا تجوز قولًا واحدًا ولو كانت على العكس لانبغى أن تجوز قولًا واحدًا (ولا) تقبل شهادة شاهد (عدوّ) للمشهود عليه عداوة دنيوية لا دينية لجواز شهادة المسلم على الكافر (ولو على ابنه) أي لا تجوز شهادته على ابن عدوه وكذا ابن العدو لا يشهد على عدوّ أصله ولو مات لأن العداوة تورث (أو) أي ولو بين (مسلم وكافر) بينهما عداوة دنيوية لأنها خاصة بخلاف العامة وهي الاختلاف في الدين فتجوز معه شهادة المسلم عليه (وليخبر) الشاهد (بها) أي بالعداوة وجوبًا إذا قال له القاضي أدّ الشهادة فيؤديها ويخبر بالعداوة لاحتمال أن لا تكون قادحة إذا فسرت ولتسلم من التدليس هذا سماع عيسى بن القاسم وسمع سحنون لا يخبر بها لأنه يبطل بها حقًّا وقال ابن رشد أنه أصح القولين كما في ق والشرح فانظر جعل مقابل المصنف الأصح وما قررناه من أن الأخبار بعد الأداء هو ظاهر نقل ق خلافًا لحل تت ومثل العداوة القرابة وشبه بالعداوة أو مثل لها بقوله: (كقوله) أي الشاهد للمشهود عليه (بعدها) أي بعد أداء الشهادة وقبل الحكم (تتهمني) في شهادتي عليك (وتشبهني بالمجانين) حال كون القائل المذكور (مخاصمًا) له عند الحاكم فهو حال من المضاف إليه وهو الهاء في كقوله والشرط موجود فترد شهادته لأنه قرينة على العداوة فقوله قبل ولا عدو أي من ظهرت عداوته ولو بقرينة كما هنا وهذا يؤيد أنه مثال ويكون نبه بالأخفى ليعلم منه الأجلى بالطريق الأولى وهو من أقر على نفسه بالعداوة للمشهود عليه وأما إن فسر قوله ولا عدوّ بمن تثبت عداوته فيكون قوله هنا كقوله تشبيهًا (لا شاكيًا) للناس ما فعل به من دعواه عداوته أو ما كنت أظنه يقول ذلك عند غير الحاكم

ــ

وقد علمت بأن القائل بتقديم الجرح على التعديل بقوله ولو كان شهود التعديل أعدل أو أكثر خلاف ما في التحفة إذ قال:

وثابت الجرح مقدم على

ثابت تعديل إذا ما اعتدلا

(وبخلافها لأحد ولديه) في ق قال ابن يونس قال مالك في الابن يشهد لأحد أبويه على الآخر لا تجوز إلا أن يكون مبرزًا أو يكون ما شهد به يسيرًا اهـ.

وفي ح واشترط بعضهم في قبول هذه الشهادة التبريز ولم يذكره المصنف رحمه الله تعالى اهـ.

(مخاصمًا لا شاكيًا) هذا التفصيل الذي ذكره هو قول أصبغ في الثمانية ولم يكمله

ص: 302

أو معاتبًا له بسبب ما قال ولا يرد على ردها حال كونه مخاصمًا ما يأتي من أن العداوة الحادثة بعد الأداء لا تقدح في الشهادة لأنها في الطارئ بعد الأداء وما هنا مقارنة له وفرق بين المانع الطارئ بعد أدائها وبين المقارن لها ومفهوم قولي وقبل الحكم أنه لو قال ما ذكر على وجه الخصام بعد الحكم لا يكون كذلك وانظر هل هو بمنزلة رجوعه عن الشهادة فيغرم ما أتلفه بشهادته أم لا واعلم أنه إن قامت قرينة على تحقق الخصام أو على ظنه أو على تحقق الشكاية أو ظنها عمل على ذلك وأما إن فقد ما ذكر من القرينة فيحمل على أنه غير مخاصم لأن الشك في المانع يلغى (واعتمد) الشاهد في شهادته في (إعسار) لمدين (بصحبة) أي على صحبة نفسه للمدين مدة يغلب معها ظنه أنه معسر (و) على (قرينة صبر ضر) كعرى أو جوع فيشهد بإعساره لأن الظن القوي عدم صبره على ما ذكر فالمعنى يجوز للشاهد أن يعتمد في شهادته على الظن القوي في هذين والثالث بعدهما ولا يشترط العلم الأول من القرينة أيضًا فهو عطف عام على خاص أو عكسه ويحتمل أنه مغاير (كضرر) أحد (لزوجين) بالآخر (ولا إن حرص) بفتح الراء قال تعالى: {وَلَوْ

ــ

المصنف ونصه على نقل ابن رشد كما في ق أن قاله على وجه الشكوى والاستنهاء من الأذى لا على وجه طلب خصومة ولا سمى الشتمة فلا أراه شيئًا وإن سمى الشتمة وهو مما في مثله الخصومة أو كان ذلك منه على وجه الطلب لخصومته وإن لم يسم الشتمة فشهادته ساقطة اهـ.

وهكذا نقله ابن عرفة رحمه الله ونقله في ضيح ناقصًا كما فعل هنا ولابن الماجشون تبطل شهادته بهذا القول من غير تفصيل قائلًا لأنه أخبر أنه عدوّه ولو قال ما هو أدنى من هذا سقطت شهادته ابن رشد وقول ابن الماجشون أصوب قال ق ونحو هذا اختيار اللخمي قال طرح هذه الشهادة أحسن إلا أن يكون مبرزًا اهـ.

فكان على المصنف الاقتصار على ما صوبه ابن رشد واختاره اللخمي وقول المصنف تتهمني الذي في الرواية كما في ق تشتمني (واعتمد في إعسار بصحبة) طفى لا مناسبة لذكر هذا الفرع هنا والأولى لو أخره عند قوله وإن قالوا أشهدتنا متنقبة الخ كما فعل ابن الحاجب وما ذكره المصنف مبني على أن الشاهد يكفيه الظن القوي فيما يعسر فيه العلم قال ابن عرفة وفي شرط شهادة غير السماع بقطع الشاهد بالعلم بالمشهود به مطلقًا وصحتها بالظن القوي فيما يعسر العلم به عادة طريقان الأولى للمقدمات لا تصح شهادة الشاهد بشيء إلا بعلمه والقطع بمعرفته لا بما يغلب على الظن معرفته ثم قسم محصلات العلم الثانية للمازري إنما يطلب الظن القوي المزاحم للعلم بقرائن الأحوال كالشهادة بالإعسار وعلى هذا مشى ابن شاس وابن الحاجب وهذا الظن الناشئ عن القرائن إنما هو كاف في جزم الشاهد بالمشهود به على وجه البت ولو صرح في أداء شهادته بالظن لم تقبل ولعله مراد ابن رشد فتتفق الطريقان المازري ومنه الشهادة بالملك فإنه لا يمكن القطع به اهـ.

(وقرينة صبر ضر) قول ز فهو عطف عام على خاص أو عكسه الخ صوابه عطف أعم على أخص بدل قوله عطف عام على خاص لأن العام لفظ يستغرق الصالح له من غير حصر

ص: 303

حَرَصْتُمْ} [النساء: 129] أي اتهم على الحرص (على إزالة نقص) كان موجودًا فيه وقت أدائها (فيما رد فيه) أي حكم بردها (لفسق أو صبا أو رق) أو كفر فلما زال المانع بأن تاب الفاسق وحسن حالته أو بلغ الصبي أو تحرر العبد أو أسلم الكافر أداها فلا تقبل للاتهام على قبولها لما جبل عليه الطبع البشري في دفع المعرة فلو لم يحكم بردها حتى زال المانع فأداها قبلت فقوله نقص أي تعيير أي دفع عار عنه وقوله فيما متعلق بمحذوف أي كشهادته فيما أي في حق رد فيه أي بعينه وأما في مثله فتقبل بعد زوال المانع (أو) اتهم على الحرص (على التأسي) أي على مشاركة غيره في معرته أي اتهم على أن يجعل غيره مثله لتهون عليه المصيبة لما قالوه من أنها إذا عمت هانت وإذا ندرت هالت وتود الزانية أن النساء كلهن يزنين فليس المراد بالتأسي الاقتداء وإنما المراد به المشاركة (كشهادة ولد الزنا فيه) أي في الزنا ومثله متعلقاته كقذف ولعان وكذا المنبوذ لا تجوز شهادته في شيء من ذلك وإن كان عدلًا وصورة اللعان أن يشهد ولد الزنا أنه حصل بين زوجين لعان بسبب رميه لها بالزنا وهما ينكران ذلك (أو) شهادة (من) أي مسلم (حد) بالفعل لا تقبل (فيما) أي في مثل ما (حدّ فيه) بخصوصه وأما في غيره فتقبل كمن حد في شرب خمر فيشهد بقذف ونحوه وقولي حد بالفعل احتراز عما إذا عفى عنه فيشهد في مثله إن كان قذفًا كما في المدونة لا إن كان قتلًا فلا يشهد في مثله كما في الواضحة عن الأخوين وانظر لو جلد البكر في الزنا هل له الشهادة باللواط نظرًا لاختلافهما في الحد أولًا نظرًا لدخوله في حقيقة الزنا كما يأتي ومثل من حدّ من عزر فلا يشهد في مثل ما عذر فيه إلا أن يكون وقع منه ذلك فلتة وقولي أي مسلم احتراز عن كافر حد ثم أسلم

ــ

وليس بموجود هنا وجواز كونه من عطف الأعم على الأخص وعكسه صحيح لأن قرينة صبر الضرّ أعم من الصحبة لأنها تكون معها وبدونها كما أن الصحبة أعم من قرينة صبر ضر باعتبار آخر لأن الصحبة يطلع بها عن أمور أخرى غير صبر الضر يستدل بها على الإعسار فثبت أن كل واحد منهما أعم من الآخر من وجه وقول ز فلو لم يحكم بردها حتى زال المانع الخ يعني أداها وتأخر الحكم بردها حتى زال المانع فإنها تقبل بشرط إعادتها بعد زوال المانع قاله ح وأحرى لو لم يؤدها حتى زال المانع لقول أشهب من قال لقاض يشهد لي فلان العبد أو النصراني أو الصبي فقال لا أقبل شهادتهم ثم زالت موانعهم قبلت شهادتهم لأن قوله ذلك فتوى لا رد انظر ق (أو على التأسي) الذي في القاموس ائتسي به جعله أسوة والأسوة بالكسر والضم القدوة وليس فيه تأسي يهذا المعنى لكن نقل الشيخ أبو زيد عن شيخه السراج نقلًا عن الطبراني أنه يقال التأسي والائتساء في الاقتداء فحقق ذلك والمصنف تبع ابن الحاجب قال طخ الحرص على الإزالة أما بإظهار البراءة أو بإظهار التأسي وإعادة حرف الجر في قوله أو على التأسي دون حرف النفي عشر بأنه من قسم الحرص لا مانع مستقل اهـ.

والأولى أن لو عبر المصنف عن هذا المانع بلفظ عام تندرج فيه أفراده كما فعل في بقيتها ولفظ ابن الحاجب الخامس الحرص على إزالة التعيير بإظهار البراءة أو بالتأسي الخ

ص: 304

وحسنت حالته فتقبل شهادته في كل شيء والقاضي له أن يحكم ولو فيما حد فيه كذا في بعض التقارير وفي د ليس له الحكم في الزنا قال سحنون لا بأس أن يستقضي ولد الزنا ولا يحكم في الزنا اهـ.

(ولا إن) اتهم على أن (حرص على القبول) لشهادته لا لعداوة لئلا يتكرر مع ما مر (كمخاصمة مشهود عليه) أي مخاصمة الشاهد مشهودًا عليه (مطلقًا) أي سواء كان الحق لآدمي كدعوى شخص لغائب على آخر ويشهد له فإن رفعه يتهم فيه على حرصه على قبول شهادته مع مانعها الذي هو دلالة مخاصمته على بغضه أو لله كرفع أربعة شخصًا شهدوا عليه بالزنا فلا تقبل شهادتهم عليه به عند ابن القاسم ابن رشد لأن تعلقهم به ورفعهم إياه لا يجب عليهم بل هو مكروه لهم لأن الإنسان مأمور بالستر على نفسه وعلى غيره ويستثنى منه رفع صاحب شرطة مولى من سلطان أو نائبه على تغيير المنكر بالمصلحة فتقبل شهادته مع غيره عند موليه على سرقة شخص أو زناه حيث رفعه عند أخذه كما قال ابن القاسم لأنه مأمور برفعه من حيث أنه موكل بالمصلحة لا إن سجنه ثم رفعه له فلا إلا لعذر كليل اهـ.

(أو شهد وحلف) على صحة شهادته في حق الله تعالى أو آدمي قدم الحلف على الشهادة أو آخره وظاهره عاميًّا أو غيره ابن عبد السلام ينبغي أن يعذر العامي لأن العوام يتسامحون في ذلك اهـ.

وللقاضي أن يحلف الشاهد بالطلاق إن تهمه قاله ابن فرحون وذكر الحرص على أداء الشهادة وهو مانع من قبولها أيضًا فقال: (أو رفع) شهادته للحاكم (قبل الطلب) من المشهود له فشهد قبل أن يستشهد (في محض حق الآدمي) وهو ماله إسقاطه لا مالًا حق فيه لله إذ ما من حق لآدمي إلا ولله فيه حق وهو أمره بإيصاله لمستحقه ونهيه عن أكله بالباطل ويجب عليه أن يخبر صاحب الحق عينًا إن علمه فقط وكفاية أن علمه هو وغيره ثم قد يتبادر أن قوله أو رفع الخ مثال ثالث للحرص على القبول الذي لابن شاس وابن الحاجب أنه من الحرص على الأداء كما قررنا فكان يقول ولا إن حرص على الأداء كان رفع الخ والجواب من وجهين إما بأن يراد برفع أدى وإن لزم من ذلك الحرص على

ــ

والتعيير بالعين المهملة مصدر غيره كما في ضيح (ولا إن حرص على القبول) الأولى أن يقول ولا إن حرص على الشهادة أي قبولًا وأداء ليشمل الرفع قبل الطلب لأنه حرص على الأداء لا على القبول إذ القبول فرع الأداء وهو الآن لم يحصل وجواب ز عن المصنف غير ظاهر بوجهيه معا (أو شهد وحلف) أي حلف عند أدائها قال في التبصرة وأما الحرص على القبول فهو أن يحلف على صحة شهادته إذا أداها وذلك قادح فيه لأن اليمين دليل على التعصب وشدة الحرص على نفوذه اهـ.

وهو ظاهر في أن اليمين القادحة هي الواقعة عند الأداء خلاف ما يقتضيه ظاهر قول ز

ص: 305

القبول بعد الأداء وإما أن يكون فيه حذف أو معطوفها بعد قوله على القبول أي أو الأداء ويكون المثالان السابقان للقبول وهذا للأداء (وفي محض حق الله) وهو ما ليس للمكلف إسقاطه (تجب المبادرة) بالرفع للحاكم للشهادة (بالإمكان) أي معه أو بحسبه (استديم تحريمه كعتق) لعبد أو أمة والسيد يستخدمه كالرقيق أو يحبسه ويدعي الملكية ويطؤها بغير عقد (وطلاق) علمه من شخص مع عشرة الزوج لها في الحرام (ووقف) على غير معين كما يفيده جعله من أمثلة حق الله المستدام تحريمه لكن كان الواضع يده عليه غير الواقف لا الواقف لما مر من أنه لا يقضي به في الوقف على غير معينين فرفع الشاهد حينئذٍ لا ثمرة له تأمل وأما إن كان على معين فهو حق آدمي له إسقاطه حتى بعد قبوله ولأنه يقضي له به كما قدم المصنف وقد يقال هو من المستدام تحريمه أيضًا لأن حقه تعالى في الوقف أن لا يغير عن سنته خصوصًا بعد القبول (ورضاع) علمه شاهد أنه بين زوجين كان في صغرهما واعلم أن تفسير حق الله بما ليس للمكلف إسقاطه كما مر قد يوجد فيه حق الآدمي كالأمثلة الثلاثة الأول فإن العبد له حق في العتق بتخليص رقبته من الرق والمرأة في تخليص عصمتها من الزوج والموقوف عليهم في استحقاقهم فيه وقد تتمحض هذه الثلاثة عن حق الآدمي كرضا العبد بخدمته كخدمة من لم يعتق والمرأة ببقائها تحته والموقوف عليه بتركه ما يستحقه من الوقف أي فيحرم ويجب الرفع وأما

ــ

قدم الحلف على الشهادة أو آخره والله أعلم (وفي محض حق الله تجب المبادرة الخ) لو حذف لفظ محض كما قيل ابن الحاجب كان أحسن قال ح رحمه الله.

تنبيه: بهذا القسم والذي قبله الدفع التعارض بين قوله صلى الله عليه وسلم: في معرض الذم ثم يكون قوم يشهدون ولا يستشهدون وقوله عليه الصلاة والسلام تبادر شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته وبين قوله عليه الصلاة والسلام في معرض المدح ألا أخبركم بخير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها فحمل الأول على الأول والثاني على الثاني اهـ.

والله أعلم (أن استديم تحريمه) هذه العبارة على حذف مضاف أي أن استديم ارتكاب تحريمه وإلا فكل محرم مستديم التحريم اهـ.

(ووقف) قال في ضيح قيد ابن شاس الوقف بأن يكون على غير معين وأطلق فيه قول ابن الباجي وابن رشد اهـ.

قيد ز المصنف بما لابن شاس وفصل بعض المحققين في الوقف لمعين قائلًا إن كان الواقف يتله أولًا ولكن جعله لمعين فالحق في هذا حق الله لأن ذلك المعين إذا لم يقبله رجع للفقراء والمساكين لا للواقف أو ورثته وأما إذا كان من أول وهلة على معين من غير تبتيل له أولًا كان يجعله حبسًا بشرط أن يكون على فلان فهو حق آدمي لأنه إذا لم يقبله هنا رد لمالكه أو لورثته اهـ.

والله أعلم.

ص: 306

الرضاع فظاهر تمحضه لله قاله بعض المحشين (وإلا) يستدام تحريم حق الله بل ينقضي بالفراغ منه (خير) الشاهد في الرفع والترك (كالزنا) وشرب الخمر إلا المتجاهر فكره مالك الستر عليه بخلاف الحرص على التحمل (كالمختفي) أي المتواري عن المشهود عليه ليشهد على إقراره فيعمل به (ولا إن استبعد) لإشهاد أي طلب الشهادة أي استغرب (كبودي) يستشهد في الحضر في الأموال (لحضري) قروي أو مصري على حضري ولذا عدل عن خير لا يشهد بدوي لقروي كما في رواية لرواية لا يشهد بدوي على حضري وحملها مالك على طلب ذلك منه لأن ترك شهادة الحضري ريبة واستغراب وأما تحملها منه في الحضر على حضري بحرابة أو قتل أو قذف أو جرح وشبهه فلا استبعاد وأما السين في المصنف فللتأكيد وصرح بمفهوم طلب الاستشهاد بقوله: (بخلاف إن سمعه) في الأقوال أي سمع البدوي الحضري يقر لحضري وكذا إن رآه في الأفعال يغصب مثلًا لحضري مالًا (أو مر) بالبناء للمفعول (به) أي مر حضريان في سفر ببدوي فيشهد في الأموال لو استشهد وكذا في الدماء والجراح وحيث تطلب الخلوات والبعد عن العدول فيشهد كما في ق (ولا سائل) صدقة لنفسه غير زكاة لا تقبل شهادته (في كثير) فهو متعلق

ــ

(والأخير كالزنا) أي والترك أولى لقوله صلى الله عليه وسلم للذي شهد عنده لو سترته بردائك كان خيرًا لك وقوله صلى الله عليه وسلم من ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة رواه مسلم إلا أن يكون مشهورًا بالفسق مجاهرًا به فقد كره مالك وغيره الستر عليه قاله في الإكمال ونقله في ضيح (كالمختفي) أي فتقبل شهادته بناء على جواز تحمل الشهادة على المقر من غير أن يقول أشهد علي به بشرط أن يستوعب كلامه هذا هو الذي به العمل كما في المفيد والتحفة وهو المشهور كما في المواق وأطلق المصنف في قبولها من المختفي وهو مقيد كما في النوادر بأن لا يكون مخدوعًا أو خائفًا وإلا فلا تقبل قاله ابن مرزوق ونقل ابن الحاجب القيد عن محمَّد فقال في ضيح وليس قول محمَّد تقيدًا للمشهور بل هو من تمامه اهـ.

(كبدوي لحضري) لا يتقيد بهذا ونص ابن عرفة ولابن رشد في رسم القبلة من سماع ابن القاسم حاصل هذا السماع وما ذكره ابن حبيب عن مالك وأصحابه أن شهادة أهل البادية فيما يقصد إلى إشهادهم عليه دون الحاضرة فيما يقع بالحاضرة من عقود معاوضة ووصية وتدبير وعتق وشبهه لا تجوز فلا تجوز شهادة البدوي في حضر على حضري ولا على بدوي لحضري ولا لبدوي إلا في الجراح والقتل والزنا وشرب الخمر والضرب والشتم وشبهه مما لا يقصد الإشهاد عليه ويجوز فيما يقع بالبادية من ذلك كله على حضري أو بدوي فعلى هذا لو حضر أهل بادية شيئًا مما يقع في الحاضرة بين أهلها وغيرهم من معاملة وغيرها دون أن يحضروا لذلك أو يقصد إلى إشهادهم فشهدوا بما حضروا جازت شهادتهم إن كانوا عدولًا اهـ.

وأما شهادة الحضري على البدوي فنقل فيها في ضيح خلافًا (ولا سائل في كثير) المانع في هذا أيضًا هو الاستبعاد فيقيد كما في ضيح بما قيد به ما قبله من قوله بخلاف أن سمعه أو مرّ به ويفهم من قوله في كثير أن ذلك في الأموال لا في الحرابة والقتل الخ اهـ.

ص: 307

بمقدر كما قررنا لا بقوله سائل ويجوز في التافه اليسير ثم الكثير هو ما لم تجر العادة باستشهاده فيه وترك الأغنياء ومنعت للريبة والتهمة وللاستبعاد أيضًا فيجري فيها قوله بخلاف إن سمعه كما استظهره اللخمي فكلامه مع قصد الشهادة منه أيضًا ولو قال أو سائل في كثير لكان أظهر لأنه من الاستبعاد أيضًا كما علمت (بخلاف من) أي فقير (لم يسأل) لكنه يقبل إذا أعطى قاله د: (أو يسأل الأعيان) أي الأغنياء أو يسأل صدقة واجبة أو لغيره مطلقًا كما لابن ناجي على المدونة فيقبل وعطف على قوله بمغفل من حيث المعنى قوله: (ولا إن جربها نفعًا) أي ولا يجره نفعًا له بها (كعلى) أي كشهادته على (مورثة المحصن) الغني (بالزنا) فإن شهادته لا تجوز لاتهامه على قتله ليرثه سواء كان الشهود كلهم ورثة أو بعضهم ممن لا تتم الشهادة إلا به واحترز بالمحصن عن المورث البكر فإن شهادة وارثه عليه جائزة لعدم التهمة حينئذٍ (أو قتل العمد) فلا تقبل ويحد في الأولى للقذف قال د: قوله أو قتل ظاهره العطف على الزنا وهو غير واضح إذ يصير التقدير كعلي مورثة المحصن بالقتل اهـ.

وجوابه أنه عطف على المقيد بدون قيده لما هو مقرر أنه إذا جرى قيد في المعطوف عليه لا يلزم جريانه في المعطوف واستثنى منقطعًا قوله: (إلا) المورث (الفقير) فإن شهادة وارثه عليه بالزنا أو القتل عمدًا جائزة لعدم اتهامه حينئذ على نفعه ولذا جعلت الاستثناء منقطعًا وتجوز شهادته عليه ولو اتفق عليه الشاهد على المعتمد ودخل بالكاف قول النوادر من حلف لغريمه بالعتق ليقضينه حقه إلى أجل كذا فحنث فقام رقيقه فيشهد له الطالب فترد شهادته كما رواه أشهب عن مالك ودخل بها أيضًا شهادة رب دين على مدين أنه حلف بطلاق زوجته ليقضينه إلى أجل كذا ويشهد عليه بذلك بعد مضي الأجل عند دعوى زوجته أنه وقع عليه الطلاق فإنه لا تجوز شهادته قاله مالك ابن رشد لأنه لما لم تجز قبل الأجل لتهمه طلب تعجيل دينه لم تجز بعده لاحتمال أن يكون قد ادعى عليه قبله وأراد بعده أن يحقق دعواه السابقة والأظهر عندي جوازها بعده لأنه لم يبق إلا الحنث فلا تهمة في طلب تعجيل الحق اهـ.

ــ

(أو قتل العمد) قول ز عطف على المقيد بدون قيده الخ فيه نظر بل هو عطف على معمول الفعل المقيد فالقيد منصب عليه فلو قال لا مفهوم للقيد بالنسبة لهذا كان أحسن وقول ز واستثنى منقطعًا الخ فيه نظر بل الاستثناء متصل لصدق ما قبل إلا بما بعدها وقول ز وتجوز شهادته عليه ولو أنفق عليه الشاهد على المعتمد الخ انظر من قال هذا والذي في المواق عن ابن رشد في شهادتهم على الأب بقتله فلانًا عمدًا إنه يجب قبول شهادتهم بذلك ما لم يتهموا على إرثه أو الراحة من النفقة عليه اهـ.

ونقل قبله عن ابن اللباد ما نصه لا تجوز شهادتهم وإن كان الأب معدمًا لتهمتهم على سقوط نفقته عنهم برحمه ونقل نحوه عن أشهب وقد رجع ز لهذا عند قول المصنف بخلاف المنفق الخ وقول ز والأظهر عندي جوازها الخ الظاهر أن بحث ابن رشد يجري في مسألتي

ص: 308

ودخل بها أيضًا شهادة سيد وحده أو مع غيره بطلاق عبده لامرأته الأمة له أو لغيره أو الحرة لأنه عيب يتهم على إزالته.

تتمة: لو شهد شاهدان على قاض بأنه حكم بكذا وقد شهدا على أصل ما حكم به فأظهر الأقوال جواز شهادتهما فيهما وقيل تبطل فيهما وقيل لا تجوز على الحكم وتجوز على الأصل وعطف على مورثه بتقدير مضاف قوله: (أو) شهادته (بعتق من يتهم) الشاهد (في ولائه) لغناه أو علمه أو صلاحه أو جاهه لرغبة الناس في انتسابهم لمن اتصف بذلك أي شهد أن مورثه أعتق العبد المذكور زاد في المدونة قيدين آخرين لرد شهادته أحدهما أن يكون في الورثة من لا حق له في الولاء كبنات وزوجات لأن شهادته تؤدي إلى إحرام المذكورات فإن كانوا كلهم ذكورًا قبلت لأن ردها ضرر على الجميع ثانيهما كون التهمة حاصلة وقت الشهادة بأن يكون لو مات ورثه الشاهد وإلا قبلت كشهادة أخوين على أخ ثالث لهما أنه أعتق عبده وللمعتق بالفتح أو الكسر ابن والمراد بالولاء المال (أو) شهادته (بدين لمدينه) عن هبة أو جرح خطأ أو نحوه مما يؤول لمال لاتهامه على أخذ ما يحصل له في دينه فهذا وما قبله من أمثلة الجر أيضًا لا بقذف وقتل عمد ونحوه لعدم التهمة ولو أبدل دين بمال لكان أشمل كشهادته له بمعين كثوب أو دار وقيد كلامه بما إذا ألد المدين أو أعسر أو الدين حال أو قريب الحلول فإن لم يلد أو لم يقرب حلوله قبلت وعبر هنا بمدينه وفيما يأتي بمدان تفننا إذ هما لغتان وقدم ثالثة مديان وبقيت رابعة وهي مديون (بخلاف المنفق) نفقة غير واجبة عليه أصالة فيجوز أن يشهد (للمنفق عليه) أو يشهد عليه بقتل أو زنا وهو محصن لضعف التهمة بكون نفقته عليه غير واجبة أصالة بل لكونه أجيرًا عنده وليس في عياله أو لكون نفقته بالتزام وسواء كان قريبًا أم لا وأما من وجبت نفقته أصالة فلا لتأكد القرب كما أن عكس كلامه وهو شهادته لمن ينفق عليه غير مقبولة لخشية أنه يقطع عنه نفقته إن ترك شهادته له (و) بخلاف شهادة (كل) من شهادين (للآخر) فتجوز (وإن بالمجلس) أي سواء شهد كل واحد لصاحبه بمجلس واحدًا وأحدهما بمجلس غير مجلس الآخر وسواء كان المشهود عليه واحدًا أو

ــ

العتق والطلاق (بخلاف المنفق للمنفق عليه) ابن عرفة الصقلي عن ابن حبيب إن كان المشهود له في عيال الشاهد جازت شهادته له إذ لا تهمة قال بعض المتأخرين إن كان المشهود له من قرابة الشاهد كالأخ ونحوه أنبغى أن لا تجوز شهادته له بمال لأنه وإن كانت نفقته لا تلزمه فإنه يلحقه بعدم نفقته عليه وصلته معرة ولو كان المشهود له أجنبيًّا جازت شهادته له الصقلي هذا استحسان ولا فرق بين القريب والأجنبي في رواية ابن حبيب اهـ.

وبه تعلم أن تقييد ز مسألة المصنف بالنفقة غير الواجبة خلاف ما اعتمده ابن يونس من الإطلاق وأن تقييده بقوله وليس في عياله غير صحيح لأنه خلاف فرض المسألة كما تقدم ثم إن مسألة المصنف تقيد بما إذا أنفق لا ليرجع وإلا فهو مما دخل في قوله أو بدين لمدينه

ص: 309

متعددًا (و) بخلاف شهادة (القافلة) وأبدل منه (بعضهم لبعض في حرابة) على من حاربهم فيجوز أن يشهد عدلان منهم لبعض بأخذ مال أو بنفس أو بسبب ويحتمل أنه بدل مقطوع مرفوع خبره في حرابة وهذه وإن كانت فيها شهادة كل للآخر كالسابقة إلا أنه ربما يتوهم في هذه عدم الجواز لما بينهم وبين المحاربين من العداوة الدنيوية فقبلت هنا للضرورة (لا المجلوبين) كذا في بعض النسخ بياء الجمع وهو مجرور فقط عطفًا على لفظ القافلة قال ابن مالك:

وجر ما يتبع ما جر

أي لا تجوز شهادة المجلوبين بعضهم لبعض أي وفي بعضها بواو الجمع عطفًا على لفظ بعضهم المرفوع على البدلية في أحد وجهيه المتقدمين أو على محل القافلة إذ محله الرفع لأن التقدير أن تشهد القافلة قال ابن مالك:

ومن راعى في الاتباع المحل فحسن

ــ

(والقافلة بعضهم لبعض) قيد في المدونة هذا يكون الشهود عدولًا وهو ظاهر المصنف لأن سياقه فيمن تقبل شهادته خلافًا لتت وهذا إذا شهدوا في حرابة وأما أن شهدوا لبعضهم على بعض في المعاملات فنقل المواق من رواية الأخوين عن مالك وجميع أصحابه إنهم يجيزونها للضرورة بمجرد توسم الحرية والعدالة في ذلك السفر وحده وإن لم يتحقق العدالة وعليه درج في التحفة إذ قال:

ومن عليه وسم خير قد ظهر

زكي إلا في ضرورة السفر

(لا المجلوبين) قول ز عطفًا على لفظ القافلة الخ فيه نظر بل هو معطوف على قوله وشهادة كل للآخر لا على القافلة لأنه يوهم تقييد القافلة بذلك وإنه راجع إليها وليس كذلك قاله الشيخ أبو زيد قال طفى عمم المصنف رحمه الله تعالى في توضيحه ومختصره في عدم قبول شهادة المجلوبين مع أن المسألة مفروضة في الشهادة بالنسب وعلى ذلك قرره ابن مرزوق وفي المدونة قال مالك في الحصين بفتح فيسلم أهله فيشهد بعضهم لبعض فإنهم يتوارثون بأنسابهم كما كانت العرب حين أسلمت وأما العدد القليل يحملون إلينا فهؤلاء لا تقبل شهادة بعضهم لبعض إلا أن يشهد سواهم من تجار أو أسارى كانوا عندهم فيتوارثون بذلك قال ابن القاسم والعشرون عدد كثير اهـ.

نقله المواق فقوله وأما العدد القليل الخ هو مراد المصنف بالمجلوبين وقد علمت إنه مفروض فيها في التوارث بالنسب وعلى ذلك قصرها أبو الحسن وهل تشترط العدالة في العشين أم لا ظاهر المدونة عدم اشتراطها وهو الذي اختاره التونسي واللخمي والمازري وهو مبني على اختيارهم أن الشهود إذا كثروا لا ينظر إلى عدالتهم لحصول العلم بخبرهم ولو وجدت العدالة يكفي اثنان وظاهر كلامهم إن العشرين كلهم شهود فإن قلت في المدونة شهد بعضهم لبعض قلت المراد من ذلك إنهم متفقون على الشهادة يشهدون لهذا ولهذا فالعشرون حينئذٍ كلهم شهود انظر طفى وتأمله اهـ.

ص: 310

(إلا) أن يكثر الشهود من المجلوبين (كعشرين) يشهدون على غيرهم إن كانوا عدولًا كما قال التونسي ونحوه للمدونة كما في تت خلافًا للخمي وما قررناه من أن المراد أن العشرين يشهدون جميعهم لا اثنان منهم صرح به أبو الحسن في كتاب الاستحقاق وانظر لو شهد عشرة منهم وحلف المشهود له هل يعمل بذلك في المال أم لا وهو ظاهر كلامهم وقولي على غيرهم أي أجنبي وأما لو شهد بعضهم على بعض منهم فيكفي شاهدان والمراد بالمجلوبين قوم يرسلهم السلطان لسدّ ثغر أو حراسة قرية أو لقطر من الأقطار أو قوم يأتون من الكفار مترافقين إلى بلد الإسلام فيسلمون وسواء جرى عليهم الاسترقاق ثم أعتقهم الإمام أم لا وعلل المنع باتهامهم على حمية البلدية وهذا يقتضي منع شهادة طوائف العسكر الذين قدموا مترافقين بعضهم ببعض بل التعليل بالحمية يقتضي منع شهادة العسكر على أبناء العرب وإن لم يكونوا مترافقين وهذا مشاهد منهم في زماننا إلا أن يقال التهمة تضعف مع عدم الترافق وتقوى معه فالاقتضاء الثاني غير مسلم (ولا من شهد له) أي لنفسه (بكثير) في نفسه بحيث يتهم في ذلك لا بالنسبة إلى ما شهد به لغيره (و) شهد (لغيره) بكثير أو قليل بدليل مقابلته وحذف المتعلق المؤذن بالعموم وكانت الشهادة المذكورة (بوصية) أي فيها فلا تصح له ولا لغيره للتهمة والشهادة إذا بطل بعضها للتهمة بطل جميعها وكشهادة عتيقي شخص عليه بأنه غصبهما من آخر مع غصب مال أيضًا فإن شهادتهما في غصب رقابهما باطلة لاتهامهما على إرادة أرقاق أنفسهما والحر لا يجوز أن يرق نفسه فتبطل شهادتهما في غصب المال أيضًا وأما إذا بطل بعضها للسنة فيجوز منها ما أجازته فقط كشهادة رجل وامرأتين بوصية بعتق وبمال فإنها ترد في العتق لا في المال وكمسألتنا هذه في بعض صورها في قوله: (وإلا) يشهد لنفسه في وصية بكثير بل بقليل ولغيره بكثير كما في طخ لا مطلقًا كما في تت (قبل) ما شهد به (لهما) أي لنفسه ولغيره وحلف الغير معه إن لم يكن له شاهد آخر واستحق وأخذ الشاهد ما أوصى له به لأنه بشهادته لنفسه بيسير في حكم التبع فإن نكل الغير فينبغي أن يبطل حق الشاهد أيضًا لأنه الآن غير تابع ثم محل قبولها لهما إذا كتبت الوصية بكتاب واحد بغير خط الشاهد بل بخط الميت أو غيره بأمره فإن كتبت بخط الشاهد أو لم تكتب أصلًا قبلت شهادته لغيره مطلقًا لا لنفسه ولو بقليل كأن كتبت له بكتاب ولمن شهد له بكتاب آخر فإنها تصح للآخر أيضًا دونه ومفهوم قوله بوصية أنه لو شهد لنفسه ولغيره في غير وصية له فلا تقبل له ولا لغيره بقليل أو بكثير فيهما للتهمة والفرق بين الوصية وغيرها أن الموصي قد يخشى معاجلة الموت ولا يجد غير الموصى له بخلاف غيره (ولا إن دفع)

ــ

(ولا من شهد له بكثير الخ) الأولى تجريده من لا إذ هو من سلك ما قبله ثم فيه تعدي فعل الفاعل المتصل إلى ضميره المتصل وذلك خاص بأفعال القلوب قاله طفى قلت لا يبعد

ص: 311

الشاهد بشهادته ضررًا عن نفسه (كشهادة بعض العاقلة) للقاتل خطأ (بفسق شهود القتل) أي الشهود الذين شهدوا عليه بأنه قتل خطأ إلا أن يكون البعض فقيرًا بحيث لا يغرم شيئًا من الدية واستغنى عن تقييده بذلك لقوله دفع وعن تقييد القتل بالخطأ بقوله العاقلة لأنها لا تحمل عمدًا ولا ما دون الثلث كما يأتي وظاهر كلامه سواء شهد بفسقهم بعد أداء شهود القتل وقبل الحكم أو بعدهما معًا (أو) شهادة (المدان المعسر لربه) أي الدين بمال أو بغيره كقصاص أو فيما يتعلق بعرضه أو نسبه فلا تجوز أن حل الدين أو قرب حلوله ولم يثبت عسره فإن ثبت جازت ولو حل الأجل فقوله المعسر أي في نفس الأمر وهو مليء في الظاهر فإن كان عسره ثابتًا عند الحاكم جازت شهادته لأنه لا يخشى حبسًا حينئذٍ كما تجوز من مليء وحل الحق (ولا) يشهد (مفت) ولا حاضر عنده أيضًا كما في تت (على مستفتيه) فيما استفتاه فيه بالفعل (إن كان) الاستفتاء (مما ينوي) أي تقبل نية الحلف (فيه) في الفتيا كحلفه بالطلاق لأكلم زيدًا وكلمه بعد أيام مثلًا وادعى نية ذلك عند الحلف فإذا طلبت الزوجة المفتي ليشهد لها عند القاضي على زوجها بما سمعه منه لم يجز له أن يشهد عليه لأنه يعلم من باطن اليمين خلاف ما يقتضيه ظاهرها (وإلا) بأن لم يستفت كإقراره عنده بطلاق زوجته أو بحد ونحوه ثم أنكر ما أقر به أو استفتاه فيما لا ينوي فيه كإرادة ميتة (رفع) وشهد على التفصيل السابق من كونه محض حق آدمي أو محض حق الله إن استديم تحريمه أو غير مستدام على ما مر.

ــ

إجراء شهد مجرى أفعال القلوب لرجوعه للعلم (كشهادة بعض العاقلة) قول ز إلا أن يكون فقيرًا الخ أصل هذا القيد لابن عبد السلام بحثًا وجزم به في ضيح وقد أبقى الخرشي كلام المصنف على إطلاقه وذلك غير صواب (أو المدان المعسر الخ) ضبطه في ضيح بتخفيف الدال اسم مفعول من أدان الرباعي كأقام وهو في بعض نسخ ابن الحاجب بتشديد الدال على أنه اسم فاعل من أدّان المشدد الدال الخماسي وأصله أدتين على وزن افتعل وكلاهما صحيح قاله غ قال في ضيح وفسر أي الباجي الغنيّ بأن لا يستضر بإزالة هذا المال عنه وأما إن كان يستضر بأخذه منه فترد شهادته ابن زرقون وتجوز شهادته فيما عدا المال قاله بعض أهل النظر ابن عبد السلام إذا كان المانع من قبول الشهادة إنما هو لكونه أسيره فلا فرق بين المال وغيره وربما كان غير المال أهم عند المشهود له من المال خليل وينبغي أن يقيد المعسر هنا بأن يكون إعساره ثابتًا عند الحاكم اهـ.

وقد علمت به أن المراد بالإعسار أن تكون عليه مضرة بأداء ما عليه وإن كان مليًّا به وإن ذلك يقيد بالثبوت عند الحاكم ليبطل به شهادته وبذلك تعلم ما في كلام ز والله أعلم اهـ.

(ولا مضت على مستفتيه إن كان مما ينوي فيه وإلا رفع) قال ابن يونس ومن العتبية والموازية والمجموعة قال ابن القاسم في الرجل يأتي مستفتيًا عن أمر ينوي فيه ولو أقر عند الحاكم أو قامت به بينة فرق بينه وبين امرأته فيفتي أن لا شيء عليه وطلبت المرأة الشهادة من

ص: 312

فرع: لا تصح شهادة المصلح بين الناس انظر طخ لأنها تشبه الشهادة على فعل نفسه (ولا إن شهد) لشخص (باستحقاق) لمعين كثوب (وقال أنا بعته له) أي للمشهود له فلا تصح لاتهامه على رجوع المشتري عليه بالثمن لو لم يشهد له ولذلك لو أبدل بعته بوهبته له أو تصدقت به عليه صحت لانتفاء الرجوع عليه إن لم يشهد ومفهوم قوله وأنا بعته له أنه لو ثبت أنه كان باعه له فلا يضر لاحتمال كذب البينة لأن الإقرار أقوى كما استظهره البرموني وهو ظاهر كلام المصنف وإلا لقال وثبت بيعه له ليكون شاملًا للبينة والإقرار واستظهر د خلافه وأنه أحرى من الإقرار بهذا الحكم لأنه بمثابة من شهد لنفسه بالملكية هذا وذكر المصنف هذه المسألة لا يخلو عن شيء لأنه إن كان المانع فيها من باب الحرص على القبول فكان يذكرها عقبه فيما مر أو يكتفي به لشموله لها وإن كان من باب الدفع عن نفسه لئلا يرجع عليه بالثمن لو لم تقبل شهادته فهو نوع من أمثلة قوله ولا إن دفع الخ فكان يستغني به عن هذه لشموله لها وقد يجاب عنه بأنه لما تردد بين النوعين عدّ قسمًا مستقلًا (ولا إن حدث فسق) للشاهد (بعد الأداء) وقبل الحكم فإن شهادته لا تجوز لأن ذلك دليل على أن الشاهد عنده كمين من ذلك الفسق وأنه كان متلبسًا به وقت أداء الشهادة فهي باطلة فإن حدث بعد الحكم لم يبطل ما حكم به وأشعر قوله حدث أنه لو ثبت بعد الحكم أنه كان شرب خمرًا مثلًا بعد الأداء وقبل الحكم فإنه ينقض كما إذا ظهر أنه قضى بفاسقين وأشعر أيضًا أنه لو اتهم بحدوثه فإنه لا يضر وهو كذلك كما يفيده الشارح عند قوله وتهمة بسرقة (بخلاف تهمة جر) بعد الأداء وقبل الحكم فلا تضر كشهادته بطلاق امرأة ثم تزوجها ولم يثبت أنه خطبها قبل زواج الشهود عليه بطلاقها

ــ

المفتي قال لا يشهد عليه ابن المواز ولو شهد لم ينفعها لأن إقراره على غير الإشهاد قال وما أقر به عنده من حدّ أو طلاق أو حق ثم أنكر فليشهد عليه إذا كان مما ليس له رجوع عنه وكذلك من حضر الفقيه إذا سمعوا القضية كلها حتى لا يخفى عنهم منها شيء مما يفسد الشهادة أن ترك اهـ.

منه ولم يقف عليه المواق (وقال أنا بعته له) قول ز ولذلك لو أبدل بعته بوهبته له صحت الخ مثله في الخرشي وأصله لعج عن بعض شيوخه وقد ينوه على تعليل عدم القبول بتهمة دفع الرجوع على نفسه بالثمن إن لم يشهد وهو غير مسلم فإن المسألة أصلها لابن أبي زيد والنقل عنه يدل على أن العلة هي أن الملك لا يثبت بالشراء حتى تشهد البينة بالملك للبائع فهو إذا قال أنا بعته أو وهبته فقد شهد لنفسه بملك ذلك الشيء وذلك لا يصح وحينئذٍ فلا فرق بين بعته ووهبته انظر ابن مرزوق وغيره (ولا أن حدث فسق) أما إن كان مما يستره الناس كزنا وشرب خمر فمقتضى كلام بعض الشيوخ إنه متفق عليه لأنه يدل على الكمون بخلاف قتل وقذف ونحوهما مما لا يكون كذلك فاختلف فيه فقال ابن القاسم تبطل الشهادة كالأول وقال ابن الماجشون لا تبطل واختاره غير واحد من الشيوخ ولفظ ابن الحاجب ولو حدث بعد الأداء بطلت مطلقًا وقيل إلا بنحو الجراح والقتل اهـ.

ص: 313

وكشهادته لامرأة بحق على آخر ولم يحكم بشهادته حتى تزوجها الشاهد (و) تهمة (دفع) كشهادة شخص بفسق آخر ثم شهد المشهود بفسقه على رجل أنه قتل رجلًا خطأ والشاهد بالفسق من عاقلة القاتل فإن ذلك لا يبطل شهادته بالفسق قاله الشيخ داود تبعًا للبساطي قاله د وقوله: ثم شهد المشهود بفسقه أي قبل الحكم بفسقه أو بعد ثبوت عدالته وتوبته مما جرح به ومن أمثلة تهمة الدفع أيضًا أن يستدين الشاهد المعسر من المشهود له بعد الأداء لأنه دفع ضرر الفقر وقوله: (وعداوة) عطف على تهمة ولو قال بخلاف عداوة أو تهمة جر ودفع لكان أولى أي إن حدوث العداوة بعد الأداء وقبل الحكم لا يضر حيث تحقق حدوثها وأما لو احتمل تقدمها على الأداء فإنها تضر كما تقدم في قوله كقوله بعدها تتهمني وتشبهني بالمجانين مخاصمًا فما مر عداوة محقق سبقها على الشهادة أو احتمل وما هنا حادثة تحقيقًا فلا معارضة خلافًا لد (ولا) يشهد (عالم على مثله) حيث ثبت أن بينهم عداوة دنيوية وإلا قبلت لأن شهادة ذوي الفضل مقبولة على بعض وقد قال عليه الصلاة والسلام يحمل هذا الدين من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين اهـ.

ولا عبرة بمن شنع عليهم معللًا منع شهادتهم على مثلهم بأنهم كالتيوس في الزريبة (ولا) تقبل شهادة الشاهد (إن أخذ من العمال) المضروب على أيديهم أي الذين جعل لهم جباية الأموال فقط دون صرفها في وجوهها (أو أكل عندهم) متكررًا أي الأخذ أو الأكل قال الشارح لأن أخذه منهم وأكله عندهم مما يزري به ويحط قدره ويؤدي إلى إسقاط المروءة اهـ.

وقد يجاب عن المصنف بأنه أطلق في العمال لأن الغالب عليهم الحجر عليهم وأطلق في الأخذ والأكل عندهم مع أنه مقيد بالتكرر كما مر لأن المرة كصغائر غير الخسة لا تقدح قاله مق بعد اعتراضه بترك القيدين (بخلاف الخلفاء) وعما لهم المفوّض لهم في

ــ

(ودفع) قول ز أو بعد ثبوت عدالته ونوبته الخ هذا لا معنى له لأنه إذا ثبتت عدالته وتوبته من الفسق لم يبق لأعمال شهادة الشاهد بالفسق فائدة فلا معنى للحكم عليها حينئذٍ بعدم البطلان تأمله اهـ.

(ولا عالم على مثله) هذا ذكره ابن رشد وعزاه لابن وهب وحمله ابن عرفة على من ثبت التحاسد بينهم كما قرر به ز ورد بأن من ثبت بينهم ذلك تبطل شهادتهم مطلقًا حتى على غيرهم والظاهر أن ما لابن وهب إنما هو لأنهم متهمون على العداوة لما علم فيهم من المغيرة على الدين أي اتهمهم الشرع بذلك وهذا لا ينافي العدالة فالحكم عام في جميعهم قاله الشيخ ميارة في بعض طرره ونقلته من خطه ونحوه في المواق قائلًا ومثل هذا يقع للأولياء قد يفضي إنكار بعضهم على بعض إلى أن يكفر بعضهم بعضًا وذلك من أجل أن يحكم بحاله على غيره اهـ.

انظره وقال ابن عرفة العمل اليوم على خلاف هذا وشهادة ذوي القبول منهم مقبولة بينهم كغيرهم اهـ.

(بخلاف الخلفاء) قسم ابن رشد ما بيد الأمراء من المال إلى ثلاثة أقسام أحدها أن

ص: 314

جباية الأموال وصرفها في مصارفها كالباشا والأمراء الملتزمين للبلاد فلا يقدح الأخذ منهم والأكل عندهم في الشهادة إذ جوائزهم كجوائز الخلفاء تجوز من غير كراهة وفي الأصل زيادة (ولا) تصح شهادته (إن) اتهم على أن (تعصب) كبغضه لكونه من بني فلان أو قبيلته (كالرشوة) أي أخذ مال لإبطال حق أو تحقيق باطل وأما دفع مال لإبطال ظلم أو تحقيق حق فجائز للدافع حرام على الآخذ (وتلقين خصم) حجة يستعين بها على خصمه بغير حق وأما ما يثبت به حقه من ذلك فلا يكون قادحًا في شهادته.

ــ

يكون حلالًا لكن لا يعدلون في قسمه فهذا الأكثر على جواز قبوله منهم وقيل يكره الثاني أن يكون مختلطًا فهذا الأكثر على كراهته وقيل يجوز الثالث أن يكون حرامًا هذا قيل يحرم أخذه منهم وقيل يكره وقيل يجوز قال ابن رشد وإن كان الغالب عليه الحرام فله حكم الحرام وإن كان الغالب عليه الحلال فله حكم الحلال وفيه كراهة ضعيفة اهـ.

وفي الأحياء أموال السلاطين في عصرنا حرام كلها أو جلها حتى الجزية لأنها إنما تؤخذ بأنواع من الظلم وكذا غيرها فلا ينبغي الأخذ منهم بحال لذلك ولأنهم إنما تسمح نفوسهم في خصوص هذه الأزمنة لمن طمعوا في استخدامه والاستعانة به على أغراضهم الفاسدة وفي كتاب مسلم في باب الزكاة قيل لأبي ذر ما تقول في هذا العطاء قال خذه فإن فيه اليوم معونة فإذا كان ثمنًا لدينك فدعه اهـ.

أي بأن يرى العطاء منهم فيستميلونه به عن الحق وإنما كان أخذ علماء السلف منهم لما علموا من صلاح قصدهم دون مذلة ولا سؤال ولا يطيعونهم في أغراضهم ثم كان العلماء يأخذونه ويفرقونه اهـ.

وفي الأحياء أيضًا منع قبول الفتوى والرواية والشهادة من الذي يرى أنه يأكل من مائدة سلطان أغلب ماله حرام ويأخذ منه أدرارًا وصلة من غير أن يعلم أن الذي يأخذه من وجه حلال فكل ذلك فسق يقدح في العدالة اهـ.

ما نقله الشيخ أبو زيد رضي الله عنه (ولا أن تعصب) في المفيد العصبية أن يبغض شخصًا لكونه من بني فلان أو من قبيلة فلان روي عن واثلة بن الأسقع قلت يا رسول الله ما العصبية قال أن نعين قومك على الظلم قال ابن مرزوق والأولى أن يمثل بشهادة الأخ لأخيه بجرح أو قذف ومما يتوهم فيه العصبية أيضًا منعهم من تعديل شاهد لأخ وتجريح شاهد عليه ومن ذلك ما تقدم من شهادة بعض العاقلة بفسق شهود القتل فإن العصبية فيه ظاهرة وكذا شهادة العدوّ على عدوه اهـ.

(كالرشوة) قول ز أي أخذ مال لإبطال حق الخ بل أخذها جرحة مطلقًا ولو كان لتحقيق حق وإنما التفصيل في دفعها إن كان لتحقيق حق أو إبطال باطل جاز وإن كان لتحقيق باطل أو إبطال حق حرم كما أفاده كلامه بعد وانظر في المواق الكلام على حكم الهدية للمفتي وللشفيع (وتلقين خصم) قال الشيخ المسناوي رحمه الله تعالى من هذا ما يفعله المفتون اليوم لأن الإفتاء إنما كان في الصدر الأول لأحد أمرين إذا توقف القاضي في الحكم أو سجل

ص: 315

تنبيه: لا تجوز شهادة من عرف بأخذ الرشوة ولو لم يأخذها من هذا الذي شهد الآن وكذا من شأنه تلقين الخصوم وإن لم يلقن الذي شهد له الآن ولا بأس أن يلقن القاضي أحد الخصمين حجة شرعية عجز عنها (ولعب نيروز) أي لعب في يومه وهو أول يوم في السنة القبطية لأنه مظنة ترك المروءة لا سيما لعبه مع العوام وهو من فعل الجاهلية والنصارى قال تت قيل إنه كان بمصر قديمًا يفعل في يوم النيروز ولا تعرف صفته لكن رأيت ببعض قرى الصعيد يأتي رجلًا ممن يسخر به لكبير قرية فيجعل عليه فروة مقلوبة أو حصيرًا يخرقها في رقبته ويركبه فرسًا ويتبعه رعاع الناس وحوله جماعة يقبضون على من أمرهم بالقبض عليه على وجه اللعب ولا يطلقونه إلا بشيء يدفعه لهم أو يعدهم به اهـ.

(ومطل) من مقر بحق وغني به لأنه أذية للمسلم في ماله والمطل تأخير الدفع عند استحقاق الحق وقدرته عليه مع الطلب أو تركه استحياء من طلبه كما يفهم من بحث التوضيح وهذا إذا تكرر ذلك منه كما يفيده ابن رشد (وحلف بعتق وطلاق) الواو بمعنى أو وهذا إذا تكرر ذلك منه وعليه يحمل أيضًا خبر الطلاق والعتاق من أيمان الفساق فسمي الحالف بذلك فاسقًا وهو لا تقبل شهادته (وبمجيء مجلس القاضي) لأن مجلسه عورة (ثلاثًا) أي ثلاثة أيام متوالية كما في ح وأولى ثلاث مرات في يوم كما حمل عليه

ــ

الحكم إلا أنه خيف أن يكون حكمه لم يصادف محله فيأتون بالحكم مكتوبًا للمفتي وأما الآن فلا تراهم يشرعون في الخصام إلا بعد الاستفتاء لينظر هل الحق له أو عليه فيتحيل على إبطاله وترى المفتي الواحد يكتب لكل واحد من الخصمين نقيض ما كتب للآخر في نازلة واحدة نسأل الله أن يصلح أمورنا اهـ.

(وخلف بعتق وطلاق) قول ز وعليه يحمل أيضًا خبر الطلاق والعتاق من أيمان الفساق الخ قال ح في هذا الحديث ذكره الشارح هنا وذكره الفاكهاني عن ابن حبيب وقال السخاوي لم أقف عليه ولم يذكره ابن فرحون ولا ابن حبيب في الواضحة اهـ.

قلت هذا الحديث ذكره ابن رشد أيضًا عن ابن حبيب ونصه في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب السلطان الأدب في ذلك واجب لوجهين أحدهما ما ثبت من قول النبي صلى الله عليه وسلم من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت وما روي عنه عليه الصلاة والسلام إنه قال لا تحلفوا بالطلاق والعتاق فإنهما من أيمان الفساق ذكر ذلك ابن حبيب في الواضحة والثاني أن من اعتاد الحلف به لم يكن يخلص من الحنث فيه فتكون زوجته تحته مطلقة من حيث لا يشعر وقد قال مطرف وابن الماجشون أن من لازم ذلك واعتاده فهو جرحة فيه وإن لم يعرف حنثه وقيل لمالك أن هشام بن عبد الملك كتب أن يضرب في ذلك عشرة أسواط فقال قد أحسن إذ أمر فيه بالضرب وروي أن عمر كتب أن يضرب في ذلك أربعين سوطًا اهـ.

بلفظه لكن قد بحثت عن الحديث المذكور في الجامع الكبير للجلال السيوطي فلم أجده فيه والله أعلم اهـ.

(وبمجيء مجلس القاضي ثلاثًا) قال ابن فرحون ومن الموانع إتيان مجلس القاضي

ص: 316

المصنف تت لكن قصره عليه يوهم أن مجيء مجلسه ثلاثة أيام متوالية غير قادح مع أنه قادح كما يفيده ح (بلا عذر) لا له كعلم أو حاجة فغير قادح (وتجارة لأرض حرب) أو ببلد سودان واحترز بتجارة عن دخوله أرضهم لفداء مسلم عندهم أو أدخلته الريح غلبة ولا تجوز شهادة تجار لا يعرفون أحكام البيع لا في مال ولا نكاح ولا شيء من الأشياء لغلبة أكلهم الربا بسبب جهلهم أحكام البيع والشراء هذا مذهب مالك وأحازها ابن أبي سلمة في تقويم ما بأيديهم من السلع لمعرفتهم بها وكذا يقول المالكية حيث لم يعرف التقويم غيرهم (وسكنى) دار (مغصوبة) وكذا كل انتفاع بما علم غصبه (أو) سكنى (مع ولد شريب) أي مكثر شرب خمر كما يفيده صيغة المبالغة لأن سكوته على ذلك مع قدرته على منعه أو إزالته دليل على عدم مروءته قاله الشارح والكثرة بالعرف أو تفسر بما فسر به إدامة شطرنج تردد في ذلك بعض وتعليله يفيد أن غير الولد مثله ويفهم بالأولى لزيادة محبته لولده على غيره من أقاربه غالبًا وكذا أكل ما يحرم أكله وتعاطي سائر ما يحرم مع قدرته على الإزالة في الجميع (وبوطء من لا توطأ) لمانع شرعي كحائض وكمشتراة قبل استبرائها أو عادي كمن لا تطيق ومحل رد شهادته ووجوب الأدب عليه إذا علم حرمة ذلك (وبالتفاتة في الصلاة) فرضًا أو نفلًا لغير حاجة لأن ذلك يؤذن بعدم اكتراثه بأمرها وباستخفافه بقدرها وذلك مخل بالمروءة فالمروءة من الدين وظاهره وإن لم يتكرر منه

ــ

ثلاثة أيام متواليات من غير حاجة لأن في ذلك إظهار منزلته عند القاضي ويجعل ذلك مأكلة وينبغي للقاضي أن يمنعه من ذلك اهـ.

وأما تعليل ز بقوله لأن مجلسه عورة فلم أره لغيره (وسكنى مغصوبة أو مع ولد الخ) قال في المفيد عاطفًا على ما تبطل به الشهادة وبسكناه دارًا يعلم أن أصلها مغصوب أو يكون له ولد شريب يسمع الغناء من الخدم وغيرهن ويسكن معه في دار واحدة اهـ.

وقال أبو عمر في كافيه ومن جلس مجلسًا واحدًا مع أهل الخمر في مجالسهم طائعًا غير مضطر سقطت شهادته وإن لم يشربها ومن دخل الحمام بغير مئزر وأبدى عورته سقطت شهادته وبانت جرحته إلا أن يكون وحده أو مع حليلته اهـ.

(وبالتفاته في الصلاة) قول ز فرضًا أو نفلًا الخ هكذا نقله ابن يونس وغيره عن ابن كنانة وقال ابن عرفة الأظهر أن علمت إقامته في الفرض جازت شهادته اهـ.

فرع: نقل ابن يونس عن سحنون في الكثير المال القوي على الحج فلم يحج فهو جرحة إذا طال زمنه واتصل وفره وليس به سقم قيل له وإن كان بالأندلس قال وإن كان بالأندلس اهـ.

ومثله في العتبية عن سحنون قال ابن رشد عقبه وهذا بين على ما قاله لأن الحج من دعائم الإسلام الخمس قال وإنما اشترط طول الزمان مع القدرة لاختلاف أهل العلم في الحج هل هو على الفور أم على التراخي فلا يكون تأخيره كبيرة إلا أن يؤخره تأخيرًا كثيرًا يغلب على الظن فواته به والذي أقول به أن ذلك لا يكون إلا بعد بلوغ حد التعمير وهو سبعون

ص: 317

ذلك ولعله حيث كثر منه لغير حاجة ويعلم أن ذلك منهي عنه وكذا بتأخيره الصلاة عن وقتها الاختياري عمدًا (وبافتراضه حجارة) أو خشبًا ونحوه (من المسجد) أو الحبس غير المسجد مع العلم بالحرمة فيهما قال د: ظاهره ولو اشتريت من غلة الوقف لأجل المسجد وهو ظاهر وأما افتراض الناظر ما يحصل من غلته فحكمه حكم افتراض الوديعة قاله بعض شيوخنا اهـ.

(وعدم أحكام) بكسر الهمزة إتقان (الوضوء) أو التيمم (والغسل والزكاة لمن لزمته) أي التساهل في فعل الوضوء والغسل والتساهل في إخراج الزكاة وهذا بناء على عطف الزكاة على الوضوء ويحتمل عطفها على أحكام وفي الكلام حذف مضاف أي وعدم معرفة الزكاة قاله د والاحتمال الأول فيما لا يأخذها ساع بأن تكون لا ساعي لها كالنقد أولها ولم يخرج وكالحرث في زماننا بمصر وكذا كل ما يلزمه فعله كحح مستطيع وإلا غلف الذي لا عذر له في الختان لا تجوز شهادته (وبيع نرد وطنبور) ومزمار ونحوه من كل آلة لهو (واستحلاف أبيه) دنية وأمه نسبًا في حقه عليهما أو على أحدهما وأنكره في ذلك أي وحلفه بالفعل ولا يعذر بجهل وربما يخرج بقوله استحلاف المنقلبة من الولد والمتعلق بها حق لغير الولد لأن المتعلق بها حق ليس للابن فيها طلب والمنقلبة شأنها أن لا تطلب وهذا على ما مشى عليه المصنف فيما مر ولكن المذهب أنه لا يمكن من ذلك (و) إن أعذر القاضي للمشهود عليه في تجريح الشاهد (قدح في المتوسط) في العدالة

ــ

عامًا فمن تركه بعد السبعين عامًا وهو قادر عليه فهو عنده آثم بإجماع مجرح ساقط الشهادة وقوله في أهل الأندلس أنه لا عذر لهم بسبب البحر لقدرتهم على الانتقال منه إلى موضع لا يتعذر الجواز منه فإنما تكلم والله أعلم على ما وصف له من تعذر الجواز في البحر في موضع دون موضع اهـ.

بخ قال ابن عرفة ولابن رشد في أجوبته سقوط وجوبه على أهل الأندلس اهـ.

(واستحلاف أبيه) قول ز وهذا على ما مشى عليه المصنف فيما مر ولكن المذهب أنه لا يمكن من ذلك ظاهره رجوع الإشارة لحلف الأب في المنقلبة والمتعلق بها حق وإن كان عقوقًا وقادحًا في الشهادة وهذا غير صحيح لأن المصنف لم يمش على هذا فقوله ولكن المذهب أنه لا يمكن الخ غير صحيح لتصريح ابن رشد في رسم صلى من سماع ابن القاسم من كتاب الأقضية بالاتفاق على أن الأب يلزمه أن يحلفهما ولا يكون ذلك عقوقًا وقد قدمنا كلامه في باب الفلس فإن أراد ز رجوع الإشارة في كلامه إلى ما اقتضاه ظاهر المصنف من أن الولد يمكن من استحلاف أبيه في غير المنقلبة والمتعلق بها حق وإن كان عقوقًا وقادحًا في الشهادة فهذا أيضًا غير صحيح لأن المصنف لم يمش على هذا القول فيما مر وإنما مشى على ما هو المذهب من أنه لا يمكن من تحليفه ونص ما مر في التفليس وحبس السيد لمكاتبه والجد والولد لأبيه لا عكسه كاليمين إلا المنقلبة والمتعلق بها حق لغيره اهـ.

ص: 318

وأولى دونه (بكل) من القوادح (وفي) الشاهد أو المزكي علانية (المبرز بعداوة) دنيوية بينه وبينه (وقرابة) بينه وبين المشهود له والواو بمعنى أو (وإن) ثبت القدح (بدونه) أي من شاهد عدل دون المقدوح فيه في التبريز لأنهم لم يعدوا مسألة الشهادة القادحة في المبرز من المسائل التي يعتبر فيها التبريز وجعلنا الباء بمعنى من تبعًا للشاعر ويحتمل عليه أيضًا أن يراد بالدون المغاير أي وإن كان القدح من مشهود عليه مغاير للشاهد المبرز فيشمل الفاسق والكافر والمشهود على كل من مبرز فله طلب القدح فيهما خلافًا لمن منعه (كغيرهما) أي كطلب المشهود عليه القدح في المبرز بغير عداوة وقرابة بل بفسق يريد أن يثبته فيسمع منه ذلك (على المختار) عند اللخمي من الخلاف وهو قول سحنون لأن الجرح مما يكتمه الإنسان في نفسه فقد يطلع عليه بعض الناس وهذا هو المعتمد كما هو ظاهر المدونة كما في مق ابن ناجي وهو المشهور اهـ.

فقول د إذا قدح بغير ذلك أي بغير عداوة وقرابة فلا يسمع منه ولو أراد أن يثبته بالبينة اهـ.

غير ظاهر أو أنه على ما صدر به المصنف ثم إن أثبته لم يحكم عليه بشهادة المبرز

ــ

وينبغي أن يحمل المصنف عليه هنا بأن يكون تفسيقه بذلك إنما هو بعد الوقوع وأما ابتداء فلا يمكن من تحليفه على المشهور ونص ابن رشد في رسم القضاء المحصن من سماع أصبغ من كتاب الشهادات ما نصه اختلف في تحليف الرجل أباه في حق يدعيه قبله أوجده على ثلاثة أقوال: أحدها: أن ذلك مكروه وليس بعقوق فيقضي له بذلك ولا تسقط به شهادته والثاني أن ذلك عقوق فلا يقضي له به وهو مذهب مالك في المدونة وهو أظهر الأقوال وأولاها بالصواب لما أوجب الله من بر الوالدين بنص القرآن العظيم وما تظاهرت به الآثار وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يمين للولد على والده ولا للعبد على سيده" والثالث أن ذلك عقوق إلا أنه يقضي له به أن طلبه ويكون جرحة فيه تسقط به شهادته وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية وهو بعيد لأن العقوق من الكبائر فلا ينبغي أن يمكن من فعله أحد اهـ.

بلفظه وقد علمت أن الخلاف إنما هو بالكراهة والتحريم خلافًا لتت في ذكره الإباحة (وفي المبرز بعداوة وقرابة) لو زاد وشبههما كما يأتي اللخمي وذكره ابن شاس وغيره والمراد ما عدا الأسفاه أي الفسق إذ هو المختلف فيه وفيه فقط اختيار اللخمي كما يأتي عنه ونص ابن عرفة اللخمي يسمع الجرح في المتوسط العدالة مطلقًا وفي المبرز المعروف بالصلاح والفضل تجريح العداوة أو المغيرة أو القرابة وشبه ذلك وفي قبولها فيه بالأسفاه قولا سحنون وأصبغ في العتبية والواضحة وعلى قبول تجريحه ففي حال من يقبل منه أربعة أقوال سحنون لا يقبل إلا من مبرز في العدالة ابن الماجشون يجرح الشاهد بمن هو مثله بالأسفاه لا بمن هو دونه ابن عبد الحكم لا يقبل في بين العدالة إلا من معروف بالعدالة وأعدل منه ويذكر ما جرحه به فأما ما يثبت بالكشف عنه فلا يقبل في مبرز لا من مبرز ولو كان دونه في التبريز قلت هذا هو قول سحنون وإلا لم تكن الأقوال أربعة إلا باختيار هذا فتأمله اهـ.

ص: 319

وإلا أدب قياسًا على قوله في الغصب كمدعيه على صالح وأما إذا لم يطلب القدح فلا يقول له الحاكم في المبرز دونك فجرح لأنه توهين للشهادة إلا أن ظن به جهلًا أو ضعفًا فيدعوه له على ظاهر المدونة كما في مق وهو يعود بالتخصيص على قوله وأعذر الخ أي أنه مقيد بما إذا ظن به جهلًا أو ضعفًا إذا كان الشاهد مبرزًا لكن إنما يفترق المبرز من غيره في سؤال الحاكم فيسأله في غيره هل لك فيه مجرح وفي المبرز هل تقدح فيه بقرابة أو عداوة لا بتجريح إلا أن ظن به جهلًا أو ضعفًا (وزوال العداوة والفسق) المردود شهادة الشاهد بأحدهما وأراد الشهادة به أو بغيره بعد ذلك (بما) أي بقرائن (يغلب على الظن) عند الناس زوالها ففي العداوة رجوعهما لما كانا عليه ويسألهم القاضي عن ذلك فيخبرونه فحينئذٍ ينتفي الحرص على إزالة نقص فيما رد فيه بسبب غلبة ظن الصداقة (بلا حد) بزمن كستة أشهر أو سنة كما قيل بكل وفي الثاني ما يدل على صدقه في التوبة واتصافه بصفات

ــ

وقد علمت به أن الذي اختاره اللخمي هو قول مطرف لا قول لسحنون كما في ز وإن قول المصنف وإن بدونه لو عبر فيه بلو بدل إن لكان أحسن لرد الخلاف المتقدم وبعد أن ذكر ابن رشد الخلاف قال ما نصه وهذا إذا نصوا على الجرحة في التجريح وأما إن قالوا هو غير عدل ولا جائز الشهادة فلا يجوز ذلك إلا للمبرزين في العدالة العارفين بوجوه التعديل والتجريح اهـ.

ونقله ابن عرفة وقول ز وجعلنا الباء بمعنى من تبعًا للشارح الخ لا يتعين كونها بمعنى في الأعلى الاحتمال الثاني وأما على الأول فكون الباء للآلة هو الظاهر وقول ز فلا يقول له الحاكم في المبرز دونك فجرح الخ الذي رأيته لابن يونس هو ما نصه ومن المدونة وإذا زكيت البينة والمطلوب يجهل وجه التجريح لكونه من جهلة الناس أو من ضعفة النساء فليخبره القاضي بما له من ذلك ويبيحه له فلعل بينه وبين الشاهد عداوة أو ظنة أو شركة وإن كان مثله لا يجهل التجريح لم يدعه إليه اهـ.

منه وهو ظاهر في المبرز وغيره وفي الأسفاه وغيره خلاف ما في ز فتأمله والله أعلم وقال أيضًا ابن يونس بعدما تقدم بكثير قال أشهب عن مالك في العتبية في البينة تعدل عند الحاكم فلا يقول للمطلوب دونك فجرح وذلك توهين للشهادة وقال ابن نافع أرأى أن يقول له ذلك إذ قد يكون العدل عدوًّا للمشهود عليه وقد فرق في المدونة بين من يجهل وجه التجريح وبين من لا يجهل اهـ.

(وزوال العداوة والفسق) قول ز وأراد الشهادة به أو بغيره الخ الصواب قصره على ما إذا أراد الشهادة بغيره وأما الشهادة به فإنها لا تقبل منه بحال لأنها قد ردت أولًا فلا تقبل بعد زوال المانع لقوله فيما تقدم ولا إن حرص على إزالة نقص الخ وقول ز فينتفي بذلك الحرص على إزالة النقص الخ لا معنى لهذا فإن الحرص على الإزالة إنما هو بأداء الشهادة بعد زوال المانع وقد ردت قبل ذلك لأجله فكيف ينتفي الحرص بزوال المانع وقول ز وبحث ابن عرفة مخالفة للمنصوص الخ ابن عرفة بحث في زوال العداوة حيث جعله ابن الحاجب وتبعه

ص: 320

العدالة بلا حد أيضًا فينتفي بذلك الحرص على إزالة النقص فيما رد فيه أيضًا وبحث ابن عرفة مخالف للمنصوص (ومن) أي والشخص الذي (امتنعت) شهادته (له) أي لآخر لتأكد القرب (لم يزك) الشخص الممتنع المفهوم من السياق وليس ضمير الفعل عائدًا على من (شاهده) أي شاهد الآخر في حق لأنه يجر بتزكيته له نفعًا (و) لم (يجرح شاهدًا عليه) بحق لأنه يدفع عنه بذلك مضرة فيجرح مجزوم معطوف على مدخول لم (ومن امتنعت) شهادته (عليه) أي على آخر لعداوة دنيوية بينهما (فالعكس) أي لا يجرح من شهد له ولا يزكي من شهد عليه لأنه في الحالتين يجلب مضرة لعدوّه وهذا بناء على أن المراد بالعكس العكس في التصوير ويحتمل أن يريد وهو المتبادر منه العكس في مجموع الأمرين السابقين أي يزكي شاهده ويجرح شاهدًا عليه ولما ذكر شروط شهادة البالغين وانتفاء موانعها أخرج من ذلك شهادة الصبيان بعضهم على بعض فقال: (إلا الصبيان) فهو كما في د مستثنى من معنى الكلام السابق أي لا بد من وجود الشروط وانتفاء الموانع إلا شهادة الصبيان فإنه لا يشترط فيها جميع ذلك ويحتمل أنه مستثنى من مفهوم ما تقدم أي وانتفت الشروط من البلوغ ونحوه لم تصح الشهادة إلا الصبيان وعلى هذين فالاستثناء متصل ويحتمل أنه مستثنى من المنطوق وحينئذٍ فهو منقطع اهـ.

ــ

المصنف كزوال الفسق في أن المعتبر فيه قرائن الأحوال وكأنه عنده المذهب فقال ابن عرفة: جرحة الفسق تزول بالتوبة الشرعية المازري لا تقبل شهادته بمجرد قوله ثبت إنما تقبل بدلالة حاله والقرائن على صدقه مع اتصافه بصفات العدالة ثم قال ابن عرفة ابن الحاجب وزوال العداوة كالفسق قلت لا أعرف هذا لغيره وتقدم سماع أشهب في الرجلين يختصمان ثم يشهد أحدهما على صاحبه بعد سنين قال إن صار أمرهما إلى سلامة وصلاح فذلك جائز ابن رشد صيرورة أمرهما إلى صلاح هو أن يرجعا إلى ما كانا عليه قبل الخصومة ومثله في سماع سحنون ونوازل أصبغ وفي إجرائها ابن الحاجب على رفع الفسق نظر لأن ثبوت عدالة الشاهد شرط في قبول شهادته فنظر القاضي في ثبوتها ضروري وهو مستلزم لرفع فسقه أو بقائه وأما العداوة فلا نظر للقاضي في رفعها لأنها مانع يبديه المشهود عليه فإن أثبت ثم شهد عليه بعد ذلك احتمل النظر في تكليفه إياها ثانيًا لاحتمال ارتفاعها وعدمه لاحتمال بقائها والأظهر تخريجها على حكم من عدل في شهادة ثم شهد شهادة أخرى هل تستصحب عدالته أو يستأنف إثباتها وقد تقدمت قال بعضهم وإنما يتم الفرق الذي ذكره إذا لم يثبت المانع أما مع ثبوته فلا يسوغ للحاكم الحكم إلا أن يثبت رفعه وليس هذا من قبيل الشك في المانع بل من قبيل الشك في رافعه اهـ.

نقله تت في كبيره وعليه فما نقله ابن عرفة عن السماع يكفي شاهدًا للمصنف وابن الحاجب والله أعلم (إلا الصبيان) قول ز ويحتمل أنه مستثنى من المنطوق أي منطوق قوله العدل حر مسلم عاقل بالغ بلا فسق وحجر الخ وقول ز ويجوز فيه الجر والنصب الخ أما على الانقطاع فالنصب متعين على لغة أهل الحجاز وأما على الاتصال فالمستثنى منه غير

ص: 321

ويجوز فيه الجر والنصب لا الرفع نظر المحل المستثنى منه لأن مراعاته إنما تجوز في التابع غير المقترن بأداة الاستثناء كما يظهر من بابي أعمال المصدر والاستثناء (لا نساء في كعرس) وحمام ووليمة ومأتم بميم مفتوحة فهمزة ساكنة فمثناة فوقية مفتوحة أي حزن (في جرح أو قتل) متعلق بالأمرين الأول إثباتًا فلا تصح شهادة الصبيان في مال والثاني نفيًا فتصح شهادة النساء في مال ولا قسامة مع شهادة الصبيان لأنها إنما تكون في القتل والصبيان لا قصاص عليهم وإنما عليهم الدية في العمد والخطأ والجرح بفتح الجيم كما يدل عليه قرانه بالقتل فإن قيل لا حاجة للنص على عدم شهادة النساء في الجرح أو القتل لأنهن لا يقبلن فيهما بانفرادهن عمدًا كان أو خطأ فالجواب أنه لدفع توهم قبول شهادتهن كالصبيان فإن قيل عدم قبولهن واضح في العمد لقوته وأما في الخطأ فكان ينبغي قبولهن فيه مع شاهد أو يمين لأنه آيل لمال فالجواب إن اجتماعهن غير مشروع فهو قادح في عدالتهن واغتفر فيما لا يظهر للرجال كالولادة للضرورة والصبيان يطلب اجتماعهم لندب تدريبهم على تعلم الرمي والصراع وغير ذلك مما يدربهم على حمل السلاح والكر والفر والغالب أن الكبار لا يحضرون معهم فلو لم تقبل شهادة بعضهم على بعض لأدى إلى هدر دمائهم فلذا أجازها مالك وجماعة من الصحابة منهم علي ومعاوية ومنعها الأئمة الثلاثة وجماعة من الصحابة منهم ابن عباس وذكر شروط الصبي الشاهد بقوله: (والشاهد حر) تضمن اشتراط الإسلام لأن عدم شهادة العبد لرقه الذي أثر كفر فالمتمحض للكفر أولى فقول تت في صغيره سكت عن اشتراط الإسلام مراده صريحًا (مميز) لأن غيره لا يضبط ما يقول ولا يثبت على ما فعله ولا بد من كونه ابن عشر سنين وما قاربها في القلة كما في المدونة وليس في كلامه ما يدل عليه (ذكر) فلا تجوز شهادة الإناث من الصبيان وإن كثرت قاله في المدونة يريد ولو كان معهن ذكر وهذا يقتضي أن لفظ صبيان يستعمل في الإناث أيضًا (تعدد ليس بعدوّ) للمشهود عليه سواء كانت العداوة بين الصبيان أنفسهم

ــ

مذكور فإن قدر مرفوعًا جاز الرفع اتباعًا والنصب على الاستثناء وإن قدر مجرورًا فالجر اتباعًا والنصب دون الرفع واعتبار المحل وعدمه إنما يظهر فيما هو مذكور وما قاله من أن مراعاة المحل إنما تكون في غير المقترن بإلا غير صحيح وقد صرح ابن هشام وغيره في باب الاستثناء بأنه إذا تعذر الاتباع على اللفظ اتبع على المحل نحو لا إله إلا الله ونحو ما فيها من أحد إلا زيد برفعهما (لا نساء في كعرس) سقوط شهادتهن في كعرس ظاهر الجلاب أنه المذهب كما في ابن عرفة وصححه ابن الحاجب وجعله في ضيح هو المشهور قال فيه والفرق للمشهور أن شهادة الصبيان على خلاف الأصل فلا يجوز القياس عليها اهـ.

(في جرح أو قتل) ابن عرفة الباجي إذا جوزت في القتل فقال غير واحد من أصحاب مالك لا تجوز فيه حتى يشهد العدول على رؤية البدن مقتولًا ابن رشد رواه ابن القاسم عن مالك وقاله غير واحد من أصحابه اهـ.

ص: 322

أو بين آبائهم والظاهر أن مطلق العداوة هنا مضرة أي دنيوية أو دينية (ولا قريب) للمشهود له فإن قرب ولو بعيدة كعم وخال لم يشهد كما استظهره الجيزي وذكر المصنف الأوصاف السابقة للشاهد يدل على أنها لا تشترط في المشهود عليه منهم وصرح تت بعدم اشتراط الحرية فيه والظاهر من كلامه أن التمييز كذلك دون الإسلام والذكورة وظاهر ما ذكره ق اعتبار الحرية والإسلام والذكورة فيه وهو مشكل وإلا لم يكن لتخصيص المصنف الشاهد بذلك فائدة (ولا خلاف بينهم) أي الشاهدين منهم (و) لا (فرقة) بالرفع والنصب ولا يصح بناؤه على الفتح لأن حرف العطف غير المقترن بلا يمنع من تركيبه مع لا وخلاف اسم مصدر أطلقه وأراد به المصدر وهو الاختلاف ولو عبر به كان أحسن لأنه يتوهم من لفظه أنه لا بد من اجتماعهم على الشهادة مع أنه يكفي اثنان فإن قال واحد قتل أو جرح فلان وآخر فلان لغيره منهم أو اثنان إن فلانًا شج فلانًا وآخران أنه شجه فلان لغيره بطلت وفي الشامل لو لعب ستة منهم ببحر فغرق منهم واحد فقال ثلاثة إنما غرقه الاثنان وعكس الاثنان فالدية على الخمسة وقيل تبطل ولو شهد أن فلانًا قتل فلانًا وقال آخران إنما رفسته دابة قدمت بينة القتل اهـ.

ووجه الأخير بأن من أثبتت حقًّا أولى ولكنه ضعيف والصحيح سقوطهما وما ذكره في الفرق مصدرًا به نحوه للشارح وحكى قوله وقيل عن الأخوين وهو ظاهر المصنف دون ما صدر به ولعل الفرق على ما صدر به أنه لم يخرج عن فعلهم بخلاف ما قبله من مفهوم المصنف ويلزم على هذا الفرق أنه لو لعب ستة ببر فقتل واحد وتداعوه أيضًا أن عليهم الدية وانظره وإنما قدح تفرقهم لأنه مظنة تعليمهم (إلا أن يشهد عليهم) أي يشهد عدول على ما نطقوا به (قبلها) أي التفرقة (ولم يحضر كبير) أي بالغ بينهم وقت الجرح

ــ

وقول ز لأنها إنما تكون في القتل الخ غير صحيح وسيأتي للمصنف يحلفها في الخطأ من يرث الخ لكن ما ذكره من كونه لا قساسة هنا مع شهادة الصبيان صحيح (ولا قريب) قول ز وظاهر ما ذكره ق الخ لم أر في ق ما يفيد ما ذكره من اعتبار هذه الشروط في المشهود عليه (ولا خلاف بينهم وفرقة) قول ز فإن قال واحد قتل أو جرح الخ هذا المثال غير صواب لأن الواحد لا يقبل في غير الاختلاف فضلًا عنه (ولم يحضر كبير) قول ز ولكن في ح أن هذا واضح الخ حاصل ما تضمنه كلام ح أن الكبير الحاضر بينهم إن كان ممن لا تجوز شهادته كالكافر والفاسق والعبد فقال الإخوان وأصبغ لا يجوز حضوره في شهادة الصبيان المازري لا خلاف فيه منصوص عندنا وعزا ابن يونس وأبو الحسن مقابله لابن المواز والخلاف مبني على التعليل بارتفاع الضرورة بشهادة الكبير أو بإمكان التخبيب أي التعليم وإن كان الكبير عدلًا فإن قال لا أدري من رماه ثبت شهادة الصبيان قاله اللخمي وإلا لم تقبل اتفاقًا عند الرجراجي وعلى المشهور عند غيره وقال سحنون بالجواز ثم قال ح إذا علم ذلك فالفرع الذي أشار إليه صاحب الرسالة بقوله ولم يدخل بينهم كبير لأن المصنف أراد الحضور

ص: 323

أو القتل فإن حضر وقته أو بعده وأمكنه تعليمهم ذكرًا أو أنثى عدلًا أو غيره ولو عبدًا أو كافرًا سقطت هذا ظاهر المصنف لإمكانه تعليمهم ولكن في ح إن هذا واضح في غير العدل اتحد أو تعدد وفي العدل إن تعدد وسواء حضر في هذه الصور في جرح أو قتل وكذا في العدل إن اتحد وشهدوا في جرح فتبطل شهادتهم لا في قتل فلا تبطل شهادتهم اهـ.

باختصار ولا يخفى أن حضور العدل الواحد في الجرح يستغني بشهادته عن شهادة الصبيان مع يمين المدعي وينتظر بلوغه (أو يشهد عليه أوله) الضمير أن للكبير كما في الشارح لا للصغير كما في تت بل يشهد بعضهم على بعض أوله كما مر وبقي عليه من شروطها أن لا يكون الشاهد منهم معروفًا بالكذب (و) إذا شهدوا مع استيفاء هذه الشروط الاثني عشر ثم رجعوا قبل الحكم أو بعده في حال صغرهم عما شهدوا به فإنه (لا يقدح رجوعهم ولا تجريحهم) من غيرهم ولا من بعضهم لبعض لعدم تكليفهم الذي هو رأس أوصاف العدالة إلا في مجرب بكذب كما مر وأما لو تأخر الحكم لبلوغهم وعدلوا لقبل رجوعهم وهذا يفهم من الضمير في رجوعهم لأنه عائد على الصبيان وتجريحهم من إضافة المصدر لمفعوله والأول لفاعله ولما ذكر شروط الشهادة وموانعها ذكر مراتبها وهي أربعة إما أربعة عدول أو عدلان أو عدل وامرأتان أو امرأتان وقول الشارح مراتبها ثلاثة فيه نظر مع أنه صرح بالرابعة عند قوله ولما لا يظهر للرجال امرأتان وبقيت خامسة وهي ذكر أو أنثى في مسألة إثبات الخلطة المثبتة لليمين وذكر المصنف الأربع مراتب على طريق التدلي فيها بادئًا بأعلاها فقال: (وللزنا للواط) أي الشهادة على فعلهما (أربعة) وقولي على فعلهما تحرز عن الشهادة على الإقرار بهما فيكفي فيها اثنان على الراجح على أنه لا يحتاج إلى الشهادة على الإقرار على ما مشى عليه المصنف من أن المقر بالزنا يقبل رجوعه ولو لم يأت بشبهة وهو قول ابن القاسم لأن إنكاره كتكذيب نفسه قاله في التوضيح وإنما اختصت شهادة الزنا بأربعة مع أن القتل أشد منه لقصد الستر ودفع عار الزاني والمزني بها وأهلها ولما لم تلحقه معرة في القتل اكتفى باثنين وإن كان أشد وقيل لأنه لما كان الزنا لا يتصوّر إلا بين اثنين اشترط أربعة ليكون على كل واحد اثنان وقيل لما كان الشهود مأمورين بالستر ولم يفعلوا غلظ عليهم في ذلك سترًا من الله على عباده ويشهدون (بوقت ورؤيا اتحدا) لا يخفى أن اتحاد الرؤيا يتضمن اتحاد وقتها والجواب أنه

ــ

وقت الجراح أو القتل وكلام الشيخ ابن أبي زيد فيما إذا حضر بعد ذلك والظاهر حينئذٍ أن ينظر فإن كان يمكن التخبيب سقطت شهادتهم وإن كان عدلًا لم تسقط اهـ.

وليس فيه تفريق بين الجرح والقتل ولا تعرض لتعدد الكبير والله أعلم وقول ز وينتظر بلوغه انظر معناه (بوقت ورؤية اتحدا) قول ز عن د وعليه فلو اجتمعوا ونظر واحد بعد واحد الخ الظاهر في هذه الصورة إذا كان نظرهم متصلًا أن ذلك يكفي للقطع مع الاتصال باتحاد الوطء ولفظ المواق يفيد ذلك ونصه من المدونة وجه الشهادة في الزنا أن يأتي الأربعة الشهداء

ص: 324

أراد بقوله بوقت وقت الأداء أي لا بد من اتحاد وقت الأداء أي يجتمعون لأدائها في وقت واحد أي يأتون جميعًا وإن فرقوا كما يأتي وأراد بوقت الرؤيا وقت التحمل فقوله ورؤيا معطوف على وقت والباء في الأول بمعنى في حقيقة وفي اللقاني بالعطف بمعنى في مجازًا فاستعمل اللفظ الواحد في حقيقته ومجازه وهو أولى من كلام د وهذا كله على أن النسخة رؤيا وهي صحيحة بهذا التقرير ونسخة تت زنا بزاي فنون ودعواه أن رؤيا غير صحيحة غير ظاهر وقال د: أيضًا وانظر هل معنى اتحاد الرؤية أن الأربعة يجتمعون في النظر للذكر في الفرج وعليه فلو اجتمعوا ونظر واحد بعد واحد فلا يكفي ذلك لاحتمال تعدد الوطء والأفعال لا يضم بعضها إلى بعض أو ليس معناه ما ذكروا أن مثل هذا الاجتماع كاف اهـ.

ومقتضى نقل ق تعين الأول ولو شهد بالزنا أربعة واختلفوا في صفته فشهد اثنان منهم أنها غصبت واثنان أنها طاعت حد الأربعة ولا يحد واحد منهما للزنا نقله تت عن ابن القاسم أما المرأة فظاهر لعدم اتفاق الأربعة على طوعها والمكرهة لا حدّ عليها وأما الرجل فلأن الشهادة إذا بطل بعضها فتبطل كلها فلذا لم يحد مع اتفاق الأربعة على زناه (وفرقوا) وجوبًا عند الأداء بعد إتيانهم جميعًا كما مر وكما يشعر به لفظ فرقوا سواء حصلت ريبة أم لا (فقط) دون شهود غير الزنا فلا يفرقون ويشهدون (أنه أدخل) أو أولج (فرجه) أو ذكره (في فرجها) أو رأينا فرجه في فرجها ونحوه مما يدل على التيقن والتثبت ولا مفهوم لما ذكره ولا بد من زيادة كالمرود في المكحلة كما قرره به الشارح وق البساطي استغنى المؤلف عنها لأنها زيادة بيان فقط ولعل الحامل على ذلك الحرص على ترك هذه الفاحشة أي على ترك الشهادة بها (و) يجوز (لكل) من شهود الزنا الأربعة (النظر للعورة) ليعلم كيف يؤدي الشهادة فإن قلت ما تقدم من صفة الشهادة لا يمكن بدون نظر فكيف يتأتى أنه جائز قلت أراد بقوله: ولكل النظر قصد النظر ويجوز لكل ترك قصده

ــ

في وقت واحد يشهدون على وطء واحد في موضع واحد بصفة واحدة بهذا تتم الشهادة اهـ.

فقولها على وطء واحد صادق بهذه الصورة بأن يطلعوا عليهما من كوة واحدًا بعد واحد في لحظات متصلة وعليه فقول ز ومقتضى نقل ق تعين الأول أي أنه لا يكفي فيه نظر (ولكل النظر للعورة) قول ز فإن قلت ما تقدم من صفة الشهادة الخ لا تخفى ركاكة هذا السؤال وجوابه والكلام مفهوم بدون ذلك ابن عرفة المازري تعمد نظر البينة لفعل الزاني ظاهر المذهب أنه غير ممنوع لأنه لا تصح الشهادة إلا به ونظرة الفجأة لا يكاد يحصل بها ما تتم به الشهادة ومنع بعض الناس النظر للعورة في ذلك لما نبه الشرع عليه من استحسان الستر اهـ.

وقال اللخمي إن لم يكن هذا الزاني معروفًا بالفساد ففي تعمد النظر إليهما نظر يصح أن يقال لا يكشفون ولا تحقق عليهم الشهادة لأن الشهود لو تبين لهم ذلك استحب لهم أن لا يبلغوا الشهادة اهـ.

ص: 325

وترك الشهادة بالكلية وظاهر قوله ولكل الخ ولو قدروا على منعهم من فعل الزنا ابتداء وهو ظاهر ابن رشد خلافًا لابن عرفة وتبعه غ انظر ح ولعل وجهه أنهم بإرادتهم فعله بحضرة الشهود صاروا مجاهرين بالزنا فلم تبطل شهادة الشهود لقدرتهم على منعهم ولا بد من تقييد قوله ولكل النظر بما إذا كانوا أربعة وإلا لم يجز إذ لا فائدة في الرؤية وقد يتلمح ذلك من قوله ولكل بعد قوله أربعة ثم الفرق بين ما هنا وبين عدم رؤية النساء لعيوب الفرج عند اختلاف الزوجين فيه وفي إصابة البكر بل تصدق فيهما أن اللازم هناك غرم مال والزوج بيده الفراق واللازم هنا اختلاط الأنساب والإقرار على مجمع على تحريمه (وندب) للحاكم (سؤالهم) على أي حالة رأوهما هل راقدين أو لا وهل كانا في الجانب أي للبيت مثلًا الغربي أو الشرقي أو غير ذلك قاله د أي وهل كانا على الجانب

ــ

وقول ز وهو ظاهر ابن رشد خلافًا لابن عرفة وتبعه غ الخ نص ابن عرفة بعد ذكره أن الشهادة تصح مع تعمد النظر قال وهذا إن عجز الشهود عن منع الفاعلين من إتمام ما قصداه وابتداؤه من الفعل ولو قدروا على ذلك بفعل أو قول فلم يفعلوا بطلت شهادتهم لعصيانهم بعدم تغيير هذا المنكر إلا أن يكون فعلهما بحيث لا يمنعه التغيير لسرعتهما اهـ.

قال ح: وهذا ببادي الرأي ظاهر لكن صرح ابن رشد في البيان بخلافه في مسألة من رأى السارق يسرق متاعه وهو قادر على منعه منه فقال ابن القاسم ومالك ليس عليه قطع وقال أصبغ يقطع فقال ابن رشد قول أصبغ أظهر لأنه أخذ المتاع مستترًا به لا يعلم أن أحدًا يراه لا رب المتاع ولا غيره كمن زنى والشهود ينظرون إليه ولو شاؤوا أن يمنعوه منعوه وهو لا يعلم فإن الحد عليه واجب بشهادتهم اهـ.

بخ من ح وما وجه به ز من قوله ولعل وجهه الخ غير صواب كما يفيده قول ابن رشد وهو لا يعلم الخ وقول ز ثم الفرق بين ما هنا الخ المعارضة بين الموضعين أصلها لابن هارون وأوردها ابن عبد السلام وأجاب بقوله أن طريق الحكم هنا منحصرة في الشهادة ولا يقبل إلا بصفاتها الخاصة وطريق الحكم في تلك الصور غير منحصرة في الشهادة بل لها غير ذلك من الوجوه التي ذكرها الفقهاء في محلها فلا ينبغي أن يرتكب محرم وهو النظر في الفرج من غير ضرورة ابن عرفة يرد بأن صورة النقص إنما هي إذا لم يمكن إثبات العيب إلا بالنظر وكان يجري لنا الجواب بثلاثة أوجه: الأول: أن الحد حق لله وثبوت العيب حق للآدمي وحق الله آكد لقوله في المدونة: فيمن سرق وقطع يمين رجل عمدًا يقطع للسرقة ويسقط القصاص. الثاني: ما لأجله النظر وهو الزنا محقق الوجود أو راجحه وثبوت العيب محتمل على السوية. الثالث: المنظور إليه في الزنا إنما هو مغيب الحشفة ولا يستلزم ذلك من الإحاطة بالنظر إلى الفرج ما يستلزمه النظر للعيب اهـ.

(وندب سؤالهم) قال في المدونة: وينبغي إذا شهدت بينة عنده على رجل بالزنا أن يكشفهم عن شهادتهم وكيف رأوه وكيف صنع فإن رأى في شهادتهم ما تبطل به الشهادة أبطلها اهـ.

ص: 326

الأيمن أو الأيسر وهل كانت على ظهرها أو بطنها والمراد ندب سؤالهم عما ليس شرطًا في الشهادة بدليل أنه قدم ما هو شرط فيها ومع كون هذا مندوبًا فلو اختلفوا في الجواب بطلت شهادتهم كما في ابن عرفة وجعله د بحثًا قصور نعم قوله أنه كان على هذا يقتضي وجوب السؤال ظاهر (كالسرقة) يندب سؤال شاهديها عن كيفية توصلهما لما شهدا به فيها وقوله: (ما هي) زيادة عما أفاده التشبيه أي من أي الأنواع هي وقوله: (وكيف أخذت) في ليل أو نهار وأين ذهبوا هذا مفاد التشبيه على ما قررناه فذكره غير ضروري وذكر المرتبة الثانية من مراتب الشهادة فقال: (ولما ليس بمال ولا آيل له كعتق) وهو عقد لازم لا يحتاج إلى عاقدين وفيه إخراج عن ملك ومثله وقف وطلاق غير الخلع وعفو عن

ــ

قال أبو الحسن: انظر قوله ينبغي هل معناه يجب أو هو على بابه الأقرب الوجوب اهـ.

قال ح فحاصل كلامه أنه يميل إلى أن ينبغي للوجوب وهو الظاهر فتأمله اهـ.

فقول ز كان على هذا يقتضي وجوب السؤال الخ قد علمت أنه هو الذي حمل عليه أبو الحسن كلام المدونة لكن صرح ابن رشد بعدم الوجوب كما نقل ابن عرفة ونصه سمع عيسى بن القاسم الشهادة في الزنا لا تجوز حتى يشهد أربعة في موضع واحد يوم واحد وساعة واحدة في موقف واحد وعلى صفة واحدة ابن رشد ليس من شرطها تسمية الموضح ولا اليوم ولا الساعة إنما شرطها عند ابن القاسم أن لا يختلف الأربعة في ذلك فإن اختلفوا في الموضع أو الأيام بطلت شهادتهم عند ابن القاسم اهـ.

بخ (ولما ليس بمال ولا آيل إليه الخ) قول ز ومثله وقف الخ كذا في تت فقال طفى لم أر من ذكر أن الوقف لا بد فيه من شاهدين من الشراح غيره وقول المصنف بعد وإن تعذر يمين بعض كشاهد بوقف ينافيه وقال ابن رشد المشهور المعروف من مذهب مالك وأصحابه أن شهادة النساء عاملة في الأحباس لأنها من الأموال وقد عده ابن فرحون في تبصرته مما يثبت بالشاهد والمرأتين والشاهد واليمين اهـ.

وأجيب بأن ما ذكره تت ومن تبعه يحمل على الوقف لغير معينين فإنه لا يثبت بالشاهد واليمين قال الباجي في المنتقى وإن كانت الشهادة لغير معينين ولا يحاط بعددهم مثل أن يشهد شاهد بصدقة لبني تميم أو للمساكين أو في سبيل الله فقد قال ابن القاسم وأشهب لا يحلف مع الشاهد ولا يستحق بشهادته حق ووجه ذلك أنه لا يتعين مستحق هذا الحق فيحلف معه وإنما يحلف في الحقوق من يستحق بيمينه الملك أو القبض ويطلب به إن نكل اهـ.

قلت: الجواب بكلام الباجي لا يصح لأنه إنما دل على تعذر الثبوت بالشاهد واليمين في هذه الصورة ويبقى الثبوت بالشاهد والمرأتين ففي ابن عرفة عن ابن رشد ما نصه والصواب إجازة شهادة رجل وامرأتين بوصية للمساكين على أصل ابن القاسم لأن اليمين مع الشاهد إنما سقطت لأن رب الحق غير معين لا لأن الوصية بالمال لا تستحق باليمين مع الشاهد وقول ز وطلاق غير الخلع الخ إنما أخرج الخلع لعدم انخراطه في هذا السلك وسيذكره قريبًا في العقود التي تفتقر لعاقدين وقول ز وعفو عن قصاص الخ هذا ظاهر في

ص: 327

قصاص ووصية بغير مال ويلحق به الولاء والتدبير (ورجعة) ادعتها زوجة على زوج منكر فأقامت شاهدين وأما ادعاؤه هو الرجعة فمقبول كما يفيده ما قدمه من قوله وندب الإشهاد على الرجعة ومنها إدخال في ملك ومثلها استلحاق وإسلام وردة ويناسبها إحلال وإحصان (وكتابة) وهي عقد يفتقر لعاقدين ونكاح ووكالة في غير مال وتاريخ عدة موت أو طلاق لا انقضاء عدة قرء أو وضع لتصديقها كما قدم المصنف (عدلان) وظهر بهذا التقرير حكمة تعداد الأمثلة الثلاثة لتغايرها وما في تنازع الزوجين من الحلف مع شاهد الموت ويرث في دعوى النكاح فلأن الدعوى في مال وما يأتي من قوله وإن تعذر يمين بعض كشاهد بوقف الخل إما مستثنى للضرورة أو مبني على أن الوقف يثبت بشاهد ويمين وذكر المرتبة الثالثة بقوله: (وإلا) يكن المشهود به ما مر بل مالًا أو آئلًا إليه (فعدل وامرأتان) عدلتان (أو أحدهما) أي عدل فقط أو امرأتان فقط (بيمين) في الأحد المذكور والباء بمعنى مع لأن المرأتين بمنزلة الواحد ولهذا لو شهدتا بطلاق أو عتق حلف المدعى عليه لرد شهادتهما فإن نكل حبس وإن طال دين فقوله فيما يأتي وحلف بشاهد في طلاق وعتق مثله ما نزل منزلته وهو المرأتان وفائدة حلفه عدم سجنه فلا ينافي أن الطلاق والعتق إنما يثبت كل بشاهدين ومثل لما ذكر بقوله: (كأجل) ادعاه مشتر أو قدره وخالفه البائع ومثله اختلافهما في البيع أو قبض الثمن فيثبت بعدل وامرأتين أو بأحدهما مع يمين كما يفيده تت عند قوله كشراء زوجته (وخيار) ادعى المشتري الشراء عليه والبائع خلافه لأيلولته لمال لقلة الثمن وكثرته في البت والخيار (وشفعة) أي ادعى المشتري إسقاط الشفيع لها وادعى الشفيع خلافه أو غيبته عند العقد (وإجارة) أي أصلها أو لمدة بقدر معين تخالفا في ذلك (وجرح خطأ) ادعاه المجروح على مكلف منكر (أو) جرح (مال) عمدًا بدليل أو فهو عطف على خطأ وأضيف للمال لعدم القصاص فيه لكونه في متالف كمأمومة وجائفة (وأداء) نجوم (كتابة) أو بعضها ادعى ذلك العبد وأنكر السيد القبض فيحلف العبد مع شاهده حتى في النجم الأخير وإن أدى للعتق (وإيصاء بتصرف فيه) رأى في المال بعد

ــ

العفو عن القتل وأما الجرح فقد يقال إن العفو عنه كإثباته وعبارة ضيح عن ابن القاسم ولا تجوز شهادتهن أي النساء مع رجل في العفو عن الدم كما لا تجوز في العمد اهـ.

وذم العمد فيه تفصيل كما علمته من كلام المصنف (ورجعة) قول ز وأما ادعاؤه هو الرجعة فمقبول الخ غير صواب لأن دعوى الرجعة إنما تقبل منه قبل انقضاء العدة وأما إن ادعى بعد العدة أنه كان راجعها في العدة وأنكرت فلا تقبل دعواه إلا بعدلين على وقوع الرجعة في العدة فالصواب في إطلاق قول المصنف ورجعة أي ادعتها الزوجة أو الزوج (أو أحدهما بيمين) قول ز ولهذا لو شهدتا بطلاق أو عتق حلف المدعى عليه الخ نص على هذا في ضيح ونقله ابن عرفة عن المدونة (وإيصاء بتصرف فيه) لما ذكر ابن الحاجب ما يجوز فيه رجل وامرأتان قال وكذلك الوكالة بالمال والوصية به على المشهور ضيح قوله وكذلك الوكالة بالمال أي وكله في حياته ليتصرف له والوصية به أي أوصاه بأن يتصرف في أمواله بعد وفاته

ص: 328

موت الموصي ومثله في حياته لكنها تكون وكالة واعترض ثبوت هذين الأمرين بعدل وامرأتين مع يمين بأنه لا يحلف أحد ليستحق غيره فالقياس أن لا يثبت إلا بعدلين أو بعدل وامرأتين وأجيب بأن محل ثبوتهما مع اليمين إذا كان فيهما نفع للوصي أو الوكيل كما إذا كانتا بأجرة أو رهن كدعوى أنه وكله على قبض سلعة ليجعلها عنده رهنًا في دينه على الموكل أو الميت الموصي له بذلك فإن حلف الوصي أو الوكيل مع عدل أو امرأتين ثبت ذلك وإن نكل حلف الموكل أو الموصي إن كان حيًّا فإن كان ميتًا بطلت بنكول الوصي وأما دعوى أنه وكيل أو وصي من غير نفع يعود عليه فلا تثبت إلا بعدلين أو عدل وامرأتين لا بأحدهما مع يمين (أو بأنه حكم له به) أي بالمال وهو عطف على المعنى أي كالشهادة بأجل أو بأنه الخ أي إن من حكم له بمال ثم أراد طلبه في غير محل الحكم وعنده شاهد أو امرأتان مع يمين على حكم الحاكم فإن ذلك يكفي (كشراء زوجته) الرقية أي ادعى أنه اشتراها من مالكها وهو منكر أو عكسه فيكفي شاهد وامرأتان أو أحدهما

ــ

لا أوصي له بمائة مثلًا فإن هذا مال محقق فلا يجري فيها خلاف ومقابل المشهور في الوكالة والوصية لعبد الملك اهـ.

ولم يذكر المؤلف ولا ابن عبد السلام أن الشاهد واليمين يجوز أن على الوكالة والوصية وإنما تكلما فيما تكلم عليه ابن الحاجب رحمه الله وقال ابن عرفة ابن رشد لا خلاف أنه لا يجوز شاهد ويمين في الشهادة على الشهادة ولا في الشهادة على الوكالة ابن عرفة وقول ابن رشد لا خلاف أنه لا يجوز شاهد ويمين في الشهادة على الوكالة خلاف نقل اللخمي والمازري قال اللخمي اختلف إذا شهد شاهد على وكالة من غائب هل يحلف الوكيل والمشهور أنه لا يحلف وهذا أحسن إن كانت الوكالة بحق الغائب فقط فإن كانت مما يتعلق بها حق للوكيل لأن له على الغائب دينًا أو ليكون ذلك المال بيده قراضًا أو تصدق به عليه حلف واستحق إن أقر الموكل عليه بالمال للغائب وقال المازري معروف المذهب أن الشاهد واليمين لا يقضي بهما في الوكالة لكن منع القضاء بها ليس من ناحية قصور هذه الشهادة بل لأن اليمين مع الشاهد فيها متعذرة لأن اليمين لا يحلفها إلا من له فيها نفع والوكيل لا نفع له فيها وإن كان وقع في المذهب أن الوكيل يحلف مع شاهده بالوكالة ويقبض الحق فتأول الأشياخ هذه الرواية على أن المراد بها وكالة بأجرة يأخذها الوكيل وله أن يقبض المال لمنفعة له فيه اهـ.

(أو بأنه حكم له به) ما قرره به ز من أن المراد ثبوت حكم الحاكم بالشاهد واليمين أو الشاهد والمرأتين الخ نحوه لغ وهو المذهب عند ابن رشد خلاف ما ذكره ابن الحاجب من تشهير مقابله فإنه معترض عند ابن عبد السلام وابن عرفة ونص ابن الحاجب وأما الشاهد بالقضاء بمال فالمشهور ولا يمضي وله استحلاف المطلوب فإن نكل لزمه بعد يمين اهـ.

وما جعله المشهور هو قول ابن القاسم في العتبية قال ابن رشد: وهو خلاف أصله في المدونة وظاهر المدونة أنه يستحق بها وهو قول مطرف وأصبغ ويجوز فيه على قول ابن القاسم شاهد وامرأتان انظر ابن عرفة ولما رأى الشارح ما لابن الحاجب قرر كلام المصنف على غير

ص: 329

بيمين (وتقدم دين عتقًا) فيكفي شاهد وامرأتان أو أحدهما مع يمين صاحب الحق ويفسخ النكاح ويثبت الملك في الأولى ويبطل العتق في الثانية ويباع في الدين وهذا إذا كان المدعي الغرماء وأما المعتق بالكسر إذا أراد رد العتق وأقام شاهدًا على ما تقدم الدين على العتق فإنه لا يكفي ذلك ولا بد من شاهدين وكذا إذا ادعى المعتق بالفتح تقدم عتقه على الدين فلا بد من شاهدين (وقصاص في جرح) عمدًا يثبت لمدعيه بعدل وامرأتين أو أحدهما بيمين وأتى في هذه الثلاث مسائل بكاف التشبيه ولم يعطفها كالتي قبلها على كأجل لأن الثالثة منها ليست بمال ولا آئل له قطعًا وإنما هي إحدى المستحسنات الأربع كما تقدمت والاثنتان قبلها فيهما مال وغيره لا يقال أداء الكتابة فيها أيضًا مال وغيره وهو العتق فلم لم يجمعها مع الثلاث لأنا نقول لما كانت الكتابة ثابتة فالشهادة بأدائها شهادة بمحض مال وأيضًا فإنها قد تقع ببعض الكتابة أي على وجه لا يتضمن عتقًا فلا يكون فيها عتق أشار له د فإن قيل الشهادة بأنه حكم له بمال فيها مال وغيره وهو تنفيذ الحكم فلم لم يذكرها مع الثلاث قلت لأن التنفيذ لما كان إنما يحصل به المال فكانت الشهادة من جملته تأمل.

ــ

ما تقدم فقال فيه ما نصه وأشار بقوله أو بأنه حكم له به إلى أن ما ليس بمال ولا آئل إليه أنه إذا انتقل بالشهادة لذلك فإنه يكفي فيه الشاهد والمرأتان أو أحدهما مع يمين وذلك مثل أن يشهد على أن الزوج قد اشترى زوجته الخ فجعل شراء الزوجة وما بعده مثالين له لكن تقريره مبني على أن المشهود به في ذلك هو الفسخ وهو ليس بمال ولا يؤول إليه لكن حكم له بحكمه وتقرير ضيح له يقتضي أن المشهود به في ذلك هو البيع وهو مال ويؤدي إلى ما ليس بمال وهو الفسخ مثلًا فلا يصح استدلال طفى بكلام ضيح على كلام الشارح لأن تقرير ضيح لا تنزل عليه عبارة المصنف على أن تقرير غ ومن تبعه أتم فائدة والله أعلم اهـ.

(وتقدم دين عتقًا) قول ز وأما المعتق بالكسر إذا أراد رد العتق الخ نحوه في عج غير معزوّ وهو غير ظاهر لأن رد العتق إنما هو للغرماء كما تقدم في الفلس ولا حق فيه للمدين المعتق إذ لو أجازه الغرماء لزمه فانظر ذلك والله أعلم (وقصاص في جرح) قول ز في الفرع الثاني فإن مات الشاهد قبل موت الأصم الأبكم فلوارثه الخ مما لا معنى له لأن الشاهد إذا مات فإن كان قد كتب شهادته أو أشهد بها عدلين أو أداها عمل بها وإلا فكالعدم.

تنبيه: أطلق المصنف وغيره في قبول الشاهد مع اليمين وقال ابن سهل ما نصه من صح نظره في أحوال الناس لم تطب نفسه أن يقضي إلا بالشاهد المبرز في العدالة اهـ.

ونحوه في التبصرة وقال في المعيار سئل ابن لب عن الحكم بالشاهد واليمين فأجاب القضاء بالشاهد مع اليمين مختلف فيه بين أهل العلم وقد منعته الحنفية وأجازته المالكية لكن قال محمد بن عبد الحكم إنما ذلك في الشاهد العدل البين العدالة وحمل على التفسير للمذهب وقد كان القاضي أبو بكر منا لا يحكم به إلا مع شاهد مبرز ولا يأخذ به مع غيره أما إن ظهرت ريبة في القضية وكان الأخذ بذلك مؤديًا إلى فسخ عقد ثابت الصحة فلا وجه للأخذ بذلك حينئذٍ اهـ.

ص: 330

فرعان: الأول: لو قذف شخص آخر فقام المقذوف على قاذفه بالحد فشهد برق المقذوف رجل وامرأتان سقط الحد.

الثاني: لو قام شاهد لشخص أصم أبكم بدين ورثه عن أبيه فهذا لا يمكن أن يحلف فيحلف المدعى عليه ويبقى بيده إلى أن يزول المانع فيحلف أي فإن لم يزل حتى مات انتقل الحلف لوارثه مع الشاهد ولو على وارث المدعى عليه كذا يظهر فإن مات الشاهد قبل موت الأصم الأبكم أو زال مانعه فلوارثه كما قد يفيده من حيث المعنى قوله الآتي كوارثه وذكر المرتبة الرابعة بقوله: (ولما لا يظهر للرجال) يكفي فيه (امرأتان) مسلمتان عدلتان (كولادة) لحرة أو أمة تشهدان بها سواء حضر شخص المولود أم لا على المشهور إما في شهادة الصبيان المتقدمة فلا بد من مشاهدة البدن مقتولًا والفرق كونها على خلاف الأصل وكلامه في ثبوت الولادة وإما ثبوت الأمومة وعدمها فتكلم عليه ابن عرفة (وعيب فرج) في أمة اختلف فيه البائع والمشتري وكذا في حرة ادعاه زوجها إن رضيت برؤية امرأتين وإلا فهي مصدقة في عدمه كما تقدم في النكاح في قوله كالمرأة في دائها أي تصدق في نفيه وتقدم أنه لا تنافي بينه وبين قوله وإن أتى بامرأتين تشهدان أي له بدائها قبلتا لأن ذلك مع رضاها بتمكينها من رؤيتها وأراد هنا بعيب الفرج ما يشمل بين سرة وركبة (واستهلال) لمولود حرة أو أمة ومثله إذا قالتا ذكرًا أو أنثى أو لم يستهل لترتب إرث وعدمه ونحو ذلك عليه (وحيض) في أمة لا في حرة لأنها مصدقة كما قدم المصنف (ونكاح) شهد به ادعته امرأة بصداق عينته (بعد موت) لرجل لتأخذ صداقها من تركته فالظرف متعلق بشهد مقدرًا (أو) شهد على (سبقيته) أي الموت أي إن أحد الزوجين المحقق الزوجية مات قبل صاحبه (أو) وقعت الشهادة على (موت) لرجل (و) الحال أنه في الفرع الأخير (لا زوجة) له (ولا مدبر) والواو فيه بمعنى أو (ونحوه) كعبد موصي بعتقه أو أم ولد وليس إلا قسم المال واعترض قوله ونكاح بأقسامها الثلاثة والمسألتان بعده أي

ــ

بلفظه لكن قال الشيخ ابن رحال في حاشية التحفة ظاهر كلام الجمهور من المالكية أن ما قاله ابن عبد الحكم مخالف للمذهب لا تفسير ولم أقف على من قيد كلام أهل المذهب المدونة وغيرها بما ذكره ابن عبد الحكم وقد يتعذر الإتيان بالمبرز انظر كلامه (كولادة) قول ز وأما ثبوت الأمومة وعدمها الخ يأتي كلام ابن عرفة قريبًا عند قوله وثبت الإرث والنسب له وعليه (أو موت ولا زوجة) قول ز واعترض قوله ونكاح بأقسامها الخ نحوه لغ وقال ابن عاشر بل الصواب وضع قوله ونكاح بعد موت الخ بعد قوله كقتل عبد آخر كما فعل ابن الحاجب لأن الفروع الخمسة كلها اشتملت على مال وغيره فثبت المال دون غيره وحينئذٍ يتصل قوله وثبت الإرث الخ بمناسبه اهـ.

وقول ز لما يلزم عليه من ثبوت نكاح الخ صوابه لما يلزم عليه من فسخ النكاح أو من جواز النكاح بأن تتزوج المرأة بعد ذلك وأشار المصنف بهذا الفرع إلى قول المدونة قال ابن القاسم إذا مات رجل فشهد على موته امرأتان ورجل فإن لم يكن له زوجة ولا أوصى بعتق

ص: 331

قوله والمال دون القطع وقوله كقتل عبد آخر بأن الثلاث مما يثبت بشاهد وامرأتين أو أحدهما مع يمين ويدل للأول قوله في تنازع الزوجين ولو أقام المدعي شاهدًا حلفت معه وورثت أي ولا يثبت النكاح فحقه ذكر الثلاث قبل قوله ولما لا يظهر لانخراطها في سلك ما قبله واحترز بقوله ولا زوجة الخ عما إذا كان له زوجة أو مدبرًا ونحوهما مما ذكر فإن الشهادة كلها ترد قاله مق أي لما يلزم عليه من ثبوت نكاح بمجرد عدل وامرأتين أو إحداهما بيمين مع أنه إنما يثبت بعدلين كما تقدم إلا إن أريد من حيث الإرث كما مر ومن خروج المدبر إلى العتق من الثلث وأم الولد من رأس المال بما ذكره مع أن ذلك إنما يثبت بعدلين كما مر (وثبت الإرث والنسبة له وعليه) لا يرجع لقوله وعيب فرج وما بعده وإنما يرجع لقوله كولادة فقط فهو فيما لا يظهر للرجال وفي بعض أفراده فقط أي إن النسب والميراث يثبتان بشهادة امرأتين على الولادة والاستهلال للمولود فإن شهدتا أنه استهل ومات بعد أمه ورثها وورثه ورثته فقوله ثبت الإرث له أي ممن تقدم موته على موته وقوله وعليه أي لمن تأخر موته على موته فهما راجعان للإرث لا للنسب فلو أخر قوله والنسب عن قوله وعليه أو قدم لفظ النسب على الإرث ليتصل به قوله وعليه لكان أولى ولا يتوهم حينئذٍ أنه راجع للمسألتين تأمل وفي عج زيادات وقوله: (بلا يمين) راجع لجميع مسائل ما لا يظهر للرجال ولو قدمه عقب قوله: وامرأتان كان أظهر (والمال دون القطع في سرقة) هذه من المسائل التي تثبت بشاهد وامرأتين أو أحدهما بيمين كما

ــ

عبد ولا له مدبر وليس إلا قسمة التركة فشهادتهن جائزة وقال غيره لا تجوز ابن عرفة قال غير واحد إبطال شهادتهن بالموت إن كان للميت زوجة أو وصية بشيء مما ذكر خلاف قولها في الشهادات إن شهد شاهد بوصية فيها عتق ووصايا لقوم ردت في العتق وجازت في الوصايا لقوم وإنما تبطل كلها أن لو شهد لنفسه فيها وكان بعض من لقيناه يفرق بينهما بأن الوصية بالعتق والمال الارتباط بينهما اتفاقي لا لزومي لصحة تعلق شهادتهن بأحدهما دون الآخر تقدير وجودهما في الواقع وارتباط إرث المال وتنفيذ الوصية بالعتق الثابتة بغير شهادتهن في الشهادة بالموت ارتباطًا لزومي إذ لا يصح في إيجاب الموت أحدهما دون الآخر على تقدير وجودهما بحال ولا يلزم من صحة التفريق في الاتفاقي صحته في اللزومي اهـ.

باختصار (وثبت الإرث والنسب له وعليه) نحن لابن الحاجب قال ابن عرفة ولم يتعرض له ابن عبد السلام وقرره ابن هارون بقوله مثل أن تشهد امرأتان بولادة أمة أقر السيد بوطئها وأنكر الولادة فإن نسب الولد لا حق به وكذا موارثته إياه له وعليه ابن عرفة هذا كقوله آخر أمهات الأولاد من المدونة وإن ادعت أمة أنها ولدت من سيدها فأنكر لم أحلفه لها إلا أن تقيم رجلين على إقرار السيد بالوطء وامرأتين على الولادة فتصير أم ولد ويثبت النسب للولدان كان معها ولد إلا أن يدعي السيد استبراء بعد الوطء فيكون ذلك له وهذه نص في جواز شهادتهن فيما لا تجوز فيه شهادتهن إذا كان لازمًا لما تجوز فيه شهادتهن وهو في الموطأ وغيره اهـ.

انظر غ رحمه الله (والمال دون القطع في سرقة) الوانوغي هذه المسألة على خلاف قول

ص: 332

قدمته قريبًا أي أنه إذا شهد على شخص بسرقة شرعية شاهد وامرأتان أو أحدهما بيمين فإنه يثبت على السارق المال دون القطع ويضمن المال ضمان الغاصب أي مليًّا أم لا لأن السرقة لم تثبت إذ شرطها عدلان هذا قول ابن القاسم وقال أشهب يضمنه ضمان السارق أي إن أيسر من الأخذ إلى الحكم بالغرم لأن السرقة تثبت بالنسبة للمال والمتخلف شرط القطع وشبه في ثبوت المال دون القصاص أي القتل قوله: (كقتل عبد) عبدًا (آخر) عمدًا شهد به عدل وامرأتان أو أحدهما مع يمين سيد المقتول فإن المال وهو قيمة العبد المجني عليه أو رقبة الجاني إن لم يفده سيده يثبت دون القتل إذ لا يقتل العبد بمماثلة إلا بشهادة عدلين كما يأتين ولا قسامة لاختصاصها بالحر ولما ذكر حكم مراتب الشهادة الأربع إذا تمت ذكر ما يترتب عليها قبل تمامها وهو منخرط في سلك ما يوجب حكمًا غير المشهود به وكان من جملة ذلك الحيلولة ويقال لها العقلة بضم العين المهملة وسكون القاف ويقال لها أيضًا الإيقاف فقال: (وحيلت أمة) ادعت حريتها أو ملكها مع إقامة عدل أو اثنين يحتاجان للتزكية بينها وبين من هي بيده (مطلقًا) رائعة أم لا طلبت فيها الحيلولة أم لا ادعت الأمة حريتها أو ادعى شخص رقها كما مر لحق الله تعالى بصيانة الفرج إن لم يكن من هي بيده مأمونًا وإلا لم يحل عنها كما في ابن الحاجب والشامل وبه قرره الشمس اللقاني وفي ابن عرفة ما يفيده أنه المذهب ففي د نظر وظاهر النقل عدم حيلولة

ــ

الأصوليين العلة إذا أوجبت حكمين متساويين لزم من ثبوت أحدهما ثبوت الآخر وهنا القطع والضمان حكمان للسرقة ثبت أحدهما دون الآخر وخلاف قول المنطقيين أن وجود الملزوم يلزمه وجود لازمه فيلزم على هذا وجود القطع لوجود السرقة ويتضح ذلك بذكر فرق ابن المناصف في هذا الباب وتقرير السؤال الذي استلزمه فرقه أن يقال قال في المدونة إذا شهد رجل وامرأتان على السرقة ثبت الضمان وانتفى القطع ولو شهد رجل وامرأتان على أداء نجوم الكتابة كلها أو أن فلانًا باع أمته من زوجها أو باع عبدًا ممن يعتق عليه صحت الشهادة ولو ترتب عليها العتق وفسخ النكاح وفي كلا الموضعين شهادة بما يتعلق بالأموال والأبدان والفرق بينهما أن وجود الضمان لا يستدعي القطع حتى لا يتم إلا به بخلاف الكتابة وأخواتها فكأنه يقول قول الأصوليين في الاستدلال بثبوت أحد الموجبين على الموجب الآخر إنما هو إذا كان بينهما تلازم أما إذا فقد التلازم فلا يلزم من وجود أحدهما وجود الآخر كالقطع والضمان وهنا نكتتان إحداهما أن الشهادة إذا بطل بعضها للتهمة بطل جميعها بخلاف إذا بطل بعضها للسنة ومسألتنا من هذا القبيل الثانية قال غير واحد أن المراد بالضمان هنا ضمان الغصب والتعدي لا ضمان السرقة وهو مذهب ابن القاسم اهـ.

كلام الوانوغي (وحيلت أمة مطلقًا) قول ز كما في ابن الحاجب الخ ابن الحاجب ذكر الخلاف لكن صدر بهذا فيقتضي كلامه ترجيحه ونصه وتحال الأمة وإن لم تطلب إلا أن يكون مأمونًا عليها وقيل تحال الرائعة مطلقًا اهـ.

وبالأول جزم ابن رشد ونصه إن ادعت الجارية أو العبد الحرية فإن سببًا لذلك سببًا

ص: 333

المأمون ولو سافر بها (كغيرها) أي كدعوى المدعي شيئًا معينًا غير الأمة وأقام عدلًا إلى آخر ما يأتي فإنه يحال بينه وبينه بغلق كالدار ومنع المكتري من حرث أرض (إن طلب) الإيقاف الذي هو معنى الحيلولة فالفعل مبني للمفعول ويحتمل بناؤه للفاعل أي المدعي وفي بعض النسخ طلبت بتاء تأنيث أي الحيلولة المفهومة من حيلت وعليها فالفعل مبني للمفعول فقط لأن نائب الفاعل ضمير مؤنث متصل والتأنيث واجب والباء للسببية في قوله: (بعدل) أي حيلت أمة وما عطف عليها بسبب إقامة عدل يشهد لمدعي ما ذكر (أو اثنين) مجهولين (يزكيان) بفتح الكاف أي يحتاجان لتزكية ومثلهما بينة سماع عن غير ثقات وإنما لم يقدم قوله بعدل الخ عن قوله كغيرها لئلا يتوهم قصر العدل وما بعده على ما قبل الكاف فأخره ليعمهما وإن كان الأصل في التشبيه التمام لكن تأخيره عنها يقتضي رجوعه لما بعدها على قاعدته الأغلبية وفي البساطي أنه متعلق بمحذوف أي إن أتى بعدل ولعله قدره لئلا يلزم الفصل بين الجار ومتعلقه وعطف على جملة حيلت حيلولة أيضًا

ــ

كالشاهد العدل أو الشهود غير العدول وقف السيد عن الجارية وأمر بالكف عن وطئها إن كان مأمونًا وإن لم يكن مأمونًا وضعت على يدي امرأة انظر تمام كلامه في ق وعليه اقتصر ابن عرفة فدل كلامه على أنه المذهب وبه تعلم ما كلام غ إذ قال كانت بيد مأمون أو غير مأمون ونحوه لد نعم قال ابن عبد السلام ينبغي إن كان من بيده الأمة مكذبًا لمن شهد لخصمه أن يحال بينهما ولو كان مأمونًا اهـ.

ولكن لا يقاوم الأول والله أعلم (كغيرها إن طلب) قول ز بغلق كالدار ومنع المكتري من حرث أرض الخ هذا مثله لتت واعترضه ابن عاشر وطفى بأنه خلاف قول ابن القاسم في المدونة وخلاف كلام المؤلف وإن قال به جماعة من الموثقين وهو قول مالك في الموطأ وقول ابن القاسم في العتبية وجرى به القضاء وإنما مذهب ابن القاسم في المدونة هو أن العقار لا يوقف بحال قال ابن عرفة ابن رشد واختلف في الحد الذي يدخل فيه الشيء المستحق في ضمانه المستحق وتكون الغلة له ويجب التوقيف به على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لا يدخل في ضمانه ولا تجب له الغلة حتى يقضى له به وهو الآتي على قول مالك في الغلة أنها لمن هي بيده حتى يقضي به للطالب فعليه لا يجب توقيف الأصل المستحق توقيفًا يحال بينه وبينه ولا توقيف غلته وهو قول ابن القاسم في المدونة أن الربع الذي لا يحول ولا يزول لا يوقف مثل ما يحول ويزول وإنما يوقف وقفًا يمنع فيه من الأحداث. والثاني: أنه يدخل في ضمانه وتكون له الغلة ويجب توقيفه توقيقًا يحال بينه وبينه إذا ثبت له بشاهدين أو بشاهد وامرأتين وهو ظاهر قول مالك في الموطأ إذ قال فيه إن الغلة للمبتاع إلى يوم يثبت الحق وهو قول غير ابن القاسم فيها إذ قال إن التوقيف يجب إذا أثبت المدعي حقه ويحلف وكلف المدعى عليه الدفع وعلى هذا القول جرى عندنا الحكم والثالث أنه يدخل في ضمانه وتجب له الغلة والتوقيف بشهادة شاهد واحد وهو الآتي على قول ابن القاسم في رسم العربة في الضمان حسبما ذكرناه اهـ.

ص: 334

لكن على وجه خاص فقال: (وبيع ما يفسد) لو وقف كلحم ورطب فواكه (ووقف ثمنه) بيد عدل (معهما) أي مع إقامتهما أي الشاهدين المحتاجين لتزكية فمتعلق وقف محذوف وهو بيد عدل كما قررنا وقوله معهما متعلق ببيع على حذف مضاف كما علم (بخلاف) مدع مقيم (العدل) وأبي من الحلف معه لأجل إقامة ثانٍ قائلًا فإن لم أجده لم أحلف فلا يباع المدعي به وإذا لم يبع (فيحلف) المدعى عليه (ويبقى) المدعي به (بيده) ملكًا على ما في د يتصرف فيه بالبيع ويضمنه للمدعي إن أتى بشاهد ثاني والمذهب أنه يبقى بيده حوزًا فيضمنه ولو هلك بسماوي ويبقى بيده بكفيل بالمال كذا في بعض التقارير ومفهوم فيحلف أنه إن نكل أخذه المدعي بشاهده مع نكول المدعى عليه وقوله بخلاف الخ إنما لم يبع هنا ويوقف ثمنه كالذي قبله لأن مقيم العدل قادر على إثبات حقه بيمينه فلما ترك ذلك اختيارًا صار كأنه مكنه منه بخلاف السابقة وما قررته من أن موضوع المصنف أن المدعي امتنع من اليمين هو ما قاله عياض وأبو حفص وقبله ابن عرفة وأما إن قال لا

ــ

ونقله أبو الحسن أيضًا عن ابن رشد وزاد عنه وكذلك النفقة تجري على هذا الاختلاف وقد فرق في رواية عيسى عن ابن القاسم بين النفقة والضمان وسوى بينهما عيسى من رأيه وهو القياس وكذلك ظاهر المدونة أنه فرق بينهما والصواب أنه اختلاف في القول اهـ.

ولا شك أن القول الأول الذي هو مذهب المدونة عليه درج المصنف في قوله والغلة له للقضاء ومعنى قوله فيه وإنما يوقف وقفًا يمنع فيه من الأحداث الخ أن يقال للذي هو عنده وفي يده لا تحدث فيه حدثًا من تفويت ولا تغيير ولا يخرج من يدك قاله أبو الحسن (فيحلف ويبقى بيده) أي فإذا أتى المدعي بشاهد ثانٍ فإنه يضمه للأول ويستحق قاله د: وتأمل هذا مع قول المصنف فيما يأتي وإن حلف المطلوب ثم أتى بآخر فلا ضم اهـ.

قلت: لا معارضة فإن ما يأتي محله إذا امتنع من الحلف وقد عجز عن الإتيان بشاهد ثانٍ فيحلف المدعى عليه لرد الشاهد فإذا أتى المدعي بعد بشيء لم يسمع منه وأما ما هنا فالمدعى عليه إنما حلف ليبقى بيده والطالب يدعي أن له ثانيًا فلم تكن يمينه لرد الدعوى والله أعلم وقول ز ويبقى بيده بكفيل بالمال الخ مثل في خش واعترضه مس بأن المنصوص أنه يبقى بيده بغير كفيل وقول ز وما قررته به هو ما قاله عياض وأبو حفص الخ اعلم أن ابن الحاجب قال في المسألة وما يفسد من الطعام وغيره قالوا يباع ويوقف ثم إن كان شاهدان ويستحلف ويخلي إن كان شاهد اهـ.

فتبرأ بقوله قالوا مشيرًا إلى أشكال ولا شك أن هذا التقييد الذي ذكره عياض وأبو حفص وجعله ابن عرفة المذهب يزول به الإشكال فإنه ينبغي أن يقرر وجه التبري بأنهم قالوا مع العدل الواحد يمكن المدعى عليه من المدعي فيه ومع الشاهدين المجهولين لا يمكن منه مع أن الحق مع العدل الواحد أقرب إلى الثبوت لإمكان إثباته وجد ثانيًا أم لا بخلاف المجهولين فإنه إن لم يجد من يزكيهما لم يثبت الحق فالعدل الواحد أقوى فيجاب بأنه إنما يمكن من المدعي فيه مع العدل الواحد إذا قال المدعي لا أحلف معه البتة لأن الواحد حينئذٍ

ص: 335

أحلف الآن لأني أرجو شاهدًا ثانيًا وإن لم أجده حلفت فإن المدعي به يباع ويوقف ثمنه بيد عدل كما في الأول (وإن سأل) المدعي (ذو العدل) أي مقيمه الآبي من الحلف معه ومثله مقيم مجهولين يحتاجان لتزكية (أو) سأل ذو (بينة سمعت) بأنه ذهب له شيء عبد أو غيره هذه صفته (وإن لم تقطع) جملة حالية أي والحال أنها لم تقطع بأن الشيء المدعى فيه حقه بأن قالت لم نزل لسمع من الثقات وغيرهم أنه ذهب له عبد مثلًا كهذا (ووضع قيمة العبد) مثلًا عند القاضي أو نائبه أو بيد عدل بإذن القاضي (ليذهب به إلى بلد يشهد له) فيه (على عينه أجيب) لسؤاله ومكن من الذهاب به إلى البلد الذي طلبه وجعلنا الواو للحال لأنها إن قطعت بأن قالت لم نزل نسمع من الثقات وغيرهم إن هذا عبده فيكفي ولا يحتاج للشهادة على عينه ويمكن بقاء الواو على حالها للمبالغة ويكون ما قبلها حيث كان المتنازع فيه بيد حائز لأنه لا ينزع بها من يد حائز كما يأتي أو بغير يده ولم يحلف الطالب أو كان السماع غير فاش فإنه يجاب لوضع قيمة العبد والذهاب به الخ فإن كان فاشيًا أو لم يكن المتناع فيه بيد حائز أو حلف معها مقيمها فإنه يثبت بها ما شهدت به من غير احتياج لذهاب به لبلد بدليل قوله الآتي وسماعًا يثبت به أي سمعًا فاشيًا بشرطه ثم موضوع مسألة المصنف هنا في المدعي كما مر ومثله المدعى عليه إذا أثبت شخص أن ما بيده ملك لغيره وطلب وضع قيمته بيد عدل ليذهب به لبلد الذي باعه لتشهد البينة فيه على عينه فإنه يجاب لذلك أيضًا ولو في أمة إن كان أمينًا ذكره في المدونة (لا) إن (انتفيا) أي العدل وبينة السماع (وطلب) المدعي (إيقافه) أي المدعى فيه عبدًا أو غيره على يد عدل (ليأتي ببينة) تشهد له على دعواه المجردة الآن فلا يجاب لذلك (وإن) كان

ــ

يصير أضعف من المجهولين لأن احتمال عدم الثبوت حاصل في كل منهما والواحد أضعف من الاثنين وأيضًا فإنه المدعي مع الواحد قادر على إثبات حقه مع يمينه بيمينه وتركه اختيارًا كما قاله في النكت وقرر في ضيح التبري بوجه آخر وكذا ابن عبد السلام قرره بوجه ثالث وانظر ح في ذلك فقد أطال والله أعلم (وإن لم تقطع) هكذا عبارة المدونة والمبالغة على حالها لأن السماع تارة يحصل به العلم فيجوز لهم القطع وتارة لا يحصل به إلا الظن القوي فلا يجوز القطع فأفاد المصنف كالمدونة أنه لا فرق بين الأمرين وبه يندفع قول من جعل الواو للحال مثل ز وخش تبعًا لد لفهمهم أن القطع هو الشهادة على العين وليس كما فهموه قاله طفى: (أجيب) وضمانه في ذهاب ممن ذهب به لأنه أخذه لحقه لا على وجه الأمانة كما صرح به المتيطي وابن فتوح وقول ز ومثله المدعى عليه الخ هذه المسألة عكس مسألة المصنف وذكرها في المدونة في كتاب تضمين الصناع وهي من استحقت من يده دابة فسأله وضع قيمتها ويذهب بها إلى بلد البائع الخ وقد وقع في لفظ ز خلل فيها فتأمله (لا انتفيا) هذا راجع لمسألتي الإيقاف والذهاب به إلى بلد الخ فقول المصنف وطلب إيقافه يعني وأحرى الذهاب لبلد وحينئذٍ فالضمير في انتفيا يرجع للعدل وما ذكر معه الشامل لاثنين يزكيان في الإيقاف وللسماع في الذهاب به.

ص: 336

مسافة بينته (بكيومين) أي عليهما لأنه يريد بذلك إضرارًا لمالك وإبطال منفعته بالشيء المدعى به في تلك المدة (إلا أن يدعي بينة حاضرة) بالبلد لتشهد له بما ادعى (أو) يدعي (سماعًا) أي بينة (يثبت به) المدعي به بأن كان فاشيًا (فيوقف) الشيء المدعي به بأمر القاضي (ويوكل به) أي لحفظه (في) دعوى المدعي بينة على (كيوم) فإن جاء بها عمل بمقتضاها وإلا سلمه القاضي للمدعى عليه بعد يمينه وخلى سبيله من غير كفيل (والغلة) الحاصلة في المدعي فيه (له) أي للمدعى عليه فيما ليس فيه حيلولة وكذا فيما هي فيه على الراجح لأن الضمان منه فيهما (للقضاء) به للمدعي (والنفقة) على العبد مثلًا زمن الإيقاف ومنه زمن الذهاب بالعبد لبلد يشهد فيه أنه للمدعي كما قال مق (على المقضي له به) من يوم الدعوى لكشف الغيب أنه على ملكه من يوم الإيقاف ولأنه كان أقر على نفسه بأن النفقة عليه فأخذ بإقراره بها دون الغلة لأنه إقرار لنفسه فلم يعمل به فاختص بها المدعى عليه فإن أنفق رجع بها على المدعي ويختص بالغلة ولا تقام في النفقة وبالتعليل الثاني ظهر الفرق بين ما هنا وبين الرد بالعيب وباقي المسائل الخمسة التي يفوز فيها بالغلة ولا يرجع بالنفقة وظاهر قوله والنفقة الخ سواء كان له غلة أم لا وهو كذلك عند ابن القاسم وهو المعتمد وقولي زمن الإيقاف الخ احتراز عما قبل الإيقاف فإن النفقة على من هو بيده كما أن الغلة له من غير خلاف كما ذكره ابن فرحون في تبصرته ولما كانت الشهادة على الخط ثلاثة أقسام على خط المقروء على خط الشاهد الميت أو الغائب وعلى خط نفسه ابن رشد الأولى أقواها ثم الثانية ثم الثالثة أضعفهما ذكرهما على هذا الترتيب فقال: (وجازت) شهادة أي أداؤها (على خط مقر) بخطه أي من كان مقرًا فلا

ــ

تنبيه: قال الشيخ أبو زيد انظر ما جرى به العمل اليوم من التساهل في التمكين من ذلك بمجرد الدعوى مع قوله لا انتفيا فإني لم أر له مستندًا إلا أن يدفع به توجه الحلف إذا لم يرض به المدعى عليه فإن امتنع منه فيقوم ذلك مقام شاهد عدل لكن لم أره لأحد لكن ذكر في العتبية والمدونة وضع القيمة إذا أراد المستحق منه الذهاب بها ليرجع بها على الذي اشتراها منه فله ذلك ليستخرج حقه من البائع ولا بد له من ذلك الحوز الشاهد له بالشراء لما في يده اهـ.

(أو سماعًا يثبت به) قول ز يثبت به المدعي به الخ تقريره بهذا وإن كان هو ظاهر المدونة لكن يوجب تكراره مع ما قبله لاندراج هذا تحت البينة الحاضرة والأولى ما قرره به ابن مرزوق من أن المراد سماعًا يثبت به اللطخ فيضع قيمة العبد كشهادتهم بأنهم سمعوا أن فلانًا هرب له عبد ولم يعرفوا عينه (والنفقة على المقضى له به) قال الرجراجي فأما ما يوقف وقفًا يمنع من الاستخدام فإن كانت له غلة فنفقته من غلته وإن لم تكن له غلة فقولان: أحدهما: أن نفقته على من يقضى له به وهو مذهب المدونة. والثاني: أن النفقة عليهما معًا فمن قضى له به رجع عليه الآخر بما أنفق وهذا القول في غير المدونة وهو أصح وأولى بالصواب اهـ.

(وجازت على خط) قول ز ولا بد من حضور الخط ومن كون الشاهد عليه اثنين على

ص: 337

ينافي أنه ينكره الآن لتشهد بينة عليه بأنه خطه أي كتابته أن عنده لفلان كذا أو وصله حقه من فلان ولا بد من حضور الخط ومن كون الشاهد عليه اثنين على المعتمد وإن كان الحق مما يثبت بشاهد ويمين أو امرأتين ويمين لأن الشهادة على خطه بمنزلة النقل عنه ولا ينقل عنه إلا اثنان ولو في المال على المعتمد وأولى في هذا الحكم الشهادة على خط الشاهد لأنها دونها كما مر ثم أن الشهادة على خط المقر ينتزع بها من يد حائز فهي أقوى من شهادة السماع ولا يحتاج معها اليمين كما قال: (بلا يمين) من المدعي لتكميل نصاب فلا ينافي أنه قد يحلف يمين القضاء أنه ما وهب ولا أبرأ نحو ذلك فيما إذا كان المقر بخطه ميتًا أو غائبًا وأما إن كان موجودًا وأنكر كونه خطه فلا يحتاج مع شهادة الشاهدين على خطه ليمين القضاء كما لا يحتاج لها لتكميل النصاب كما قاله المصنف إنما لم يحتج ليمين تكملة للنصاب مع أن المال إنما يثبت بها مع شاهد لأنه إنما كتب خطه بأن عنده كذا بعد بينة أو إقراره ولو تجردت المكتوب فيها خطه عن شهود على المعتمد وأشار للقسم الثاني بقوله: (و) جازت على (خط شاهد مات) وإن لم يدركه الشاهد على خطه كما في تت وهو المعتمد (أو) على خط شاهد (كتاب) إن كانت غيبته (ببعد) وهو ما

ــ

المعتمد الخ أما حضور الخط فقال ابن عرفة فتوى شيخنا ابن عبد السلام بأن شرط الشهادة على الخط حضوره ولا تصح عليه في غيبته صواب وهو ظاهر تسجيلات الموثقين المتيطي وغيره اهـ.

ونقل في المعيار عن أبي الحسن الصغير أنه سئل عن شاهدين نظرًا وثيقة بيد رجل وحفظاها وتحققا ما فيها وعرفا شهودها وأنهما ماتوا برسم العدالة ثم ضاعت الوثيقة فأجاب بأن القاضي يعمل على ذلك إذ لا فرق عند القاضي بين غيبة الوثيقة وحضورها باستيفاء هذين جميع ما فيها اهـ.

بخ ثم قال صاحب المعيار أثره وانظر ما يناقض هذه الفتوى في ابن عرفة والمتيطي وهو الصحيح الذي لا يلتفت إلى غيره اهـ.

وأما كون الخط لا يثبت إلا بعدلين على المعتمد دون الشاهد واليمين ففيه نظر بل المعتمد هو ثبوته بالشاهد واليمين.

فرع: إذا أقام صاحب الحق شاهدًا واحدًا على الخط فروايتان حكاهما ابن الجلاب وهما مبنيان على أنه إذا شهد له اثنان هل يحتاج إلى يمين أم لا فمن قال لا يحتاج إلى يمين أعمل الشهادة هنا ومن قال يحتاج أبطل الشهادة هنا وإذا قلنا يحكم له به فيحتاج إلى يمينين يمين مع شاهده ويمين أخرى ليكمل السبب لما قاله الشارمساحي في شرح الجلاب وصح أن يحلف يمينين في حق واحد لأنهما على جهتين مختلفتين اهـ.

فيفهم من بنائه الحكم بشاهد ويمين في الخط على عدم الاحتياج مع الاثنين إلى يمين الذي هو المعتمد كما في المتن أن المعتمد خلاف ما ذكره ز والله أعلم وعلى الاكتفاء بذلك اقتصر ق (وخط شاهد مات أو غاب) قول ز والمرأة المشهود على خطبها بشهادتها بشيء

ص: 338

ينال الشاهد فيه مشقة فلا تجوز مع قربه وجهل المكان كالبعد والمرأة المشهود على خطبها بشهادتها بشيء عليها كالرجل فيشترط في الشهادة على خطبها بعد غيبتها وإن كانت في النقل عنها ليست بمنزلة فينقل عنها ولو لم تغلب لأن الشهادة على الخط ضعيفة فلا يصار إليها مع إمكان غيرها وينبغي جواز شهادة الرجال على خطهن ولو فيما يختص بهن دونهن فلا يشهدن على خط رجال ولا نساء ولو فيما يختص بهن وبالغ على جواز الشهادة على خط المقر وخط الشاهد بنوعيه بقوله: (وإن بغير مال) كطلاق وعتق (فيهما) وثنى الضمير باعتبار خط المقر وخط الشاهد بنوعيه وما للمصنف به العمل بتونس وروى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ لا تجوز في طلاق ولا عتق ولا حد ولا كتاب قاض لقاض بل في الأموال فقط قاله تت وذكر ق ما يفيد أن المعتمد تسليم ما للمصنف في الشهادة على خط المقر وعدم تسليمه في الشهادة على خط الشاهد وأنها إنما تجوز فيه بمال أو ما يؤول إليه مع يمين لضعف القسم الثاني عن القسم الأول وأشار إلى شروط جواز الشهادة على الخط وهي ثلاثة والأول عام في الشهادة على خط المقر على خط الشاهد بنوعيه والاثنان بعده في الثاني بنوعيه فقال: (إن عرفته) أي الخط فأفرد الضمير باعتبار الخط أي عرف الشاهد أن الخط معرفة تامة (كالمعين) أي كمعرفتهما الشيء المعين من كعبد وثوب فلا بد فيها من القطع كما في تت ولذا إنما تقبل من الفطن العارف بالخط وإن لم يدرك صاحبه على المعتمد كما مر وعلله ابن عبد السلام بقوله لأنا نعرف كثيرًا من خطوط من لم ندرك كخط الشلويين وابن عصفور وابن السيد ونحوهم لتكرر خطوطهم علينا مع تلقينا عن غير واحد من الشيوخ أنها خطوطهم انتهى.

وبقي من شروطها في القسمين أن لا يكون في المستند ريبة من محو أو كشط وإلا لم تجز الشهادة عليه ولو اعتذر عن ذلك على المذهب وذكر الشرطين المختصين بالشهادة على خط الشاهد بنوعيه عاطفًا على الهاء في عرفته فقال: (و) عرفت البينة الشاهدة على خط شاهد مات أو غاب ببعد (إنه) أي الشاهد الكاتب خطه بشهادته (كان يعرف مشهده) أي من شهد عليه بنسبه أو عينه فإن لم تعرف البينة ذلك لم تشهد على

ــ

عليها الخ الصواب إسقاط لفظ عليها بدليل ما بعده (إن عرفته كالمعين) قول ز ولو اعتذر عن ذلك على المذهب الخ فيه نظر ففي ضيح ما نصه معنى اشتراطه انتفاء المحو والريبة إذا لم يكن معتذرًا عنه في الوثيقة فإذا كان معتذرًا عنه فهو من زينة الوثيقة على ما قال بعض كبار الشيوخ اهـ.

بل قال بعض هي أصح من الوثيقة التي ليس فيها ذلك لأنها تدل على أن الشاهد تثبت في شهادته وتصفحها بعد كتبها اهـ.

(وإنه كان يعرف مشهده) جعله المصنف صحة شرط وهو الذي نقله ابن رشد عن ابن زرب ومثله لابن فتوح قال ابن رشد وهو صحيح لا ينبغي أن يختلف فيه ونقل ابن عرفة عن

ص: 339

خطه لاحتمال أنه شهد على من لا يعرف وهذا في الحقيقة لتحقيق ماهيته لا أنه شرط خارج عن الماهية إذ الشهادة على من لا يعرف من شهادة الزور ولذا قال ابن راشد الصواب خلاف هذا الشرط وجرى على خلافه العمل عندنا بقفصة أي لأنه يشبه اشتراط الشيء في نفسه (و) عرفت أنه (تحملها عدلًا) أراد به أن يكون مقبول الشهادة قبل أدائها ولم يعلم أنه تغير بعد ذلك حتى حكم بشهادته أو مات أو غاب إذ لا تشترط العدالة عندنا في التحمل بل في الأداء نعم يشترط في التحمل عدم الصبا والفسق والكفر كما للبساطي وقد يجاب عن المصنف بأن الشهادة على خط الشاهد ضعيفة فاشترط فيها كون المشهود على خطه تحملها عدلًا وأشعر قوله إن عرفته إلى آخر الشروط أن شهود الخط يعتمدون على ذلك ولا يحتاجون لذكر ذلك عند الشهادة وهو كذلك كما يفيده ابن راشد وأشار للقسم الثالث بقوله: (لا) الشهادة (على خط نفسه) في رسم حاضر شهد فيه بين جماعة ونسبة فلا ينتفع بها ولو عرف خطه (حتى يذكرها) أي القضية هذا مراده بالنفي لعدم الجواز لمنافاته لقوله: (وأدى) وجوبًا (بلا نفع) باعتبار ما عند الشاهد على خط نفسه

ــ

المتيطي أنه شرط كمال فقط لا شرط صحة وما ذكره ز عن ابن راشد ظاهر وعليه العمل عندنا ومحل الخلاف في ذلك إذا كانت الوثيقة المشهود عليها خالية من التعريف أي لم يذكر فيها وعرفه أو عرف به فلو كان فيها ما ذكر فقال بعض الأشياخ لا يحتاج لهذا الشرط اتفاقًا ويدل عليه ما نقله ابن عرفة عن المتيطي (وتحملها عدلًا) ليس المراد حقيقة التحمل بل وضعها في الرسم فلو قال المصنف ووضعها في الرسم عدلًا كان أصوب وما ذكره هو تعديل للمشهود على خطه وظاهر كلامه أن الشاهد على الخط لا بد أن يشهد بذلك وذكر المتيطي أنه لا يشترط ذلك بل يكفي أن يشهد بذلك غيرهما انظر ح وقول ز قبل أدائها ولم يعلم أنه تغير بعد ذلك حتى حكم بشهادته أو مات أو غاب الخ كلامه غير صواب إذ الفرض أنه كتبها ثم مات أو غاب ولم يقع أداء وإلا لم يحتج لشهادة على خطه ولو قال كما قال المتيطي وغيره أن يكون مقبول الشهادات من تاريخ وضعها في الرسم وبعده إلى أن مات لكان صوابًا وقول ز نعم يشترط في التحمل عدم الصبا الخ سلم ما قاله البساطي وهو غير صحيح بل التحقيق ما تقدم له أول الباب من أنه لا يشترط حين التحمل إلا العقل والله أعلم وقول ز وقد يجاب الخ لا يحتاج إلى جواب لما ذكرنا أن المراد بالتحمل هنا وضعها في الرسم (لا على خط نفسه حتى يذكرها) ذكر في ضيح عن البيان في هذه خمسة أقوال وما ذكره هنا هو مذهب المدونة ابن رشد وكان مالك رحمه الله تعالى يقول إن عرف خطه ولم يذكر الشهادة ولا شيئًا منها وليس في الكتاب محو ولا ريبة فليشهد وبه أخذ عامة أصحابه مطرف وعبد الملك والمغيرة وابن أبي حازم وابن دينار وابن وهب وابن حبيب وسحنون في نوازله وقال مطرف عليه جماعة الناس قال مطرف وابن الماجشون وليقم بالشهادة تامة بأن يقول ما فيه حق وإن لم يحفظ ما في الكتاب عدًّا ولا مقعدًا ولا يعلم السلطان بأنه لم يعرف غير خطه فإن أعلمه بذلك لزم الحاكم ردها اهـ.

ص: 340

وفائدة التأدية احتمال أن الحاكم يرى إجازتها أو هو مجتهد إن وجد يجب عليه إخباره عند التأدية أنه غير ذاكر للقضية مع اعترافه بأن الخط خطه فإن امتنع من التأدية فانظر هل يكون بمنزلة الرجوع أم لا والثاني هو الظاهر في زمننا لأن فائدة التأدية احتمال عمل القاضي بها وهذا منتف الآن وقد علم أن معنى قوله لا على خط نفسه لا يشهد بما في مستند بخطه حتى يتذكر الواقعة وليس المراد أن يشهد على خط نفسه الغائب عن المجلس أو أن يشهد أن هذا خطي بل المراد لا يشهد بما تضمنه خطه الحاضر فإن أنكر أنه خطه وشهد عليه شاهدان أنه خطه فالظاهر أنه لا يعمل بشهادتهما لأنه لو اعترف أن الخط خطه ولم يذكر ما شهد به فإنه لا يشهد على القضية وإنما يؤدي الشهادة ويبين أنه غير ذاكر لما شهد به كما قال المصنف وهو ظاهر أيضًا من كون الشهادة على خط الشاهد إنما تكون إن مات الأصل أو غاب كما تقدم وأولى إن لم يكن عليه شاهدان مع إنكاره خطه وأما إن أنكر المقر بخطه أنه خطه ولم يوجد من يشهد به وإنما تمسك به خصمه فقط فهل لا يجبر على الكتابة وهو قول عبد الحميد أو يجبر عليها وعلى أن يطول فيما يكتب تطويلًا لا يمكن فيه أن يستعمل خطًّا غير خطه وهو قول اللخمي كما في تت واختار ابن عرفة الأول واختار غير واحد الثاني ومقتضى كلام اللخمي وعبد الحميد المذكور أنه لو طاع بالكتابة وأدرك العارفون المماثلة بينهما لزم الحق قاله الوالد وإنما اشترط في الشهادة على خط نفسه ذكره للقضية بخلاف الشهادة على خط شاهد مات أو غاب ببعد لأن الشاهد على خط نفسه إنما شهد على نفس القضية الواقعة بين الخصمين وأما الشاهد على خط الميت أو الغائب فإنما شهد على خطهما لا على أصل القضية إذ قد تكون قبل وجوده وهذا فرق جلي يشهد به بديهة العقل قاله صر باختصار انظر د (ولا) يشهد الشاهد (على من لا يعرف) نسبة حين الأداء أو التحمل (إلا على عينه) أي شخصه

ــ

وقال في ضيح صوب جماعة أن يشهد أن لم يكن هو ولا ريبة فإنه لا بد للناس من ذلك لكثرة نسيان الشاهد المنتصب ولأنه لو لم يشهد حتى يذكرها لما كان لوضع رسم خطه فائدة اهـ.

وهذا القول ذكر ابن الناظم في التحفة وابن فرحون أنه الذي به العمل وهو الذي نظمه في التحفة وبه العمل عندنا أيضًا بفاس كما نقله من ألف في عملها عن سيدي العربي الفاسي وقول ز ومقتضى كلام اللخمي وعبد الحميد الخ هذا الكلام لابن عرفة ونصه بعد ذكر الخلاف بينهما قلت الأظهر ما قاله عبد الحميد ومقتضى قوليهما وظاهر سياق المازري له أنه لو شهدت بينه عدلة على مكتوب بشيء ما لا يحق المدعي أنه بخط المدعى عليه وهو مماثل لخط الكتاب الذي قام به المدعي أنه يثبت بذلك للمدعي دعواه وفيه نظر لأنه لا يحصل للشاهد المدرك المماثلة بين الخطين ظن كون الخط الذي قام به المدعي خط المدعى عليه بمجرد إدراكه المماثلة مرة واحدة ولا يحصل إدراك كون الخط خط فلان إلا بتكرار أو رؤية خطه أو سماعه مفيد للعلم حسبما ذكرناه في الشهادة على خط الغائب اهـ.

ص: 341

وحليته بحيث يبقى المعوّل عليه إنما هو من وجدت فيه تلك الأوصاف وهو استثناء مفرغ في الأحوال أي لا يشهد على من لا يعرف في حال من الأحوال إلا في حال وجود شخص ذلك بعينه ولا يعرف نسبه وليس تفريعًا في الذوات لئلا يلزم اتحاد المستثنى والمستثنى منه إذ الواقع هنا أنه واحد واستثنى حالًا من ذات ومثل جهل سبه علمه حيث تعدد المنسوب لمعين كمن له بنتان فاطمة وزينب وأراد الشاهد الشهادة على فاطمة فلا يشهد إلا على عينها إلا أن يحصل له العلم بها وإن بامرأة وأما إن لم يكن للمعين إلا بنت واحدة لا يعرف له غيرها فمن معروفة النسب لأن الحصر فيها ظاهر بالقرينة (ويسجل) القاضي في شهادة بينة على عين امرأة لعدم معرفة نسبها بدين وقالت إنها ابنة فلان (من زعمت أنها ابنة فلان) وليس له أن يكتب ابنة فلان من غير بينة أنها بنته ويجري مثل ذلك في الرجل والشهادة على الصفة في ذلك كالشهادة على العين ومثل زعمت ذكرت أو قالت وذكر وقال وخص النساء لغلبة الجهل بهن وفائدة تسجيل ما ذكر عدم ثبوت نسبها بذلك إذ القصد ثبوت الدين فقط بل ولو ترك القاضي تسجيل زعمت أو زعم وكتب اشترى فلان ابن فلان أو فلان الشريف سلعة كذا مثلًا فلا يثبت به نسبه ولا شرفه عندنا حيث كان مجهولًا وأثبت ذلك أبو حنيفة والشافعي قال السيوطي في ألفيته الأصولية:

والحكم بالنسبة مدلول الخبر

دون ثبوتها على القول الأبر

من ثم قال مالك من شهدا

في ذا بتوكيل فما عنه اعتدا

للانتساب وإمامنا ذهب

وكالة أصلًا وضمنًا بالنسب

(ولا) تجوز الشهادة أي تحملها (على منتقبة) بل يكشف عن وجهها ليشهد على عينها وصفتها (لتتعين) أي انتفاء الجواز لأجل أن تتعين (للأداء) أي يطلب من الشاهدين على إقرارها بحق لشخص أن يتحملا الشهادة عليها بعد معرفة عينها من غير نقاب لأنهما لو شهدا عليها منتقبة لم يؤدوا شهادتهم عليها لعدم معرفة عينها ووجهها فقوله ولا على منتقبة أي تحملا كما قررنا أو أداء كما يفيده قوله لتتعين للأداء فالتعليل للنفي لا للمنفي الذي هو منتقبة فهو كقوله تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا} [النساء: 157] أي انتفاء القتل متيقن وهذا في غيره معروفة النسب وفي معروفته حيث كان لها أخت فأكثر ولم تتميز عند الشاهد عن مشاركتها وإما معروفته المنفردة أو المتميزة عنده عن مشاركتها فيشهد عليها منتقبة ورتب على معروفته قوله: (وإن قالوا) أي العدول (أشهدتنا) معروفته بدين عليها لزيد مثلًا حالة كونها (منتقبة وكذلك نعرفها) وإن كشفت عن وجهها لا نعرفها (قلدوا) أي قطع بشهادتهم ولو أنكرتها لأنهم عدول وليس عليهم إخراجها إن قيل لهم عينوها وأما

ــ

ونقله غ (ولا على منتقبة لتتعين) ضيح هذا مخصوص بالنكاح وأما الحقوق كالبيوع والهبات والوكالات ونحوها فلا يشهد عليها في شيء من ذلك إلا من يعرف عينها واسمها والفرق بين النكاح وغيره ما يخشى أن يموتوا فيشهد عى خطوطهم فنلزم باطلًا اهـ.

ص: 342

قوله: (وعليهم) وجوبًا كما تشعر به على (إخراجها إن قيل لهم عينوها) ففي غير معروفته وإنما شهدوا على عينها وصفتها وأنكرت وكلفوا بإخراجها من بين نسوة فعليهم إخراجها وتشخيصها وليس من تعلقات ما قبله لجزمه فيها بأنهم يقلدون ثم إذا لم يخرجوا غير المعروفة ولم يتيسر لهم معرفتها فالظاهر ضمانهم لما شهدوا به عليها لأنه بمنزلة الرجوع عن الشهادة خلافًا لما استظهره بعض شيوخ د من عدم الضمان لأنها بمثابة فسقة يعلمون أن شهادتهم لا تقبل شهدوا بحق على آخر ولم يقبلهم الحاكم عند الأداء اهـ.

وأشعر فرضها في المرأة بأنهم لو شهدوا على رجل لآخر بدابة أو رقيق معينين أو موصوفين وأدخلهم المشهود عليه في مماثل فلا يطلبون بإخراجه إن قيل لهم عينوه كما في تت وهو خطأ ممن فعله ولعل الفرق أن العاقل يمكنه تغيير صفته بخلاف الدابة والرقيق مثلها (و) من تحمل شهادة على امرأة عرف نسبها ثم نسيها عند إرادة الأداء (جاز) له (الأداء) للشهادة عليها (إن حصل) له (العلم) بأنها المشهود عليها برجل بل (وإن بامرأة) عدلة أو لفيف من الناس وأما لو لم يعرفها حين التحمل فهو قوله ولا على منتقبة الخ ويحتمل أنه أطلق الأداء على التحمل وقال عج: قوله وجاز الأداء الخ وكذا التحمل فإن قيل هذا يخالف قوله ولا على من لا يعرف إلا على عينه وجوابه أن ذلك فيمن لا يعرف نسبها كما مر وهذا فيمن يعرف نسبها وهي متحدة ثم المراد يعرف نسبها حين الأداء وإن بامرأة كما قال مع شهادته أو على معرفة نسبها ثم نسيه كما صدرنا به في تقريره ويشمل كلامه أيضًا ما إذا كانت حين التحمل غير معروفة النسب وشهد على عينها ثم عرف حين الأداء نسبها فإنه يؤدي إذا حصل العلم له بها وإن بامرأة وعطف محذوفًا

ــ

باختصار وأصله لابن رشد فتأمله والنكاح في الخط كغيره (وعليهم إخراجها إن قيل لهم الخ) قول ز لو شهدوا بدابة أو رقيق الخ ظاهره أن من يقول بالتعيين في المرأة يخالف في الدابة وليس كذلك بل من قاله إنه لا يكلف بذلك في الدابة قال كذلك في المرأة قاله طفى ونقل ق يدل عليه (وجاز الأداء إن حصل العلم وإن بامرأة الخ) روى ابن القاسم وابن نافع في المبسوط فيمن دعى إلى الشهادة على امرأة وهو لا يعرفها أنه إن شهد عنده عدلان أنها فلانة فليشهد عليها قال ابن القاسم هذا باطل ولا يشهد عليها إلا وهو يعرفها بغير تعريفهما وقال ابن الماجشون الذي قاله ابن القاسم هو الباطل وكيف يعرف النساء إلا بمثل هذا وقال ابن القاسم في العتبية إذا دعي الرجل ليشهد على امرأة لا يعرفها ويشهد عنده رجلان أنها فلانة فلا يشهد إلا على شهادتهما وقال ابن نافع فيه أنه يشهد وذكره عن مالك ابن رشد والذي أقول به أن المشهود له أن أتاه بالشاهدين ليشهدا له عليها بشهادتهما عنده أنها فلانة فلا يشهد إلا على شهادتهما وإن كان هو سأل الشاهدين فأخبراه أنها فلانة فليشهد عليها وكذلك لو سأل عن ذلك رجلًا واحدًا يشق به أو امرأة لجاز له أن يشهد ولو أتاه المشهود له بجماعة من لفيف النساء يشهدون عنده أنها فلانة لجاز له أن يشهد إذا وقع العلم بشهادتهن فهذا وجه القول في هذه المسألة اهـ.

ص: 343

على قوله إن حصل العلم قوله: (لا) إن لم يحصل العلم بأنها المشهود عليها (بشاهدين) فلا يعتمد قولهما ولا يؤدي الشهادة (إلا نقلًا) عنهما فيعتبر حينئذٍ في شهادته ما يعتبر في شهادة النقل فلا بد من انضمام شاهد آخر إليه وأن يقولا اشهد على شهادتنا وغير ذلك ولا فرق في ذلك بين تحمل الشهادة عليها أو أدائها وهذا حيث شاركاه في علم ما يشهد به وإلا فلا يتصور نقله عنهما ولما أنهى الكلام على الشهادة على الخط تكلم على شهادة

ــ

وتفصيل ابن رشد هذا اتبعه عليه ابن شاس وابن عرفة والمصنف في ضيح وغير واحد وهو جار على مذهبه في أن ما يبتدأ فيه بالسؤال يفيد فيه الخبر وما لا فليس بخبر وعليه حمل طفى كلام المصنف فقال معنى قوله وجاز الأداء مستندًا إلى التعريف إن حصل العلم أي وكان على وجه الخبر والمراد بالعلم الثقة بخبر المخبر. وقوله لا بشاهدين أي إذا كان على وجه الشهادة إلا أن يحصل بهم العلم بأن بلغوا حد التواتر هذا المحصل من كلام ابن رشد وأن كان المتبادر من عبارة المصنف غير هذا ونحو عبارته لابن الحاجب وبذلك نعلم أن قول ز تبعًا لعج قوله لا بشاهدين أي لا إن لم يحصل العلم بشاهدين فيه نظر إذ لم أر من فصل في الشاهدين هذا التفصيل قاله طفى رحمه الله فمراد المصنف الاستناد في الأداء إلى التعريف الحاصل عند التحمل فقول ز عرف نسبها ثم نسيها عند إرادة الأداء الخ غير ظاهر ولا معارضة بين ما هنا وبين قوله قبل ولا على من لا يعرف إلا عينه لأن ما تقدم محله ما إذا لم تحصل معرفة ولا تعريف وهذا فيمن لا يعرف وقرر ابن رحال كلام المصنف على ظاهره فقال معناه وجاز الأداء إن حصل العلم بالتعريف وإن بتعريف امرأة ولا يجوز الأداء بحصول العلم بسبب تعريف شاهدين عدلين وإذا لم يعتمد عليهما مع حصول العلم فأحرى مع عدمه وأما تقرير الشارح وتبعه تت وعج وابن مرزوق وغير واحد من شروحه أن قول المصنف لا بشاهدين إنما هو إذا لم يحصل بهما علم فغير صحيح لأنه خلاف كلام الناس وأن الشاهدين لا يعتمد عليهما في التعريف مطلقًا حصل علم بهما أم لا وهذا على مذهب ابن القاسم بخصوصه لمرور المصنف عليه وأما على قول ابن الماجشون وما رواه ابن نافع عن مالك فيصح كلام الشارح ومن تبعه إلا أنه قليل الجدوى إذ لو أراد المصنف ذلك لقال بدل لا بشاهدين لا إن لم يحصل علم فإن قلت ما وجه قول ابن القاسم بالمنع مع حصول العلم بالشاهدين قلت لأن توقف الشاهدين عن الشهادة على من عرفاه مع صحة شهادتهما وحضورهما فيه تهمة وريبة قد صرح ابن مرزوق وغيره بأن المشهور هو ما قاله ابن القاسم وصرح أبو الحسن وصاحب الفائق وغير واحد بأن تفصيل ابن رشد قول ثالث وإن تبعه عليه ابن شاس وابن عرفة وضيح وغير واحد اهـ.

باختصار قلت هو مبني على فهم قول ابن القاسم لا يعتمد على الشاهدين مطلقًا ولو حصل العلم بهما وهو بعيد وإن كان هو مقتضى من جعل ما لابن رشد قولًا ثالثًا والظاهر قول طفى يمكن حمل الخلاف بين ابن القاسم وغيره على ما كان على وجه الشهادة كما يؤخذ من تعبير الرواية بالشاهدة فيكون اختيار ابن رشد وفاقًا لابن القاسم اهـ.

ص: 344

السماع فقال: (وجازت بسماع) أي أذن فيها إذ قد تجب (فشا عن ثقات وغيرهم) أي يعتمدون على ذلك في شهادتهم وإن لم ينطقوا به بل قالوا لم نزل نسمع أن هذه الدار حبس أو ملك فلان كما في المدونة فإن نطقوا فزيادة بيان واختلف في اعتمادهم على ذلك أو نطقهم به هل لا بد من الجمع بين الثقات وغيرهم وعليه أبو الحسن على المدونة المتيطي وبه العمل ونحوه لابن فتوح أو يكتفي بأحدهما وهو قول ابن القاسم وهو الأشهر وعليه قالوا في قوله وغيرهم بمعنى أو لمنع الخلو لا لمنع الجمع وإنما جازت شهادة السماع للضرورة وإن كانت على خلاف الأصل إذ الأصل أن الإنسان إنما يشهد بما تدركه حواسه قاله أبو إسحاق وقوله بسماع متعلق بجازت ويمكن أن يتعلق بضمير جازت العائد على الشهادة بناء على جواز عمل المصدر مضمرًا أو الباء بمعنى عن متعلقة بمحذوف أي

ــ

وبالجملة الظاهر ما قاله ابن رشد وأن يحمل كلام ابن القاسم عليه وكذا كلام المصنف والله الموفق للصواب.

تنبيهان: الأول: قال ابن عرفة الذي عليه العمل عندنا أنه إن عين الشاهد في الوثيقة من عرفه بالمشهود عليه فشهادته ساقطة وصارت كالنقل عمن عرفه اهـ.

الثاني: إذا لم يذكر الموثق في الوثيقة المعرفة ولا التعريف فظاهر كلام المتيطي أن ذلك لا يقدح في شهادته ومقتضى كلام ابن سهل وابن فتوح أن ذلك يبطلها وقال ابن عرفة الأظهر إن كان الشاهد معلوم الضبط والتحفظ قبلت شهادته وإن لم يذكر معرفة ولا تعريفًا وإلا ردت إلا أن تكون على مشهور معروف كالرؤساء اهـ.

فهي أقوال ثلاثة انظر الفائق (وجازت بسماع فشا) ابن عرفة شهادة السماع لقب لما يصرح الشاهد فيه باستناد شهادته لسماع من غير معين فتخرج شهادة البت والنقل اهـ.

وقول ز واختلف في اعتمادهم على ذلك أو نطقهم به الخ الذي يفيده كلام الأئمة أن الخلاف إنما هو في النطق كما يدل عليه ما يأتي وقول ز أو يكتفي بأحدهما وهو الأشهر الخ تبع ح ونصه ظاهر كلام المصنف أنه لا بد من الثقات وغيرهم وهذا قول ذكره في ضيح عن بعضهم ومذهب المدونة خلافه ويحتمل أن يكون مراد المصنف أنه يشترط فيها أن يكون السماع فاشيًا سواء كان في الثقات أو من غيرهم وهذا هو الراجح اهـ.

ثم قال فيحمل كلام المصنف على المحمل الثاني ليكون موافقًا لظاهر المدونة كما قال المازري وعلى هذا عول العبدوسي في قصيدته اهـ وفيه نظر بل الجمع بين الثقات وغيرهم كما هو ظاهر المصنف هو الذي اعتمده الباجي إذ قال شهادة السماع أن يقولوا سمعنا سماعًا فاشيًا من العدول وغيرهم وإلا لم تصح ونحوه لابن سهل وابن سلمون وابن فتوح قائلًا شهادة السماع لا تكمل إلا أن ينص فيها على أهل العدل وغيرهم وعلى هذا مضي عمل الناس ونقله ابن عرفة وأقره قال طفى بعدما ذكره فعلم أن عدم اشتراط العدالة لا مستند له إلا ما يؤخذ من ظاهر المدونة وغيرها وقد قيدها أبو الحسن بقول محمد المتيطي صرح بأنه إذا لم يجمع بين الأمرين لم تصح وبه العمل اهـ.

ص: 345

وجازت الشهادة الناشئة عن سماع ولا تقل وجازت شهادة السماع بسماع لئلا يكون في الكلام ركاكة وتجوز شهادة السماع (بملك لحائز متصرت) بهدم وقلع شجر وغرس أو زرع عشرة أشهر لغير ضرورة من غير منازع بل تصرفًا لا يفعله إلا المالك وأما قوله: (طويلًا) متعلق بحائز كأربعين سنة أو عشرين على ما يأتي قريبًا وأما تصرفه بالهدم والبناء من غير منازع فيكفي أن يكون عشرة أشهر كما مر من مدة العشرين سنة أو الأربعين لا في جميعها (و) إن شهدت بينة بملك دار بتا لشخص وشهدت أخرى سماعًا بملكها لآخر (قدمت بينة الملك) بتا على بينته سماعًا (إلا بسماع) أي إلا أن تشهد بينة السماع (أنه اشتراها) أي الذات المتنازع فيها أو وهبت له مثلًا (من كأبي القائم) أوجده فتقدم لأنها ناقلة على البينة القاطعة لأنها مستصحبة وهذا ما لم يكن من شهدت له بينة الملك حائزًا

ــ

وبه صدر ابن شاس وقال ابن رحال في حاشية التحفة الذي به العمل أنه لا بد من الجمع بين الكلمتين (بملك لحائز متصرف) قال طفى ما محصله لم أر من اشترط شهادة السماع التصرف سوى المصنف في مختصره وتوضيحه نقلًا عن الجواهر وهو وهم لأن ما نقله من كلام الجواهر إنما هو شهادة الملك على القطع وهو الآتي في قول المصنف وصحة الملك بالتصرف الخ وأما شهادة السماع بالملك فقد نبه عليها ولم يشترط فيها التصرف وإنما اشترط الحوز فقط وكذا في المدونة وابن يونس والمالكية مطبقون على التعبير بأنه لا ينزع بها من يد حائز وإنما تجوز للحائز ولم يقولوا للمتصرف وذلك ظاهر لمن أنصف وعرف الحق من نفسه لا بالرجال والعجب من ح والشارح وق وغيرهم كيف تواطؤوا على نقل كلام الجواهر هنا تقليدًا لضيح ولم ينتبهوا لما قلنا مع وضوحه وتبعهم عج وفسروا طول الحيازة الواقع في كلام الجواهر بعشرة أشهر ولا شك أنه مراد صاحب الجواهر لكن في الشهادة بالملك على البت كما يأتي في نص المصنف وأما هنا فلا يتأتى مع شرط طول الزمان كالعشرين بل كالخمسين والستين كما في المدونة والموازية ما هذا إلا تهافت والعذر للمصنف أن صاحب الجواهر تكلم على الشهادة بالملك على البت أثناء شهادة السماع فتوهم أن ذلك من جملة شهادة السماع فوقع فيما وقع والكمال لله تعالى اهـ.

باختصار قلت ووقع لابن مرزوق أيضًا أنه قرر كلام المصنف على ظاهره واحتج له بقول المازري ونصه مما تقبل فيه شهادة السماع الشهادة بالملك المطلق فإن الملك لا يكاد يقع به قال ويعتمد الشاهد في الشهادة بذلك على وضع اليد عليه والتصرف فيه تصرف المالك في ملكه ونسبتها مع ذلك لنفسه وعدم المنازع وطول الحيازة ونحوه في النوادر اهـ.

وهو وهم أيضًا من ابن مرزوق في فهم كلام المازري فإن قوله ويعتمد الخ إنما هو في شهادة القطع بالملك لا السماع (وقدمت بينه الملك) إن قلت الحوز عشر سنين فأكثر كاف بمجرده في رد دعوى القائم وبينته وإن كانت بالقطع ولا يحتاج معها إلى بينة سماع ولا غيرها كما يأتي قلت إنما يكتفي به إذا كان المدعي حاضرًا بلا مانع وأما إن كان غائبًا وله هو مانع فتسمع دعواه ويحتاج الحائز إلى دفعها ففرض المسألة إذا كان المدعي غائبًا أو حاضرًا

ص: 346

للمتنازع فيه وإلا قدمت بينته على بينة السماع الناقلة لأنه لا ينتزع بها من يد حائز وعلم مما قررنا أن البينتين شهدتا بالملك لا أن أحدهما بالملك والأخرى بالحوز كما فهم تت ومن تبعه وعطف على قوله بملك قوله: (ووقف) أي شهدت بينة السماع بأنه وقف على الحائز أو على فلان أو على الفقراء وهل إلا أن يحوزه أحد لأنه لا ينتزع بها من يد حائز كما مر أو ولو كان بيد حائز مدع ملكة تردد وعلى الثاني فالفرق الاحتياط في الوقف (و) عمل بشهادة سماع على (موت) لشخص إذا مات (ببعد) أي ببلد ذي بعد كأربعين يومًا كبرقة من تونس وإن لم يطل الزمن وجهل موضعه كبعده فيما يظهر لا في مكان قريب ولا في بلد موته فلا بد من الشهادة بالقطع فيهما كالطول في الزمان كان ببلده أو بغيره فالشرط الآتي راجع لما عدا مسألة الموت ولما قدم شروطًا خاصة في شهادة السماع وهي الملك والتصرف ذكر شروطها الأربعة العامة بقوله: (إن طال الزمان) للسماع أربعون سنة كما هو ظاهر المدونة أو عشرون وهو لابن القاسم ابن رشد وبه العمل بقرطبة لا دون ذلك فلا نكفي شهادة السماع بل لا بد من القطع أن تكون بضرر الزوجين فيثبت بها ولو لم تطل المدة كما في شرح ابن عاصم ثم هذا الشرط في المصنف شرط في غير الموت وأما فيه فطول الزمان مبطل لشهادة السماع ولا بد حينئذٍ من الشهادة على البت كما في ابن عرفة وقد أشرت لذلك قبل ويعمل بشهادة السماع في الرهن كما في ح ولا يعمل بها في تقدم موت شخص على آخر كما في البرزلي بل يشترط في الشهادة فيه بالسماع قصر الزمان على المعتمد وانظر وجه الفرق والشرط الثاني قوله: (بلا ريبة) كشهادة اثنين

ــ

وله مانع لكن هنا بحث وهو أن يقال إن كانت دعوى القائم مجردة فالحوز كاف في دفعها من غير احتياج إلى طول ولا إلى بينة سماع وكذا إن كان مع الدعوى بينة سماع لأنه لا ينتزع بها من يد حائز فأما إن كان معها بينة قطع فبينة السماع التي ذكرها المصنف لا تكفي في دفعها إلا بسماع أنه اشتراها من كأبي القائم فلم يبق لقول المصنف بملك لحائز طويلًا محل وأجيب بأن ذلك يظهر في الحائز إذا لم يكن بيده رسم وأراد البيع وفي رب الدين إذا أراد أن بيع دار مدينة الغائب والله تعالى أعلم نعم يثبت بها الملك لغير الحائز في صورتين إحداهما إذا كانت الأرض غفلًا على أحد قولين الثانية إذا كان الحائز من أهل الغصب فحوزه كلاحوز كما في ابن سلمون انظر ح (إن طال الزمان) مثله لابن الحاجب فحمله ابن عبد السلام على ظاهر إطلاقه وتبعه في ضيح وأما ابن هارون فاعترضه بأن طول الزمان ليس شرطًا في جميع الأفراد بل في الأملاك والأشربة والأحباس والأنكحة والصدقة والولاء والنسب والحيازة قال وأما الموت فيشترط فيه تنائي البلدان أو طول الزمان واعتمد ابن عرفة كلام ابن هارون في حصره وتبعه غ واختار ابن عرفة في شهادة السماع في الموت بعد البلدان وقرب الزمان قائلًا إذا بعد الزمان يمكن بت الشهادة بفشو الأخبار فلا تجوز شهادة السماع بقرب البلد اهـ.

وعليه قرره ز والله تعالى أعلم (بلا ريبة) تمثيل ز له بالموت جار على أعمال شهادة السماع فيه مع بعد الزمن كما تقدم عن ابن هارون وهو خلاف ما اختاره ابن عرفة وقرر به ز

ص: 347

بالسماع وليس في البلد مثلهما سنا بموت شخص فإن وجدت ريبة لوجود مشاركتهما سنا في البلد من جم غفير ولم يعلموا بموته لم تقبل شهادتهما للتهمة والشرط الثالث قوله: (وحلف) المحكوم له بشهادة السماع لأنها ضعيفة فطلب فيها الحلف وعلله الشارح باحتمال أن أصل السماع كان عن شاهد واحد ولا يغرم الحق بذلك إلا مع اليمين وفيه نظر لأن هذا يقتضي خروج ما لا يثبت إلا بعدلين انظر د والرابع قوله: (وشهد اثنان) عدلان بها فأكثر لا واحد بها فلا يقضي بالمال وإن حلف مقيمه لأن السماع نقل شهادة ولا يكفي فيه واحد ويشكل على هذا ما مر في الخلع في قوله وبيمينها مع شاهد من أنه ولو شاهد سماع كما ذكره ابن عبد السلام ولكن في الشامل إن في رد المال بشهادة الواحد بالسماع مع اليمين قولين من غيرت رجيح وبقي عليه شرط خامس وهو أن يكون الشاهدان بالسماع ذكرين فلا يقبل فيه شهادة النساء وربما يشعر به إتيانه بمثنى المذكر ودعوى التغليب لا تنبغي هنا وذكر عشرين موضعًا تقبل فيها شهادة السماع مشبهًا لها بالثلاثة المتقدمة فقال: (كعزل) لقاض أو وكيل أي تقول لم نزل نسمع من ثقات وغيرهم أنه عزل (وجرح) أي تجريح بمعين أم لا كلم نزل نسمع أنه يشرب الخمر أو مجرح ولا يكونان قاذفين (وكفر) لمعين (وسفه) كذلك (ونكاح) بين اثنين أنكره أحدهما ولا شهرة ولا دف ولا دخان وإلا كانت بالقطع كما قدم المصنف (وضدها) أي المذكورات كشهادتها سماعًا بتولية معين أو بتعديله أو بإسلامه أو رشده أو بطلاق زوجته (وإن بخلع) بأن قالوا لم نزل نسمع أنه خالعها فيثبت الطلاق لا دفع العوض وكذا شهادتها بالبيع والنكاح يثبت العقد لا دفع الثمن ولا نقد الصداق (وضرر زوج) هما أو أحدهما كأن يشهدوا بالسماع الفاشي أن فلانًا ضر بزوجته بالإساءة عليها من غير ذنب ويطلقها القاضي عليه وقدم في الخلع ما يترتب على كل لكن تقدم فيه أيضًا ورد المال بشهادة سماع على الضرر وظاهره بغير يمين وبه صرح ابن عرفة وظاهر المصنف هنا أنه بيمين لجعله هنا

ــ

كما تقدم من أنه مع الطول لا بد في الموت من القطع أفهم (ونكاح) قول ز أنكره أحدهما الخ فيه نظر وفي ضيح قال أبو عمران يشترط في شهادة السماع على النكاح أن يكون الزوجان متفقين عليه وأما إذا أنكر أحدهما فلا اهـ.

ولم يزد عليه فظاهره أنه المذهب وقال الشيخ ميارة في شرح التحفة شرط السماع في النكاح أن تكون المرأة تحت حجاب الزوج فيحتاج إلى إثبات الزوجية إذ قد يموت أحدهما فيطلب الحي الميراث فلو لم تكن في عصمة أحد فأثبت رجل بالسماع أنها زوجته لم يستوجب البناء عليها بذلك لأن السماع إنما ينفع مع الحيازة ولاحتمال كون أصل السماع عن واحد وهو لا يجوز به قاله أبو عبد الله بن الحاج اهـ.

باختصار لكن قال ابن رحال في حاشيته ظاهر النقل خلاف ما قاله أبو عمران وابن الحاج اهـ.

ص: 348

الحلف من شروطها (وهبة) أي الواهب لفلان كذا (ووصية) من موص لمعين بكذا أو أنه وصيه أو على معين أنه كان موسى عليه من قبل أبيه يتولى النظر له والإنفاق عليه أو بتقديم قاض له على المشهود عليه وإن لم يشهدهم أبوه بالإيصاء ولا القاضي بالتقديم ولكن علموا ذلك بالاستفاضة من العدول وغيرهم ويصح بهذه الشهادة تسفيهه كما في نص الكافي (وولادة وحرابة وإباق وعدم) أثبته بها المدين أو الغرماء (وأسر وعتق ولوث) بأن يقولوا سمعنا سماعًا فاشيًا أن فلانًا قتل فلانًا فشهادة السماع لوث كذا يفيده ق ومن لا أنها يثبت بها اللوث كما هو ظاهر المصنف وعلى ظاهره حله البرموني فقال اللوث اللطخ المشار له بقوله في باب الجراح والقسامة سببها قتل الحر المسلم في محل اللوث وصورتها أن يقولوا لم نزل نسمع من الثقات وغيرهم أن فلانًا قال دمي عند فلان اهـ.

ويحتاج لنقل يدل عليه ودخل بالكاف البيع كما مر والنسب والولاء والرضاع والقسمة كما في الشارح والتشبيه في إفادة السماع في العشرين موضعًا لا يقيد الطول فلذا أتى فيها بالكاف وليرجع قوله وضدها لما بعد الكاف وانظر لم لم يقل بدل ونكاح وطلاق مع أنه أنسب بما قبله وكان يدخل النكاح في الضد ولعله لأجل المبالغة فإنها إنما تصح

ــ

وهو في عهدته فانظره والله أعلم (ووصية) قول ز من موص لمعين بكذا أو أنه وصية الخ جعل الوصية في كلام المصنف شاملة للوصية بالمال والذي في غ ما نصه وأما الوصايا بالمال فلم أر من صرح بها وإنّما ذكر ابن العربي والقرافي والغرناطي لفظ الوصية غير مفسر والظاهر أنهم قصدوا ما في الكافي من الإيصاء بالنظر وبذلك فسر صاحب ضيح الوصية في لفظ ابن العربي اهـ.

قلت قد عدوا الهبة مما يعمل فيه بالسماع ولم يظهر فرق بينها وبين الوصية بالمال والله أعلم (ولوث) في بعض النسخ وارث بدل ولوث قول ز ودخل بالكاف الخ اعلم أن الناس قد اجتهدوا في عدّ مواطن شهادة السماع فعدها القاضي أبو عبد الله العزفي السبتي إحدى وعشرين ونظمها وزاد عليه ولده ستة ونظمها وزاد ابن عبد السلام خمسة فهذه ثنتان وثلاثون ونظمها العبدوسي في قصيدة رجزية وذكر ذلك كله غ وزاد مسائل أخر ونظمها فانظره فقد أطال هنا ورأيت أن أثبت هنا نظم أبي عبد الله بن مرزوق فقد نظم أربعين موطنًا في سبعة أبيات ونصها:

فعدل وإسلام ورشد ولاية

وأضدادها ثم المقر وواهب

رضاع وقسم نسبة ذو وصية

ولاء وأسر ثم موت ونائب

نكاح وضد ثم خلع عتاقة

أباق وتفليس وكذلك المحارب

ووقف وبيع طال عهدهما وفى

جراح وحمل والمصدق راغب

أضرار زوج ثم لوث قسامه

ولادتها طول التصرف غالب

وإنفاق من أوصى ومن هو نائب

وتنفيذ إيصاء وعشرون عاقب

إرث وإيسار فذي أربعون خذ

فما رتبة إلا علتها مراتب

ص: 349

في الطلاق الداخل في الضد ودخل بها أيضًا شهادة السماع على الخط كما في غ ولا يعارضه قوله أن عرفته كالمعين لأن معرفته إما بالقطع وإما بشهادة السماع ويؤيد ذلك ما مر من أنه لا يشترط معاصرتهما لذي الخط وما ذكرناه من ثبوت الولاء بالسماع هو ما لابن عرفة والشارح والتوضيح وطخ في باب الولاء وهو المشهود دون ما للمصنف في بابه وآخر باب العتق من قوله فيه وإن شهد واحد بالولاء أو اثنان لم يزالا يسمعان أنه مولاه أو ابن عمه لم يثبت اهـ.

فإنه ضعيف (والتحمل) لشهادة (إن افتقر إليه فرض كفاية) لأجل حظ مال أو غيره إذ لو تركه الجميع لضاعت الحقوق وفرض عين إن لم يوجد من يقوم به غيره وانظر هل يقيد بقوله الآتي من كبر يدين أم لا وفرض الكفاية يتعين أيضًا بالشروع فيه ويجوز للشاهد أن ينتفع على التحمل الذي هو فرض كفاية دون الأداء كما يذكره وظاهر قوله فرض كفاية ولو كان فاسقًا إذ قد يحسن حاله وقت الأداء وهو المعتبر واحترز بقوله إن افتقر إليه عما لم يفتقر إليه فليس فرض كفاية بل ولا يندب كان يقول اشهدوا على أني رأيت الهلال

ــ

وتعقب عليه غ في التكميل ذكره الجراح قائلًا ما وقفت في الجراح على شيء لغيره وأما عده الإقرار منها فهو تابع فيه للقرافي في فروقه وأشار بقوله طول التصرف غالب وإنفاق من أوصى ومن هو نائب إلى قول الكافي ما نصه وجائز أن يشهد أنه لم يزل يسمع أن فلانًا كان في ولاية فلان وإنه كان يتولى النظر له والإنفاق عليه بإيصاء أبيه به إليه أو تقديم قاض عليه وإن لم يشهده أبوه بالإيصاء ولا القاضي بالتقديم ولكنه علم ذلك كله بالاستفاضة من أهل العلم وغيرهم ويصح بذلك سفهه إذا شهد معه غيره بمثل شهادته وفيها بين أصحابنا اختلاف اهـ.

فأطلق ابن مرزوق المسبب الذي هو التصرف والإنفاق على السبب الذي هو التقديم والإيصاء ومثل ذلك وقع في نظم ابن عرفة انظره في غ وقوله وتنفيذ إيصاء أشار به إلى ما ذكره ابن هشام في مفيده من أن ابن زرب أفتى في وصي قامت له بينة بعد ثلاثين سنة على تنفيذ وصية أسندت إليه بالسماع من أهل العدل والثقة أنها جائزة اهـ.

قال في التكميل وأما قوله وعشرون عاقب أي متأخر عن تنفيذ الإيصاء فلعله فهم أن الثلاثين في فتوى ابن زرب وقعت في السؤال فاعتمد على صريح قول ابن القاسم في أعمال السماع في العشرين اهـ.

والله أعلم (والتحمل إن افتقر إليه فرض كفاية) قول ز ويجوز للشاهد أن ينتفع على التحمل الذي هو فرض كفاية الخ ظاهره أنه إن تعين لا يجوز له أن ينتفع عليه وليس كذلك ابن عرفة وفي جواز أخذ العوض على التحمر خلاف واستمر عمل الناس اليوم وقبله بإفريقية وغيرها وعلى أخذ الأجرة على تحملها بالكتب ممن انتصب لها ابن المناصب الأولى لمن قدر واستغنى ترك الأخذ وعلى الأخذ تكون الأجرة معلومة مسماة وتجوز بما اتفقا عليه من قليل وكثير ما لم يكن المكتوب له مضطرًا للكاتب إما لقصر القاضي الكتب عليه لأجل اختصاصه بموجب ذلك وإما لأنه لم يجد بذلك الموضع غيره فيجب على الكاتب أن لا

ص: 350

ولما ذكر أن التحمل فرض كفاية ذكر أن الأداء فرض عين بقوله: (وتعين الأداء) على من تحمل أي إعلام الشاهد الحاكم بشهادته على شيء معين (من) مسافة بين تحملها وبين أدائها (كبريدين) والكاف استقصائية على ظاهر نقل ق وظاهر مقابلة المصنف لما هنا بقوله لا كمسافة القصر إن ما دونها يتعين الأداء منه وإن على بريدين والأظهر الاكتفاء في الأداء بالإشارة المفهمة (و) تعين الأداء (على ثالث إن لم يجتز) عند الحاكم (بهما) أي بشاهدين بحق مالي شهد به ثلاثة لعدم عدالتهما أو لغير ذلك فإن لم يحتز بثالث أيضًا تعين على رابع وعلى خامس إلى أن يثبت الحق (وإن انتفع) من تعين عليه الأداء بأن امتنع منه إلا بأخذ شيء (فجرح) يمنع قبول شهادته لأخذه رشوة على أداء واجب عليه وأما إن انتفع بشيء دفعه له المشهود له من غير طلب ولا امتناع بعد أداء الشهادة فليس بجرحة قاله تت واستثنى من قوله فجرح قوله: (إلا ركوبه لعسر مشيه وعدم دابته) فليس بجرح فإن أخذ حينئذٍ أجرة ركوبه ومشى فانظر هل يكون جرحة وهو ظاهر المصنف أولًا

ــ

يطلب فوق ما يستحق فإن فعل فهو جرحة وإن لم يسميا شيئًا ففيه نظر وهو عمل الناس اليوم وهو عندي فيجب على الكاتب أن لا يطلب فوق ما يستحق فإن فعل فهو جرحة وإن لم يسميا شيئًا ففيه نظر وهو عمل الناس اليوم وهو عندي محمل هبة الثواب فإن أعطاه أجرة المثل لزمه وإلا كان مخيرًا في قبول ما أعطاه وتمسكه بما كتب له إلا أن يتعلق بذلك حق للمكتوب له فيكون فوتًا ويجبران على أجرة المثل وقول ز وظاهر قوله فرض كفاية ولو كان فاسقًا الخ فيه نظر لأنه تعريض لضياع الحقوق لأن الغالب رد شهادته نعم إن لم يوجد سواه ظهر طلب تحمله تأمله وقول ز كأن يقول اشهدوا إني قد رأيت الهلال الخ تمثيله بهذا لما لم يفتقر إليه غير ظاهر لأن التحمل فيه قد يكون متعينًا لغيبة الرائي أو مرضه مع ترتب حكم شرعي على رؤيته والأولى أن الذي لا يفتقر إليه مثل أن يقول اشهدوا إني قد زنيت لأن له أن يرجع عن إقراره ولأن الستر مطلوب (وتعين الأداء من كبر يدين) ابن الحاجب والأداء من نحو البريدين إن كانا اثنين فرض عين ابن عبد السلام وإن كانوا أزيد فالأداء عليهم فرض كفاية إلا أن يكتفي القاضي بالاثنين اللذين أديا لمانع من قبول شهادتهما أو شهادة أحدهما فيتعين على الثالث الخ ابن عرفة ظاهر قولهم أن الأداء فرض عين مطلقًا وهو القائم من المدونة اهـ.

بخ ذكره في أول الباب وقال في فصل الأداء، وقول ابن شاس إن كانا اثنين فقد تعينا فإن امتنع أحدهما وقال أحلف مع الآخر فهو آثم لا أعرفه لأصحابنا بل للغزالي في وجيزه وهو جار على أصول مذهبنا (وإن انتفع فجرح) قول ز بأن امتنع منه الخ تبع فيه ما نقله عن تت من أنه إن انتفع بشيء من غير طلب ولا امتناع لم يكن جرحه قال طفى وهو مخالف لإطلاق الأئمة في الانتفاع كابن رشد وابن شاس وابن الحاجب وابن عرفة وغير واحد لم يفصلوا تفصيله وعلى الإطلاق قرره ابن مرزوق وإن كان التقييد بالامتناع وقع في الرواية عن سحنون فلا عبرة به لأنه وقع في السؤال ولم يعول عليه ابن رشد في شرحه انظر كلامه في طفى (إلا ركوبه لعسر مشيه) قول ز عن البساطي انظر هل المراد بقوله ركوبه نفس الركوب

ص: 351

البساطي انظر هل المراد بقوله ركوبه نفس الركوب أو معناه أن يعطيه شيئًا يكري به دابة ونحو ذلك والأقرب إلى المذهب من جهة سد الذرائع نفس الركوب اهـ.

وانظر أيضًا إذا عسر مشيه وعدمت دابته ولكنه موسر هل يلزمه أن يكري له دابة يركبها أم لا واستظهر الأول وإضافة دابة له مخرج لدابة قريبه فليس عليه استعارتها وقوله إلا ركوبه أي ذهابًا وإيابًا وتفريق بعضهم تعمق في الفقه (لا) إن كان بينه وبين أداء الشهادة (كمسافه القصر) فلا يلزمه الذهاب لمحل أدائها بل يؤديها عند قاضي بلده ويكتب بها القاض على مسافة القصر (و) يجوز (له) أي للشاهد حينئذٍ (أن ينتفع منه) أي من المشهود له (بدابة) يركبها المحل أداء الشهادة (ونفقة) له ولأهل بيته مدة ذهابه وإيابه من غير تحديد لأنه أخذ على عمل لا يجب عليه (وحلف) أي قضى بالحلف على زوج ادعت عليه زوجته (بشاهد) أي بسبب إقامتها شاهدًا أو امرأتين يشهد عليه (في طلاق و) كذا يقضي بالحلف على سيد مع شاهد أو امرأتين في (عتق) ادعاه عليه رقيقه وأنكر فيحلف أنه ما طلق ولا أعتق ومثلهما إقامة شاهدًا وامرأتين على قذف آخر فيحلف أنه ما قذفه (لا) في (نكاح) ادعاه زوج أو زوجة أو وليها غير طارئين وأقام به المدعي شاهدًا أو امرأتين فلا يحلف المدعى عليه لرده لأن الغالب شهرته فلا يكاد يخفى على الأهل والجيران فالعجز عن إقامة شاهدين به قرينة كذب مدعيه وأيضًا لأنه لو أقر به لم يثبت ولم يلزمه بخلاف إقراره بالطلاق والعتق وبخلاف الطارئين فيحلف منكره مع إقامة الآخر شاهد إلا بمجرد الدعوى وما ذكره من الحلف هنا في طلاق وعتق مفهوم قوله فيما سبق وكل دعوى لا تثبت إلا بعدلين فلا يمين بمجردها وفيه تفصيل أي فإن لم تتجرد حلف بشاهد فيما ذكر لا في نكاح ومقتضى الفرق المذكور بين النكاح وبينهما أن مثلهما سائر ما لا يثبت إلا بعدلين وقدمنا جميع ذلك (فإن نكل) من توجهت عليه من زوج أو سيد وكذا من مدعى عليه بقذف كما زدناه (حبس وإن طال) حبسه سنة على ما رجع إليه الإمام وأخذ به ابن القاسم بن عاصم وبه العمل (دين) أي وكل لدينه وخلى بينه وبين زوجته ورقيقه ولم يلزم حد قذف (وحلف عبد) مأذون له في تجارة أم لا (وسفيه) بالغ (مع) قيام

ــ

الخ نحوه لتت قال طفى وهو قصور وغفلة عن كلام ابن رشد لدلالته على أن الكتراء حكمه حكم دابة المشهود له في الجواز (لا كمسافة القصر) قول ز بل يؤديها عند قاضي بلده الخ نحوه لتت والذي في نوازل سحنون وكلام ابن رشد وابن عرفة أنه يؤدّيها عند رجل ولم يخص القاضي وفي ضيح والشارح وق عن سحنون ويشهدون عند من يأمرهم القاضي به بتلك البلاد قال طفى فلا أدري من أين أخذ تت تخصيص القاضي (لا نكاح) قول ز وأيضًا لأنه لو أقر به لم يثبت الخ هذا محله إذا ادعته المرأة أو ادعى عليها فلا يثبت بإقرارها لفقد العقد من الولي (وحلف عبد وسفيه الخ) فرض المسألة في حلف السفيه مع الشاهد يدل على أنه لا يمين عليه في الإنكار أو التهمة وهو كذلك سواء كان ذكر أو أنثى إذ لا فائدة لليمين

ص: 352

(شاهد) لكل بحق مالي تولى كل منهما فيه المعاملة واستحق كل ما حلف عليه مع شهادة شاهده وأخذه العبد وولي السفيه فإن نكل العبد عن اليمين قإن كان مأذونًا له حلف المدعى عليه وبرئ وإن كان غير مأذون له حلف سيده وأخذ ما حلف عليه مع شهادة شاهد عبده وإن نكل السفيه حلف المدعى عليه لردّ شهادة الشاهد وبرئ وأشعر قوله وحلف الخ أنهما مدعيان وأنه لا يشترط في المدعي الحرية ولا الرشد وهو كذلك بل ولا البلوغ وقولي تولى المعاملة احتراز عما إذا لم يتول السفيه المعاملة بل تولاها وليه فإنه الذي يحلف مع إقامة الشاهد كما قدمه المصنف في النكاح من قوله وحلفت هي أو أبوها إن كانت سفيهة وفي باب تنازع الزوجين من قوله ولا كلام لسفيهة أي لأن المتولي للمعاملة وليها فلا تعارض بينهما وبين ما هنا (لا) يحلف (صبي) مع شاهد قام له بحق مالي إرث أو غيره (و) لا يحلف (أبوه) وأولى غيره من الأولياء حيث لم يتول المعاملة لأن قاعدة المذهب أن الإنسان لا يحلف ليستحق غيره إن أنفق عليه تطوعًا بل (وإن أنفق) الأب على الصبي إنفاقًا واجبًا بحيث تكون ليمينه فائدة وهي سقوط النفقة عنه فإن ولى الأب أو الوصي المعاملة حلف لأنه إن لم يحلف غرم والواو في قوله وأبوه بمعنى أولًا بمعنى مع وحيث لم يحلف الصبي ولا أبوه مع الشاهد (حلف مطلوب) أي مدعى عليه (ليترك) المتنازع فيه (بيده) إلى بلوغ الصبي حوزًا فقط إن كان معينًا وله غلته وإن كان بيده حوزًا كما يفيده قوله فيما مر والغلة له للقضاء والنفقة على المقضى له به ويضمنه الحائز إذا تلف ولو بسماوي لأنه متعد فإن كان دينًا بقي بذمته (و) إذا حلف المطلوب (أسجل) المدعي به أي كتب الحاكم أي أمر أن يكتب في سجله شهادة الشاهد صونًا لحفظ مال الصبي وخوفًا من موت الشاهد أو تغير حاله عن العدالة قبل بلوغ الصبي

ــ

حينئذ لأنها إنما تتوجه حيث لو أقر المدعى عليه لزمه وهنا ليس كذلك انظر طفى (لا صبي وأبوه وإن أنفق) لو عبر بلو كان أولى ونص ابن رشد وليس لوصي الصغير أن يحلف مع شاهده واختلف هل ذلك للأب أم فالمشهور المعلوم من قول ابن القاسم وروايته عن مالك أن ذلك ليس له وقال ابن كنانة ذلك له لأنه يمونه وينفق عليه وهذا فيما لم يل فيه الأب أو الوصي المعاملة لأن ما ولى أحدهما فيه المعاملة فاليمين واجبة لأنه إن لم يحلف غرم اهـ.

من رسم جاع من سماع عيسى (حلف مطلوب ليترك بيده) الذي لابن الحاجب فإذا حلف أي المطلوب ففي وقف المعين قولان فنسب في ضيح الأول لظاهر المدونة وكتاب ابن سحنون وعزا الثاني للأخوين وابن عبد الحكم وأصبغ قال وبنى المازري الخلاف في الإيقاف على الخلاف في إسناد الحق إلى الشاهد فقط واليمين كالعاضد فيحسن الإيقاف أو إليهما معًا فيضعف الإيقاف اهـ.

وذكر ابن رشد في البيان الخلاف في وقف الدين ثم قال ووقفه في القياس صحيح إذ لو كان المدعي فيه شيئًا بعينه لوجب توقيفه أو بيعه وتوقيف ثمنه إن خيف عليه على ما يأتي لابن القاسم اهـ.

ص: 353

وفسقه بعد الإسجال بمنزلته بعد الحكم لا يضر فلا يعارض ما سبق للمصنف وإنما أسجل (ليحلف) الصبي (إذا بلغ) ويأخذ المدعي به حينئذٍ إن كان قائمًا وقيمته إن فات أو مثله إن كان مثليًّا ومفهوم حلف مطلوب أنه إن نكل عند إقامة الشاهد فإن الصبي يأخذ المدعي به ملكًا من الآن ولا يمين عليه إذا بلغ وأشعر فرض المصنف في إقامة شاهد بأنه لو قام للصبي شاهدان بحق فإنه يأخذه ولا يترك بيد المطلوب وهو كذلك وتؤخر يمين القضاء لبلوغه فإن حلف بعده تم الحكم له به وإن نكل رد إلى من أخذ منه (كوارثه) أي الصبي إذا مات (قبله) أي قبل بلوغه المفهوم من بلغ فيحلف الآن ويستحق (إلا أن يكون) وارثه (نكل أولًا) عن يمين توجهت عليه في نصيبه الذي شهد الشاهد بالحق له ولأخيه الصغير فاستؤنى لبلوغ فمات قبله (ففي حلفه) أي الكبير ليستحق حصة مورثه الصغير لأنه إنما نكل أولًا عن حصته ابن يونس وهو الذي يظهر ألا ترى أنه لو حلف أولًا وأخذ حصته ثم ورث الصغير لم يأخذ حصته إلا بيمين ثانية وعدم حلفه لأنه قد نكل أولًا فلا يمكن من اليمين (قولان) وحقه أن يعبر بتردد فإن مات الكبير الناكل أولًا في حصته عن ابن ثم مات الصبي وورثه ابن أخيه فإنه يحلف ويستحق حصة عمه فقط ولا يجري فيه القولان لأنه لم ينكل قبل ذلك وأما حصة أبيه الساقطة بنكوله فلا يتوهم رجوعها لابنه إذ النكول ليس بحق يورث (وإن نكل) الصبي بعد بلوغه عن اليمين أو نكل وارثه بعد موته

ــ

فظاهره إن وقف المعين هو المذهب والله أعلم (كوارثه قبله) اعتمد المصنف قول ابن يونس لو حلف الكبير أولا وأخذ مقدار حصته ثم ورث الصغير لم يأخذ نصيبه إلا بيمين ثانيه اهـ.

وسلمه ابن عبد السلام وابن عرفة والمازري قبلهما وانظر كيف سلموه وهو خلاف ما أفتى به ابن رشد في نوازله من أنه لا يحتاج إلى إعادة اليمين في مثل هذا إذ سأله القاضي عياض عن ذلك في رجل توفي وترك ورثة كبار وابنة صغيرة فأثبتوا له ملكًا بشاهد واحد فأجابه ابن رشد بما نصه يمين المرأة أن ما شهد به الشاهد حق لتستحق بذلك حظها مما أحقته لزوجها بيمينها مع الشاهد تجزئها فيما صار إليها في ذلك بالميراث عن ابنتها لأنها قد حلفت على ذلك إذ حلفت على الجميع حين لم يصح لها أن تبعض شهادة الشاهد فتحلف على أنه شهد بحق في مقدار حصتها فتكون قد أكذبته في شهادته وهذا مما لا يسمع عندي فيه اختلاف بوجه من الوجوه لأنها وإن كانت لم تستحق بيمينها أولا إلا قدر حظها فقد حلفت على الجميع فإذا رجع الحق إليها فيما لم تستحقه بيمينها مما حلفت عليه أولا اكتفت باليمين الأولى هذا الذي يأتي على منهاج قول مالك وجميع أصحابه اهـ.

المراد منه وقد نقل في تكميل التقييد السؤال والجواب بتمامهما وقال فخرج من هذا أن ابن يونس قطع بتكرير اليمين وابن رشد قطع بعدم تكريرها وكان اللائق بتحصيل ابن عرفة أن لا يغفل فتوى ابن رشد في هذا المقام لمخالفتها ما نقل من كلام ابن يونس اهـ.

(إلا أن يكون نكل أولًا ففي حلفه قولان) القولان هنا للمتأخرين قال المازري ولا نص في المسألة للمتقدمين ولهذا قال ز حقه أن يعبر بتردد ويجاب بأن المصنف إنما قال إن

ص: 354

وكان المطلوب قد حلف أولا (اكتفى بيمين المطلوب الأولى) فلا تعاد عليه ثانية ثم استأنف مسألة لا ارتباط لها بمسألة الصبي فقال (وإن) ادعى شخص على آخر بحق مالي وأقام به شاهدًا عند من يرى ثبوته وبه وبالحلف وأبى من الحلف معه وردها على المطلوب (وحلف المطلوب ثم أتى بآخر) أي أتى المدعي بشاهد ثان (فلا ضم) أي لا يضمنه للأول الذي نكل عن اليمين معه لبطلان شهادته بنكوله معه وحلف المطلوب (و) إذا لم يضمه له وأراد الحلف مع الثاني فإنه (في حلفه معه) لأنه قد يظهر له بشهادته ما يقدم به على اليمين وعدم حلفه لأنه لما نكل أولا فقد أسقط حقه قولان (و) على القول بحلفه مع الثاني ففي (تحليف المطلوب إن لم يحلف) مقيمه بل نكل مع الثاني أيضًا لأن حلف المطلوب قبل ذلك كان لرد شهادة الأول فيحتاج ليمينه لرد شهادة الثاني أيضًا وعلى هذا القول لو نكل المطلوب عن اليمين أخذ الطالب الحق بغير يمين كما في التوضيح وعدم تحليفه له لأنه حلف أولًا لرد شهادة الأول (قولان) محذوفان من الأول لدلالة هذا عليه كما قررنا وجعلنا موضوع المصنف في حق مالي يثبت بشاهد ويمين وأقامه عند من يرى ثبوته وأبى من الحلف مع الأول احتراز عن إقامته نحو طلاق وعتق فحلف المطلوب لرد شهادته ثم أتى الطالب بآخر فإنه يضمه له اتفاقًا لعدم ثبوت ذلك بعدل ويمين وعن إقامة شاهد في حق مالي عند من لا يرى ثبوته به وبيمين وحلف المطلوب ثم أتى بآخر فإنه يضمه له كما تقدم هذان في قوله أو وجد ثانيًا أو مع يمين لم يره الأول وقال بعض قوله فلا ضم لا يعارض قوله أو وجد ثانيًا لأن تلك لم يحلف فيها المطلوب ومفهوم قوله بآخر أنه لو أتى باثنين لكان له القيام بهما عند ابن القاسم في الموازنة وله في المبسوط لا قيام له بهما ونحوه لابن كنانة كما في تت وعلى الثاني فلا مفهوم لقوله بآخر وتقدم أنه إذا حلف الطالب المطلوب وله بينة حاضرة أو كالجمعة يعلمها لم تسمع ولا يخالف القول الأول من قولي ابن القاسم لا مكان حمله على ما إذا لم يعلمها أو كان على أبعد من كالجمعة (وإن تعذر يمين بعض) أو كل بدليل قوله أو على الفقراء ففيه حذف أو معطوفها الدليل وهو جائز كما في المغني ومثل لما صرح به بقوله: (كشاهد) أو امرأتين على زيد (بوقف) لدار مثلًا (علي بنيه) أي الواقف أو بني غيره (وعقبهم) مراده بطنًا بعد بطن بدليل ما يأتي في كلامه لا أنه سوى بين البنين وعقبهم كما قد يتوهم من الواو فاليمين متيسرة من بنيه ومتعذرة من عقبهم وهم بعض الموقوف عليهم ومثل للمحذوف بقوله: (أو) شاهد أو امرأتين بوقف داره (على الفقراء) فاليمين

ــ

ذكرت التردد فقد أشرت به لتردد المتأخرين الخ ولم يقل إنه متى اختلف المتأخرون حكى اختلافهم بالتردد تأمل كشاهد بوقف على بنيه وعقبهم قول ز مراده بطنًا بعد بطن الخ المحوج لهذا هو ما رتبه المصنف عليه من التردد فإنه لا يتفرع إلا على هذا المعنى وفيه فرض المسألة

ص: 355

متعذرة من جميعهم (حلف) من يخاطب باليمين وهو البعض الموجود من الموقوف عليهم في المسألة الأولى والمدعى عليه في الثانية فإن حلف كل البعض الموجود مع الشاهد ثبت الوقف وإن حلف بعض دون بعض ثبت نصيب من حلف دون من لم يحلف فملك للمدعى عليه إن حلف وإن نكلوا كلهم بطل الوقف إن حلف المدعى عليه (وإلا) يحلف بعد نكولهم في المسألة الأولى أو ابتداء في مسألة الفقراء (فحبس) في الفرعين ثم فرع على الفرع الأول فقط في خصوص ما إذا حلف بعض منهم دون بعض قوله (فإن مات) البعض الحالف اتحد أو تعدد ولم يبق إلا البعض الناكل (ففي تعيين مستحقه) الإضافة جنسية أي جنس مستحقه وبين ذلك بمن البيانية أو بمعنى اللام وحينئذ فيراد بالتعيين التعين لا تبعيضية لعدم صحتها بقوله: (من بقية الأولين) أي هل يستحق نصيب الحالف الميت بقية الأول الناكلين وهم طبقة الميت لأن نكولهم عن الحلف على نصيبهم لا يمنع من استحقاق نصيب الحالف الميت كما مر في تأخير الصبي إذا نكل أخوه الكبير ثم مات الصغير قبل بلوغه (أو) إنما يستحق نصيب الحالف الميت أهل (البطن الثاني) لتلقيهم الحبس عن جدهم دون بقية الأول لبطلان حقهم بنكولهم (تردد) والراجح منه

ــ

في ابن الحاجب (حلف وإلا فحبس) قول ز وإن نكلوا كلهم بطل الوقف إن حلف المدعى عليه وكذا قوله قبله دون من لم يحلف فملك للمدعى عليه إن حلف الخ ظاهره أن الوقف قد بطل بحلف المطلوب حتى بالنسبة للبطن الثاني وإنه لا كلام لهم وهو خلاف ما استظهره المازري وغيره ابن عرفة لو عرضت اليمين على البطن الأول فنكل جميعهم ثم جاء بعدهم البطن الثاني فمن قال أخذ البطن الثاني كأخذ الإرث من آبائهم لم يمكنوا من الحلف لبطلان حقهم بنكول آبائهم وعلى الطريقة الأخرى وهي أن أخذهم إنما هو بعقد التحبيس من المحبس يمكنون من اليمين ولم يضرهم نكول آبائهم وهو الظاهر اهـ.

وقول ز وإلا يحلف بعد نكولهم في الأول أو ابتداء في مسألة الفقراء الخ حاصله أن المشهود عليه يحلف في الفرعين معًا وإلا لزم الحبس لكن حلفه في الفرع الأول بعد نكول المشهود لهم أو بعضهم وفي الثاني ابتداء أما مستنده في كون المشهود لهم عليه يحلف في مسألة الفقراء فهو ما ذكره اللخمي والمازري وابن شاس وابن الحاجب وتعقبه ابن عرفة فقال ظاهر الروايات عدم حلفه لعدم تعين طلبه اهـ.

وأما مستنده في كونه يحلف في وقف على بنيه وعقبهم فهو ما فهمه في توضيحه من قياس هذا الفرع على مسألة الفقراء بناء على ما ذكره اللخمي ومن تبعه فيها من اليمين فانظر غ (تردد) قول ز والراجح منه الثاني انظر من رجحه وهذا التردد إنما حكاه ابن شاس ومن بعده عن المازري وهو إنما استظهر القول الأول قال ابن عرفة عن المازري ولو حلف واحد فاستحق حقه ونكل الآخر من البطن الأول ثم مات الحالف وحده وبقي إخوته الناكلون فقيل نكولهم كموتهم فينتقل الحق للبطن الثاني وهذا عندي لا يصح على إحدى الطريقتين اللتين ذكرناهما وهو أن نكول من نكل لا يبطل حق من يأتي بعده فلا يرجع حظ الناكل إلى أهل

ص: 356

الثاني وكل من استحق لا بد من بيمينه لأن أصل الوقف بشاهد واحد وفي تت وسكت المصنف عمن وجب له أخذه من بقية البطن الأول هل يأخذه بيمين بناء على أنه كالوراثة أو بغيرها لأنه إنما يأخذه عن جده وهما قولان اهـ.

ثم تمكين بقية البطن الأول على القول بأن الحق لهم من اليمين بعد ما نكل عنها مخالف لما سيأتي من قوله ولا يمكن منها إن نكل ولما تقدم من قوله إلا أن يكون نكل أولًا ففي حلفه قولان وما ذكرناه من أن بقية الأولين يستحقونه بعد الحلف ظاهر في الناكل على ما فيه وأما على القول بأنه يستحقه أهل البطن الثاني فبعد الحلف كما مر وينبغي أن يحلف غير ولد الميت لأنه يأخذه بالوراثة وجعلي موضوع التردد أنه لم يبق إلا البعض الناكل احتراز عما إذا مات بعض من حلف وبقي منهم بعض مع الناكلين فلا شيء للناكلين ويستحق نصيب الحالف الميت بقية الحالفين على أحد تقريرين في عج والتقرير الآخر شمول التردد لذلك أيضًا وعلى الأول فهل يحلفون حينئذٍ أيضًا أم لا قولان واعلم أن كلام المصنف هنا في بيان أن الوقف المعقب يثبت بشاهد ويمين لا في القضاء به فلا يخالف ما مر عن د في قوله وإن قال داري صدقة بيمين مطلقًا أو بغيرها ولم يعين لم يقض إلا بيت معين من أن مثله داري حبس فالوقف على شخص بعينه يثبت بشاهد ويمين على المشهور ويقضي به لأنه آيل لمال وهو كون الغلة تصرف في مصرفه المشهود به وقول بعض الشراح أن قوله وإلا فحبس تفريع على الثاني فقط وقوله فإن مات الخ على الأول ففيه لف ونشر مشوّش وما قررنا به نحوه للشارح وهو الصواب اهـ.

ظاهر في الثاني دون الأول لاقتضائه بطلان الوقف بمجرد نكول جميع العقب من غير المدعى عليه مع أنه لا بد من يمينه لرد شهادة الشاهد كما ذكره هو أيضًا وهو الجاري على قاعدة مقيم شاهد في غير النكاح فإن لم يحلف فحبس على قاعدة شهادة شاهد مع نكول المدعى عليه (ولم يشهد على حاكم قال ثبت عندي) لفلان على فلان كذا أو في

ــ

البطن الثاني والأظهر أن اشتراط أن لا يأخذ البطن الثاني شيئًا إلا بعد انقرض البطن الأول وموت جميعهم لم يأخذ أحد من البطن الثاني شيئًا ما دام أحد من الناكلين حيًّا أو نقل ابن شاس كلام المازري على نحو ما ذكرناه اهـ.

وقول ز عن تت وسكت المصنف الخ ما ذكره عن تت هو كذلك فيه إلا أن ما ذكره في بناء القولين مقلوب كما يدل عليه كلام ضيح وابن عرفة وغيرهما وقول ز ولما تقدم من قوله إلا أن يكون نكل الخ لا مخالفة لأن كلا من المسألتين فيه قولان وقول ز فلا يخالف ما مر عن د في قوله وإن قال داري صدقة الخ ما ذكره في دفع التعارض تبعًا لعج اعترضه طفى ونصه ما ذكره المصنف من اليمين على المشهود عليه في مسألة الفقراء تبع فيه صاحب الجواهر وابن الحاجب والمازري وأصله للخمي وقال ابن عرفة ظاهر الروايات عدم حلفه لعدم تعين طالبه اهـ.

ص: 357

أمر عام وكذا إذا سمعه يقول حكمت بطلاق زوجة فلان كما في د بحثًا أو بغير طلاق (إلا بإشهاد) منه لهما بأن يقول اشهدا على حكمي وفائدته أنه يكون تعديلًا للشاهدين فلا يقبل تجريحهما وشرع في شهادة النقل فقال: (كاشهد على شهادتي) مثال لمحذوف معطوف على حاكم أي أو على شاهد على شخص بحق إلا بإشهاد منه أو ما هو بمنزلته كما أشار له بقوله: (أو رآه يؤديها) عند قاض فيشهد على شهادته لأن سماعه لأداء الشهادة عند القاضي منزل منزلة قوله اشهد على شهادتي ثم إن قوله ولم يشهد الخ موافق لماله في الإنهاء من قوله وأفاد أن أشهدهما أن ما فيه حكمه فإنه يفيد أنه إذا لم يشهدهما وسمعا قوله ما فيه حكمي فلا يشهدان وهو كذلك عند أشهب ولكن قول ابن القاسم وابن الماجشون خلافه وأنهما يشهدان حيث سمعاه يقول ما فيه حكمي وإن لم يشهدهما قاله عج وتقدم نحوه هناك وانظره مع نقل ق هنا ما للمصنف هنا قول ابن القاسم ومطرف اهـ.

وهو ظاهر والفرق أن الإنهاء له أحكام تخصه وأشعر قوله رآه يؤديها أنه إذا سمع شاهدًا يقول لآخر اشهد على شهادتي فليس للسامع أن ينقل عن الشاهد الأصلي وذكر الشارح فيه خلافًا واقتصر ق على أن له أن ينقل عنه لقول ابن رشد أنه المشهور وظاهر كلام المصنف أنه يجوز النقل ولو تسلسل وهو ظاهر الروايات فلا يطلب بتاريخ النقل وظاهره أيضًا أنه يجوز النقل وإن لم يعرف الناقل المنقول عنه وفهم من قوله كاشهد على شهادتي الخ أن المنقول عنه عدل وقت قوله المذكور أو وقت رؤيته أداءها لا صبي أو عبد أو كافر قال كل اشهد على شهادتي وانتقلوا إلى حالة العدالة قبل النقل عنهم وماتوا أو غابوا فلا يجوز النقل عنهم وماتوا أو غابوا فلا يجوز النقل عنهم لأن المنظور إليه

ــ

قال وبه تعلم معارضة ما ذكره المصنف هنا لما ذكره آخر الهبة من أن الصدقة على غير المعين ومثلها الحبس لا يقضى بها إذ توجيه اليمين فرع القضاء وإن ما ذكره هناك هو الموافق لظاهر الروايات وهو نص المدونة وقول عج ومن تبعه كلام المصنف هنا في بيان ما يثبت به لوقف لا في القضاء وحينئذ لا يخالف ما تقدم من قوله وإن قال داري فيه صدقة الخ فيه نظر اهـ.

أي لأنه لا فائدة للثبوت إلا القضاء قلت قد يقال في دفعها أن ما تقدم آخر الهبة محله في الدعوى على المالك لشيء أنه تصدق به أو حبسه على غير معين فلا يقضي عليه به لم وما هنا في حائز لشيء يدعي ملكه يستحق من يده بإثبات أنه وقف من تحبيس غيره على غير معين وهذا يقضي به فتأمله (كأشهد على شهادتي) ابن عرفة النقل عرفًا أخبار الشاهد عن سماعه لشهادة غيره أو سماعه إياه لقاض فيدخل نقل النقل ويخرج الأخبار بذلك لغير قاض وظاهر عموم الروايات وإطلاقهما صحة نقل النقل ولم أقف على نص فيه فيها مع غيرها وتجوز الشهادة على الشهادة في الحدود والطلاق والولاء وكل شيء قلت والنقل عن الأصل شيء فإن قال المنقول عنه للناقل أشهد على شهادتي أو انقلها عني صح نقله اتفاقًا اهـ.

(أو رآه يؤديها) قول ز واقتصر ق الخ نص ق قال ابن رشد أن سمعه يؤديها عند الحاكم أو كان هو الحاكم فشهد بها عنده أو سمعه يشهد غيره وإن لم يشهده فالمشهور أنها جائزة اهـ.

ص: 358

وقت التحمل عنهم ولا يخالف هذا قول المصنف فيما تقدم إلا أن يشهد عليهم قبلها لأن الشهادة عليهم قبلها بمنزلة الشهادة على أصل ما شهدوا به وليس بنقل عنهم إذ لم يعتبروا في شهادة الصبيان نقلًا وذكر شرط جواز النقل بقوله: (إن غاب الأصل وهو) أي والحال أنه (رجل) فالأنثى ينقل عنها مع حضورها وعلق بغاب قوله (بمكان لا يلزم الأداء منه) وهو ما فوق البريدين هذا فيما إذا كان المشهود به مالًا اتفاقًا وأشار للحد بقوله: (ولا يكفي) في النقل عن الشاهد الأصلي (في الحدود الثلاثة الأيام) أي كون مسافته ذهابًا عليها فكأنه قال إلا الحدود فلا يكفي فيها الثلاثة الأيام فخرج الحاضر ومن في حكمه فلا ينقل عنه على غاب قوله (أو مات) الأصل لتعذره (أو مرض) مرضًا يتعسر معه الحضور لأداء الشهادة (و) إن (لم يطرأ فسق) للمنقول عنه (أو عداوة) بينه وبين المشهود عليه قبل أداء الشهادة فلو زال الفسق عن الأصل فهل ينقل عنه بالسماع الأول أو حتى يأذن له ثانيًا خلاف (بخلاف) طروّ (جن) أي جنون بعد تحمل الناقل عنه فلا يقدح في النقل عنه ولم يكتف المصنف بالمرض عن الجنون مع أنه شبيه به لأنه لما كان مانعًا من قبول الشهادة بخلاف المرض ربما يتوهم منع النقل عمن حصل له وطرو عمى (ولم يكذبه) أي الناقل (أصله) فإن كذبه حقيقة أو حكمًا كشكه في أصل شهادته بالشيء لم ينقل عنه ومثل تكذيبه طروّ فسق الناقل قبل الحكم بخلاف طروّ عداوة بينه وبين المشهود عليه (قبل الحكم) بشهادة النقل ولو بعد الأداء خلافًا للشارح وهو راجع للمسائل الثلاث وكذا قوله (وإلا) بأن حدث فسق أو عداوة أو كذب الأصل فرعه الناقل بعد الحكم بشهادة النقل (مضى بلا غرم) على المشهود لأنه لم يقطع بكذبهم والحكم صدر عن اجتهاد فلا ينقض وعطف على غاب أيضًا قوله (و) إن (نقل عن كل) من الشاهدين الأصليين في غير الزنا (اثنان ليس أحدهما) أي أحد الناقلين (أصلًا) أدى شهادته وذلك لأنه يلزم ثبوت الحق بشهاد واحد والمتبادر من المصنف أن الناقلين عن الاثنين أربعة ويصدق أيضًا وإن كان

ــ

(ولا يكفي في الحدود الثلاثة الأيام) هذا هو قول ابن القاسم في الموازية وقال سحنون الغيبة البعيدة مسافة القصر ولم يفرق بين الخدود وغيرها على ما للمصنف فإذا كان الشاهد بموجب حد على مسافة قصر فأعلى ولم يبعد أكثر من ثلاثة أيام رفع شهادته إلى من يخاطب قاضي المصر الذي يراد نقل الشهادة إليه وانظر لمَ لم يكتف بنقل الشهادة هنا مع اكتفائهم فيها بالخطاب إلى قاضي بلد الخصومة قاله ابن عاشر رحمه الله وأجيب بأنه إنما اكتفوا بالخطاب لأنه لما كان صادرًا من القاضي وثقت النفس به ما لا تثق بنقل الشاهد والله أعلم (بخلاف جن) قول ز ولم يكتف المصنف بالمرض عن الجنون الخ قد علم أن المصنف ذكر المرض من حيث أنه سبب للنقل وذكر الجنون من حيث أن طرؤه بعد النقل لا يضر فيه وحينئذ فلا يتوهم الاكتفاء بذكر المرض عن الجنون حتى يحتاج إلى توجيه ذكره معه تأمله (قبل الحكم) قول ز وهو راجع للمسائل الثلاث الخ غير صحيح والصواب رجوعه للأخيرة فقط وأما الفسق والعداوة فالأداء فيهما بمنزلة الحكم فلا يضر طروّهما بعد الأداء كما في

ص: 359

خلاف المتبادر منه بنقل اثنين عن واحد بمجلس ثم ذهبا للآخر فنقلا عنه بمجلس آخر (و) إن نقلا (في الزنا أربعة) أي ينقل جميع الأربعة (عن كل) أي عن كل واحد من أربعة الأصل فشهود النقل أربعة في هذا وفي قوله (أو) نقل أربعة (عن كل) واحد من (اثنين) من الأصول (اثنان) أي ينقل اثنان عن كل واحد من اثنين من الأربعة الأصول وينقل اثنان غيرهما عن كل واحد من الاثنين الباقيين من الأربعة فلو نقل اثنان عن ثلاثة وعن الرابع اثنان لم يصح خلافًا فالابن الماجشون أو أدى الرابع بنفسه لم يصح صرح به ق ود أو نقل ثلاثة عن ثلاثة وواحد عن الأربعة لم يتم الحكم قاله الشارح إذ الرابع لم ينقل عن شهادته اثنان ثم لا بد أن يقول شهود الزنا لمن ينقل عنهم اشهدوا عنا أنا رأينا فلانًا يزني وهو كالمرود في المحكمة ولا يجب الاجتماع وقت تحمل النقل ولا تفريق الناقلين وقت شهادتهم عند الحاكم بخلاف الأصول كما مر (ولفق نقل بأصل) أي جاز تلفيق شهادة نقل مع شاهد أصل في الزنا وغيره كأن يشهد اثنان على رؤية الزنا وينقل اثنان عن كل واحد من الاثنين الآخرين أو يشهد ثلاثة بالرؤية وينقل اثنان عن الرابع فتتم الشهادة في هاتين الصورتين ولا بد من كون النقل صحيحًا كما ذكرنا احترازًا عما إذا نقل اثنان عن ثلاثة وشهد الرابع بنفسه فلا تلفق شهادته كما تقدم النقل عن ق ود لعدم صحة النقل حينئذٍ (وجاز تزكية ناقل أصله) أي يجوز لشخص أن يزكي الشاهد الأصلي بعد أن ينقل عنه شهادته وكأنه لم ينظر للتهمة في ترويج نقله لأنه خفف في شهادة النقل ما لم يخفف في الشهادة الأصلية وعكس كلام المصنف لا يجوز لأن التهمة في هذه أقوى منها فيما قبلها وكذا لا يجوز تزكية أحد الناقلين أو الشاهدين الأصليين لصاحبه إن حصل تواطؤ لا إن لم يحصل فيجوز كما قدم المصنف قوله وشهادة كل للآخر وإن بالمجلس

ــ

ضيح وابن عرفة انظر كلامه في ق (أو عن كل اثنين اثنان) قول ز فلو نقل اثنان عن ثلاثة وعن الرابع اثنان لم يصح الخ أي على المشهور كما في ضيح خلافًا لابن الماجشون ووجه عدم صحتها أنه لا تصح شهادة الفرع إلا حيث تصح شهادة الأصل لو حضر والرابع الذي نقل عنه اثنان لو حضر ما صحت شهادته مع الاثنين الناقلين عن الثلاثة لنقص العدد ويحتمل أن عدم الصحة لأن عدد الفرع فيها ناقص عن عدد الأصل حيث نقل عن الثلاثة اثنان فقط والفرع لا ينقص عن الأصل لقيامه مقامه ونيابته منابه هذا على ما للمصنف في ضيح وفي ابن عرفة خلافه ونصه وسمع أبو زيد بن القاسم يقول يجوز ثلاثة في الزنا واثنان عن واحد ثم قال ابن عرفة عن ابن رشد وقول ابن القاسم في السماع يجوز ثلاثة الخ كلام خرج على سؤال سائل لا أنه لا يجوز عنده أقل من ذلك لأنه يجوز على مذهبه اثنان عن ثلاثة واثنان عن واحد اهـ.

فمقتضاه أن الجواز في ذلك هو مذهب ابن القاسم رحمه الله (وجاز تزكية ناقل أصله) قول ز إن حصل تواطؤ لا إن لم يحصل فيجوز الخ هذا غير صحيح إذ لا يتصور تزكية كل واحد من الشاهدين أو الناقلين الآخر لا مع التواطىء ولا بدونه لأنهما إذا كانا معًا يحتاجان للتزكية فهما مجهولان والمجهول لا يزكي غيره كما قدمه المصنف من اشتراط التبريز في

ص: 360

(و) جاز (نقل امرأتين) عن رجل أو عن امرأة (مع رجل) أصلي أو ناقل عن رجل أو عن امرأتين (في باب شهادتهن) أي فيما يجوز فيه شهادتين وهو المال وما يؤول إليه أو ما لا يظهر للرجال فكلامه شامل لهذين الشيئين الأول ما يقبلن فيه مع يمين أو مع رجل وهو المال وما يؤول وهذا الثاني يصح أن يكون الرجل معهن أصليًّا أو ناقلًا عن رجل أو عن امرأتين كما مر والشيء الثاني ما يختص بشهادتين فقط كولاة واستهلال وعيب فرج وهذا وإنما يصح أن يكون الرجل ناقلًا فقط عن امرأتين مع نقل امرأتين ولا يتأتى أن يكون أصليًّا كما هو ظاهر ومفهوم قوله مع رجل عدم صحة نقلهما في باب شهادتين لا مع رجل ومفهوم قوله في باب شهادتهن عدم صحة نقلهما انفردتا أو كانتا مع رجل فيما لا تجوز شهادتهن فيه استقلالًا كطلاق وعتق ثم تكلم على رجوع الشهود عن شهادتهم فقال (وإن قالا) بعد أداء الشهادة وقبل الحكم بها (وهمنا) أو غلطنا في شهادتنا بدم أو حق على زيد (بل هو) أي المشهود عليه (هذا) عمرو (سقطتا) أي الشهادتان الأولى لاعترافهما بأنها على وهم وشك والثانية لاعترافهما بعدم عدالتهما حيث شهدا على شك وكذا بعد الحكم وقبل الاستيفاء إن كانت في دم في مال فلا تسقط ويدفع لمن شهدا له به أولًا ثم يغرمانه على ما للجلاب والمعونة واختاره ابن عبد السلام لأنه ظاهر المدونة وقال ابن القاسم والأكثر لا يغرمان إذا قالا وهمنا وكذا هو ظاهر الرسالة وذكر مفهوم قوله وهمنا

ــ

المزكي وإنما الذي هنا تزكية أحد الشاهدين فقط صاحبه (ونقل امرأتين مع رجل) قول ز أصليّ أو ناقل الخ تبع تت في قوله أصلي وهو غير صحيح لأنه يقتضي الاجتزاء بنقل امرأتين فقط وليس كذلك بل لا بد من رجل ينقل معهما ولو فيما ينفردان به مما لا يظهر للرجال على المعتمد ابن عرفة ففي لغو نقلهن مطلقًا وصحته في مطلق ما تجوز فيه شهادتهن بشرط نقل رجل معهن ثالثها يجوز فيما لا يطلع عليه غيرهن ولو كن اثنين دون رجل ورابعها أن كن فيه دون رجل فلا بد من أربع الأول لابن الماجشون مع سحنون والثاني لابن القاسم في المدونة مع سماع عيسى والثالث قول أصبغ والرابع تأويل ابن لبابة اهـ.

(وإن قالا وهمنا بل هو هذا سقطتا) هذا شروع من المصنف في الكلام على الرجوع عن الشهادة ابن عرفة الرجوع عن الشهادة هو انتقال الشاهد بعد أداء شهادته بأمر إلى عدم الجزم به دون نقيضه فيدخل انتقاله إلى الشك على القولين بأن الشاك حاكم أو غير حاكم وقيد بعد أداء الشهادة هو ظاهر الروايات وظاهر لفظ المازري صدقة على ما قبل الأداء فعليه يحذف لفظ بعد أداء شهادته اهـ.

ابن عاشر لما ذكر ابن الحاجب الرجوع ثلاث صور أولها الرجوع قبل القضاء ذكر مسألة قولهما وهمنا ويظهر لي أن محط الفائدة في هذه إنما هو عدم صحة شهادتهم على الثاني وأما الأول فإن رجوعهم عن الشهادة عليه قبل القضاء يسقط شهادتهم وهو من معنى الرجوع قطعًا اهـ.

وهو ظاهر وبه تعلم أن قول ز وكذا بعد الحكم الخ على خلاف ما مشى عليه المصنف بعد في الرجوع من أنه بعد الحكم لا ينقض الحكم مطلقًا على قول مالك وقول ابن القاسم

ص: 361

بقوله (ونقض) الحكم (إن ثبت) بعده (كذبهم) إن أمكن نقضه كما زاده ابن الحاجب فإن لم يثبت إلا بعد الاستيفاء لم يبق إلا الغرم كما سيذكره ومثل لثبوت كذبهم بقوله (كحياة من) شهد أنه (قتل) أي قتله زيد عمدًا فلم يقتص من زيد (أوجبه) المعلوم (قبل الزنا) المشهود عليه به فإن لم يرجم نقض الحكم برجمه وإن برجم غرمًا ديته كما يأتي ودخل بالكاف حياة من شهد بموته وتزوّجت زوجته فلا تفوت بدخول كشهادة غير عدلين بموته كما قدمه في باب الفقد فقال عاطفًا على ما تفوت فيه بدخول أو بشهادة غير عدلين وليس هو كالمفقود تتزوج زوجته ويدخل بها ثم يقدم حيًّا فتفوت (لا رجوعهم) بعد الحكم والاستيفاء وكذا قبله في المال فلا ينقض اتفاقًا وكذا في الدم على أحد قولي ابن القاسم وعليه فيستوفي (وغرمًا) بكسر الراء حينئذٍ (مالًا) رجعا عن شهادتهما به (ودية) في النفس من مالهما (ولو تعمدًا) الزور في شهادتهما ابتداء ومع الغرم يوجعان أدبًا ويسجنان مدة طويلة كما في ق وقول ابن القاسم الثاني ورجع إليه أنهما إذا رجعا بعد الحكم وقبل الاستيفاء لا يستوفي لحرمة الدم انظر التوضيح قاله جد عج ومشى المصنف على قول ابن القاسم الأول وإن رجع عنه لأنه قول مالك كما في المتيطي فأشار لقول ابن القاسم إذا رجعا في عتق أو دين أو قصاص أو حد أو غير ذلك فأنهما يضمنان قيمة المعتق والدين والعقل في القصاص في أموالهما اهـ.

وبلو لرد قول أشهب يقتص منهما في العمد قال المصنف وهو أقرب لأنهم قتلوا نفسًا بغير شبهة اهـ.

وظاهر قوله نقض أنهما إذا رجعا بعد الاستيفاء بدون حكم كمن أقام شاهدين بدين على شخص لآخر فدفعه له من غير رفع لحاكم ثم رجعا فإنهما لا يغرمان مع أن الظاهر غرمهما أيضًا ويحتمل أن يرجع به على من دفعه له وأن يؤدبا أن تعمدًا الزور وشمل قوله وغرمًا مالًا ما إذا شهدا بوفاء حق لمستحقه ثم رجعا فإنهما يغرمانه للمشهود عليه لا

ــ

المرجوع عنه (ونقض إن ثبت كذبهم) هذه المسألة استوفاها ابن الحاجب وأجملها المصنف فلو قال ونقض أن ثبت كذبهم قبل الاستيفاء كحياة من قتل أوجبه قبل الزنا أو بعد وأمكن كدية خطأ وإلا فلا كرجوعهم ولو عن دماء وحدّ وغرما مالًا ودية اهـ.

لكان أوضح وأتم وذكره ابن عاشر وقال هذا هو تفصيل المسألة ويعود الضمير من غرما على الشاهدين في عدم النقض في صورتي تبين الكذب والرجوع اهـ.

(أوجبه) يعني ولا حد قذف على الشهود إذ لا يحد من قذف مجبوبًا بالزنا قاله في المدونة.

(ولو تعمدا) المبالغة راجعة لقوله ودية فقط إذ العمد في المال أحرى بالغرم فلا يبالغ عليه واعلم أن ما قبل المبالغة فيه خلاف أيضًا لكن بالغرم وعدمه وما مشى عليه المصنف من الغرم هو خلاف قول الأكثر من أصحاب مالك لكنه هو ظاهر المدونة كما ذكره ابن عرفة وغيره وهذا الخلاف هو الذي ذكره ز عند قوله وإن قالا وهمنا الخ اهـ.

ص: 362

للمشهود له فإن أعد ما فهل يرجع من شهدا عليه على من شهدا له ثم لا رجوع له عليهما كما لا رجوع لهما عليه إن غرما في ملائهما أو لا يرجع بل ينتظر يسرهما انظره (و) إن شهد أربعة على شخص بالزنا وشاهدان بالإحصان فرجم ثم رجع الجميع اختص شهود الزنا بالغرم و (لا يشاركهم شاهدا الإحصان) في الغرم لأنه لما كانت شهادتهما منفردة لا يثبت حكم وشهادة شهود الزنا منفردة بها حكم صارت شهادتهما غير منظور إليها (كرجوع المزكي) للأربعة مع رجوعهم أيضًا فلا يشاركهم بل يختصون بالغرم دونه لعدم شهادته بالزنا وإن توقفت شهادتهم على تزكية وأشعر قوله ولا يشاركهم وما شبه به إن الجميع رجعوا كما قررنا وإن كان الحكم كذلك إذا رجع شهود الإحصان فقط أو المزكي فقط وقول عج إن ظاهر المصنف يشمل هذين أيضًا بعيد من لفظ يشاركهم كما علمت (وأدبًا) أي الشاهدان على شخص (في كقذف) أي أنه إذا قذف آخر أو ضربه أو شتمه فأقيم عليه الحدّ أو التعزير ثم رجعا فعليهما الأدب فقط بلا غرم إذ لم يتلفا مالًا ولا نفسًا هذا إن جعل مدخول الكاف ما ليس فيه مال ولا دية ويفوت المصنف حينئذٍ أدبهما فيما فيه غرم وقد قدمناه عن ق وإن جعل مدخولهما شاملًا لما فيه غرم كغضب أو سرقة ثم لما رجعا بعد الاستيفاء وغرما المال ودية اليد فيؤدبان أيضًا ويفيد الأدب فيما مر في النفس بالأولى ومحل أدبهما في رجوعهما ما في كقذف حيث تبين كذبهما تعمدا فإن تبين أنه اشتبه عليهما فلا أدب وإن أشكل فقولان وقولى فأقيم عليه ثم رجعا هو نقل ق عن سحنون قال د وظاهره أنهما لو رجعا قبله لا أدب عليهما سواء حصل الاستيفاء بعد ذلك أم لا ولعله غير مراد لكون الاستيفاء مستندًا إلى شهادتهما انتهى.

(وحد شهود الزنا) الراجعون عن شهادتهم به حد القذف (مطلقًا) رجعوا قبل الحكم أو بعده وقبل الاستيفاء أو بعده (كرجوع أحد الأربعة قبل الحكم) تشبيه في حد الجميع للقذف لأن الشهادة لم تكمل واحتمال حد الرابع فقط يدفعه قوله (و) إن رجع أحد الأربعة (بعده) أي بعد الحكم (حد الرابع فقط) لاعترافه على نفسه بالقذف دون غيره والحكم تام بشهادة الأربعة فيستوفي من المشهود عليه ما شهدوا به عليه بخلاف ما إذا

ــ

(ولا يشاركهم شاهدا الإحصان) الضمير المفعول في يشاركهم يعود على شهود الزنا المفهومين من قوله أوجبه وما ذكره هو قول ابن القاسم وقال أشهب يغرم الجميع لتوقف الرجم عليهم وعليه فهل الستة يستوون في الغرم أو على شاهدي الإحصان نصفها لأن الشهود نوعان: فيكون على كل نوع نصفها قولان: (كرجوع المزكي) قول ز وإن كان الحكم كذلك الخ مراده بالحكم عدم غرم شهود الإحصان وعدم غرم المزكي وأما شهود الزنا فلا غرم عليهم إذا لم يرجعوا واعلم أنهم لم يذكروا في رجوع المزكي خلاف أشهب المذكور في شهود الإحصان ولعله يتخرج هنا بالأحرى من شاهدي الإحصان لعدم ثبوت شيء دون المزكي بخلاف شاهدي الإحصان فيثبت بدونهما الحد قاله مس (وبعده حد الراجع فقط)

ص: 363

ظهر بعد الحكم وقبل الاستيفاء أن أحد الأربعة عبد فإن الحد على الجميع وسقطت الشهادة وإن تبين بعد الحكم إن أحدهم فاسق فلا حدّ على واحد منهم لأن الشهادة تمت باجتهاد القاضي وألحقوا بالعبد الكافر والأعمى أي فيما لا تقبل شهادته فيه وولد الزنا كذلك والمولى عليه انظر تت في قوله وغرمًا فقط ربع الدية هذا إن شهد بالزنا أربعة فإن شهد به أكثر فأشار له بقوله: (وإن رجع اثنان من ستة) شهدوا به وأقيم (فلا كرم ولا حد) عليهما للقذف لأن شهادة الأربعة بزناه تصيره غير عفيف وإنما عليهما الأدب الشديد بالاجتهاد (إلا أن يتبين) بعد الاستيفاء ورجوع الاثنين (إن حد الأربعة) الباقين (عبد) أو كافر لا فاسق (فيحد الراجعان) للقذف (والعبد) نصف حد الحر وعلل حد الثلاثة في كتاب محمد بأن الحد قد أقيم بأربعة بطل أحدهم لرقه ولا حد على الثلاثة الباقين فإن قلت تقدم أنه إذا ظهر بعد الحكم أن أحد الأربعة عبد حد الجميع وهنا جعل الحد عليه وعلى الراجعين فقط قلت لأنه في الأولى لم يبق أربعة غيره بخلاف ما هنا فإنه بقي خمسة غيره لأن شهادة الراجعين معمول بها في الجملة ألا ترى أن الحكم المترتب عليها لا ينقض (وغرما فقط) دون العبد لأنه لم يرجع عن الشهادة وإنما رددنا شهادته لرقه (ربع الدية) لأن ما زاد على الثلاثة ولو كثر في حكم الرابع مكمل النصاب وسكت المصنف

ــ

ظاهر المصنف يشمل رجوعه بعد إقامة الحد فيحد وحده بغير خلاف ويشمل رجوعه بعد الحكم وقبل إقامة الحد وذكر ابن عرفة عن ابن رشد في هذا خلافًا هل يحد الراجع فقط أو الجميع ونصه ابن رشد وإن رجع أحد الأربعة قبل إقامة الحد حدوا كلهم وقيل إنه لا يحد إلا الذي رجح وحده كان رجوعه قبل إقامة الحد أو بعده وهو الذي يوجبه النظر لأنه يتهم أن يرجع ليوجب الحد على من شهد معه وإن كان بعد إقامة الحد حد هو فقط اهـ.

بخ لكن الأول هو ظاهر قول المدونة إن رجع أحد الأربعة قبل إقامة الحد حدوا كلهم وبعده حد الراجع فقط انتهى.

وقول ز وإن تبين بعد الحكم أن أحدهم فاسق فلا حد على واحد منهم الخ فرق بين العبد والفاسق بناء على أن الحكم لا ينقض بتبين أن أحدهم فاسق كما ينقض بتبين أن أحدهم عبد وهو مذهب المدونة في كتاب الحدود لكنه خلاف مذهبها في كتاب الشهادات أنه ينقض في الفاسق كالعبد وعليه مشى المصنف في القضاء بقوله أو ظهر أنه قضى بعبدين أو كافرين أو صبيين أو فاسقين كأحدهما الخ وعليه يحد الجميع في الفاسق أيضًا (فيحد الراجعان والعبد) قول ز فإن قلت تقدم أنه إذا أظهر الخ ما تقدم هو الذي في المدونة وما هنا مذكور في الموازية والسؤال والجواب مذكوران في ضيح بمعناهما ونقلهما ابن عرفة عن ابن هارون وابن عبد السلام ثم قال بعدهما في ضيح فإن قلت كان ينبغي على ما في الموازية أن يسقط الحد عن العبد قيل قذف العبد المشهود عليه سابق على حد الزنا فلعله لما كان مطالبًا به وقد ظهرت الشبهة في زنا المشهود عليه برجوع بعض الشهود استصحب القذف ووجب حد العبد والمسألة مع ذلك مشكلة اهـ.

ص: 364

عما إذا لم يرجع أحد من الستة لكن تبين أن أحدهم غير مقبول الشهادة فإن بقي منهم أربعة مقبولها فلا حد على الآخرين ودون أربعة حد الآخران إن كان عدم قبول باقي الأربعة لرق ومن في حكمه لا إن كان لفسق كما مر غير مرة (ثم إن رجع ثالث) بعد رجوع اثنين من ستة شهدوا بزنا شخص ورجم ولم يتبين في المسألة عبد بدليل تمام المسألة (حد هو والسابقان) للقذف لأنه إنما انتفى عنهما أولًا لبقاء النصاب وقد زال برجوع الثالث (وغرموا) أي الثلاثة (ربع الدية) بينهم أثلاثًا فقط لأنهم كواحد (ورابع فنصفها) على الأربعة أرباعًا مع حد الرابع أيضًا وخامس فثلاثة أرباعها بينهم أخماسًا وسادس فجميعها بينهم أسداسًا وسكت عن هذا لوضوحه (وإن) شهد ستة بزنا محصن فلما شرع الإمام في رجمه (رجع سادس بعد فقء عينه وخامس بعد موضحته ورابع بعد موته فعلى الثاني) وهو الخامس (خمس) دية (الموضحة) لأنها حصلت بشهادة خمسة هو أحدهم (مع سدس) دية (العين كالأول) فإن عليه سدس دية العين لأنها ذهبت بشهادة ستة هو أحدهم (وعلى) الراجع (الثالث) وهو الرابع بالنسبة للباقي (ربع دية النفس) لأنها ذهبت بشهادة أربعة هو أحدهم (فقط) أي لا شيء عليه من دية العين والموضحة لاندارجهما في النفس كما يأتي من قوله واندرج طرف وإنما وجب الغرم على السادس والخامس لرجوع الرابع فلو يرجع فلا غرم على واحد منهما بدليل قوله بعد ذلك وإن يرجع من يستقل الحكم بعدمه فلا غرم فإذا رجع غيره فالجميع وهذا الفرع عزاه ابن الحاجب لمحمد بن المواز قال في توضيحه وهو مبني على مذهبه أن الرجوع بعد الحكم وقبل الاستيفاء يمنع من الاستيفاء وأما على قول ابن القاسم أنه يستوفي فينبغي أن يكون على الثلاثة الراجعين ربع دية النفس دون دية العين والموضحة لأنه حينئذٍ قتل بالستة ودية الأعضاء تندرج اهـ.

ــ

ونقله ح أيضًا ونقل ابن عرفة ذلك بلفظه عن ابن عبد السلام ثم قال عقبه: قلت لا إشكال في المسألة لما تقدم من جوابها أي عن السؤال الأول وقوله ينبغي أن يسقط الحد عن العبد لا موجب لتوهم سقوطه عنه إلا قياس العبد على الثلاثة الباقين أو عدم نقض الحكم وكلاهما غير صحيح أما القياس على الثلاثة فيرد بالفرق بأن الشهداء الثلاثة لم يقع موجب لرد شهادتهم في أنفسهم والعبد بطلت شهادته في نفسه فصار قاذفًا وأما إنه عدم نقض الحكم فمردود بحد الراجع من الأربعة مع عدم نقض الحكم برجوعه اهـ.

قلت: الظاهر أن قصد ابن عبد السلام هو الأول وما ردّ به ابن عرفة هو معنى جواب ابن عبد السلام لمن تأمله (وإن رجع سادس بعد فقء الخ) قول ز قال في توضيحه: هو مبني على مذهبه أن الرجوع بعد الحكم وقبل الاستيفاء يمنع من الاستيفاء الخ هذا الاعتراض أصله لابن عبد السلام ونقله ابن عرفة وأجاب عنه بأن قال القول بإمضاء الحكم بشهادة من رجع بعده وقبل تنفيذه إنما ثبت حيث لا مستند للحكم إلا شهادة الراجعين ولا يلزم منه إسناده إليه حيث صح إسناده المقيم على شهادته كهذه المسألة اهـ.

ص: 365

فلا اعتراض على ابن الحاجب لأنه عزاه لمحمد وأما المصنف فلم يعزه فهي معارضة للتي قبلها لبناءها على مذهب ابن القاسم انظر جد عج وقال عج في تقريره ينبغي أن المذهب ما قاله المصنف أي لأنه لا غرابة في بناء مشهور على ضعيف (ومكن) غارم (مدع رجوعًا) من الشاهدين عليه من شهادتهما (من) إقامة (بينة) عليهما أنهما رجعا فيغرمان له ما غرمه كما إذا أقرا بالرجوع كما مر في قوله لا رجوعهم ففائدة تمكينه غرمهما له ينافي في قوله لا رجوعهم وظاهره تمكينه من إقامتها ولو عجز القاضي عن إقامتها حيث نسيها وقت غرمه بشهادة الشاهدين أو أقر على نفسه بالعجز (كيمين) طلبها المشهود عليه على الشاهدين أنهما لم يرجعا فتتوجه (إن أتى) المشهود عليه (بلطخ) أي قرينة كإقامته على رجوعهما شاهدا غير عدل أو امرأتين فيما ليس بمال ولا آيل له كطلاق وعتق فإن حلفا بقي الغرم على المشهود عليه وإلا حلف وأغرمهما ما غرمه فإن نكل فلا شيء له عليهما (ولا يقبل رجوعهما) حين طالبهما المقضى عليه بأصل شهادتهما بما غرمه أي طالبهما لأجل رجوعهما عما شهدا به فقالا رجعنا (عن الرجوع) فلا يقبل بل يغرمان ما أتلفاه بشهادتهما كالراجع المتمادي لأن رجوعهما عن الرجوع بمنزلة من أقر ورجع عن إقراره (وإن علم الحاكم بكذبهم) أي الشهود أو بقادح من القوادح في شهادتهم (وحكم) بما شهدوا به من رجم أو قطع يد أو جلد تعمد اللجور وأولى إن باشر ذلك أو علم به وثبت علمه بإقراره لا ببينة تشهد عليه بعلمه فلا يقتص منه على ما استظهره عج أي لفسقهم بكتمهم الشهادة قبل الاستيفاء (فالقصاص) عليه دون الشهود وكذا القصاص على مقيم بينة علم بكذبها دون علم الحاكم فإن علما اقتص منهما كما في تت ولا شيء على من باشر القتل لأنه مأمور الشرع ومثل الحاكم المحكم في الجراح أو القتل لمضي حكمه في ذلك (وإن رجعا عن طلاق) شهدا به على زوج (فلا غرم) عليهما لأنهما بشهادتهما عليه مالًا وإنما فوتاه البضع وهو لا قيمة له وشبه بقوله فلا غرم قوله: (كعفو القصاص) أي بأن شهدا أن ولي الدم عما عن القاتل فحكم به وسقط القصاص ثم رجعا عن شهادتهما بالعفو فلا غرم عليهما لأنهما لم يفوتاه متمولًا وإنما فوتاه استحقاق الدم وهو لا قيمة له ويؤدبان ويجلد القاتل مائة ويحبس سنة ومحل عدم غرمهما في رجوعهما عن طلاق (إن دخل) الزوج (فنصفه) يغرمانه للزوج عند ابن القاسم بناء على أنها لا تملك

ــ

(كيمين إن أتى بلطخ) قول ز فيما ليس بمال ولا آيل له الخ تبع عج في هذا القيد أخذًا من قول المصنف فيما تقدم وحلف بشاهد في طلاق وعتق الخ وليس بصحيح بل لا معنى لذلك هنا فإن دعوى الرجوع موجبة للمال ولو فيما ليس بمال كطلاق وعتق كما يأتي (وإن علم الحكم بكذبهم) قول ز أو بقادح من القوادح الخ مثله في خش وليس بصواب إذ لا قصاص في هذه وإنما عليه الدية في ماله كما جزما به معًا عند قول المصنف في باب القضاء وغرم شهود علموا وإلا فعلى عاقلة الإمام (وإلا فنصفه) قول ز وانظر كلامه هنا الخ هذا كله

ص: 366

بالعقد شيئًا لجواز ارتدادها فبشهادتهما غرم نصف الصداق قاله تت وقوله بناء الخ ولكن وجب لها النصف بالطلاق الذي أوقعه القاضي بسبب شهادتهما قبل الرجوع إذ لو يغرم الزوج لها النصف لم يرجع به عليهما حين رجعا وقوله بناء الخ أي وإن كان ضعيفًا لأن المذهب أنها تملك بالعقد النصف إذ لا غرابة في بناء مشهور على ضعيف وقيل للزوجة قاله غير واحد عليه اختصر القرويون المدونة بناء على أنهما تملك بالعقد الجميع والطلاق يشطره فرجوعهما عنه فوتها نصفه الباقي أي والنصف الآخر أخذته من الزوج كما مر فيكمل لها الصداق كله في فرض المصنف قبل البناء لأنها تقول فوتًا على بشهادتهما الصداق ويدل لهذا قول تت عقب ما مر عنه قال في التوضيح واعلم أنه نص في المدونة على أنهما يغرمان النصف وسكت عن مستحقه فمن المختصرين من يقول للزوج ويعلمه بما تقدم ومنهم من يقول للزوجة ويرى أن الصداق كان واجبًا لها على الزوج والشاهدان هما اللذان منعاها الباقي فيغرمانه لها وانظر كلامه هنا على كل من التأويلين فإنه مبني على خلاف ظاهر المذهب أن المرأة لا تملك بالعقد النصف وأيضًا فإنه لا يلتئم مع ما في المسألة التي بعد هذه وهي قوله كرجوعهما عن دخول مطلقة انتهى.

ومحل المصنف في نكاح مسمى فيه صداق لا في تفويض وشهدا قبل التسمية ثم رجعا فلا غرم عليهما وإنما لم يؤخر قوله كعفو القصاص عن شرط ما قبله مع مفهومه لئلا يتوهم أن التشبيه في غرم النصف ولا يتوهم أن الشرط راجع لما بعد الكاف على القاعدة الأغلبية لعدم صحته هنا أولان القاعدة إنما هي في كاف التمثيل لا التشبيه كما هنا كذا لبعضهم (كرجوعهما عن دخول مطلقة) أقر الزوج بطلاقها وادعى أنه قبل وحكم بسبب شهادتهما بدخوله بتكميل الصداق فيغرمان له برجوعهما نصف الصداق فإن رجع أحدهما غرم ربعه ومحل المصنف في نكاح مسمى وإلا غرما له جميع الصداق لأن التفويض إنما تستحقه فيه بوطء لا بطلاق أو موت كما قدمه المصنف في فصل الصداق (و) إن شهد اثنان على رجل أنه دخل بزوجته وآخران على طلاقها وحكم القاضي بالطلاق وجميع الصداق على الزواج ثم رجع الأربعة (اختص الراجعان بدخول) الباء

ــ

كلام ضيح ونقله ح واعترضه فقال قوله على كل من التأويلين ليس بظاهر لأنه على التأويل الثاني لا مخالفة فيه لقولهم إنها تستحق النصف بالعقد ويلتئم مع المسألة الآتية بلا كلام فتأمله وأما على التأويل الأول فهو جار على القول بأنها لا تملك بالعقد شيئًا وهذا القول أحد المشهورين في كلامه في المختصر وذكر في ضيح أن صاحب الجواهر وابن راشد القفصي صرحا بأنه المشهور فاعلم ذلك والله أعلم اهـ.

وفيه نظر لأن الظاهر من غرمهما للزوجة بناؤه على أنها بالعقد تملك الجميع فتأمله.

(واختص الراجعان الخ) التقرير الثاني في ز هو الصواب وهو الذي اعتمده ابن مرزوق وغيره ويدل له قول ابن عرفة عن المازري في هذه المسألة ما نصه فلو رجع شاهدا الدخول غرما

ص: 367

بمعنى عن أي اختصا بغرم جميع الصداق لأنه إنما دفع بشهادتهما بناء على أنها لا تملك بالعقد شيئًا كما في د وهو ظاهر الشارح قيل وهو المعتمد هنا وفي تت وحلولو ومق ويغرمان له نصف الصداق وهو مبني على أنها تملك بالعقد النصف أو الجميع والطلاق يشطره (عن) شاهدي (الطلاق) فلا غرم عليهما برجوعهما عنه لأنه بمنزلة رجوعهما عن طلاق مدخول بها وقد مر عدم الغرم في ذلك (و) إن ماتت الزوجة في رجوع الأربعة رجع (شاهد الدخول على الزوج) بما غرماه له وهو جميع الصداق عند رجوعهما عن الدخول (بموت) أي بسبب موت (الزوجة إن أنكر الطلاق) أي استمر على إنكاره اد لفرض إنكاره لأن موتها في عصمته على دعواه قبل البناء يكمل عليه الصداق وقوله شاهد الدخول من إقامة الظاهر مقام المضمر ولو قال رجعا على الزوج لكان أخصر قاله د ومفهوم الشرطة أنه إن أقر بالطلاق وشهدا عليه بالدخول ثم رجعا لم يرجعا عليه بشيء عند موتها لانتفاء العلة المذكورة وبهذا يعلم حسن ذكر المصنف للشرط إذ لو لم يأت به لتوهم رجوع شاهدي الدخول على الزوج بموتها ولو أقر بالطلاق لإطلاقه حينئذٍ مع تقدم المسألتين في كلامه مسألة إنكاره وإقراره بقوله كرجوعهما عن دخول مطلقة ومثل موت الزوجة موت الزوج (ورجع الزوج) بعد موت الزوجة مع إنكاره الطلاق (عليهما) أي على شاهدي الطلاق الراجعين عنه (بما فوتاه) بشهادتهما بطلاقها قبل البناء (من إرث) منها (دون ما غرم) من نصف صداقها فلا يرجع عليهما به لاعترافه بتكميله بالموت إذ هو منكر للطلاق قبل البناء قاله في التوضيح وهو ظاهر حيث غرم جميع الصداق وأما لو غرم

ــ

نصف الصداق لأن شاهدي الطلاق لو اقتصر على شهادتهما لم يلزم الزوج أكثر من نصف الصداق وغرامة النصف الزائد إنما هي بشهادة من شهد عليه بالبناء اهـ.

قال طفى: وما ذكره المصنف من عدم غرم شاهدي الطلاق هنا لا يأتي على قول ابن القاسم الذي درج عليه أن شاهدي الطلاق قبل البناء عليهما نصف الصداق برجوعهما وإنما يأتي على قول أشهب ومن معه لا شيء عليهما وعليه فرعه المازري فقال لا غرم على شاهدي الطلاق على قول أشهب وعبد الملك وابن المواز قال ابن سحنون هذا مذهب أصحابنا وأكثر الرواة وبعض الرواة خالف فيه اهـ.

نقله ابن عرفة قال طفى: وبه تعلم التنافي في كلام المصنف والعذر له أنه درج على قول ابن القاسم في قوله وإلا فنصفه لأنه قوله في المدونة ودرج في هذا على قول أشهب ومن معه لما رأى معه أكثر الرواة فلم تمكنه مخالفته اهـ.

قلت لولا ما ذكره المازري من تفريع ما هنا على قول أشهب لقلنا إنه لا تنافي بين المحلين لأن ما هنا بمنزلة الرجوع عن طلاق مدخول بها لوجود شاهدي الدخول كما أفاده تقرير ز فتأمله (دون ما غرم) أي ولا يرجع عليهما بما غرمه من نصف الصداق وهذا خاص بما قبل الدخول وأما إن دخل فقد تقدم أن لا غرم عليهما للصداق وقول ز وهو ظاهر حيث

ص: 368

النصف خاصة كما لو شهدا عليه بالطلاق قبل البناء ثم رجعا فينبغي أنه إذا رجع عليهما بما فوتاه من إرث أن يرجعا عليه بتكميل الصداق لأنه مقربه فيسقط من إرثه اهـ.

قال غ ولو قال ورجع الزوج على شاهدي الطلاق كعبارة ابن الحاجب لكان أوضح اهـ.

وفي قوله أوضح إشارة إلى أن عبارة المصنف واضحة إذ قوله بما فوتاه من إرث قرينة على أن ضمير المثنى لشاهدي الطلاق إذ هما اللذان فوتاه الإرث لا شاهدي الدخول إذ لم يفوتاه ثم هذه المسألة غير خاصة بما قبلها كما قرروها به إذ الحكم المذكور عام كان ذلك قبل البناء أو بعده كان هناك شاهدا دخول أيضًا أم لا (ورجعت) الزوجة (عليهما) أي على شاهدي الطلاق عند موت الزوج الراجعين عنه (بما فاتها من إرث) كانت مدخولًا بها أم لا (و) من نصف (صداق) كان يتكمل لها بموته حيث لم تكن مدخولًا بها وإلا لم ترجع عليهما بنصف الصداق وموضوع المسألة أنه ليس هناك شهود دخول إذ مع وجودهما كما هو موضوع المسألة قبلها لم يحصل بشهادة شاهدي الطلاق تفويت فلا ترجع عليهما بنصفه وهذا كله في المسمى لها كما مر (وإن) شهدا بطلاق زوج لأمة مدخول بها أم لا وسيدها مصدق لهما على الطلاق وحكم القاضي بالفراق ثم شهد آخران بتجريح شاهدي الطلاق أو بتغليطهما بأن قالا غلطتما بل المطلق لأمة غير هذه الأمة وأسندا دعوى الغلط للسماع من شاهدي الطلاق الحاضرين مع إنكارهما الغلط أو الغائبين أو الميتين فحكم القاضي برد الأمة لعصمة زوجها ثم رجعا و (كان) رجوعهما (عن تجريح أو تغليط شاهدي طلاق أمة غرما للسيد ما نقص) من الأمة (بزوجيتها) وعودها لعصمة زوجها إذ عودها ثانيًا عيب فتقوّم بلا زوج ومتزوجة يغرمان ما بين القيمتين ولا أرش للبكارة كما هو ظاهر كلامهم لاندراجها في الصداق ثم غرمهما ما نقصته مبني على أن عيب التزويج يرتفع بالطلاق وهو أحد الأقوال المتقدمة في فصل

ــ

غرم جميع الصداق الخ متهافت مع ما قبله إذ لا يغرم الجميع إلا بعد البناء فتأمله قيل وجه عدم الرجوع عليهما بما غرمه قبل البناء أنه قد لزمه الجميع بالموت وملك نصفه بالإرث فالنصف الذي ملكه هو الباقي بذمته والذي غرمه لا حق له فيه وهذا إنما يتم إذا كان إرثه منها النصف بأن لا يكون لها ولد وإلا فكان لهما أن يحاسباه من الإرث بمقدار ربعه وعلى هذا فإذا شهدا بالطلاق بعد البناء وغرم جميع الصداق ثم رجع وقد ماتت فإنهما يغرمان له جميع إرثه منها في الصداق وفي غيره ولهذا كانت المسألة مفروضة في كلام الأئمة المازري وابن شاس وابن عرفة وغيرهما فيما قبل البناء فقط تأمل (وإن كان عن تجريح أو تغليط شاهدي الخ) هذه المسألة لا تتصور إلا بأن يكون القاضي حكم بالطلاق أولًا ثم نقضه فهما حكمان كما صور به ز تبعًا لتت وكذا هو عند ابن عرفة وقول المصنف أو تغليط قال ابن مرزوق انظر كيفية الشهادة بغلط الشاهدين ولم يذكره ابن شاس كالنوادر وإن تبع المصنف ابن الحاجب اهـ.

ص: 369

خيار المبيع وكذا على أنه لا يرتفع لأنه مقول بالتشكيك فوجوده مع بقائها في العصمة أشد منه مع خروجها منها والظاهر أن العبد كالأمة وقولي وسيدها مصدق لهما على الطلاق احتراز عن إنكاره له فلا يغرمان له شيئًا لأنهما لم يدخلا عليها عيبًا وفهم من قوله أمة أنه لو كان عن تجريح أو تغليط شاهدي طلاق حرة لا يغرمان شيئًا لأنها لا قيمة لها (ولو كان) رجوعهما عن شهادة على امرأة (بخلع بثمرة لم تطلب) أي لم يبد صلاحها (أو) برقيق (آبق) أو بعير شارد أو نحو ذلك مما يصح الخلع به بالغرر لا مما لا يصح به (فالقيمة) يغرمانها لها بدل ما غرمته للزوج بالحكم بالخلع (حينئذٍ) أي حين الرجوع عن شهادتهما فلا ينتظر بها طيب الثمرة ولا عود الآبق كما يأتي له وهو متعلق بالقيمة لما فيها من رائحة الفعل أو بمحذوف تقديره معتبرة حينئذٍ أي على الرجاء والخوف على الصفة التي عليها الثمرة والتي كان عليها الآبق أو الشارد يوم ذهابه لا بيغرم مقدر الدلالة ما بعده عليه لأن المعتبر فيها حين الخلع أو الحكم به أن غرمتها للزوج بحكم ولو تأخر غرمهما لها عن وقته وقول غ حين الرجوع معناه عن شهادتهما وكان قريبًا من يوم شهادتهما بالخلع وعلى كلامه فيتعلق قوله حينئذٍ بتغرم مقدر إلا بما قلناه قبل (كالإتلاف) تنظير بمعلوم أي أن المعتبر هنا في ضمانهما القيمة وقت تفويت ثمرتها بشهادتهما كاعتبار ذلك فيمن أتلف لشخص سلعة ضمانه قيمتها يوم الإتلاف أو المعنى قياسًا على إتلافها قبل زهوها فإنها تقوم على الرجاء والخوف (بلا تأخير) في ضمانهما لها (للحصول) أي طيب الثمرة ووجود الآبق (فتغرم) بالنصب ويجوز الرفع (القيمة حينئذٍ) أي حين الحصول خلافًا لابن المواز فالقيمة الأولى حين الخلع أو الحكم به وهي مثبتة والثانية حين الحصول وهي منفية فلم يتواردا على محل واحد ولا حكم واحد فلا تكرار كما ظن الشارح انظر تت وقوله: (على الأحسن) راجع للمثبتة (وإن كان) رجوعهما عن شهادتهما على سيد (بعتق) ناجز لرقيق والسيد منكر وحكم بالعتق (غرما قيمته) يوم الحكم بعتقه ولا يرد العتق برجوعهما (وولاؤه له) لاعترافهما له بذلك ولأنهما بغرمهما القيمة كأنهما أعتقاه عنه فرجوعهما لا يفيد فيما أقرا به لغيرهما وهو الولاء فإن من أقر بشيء ثم رجع

ــ

وأجاب الشيخ أحمد بابا بأن كيفيتها أن يشهدا أنهما سمعا شاهدي الطلاق أقرا على أنفسهما بالغلط وماتا أو غابا ولم يسألا وتذكر هنا شهادتهما على القاضي أنه أراد أن يحكم بكذا فوهم اهـ.

وأشار بذلك إلى قول المصنف في باب القضاء أو غلط ببينة (فالقيمة حينئذٍ) أي حين الرجوع أن قلنا إن الظرف متعلق بلزوم القيمة فيكون قوله حينئذٍ في مقابلة قوله بلا تأخير الخ أو حين الشهادة إذا كان إشارة إلى وقت إغرامهما القيمة وبهذا يتفق كلام الشراح فإن منهم من قال حين الرجوع ومنهم من قال حين الشهادة والكل صحيح (على الأحسن) أشار المصنف بقوله: بلا تأخير لاختيار قول المصنف بقوله: بلا تأخير لاختيار قول عبد الملك

ص: 370

فإن رجوعه لا ينفعه فيما يتعلق بغيره ولو كانت أمة له لم يجز لها إباحة فرجها بالتزويج إن علمت بكذب الشاهدين انظر تت والظاهر أن للسيد وطأها عند علمه بأنه لم يعتق وأنهما شهدا عليه بزور ولا يمنع من ذلك أخذه القيمة عند رجوعهما لأنه أمر جر إليه الحكم قال المازري فإن مات العبد ولا وارث له أخذ سيده ماله انتهى.

وانظر لو كان له وارث هل يرجع السيد عليهما بما أخذه الوارث لأنه لولا شهادتهما لأخذ ماله بالرق أولًا لأنهما غرمًا قيمته له وهو الظاهر ولا يشكل عليه ما يأتي في قوله وغرما له نصف الباقي لأن الآتي المال من التركة وهنا المال للعبد الذي دفعت قيمته (وهل إن كان) رجوعهما عن شهادة بعتق (لأجل) أي وحكم به (يغرمان) للسيد (القيمة) الآن أي قيمة العبد المحموم بعتقه لأجل بشهادتهما (والمنفعة) في العبد (إليه) أي إلى الأجل (لهما) يستوفيان منها القيمة التي غرماها فإن استوفياها وبقي من الأجل بقية رجع باقيها للسيد ولا يخفى أنه لا يلزم من كون المنفعة لهما أن يسلم العبد لهما بل يخدمهما أو يأخذان أجرة عمله ويبيت عند سيده فإن قتله السيد رجعا عليه ببقية قيمة منفعة العبد أو ببقية ما لهما إن زادت قيمة باقي المنفعة على ذلك قال تت فإن مات في يد السيد قبل الأجل وترك مالًا أو قتل فأخذ له قيمة أو مات بعد الخدمة أي مع نقصها عن مالهما وترك مالًا فإنهما يأخذان ما بقي لهما من ذلك انتهى.

وأما إن مات بيد السيد وترك مالًا أو قتله بعد استيفائهما مالهما من خدمته فلا

ــ

ورد قول ابن المواز وأشار بقوله على الأحسن لقول ابن راشد قول عبد الملك أقيس (وهل إن كان لأجل يغرمان القيمة الخ) جعل المصنف الأقوال في هذا ثلاثة وهي في الحقيقة أربعة الأول لعبد الملك يغرمان القيمة والمنفعة فيها إلى الأجل لهما لكن يبقى تحت يد السيد ويعطيهما من تحت يده الثاني لسحنون كالأول إلا أنه يسلم إليهما حتى يستوفيا ما غرماه ثم يرجع لسيده وهذان القولان يحتملهما قول المصنف والمنفعة إليه لهما والثالث يغرمان القيمة بعد أن تسقط منها قيمة المنفعة على الرجاء والخوف وهو قول عبد الله بن عبد الحكم كما قاله ابن عرفة وابن عبد السلام لا قول محمد بن بعد الحكم كما في ضيح ولا قول عبد الملك كما قال ابن الحاجب والرابع لابن المواز يخير بين الوجهين الأولين وكلام المصنف لا يفي بهذا الأخير بل يوهم خلافه وقد أصلحه ابن عاشر بقوله والمنفعة لهما تحت يده أو يديهما أو تسقط منها المنفعة أو يخير في الأولين اهـ.

وقول ز أو مات بعد الخدمة مع نقصها عن مالهما الخ لفظ ابن عرفة عن النوادر فإن مات العبد بيد سيده عن مال أو قتل فأخذت قيمته أو مات بعد الحرية عن مال أخذ الشاهدان من ذلك ما بقي لهما اهـ.

وهو بلفظه في ضيح قال ابن عرفة قلت لم يقيد الشيخ أخذها في موته حرًّا بشيء والصواب تقييده بأن لا وارث له اهـ.

ص: 371

علاقة لهما (أو) لا يغرمان جميع القيمة بل (تسقط منها) عنهما (المنفعة) أي قيمتها فتحسب منفعته من جملة القيمة التي يغرمان الآن للسيد ما زاد على قيمة المنفعة وتبقى تلك المنفعة لسيده على حسب ما كان قبل رجوعهما عن الشهادة فإن مات في هذه الحالة فلا شيء للسيد عليهما لأنهما أخذا قيمتها على غررها وتجويز موت العبد قبل الأجل وحياته إليه (أو يخير) السيّد (فيها) بضمير الإفراد وفي بعض النسخ بضمير التثنية فالضمير على الأول للمنفعة أي بين أن يسلمها للشاهدين إلى الأجل ويأخذ منهما قيمته بتمامها كالقول الأول وبين أن يأخذ منهما قيمته الآن ويتمسك بالمنافع إلى الأجل ويدفع قيمتها إليهما وقتًا بعد وقت بحسب ما يراه هو لا هما وأما النسخة الثانية فالضمير عائد على الإسقاط وعدمه لا في القولين قبل كما يوهمه المصنف أي يخير في أن يسقط حقه من المنفعة ويسلمها للشاهدين مع أخذ قيمته منهما وفي عدم إسقاطها بأن يأخذها ويدفعها لهما شيئًا فشيئًا مع أخذ قيمته منهما أيضًا وكلام الشارح خلاف النقل (أقوال) ثلاثة الراجح منها الأول قاله مق ولو رجعا عن شهادتهما بعتقه إلى موت فلان فعليهما قيمة خدمته أقصى عمر العبد وفلان وقول الشامل بدل وفلان وسيده سبق قلم وما في بعض نسخ تت أقصر بالراء المهملة خلاف ما في خطه ونحوه في نسخة صحيحة من ابن عرفة بالألف (وإن كان) رجوعهما عن شهادتهما (بعتق تدبير) وحكم بعتقه والإضافة بيانية أي بعتق هو تدبير بدليل قوله واستوفيا الخ ولو أسقط لفظ عتق كان أولى وأما إن شهدا بتنجيز عتق المدبر فيرجع عليهما بقيمته أي على أنه مدبر فلا شيء لهما كما في ق

ــ

فلعل لفظ الخدمة في كلام ز تصحيف عن الحرية لأن المراد صار حر بانقضاء الأجل قبل استيفائهما ومات عن مال وقول ز ولو رجعا عن شهادتهما بعتقه إلى موت فلان الخ هذا تحريف للمسألة عن موضوعها بل المراد شهدا بتنجيز عتق معتق إلى موت فلان وحكم بذلك ثم رجعا عنه قال في ضيح وإن شهدا بتنجيز عتق معتق إلى أجل فقضى بذلك ثم رجعا فعليهما قيمة خدمته على غررها ولو كان معتقًا إلى موت فلان فعليهما قيمة خدمته أقصى العمرين عمر العبد أو عمر الذي أعتق إلى موته انتهى.

وهكذا نقله ابن عرفة عن الموازية لكن الذي رأيته في ثلاث نسخ منه مصححة بلفظ أقصر بالراء كما في تت ومثله في كتاب ابن يونس وهو الصواب إذ الزائد على أقرب العمرين لا يملكه السيد فكيف يغرمانه له إذ بموت أحدهما أولًا ينقطع حقه من الخدمة وعلى هذا فما في ضيح وابن عبد السلام من لفظ أقصى بالألف مشكل فتأمله (وإن كان بعتق تدبير) قول ز والظاهر أنه ينجز عتقه حينئذٍ الخ فيه نظر إذ كونه لا خدمة له لا يقتضي سقوط حق سيده منه ولأنه قد يموت السيد ولا يحمله ثلث فيرق كله أو بعضه وأيضًا إذا كان المدبر أمة بقي فيها حق السيد في الوطء والحاصل أنه لا وجه لتنجيز عتقه عند انتفاء خدمته والله تعالى أعلم وكذا تعليله بقوله لأن عدم تنجيزه إنما هو لأجل أن يستوفيا من خدمته لا معنى له إذ يقتضي أنه لولا تعلق حق الشاهدين بالمدبر لنجز عتقه وهو غير صحيح نعم ذكر في ضيح ما نصه

ص: 372

(فالقيمة) ناجزًا وتعتبر يوم الحكم بتدبيره (واستوفيا من خدمته) تقاضيًا أي شيئًا فشيئًا ولا يملكان جميعها والمراد استوفيا إن شاء سيده دفعها وإن شاء أمسكها ودفع لهما قيمتهما كما في مق عن ابن يونس والظاهر أنه يدفع لهما قيمتها شيئًا فشيئًا بحسب ما يستوفيها لا أنه يعجلها لهما دفعة فهي كالمسألة السابقة وأشعر قوله استوفيا أنه لو كان لا خدمة له فلا شيء لهما وهو كذلك والظاهر أنه ينجز عتقه حينئذٍ لأن عدم تنجيزه إنما هو لأجل أن يستوفيا من خدمته وقد انتفى ذلك والأنثى كالذكر قاله عج من تقريره ولا ينافيه قول المصنف (فإن عتق بموت سيده) قبل استيفائهما خدمته (فعليهما) أي فيذهب ما بقي عليهما فلا شيء لهما لأنه فيما له خدمة وهذا مما يدل على أن التشبيه بقوله الآتي كالجناية راجع لقوله واستوفيا من خدمته ولو قدمه عقبه كان أولى ليفيد أنهما لا يملكان جميعها كما قدمته ولا يرجع لقوله فإن عتق الخ وإلا لاقتضى اتباعهما به إذا عتق لقوله في باب التدبير فإن عتق بموت سيده اتبع بالباقي أو بعضه بحصته اهـ.

فينا في قوله فعليهما (وهما أولى) أي أحق حتى يستوفيا (إن رده) أي العتق أو التدبير (دين أو بعضه) لأنهما لما دفعا قيمته لسيده فكانت كحق تعلق بعينه وهو مقدم على الدين المتعلق بالذمة فإن مات قبل الاستيفاء أخذًا من ماله فإن لم يكن مال فلا شيء لهما فإن قتل أخذًا من قيمته انظر ق (كالجناية) أي كجناية المدبر على غيره فأل عوض عن المضاف إليه وهو تشبيه في أنهما يستوفيان من خدمته تقاضيًا وغير المدبر مثله كما مر أول البيع من قوله والعبد الجاني على مستحقها وأما تقديمهما على أرباب الديون فقد علم من قوله وهما أولى ويحتمل كالجناية عليه أي فإنهما يستوفيان مالهما من قيمته وهذا هو الذي يدل عليه نقل ق وهو حينئذٍ تشبيه في مطلق التعلق إذ أخذه فيها ملكًا ما لم تدفع الورثة أرشه وأما الشاهدان فلا يملكانه كما مر وإنما يستوفيان من خدمته فإن قتل فمن

ــ

ولو كان عوض المدبر مدبرة ممن لا حرفة لها ونهى عن استئجارها فإنه إذا قضى على الشاهدين بقيمتها نجز عتقها إذ لا فائدة في بقائها إلا أن يلتزما النفقة عليها رجاء رقها بعد وفاة سيدها فذلك لهما أو يتطوع السيد بذلك رجاء أن ترق له فذلك له اهـ.

ومثله نقله ابن عرفة عن سحنون (وهما أولى إن رده دين أو بعضه) هذا يقضي أن رقية البعض تتوقف على الدين كرقية الكل وليس كذلك فإن السيد إذا مات ولم يترك مالًا سوى المدبر عتق منه الثلث ورق الثلثان (كالجناية) ذكر فيه ز احتمالين الأول منهما يدل عليه قول ابن عرفة ولو مات سيده وعليه دين يرقه بيع لهما أي للشاهدين قبل الدين كما لو جنى جناية والدين محيط فإن أهل الجناية أولى برقبته اهـ.

ومثله قول ضيح فإن مات السيد وحمله الثلث خرج منه حر وإن رق منه شيء فهما أولى به وكذلك إن رده دين فهما أولى من صاحب الدين وهما كأهل الجناية ثم إذا بيع وفضل منه فضل لم يكن للشاهدين أخذه إذ لا يربحان اهـ.

ص: 373

ثمنه وتقدم إن هذا راجع لقوله واستوفيا الخ لا لقوله فإن عتق الخ لمناقضته لقوله فعليهما ولا لقوله وهما أولى الخ لاقتضائه أيضًا أن يكون لهما ملكًا ولو زاد على مالهما وليس كذلك وإنما لهما أن يبيعاه ويستوفيا من ثمنه مالهما فإن زاد ثمنه ردّ الزائد للورثة وإن نقص عما لهما فلا شيء لهما.

تنبيه: سكت عما إذا رجعا عن شهادتهما بتنجيز عتق المعتق لأجل وهو غرمهما قيمة رقبته أي على أنه معتق لأجل لا خدمته انظر ابن عرفة (وإن كان) رجوعهما عن شهادة (بكتابة) أي بأنه كاتب عبده وحكم بذلك عليه (فالقيمة) أي قيمة المكاتب لا الكتابة يغرمان قيمته للسيد عاجلًا وتعتبر يوم الحكم بشهادتهما (واستوفيا) ما غرماه (من نجومه) فإن فضل منها شيء فللسيد وإن نقصت عن مالهما فلا شيء لهما سواها (وإن رق) لعجز (فمن رقبته) وإن لم يرق بل خرج حرًّا فات عليهما وأشعر قوله واستوفيا من نجومه أنهما رجعا قبل أدائها وانظر لو لم يرجعا حتى أداها وخرج حرًّا هل يرجع السيد عليهما بباقي قيمته ولا شيء لهما على من خرج حرًّا أو لا رجوع له عليهما (وإن كان) رجوعهما عن شهادة على سيد (بإيلاء) لأمته وحكم به (فالقيمة) للقنة يغرمانها للسيد يوم الحكم بأنها أم ولد (وأخذا) ما غرماه (من أرش جناية) في طرف أو نفس (عليها) لا على ولدها

ــ

وكلامهما صريح في أن التشبيه راجع لقوله وهما أولى إن رده دين الخ أو ما الاحتمال الثاني فيدل عليه نقل ق كما قال وقول ز وغير المدبر مثله الخ هذا صحيح في المعتق لأجل ولا يصح في القن الخالص على ما ذكره من رجوع التشبيه للاستيفاء من خدمته تقاضيًا فقط لأن القن يسلم إلى المجني عليه ملكًا إن لم يفده سيده بالأرش نعم يصح على ما ذكرناه من رجوع التشبيه لقول المصنف وهما أولى الخ وعلى هذا فقط ينزل قول المصنف والعبد الجاني على مستحقها وقول ز وهو حينئذٍ تشبيه في مطلق التعلق الخ هذا أيضًا لا يصح رجوعه للاحتمال الثاني خلاف ما يتبادر منه وإنما يرجع إلى الاحتمال الأول ولو قدمه بإزائه كان ظاهرًا على أن هذا لا يطابق تقديره ولا ينزل عليه لأنه قرر قوله كالجناية على ما إذا جنى المدبر في حياة السيد فلا يستوفي المجني عليه إلا من خدمته وإنما ينزل هذا الكلام على ما ذكر عن ابن عرفة وضيح من أن المراد جناية المدبر بعد رقيته أو رقية بعضه بموت سيده فيأخذه المجني عليه ملكًا ما لم تدفع الورثة أرشه وأما الشاهدان فلا يملكانه وإنما يباع ويستوفيان من ثمنه فإن فضل منه شيء رداه كما تقدم عن ضيح وأما قول ز وإنما يستوفيان من خدمته الخ فغير صحيح وقول ز فإن قتل فمن ثمنه صوابه فمن قيمته وقوله وتقدم أن هذا راجع لقوله واستوفيا لا لقوله وهما أولى الخ قد علمت ما فيه والحاصل في كلامه من الخلل والتخليط ما الله عالم به وقول ز في التنبيه وهو غرمهما قيمة رقبته لا خدمته انظر ابن عرفة الخ غير صحيح بل الذي عند ابن عرفة وضيح أن عليهما قيمة الخدمة على غررها لا قيمة الرقبة انظر ق عند قوله وإن كان بعتق تدبير الخ (وإن كان بكتابة فالقيمة) قول ز وانظر لو لم يرجعا حتى أداها الخ لا وجه لهذا التوقف والظاهر أن السيد يرجع عليهما بباقي القيمة

ص: 374

من غيره كما هو ظاهر (وفيما استفادته) من هبة أو وصية أو نحو ذلك وكذا ما اكتسبت بعمل كما في تت (قولان) في أخذهما منه لأنه في معنى الأرش وعدمه لأنه منفصل عنها وهو الراجح كما في مق لا فيما استفاده ولدها من غير السيد (وإن كان رجوعهما) عن شهادتهما (بعتقها) أي أنه نجز عتق أم ولد وحكم به (فلا غرم) لأنهما إنما فوتاه استمتاعه بها وهو لا قيمة له كما لو رجعا عن طلاق مدخول بها وليس له وطؤها ولو بالتزويج إلا أن يبت عتقها فيتزوجها قاله عج وانظر ما الفرق بينه وبين ما قدمه في قوله وهل إن كان لأجل الخ من أنه له وطؤها حيث علم بكذبهم وهو المناسب بل هذا أولى لأنهما لم يغرما له شيئًا وقد يفرق بقوة الشبهة هناك بكونها قنا خالصة بخلاف هذه (أو) رجعا عن شهادتهما (بعتق مكاتب فالكتابة) يغرمانها على نجومها أو ما بقي منها بعد عتقه بشهادتهما ولا يغرمان قيمة الكتابة كما يوهمه قول ابن الحاجب غرمًا قيمة كتابته ولذا عدل المصنف عنه (وإن كان) رجوعهما عن شهادة (ببنوة) أي ادعى شخص على شخص أنه أبوه وشهدا بإقراره ببنوته أو استلحاقه له وحكم بها ثم رجعا (فلا غرم) عليهما للأب لأنهما لم يفوتا عليه مالًا (إلا بعد) موت الأب و (أخذ المال) أي أخذه من شهدا ببنوته (بإرث) فيغرمان قدره للثابت أو بيت المال واحترز بأخذه بإرث عن أخذه بغيره كدين ونحوه فإنه لا غرم عليهما (إلا أن يكون) المشهود ببنوته (عبدًا) حكم بحريته وثبوت نسبه ثم رجعا واعترفا برقه لشخص آخر (فقيمته) يغرمانها لسيده عند رجوعهما (أولًا) أي في أول الأمر قبل أن يحصل موت فيؤخذ المال بالإرث ولو حصل الموت بإثر الرجوع بدىء بالقيمة ثم ورث الباقي والاستثناءان من قوله فلا غرم واعترض بأنه فيه استثناء شيئين من شيء واحد بغير عطف وهو غير جائز وأجيب بأن الاستثناء الأول من مقدر بعد قوله فلا غرم أي في وقت من الأوقات والثاني من مقدر أيضًا كما في د قوله بإرث وهو فيغرمان للوارث ولا شيء عليهما غير ذلك إلا أن يكون عبدًا فقيمته للمشهود عليه ولو حصل الموت بإثر رجوعهما بدئ بالقيمة ثم ورث الباقي كما مر قريبًا فأتى بقوله أولًا إشارة إلى أن هناك مرتبة أخرى وقيد الشارح الاستثناء الثاني بقوله والسيد صحيح البدن اهـ.

ــ

(وإن كان ببنوة فلا غرم) ينبغي حمله على ما إذا لم تكن نفقة واجبة على الأب وإلا فقد ألزماه نفقته بشهادتهما قاله البساطي وقال ح: إنه ظاهر ولم أقف فيه على نص (إلا أن يكون عبدًا فقيمته أولًا) قول ز واعترفا برقه لشخص آخر صوابه واعترفا برقيته للمشهود عليه بالأبوة إذ هذا هو الذي تلزم فيه القيمة وينزل عليه قوله ثم إن مات وترك آخر الخ وأما رقيته لشخص آخر فإنها لا تنافي بنوته للمشهود عليه فالحكم بالبنوة لشخص لا يفوت رقبته لشخص آخر حتى تلزمهما القيمة بالرجوع عنها وقول ز ولو حصل الموت بأثر الرجوع الخ أي لو حصل الموت للسيد بعد الرجوع وبعد أخذ القيمة من الشاهدين بدئ من ماله بقدر القيمة يختص به الولد الثابت النسب والباقي من ماله يرثه الولدان العبد وثابت النسب وقول ز والثاني من مقدر بعد قوله بإرث الخ فيه نظر لأن هذا يقتضي أن غرم القيمة في العبد إنما هو بعد موت

ص: 375

وليس هذا القيد في التوضيح وانظر ما معناه والحق إسقاطه قاله عج قلت قال شيخه البرموني له سلف فيه فإن هذا اللفظ وقع في نص ابن المواز عن نقل ق والظاهر أن المراد به أنه حي لا أنه غير مريض اهـ.

ورتب على ما قبل الاستثناء الثاني قوله (ثم إن مات) الأب المشهود عليه بالبنوة لمن كان رقيقه ثم رجع الشاهدان وغرما قيمة العبد لذلك الأب فبقيت عنده وحدها حتى مات (وترك) ولدًا (آخر) ثابت النسب غير المشهود ببنوته (فالقيمة) التي أخذها الأب من الشاهدين الراجعين (للآخر) الثابت النسب يختص بها دون المشهود ببنوته لأنه يدعي أن نسبه ثابت وإن أباه ظلم الشهود في أخذها منهم ثم بعد أخذها يقتسمان ما بقي من التركة نصفين (و) ما خص المشهود ببنوته (غرما له) أي لثابت النسب (نصف الباقي) بعد أخذ القيمة أي يغرمان مثله لثابت النسب لأنهما أتلفاه عليه بشهادتهما (فإن ظهر) على الميت (دين) والمسألة بحالها (مستغرق) للتركة وكذا غير مستغرق (أخذ) منه (من كل) من الولدين (النصف) الذي أخذه من التركة بالميراث (وكمل) وفاؤه (بالقيمة) التي اختص بها ثابت النسب وإنما كانت متأخرة لأن كونها ميراثًا غير محقق إذ المستلحق بالفتح يدعي أنها ليست لأبيه (ورجعا) أي الشاهدان (على الأول) أي الثابت النسب ولو تأخر وجوده عمن شهدا ببنوته (بما) أي بمثل ما (غرمه العبد) المشهود ببنوته (للغريم) أي رب الدين

ــ

المشهود عليه بالأبوة مع أنه لا يتقيد بذلك (ثم إن مات وترك آخر) جعله ز مرتبًا على ما قبل الاستثناء الثاني وهو غير صواب بل هو مرتب على ما بعد الاستثناء الثاني وقول ز فبقيت عنده وحدها حتى مات الخ يقتضي أنها إذا لم توجد عنده بعينها لا تؤخذ من تركته وليس كذلك بل تؤخذ منها كما في الشارح رحمه الله وغيره ويدل عليه نقل ق (وغرما له نصف الباقي) قول ز وما خص المشهود ببنوته غرمًا له الخ هذه الخياطة فاسدة والصواب لو حذف قوله ما خص المشهود ببنوته كما هو ظاهر (فإن ظهر دين مستغرق أخذ من كل الخ) وكذا إن كان الدين غير مستغرق يؤخذ من كل نصفه أيضًا وإنما أتى المصنف بقوله: مستغرق لأجل قوله وكمل بالقيمة وإلا فلا مفهوم له فلو قال وإن ظهر دين اقتضى من كل نصفه كان أشمل (بما غرمه العبد للغريم) إنما قال بما غرمه العبد الخ لأن الدين قد لا يستغرق التركة فلا يرجعان على الأول إلا بقدر ما يلزم الثاني للغريم قاله البساطي رحمه الله قال ح وهو الظاهر إلا أن فرض المسألة في دين مستغرق فلا يلائم ما قاله وإنما يلائمه لو قال بما غرماه له قال ويظهر لي إن ساعده النقل أن الغريم قد لا يجد بيد العبد إلا بعض ما أخذ وهو معسر بالباقي فلا يرجع الشهود على الأول إلا بما دفعه العبد الغريم اهـ بخ.

لطيفة: مما أنشده الشيخ الأبار لنفسه عند قراءة هذا المحل عليه لغزًا في هذه المسألة وهو قوله:

أسائل أهل الفقه أي قضيه

يضاعف فيها بالمساوي برتبه

وإن كان غرم من ديون تخلدت

بذمة ميت أغرما بالسويه

ص: 376

لأنهما غرما النصف لثابت بسبب إتلافه عليه بشهادتهما وأخذ المشهود له إياه فلما ثبت على التركة الدين فلم يتلفا شيئًا عليه وإن كان الدين مستغرق أخذ من كل واحد أيضًا نصف الدين ورجع الشاهدان على ثابت النسب بمثل ما غرمه المشهود ببنوته للغريم (وإن كان) رجوعهما عن شهادة (برق) لفلان (الحر) أي على حرفا للام بمعنى على أو أن قوله لحر صفة لرق أي برق كائن لحر باعتبار ما كان والمشهود عليه يدعي الحرية كما في ق وقول الشارح وفلان يدعي الحرية فيه نظر فحكم برقه لفلان (فلا غرم) عليهما للمشهود عليه بالرق برجوعهما لأنه يدعي الحرية والحر لا قيمة له وينبغي سريان الرق أيضًا على أولاده من أمته وأن يجري فيهم أيضًا قوله: (إلا لكل ما استعمل) المشهود له (ومال انتزع) أي انتزعه المشهود له من المشهود عليه فيغرمان له نظير ذلك لأن العبد يملك وينبغي أن يستثني أيضًا ما إذا كان له أولاد صغار أحرارًا فيرجع على الشاهدين بالنفقة التي فوتاها عليهم (ولا يأخذه المشهود له) أي لا يجوز للسيد أن يأخذ منه ذلك المال الذي أخذه من الشاهدين الراجعين لأن العبد إنما أخذه منهما عوضًا عما أخذه السيد منه وهو يعتقد حرمته وإن العبد ظلمهما في رجوعه عليهما لاعتقاده أنه عبده وإن رجوعهما في غير محله (و) إن مات العبد وترك هذا المال أو غيره (ورث عنه) أي يرثه عنه من يستحق بالحرية ولا يرثه سيده لأن الميت إنما أخذه من الشاهدين على تقدير الحرية فإن لم يكن له وارث فبيت المال (وله) أي لذلك العبد (عطية) هبة أو صدقة أو وصية في ثلث ما بيده لمن شاء ويلغز بقوله ولا يأخذه إلى هنا فيقال عبد ليس للسيد انتزاع ماله ولم يتعلق به كتابة ولا تدبير ولا عتق لأجل وله أن يهب ويتصدق ونحوهما (لا يتزوج) مما بيده لأنه عيب ينقص رقبته قاله الشارح وهو يفيد أن له التزوج بإذن سيده وانظر التسري بناء على أنه كالقن أو المكاتب قال د وانظر هل للسيد بيعه عملًا بالملكية أم لا ينبغي أن يكون له ذلك اهـ.

ــ

فأجابه تلميذه سيدي عبد الله عياشي رحمه الله تعالى في المجلس بقوله:

نعم في رجوع الشاهدين بعيد ما

على عبد امرئ سجلا بالبنوّه

وقيمته قد أغرما وتراثه

فتعطي أخاه بعد موت لحكمه

(وإن كان برق لحر فلا غرم) قال في ضيح يتخرج على ما مر في الغصب من أن من باع حرًّا وتعذر رجوعه فعليه الدية أن يكون على الراجعين هنا ديته اهـ.

وهو تخريج ضعيف لأن القول أضعف من الفعل ولأنه انضم إلى القول هنا دعوى المدعي قاله الشيخ مس رحمه الله تعالى وأصله لابن عبد السلام وابن عرفة قالا إنما لم تجب عليهما الدية لأنهما لم يستقلا بالتسبب في الرقية بل المدعي معهما (ولا يأخذه المشهود له) إذ لو أخذه السيد منه لغرم المشهود له عوضه فيأخذه السيد أيضًا ويتسلسل (وورثت عنه) قول ز وترك هذا المال وغيره الخ الصواب إسقاط قوله وغيره

ص: 377

أي وله وطؤها إن كانت أمة وينبغي أن يقيدا بما إذا علم صدق شهادتهما بالرق فإن علم عدمها حرما وكذا إن شك احتياط (وإن كان) رجوعهما عن شهادتهما على مدين (بمائة) عليه (لزيد وعمرو) سوية وحكم بذلك أو قسمت بينهما (ثم قالا) المائة كلها (لزيد) لم يقبل منهما ذلك ولا شيء لزيد سوى الخمسين التي أخذها ولو كانت دعواه ابتداء بمائة لأنهما لما رجعا فسقًا فلم تقبل شهادتهما بالمائة ولا تنزع الخمسون من يد عمرو لأن رجوعهما بعد الحكم غير معتبر (و) لكن (غرما) للمدين (خمسين لعمرو) فمتعلق غرما محذوف لا قوله لعمرو وإنما اللام فيه للعلة أي يغرمان للمدين خمسين لأجل رجوعهما عن شهادتهما لعمرو ودعوى تكلف ذلك خير من دعوى غ التصحيف الفظيع وفي بعض النسخ للغريم وهو المدين المقضى عليه بالمائة أي غرما له خمسين برجوعهما عوضًا عن التي أخذها عمرو (وإن رجع أحدهما) أي أحد شاهدي حق قضى به على شخص لآخر شهادتهما (غرم) للمقضى عليه (نصف الحق) وهو عام في جميع مسائل الرجوع لا مختص بمسألة زيد وعمرو ولعله نبه على ذلك لئلا يتوهم أنه يغرم الكل لكون الرجوع عن كل جزء من أجزاء الحق المشهود به لكون الشهادة بذلك واختلف إذا ثبت حق بشاهد ويمين ثم رجع الشاهد هل يغرم الحق جميعه وهو مذهب ابن القاسم وهو المعتمد وإن كان مبنيًّا على ضعيف وهو أن اليمين استظهار وقيل يغرم نصفه بناء على أنها مع الشاهد مكملة للنصاب (كرجل) شهد (مع نساء) بمال قضى به فيغرم برجوعه نصفه للمقضى عليه ويغرمن وإن كثرن نصفه لأنهن كرجل واحد فهو تشبيه في أن على الرجل نصف الحق سواء رجع وحده أو مع بعض النساء حيث بقي منهن اثنتان على شهادتهما ولا يضم له في المال واحدة ممن رجعن وإن رجعت واحدة من الباقيتين فعليها مع من رجع من النساء قبلها وإن كثرن ربع الحق فإن رجعت الأخرى فعليها الربع الباقي (وهو معهن في) شهادة (الرضاع) بين زوجين وحكم بالفراق بينهما ثم رجع الجميع (كاثنتين) فعليه مثل غرامة اثنتين وهذا ضعيف والمذهب أنه فيه كواحدة وهو الموافق لقوله في باب الرضاع ويثبت برجل وامرأة وبامرأتين أن

ــ

(كرجل مع نساء) قول ز فإن رجعت الأخرى فعليها الربع الباقي الخ فيه نظر بل عليها مع جميعهن نصف الحق يقسم على رؤوسهن (وهو معهن في الرضاع كاثنتين) أصل هذا لابن شاس وتبعه ابن الحاجب وقبله ابن راشد القفصي وقال ابن هارون جعلوا على الرجل ضعف ما على المرأة وفيه نظر والقياس استواء الرجل والمرأة في الغرم في هذا الفصل لأن شهادة المرأة فيه كشهادة الرجل ونحوه لابن عبد السلام ابن عرفة ولا أعرف هذه المسألة لأحد من أهل المذهب إنما ذكرها الغزالي وأضافها ابن شاس للمذهب وعليه في ذلك تعقب عام وهو إضافته ما يظنه أنه جار على المذهب إلى المذهب كأنه نص فيه وتعقب خاص وهو حيث يكون الإجراء غير صحيح كهذه المسألة اهـ.

ص: 378

فشا قبل العقد فجعل الرجل فيه كالمرأة والحاصل أن الرجل في شهادة المال مع النساء كامرأتين فإذا شهد رجل ومائة امرأة بمال ورجع الرجل وحده أو مع بعض النساء بحيث بقي منهن اثنتان فعليه نصف الغرم ولا شيء على الراجعات معه إذ لا تضم للرجل في شهادة الأموال فإن رجعت المرأتان الباقيتان كان نصف الغرم عليهن كلهن وإن رجعت امرأة من الباقيتان فربع الغرم عليها وعلى بقية النساء هكذا ينبغي والنصف على الرجل الراجع وأما شهادة الرضاع وما شبهه مما تقبل فيه امرأتان فكواحدة على المذهب كما يفيده ما قدمه في باب الرضاع خلافًا له هنا وإن وجهه ابن عبد السلام بأنه آل لمال فإذا شهد رجل وعشر نسوة برضاع فرجع الرجل وحده أو مع ثمان نسوة فلا غرم عليه ولا عليهن لأنه بقي من يستقل به الحكم وهو امرأتان إن فشا قبل العقد فإن رجعت امرأة من الباقيتين كان نصف الغرم على الرجل وعلى النسوة التسع ويجعل كامرأة لا كامرأتين فإن رجعت الباقية فالغرم عليه وعليهن وهو كامرأة فقد فإن مما ذكرنا أن النساء تضم للرجل في الغرم في شهادة الرضاع في حالتي رجوعه مع بعض من يستقل به الحكم ومعهن كلهن بخلاف شهادة الأموال فلا تضم له في الحالتين والفرق فإن قلت كيف يتصور غرم شهود الرضاع بالرجوع لأنهم إن شهدوا به بعد البناء فقد وجب لها به الصداق فلم يتلفوا عليه مالا وإنما تلف عليه الاستمتاع فقط وإن شهدوا به قبله فلا غرم على الزوج لأنه لا نصف لها في فسخ الرضاع قبله فالجواب أنه يتصور ذلك بعد موت الزوج أو الزوجة فيغرم الشاهدان للباقي من الزوجين ما فوتاه من الإرث ويغرمان للمرأة بعد موت الزوج ما فوتاه من الصداق إن شهدا بالرضاع قبل البناء بل وإن لم يحصل موت أحدهما فيغرمان لها نصف الصداق حيث فسخ قبله لأن من حجتها أن تقول فوتها علي بشهادتكما ثم رجوعكما قبل البناء نصف الصداق لو طلقني قبله فلها النصف ثم عاد لتقيم قوله وإن رجع أحدهما أي عن جميع الحق بدليل قوله (و) إن رجع أحدهما بعد الحكم (عن بعضه غرم نصف) ذلك (البعض) كرجوعه عن نصف ما شهد به فيغرم ربع الحق أو عن ثلثه فيغرم سدس الحق أو عن ربعه فيغرم ثمن الحق (وإن رجع) بعد الحكم (من يستقل الحكم بعدمه) كثالث ثلاثة في مال (فلا غرم) عليه لبقاء اثنين فإن رجع ثان غرم هو والأول النصف سوية (وإن رجع غيره) دفعة واحدة أو مرتبًا (فالجميع) أي جميع الراجعين يغرمون ما رجعوا عنه من يستقل الحكم بعدمه وغيره وهذا يضعف قوله أولًا كاثنتين لأنه عول هنا على من يستقل الحكم بعدمه والحكم في الرضاع

ــ

انظر ق وغ (وإن رجع غيره فالجميع) قول ز وهذا يضعف قوله أولًا كاثنتين الخ فيه نظر بل لا يضعفه ولا يقويه لأن هذا مقام وذاك مقام فلا منافاة بينهما ولا ملازمة فتأمله

ص: 379

يستقل برجل وامرأة فلو قلنا إنه معهن كاثنتين ما كان الحكم يستقل إلا برجل وامرأتين وليس كذلك ثم ذكر مسألة تتعلق بجميع ما تقدم وتعرف بمسألة غريم الغريم غريم فقال: (وللمقضيّ عليه) بمال الشخص بشهادة رجلين ورجعا قبل أن يدفعه للمقضى له (مطالبتهما) أي الشاهدين الراجعين (بالدفع) أي بأن يدفعا ما لزم برجوعهما (للمقضي له وللمقضى له) فيه إقامة الظاهر مقام المضمر (ذلك) أي الطلب المتضمن لدفعهما له (إذا تعذر) هو أي الأخذ لا الطلب إذ الطلب لا يتعذر (من المقضى عليه) لموته أو فله هربه وقضية قوله إذا تعذر أن غريم إنما يكون غريمًا إذا تعذر الأخذ من الغريم وهو خلاف ما مر في باب الصداق من قوله وإلا فالمرأة وإن قبض اتبعته أو الزوج فإن ظاهره وظاهر الشارح إنها تخير ولو كان الزوج موجودًا مليًّا للتعدي عليها وقد ينظر في هذه المسألة الظاهر الأمر لا لما في نفس الأمر إذ لو نظر له لورد أن المقضي له أن علم صدق البينة في رجوعها لم يجز له أخذ شيء منها ولا من المقضى عليه وإن علم كذبها فيه ولم يجز له أخذ شيء منها بل من المقضى عليه فقط وفي الشارح مقابلًا عن ظاهر الموازية أنه لا يلزمهما غرم اهـ.

ــ

(وللمقضي عليه مطالبتهما بالدفع الخ) هكذا في النوادر وغيرها عن ابن عبد الحكم قال ابن يونس: قال ابن عبد الحكم للمقضي عليه أن يطلب الشاهدين بالمال حتى يدفعاه عنه للمقضي له وقال أصحاب أبي حنيفة لا يحكم على الشاهدين بشيء حتى يؤدي المقضي عليه وفي هذا تعريض لبيع داره وإتلاف ماله واللذان أوجب ذلك عليه قائمان أرأيت لو حبسه القاضي في ذلك أيترك محبوسًا ولا يغرم الشاهدين بل يؤخذان بذلك حتى يخلصاه فإن لم يفعلا حبسا معه اهـ.

منه وهذه المسألة ليست من باب قولهم غريم الغريم غريم خلافًا لز بل التي بعدها كما هو ظاهر (وللمقضي له ذلك إذا تعذر من المقضيّ عليه) قال غ تبع المصنف في هذا قول ابن الحاجب وهو خلاف ما في النوادر عن الموازية أنه إذا حكم بشهادتهما ثم رجعا فهرب المقضي عليه قبل أن يؤدي وطلب المقضي له أن يأخذ الشاهدين بما كان يغرمان لغريمه لو غرم لا يلزمهما غرم حتى يغرم المقضي عليه فيغرمان له حينئذٍ ولكن ينفذ القاضي الحكم للمقضيّ عليه على الراجعين بالغرم هرب أو لم يهرب فإذا غرم أغرمهما قال ابن عرفة فقول ابن الحاجب وللمقضيّ له ذلك إذا تعذر من المقضي عليه وهم لأنه خلاف المنصوص وقال ابن عبد السلام لا أعلم من أين نقله إلا أنه يقال على هذا إذا كان الشاهدان في هذا الفرع لا يلزمهما الدفع إلا بعد غرم المقضيّ عليه فذلك مناقض لأصل المسألة أن للمقضيّ عليه أن يطالبهما بالدفع للمقضيّ له قبل غرمه فقال ابن عرفة وقفه على غرمه إنما هو في غيبته لا مع حضوره لأنه في غيبته يمكن أن يكون لو حضر أقر بالحق المشهود عليه به وإذا حضر وطلب غرمها انتفى هذا الاحتمال اهـ.

ص: 380

وتقدم اعتبار النظر لما في نفس الأمر في الرجوع عن العتق وفي بيوع الآجال ولما فرغ من الكلام على رجوع الشهود عن الشهادة تكلم على تعارض البينتين وهو اشتمال كل منهما على ما ينافي الأخرى فقال (وإن أمكن جمع بين البينتين) المتعارضتين (جمع)

ــ

وزعم المصنف في ضيح أن ما قاله ابن الحاجب هو مقتضى الفقه لأن الشهود غرماء غريمه ولعله لهذا تبعه هنا وما كان ينبغي له ذلك اهـ.

بخ من غ وبه تعلم ما في قول ز وفي الشارح ناقلًا عن ظاهر الموازية أنه لا يلزمهما غرم فتأمله (وإن أمكن جمع بين البينتين) ابن عرفة تعارض البينتين أن يشتمل كل منهما على ما ينافي الأخرى فمهما أمكن الجمع بينهما جمع كالدليلين اهـ.

ونص كلام المتيطي ومن ادعى أنه أسلم هذا الثوب في مائة أردب حنطة وقال المسلم إليه بل ثوبين غيره في مائة أردب من حنطة وأقام كل واحد منهما بينة على دعواه كانت الثلاثة الأثواب في المائتين لأن بينة كل واحد منهما شهدت على غير ما شهدت به بينة الآخر قال ابن عبدوس هذا إن كان ذلك في مجلسين وأما إن كان في مجلس واحد فهو تكاذب وقال بعض القرويين سواء كان ذلك في مجلس واحد أو في مجلسين لأن كل بينة أثبتت حكمًا غير ما أثبتت صاحبتها ولا قول لمن نفى ما أثبته غيره ولو لم يقيما بينة لتحالفا وتفاسخا ومن أقام بينة على أنه أسلم هذا العبد في مائة أردب حنطة وأقام البائع بينة على أن ذلك العبد وثوبًا معه في المائة الأردب فقال ابن القاسم أن العبد والثوب يكونان في المائة ويقبل قول البائع لأن بينته شهدت بالأكثر اهـ.

والمسألتان معًا في المدونة قال ابن عرفة ولابن رشد في سماع يحيى أن شهدت إحدى البينتين بخلاف ما شهدت به الأخرى مثل أن تشهد إحداهما بعتق والثانية بطلاق أو إحداهما بطلاق امرأة والثانية بطلاق امرأة أخرى وشبه هذا فلم يختلف قول ابن القاسم ورواية المصريين في أنه تهاتر يحكم فيه بأعدل البينتين فإن تكافأتا سقطتا وروى المدنيون أنه يقضي بهما معًا إذا استوتا في العدالة أو كانت إحداهما أعدل ثم قال ابن عرفة وقول ابن الحاجب ومهما أمكن الجمع جمع يدل على أنه إن شهدت إحداهما بأنه طلق الكبرى والأخرى بأنه إنما طلق الصغرى أنه يجمع بينهما وتقدم من نقل ابن رشد رحمه الله أنه خلاف قول ابن القاسم ورواية المصريين اهـ.

قال ح: وفي كلامه نظر من وجهين: الأول: أن ما لزم ابن الحاجب لزمه لأنه صدر في أول كلامه بمثل ما قال ابن الحاجب كما تقدم عنه. الثاني: أن ما نقله عن ابن رشد لا يمكن الجمع فيه لأن فرض المسألة أن البينتين في مجلس واحد وكل واحدة تنفي أن يكون تكلم بغير ما شهدت به ويتبين ذلك بنقل المسألة بلفظها ونقل سماع يحيى فانظره وبه يتبين لك أن الجمع بين البينتين مقيد بكون شهادتهما في مجلسين لا في مجلس واحد وأن به يسقط اعتراض ابن عرفة على ابن الحاجب الذي عبارته كعبارة المصنف والله تعالى أعلم

ص: 381

الممكن جمعه فالضمير عائد على ما يفهم من أمكن ذكره د مثال الممكن جمعه قولها من قال لرجل أسلمت إليك هذا الثوب في مائة أردب حنطة وقال الآخر بل هذين الثوبين سواه في مائة أردب حنطة وأقاما جميعًا البينة لزمه أخذ الثلاثة الأثواب في مائتي أردب ذكره د وتت وق أي ويحملان على أنهما سلمان فقول المصنف جمع أي وجب العمل بمقتضى كل من الشهادتين فإن قلت المسلم إنما يدعي مائة في مقابلة ثوب معين والمسلم إليه إنما يدعي ثوبين معينين غير التي عينها المسلم وهذا يتضمن دخول مال في ملك شخص جبرًا عليه بغير ميراث والجواب أنه لما كانت شهادة كل من البينتين معمولًا بها فكأن كل واحد ادعى ما أنكره أو أنه لما كان ينكر دخوله في ملكه هنا في مقابلة عوض لزمه قبوله لئلا يؤدي إلى إبطال حق من له عوضه عن العوض.

تنبيه: فهم شيخنا ق أن قول د جمع الممكن جمعه فالضمير عائد على ما يفهم من أمكن إشارة إلى اتحاد الشرط والجزاء فقال قوله وإن أمكن جمع بين البينتين أي عقلًا وقوله جمع أي بينهما بالفعل أي عمل به وصير إليه وكلام د لاحاجة إليه إلا إذا اتحد الشرط والجزاء نحو إن قام زيد قام زيد وفرض المسألة هنا اختلافهما لأن الشرط أمكن والجزاء جمع فكلام المصنف في غاية الحسن اهـ.

(وإلا) يمكن الجمع بين البينتين (رجح) أي صير إلى الترجيح بينهما (بسبب) أي بذكر سبب (ملك) فتقدم ذات سببه على من شهدت بالملك المطلق فكل واحدة منهما شهدت بالملك وزدات واحدة معينة منهما سبب الملك وحل الشارح بأن شهدت بالملك

ــ

وقول ز فهم شيخنا ق أن قول د إشارة الخ ما فهمه شيخه غير صواب وليس هو مراد د والله أعلم. (وإلا رجح بسبب ملك) ما قرره به ز من أن المراد شهادة إحداهما بالملك والسبب معًا والأخرى بالملك المطلق تبع فيه غ قائلًا بنحو هذا فسر ابن عبد السلام كلام ابن الحاجب وقال في ضيح كما لو شهدت إحداهما أنه صادها أو نتجت عنده وشهدت الأخرى بالملك المطلق لقدمت من شهدت بسبب الملك اهـ.

والأول هو الذي في المدونة وهو متفق عليه وما في ضيح به قرر الشارح في صغيره قال طفى: والمسألة ذات خلاف والمعتمد ما عليه الشارح تبعًا لضيح قال اللخمي قال أشهب فيمن أقام بينة في أمة بيد رجل أنها ولدت عنده لا يقضي له بها حتى يقولوا كان يملكها لا نعلم لغيره فيها حقًّا وقد يولد في يده ما هو لغيره اللخمي وقول ابن القاسم أنها لمن ولدت عنده أصوب وتحمل الأم على أنها كانت له حتى يثبت أنها وديعة أو غصب اهـ.

ونقل ابن عرفة كلام اللخمي وأقره ولما نقل في توضيحه قول أشهب هذا قال وخالفه التونسي قال طفى: فظهر لك أن المعتمد ما عليه الشارح وهو مراد المصنف وإلا لقال ورجح بسبب ملك معه وما أدري ما الحامل لغ على مخالفته للشارح مع أنه نقل كلام

ص: 382

فتقدم على الأخرى الشاهدة بسببه بعيد من لفظ المصنف وإن كان صحيحًا في نفسه فليس حلًا لصورة المسألة (كنسخ ونتاج) مثالان لسبب الملك أي شهدت بينة أنه ملك لزيد وأخرى أنه ملك لعمرو ونسجه أو نتج عنده أو نسخ الكتاب أو اصطاد ما يصاد أو نحو ذلك فتقدم بينة سبب الملك على الشاهدة بالملك المطلق وهذه لا تقييد فيها بخلاف ما لو شهدت بينة بملك لزيد وأخرى بنسخ عمرو أو نتجت عنده من غير ذكر ملك فتقدم بينة السبب بقيدين أحدهما أن يكون الناسخ أو الناسخ لكتاب ينسج وينسخ لنفسه وأما من انتصب للناس فلا ينتفع بالشهادة له بالنسخ وإنما يقضي له على من شهد له بالملك بقيمة عمله بعد حلفه أنه ما عمله باطلًا وليس حلفه المذكور تكذيبًا لما ادعاه أولًا كما لا يخفى ثانيهما في النسخ أن لا يمكن إعادته أن ينسج مرتين فإن أمكن كثياب الصوف فتقدم بينة الملك لأنه لم يتحقق أن هذا النسج بعينه هو نسج من شهدت له به واستثنى من قوله بسبب ملك قوله (إلا) أن تشهد بينة (بملك) أي إلا أن يكون سبب الملك أنه اشتراها (من المقاسم) أو وقعت في سهمه منها فتقدم على الشاهدة لغيره بالملك وسببه كولادة عنده أو نتاج ولو كانت بيده أو أرخت بينته أو تقدمت تاريخًا ولو قال من كالمقاسم كان أشمل ليشمل كل سبب يجامع السبب الأول وكان الأولى أيضًا أن يقول إلا بأنه اشتراها من كالمقاسم لأن الشهادة بالملك من المقاسم لا تشترط واحترز بقوله من المقاسم عن شهادتها أنه اشتراها من السوق أو وهبت له تصدق بها عليه فلا تقدم على بينة الآخر لأن البائع في السوق والواهب والمتصدق قد

ــ

اللخميّ وما ذكره في توضيحه من مخالفة التونسي لا مستند له إلا تفسير ابن عبد السلام وقد علمت ضعفه بضعف ما ابتنى عليه اهـ.

كلام طفى قلت ما ذكره غير صحيح والصواب ما لغ ولا دليل له في كلام اللخمي لأنه إنما يفيد الخلاف في أن بينة السبب بمجردها هل تفيد الملك فتقدم على الحوز وهو قول ابن القاسم أولًا تفيده فلا ينزع بها من يد الحائز وهو قول أشهب وليس في ذلك ما يدل على أن بينة السبب تقدم على بينة الملك كما ادعاه طفى تبعًا للشارح وضيح ولعل ذلك هو الحامل لغ على تقريره والله أعلم وما نقله ز عن الشارح من تقديم بينة الملك على بينة السبب هو للشارح في كبيره عكس ما تقدم عن صغيره وهو بعيد من المصنف كما قال (إلا بملك من المقاسم) في المدونة قال ابن القاسم في دابة ادعاها رجلان وليست بيد أحدهما فأقام أحدهما البينة أنها نتجت عنده وأقام الآخر البينة أنه اشتراها من المقاسم فهي لمن اشتراها من المقاسم بخلاف من اشتراها من سوق المسلمين لأن هذه تغصب وتسرق ولا تحاز على الناتج إلا يأمر يثبت وأمر المغنم قد استقر أنها خرجت عن ملكه بحيازة المشركين ولو وجدت في يد من نتجت عنده وأقام هذا البينة بأنه اشتراها من المغانم أخذها منه أيضًا وكان أولى بها إلا أن يشاء أن يدفع إليه ما اشتراها به ويأخذها وقال

ص: 383

يكون غير مالك (أو تاريخ) ذكرته بينة فتقدم على التي لم تؤرخ (أو تقدمه) أي التاريخ فتقدم الشاهدة بسبقه على المتأخرة تاريخًا ولو كانت أعدل من المتقدمة وسواء كان المتنازع فيه بيد أحدهما أو بيدهما أو بيد غيرهما أو لا يد لأحد عليه ذكره ولد ابن عاصم في المؤرخة ولعل تقدم التاريخ كذلك انظر د (و) رجح (بمزيد عدالة) في إحدى البيتين بمال كقيام أحدهما بينة إنه ملكه والآخر كذلك وزادت إحداهما عدالة فتقدم على الأخرى ويحلف مقيمها بناء على أن زيادتها كشاهد وفي الموازية لا يمين عليه بناء على أن الزيادة كشاهدين ومثل المال ما يؤول إليه كقصاص في جرح وأما مزيدها في المزكيين للبينة فإنه غير معتبر عند ابن القاسم وهو المشهور كما إنه لا يعتبر مزيدها نفسها في النكاح كما قدمه فيه بقوله: وأعدلية متناقضتين ملغاة ولو صدقتها المرأة اهـ.

ــ

سحنون انظر ق (أو تاريخ) ابن الحاجب وفي مجرد التاريخ قولان ضيح القول بتقديم المؤرخة لأشهب زاد إلا أن يكون في شهادة التي لم تؤرخ أن الحاكم قضى بهذا العبد لمن شهدت له والقول بنفي التقديم ذكره اللخمي والمازري ولم يعزواه اهـ.

(أو تقدمه) لا يقال كان الأولى تقديم حديثه التاريخ لأنها ناقلة لأنا نقول شرط الترجيح بالنقل أن تكون شهادته مشتملة على ذكر سبب النقل وهنا إنما شهدتا بالملك غير أن إحداهما قالت ملكه منذ عامين والأخرى قالت ملكه منذ عام واحد والأصل الاستصحاب وقول ز ذكره ولد ابن عاصم في المؤرخة ولعل تقديم التاريخ كذلك الخ فيه نظر إذ هذا الكلام أصله للخمي وهو إنما ذكره في تقدم التاريخ لا في المؤرخة ونقله عنه ولد ابن عاصم وق ونصه اللخمي أن أرختا قضى بالأقدم وإن كانت الأخرى أعدل وسواء كانت تحت يد أحدهما أو تحت أيديهما أو تحت يد ثالث أو لا يد عليها اهـ.

ففي ترجي ز تبعًا لد قصور (وبمزيد عدالة) وقول ز بمال ومثل المال ما يؤول إليه الخ أفاد به أن الترجيح بزيادة العدالة خاصة بالأموال ونحوها من كل ما يثبت بالشاهد واليمين دون غيرها مما لا يثبت إلا بعدلين كالعتق والنكاح والطلاق والحدود ونحوها فلا يقع الترجيح في شيء من ذلك بمزيد العادلة لأنها بمنزلة الشاهد الواحد على المشهور وهو مذهب المدونة كما يفيده قول ابن عرفة ما نصه الصقلي قال بعض القرويين: اختلف إذا كانت إحدى البينتين أعدل هل يحلف صاحب الأعدل ففي المدونة أنه يحلف وأما على مقابله أنها كالشاهدين فيثبت الترجيح بها في كل شيء وهو الموافق لما تقدم من سماع يحيى عند قوله وإن أمكن جمع بين بينتين جمع على أن ما ذكر ليس خاصًّا بزيادة العدالة بل سائر المرجحات كذلك لا يثبت الترجيح بها إلا في الأموال ونحوها كما يفيده كلام القرافي ونقله ابن فرحون في الباب الرابع والعشرين من القسم الثاني من التبصرة ونصه حكى القرافي في كتاب الأحكام في تمييز الفتاوى من الأحكام أن مذهب المالكية أنه لا

ص: 384

وينبغي أن تكون بقية المرجحات كذلك (لا) ترجيح بمزيد (عدد) في إحدى البينتين قال: فيها لو كانت إحداهما رجلين أو رجلًا وامرأتين فيما تجوز فيه شهادة النساء والأخرى مائة لا ترجح المائة وحمله اللخمي والمازري على المبالغة ولعله لو كثروا حتى بلغ العلم بهم لقضي بهم لأن شهادة الاثنين إنما تفيد غلبة الظن قاله الشارح وفرق القرافي للمشهور بين زيادة العدد والعدالة بأن القصد من القضاء قطع النزاع ومزيد العدالة أقوى في التعذر من زيادة العدد إذ كل واحد من الخصمين يمكنه زيادة عدد الشهود بخلاف العدالة (و) رجح (بشاهدين) من جانب (على شاهد ويمين) من جانب آخر ولو كان أعدل أهل زمانه كما في ق إذ من العلماء من لا يرى الحكم بشاهد ويمين (أو) على شاهد و (امرأتين) لقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] فجعل في الآية مرتبتهم عند عدم الشاهدين ما لم يكن الشاهد الذي معهما أعدل من الشاهدين فيقدم هو والمرأتان على الشاهدين وأولى إن كانت أعدل كالشاهد معهما وأما إن كانتا أعدل دونه فيقدم الشاهدان (و) الترجيح يكون أيضًا (بيد) أي كون الشيء دارًا أو عرضًا أو نقدًا أو نحو ذلك في حوزه مع تساوي البينتين في الشهادة بالملك لما لم يعرف أصله وهذا يقتضي أن بينة الداخل مقدمة على بينة الخارج كمذهب الشافعي (إن لم ترجح بينة مقابله) وكون الحوز مع الشرط مرجحًا تجوز لأنه لما تعادات البينتان وتساقطنا بقي بيد حائزه كما يأتي للمصنف كذا اعترض ابن عبد السلام على ابن الحاجب المماثل لعبارة المصنف قال: وكان المصنف أتى بها لمناسبتها لما قبلها في مطلق الترجيح انظر د (فيحلف) ذو اليد مع الشرط المذكور ومفهومه لو رجحت بينة مقابله بأي مرجح نزع من ذي اليد ويحلف آخذه فهو مفرع على المنطوق والمفهوم معًا وقولي لما لم يعرف أصله احتراز عما عرف أصله فإنه يقسم بين ذي اليد ومقابله كما إذا مات شخص وأخذ ماله من أقام بينة إنه وارثه أو مولاه وأقام غيره بينة أنه وارثه أو مولاه وتعادلنا فإنه يقسم بينهما كما في طخ عن المدوّنة ويدل على قولنا مع تساوي البينتين في الشهادة بالملك قوله: (و) الترجيح

ــ

يحكم بترجيح إحدى البينتين عند التعارض إلا في الأموال خاصة وبه تعلم أن قول ز وينبغي أن تكون بقية المرجحات كذلك قصور (أو امرأتين) ما ذكره المصنف في هذا هو قول أشهب وأحد قولي ابن القاسم قال في التبصرة يقدم الشاهد أن على الشاهد والمرأتين إذا استووا في العدالة قاله أشهب وقال ابن القاسم لا يقدمان ثم رجع ابن القاسم إلى قول أشهب اهـ.

وكلام ابن الحاجب يقتضي أن ابن القاسم كان يقول بقول أشهب ثم رجع عنه إلى عدم الترجيح عكس ما نقل في التبصرة قال في ضيح والأظهر الترجيح (وبالملك على

ص: 385

يكون بالبينة الشاهدة (بالملك) مع اعتمادها على حوز سابق (على الحوز) أي على البينة الشاهدة بالحوز الآن المجرد عن شهادة ملك ولو كان تاريخ الحوز سابقًا لأن الحوز قد يكون عن ملك وعن غيره فهو أعم والملك أخص والأعم لا يدل على الأخص وبما قررنا علم أن هنا بينتين تعارضتا وبينة الملك تعتمد على الحوز أيضًا بقوله: فيما يأتي وصحة الملك بالتصرف وعدم منازع وحوز طال كعشرة أشهر وموضوعها كما في من أن بينته أقيمت قبل الحيازة المعتبرة وهي العشر سنين بقيودها الآتية فلا ينافي قوله: فيها لم تسمع ولا بينته ثم كون هذا مما اعتبر فيه الترجيح تجوز إذ الترجيح إنما يكون عند التعارض ولا تعارض بين قاطع وظني وما يشبه القاطع كالقاطع (و) يرجح (بنقل) أي البينة الناقلة عن أصل (على) بينة (مستصحبة) له ولو شهدت بالملك وسببه كان تشهد إنه أنشأها ولا يعلمونها خرجت عن ملكه إلى الآن وتشهد الناقلة لآخر أنه اشتراها منه فتقدم لأنها علمت ما لم تعلمه المستصحبة والظاهر عدم التعارض بين هاتين البينتين فليس هذا من باب الترجيح قاله الشارح أي لأن قول إحداهما لا يعلمونها خرجت عن ملكه لا يقتضي عدم الخروج لأنه يفيد نقي العلم بالخروج لا نفي الخروج نعم لو شهدت المستصحبة بأنها باقية في ملكه إلى الآن أو أنها لا تنتقل عن ملكه إلى الآن فالمعارضة بينها وبين الناقلة ظاهرة واعلم أن الناقلة في الصورة الأولى تقدم ولو كانت رجلًا وامرأتين أو رجلًا ويمينًا وأما في الصورة الثانية فإنما تقدم حيث كانت رجلين فإن كانت رجلًا وامرأتين قدم عليها الرجلان الشاهدان بالاستصحاب إلا لمرجح آخر كمزيد عدالة وانظر الترجيح بالتاريخ ثم الناقلة تقدم على المستصحبة ولو كانت الناقلة سماعًا كما تقدم في قوله: إلا بسماع إنه اشتراها من كأبي القائم ومن تقديم الناقلة على

ــ

الحوز) قول ز ولا تعارض بين قاطع وظني الخ صوابه لا تعارض بين الملك والحوز إذ كل منهما ظني (وينقل على مستصحبة) قول ز نعم لو شهدت المستصحبة بأنها باقية في ملكه إلى الآن الخ سيأتي قريبًا أن الراجح في هذه الشهادة أنها باطلة لأنها لم تشهد على نفي العلم.

تنبيه: بقي من المرجحات الأصالة تقدم على الفرعية فإذا شهدت إحدى البينتين أنه أوصى وهو صحيح العقل وشهدت الأخرى أنه أوصى وهو موسوس فقال ابن القاسم في العتبية تقدم بينة الصحة لأنها الأصل والغالب قال في الفائق من نظائر هذه المسألة بينتا الطوع والإكراه والصحة والفساد والرشد والسفه والعسر واليسر والعدالة والجرحة والحرية والرق والكفاءة وعدمها والبلوغ وعدمه وقوله من نظائر هذه المسألة أي مسألة الترجيح لا يقيد الأصالة وقوله بيتنا الطوع والإكراه أي فتقدم بينة الإكراه على الطوع وكذا كل ضرر لأن كل من أثبت قد زاد كما صححه ابن رشد وابن الحاج ونقله في نوازل الاستحقاق من المعيار وقوله والرشد والسفه أي فتقدم بينه السفه كما نقله صاحب المعيار في نوازل

ص: 386

المستصحية تقديم الشاهدة إنه اشتراها من المقاسم على الشاهدة بالملك وسببه ومنه أيضًا تقديم لبينة بالتنصر كرهًا لأنها ناقلة على البينة بإقراره بالطوع لأن الأصل أنه إن تنصر أسير فعلى الطوع كما قال المصنف: كما تقدم في الفقد وكتقديم البينة الشاهدة بالإكراه في غير ذلك على الشاهدة بالاختيار وكذا كل ضرر لأن من أثبت قد زاد علمًا ثم شرع في شروط صحة الشهادة بالملك وهي أربعة ولم يؤخر قوله: وبالملك على الحوز عن قوله: وبنقل ليتصل بما هذا لأنه لو أخره لتوهم إن ما هنا خاص ببينة ملك مع بينة حوز مع أنه فيه وفي بينة الملك من الجانبين فقال (وصحة) شهادة بينة (الملك) لشخص حي أو ميت ثابتة (بالتصرف) أي إن يشهدوا بتصرفه فيه تصرفًا تامًّا والمراد بالصحة الاعتماد والباء بمعنى على أي اعتمدت البينة بالملك على التصرف (و) على (عدم منازع) فيه (و) على (حوز طال) على هذه الحال (كعشرة أشهر) الكاف استقصائية

ــ

الحجر عن ابن لب وكذا مراده تقديم اليسار لأنه الغالب وكذا تقديم الجرحة (وصحة الملك بالتصرف) ابن عرفة الملك استحقاق التصرف في الشيء بكل أمر جائز فعلًا أو حكمًا لا بنيابة فيدخل ملك الصبي ونحوه لاستحقاقهما ذلك حكمًا ويخرج تصرف الوصي والوكيل وذي الأمرة (وحوز طال كعشرة أشهر) ما نقله ق هنا على هذا النص لا يطابقه إنما يطابقه قول المصنف الآتي وإنما تفترق الدار من غيرها في الأجنبى ففي الدابة الخ وقول ز فلا يلزمها ذكره هو مفاد أبي الحسن الخ ظاهره أن أبا الحسن أطلق عدم لزوم ذكرها وليس كذلك بل قيده بمن يعرف ما تصح به الشهادة بالملك وإلا لزمه ذكرها قال أبو الحسن في نوازله ما نصه وأما الشاهد بمعرفة الملك فإن عرف خمسة أشياء ساغ له أن يشهد بالملك وإلا فلا فإن كان الشاهد يعرف ما تصح به الشهادة بالملك قبل منه إطلاق معرفة الملك وقليل ما هم وإلا فلا حتى يفسر الخمسة أشياء أن يعرف الشاهد لمدعي الملك كون يده على ما يدعي وأنه يعرف تصرفه تصرف المالك وأنه ينسبه لنفسه وأنه لا ينازعه فيه منازع وأن تطول مدة ذلك عامًا فأكثر وفي المدونة ما يقوم منه أن عشرة أشهر طول هذا الذي يشترط في الشهادة بالملك لا غير اهـ.

بلفظه قال ابن هلال في شرحه الدر النثير وقول الشيخ رحمه الله تعالى لا يسوغ للشاهد أن يشهد بالملك حتى يعرف الخمسة الأشياء التي ذكر أشار إليها المازري رحمه الله فقال لا نبيح للشاهد أن يشهد بالملك بمجرد مشاهدته شخصًا باع سلعة من الآخر لأنه قد يبيعها غاصب ومودع ومن لا يجوز له البيع ولكن حقيقة الشهادة به يستدل عليها بالحوز ووضع اليد على الشيء والتصرف فيه تصرف المالك مع دعوى الملك وإضافته إلى نفسه وطول الزمن ولا يظهر من ينازعه في ذلك فإذا شهد بأن هذه الدار لفلان وعوّل على ما أطلق من الشهادة بالملك على معرفة هذه الأمور قبلت شهادته وإن أطلق الشهادة ولم يضفها إلى هذه الأمور لم تقبل إلا إن كان عارفًا قال وإلى هذا أشار سحنون وغيره من أصحابنا انتهى.

ص: 387

كما تفيده المدونة وقيل وزيادة شهرين وما قدمنا من أنها تعتمد على ذلك في الشروط الثلاثة المتقدمة فلا يلزمها ذكره هو مفاد أبي الحسن ومق وحلولو وفي النوادر ما ظاهره خلافه ودرج عليه تت ولكن لا يعول عليه وأما قوله في الشرط الرابع (وإنها) فمعمول لمقدر أي وتقول أو تؤدي إنها (لم تخرج عن ملكه في علمهم) ببيع أو هبة أو وجه من الوجوه إلى الآن فإن قالوا إنها لم تخرج عن ملكه قطعًا بطلت شهادتهم فإن أطلقوا ففيه خلاف فإن أبوا أن يقولوا ما علمناه باع ولا وهب فشهادتهم باطلة هذا بناء على أن

ــ

بلفظه وذكر أيضًا أبو الحسن في شرح المدونة الشروط الخمسة ونقلها عن المازري فانظره والله أعلم.

تنبيه: قال ابن عرفة وفي لغو شهادة الشاهد في دار بأنها ملك فلان حتى يقول ومال من ماله وقبولها مطلقًا ثالثها إن كان الشهود لهم نباهة ويقظة الأول لابن سهل عن ابن مالك قائلًا شاهدت القضاء به والثاني لابن المطرف والثالث لابن عتاب انتهى.

(وإنها لم تخرج عن ملكه في علمهم) هذا ما في كتاب الشهادات من المدونة ففيها من تمام شهادتهم أن يقولوا ما علمناه باع ولا وهب ولا خرج عن ملكه ثم لا يقضي له بذلك حتى يحلف على البت أنه ما باع ولا وهب ولا خرج عن ملكه بوجه من الوجوه وفي العارية منها وأن شهدوا أن الدار له ولم يقولوا نعلم أنه ما باع ولا وهب ولا تصدق حلف على ذلك وقضى له انتهى.

فظاهر هذا أنه شرط كمال فقط وحمل أبو الحسن وأبو إبراهيم الأعرج ما في الشهادات على هذا وإليه أشار المصنف بقوله: وتؤولت على الكمال في الأخير وعزاه ابن عرفة لنص عارية المدونة ولظاهر قول ابن يونس وابن رشد قال وكان ابن عبد السلام وابن هارون يحملان المدونة على قولين وهو ظاهر نقل ابن عات في الطرر عن ابن سهل والأظهر أن ما في العارية تفسير انتهى.

ابن ناجي وقال ابن العطار هو شرط كمال في وثيقة الحي وشرط صحة في وثيقة الميت إذا أثبت الورثة الملك له وبه العمل اهـ.

وجعله أبو الحسن تقييدًا كما في ح وبه تعلم أن قول ح عن أبي الحسن إلا أن تكون الشهادة على الميت فذلك شرط صحة انتهى.

ونحوه في ضيح والشارح صوابه لميت باللام وهو الذي في أبي الحسن وغيره انظر طفى وقول ز فإن قالوا قطعًا بطلت شهادتهم أي إذا صرحوا بالقطع بطلت شهادتهم قال ابن رشد قولًا واحدًا وإن لم يصرحوا به ولكن جزموا بشهادتهم فهي محل الخلاف انظر ابن سلمون وقول ز فإن أبوا أن يقولوا ما علمناه باع الخ هذا الكلام نسبه ابن عرفة وغيره لابن القاسم وظاهر تت ومن تبعه أنه من كلام المدونة قال طفى: وليس كذلك إذ لم يكن فيها ولو كان فيها ما تأتي التوفيق وإنما هو لابن القاسم في غير المدونة ونقل عن ابن يونس ما

ص: 388

قولهم ذلك شرط صحة كما صدر به المصنف وهو المذهب دون قوله: (وتؤوّلت على الكمال في الأخير) وعليه فإن لم تذكره حلف المشهود له بتًّا وورثته على العلم إنه ما باع ولا وهب ولا تصدق ولا خرج عن ملكه بناقل وتمت شهادتهم وأخرج من قوله وصحة الملك بالتصرف كما في تت أو عطف على قوله: بالتصرف كما في غ قوله: (لا بالاشتراء) من سوق أي أقام بينة إنه اشتراها منه وأقام آخر بينة إنها له فتقدم على بينة الاشتراء لأنه قد يبيعها من لا يملكها ومثل الشراء الإرث والهبة والصدقة لاحتمال عدم ملك كل وهذا مقيد بغير ما تحقق إن كلا ممن ذكر غنمه وبغير ما شهدت بينة إنه اشتراه من الخصم وإلا عمل بها لأنها ناقلة والأخرى مستصحبة كما مر وذكر ما هو كالمستثنى من قوله: وإنها لم تخرج عن ملكه فقال: (وإن شهد بإقرار) أي شهدت بينة لأحد المتنازعين في شيء بأن الآخر أقر به قبل هذا الوقت لمن ينازعه فيه الآن مدعيًا الملكية وأنكر إقراره قبل هذا الوقت (استصحب) هذا الإقرار فلا يحتاج لزيادة وإنها لم تخرج عن ملكه في علمهم لأن الخصم لما أقر لخصمه ثبت له ذلك فلا يصح لذلك المقر دعوى الملك فيه إلا بإثبات انتقاله إليه ثانية وانظر في المنازعة بين ورثة المقر وبين المشهود له بالإقرار هل هي كذلك فتكفي شهادة البينة بإقرار أبيهم ولا يحتاج لزيادة إنها لم تخرج عن ملكه في علمهم أو لا بدّ من الزيادة المذكورة لانقطاع ملك المقر بموته وترك المصنف مما تعتمد عليه بينة الملك خامسًا وهو نسبة الشيء المشهود به له مع إنه لا بدّ منه كما في أبي الحسن (وإن تعذر ترجيح) لإحدى بينتين متعارضتين على الأخرى بوجه من الوجوه المتقدمة (سقطتا وبقي) أي استمر المتنازع فيه (بيد حائزه)

ــ

يفيد ذلك قلت ويفيده أيضًا نقل ابن عرفة (لا بالاشتراء) بعد أن قرر غ كلام المصنف بمثل ما في ز قال: ولو قال لا باشتراء منه لأمكن أن يعود الضمير على الخصم وأن يكون المعنى أن شهود الملك لا يحتاجون إلى أن يقولوا إنه لم يخرج من ملكه في علمهم إذا شهدوا أنه اشتراه من خصمه بل يحكم بالاستصحاب ولا يقبل قول الخصم أنه عاد إليه كما ذكر ابن شاس وأتباعه وإن لم يعرفه ابن عرفة نصًّا في المذهب وعلى هذا فيكون من نوع قوله بعده وإن شهد بإقرار استصحب اهـ.

قال طفى: وبه يلتئم كلام المصنف مع ما قبله وغايته أنه حذف لفظة منه والخطب سهل (وإن شهد بإقرار استصحب) ابن شاس لو شهدت أنه أقر له بالأمس ثبت الإقرار ويستصحب موجبه ابن عرفة لا أعرف هذا اهـ.

وهو ظاهر لاحتمال أنه خرج عن ملكه بوجه من الوجوه وقول ز وانظر في المنازعة بين ورثة المقر الخ الظاهر أنه لا فرق بين المقر وورثته في ذلك (وبقي بيد حائزه) قول ز وإلا قسم بين حائزه والمدعي غيره الخ هذا لا يأتي على فرضه أن الشيء بيد غير المتنازعين وقول ز كمن أخذ مالًا بالولاء الخ قال ابن عرفة رحمه الله وفي الولاء منها من

ص: 389

غير المتنازعين وفهم الشارحان أنه أحدهما وفيه نظر إذ لو كان بيد أحدهما لم يتأت قوله: تعذر ترجيح لحصوله باليد وأيضًا يتكرر مع قوله: قبل وبيد أن لا ترجح بينة مقابله بل يناقضه وقول البساطي ذكره ليرتب عليه ما بعده أي قوله: أو لمن الخ بعيد وقوله: وبقي بيد حائزه إلى قوله وقسم على الدعوى من تتمة قوله: سقطتا وهو مقيد بمال لم يعلم أصله وإلا قسم بين حائزه والمدعي غيره كما في الأم كمن أخذ مالًا بالولاء ببينة ثم أتى آخر وأقام بينة من الولاء له وتكافأتا فبينهما كما تقدم وقيل هو لمن هو في حوزه فقط كمن بيده ثوب ادعى إنه اشتراه من فلان وادعى الآخر إنه اشتراه من فلان المذكور وأقام كل بينة على دعواه وتكافأتا وقد يجاب بأنه في الأولى عرف أصله بالبينتين وغيرهما وفي الثانية لم يعرف إلا بالبينتين فقط وهذا واضح إن مات فلان أو غاب فإن حضر فانظر هل تعيينه المبيع له مرجح لبينته أم لا وعطف على بيد قوله: (أو) بقي بمعنى صار (لمن يقر) الحائز (له) من المتنازعين المقيم كل بينة وتعذر الترجيح فإقرار من هو بيده لأحد مقيمي البينة كأنه ترجيح لبينته لا إن أقر به لغيرهما فلا يعمل بإقراره على الراجح ثم إذا أقر به لأحد مقيمي البينة فيأخذه لكن بيمين لضعف

ــ

ورث رجلًا بولاء يدعيه ثم أقام آخر البينة أنه مولاه وأقام قابض الميراث مثلها وتكافأ فالمال بينهما قيل ولم وقد قال مالك رحمه الله إذا تكافأت البينتان فالمال للذي هو بيده قال إنما ذلك إذا لم يعرف أصل المال وهذا مال عرف أصله وقال غيره هو للذي هو بيده كمن بيده ثوب ادعاه رجل وأقام بينة أن ذلك الثوب كان لزيد يملكه وأن المدعي اشتراه منه وأقام حائزه بينة مثلها ومات البائع ولم تؤرخ البينتان وهما في العدالة سواء سقطت البينتان وبقي الثوب لحائزه ويحلف الصقلي مسألة الولاء بخلاف هذه لأن الولاء لم يحزه أحدهما وإنما وقع الحوز في مال عرف أصله وعبر عنه المازري بقوله إن عرف مبدأ حوزه ففي الترجيح به قولان اهـ.

قلت ما أفاده كلام المازري من شمول القولين للمسألتين أظهر من تفريق ابن يونس بينهما وبذلك كله تعلم ما في كلام ز والله أعلم (أو لمن يقر له) اعلم أنه إذا كان الشيء بيد أحدهما فظاهر حكمه مما تقدم وإذا كان بيد غيرهما فحاصل ما ذكره ز وغيره في ذلك من الصور ثمان لأن من هو بيده تارة يدعيه لنفسه وتارة يقربه لأحدهما وتارة لغيرهما وتارة لا يدعيه لأحد وفي كل من الأربع فتارة تقوم لكل من المتنازعين بينة وتسقط البينتان بعد الترجيح وتارة لا تقوم لواحد منهما بينة فهذه ثمان صور ففي صور البينة إن ادعاه لنفسه وسقطت البينتان وحلف وبقي بيده كما في المتن وهو قول المدونة وقيل ينزع منه ويقسم بين المتنازعين وإن أقر به لأحدهما فهو للمقر له بيمينه كما في المتن وهو مذهب المدونة أيضًا وقيل إقراره لغو ويقتسمانه قاله ابن عرفة وإن أقر به لغيرهما أو سكت لم يلتفت إليه وقسم بينهما ويدخلان في قول المصنف وقسم على الدعوى وفي صور عدم البينة إن ادعاه لنفسه حلف وبقي بيده وإن أقر به لأحدهما أو لغيرهما أخذه المقر له بلا يمين لقوة الإقرار

ص: 390

إقراره بوجود البينتين المتساويتين قال د الإقرار المذكور ليس من باب الشهادة لما تقدم من أن العدد الزائد غير معتبر في كونه مرجحًا بل من باب الأخبار انتهى.

أي ويشعر بذلك قول المصنف يقر دون يشهد وأما أن تجردت دعوى كل عن بينة فيعمل بإقراره ولو لغيرهما ويأخذه المقر له من المتنازعين أو غيرهما بلا يمين لقوة إقراره حين عدم البينتين فإن لم يقر به لأحد وادعاه لنفسه حلف وبقي له فإن لم يكن بيده أو لم يدعه دخل في قوله: (وقسم) الشيء المتنازع فيه بعد إيمانهما (على) قدر (الدعوى) لا نصفين كما يقول أشهب وقوله: الآتي كالعول أي لا على التسليم أي من سلم له شيء من المتنازعين أخذه والمنازعة كما يقول ابن القاسم كذا للوالد وفيه ردّ

ــ

هنا وضعفه مع البينة فلذا حلف معها ولم يحلف هنا وإن سكت أو قال لا أدري قسم على الدعوى (وقسم على الدعوى) قول ز بعد إيمانهما الخ لم يذكر من يبدأ منهما باليمين وفيه خلاف ابن عرفة الأظهر تبدئة آخرهما دعوى على صاحبه لأنه الأول من المدعى عليه منهما انتهى.

ثم القسم إنما يكون بعد الاستيناء كثيرًا إن كان مثل الدور والأرضين وقليلًا إن كان مثل الحيوان والرقيق والعروض والطعام لعل أن يأتي أحدهما بأثبت مما أتى به صاحبه فيقضي له به وقول ز لا نصفين كما يقول أشهب وكذا قوله لا على الدعوى والمنازعة كما يقول ابن القاسم الخ ظاهره أن هذا الخلاف في القسم مطلقًا وليس كذلك بل محله فيما كان بأيديهما وأما قسم ما ليس بأيديهما فعلى قدر الدعوى اتفاقًا قال ابن الحاجب ويقسم إن لم يكن في أيديهما بعد إيمانهما على قدر الدعاوى اتفاقًا وإن كان في أيديهما فقيل على الدعاوى وقيل نصفين اهـ.

ضيح قال مالك وابن القاسم وعبد الملك وغيرهم يقسم على قدر الدعاوى وهو المشهور وقال أشهب وسحنون يقسم بينهما نصفين لتساويهما فيه في الحيازة اهـ.

ابن الحاجب وإذا قسم على الدعاوى فقال الأكثرون يعول كالفرائض وقال ابن القاسم وابن الماجشون يختص مدعي الأكثر بالزائد اهـ.

وفسر ابن هارون قول ابن الحاجب في القسم الأول على قدر الدعاوى اتفاقًا بقوله فعليه إن ادعى أحدهما جميع الثوب والآخر نصفه قسم بينهما أثلاثًا اهـ.

فقصره على قسمه كالعول وتعقب ابن عرفة الاتفاق المذكور بنقل ابن حارث عن عبد الملك وسحنون في ذلك أن المدعي لكل النصف بإجماعهما عليه والنصف الثاني الذي تداعيا فيه بينهما نصفين قال وكذا نقله في النوادر عن أشهب في كتاب ابن سحنون وهو خلاف قول ابن الحاجب اتفاقًا اهـ.

وسلمه ق وغ وهو غير ظاهر وذلك لأن قول ابن الحاجب على قدر الدعاوى صادق

ص: 391

لقول د انظر ما فائدة قوله: على الدعوى أي مع قوله: كالعول اهـ.

بخ (إن لم يكن بيد أحدهما) بل كان بأيديهما معًا أو بيد غيرهما ولم يقر به لأحدهما ولم يدعه لنفسه ولا مرجح لبينة أحدهما أو لم يكن بيد أحد كتنازعهما في عفو من الأرض أو في زرع في أرض شخص لا يدعيه فكلامه يشمل هذه الصور الثلاث (كالعول) في فريضة زادت سهامها على أصلها كما لو ادعى أحدهما الكل والآخر النصف فيقسم على الثلث والثلثين وكيفية العمل أن يزاد على الكل النصف ونسبة النصف للكل حين الزيادة ثلث فالمسألة من ثلاثة يعطى لمدعي الكل اثنان ولمدعي النصف واحد وإذا ادعى أحدهم الكل والآخر النصف وآخر الثلث فيحصل أقل عدد يشتمل على هذه المخارج وهو ستة ويزاد عليها نصفها وثلثها فيعطى لمدعي الكل ستة ولمدعي النصف ثلاثة ومدعي الثلث اثنان وكأن ادعى كل كسرًا وكان الكسور تزيد على الكامل كادعاء واحد النصف وآخر الثلثين فلصاحب النصف ثلاثة أسباع المتنازع فيه وللآخر أربعة أسباعه، وكأن ادعى أحدهما الكل والآخر الثلث فلمدعي الكل ثلاثة أرباع المتنازع فيه ولمدعي الثلث ربعه وكدعوى أحدهما الكل والآخر الثلثين فإنه يقال لمدعي على الثلثين بمثل ثلثي ثلاثة وذلك اثنان يقسم المدعي فيه بينهما على خمسة لمدعي الكل ثلاثة ولمدعى الثلثين اثنان وعلى هذا فقس ونسخة إن لم يكن الخ ادعى غ أنها الصواب وإنه لا يصح نسخة وإن لم يكن أي لأن ما قبل المبالغة وهو أن يكون بيد أحدهما لا يقسم لمنافاته لقوله وبيد أن لم الخ والجواب عنها إنها تصح بجعل الواو للحال فالجملة حالية (ولم يأخذه) أي لم يأخذ الشيء ممن هو حائز له شخص أقام بينة

ــ

بقسمه كالعول وبقسمه على الدعوى والتسليم وإنما قصد بالاتفاق نفي القول بقسمه نصفين فقط بدليل قوله وإذا قسم على الدعاوى الخ فإنه راجع لمحل الاتفاق والخلاف معًا وإنما بنى ابن عرفة اعتراضه على تفسير ابن هارون وهو غير قاصر عليه والله أعلم ثم أن كلام المصنف شامل لما إذا كان النزاع بين أكثر من اثنين فيقسم بينهم على الدعوى كالعول قال ابن يونس وهذا أعدل الأقوال وأبينها وإليه يذهب جماعة شيوخنا انظر ق (ولم يأخذه بأنه كان بيده) كذا لابن الحاجب وابن شاس قال ابن عبد السلام لأن كونه في يده لا يدل على أنه مالكه ولا أنه مستحق لوضع يده عليه وهو أعم من ذلك كله والأعم لا يشعر بالأخص فلم يبق إلا مطلق الحوز وها هو هنا محوز في يد الآخر قال ابن شاس ولو شهدوا أنه انتزعه منه أو غصبه أو غلبه عليه فالشهادة على هذا جائزة ويجعل المدعي صاحب اليد ففرق بينهما وكذا فعل ابن الحاجب قال غ وأغفل المصنف هنا هذه الثانية وذكر ابن عرفة أنه لا يعرفهما معًا نصًّا لمن قبل ابن شاس من أهل المذهب مع أن هذه الثانية في النوادر والكمال لله سبحانه وتعالى اهـ.

ص: 392

(بأنه كان بيده) قبل ذلك ولم تشهد له بملك بل يبقى بيد حائزه ويحتمل أن يكون المعنى إن كلا من المتنازعين إذا أقام بينة أنه ملكه وزادت بينة من لم يكتب بيده إنه كان بيده أمس فإنها لا ترجح بذلك وكل منهما صحيح قاله د ثم أشار إلى أربع صور في أب معلوم النصرانية ومجهولها وله ولدان مسلم ونصراني ادعى كل أن أباه مات على دينه دعوى مجردة أو ببينة فأشار للمجردة في معلوم النصرانية بقوله: (وإن ادعى أخ أسلم أن أباه أسلم) ومات مسلمًا وادعى الأخ النصراني إنه مات على نصرانيته المعلومة باتفاقهما عليها في حياته ولا بينة لأحدهما (فالقول للنصراني) استصحابًا للأصل الذي اتفقا عليه ولو قال للكافر لكان أشمل لكنه تبع غيره ولو أبدل الأخ بالابن لكان أحسن ولكنه سماه أخًا نظرًا للمنازع الآخر وأشار لما إذا أقام كل بينة في معلوم النصرانية في حياته أيضًا بقوله: (وقدمت بينة) الابن (المسلم) إنه أسلم ومات مسلمًا على بينة النصراني إنه مات نصرانيًّا على أصل دينه ولو كانت أعدل لأن بينة المسلم ناقلة فيختص بمال وأشار لمسألتي مجهول الأصل كما يذكره وقدم فيهما البينة على دعواهما المجردة عكس التي قبلها فقال استثناء منفصلًا لأن ما قبلها معلوم النصرانية كما مر وهذا مجهولها فقال: (إلا) أن شهدت لكل على دعواه بينة فشهدت للابن النصراني (بأنه تنصر) أي نطق بالنصرانية أو شهدت (بأنه) مات نصرانيًّا وإن لم تقل نطق وشهدت للمسلم إنه أسلم

ــ

قلت وكذا المسألة الأولى وهي مسألة المصنف منصوصة وشهب وابن القاسم والكمال لله عز وجل قال العوفي قال التونسي رأيت لأشهب لو كان عبد بيد رجل فادعاه آخر وأقام بينة أنه كان أمس بيده فلا يكون أحق به حتى تقوم له بينة بأنه ملكه قال التونسي وفي هذا نظر لأن كونه بيده أمس سابق للذي هو في يده اليوم فيجب رده إلى يده حتى يثبت أن هذا كان في يده قبله لأن الأصل أن كل من سبقت يده على شيء لا يخرج من يده إلا بيقين ابن محرز قول أشهب صحيح قال العوفي قلت وكلام التونسي ومذهب ابن القاسم أصوب من كلام أشهب اهـ.

نقله طخ وأبو علي وقول غ أغفل المصنف هنا يعني في هذا الباب وإلا فقد قدم في باب الغصب ما يفهم منه ذلك حيث قال كشاهد بملك لآخر بغصبك وجعلت ذا يدًا لا مالكًا والمسألة في المدونة كما نقله ق هنا فانظره (إلا بأنه تنصر ومات إن جهل أصله) جعله ك في مجهول الدين وجعل الاستثناء منقطعًا بدليل قوله إن جهل أصله وقال طفى: الصواب إسقاط قوله إن جهل أصله لأنه لا فائدة لاشتراطه والمسألة مفروضة في كلام ابن شاس وابن الحاجب في معلوم النصرانية وعليه قرره ابن عبد السلام وغيره فلو حذفه ثم قال كمجهول الدين كما فعل ابن الحاجب لأجاد ولذا قال ق لو قال الإبانة تنصر ومات فهما متعارضتان فيقسم مجهول الدين انتهى.

ص: 393

(ومات) فلا تقدم بينة المسلم ليختص بمال الميت وقوله: (إن جهل أصله) بيان للموضوع كما علمت وإذا لم تقدم بينة المسلم صارت البينتان متعارضتين فيصار إلى الترجيح فإن لم يوجد مرجح لأحدهما فأشار له بقوله: (فيقسم) المال بينهما نصفين كمال تنازعه اثنان إذ لا ترجيح لإحدى البينتين على الأخرى وهو ظاهر قول ابن القاسم في المدونة وقال غيره فيها إذا تكافأت البينتان قضى بالمال للمسلم بعد أن يحلف على دعوى النصرانية لأن بينته زادت ابن يونس قال بعض أصحابنا: وقول ابن القاسم أصوب لأن معناه أن الرجل جهل أصله وإذا جهل فليس ثم زيادة ولا أمر يرد إليه فوجب قسم المال بينهما اهـ.

وشبه قوله: (كمجهول الذين) عند تجرد دعواهما عن بينة بل ادعى المسلم إنه مسلم والنصراني إنه نصراني بما قبله من إقامة كل بينة ومن قسم المال بينهما نصفين كمال تنازعه اثنان وعبر هناك بالأصل وهنا بالدين تفننا وتحاشيًا في معلوم النصرانية المتقدم عن التعبير عنها بالدين لأن الدين عند الله الإسلام وبما قررنا به قوله كمجهول الدين علم إنه لا يتكرر مع ما قبله وإنه ليس فيه تشبيه الشيء بنفسه لأن هذه تجردت دعواهما عن بينة والمشبه به قام لكل بينة وانظر هل يحلف كل في مجهول عند تجرد دعواهما كما يحلف فيما سيأتي أم لا (و) إن كانت بنو مجهول الدين ثلاثة مسلم ويهودي ونصراني (قسم) ماله (على الجهات) الثلاث المذكورة وكذا على أربع إن كان له ولد رابع مجوسي مثلًا وزاد قوله: (بالسوية) لإفادة أنه يقسم أثلاثًا بين ثلاث جهات أو أرباعًا بين أربع جهات أو نصفين بين جهتين ولو كانت أفراد جهة أكثر من أفراد الأخرى فإذا كان المسلم واحدًا واليهودي عشرة والنصراني كذلك فللمسلم الثلث ولكل فريق غيره ثلث وكذا يقال في الأخوين والأربع ثم إذا قسم بالسوية على الجهات فيراعي في كل جهة ما في شريعتهم فيقسم ما ينوب جهة الإسلام على حكم الإرث عندنا حيث تعددت جهة المسلم كذكر وأنثى كذا يظهر فإن لم يخلف إلا بنتا مسلمة وأختا كافرة وعكسه فإن ما تأخذه المسلمة تعطى نصفه والنصف الآخر لبيت المال لأن كلا من البنت والأخت تدعي نصف ماله والنصف الآخر لا يدعيانه ذكره بعض المالكية من شراح الرحبية ويلغز بها إذا كانت البنت هي المسلمة فيقال: ميت عن بنته أخذت ربع ماله وبيت المال ربعه ونصفه لأخته وإذا كانت الأخت هي المسلمة فيقال ميت عن بنته أخذت نصف ماله وأخته أخذت ربعه وبيت المال الربع الباقي وسواء في هذا كله

ــ

وعليه فيكون الاستثناء متصلًا (كمجهول الدين) قول ز وانظر هل يحلف كل في مجهوله عند تجرد دعواهما الخ في التنظير قصور وقد صرح العقباني في شرح فرائض الحوفي بأن القسم بينهما إنما يكون بعد يمينهما في صورتي قيام البينة وعدم قيامها وربما

ص: 394

كان المال بيدهم أو بيد أحدهم أو لا بدّ لأحد عليه لأنه مال علم أصله لمجهول الدين فلا أثر للحوز فيه (وإن) مات مجهول الدين وله ولدان مسلم وكافر ادعى كل منهما أن أباه على دينه و (كان معهما طفل) ذكرًا وأنثى ولد للميت أيضًا ولم يحكم بإسلامه لجهل دين أبيه وما يأتي في الردة من قوله: وحكم بإسلام من لم يميز بإسلام أبيه كان ميزقي محقق إسلام أبيه (فهل يحلفان) أي يحلف كل أن أباه مات على دينه وينبغي التبدئة بالقرعة (ويوقف) للصغير (الثلث) لأنه ربما ادعى جهة ثالثة (فمن وافقه) الطفل أي ادعى دعواه (أخذ حصته) من الموقوف فقط وهي السدس (وردّ على الآخر) الذي لم يوافق السدس الباقي فإذا كان المال اثني عشر دينارًا دفع لكل من البالغين أربعة ووقف للصغير على هذا القول أربعة فإذا بلغ ووافق أحدهما إذ أخذ دينارين ورد للذي لم يوافقه دينارين ولا يشارك الصبي من وافقه في شيء من الأربعة التي أخذها أوّلًا خلافًا لما يوهمه المصنف كابن الحاجب كما نبه عليه ابن عرفة فالحاصل أن الطفل ينوبه سدس التركة وينوب الذي وافقه الطفل ثلثها وينوب الذي لم يواقفه نصفها وإنما لم يشارك من وافقه مع إنه مساوٍ له في الدرجة لأنه حين الموت قد استحق كل من أصحاب الجهتين الثلث فلا ينقص عنه وإنما وقف للصغير الثلث لما مر ولم يعطه لأنه لما وافق المسلم مثلًا كانا جهة واحدة فتستحق الجهة الأخرى باقي النصف وهو السدس فمن واقعه على أحد الولدين وضمير وافقة البارز عائد على من والمستتر على الطفل وضمير أخذ عائد عليه والضمير المضاف إلى حصته عائد على من أيضًا والتقدير فأي ولد وافقه الطفل أخذ ذلك الطفل حصته أي التي وقفت له منه ومفهوم المصنف إنه إن لم يوافق واحدًا منهما بأن تدين لجهة ثالثة أخذ الموقوف كله (وإن مات) الصغير قبل بلوغه (حلفا) كل على طبق دعواه مثل ما حلفا أوّلًا (وقسم) نصيب الطفل بينهما فاليمين السابقة لاستحقاق كل حظه من أبيه والثانية لاستحقاق كل حظه من نصيب الطفل وإن مات أحدهما قبل بلوغ الطفل وله ورثة معروفون فهم أحق بميراثه وإن لم يكن له ورثة وقف فإذا كبر الصغير وادعاه كان له (أو) يوقف (للصغير النصف) من

ــ

أشعر به قول المصنف وإن كان معهما طفل فهل يحلفان الخ (فمن وافقه أخذ حصته) قول ز والضمير المضاف إلى حصته عائد على من الخ صواب العبارة. والضمير المضاف إليه في حصته الخ (وإن مات حلفا وقسم) استشكل ابن عاشر هذا بأن فيه ميراثًا مع الشك في موافقته لهما في الدين قال إذ لا يمكن إلا دين واحد موافق لأحدهما أو مخالف اهـ.

ولم يجب عنه والجواب أنه لا شك هنا لأن كل واحد منهما يدعي أنه كان على دين وأنه مات عليه فبالوجه الذي ورث به مال الأب يأخذ مال الأخ الصغير لأن كل واحد منهما يدعي أنه كان على الدين الذي كان عليه أبوه قاله الشيخ مس نعم ينظر ما الحكم إذا كان

ص: 395

مورث أبيه من غير حلف لأن كلًّا منهما مقر بأنه أخوه (ويجبر) الآن (على الإسلام) ترجيحًا له لأنه يعلو ولا يعلى عليه حكاه في النوادر عن أصبغ وعبر عنه ق بيدفع لا بيوقف فإن كانت الجهات ثلاثة أخذ من كل واحد نصف ما بيده فيصير معه ثلاثة أسداس وهي نصف مال الأب ونصفه الآخر بينهما تصغير (قولان) ثم تكلم على مسألة تعرف بمسألة الظفر فقال: (وإن قدر) من له حق على غيره (على) أخذ (شيئه) بعينه (فله أخذه) ولا يلزم الرفع لحاكم وكذا غير عين شيئه ولو من غير جنسه على ظاهر المذهب قاله ابن عرفة: ويدل له قول المصنف: إن يكن غير عقوبة لأن العقوبة لا يمكن أخذها وإنما يمكن أخذ مثلها فلو أراد المصنف بشيئه عينه لم يحتج لقوله: إن يكن غير عقوبة لعدم شمول عين شيئه له فيراد بشيئه حقه الشامل لعين شيئه وعوضه فاحتاج إلى إخراج العقوبة منه وشمل كلامه أيضًا الوديعة على المعتمد وما قدمه في بابها من قوله: وليس له الأخذ منها لمن ظلمه بمثلها ضعيف والأخذ بشرطين أحدهما قوله: (إن يكن) شيئه (غير عقوبة) لأن العقوبة لا بدّ فيها من الرفع للحاكم وكذا حق الله والحدود والآخر قوله: (وأمن فتنة) تحصل له بسبب ذلك كقتال أو إراقة دم أو نحو ذلك (و) أمن (رذيلة) تنسب إليه كسرقة أو غصب أو حرابة أو نحو ذلك وإلا لم يجز له الأخذ وشمل قوله: شيئه دينه على ممتنع من أدائه فله أخذ قدره ولو من غير جنسه وإن كان غريمه مدينًا أخذ قدر حصته في الحصاص فقط وهو كذلك في إحدى الروايات قاله تت وإذا كان شخصان لكل منهما حق على الآخر فجحد أحدهما حق صاحبه فللآخر جحد ما يعاد له (وإن قال) من ادّعى عليه وكيل شخص بحق لموكله (أبراني موكلك الغائب) أو قضيته حقه (انظر) إلى أن يعلم ما عنده لا باجتهاد فلا يصح أن يرجع قوله بالاجتهاد لهذه أيضًا وإنما ينظر بكفيل بالمال على الراجح لأنه مقربه إن قربت غيبة

ــ

لهذا الصغير وارث غيرهما كالأم والله تعالى أعلم (وإن قدر على شيئه فله أخذه) ما قرره به ز هو الظاهر وما قاله طفى وصوبه من حمل ما هنا على عين شيئه إذ هو المتفق عليه قال وأما غير عينه ففيه أقوال مشى المصنف منها فيما تقدم في الوديعة على المنع اهـ.

فغير ظاهر لأن أظهر الأقوال عند ابن عرفة الإباحة والله أعلم (وإن قال أبرأني موكلك الغائب انظر) أي إذا قال المدين لوكيل رب الدين الغائب أبرأني موكلك انظر أي أخر حتى يحلف الغائب أنه ما أبرأه وظاهره في الغيبة القريبة والبعيدة وهذا حكاه اللخمي بلفظ قيل والمنصوص لابن القاسم في سماع عيسى أنه يقضي بالحق على المطلوب ولا يؤخر ابن رشد ولم يفرق بين كون الموكل قريبًا أو بعيدًا وفرق ابن عبد الحكم بين قربه وبعده ابن رشد وهو عندي تفسير لقول ابن القاسم وزاد ابن كنانة أنه لا يقضي عليه في بعيد الغيبة حتى يحلف الوكيل على نفي العلم ابن عبد السلام وهو بعيد جدًّا لأنه يحلف لينتفع غيره

ص: 396

الموكل فإن بعدت قضى عليه بالدفع من غير يمين الوكيل أنه ما يعلم موكله أبرأ أو اقتضى خلافًا لابن كنانة لأنه لا يحلف ليستحق غيره ثم إن قدم الموكل من البعيدة حلف وتم الأخذ فإن نكل حلف الغريم ورجع على الوكيل بماد دفعه له (ومن استمهل) أي طلب المهلة (دفع بينة) قامت عليه بحق لشخص أو لإقامتها بحق أقام الغريم بينه بقضائه فشمل بينه المدعى عليه والمدعي (أمهل) بأن يضرب له أجل (بالاجتهاد) من الحاكم عند غير واحد من الأشياخ من غير حد خلافًا لما في المدونة عن غير ابن

ــ

وعليه درج المصنف على ما في نسخة غ انظر ح (ومن استمهل لدفع بينة) قول ز أو لإقامتها بحق الخ نحوه في خش وهو فاسدًا ما أولًا فلركاكته وتهافته لأن إقامة الغريم بينة بقضاء الحق فرع ثبوت الحق فكيف يستمهل المدعي لإقامة بينة بالحق بعد ثبوته وأما ثانيًا فلأنه يقتضي أن استمهال المدعي لإقامة بينة بالحق يكون بكفيل بالمال وليس كذلك بل بالوجه كما يأتي قريبًا وكذا استمهال المدعي لدفع بينة قامت عليه بالقضاء ولفظ ابن الحاجب ومن استمهل لإقامة بينة ولدفعها أمهل جمعة ويقضي ويبقى على حجته وللمدعي طلب كفيل في الوجهين اهـ.

ضيح أي طلب أن يمهل لإقامة بينة هذا في حق المدعي أو لدفعها هذا في حق المطلوب امهل جمعة هو لغير ابن القاسم في المدونة ابن عبد السلام والمذهب لا تحديد في ذلك قال غير واحد من أهل المذهب ضرب الأجل مصروف إلى اجتهاد القضاة والحكام ابن راشد العمل على أحد وعشرين يومًا وذكر ابن سهل وغيره في الأصول خمسة عشر يومًا ثمانية أيام ثم أربعة أيام ثم ثلاثة تتمة ثلاثين يومًا ذكره ابن العطار وقوله وللمدعي طلب كفيل في الأمرين أي في إقامة البينة وفي دفعها وأجمل في الكفيل إذ لم يبين هل بالوجه أو بالمال فأما المطلوب أخذ حميل بالمال المازري وكذلك لو أقام عليه شاهد وطلب ذلك المدعي ليأتي يشاهد آخر وأما إن طلب المدعي كفيلًا حتى يقيم البينة بالحق فحكى المازري الاتفاق على أنه لا يلزمه حميل بالمال وأما بالوجه ففي الحمالة من المدونة لا يلزمه وفي الشهادات منها يلزمه ثم قيل ما في الموضعين خلاف وقال أبو عمر أن المراد بالكفيل في الشهادات وكيل يلازمه وقال ابن يونس لزوم الكفيل إذا لم يكن المدعى عليه معروفًا مشهورًا ليقيم البينة على عينه اهـ.

بخ هذا شرح ما أشار إليه المصنف في هذا الفصل والله تعالى أعلم وقول ز عن د وليس المراد أنه طلب دفعها لعداوة الخ فيه نظر والصواب التعميم في كلام المصنف هنا وإن كان فيه التكرار مع ما تقدم لكن أتى به لأجل قوله بكفيل بالمال الخ وقصره على بعض الأفراد كما زعم د يوهم التخصيص في الكفيل وليس كذلك وقول ز ومحل المصنف إن قربت بينته كجمعة الخ هو كقول ابن شاس إذا قال من قامت عليه بينة أمهلوني فلي بينة دافعة أمهل ما يبعد فيقضي عليه ويبقى على حجته إذا أحضرها انتهى.

ص: 397

القاسم من التحديد بجمعة كما في الشارح وتقدم مثل ما هنا في باب القضاء من قوله وانظره لها باجتهاده وقال قوله لدفع بينه أي بأن ثبت أنه دفع الحق أو أنه أبرأه منه مثلًا وليس المراد أنه طلب دفعها لعداوة أو نحو ذلك لأن هذا قد تقدم في قوله وانظره لها باجتهاده ومحل المصنف إن قربت بينته كجمعه وإلا قضى عليه وبقي على حجته إذا أحضرها وسيأتي في باب الجراح، وللقاتل الاستحلاف على العفو فإن نكل حلف وبرئ وتلوم له في بينته الغائبة (كحساب وشبهه) من شيء مكتوب عنده طلب المهلة للنظر فيه أو ليتفكر ما يجب به جزمًا فهو وغير منكر بل أتي بما يحتمل الإقرار ولا يعارض هذا ما تقدم من قوله ولم يجب وكيل للخصومة ولا كفيل بالوجه بالدعوى إلا بشاهد لحمل ما تقدم على المنكر وإمهاله لدفع البينة يكون (بكفيل) أي معه (بالمال) فهذا راجع لما قبل الكاف فقط وأولى لقوله انظر كما مر وأما ما بعدها فبكفيل بالوجه على المعتمد إلا أن يحمل على ما إذا وقع طلب حساب وشبهة بعد شهادة بينة عليه بالحق ويفوت المصنف حينئذٍ ما إذا كان طلبه للحساب وشبهه قبل إقامتها (كأن) أقام المدعي شاهد بحق و (أراد إقامة) شاهد (ثان) وطلب المهلة فيه فعلى المطلوب حميل بالمال لأن له الحلف مع شاهده ويثبت الحق إن لم يحتج لتزكية (أو) طلب المدعي كفيلًا من المدعى عليه بعد دعواه المجردة (بإقامة بينة) أي بسبب إقامتها وفي بعض النسخ باللام فهو معطوف على قوله لدفع أي طلب المهلة لإرادة إقامتها لا أنه أقامها بالفعل (فبحميل الوجه) أي أن أقام المدعي شاهدًا يحتاج لتزكية وكان مزكيه وإقامة ثان

ــ

وهذا لا ينافي ما قدمه من أن المذهب عدم التحديد في الأجل لأن على الطالب ضررًا في إمهال المطلوب مع بعد بينته والله أعلم (كأن أراد إقامة ثان) الأولى أنه تشبيه في الإمهال وفي لزوم الكفيل بالمال لأنه أفيد لا في أحدهما فقط كما يقتضيه كلام ابن مرزوق (أو بإقامة بينة) قول ز في الخياطة أو طلب المدعي كفيلًا الخ صوابه لو قال أو استمهل المدعي لإقامة بينة وطلب كفيلًا من المدعى عليه الخ لأن قوله أو لإقامة الخ عطف على قوله لدفع كما ذكره هو وقول ز إن أقام المدعي شاهدًا يحتاج لتزكية الخ هذا القيد غير صحيح أما أوّلًا فإن المصنف قصد أن يحكي ما وقع في المدونة في بابي الحمالة والشهادة وما في ذلك من التأويلات ولم يقع فيها هذا القيد أصلًا وأما ثانيًا فإنه لو كان لزوم الكفيل هنا مقيدًا بقيام شاهد يحتاج لتزكية وما تقدم في الحمالة من عدم لزومه مقيدًا بتجرد الدعوى كاذكره لم يكن بين الموضعين تعارض حتى يقع الخلاف بالتوفيق والخلاف ولم يبق لقوله بعد وهل خلاف أو المراد وكيل الخ محل ينزل عليه ولم أر من ذكر الجمع بين الموضعين بهذا فتأمله وأما ثالثًا فإن قوله بعد ويقيد أيضًا بما إذا علم مخالطته له الخ مناف للقيد المذكور أوّلًا مع أن قيد المخالطة منصوص عليه في المدونة ففي الحمالة من المدونة ومن كان بينه وبين رجل خلطة في معاملة فادعى عليه حقًّا لم يجب له عليه كفيل بوجه

ص: 398

بعيدًا عن كالسوق وكذا البينة التي يريد إقامتها لا بد من إقامة شاهد على دعواه يدل على القيد الأول قوله آخر الضمان ولم يجب وكيل للخصومة ولا كفيل بالوجه بالدعوى أي بمجردها وعلى الثاني قوله آخر الضمان أيضًا وإن ادّعى ببينة بكالسوق وقفه القاضي عند ويقيد أيضًا بما أعلم مخالطته له أو تهمته بما ادعى عليه به وإلا لم يعرض له واستغنى المصنف عن ذكر هذا لمساواته لتوجه اليمين إلا في المسائل التي تتوجه فيها اليمين من غير خلطة كدعوى الغضب والسرقة فأما حلفه أو أخذ منه كفيلًا فكذا هنا (وفيها أيضًا نفيه) أي نفي حميل الوجه كما هو وسياقه ونفي الوكيل أيضًا كما ذكرهما فيما مرّ آخر الضمان بقوله ولم يجب وكيل للخصومة ولا كفيل بالوجه بالدعوى وقوله آخر الضمان وإن ادعى بينة الخ قدر زائد على قوله هنا وفيها الخ وقول تت هنا انظر ما ذكره هنا أي من قوله أو لإقامة بينة فبحميل الوجه الخ مع قوله آخر الضمان ولم يجب إلى قوله عنده فإنه معارض لما هنا انتهى باختصار صحيح في نفسه غير أن المعتمد ما هناك لا ما هنا إلا أن يقيد ما هنا كما قدمنا فيتفقان (وهل) ما في الموضعين من المدونة (خلاف أو) وفات وهو بأحد وجهين أحدهما (المراد) بالحميل (وكيل يلازمه) ويحرسه لأنه طلق على الوكيل حميل (أو) المراد بقوله فبحميل بالوجه (إن لم تعرف عينه) أي عين المدعى عليه بأن لم يكن مشهورًا لتشهد البينة على عينه فإن كان معروفًا مشهورًا لم يلزمه حميل بوجهه لأنا نسمع البينة في غيبته ثم تعذر إليه فيها إلا أن يخشى تغيبه (تأويلات ثلاثة) واحد بالخلاف واثنان بالوفاق (ويجيب عن دعوى) جناية (القصاص) أو الحد أو الأدب من الأحكام المتعلقة ببدنه (العبد) إذا ادعى عليه بذلك لأنه الذي يتوجه عليه الحق ويقع عليه الحكم فيدعي عليه بذلك فيلزمه الجواب ولا يقبل قول سيده في ذلك لأنه إقرار على غيره وكذا يدّعي عليه بمال فيجيب عنه فإن أقرّ به أخذ بإقراره إن كان مأذونًا وإلا وقف الأمر على السيد فإن عتق قبل العلم لزمه كما في ح فقوله في باب الإقرار كالعبد في غير المال مراده غير المأذون فلا يتعلق بما في يده وأما المأذون فتقدم أنه يؤخذ مما بيده وإن مستولدته كعطيته لا غلته ورقيقه وسيأتي في باب الكتابة

ــ

حتى يثبت حقه وفي الشهادات منها ومن ادعى قبل رجل دينًا أو غصبًا أو استهلاكًا فإن عرف بمالطته في معاملته أو علمت تهمته فيما ادعى قبله من التعدي والغصب نظر فيه الإمام فأما أحلفه أو أخذله كفيلًا حتى يأتي بالبينة وإن لم تعلم خلطته أو تهمته فيما ذكر لم يعرض له وقول ز وكذا البينة التي يريد إقامتها الخ غير صحيح أيضًا لما ذكرناه والحاصل أنه ليس هنا إلا قيدان أحدهما أن لا يدعي بينة قريبة بكالسوق كما تقدم في الحمالة والثاني وجود الخلطة أو التهمة كما في المدونة والله تعالى أعلم (وفيها أيضًا نفيه) قول ز عن تت انظر ما ذكره هنا الخ مراد تت التنظير بكونه لم يقيد هنا بأنها إن كانت بكالسوق أوقفه

ص: 399

أن المكاتب ليس له إقرار بجناية خطأ ونحو ذلك وإذا أقرّ العبد بسرقة لزمه القطع بلا غرم وإقرار السيد عليه بها بالعكس وقيد كلام المصنف هنا بما لم يتهم فإن اتهم في جوابه لم يعمل به كإقراره بقتل مماثله واستحيا سيد ممائله ليأخذه فيبطل حق الولي إن لم يكن مثله يجهل ذلك وإلا فله أن يرجع للقصاص بعد حلفه أنه جهل انظر ح ويجيب (عن) إقراره في موجب (الأرش السيد) لا العبد إلا لقرينه تصدقه كمشي دابة ركبها على إصبع صغير فقطعته فتعلق به الصغير وهي تدمى ويقول فعل بي هذا فصدقه العبد فيقبل أو يتعلق برقبته (واليمين) المتوجهة عند حاكم أو محكم على مدع أو مدعى عليه فمجرد طلب الخصم اليمين من خصمه بدون من ذكر لا يلزمه الحلف له (في كل حق) مالي أو غير إلا اللعان والقسامة أقسم الله لمن ضربه مات كما يأتي له وكيفيتها في كل حق غير هذين أن يقول (بالله الذي لا إله إلا هو) أي بهذا اللفظ فلا يكفي الاسم بدون وصفه المذكور إن كان يمينًا تكفر لأن الغرض هنا زيادة التخويف وهو إنما يحصل بهما والواو كالباء كما في أبي الحسن قال ح ولم أقف على نص في التاء المثناة فوق وانظر الهاء المبدلة من الهمزة (ولو) كان الحالف (كتابيًّا) فلا يزيد اليهودي الذي أنزل التوراة

ــ

القاضي فيقيد إطلاقه هنا بما هناك كما تقدم وقاله غ وغيره (واليمين في كل حق).

فروع: الأول لا بد في اليمين أن تكون بحضرة الخصم فلو أحلفه القاضي من غير حضور الخصم فإنه لا يجزيه ذلك قاله الباجي فعلى هذا ما يكتبه الموثقون من قولهم أحلفه القاضي بحضرة خصمه وتقاضيه اليمين شرط قاله أبو الحسن. الثاني: لو وجبت اليمين لورثة أو غيرهم فأحلفه القاضي لبعضهم فلا يحلف للآخرين ثانية قاله أبو الحسن في باب الولاء عند قولها فإذا قدموا فادعوا الخ. الثالث: قال ابن عرفة قول ابن الحاجب ولا يحلف مع البينة إلا أن يدعي عليه طروّ ما بيديه من إبراء أو بيع هو قولها في اللقطة وغيرها ولا يستحلف طالب الحق مع شاهديه يريد غير يمين الاستحقاق في غير الربع على المشهور اهـ.

(بالله الذي لا إله إلا هو) قال ابن الحاجب واليمين في الحقوق كلها بالله الذي لا إله إلا هو فقط على المشهور وروى ابن كنانة يزاد في ربع دينار وفي القسامة واللعان عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم اهـ.

ضيح المازري المعروف من المذهب المنصوص عند جميع المالكية أنه لا يكتفي بقوله بالله فقط وكذلك لو قال فقط والذي لا إله إلا هو ما أجزأه حتى يجمع بينهما اهـ.

(ولو كتابيًّا) قول ز ولا ينقص واحد منهما الذي لا إله إلا هو هذا ظاهر المدونة الخ فيه نظر بل ظاهر المدونة هو أن كلًّا منهما لا يحلف إلا بالله فقط وهو التأويل الثالث الذي لم يذكره المصنف كما نقله في توضيحه عن عياض ونصه ومقتضى كلام المصنف أي ابن

ص: 400

على موسى ولا النصراني الذي أنزل الإنجيل على عيسى ولا ينقص واحد منهما الذي لا إله إلا هو هذا ظاهر المدونة وهو المشهور (وتؤولت على أن النصراني يقول) في الحق واللعان وغيره (بالله فقط) وينقص ما تعهدها لأنه لا يقول بالتوحيد بخلاف اليهودي واعترض بما ذكر الله عنهما بقوله وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله فهما متساويان في عدم القول بالتوحيد ولما كان ظاهرها كالصريح لم يقل وتؤولت أيضًا في بعض النسخ زيادتها لأن حملها على ظاهرها يطلق عليه تأويل حيث صحبه تأويل آخر وتؤولت أيضًا ثالثًا على أن اليهود والنصارى يقتصر كل منهما على بالله فقط فلا يكونان مؤمنين بحلفهما على الأول بدليل تحليف المجوس بالله فقط وهو ينفي الصانع (وغلظت) وجوبًا لحق الطالب فمن امتنع منه عدّنا كلالا لحق الله (في ربع دينار) أو ثلاثة دراهم أو عرض يساوي أحدهما الشخص واحد ولو على اثنين

ــ

الحاجب أن الكتابي يقول في يمينه والله الذي لا إله إلا هو وفي المدونة ولا يحلف اليهودي والنصراني في حق أو لعان أو غيره إلا بالله عياض فحمله بعض الشيوخ على ظاهره وأنهم لا يلزمهم تمام الشهادة إذ لا يعتقدونها فلا يكلفون ما لا يدينون وهو مذهب ابن شبلون وفرق غيره بين اليهود فألزمهم ذلك لقولهم بالتوحيد وبين غيرهم فلم يلزمهم وقال بعضهم: إنما قال إنما يحلفون بالله فقط نفيًا لما سأله عنه من قوله أيزيدون الذي أنزل التوراة على موسى والإنجيل على عيسى فقال أرى أن يخلقوا بالله فقط أي ولا يلزمون بما سألت عنه اهـ.

قال في ضيح وظاهر قول مالك أن المجوسي يحلف كما يحلف المسلم بالله الذي لا إله إلا هو وقيل لا يلزمه أن يقول إلا بالله اهـ.

وقول ز واعترض بما ذكره الله سبحانه وتعالى عنهما الخ أصل هذا الاعتراض للبساطي وأجاب الفيشي بالفرق بأن اليهود إنما قالوا بنبوة عزير دون ألوهيته والنصارى قالوا بنبوّة عيسى وألوهيته فافترقا قال وخفي هذا الفرق على البساطي اهـ.

(وغلظت في ربع دينار) قول ز لأن كلا وكيل عن الآخر الخ صوابه لو قال لأن كلًّا منهما كفيل عن الآخر يلزمه أداء الجميع وعبارة القرافي كما في ح إذا ادعى أحد المتفاوضين على شخص بثلاثة دراهم فليس عليه أن يحلف في الجامع لأن كل واحد إنما يجب له درهم ونصف ولو ادعى عليهما بثلاثة دراهم حلفهما في الجامع لأن كل واحد عليه درهم ونصف وهو كفيل بالباقي فالثلاثة على كل واحد منهما اهـ.

وقول ز وأما إن كان المراد بعدله قيمته شرعًا الخ هذا الحمل يمنعه قول تت أو عدله فضة أو غيرها فإن غير الفضة إنما يعتبر فيه قيمة الوقت (بجامع) قول ز ليس المراد تغلظ زيادة على ما تقدم في الجامع الخ يعني أن كونها للظرفية يقتضي أن المراد أن اليمين إذا وقعت في الجامع تغلظ بصفات أخرى زائدة على الوصف بالذي لا إله إلا هو وليس كذلك

ص: 401

متضامنين فيه لأن كلًّا وكيل عن الآخر لا لشخصين ولو متفاوضين لأن لا يكون في أقل منه ولو وجب دفعه وكان تافهًا وادّعى به كما يفيده قوله فيدعي بمعلوم محقق وتتوجه فيه اليمين بدون تغليظ وقول تت بربع دينار أو عدله فضة أو غيرها فصاعدًا لا دونه إذ هو أقل مال له بال اهـ.

فيه نظر إذ يقتضي أن عدل الربع دينار من الفضة إذا كان درهمين أنها تغلظ فيه وأنه لو كان عدله أربعة لا يغلظ في ثلاثة وهو خلاف ما يفيده أبو الحسن ويقتضي أن غير النقدين إنما يقوّم بالذهب لا بالفضة وهو يخالف ما مر في باب النكاح ويخالف ما في باب السرقة من أن التقويم فيها بالدراهم لا بربع الدينار قاله عج ولعل اعتراضه بالأولين مبني على أن المراد بعدله تقويمه في عرف بلد وأما إن كان المراد بعدله قيمته شرعًا فلا اعتراض على تت إذ دينار السرقة والجزية واليمين قيمته اثنا عشر درهمًا كما نظم تت في غير ما ذكرته أيضًا فربعه ثلاثة دراهم والتغليظ يكون (بجامع) فالباء للآلة الظرفية إذ ليس المراد تغلظ زيادة على ما تقدم في الجامع فإن امتنع من الحلف فيه كان كالنكول (كالكنيسة) للنصارى والبيعة لليهود (وبيت النار) للمجوس وحيث يعظمون وللمسلم الذهاب لتحليفهم بتلك المواضع وإن كانت حقيرة في نظر الشرع لأن القصد صرفه عن الإقدام على الباطل ويؤخذ من ذلك بالأولى جواز تحليف المسلم على المصحف أو براءة أو أضرحة المشايخ أو بالطلاق الثلاث ونحو ذلك حيث لا ينكف عن الباطل إلا بذلك ويدل على الجواز أيضًا من قواعد الشرع ارتكاب أخف الضررين وهو تحليفه على ما ذكر دون ضر وضياع الحق ويوافقه قول الرسالة عن عمر بن عبد العزيز تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور وتقدم عن ابن فرحون أن للقاضي أن يحلف الشاهد بالطلاق إن اتهمه انظره عند قوله أو شهد

ــ

بل اليمين واحدة في الجامع أو غيره لكن في ربع دينار تغلظ بوقوعها في الجامع اهـ.

فرعان: الأول: سئل أبو الحسن رحمه الله تعالى عن قوم لا جامع لهم فأجاب يحلفون حيث هم ولا يجلبون إلى الجامع اهـ.

وقال التازغدري يجلبون إلى الجامع بمقدار مسافة الجمعة وقيل بنحو العشرة أميال وإلا حلفوا بموضعهم نقله في المعيار. الثاني: إذا زعم من وجب حلفه عجزه عن الخروج لمرض ففي نوازل الشعبي أربعة أقوال قال ابن بقي إن ثبت ذلك ببينة حلف ببينة وإلا أخرج وقال ابن حارث وإلا حلف لا يقدر على الخروج لا راجلًا ولا راكبًا والأخير المدعي في تحليفه ببينة وتأخيره لصحته فإن نكل لزمه الخروج أورد اليمين وقال ابن لبابة إن ثبت مرضه حلف في بيته بالمصحف وإلا حلف على عجزه وخير المدعي في الأمرين وقال ابن زرب يختبره القاضي ببعثه له شاهدين وأنكر هذا القول محمد بن ميسور اهـ.

ص: 402

وحلف (وبالقيام لا بالاستقبال) إلا أن يرهب منه فيكف عن الباطل (و) غلظت (بمنبره عليه الصلاة والسلام أي عنده كما هو ظاهر المدونة أو عليه كما قال ابن المواز البساطي منبره كان معروفًا موجودًا زمن مالك وأما في هذه الأيام فينظر هل هذا الحكم في المنبر الذي هو في مسجد المدينة أو موضع منبره عليه الصلاة والسلام قاله تت وظاهر قوله أو موضع منبره أو صريحه أنه صار الآن في غير محله والذي للدماميني والسيد السمهودي في تاريخهما وغيرهما من الأفاضل أنه موضوع الآن في موضعه الذي كان في زمنه عليه الصلاة والسلام قالهه الفيشي عن شيخه اللقالي وفي مكة عند الركن لأنه أعظم مكان في المسجد وفي غيرهما في الجامع الأعظم ولا يختص بمكان منه ولا تغلظ بالزمان ككونه بعد العصر (وخرجت) للتغليظ (المخدرة) أي الملازمة للخدور وهو السترويزري بها مجلس الحكم وإن كانت تنصرف إلى غيره (فما ادعت) وقام لها شاهد بمال ربع دينارًا وما يسويه فتحلف معه (أو ادعى عليها) بذلك وتوجهت عليها اليمين وتحليفها بحضر قرب الحق فإن أبت هي وزوجها من حضوره خشية الاطلاع عليها فحكم ابن عبد السلام بأنه يبعد عنها أقصى ما يسمع لفظ يمينها فإن ادّعى صاحب الحق عدم معرفتها فهل إثبات من يعرفها عليه أو عليها قولان فإن أريد التغليظ عليها بمسجد فادعت حيضًا حلفت على ما ادعت وأخرت (إلا التي) عادتها أنها (لا تخرج) لحوائجها (نهارًا)

ــ

نقله ابن عرفة (وبالقيام لا بالاستقبال) هذا مذهب المدونة لكن على القول بالاستقبال جرى ابن سلمون قائلًا به العمل وعليه درج في التحفة وهو قول الأخوين (وبمنبره عليه الصلاة والسلام ضيح نحوه في المدونة وإنما اختص منبر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا لقوله عليه الصلاة والسلام: "من حلف عند منبري كاذبًا فليتبوأ مقعده من النار" وقول ز والذي للدماميني والسيد السمهودي الخ ما ذكروه من أن المنبر الآن في الموضع الذي كأن في زمنه عليه الصلاة والسلام صرح به ابن رشد في البيان ومثله في التبصرة فرحون وقول ز ولا يختص بمكان منه الخ الذي جرى به العمل عندنا أنه يحلف عند المنبر حتى في غير المدينة ذكره الشيخ مس وهو قول مطرف وابن الماجشون (إلا التي لا تخرج نهارًا الخ) قال أبو حفص العطار معنى قولهم لا تخرج أي غير مستترة وأما التي تخرج مستترة فحكمها حكم من لا تخرج البتة نقله القلشاني في شرح ابن الحاجب عن شيخه الغبريني قاله الشيخ أحمد بابا وقال في التبصرة قال ابن راشد القفصي وعندي في خروج المرأة إلى الجامع كشف لها ولحالها وإن كانت تخرج بالنهار لأنها إذا خرجت للحلف عرف أنها فلانة بخلاف ما إذا خرجت لغير ذلك وقد أخبرني بعض الفقهاء أنها وقعت بتونس وأنه وجد فيها نصًّا لمالك اهـ.

وقال ابن عرفة في كون حلف المرأة في بيتها بكون المحلوف فيه ليس ذا بال دون اعتبار حالها أو بكونها من أهل القدر والصون دون اعتبار الأول ثالثها بالأول وكونها ممن

ص: 403

وتخرج لها ليلًا (وإن مستولدة قليلًا) تخرج للتغليظ فإن كانت ممن لا تخرج في حوائجها أصلًا لمعرته عليها حلفت في ربع دينار ببيتها بحضرة شاهدين يوجههما القاضي لها ولا يقضي للخصم بحضور معهما على ظاهر المدونة قاله ابن عرفة فتستثنى هذه الصورة من قولهم لا بد من حضور الطالب لليمين وإلا أعيدت بحضوره وكذا من قولهم إنما تقام البينة بحضرة على المدعى عليه الحاضر بالبلد أو قريب الغيبة وقد كتب إليه ليحضر (وتحلف) المخدرة التي تخرج لمصالحها ليلًا أو نهارًا (في أقل) من ربع دينار (ببيتها) كالتي لا تخرج أصلًا في ربع دينار كما مر وكعليل لا يستطيع مشيًا ولا ركوبًا في ربع دينار (وإن ادعيت) أيها المدين (قضاء) لدين ثابت عليك ببينة (على ميت) أنك وفيته قبل موته ولم تصدقه ورثته على ذلك وطلب المدين تحليقهم (لم يحلف) على نفي العلم (إلا من يظن به العلم) بعدم القضاء ومتعدد (من ورثته) البالغ

ــ

يزري بها حضور مجلس القاضي الأول للمازري عن مقابل المشهور مع الشيخ عن ابن القاسم ومحمد والثاني للمازري عن المذهب والثالث لابن الحاجب مع ابن شاس عن المذهب اهـ.

(وإن مستولدة) لفظ ابن الحاجب وتخرج المخدرة من الحرة والأمة إلى المسجد ليلًا الخ فقال في ضيح قوله من الحرة والأمة نحوه في الجواهر عن ابن عبد الحكم والذي في المدونة وأم الولد مثل الحرة فيمن تخرج أو لا تخرج فحص ذلك بأم الولد وقال بأثر ذلك وأما العبد ومن فيه بقية رق فهو كالحر في اليمين ابن عبد السلام وفي المدونة وأما المكاتبة والمدبرة فهما كالحرة في وجوب اليمين خليل ولم أجد هذا في كل النسخ بل في بعضها ولم يتكلم على هذه الزيادة أبو الحسن اهـ.

ثم نقل عن التنبيهات ما يرجح سقوط الزيادة التي ذكرها ابن عبد السلام يعني قوله وأما المكاتبة والمدبرة فانظره والله أعلم وقول ز إنما تقام البينة بحضرة المدعي على المدعى عليه الحاضر الخ صوابه إنما يقيم المدعي البينة بحضرة المدعى عليه الحاضر الخ (لم يحلف إلا من يظن به العلم من ورثته) قول ز ودخل في ورثته كما لأبي الحسن زوجته فيفصل فيها الخ لم يزد أبو الحسن فيما رأيته على أن تردد في الزوجة هل هي من القريب الذي يظن به العلم أم لا فانظره وقول ز ثم إذا حلف بالغ منهم قضى لغير البالغ الخ كلامه يوهم أن القضاء لغير البالغ ومن لا يظن بهم العلم يتوقف على حلف البالغ وليس بظاهر بل الظاهر ما أفاده كلامه أول التقرير من عدم التوقف على ذلك وإن كانت عبارته هنا كقول ابن شاس وإذا حلف البالغ قضى لجميعهم اهـ.

فانظره والمراد بجميعهم الفرق الثلاث من يظن به العلم ومن لا يظن به العلم وغير البالغ وقول ز ولم يكن من باقي الفريقين نكول الخ صوابه ولم يكن من باقي من يظن به العلم نكول الخ إذ لا يعتبر النكول من غير هذا الفريق وقول ز وكذا لبقية الورثة الخ فيه

ص: 404

يوم موته ظنه قبله أو بعده لا من بلغ بعده ولو قبل الدعوى فإن نكل البالغ ردت اليمين على من عليه الحق فيحلف أنه قضى وسقط حق البالغ فقط قال تت من يظن به العلم كقريب القرابة لا بعيدها البساطي وقد يكون البعيد من الورثة مخالط للميت والقريب بضده فينظر الحاكم في ذلك أي ويكون البعيد وارثًا كأخ لام مع أخ شقيق لا غير وارث إذ لا يحلف ليستحق وارث ودخل في ورثته كما لأبي الحسن زوجته فيفصل فيها بين ظن علمها وعدمه وظاهر كلام المصنف كظاهر المدونة حلف الوارث سواء دعي المطلوب عليه العلم أم لا وإنما طلب منه اليمين فقط كما قدمنا وهو كذلك على أحد قولين ذكرهما في توضيحه والآخر أنه لا يحلف مع ظن علمه إلا أن ادّعى عليه العلم ثم إذا حلف بالغ منهم قضى لغير البالغ ولا يطلب بعد بلوغه بيمين ولمن يظن به ومن لا يظن حيث لم يطلب الحلف من جميع من يظن به أو طلب وبادر أحدهم واكتفى به ولم يكن من باقي الفريقين نكول والأثبت حق الحالف وسقط حق الناكل أن حلف المطلوب أنه قضى الميت فإن نكل غرمه للناكل وكذا لبقية الورثة إن لم يطلب منهم اليمين أو طلبت وحلفوا فإن نكلوا فهل يغرم لهم نظرًا لنكلوه أو لا نظر لنكولهم وهو الظاهر وليس لهم تحليفه لنكوله أولًا عن اليمين وعلم مما قررنا أن موضوع المصنف ثبوت الدين ببينة عليه فإن كان به شاهد فقط وحلف معه بعض ورثته ثبت الحق لجميعهم ولم يحتج لحلف باقيهم وهذا مخالف لغرماء المفلس ولقوله فيما تقدم لا

ــ

نظر لأنه مع ركاكته يقتضي أن المطلوب بعد نكوله يغرم حق الناكل له ولبقية الورثة وليس كذلك بل حق الناكل إنما يغرمه للناكل وأما بقية الورثة فإنما يغرم لكل واحد منهم حقه من الدين إذا حلفوا أو لم يطلب منهم اليمين وحاصل ما أشار إليه فرعان: أحدهما: أنه إذا حلف من يظن به العلم قضى له وللفريقين الآخرين كما تقدم الثاني أنه إذا نكل واحد ممن يظن به العلم أولًا سقط حق الناكل إن حلف المطلوب فإن نكل غرمه للناكل ثم ذا نكل بعده آخر ممن يظن به العلم فيحتمل أن يقال يغرم له المطلوب نظر النكولة أولًا وهو مستمر ويحتمل أن يقال لا يغرم نظرًا لتأخر تكون هذا الطالب عن نكول المطلوب وهو بالظاهر والله أعلم وقول ز ثبت الحق لجميعهم ولم يحتج لحلف باقيهم الخ فيه نظر بل النص بخلافه ففي تبصرة ابن فرحون وإذا مات رجل وله ورثة كبار وصغار وترك ذكر حق وليس فيه إلا شاهد واحد فإن الكبار يحلفون كلهم مع شاهدهم ويستحقون حقهم وأما الصغار فيقال للغريم احلف أن الذي شهد به عليك الشاهد باطل وأنه ليس عليك الشاهد باطل وأنه ليس عليك فإن نكل أخذ منه حق الصبي ودفع إلى وليه وإن حلف أقر حق الصبي بيده فإذا بلغ الصبي حلف وأخذ فإن نكل عن اليمين لم يكن له شيء اهـ.

وهذا هو الموافق لما تقدم عن المصنف وأما ما ذكره ز هنا تبعًا لعج فلا أصل له وحمله على ما إذا حلف البالغ على الجميع كما ذكره لا يصح لما علم من أنه لا يحلف

ص: 405

صبي وأبوه من أن البالغ يحلف وتوقف حصة الصبي حتى يبلغ إلا أن يحمل على ما إذا حلف البالغ على حصته فقط وأما لو ادعى بعض ورثته بدين لأبيه على غريم وحلف الغريم للمدعي بحكم قاض فهل هو حلف لجميعهم وبه العمل أو تعاد عند طلب بعض آخر قولان وسكت المصنف عن دعوى شخص على ورثة ميت أن له عليه دينًا ولا بينة له به فإن عملت قضى من تركته بعد يمين القضاء وإن لم تعلم حلفت أنها لا تعلم أن ادّعى عليهم العلم وإلا فلا فإن ادّعى عليهم فلم يجيبوا كانت من إفراد ما تقدم من قول وإن لم يجب حبس وأدب ثم حكم بلا يمين (و) من دفع لآخر دنانير أو دراهم صرفًا أو قضاء حق فاطلع فيها على نقص أو غش وأراد ردها لدافعها فأنكر أن يكون فيها ذلك (حلف) الدافع (في نقص) لعدد كوزن في متعامل به وزنًا فقط (بتا) أنه ما دفع إلا كاملًا لأن النقص يمكن فيه حصول القطع ولا يتعذر الجزم به صيرفيًّا أو غيره (و) في دعوى (غش) ونقص وزن في متعامل به عددًا أو وزنًا معًا (علمًا) أي على نفي العلم أي أنه ما دفع الأجياد في علمه زاد ابن يونس ولا يعلمها من دراهمه لأن الجودة والرداءة قد تخفى وظاهره حلفه على نفي العلم صيرفيًّا أولًا وهو قول ابن القاسم وقيل هذا في غير الصيرفي وأما الصيرفي فيحلف على البت مطلقًا قاله تت ونحوه للشارح وظاهر كلام ح في باب البيع اعتماد تقييد قوله وغش علمًا بغير الصيرفي وظاهر كلام المصنف في القسمين قبول قول الدافع بيمينه سواء قبضها الآخذ مقتضيًا لها أو لتقليبها فيأخذ الطيب ويرد غيره وقال بعض الشراح على الاقتضاء لا على التقليب والظاهر أنه لا فرق قاله تت قال عج والظاهر ما لبعض الشراح فالقول قول الآخذ لا الدافع لأنه أتممته في أن ما أخذه فيه رديء أو ناقص (واعتمد البات) في إقدامه على حلفه سائر الأمور لا في خصوص المسألة السابقة فقط (على ظن قوي كخط) أبيه أو خطه (أو قرينة) من خصمه كنكوله عن الحلف فيما ادّعى عليه به شاهد لأبيه يغلب على ظنه صدقه وتقدم أن

ــ

أحد ليستحق غيره (وحلف في نقص بتا وغش علمًا) قول ز والظاهر ما لبعض الشراح الخ ما قاله بعض الشراح هو نص المدونة في سلمها الأول ونصها وإذا أصاب المسلم إليه رأس المال رصاصًا أو نحاسًا فردها عليه فقال له ما دفعت لك إلا جيادًا فالقول قوله ويحلف ما أعطاه إلا جيادًا في علمه إلا أن يكون إنما أخذها على أن يريها فالقول قوله مع يمينه وعليه بدلها اهـ.

ونقله ابن عرفة ولم يذكر له مقابلًا (واعتمد البات على ظن قوي) قول ز فإما أن يقال هذا على أحد قولين الخ على هذا اقتصر المصنف في ضيح وهو الظاهر فإنه قال على قول ابن الحاجب وما يحلف فيه بتا يكتفي فيه بظن قوي وقيل المعتبر اليقين اهـ.

ما نصه ومن هنا تعلم أن قول المصنف في باب الإيمان قلت والظاهر أن الظن كذلك

ص: 406

الاعتماد على الظن غموس وظاهره ولو قوي فإما أن يقال هذا على أحد قولين أو يقال الأموال ليست كغيرها أو أنه هنا قيد بكونه قويًّا بخلاف ذلك فإن مطلق فيقيد بماذا لم يكن قويًّا واقتصر د على الأول نافيًا الأخير ومفهوم البات أن غيره ممن يحلف على نفي العلم يعتمد على الظن وإن لم يقو وهذا بخلاف الشهادة فلا يشهد إلا على العلم إلا فيما لا يمن كضرر الزوجين كما قدم المصنف وإلا في بعض المسائل كما تقدم في قوله واعتمد في إعساره بصحبة وكشهادة السماع (ويمين المطلوب) أي المدعى عليه بقدر معين كعشرة (ماله) أي للمدعي (عندي كذا) للقدر المعين (ولا شيء منه) لأن مدعي العشرة مدعٍ لكل آحادها فحق اليمين نفي كل واحد لأن إثبات الكل إثبات لكل أجزائه ونفيه ليس نفيًا لكل أجزائه فإن قيل العبرة ببينة المحلف فلا يحتاج لقوله ولا شيء منه قلت يحتمل أن المدّعي ادعى بالعشرة نسيانًا وكذا فيما بعده يحتمل نسيان السبب وذكر غيره ومثل ما ذكره المصنف ما يؤديه كماله عندي شيء من العشرة مثلًا فإن أسقط ولا شيء منه وجب حلفه عليه أو يعيد الصيغة بتمامها (ونفي) الحالف (سببًا إن عين) من المدعي كعشرة من سلف (و) نفي (غيره) أيضًا كماله عندي عشرة من سلف ولا غيره وظاهر قوله أن عين أنه لا يلزم تعيينه في الدعوى وهو مناف لقوله فيما سبق فيدعي بمعلوم محقق وجوابه أنه لا يلزم من عدم تعيينه كون المدعي به غير معلوم ثم ما هنا صادق بما إذا سأل الحاكم المدعى عليه عن السبب أو ذكره المدعي بدون سؤال فهو مقيد لحكم زائد على ما تقدّم فإن لم يعين سببًا كفي قوله ماله على حق أو شيء بخلاف ما إذا عينه فلا يكفي ذلك على المشهور ورجع إليه مالك بل لا بدّ من زيادة ولا شيء منه وإلا أعيدت اليمين واستشكلت زيادة قوله وغيره بأن شرط اليمين أن تطابق الدعوى كما لبعض أو الإنكار كما لابن الحاجب وابن شاس كما في د وجوابه أن زيادتها لئلا يدعي ثانيًا العشرة من بيع ويحتاج للحلف عفى نفيها فيكتفي بالأولى فيما يظهر لأن الشارع ناظر لتقليل الخصومة ما أمكن ويحتمل عدم الاكتفاء كمن حلف قبل أن يستحلف ويؤيد الأوّل ما تقدّم في باب الفلس من فائدة قوله وزاد وإن وجده ليقضين واستشكل قول ابن الحاجب وابن شاس شرط اليمين إن تطابق الإنكار بما إذا ادعى بخمسة عشر فأنكرها فشهد شاهد بعشر وآخر بخمسة فإن المشهود له يأخذ خمسة بشهادة الشاهدين ويحلف على الزائد مع شاهده فإن لم يحلف عليه حلف المشهود عليه

ــ

مبني على القول الثاني لا على الأول (ما له عندي كذا ولا شيء منه) قول ز لأن إثبات الكل إثبات لكل أجزائه الخ هذا التحقيق يغني عن السؤال والجواب اللذين بعده فالصواب لو أسقطهما (ونفي سببًا إن عين وغيره) قول ز وهو مناف لقوله فيما سبق فيدعي بمعلوم الخ لا معنى لهذه المنافاة فتأمله. وقول ز بل لا بد من زيادة ولا شيء منه الخ صوابه بل لا

ص: 407

على نفيه فقط كما يدل عليه قوله فيما تقدم في الطلاق كشاهد بواحد وآخر بأزيد وحلف على الزائد اهـ.

واليمين في هذه غير مطابقة لإنكاره الجميع وجوابه المراد بالإنكار الذي يعتبر مطابقة اليمين له بالإنكار الذي يفيد فيه اليمين ويمين المدّعي هنا لا تفيده في الخمسة لثبوتها بشاهدين وفرع على أنه لا بدّ من ذكر السبب قوله: (فإن قضى) المطلوب سلفًا كان عليه بغير بينة وجحده الطالب وأراد تحليفه أنه ما تسلف منه حلف و (نوى) في سره من غير نطق (سلفًا يجب) لك على (رده) الآن واستشكل بأن اليمين على نية الحاكم

ــ

بد من زيادة نفي السبب وغيره تأمل (فإن قضى نوى سلفًا يجب رده) ابن عرفة رحمه الله تعالى تقدم الكلام في نية الحالف في الإيمان وإن الخلاف عام في يمين القاضي وغيره حسبما نص عليه ابن رشد قائلًا إلا أن تتضمن نية المحكوم عليه إبطال حق فهي على نية المحلوف له اتفاقًا اهـ.

ونص ابن رشد في كتاب النذور من البيان بعد أن ذكر ستة أقوال في نية الحالف وهذا ما لم يقتطع بيمينه حقًّا لغيره فإن اقتطع بها حقًّا لغيره فلا ينفعه في ذلك نية إن نواها بإجماع وهو آثم عاص لله عز وجل داخل تحت الوعيد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اقتطع حتى امرئ مسلم بيمينه حرم الله تعالى عليه الجنة وأوجب له النار اهـ.

ونحوه في المقدمات وقال ابن الحاجب واليمين على نية الحاكم فلا تفيد تورية ولا استثناء ثم قال فإن ذكر السبب نفاه معه على المشهور وقال الباجي القياس أن يكتفي بذكر السبب وعن مالك يقبل ماله عندي حق ثم رجع قال ابن دينار قلت لابن عبدوس فيضطر إلى يمين كاذبة أو غرم ما لا يجب فقال ينوي شيئًا يجب رده الآن ويبرأ من الإثم اهـ.

فذكر ابن عبد السلام أن هذا مبني على مذهب الكتاب أنه لا يقبل منه أن يقول ماله عندي حق فلهذا يلزمه أحد الأمرين إما حلف يمين كاذبة وإما غرم ما لا يجب عليه غرمه إن أقر فأجاب ابن عبدوس بما يدل أن مذهبه خلاف ما تقدم من أن اليمين على نية الحاكم فيقول والله ما اشتريت منك هذه السلعة وينوي شراء يلزمه الآن منه شيء وكذلك في السلف وما أشبهه ويبرأ من الإثم ومن غرم ما لا يجب عليه غرمه اهـ.

قلت وبكلام ابن رشد وابن عبد السلام تعلم ما في جواب ز تبعًا للشيخ أحمد والله أعلم اهـ.

وقول ز ومثل ما ذكره المصنف المعسر إذا خاف أن يحبس فإنه يحلف كذلك الخ أي يحلف ما أسلفتني وينوي سلفًا يجب رده لأن المعسر لا يجب عليه أداء ما في ذمته ما دام على حاله.

تنبيه: قال ابن عرفة عز وابن الحاجب السؤال لابن دينار خلاف نقل ابن شاس عزوه

ص: 408

وأجيب بأنها هنا ليست على نيته لكونها في غير حق في نفس الأمر وأجاب البساطي بأنه يحلف ماله عندي عشرة من سلف ولا من غيره ولا ضرورة تلجئه إلى أن يقول ما أسلفتني اهـ.

لكن الذي في النص ما للمصنف الذي هو معنى أسلفتني فإن لم ينو ما ذكر حنث لأنه تسلف منه سلفًا كان يجب عليه رده بحسب الأصل ومثل ما ذكره المصنف المعسر إذا خاف أن يحبس فإنه يحلف كذلك قاله المقري في قواعده فإن قلت هذه في شيء باعتبار ما في نفس الأمر فليست كمسألة المصنف قلت المعسر في هذه الحالة بمنزلة من ليس عليه شيء من عدم الوفاء والمراد المعسر حقيقة بحيث لا يكون عنده ما يباع على المفلس كما قدم للمصنف وهذه المسألة مما تحرم الفتوى بها حيث كان عند المدين ما يباع على المفلس ويعتقد كعوام مصر أن المفلس ما لا نقد عنده (وإن قال) من ادعى عليه بشيء معين عقارًا أو غيره في يد هو (وقف أو) هو (لولدي) الكبير أو الصغير (لم يمنع مدع) لذلك الشيء بسبب القول المذكور (من) إقامة (بينة) على المقر له وينتقل خصام المدعي لناظر الوقف أو للولد الكبير أو لوالد الصغير (وإن قال) المدعى عليه (لفلان فإن حضر) فلان أي كان حاضرًا (ادعى عليه) أي نقلت الدعوى إليه باعتراف الأول مع تصديق المقر له إليه ثم لا يخلو من أن يحلف أو ينكل (فإن حلف) المقر له أنه له استحق المتنازع فيه وحينئذ (فللمدعي تحليف المقر) أنه صادق في إقراره للمقر له وأنه لا حق فيه للمدعي فإن حلف سقط حق المدعي ويأتي في كلامه نكوله وإن نكل المقر له حلف المدعي أن المقر كاذب في إقراره وأنه حق وأخذه

ــ

لأحمد ابن زياد وذكره ابن حارث في كتاب المديان كلفظ ابن شاس وعز وابن الحاجب وهم لأن ابن دينار إما عيسى وإما عبد الرحمن وإما محمد وكلهم لا يستقيم أن يسأل ابن عبدوس لعلو طبقتهم أما عيسى فهو أكبر من ابن عيدوس قال عياض وغيره أنه أخذ عن مالك ولازم ابن القاسم وأما عبد الرحمن فقال عياض لقي ابن القاسم في رحلته الأخرى وروى عنه سماعه وعرض عليه المدونة وفيها أشياء من رأيه وكلاهما من أهل الأندلس وذكرهما في طبقة سحنون وأما محمد فقال فيه عياض أنه صحب مالكًا وابن هرمز وروى عنه ابن وهب قال ابن عبد البر كان مفتي أهل المدينة مع مالك وعبد العزيز وأما ابن عبدوس فقال فيه عياض هو محمد بن إبراهيم بن عبدوس كان من أصحاب سحنون وهو أحد المحمدين الأربعة الذين اجتمعوا في عصر واحد من أئمة مذهب مالك لم يجتمع في زمن مثلهم اثنان مصريان ابن عبد الحكم وابن المواز واثنان قرويان ابن عبدوس وابن سحنون والحق ما ذكره ابن حارث أن السائل أحمد بن زياد قال عياض عجيب ابن عبدوس وغيره سمع منه ابن حارث وأبو العرب وغيرهما قال أبو العرب كان عالمًا بالوثائق وضع فيها عشرة أجزاء أجاد فيها اهـ.

ص: 409

بيمينه مع نكول المقر له فإن نكل فلا شيء له وليس له حينئذ تحليف المقر كما لابن عبد السلام ونقله ابن عرفة عن عياض بخلاف ما إذا حلف المقر له فللمدعي تحليف المقر كما قال المصنف وليس يمين تهمة خلافًا لتت بل تحقيق بدليل قوله: (وإن نكل) المقر بعد حلف المقر له وأخذ الشيء المقر به (حلف) المدعي (وغرم) المقر للمدعي قيمة (ما فوته) عليه بإقراره أو مثله إن كان مثليًّا وذكر قسيم فإن حضر بقوله (أو غاب) المقر له أي كان غائبًا غيبة بعيدة لا يعذر له فيها ولو قال: وإن غاب لنسج على منوال قسيمه (لزمه) أي المقر أحد أمرين (يمين) إن إقراره حق لاتهامه أنه أراد إبطال الخصومة عن نفسه (أو بينة) أنه ملك لفلان الغائب أو دعه عنده أو رهنه أو أعاره أو نحو ذلك وإذا وجد أحد هذين الأمرين بقي بيد المدعى عليه (وانتقلت الحكومة له) أي للغائب فيبقى المدعي على حقه إذا قدم (وإن نكل) المقر عن اليمين في غيبة المقر له (أخذه) المدعي حوزًا إلى حضور المقر له (بلا يمين) إذ لا معنى لها لأنها لا تقطع حجة الغائب (وإن جاء المقر له) بعد يمين المقر أو نكوله وتسليمه للمدعي فهو كالمفرع على الأمرين (فصدق المقر) فيما أقر له به (أخذه) من يد المقر حيث حلف أو

ــ

(فإن حلف فللمدعي تحليف المقر) استشكل هذا بأن هذه اليمين للتهمة وهي ضعيفة بدليل الخلاف فيها هل تتوجه أولًا وأيضًا فإنها لا تنقلب فكيف ساغ مع النكول عنها أن يحلف الآخر ويغرم المقر ما فوقه مع النكول بمنزلة شاهد وهو هنا ضعيف وأجاب ز بأن اليمين ليست يمين تهمة وإنما هي تحقيق بدليل قوله وإن نكل الخ (لزمه يمين أو بينة) قول ز أنه ملك لفلان الغائب الخ لا يشترط شهادة البينة بالملك للغائب بل شهادتها بالإعارة أو بالإيداع تكفي في بقائه تحت يده ورد دعوى المدعي المجردة كما يأتي له (وإن جاء المقر له فصدق الخ) قول ز بلا يمين في الأوليين وبها في الثالثة كما يفيده ح الخ ما أفاده ح هو الظاهر لأن معناه أن المقر له إذا حضر يأخذ من المقر بلا يمين لكن إذا خاصمه المدعي حلف له لقول المصنف وانتقلت الحكومة له وشيوخ عج إنما تكلموا على حلفه للمدعي لا للمقر كما يدل عليه كلامه عنهم فلا خلاف إذا بينهم وبين ح فتأمله والله أعلم (إن حقق) قول ز ولا يعارضه قوله في باب القضاء فيدعي بمعلوم الخ تبع عج وفيه نظر بل هو معارض له لكن مشى هنا على قول وهناك على قول آخر وقد قال ح في مفهوم قول المصنف إن حقق فإن كانت يمين تهمة فإن الحق يثبت فيها بمجرد النكول على المشهور صرح به ابن رشد اهـ.

من ضيح قال ابن عرفة قال ابن زرقون اختلف في توجه يمين التهمة فمذهب المدونة في تضمين الصناع والسرقة أنها تتوجه وقاله غير ابن القاسم في غير المدونة وقال أشهب لا تتوجه وعلى الأول فالمشهور لا تنقلب وفي سماع عيسى من كتاب الشركة أنها تنقلب قلت هو كلام ابن رشد اهـ.

ص: 410

أقام بينة ومن يد المدعي حيث انتفيا بلا يمين في الأوليين وبها في الثالثة كذا يفيده ح وقرر معظم شيوخ عج أنه بيمين في الأولين أيضًا لأن إقراره به له ويمينه أنه له كشاهد حيث كان عدلًا والبينة التي أقامها في غيبته حيث لم تشهد بالملكية بل بالإعارة أو الوديعة أو الرهن كذلك فإن شهدت بالملكية أخذه المقر بلا يمين وينبغي التعويل على هذا قال الشارح وتت واللفظ ومفهوم صدق المقر أنه لو كذبه سقط حقه وهل يكون لبيت المال لأنه كمال لا مالك له المازري وهو ظاهر الروايات عندنا أو يسلم لمدعيه لأنه لا منازع له فيه وبيت المال لم يحز حتى يدافع الإمام عنه المدعي كما قيل فيما أخذه السلابة فأخذ منهم فإنه يقضي به لمدعيه بعد الاستيناء والإياس ممن يطلبه أو يبقى بيد حائزه أقوال اهـ.

والظاهر القول الثاني لأن ملكه دائر بين المقر والمقر له والمدعي فيما يظهر فإذا انتفى ملك الأولين بقي للمدعي ويقدح في القياس على السلابة إن احتمال كونه لغير من يدعيه في مسألة السلابة أقوى من احتمال كونه لغير من يدعيه في مسألتنا وانظر هل تجري تلك الأقوال في مسألة الحاضر أيضًا حيث نكل المقر له والمدعي أم لا (وإن استحلف) المدعي أي طلب يمين غريمه وحلف بالفعل لا مجرد طلبه من غير حلف إذ لا تسقط به بينته (وله بينة حاضرة) بالبلد يعلمها (أو) قريبة (كالجمعة) ذهابًا فقط (يعلمها) وأرادا إقامتها بعد ذلك (لم تسمع) بعد حلقه لأنه إنما حلف على إسقاطها فتسقط وإن لم يصرح به إلا أن يشترط سماعها بعد حلفه ويوافقه الآخر فيعمل به كما في ح عن زروق ومفهوم يعلمها سماعها حيث لم يعلمها والقول قول مع يمينه على نفي علمها وكذا نسيانها وبعدها الزائد عن كالجمعة على ظاهر المصنف ونظر أبو الحسن في هذه فإن قيل هذه المسألة مكررة مع قوله فيما مر فإن نفاها واستحلفه فلا بينة إلا لعذر كنسيان فالجواب إن هذه فصل فيها ما لم يستفد مما هناك (وإن نكل) مدعى عليه

ــ

وقال طفى قول المصنف رحمه الله بيمين إن حقق تفريع على توجه يمين التهمة وقوله في القضاء فيدعي بمعلوم محقق الخ يقتضي عدم سماع دعوى التهمة فضلًا عن توجه اليمين فيها وفي المسألة خلاف فيؤخذ من كلام المصنف القولان بالتوجه وعدمه ثم ذكر كلام ابن فرحون في التبصرة بطوله ثم قال إذا علمت هذا ظهر لك أن قول عج أن ما تقدم في القضاء من قوله فيدعي بمعلوم محقق الخ هو غير دعوى الاتهام أما فيها فتسمع فيه نظر ولا معنى له إذ كل ما خالف التحقيق فهو تهمة وكأنه فهم أن المراد بالاتهام كون المدعى عليه من أهل التهم وليس كذلك لما علمته من كلام الأئمة أن يمين التهمة أعني المقابلة للمحققة تتوجه على القول بها وإن كان المدعى عليه ليس من أهل التهم نعم في بعض المسائل يشترط ذلك لموجب وهي قليلة فتأمله اهـ.

ص: 411

عن يمين توجهت عليه (في مال وحقه) أي المال أي ما يؤول له كخيار وأجل (استحق) مدع ما ادعاه (به) أي بسبب نكوله (بيمين) من المدعي أي معه لا بمجرد النكول هذا (إن حقق) المدعي معرفة ما ادعى به فالتحقيق قيد في اليمين فإن كان موجبه التهمة فبمجرد نكوله استحقه المدعي لأن يمين التهم لا ترد ولا يعارضه قوله في باب القضاء فيدعي بمعلوم محقق وإلا لم تسمع كاظن لأنه في غير دعوى الاتهام وما هنا في دعواها (وليبين الحاكم) للمدعى عليه (حكمه) أي النكول أي ما يترتب على نكوله في دعوى التحقيق أو التهمة وظاهره كعبارة الإمام الوجوب وعليه فهو شرط في صحة الحكم كالإعذار في محله للمدعى عليه وظاهر ابن شاس وابن الحاجب الاستحباب ومحل طلب القاضي بذلك حيث لا يعرف المدعى عليه أو يعرفه ويعرف منه الجهل (ولا يمكن) من توجهت عليه من مدعى عليه أو مدع كما في تت عن التوضيح (منها إن نكل) عند السلطان أو غيره لأن نكوله دليل على صدق خصمه ويأتي مفهومه إن سكت (بخلاف مدعى عليه) أو مدع التزمها (ثم رجع) عنها فله ذلك ويمكن منها وعلل الشارح عدوم لزوم اليمين بالتزامها للمدعى عليه بقوله فإن التزامه لا يكون أشد من إلزام الله أي فإن كان له أي يرد اليمين ابتداء على المدعى مع إلزام الله له اليمين فأحرى أن يردها عليه بالتزامه (وإن ردت) يمين (على مدع) أو مدعى عليه من مقيم شاهد في مال ورد اليمين على المدعى عليه لعدم حلفه مع الشاهد (وسكت زمنًا) قصيرًا أو طويلًا لم يقض العرف بأنه نكول فيما يظهر (فله) ذلك أي (الحلف) ولا يعد سكوته نكولًا وأولى إن طلب المهلة ليتروى في الإقدام عليها أو الإحجام إلا أن يطلب خصمه التعجيل كما لابن فرحون ثم تكلم على مسألة تعرف بمسألة الحيازة وألحقها بالشهادة لأن في بعض أنواعها ما تسمع فيه البينة وفي بعضها ما لا تسمع فيه وربما يذكرونها مع الأقضية لأن بعضها يقع فيه القضاء وذكر منها ثلاثة أنواع أجنبي غير شريك وأجنبي شريك وأقارب شركاء أصهار وغيرهم فأشار للنوع الأول بقوله: (وإن حاز أجنبي غير شريك) وأشار لصفة الحوز وأول شروطه بقوله (وتصرف) بواحد من ثلاثة عشر سكنى

ــ

(وإن ردت على مدع الخ) لو قال عوض ما ذكر وإن سكت من توجت عليه زمانًا الخ لكان أحسن لشموله (وإن حاز أجنبي غير شريك) قول ز في التوطئة لأن في بعض أنواعها ما تسمع فيه البينة الخ أحسن من هذا التوجيه ما في ح ونصه ختم المصنف الباب بمسألة الحيازة لأنها بمنزلة الشاهد على الملك قال ابن رشد في كتاب الاستحقاق من البيان لا تنقل الحيازة ملك المحوز عليه إلى الحائز اتفاقًا ولكنها تدل على الملك كإرخاء لستور ومعرفة العفاص والوكاء فيصدق الحائز مع يمينه لحديث من حاز شيئًا عشر سنين فهو له ومعناه عند العلماء أن الحكم يوجبه بدعواه فمن حاز مال غيره في وجهه عشرة أعوام مع

ص: 412

ازدراع غرس استقلال هبة صدقة نحلة عتق كتابة تدبير بيع هدم بناء كثير لغير إصلاح لا له أو يسير عرفًا وفي بعض الشراح استثناء البيع والهبة والصدقة والوطء والكتابة ونحو ذلك فإن هذا لا يحتاج معه إلى طول الزمان إذا علم المدعي ذلك ولم ينكر وهذا عام في جميع الأقسام التي ذكرها المؤلف والتي لم يذكرها كالأصهار والموالي ولا يلتفت لكلام الشارع وغيره اهـ.

ولثانيها بقوله: (ثم ادعى) أجنبي (حاضر) مع الحائز ولو حكمًا كعلي مسافة

ــ

الهدم والبنيان أولًا وادعى ملكه ببيع أو هبة صدق مع يمينه اهـ.

باختصار قال ح وسواء ادعى صيرورة ذلك من غير المدعي أو ادعى أنه صار إليه من المدعي ثم قال ابن رشد والحيازات ستة أقسام أضعفها حيازة الأب عن الابن ثم حيازة الأقارب الشركاء ثم الأقارب غير الشركاء ثم الموالي والأختان غير الشركاء ثم الأجانب الشركاء ثم الأجانب غير الشركاء وهي أقواها انظر ح وقول ز وفي بعض الشراح استثناء البيع والهبة الخ محل هذا الاستثناء إنما هو قوله عشر سنين كما يفيده كلامه ونص ابن رشد وتحصل الحيازة في كل شيء بالبيع والهبة والصدقة والعتق والتدبير والكتابة والوطء ولو بين أب وابنه ولو قصرت المدة إلا أنه إن حضر مجلس البيع فسكت لزمه البيع وكان له الثمن وإن سكت بعده العام ونحوه استحق البائع الثمن بالحيازة مع يمينه وإن لم يعلم بالبيع إلا بعد وقوعه فقام حين علم أخذ حقه وإن سكت العام ونحوه لم يكن له إلا الثمن وإن لم يقم حتى مضت مدة الحيازة لم يكن له شيء واستحقه الحائز وإن حضر مجلس الهبة والعتق فسكت لم يكن له شيء وإن لم يحضر ثم علم فإن قام حينئذٍ كان له حقه وإن سكت العام ونحوه فلا شيء له ويختلف في الكتابة هل تحمل على البيع أو على العتق قولان اهـ.

باختصار (ثم ادعى حاضر) قول ز وإن أشكل أمره فكذلك أيضًا الخ تبع عج وأصله في ضيح قال طفى وظاهر النقل أن ابن القاسم لا يسقط حقه بالأربعة ولو كان لا عذر له فيما يراه الناس ففي رسم الجواب قال عيسى قلت لابن القاسم في الرجل يغيب مثل مسير الأربعة الأيام ونحوها فإذا لم يكن له عذر ولا ضعف يعرفه الناس قال كم ممن لا يتبين عذره للناس هو معذور فلا أرى أن يقطع ذلك عنه شيئًا متى ما قام كان على حجته اهـ.

ولم يقيد ابن عرفة الخلاف بالإشكال اهـ.

من طفى باختصار.

تنبيه: قال ابن عرفة قال ابن رشد وهذا الخلاف في القريب إنما هو إذا علم وإن لم يعلم فلا حيازة عليه وإن كان حاضرًا غير أنه في الغائب محمول على غير العلم حتى يثبت علمه وفي الحاضر محمول على العلم حتى يتبين أنه لم يعلم اهـ.

ص: 413

يومين في حق الرجال لا النساء قاله ابن عاصم وأراد يومين مع الأمن وانظر ما حدا القرينة في حق النساء فإن بعدت غيبته كالسبعة الأيام فله القيام متى قدم اتفاقًا مطلقًا فإن قربت كالأربعة وثبت عذره عن القدوم لعجزه ونحوه وعن التوكيل فكذلك أيضًا وإن أشكل أمره فكذلك أيضًا عن ابن القاسم وقال ابن حبيب يسقط حقه ما لم يثبت عذره كذا يفيده الشارح وغيره فجعل تت اختلف ابن القاسم وابن حبيب في القريبة كالأربعة مع ثبوت العذر فيه نظر لما علمت من أن اختلافهما مع جهله وأما مع ثبوته فله القيام باتفاقهما ولثالثهما بقوله: (ساكت) فإن نازع الحائز لم يسقط حقه وظاهره ولو في أي وقت من العشر سنين وفي مق عن سحنون لا بد من دوام المنازعة فيها اهـ.

وظاهره وإن لم تكت عند حاكم وهو ظاهر الشارح وابن ناجي وفي ابن عمر أنها تنفعه إن كانت عند قاض قال تت عنه الحيازة إنما تكون في موضع الأحكام وأما في موضع البادية فلا حيازة اهـ.

ولرابعها بقوله: (بلا مانع) ومن عدمه جهل حكم إن الحيازة تقطع البينة فلا يعذر به ودعواه سكوته لغيبتها أو غيبة وثيقته فحين حضرت بعد العشر سنين قام بها فلا ينفعه ذلك فإن سكت لمانع كدعوى جهله ما يقوم به من بينة أو وثيقة ثم وجده عذر بذلك وكخوفه من سطوة الحائز أو استناده لذي سطوة أو كونه رب دين على المدعي وهو معدم وكصغره أو سفهه مولى عليه أو بكر غير معنسة وكان ذلك (عشر سنين) ظرف لحاضر ساكت بلا مانع وهو يتضمن كون الحيازة عشر سنين أي للجائز أوله ولوارثه فإنها تلفق منهما وليس ظرفًا التصرف إذ لا يعتبر فيه تلك المدة بل يكفي أول جزء منها كذا في عج وفي مق ما يخالفه فإنه قال قوله عشر سنين يصح أن يعمل فيه حازا وتصرف أو حاضر أو ساكت فيعمل فيه أحدهما وباقيها في ضميره إن جازتنا تنازع مثل

ــ

(بلا مانع) قول ز كدعوى جهل ما يقوم به الخ فيه نظر وفي ح قال الجزولي إذا قال علمت أنها ملكي ولكن منعني من القيام عدم البينة والآن وجدت البينة فإنه لا ينفعه ذلك ولا قيام له اهـ.

وكذا قال ابن ناجي الصواب عندي أنه لا يقبل عذره بذلك لأنه كالمعترف بأنه لا حق له مدعي رفعه اهـ.

زاد في شرح المدونة أنها وقعت بالقيروان وأفتى فيها أبو مهدي الغبريني بذلك بعد أن كان يختار خلافه انظر ح (عشر سنين) هذا خاص بالعقار والتحديد بالعشر نحوه في الرسالة وعزاه في المدونة لربيعة قال ابن رشد وهو المشهور في المذهب ولابن القاسم في الموازية ما قارب العشر كسبع وثمان كالعشرة وقال مالك في المدوّنة تحد باجتهاد الحاكم وقول ز وفي قوله أو تصرف والمعتمد الخ هكذا فيما رأيته من النسخ ولعله وقع فيه حذف

ص: 414

هذا العدد وإلا فبقدر معمول لما زاد على العوال الثلاثة ولا يجوز أن يعمل في ضمير المتنازع فيها اهـ.

والظاهر أن الذي يعتبر زائدًا هنا هو ما زاد على الثلاثة الأول كما يدل عليه كلامه وفي قوله أو تصرف والمعتمد فيه ما في عج (لم تسمع) دعواه كسماعها على غير حائز بحيث تكون البينة على المدعي واليمين على المنكر وليس المراد نفي سماعها مطلقًا إذ تسمع لاحتمال إقرار الحائز للمدعي أو اعتقاد الحائزان أن مجرد حوزها تلك المدة يوجب له ملكها وإن كانت ثابتة الملك لغيره قالت: تت وبقي عليه شرط خامس وهو أن يعلم هذا الحاضر أن المحاز ملكه مع تصرف الحائز له وأما إن قال لا علم لي بأنه ملكي وما وجدت الوثيقة إلا عند فلان أو كان وارثًا وادعى أنه لم يعلم قبل قوله مع يمينه قاله في الوثائق المجموعة ويحتمل أن يدخل هذا في قول المصنف بلا مانع اهـ أي في مفهومه كما قدمنا وبقي من شروطها أيضًا أن يدعي الحائز ملك الشيء المحاز أي ولو مرة وأما إن لم يكن له حجة إلا مجرد الحوز فلا ينفعه كما قال مق وإنما لم تسمع دعواه بعد المدة المذكورة مع شروطها لأن العرف يكذبه إذ سكوته تلك المدة دليل على صدق الحائز لجرى العادة إن الإنسان لا يسكت عن ملكه تلك المدة ولخبر من حاز شيئًا عشر سنين فهو له والتحديد بها هو المشهور كما قال ابن رشد وعزاه في المدونة لربيعة وهو المعتمد انظر الشارح آخر الباب وذكر قوله: (ولا بيننه) لدفع توهم

ــ

المبتدأ والأصل وفي قوله أو تصرف نظر والمعتمد فيه الخ (لم يسمع ولا بينته) قول ز بحيث تكون البينة على المدعي واليمين على من المنكر الخ يعني أن فائدة عدم سماع الدعوى سقوط اليمين عن الحائز المنكر وهو الذي ذكره بعد عن المدونة بقوله وفي المدونة والحيازة كالبينة القاطعة لا يحتاج معها ليمين اهـ.

ونحوه قول القلقشاني ما نصه قال أحمد بن عبد الملك بن المكوي مذهب المدونة أن الحيازة كالبينة القاطعة فلا يمين على الحائز وقول عيسى يحلف خلاف المدونة اهـ.

وفي ح القول بنفي اليمين عزاه في ضيح لظاهر نقل ابن يونس وغيره والقول باليمين عزاه لصريح كلام ابن رشد فهو أقوى وهو الظاهر اهـ.

فاستظهر خلاف مذهب المدونة فانظره.

تنبيه: يستثنى من قوله لم تسمع الخ ما إذا كان الحائز معروفًا بالغصب لأموال الناس فإن الحيازة لا تنفعه ابن عرفة سمع يحيى بن القاسم من عرف بالغصب لأموال الناس لا ينتفع بحيازة مال غيره في وجهه فلا يصدق من أجلها على ما يدعيه من شراء أو عطية وإن طال بيده أعوامًا إذا أقر بأصل الملك لمدعيه أو قامت له به بينة قال ابن رشد وهذا صحيح لا خلاف فيه لأن الحيازة لا توجب الملك إنما هي دليل عليه توجب تصديق غير الغاصب

ص: 415

إن دعواه مع البينة تسمع ولأجل قوله (إلا) أن تشهد البينة (بإسكان) من المدعي للحائز (ونحوه) كإعماره أو إرفاقه أو مساقاته أو مزارعته فإن ذلك لا يفوته على صاحبه وتسمع بينته فليس مراده إلا بدعوى إسكان لعدم قبول دعواه مع إنكاره الحائز نعم إن أقر له به كان كالبينة أو أولى كما في مق ثم لا بد من حلفه مع بينته إن ادعى الحائز الملكية من المدعي أو غيره ببيع أو هبة فإن ادعى مجرد الحيازة لم يحلف مقيم البينة معها قاله في

ــ

فيما ادعاه من تصييره إليه لأن الظاهر أنه لا يجوز أخذ مال أحد وهو حاضر لا يطلبه ولا يدعيه إلا وقد صار إلى حائزه إذا حازه العشرة الأعوام ونحوها اهـ.

فرع: اختلف هل يطالب الحائز ببيان وجه ملكه فقال ابن أبي زمنين لا يطالب به وقال غيره يطالب وقيل إن لم يثبت أصل الملك للمدعي لم يطالب الحائز وأن ثبت أصل الملك للمدعي طولب الحائز بالبيان انظر ح رحمه الله (إلا بإسكان ونحوه) ابن رشد الحيازة لا ينتفع الحائز بها إلا أن يجهل أصل دخوله فيها وأما إذا علم أن أصل دخوله فيها كان على وجه ما من غصب أو عارية أو إسكان أو إرفاق فلا ينتفع بطول حيازته له إلا أن يطول زمن ذلك جدًّا ولم يحد في هذه الرواية حدًّا لا إنه قال قدر ما يخشى أن يكون من يعرف ذلك الحق قد هلك أو نسي لطول زمانه ثم قال والبيع والهبة والأصداق والصدقة والبناء والغرس على ما حكى ابن حبيب ومطرف وابن الماجشون وأصبغ كالطول في ذلك اهـ.

من رسم المكاتب من سماع يحيى من كتاب الأقضية الثاني وقول ز وفي المدونة الحيازة كالبينة الخ هذا موضوع في غير محله لأن كلامه هنا في القضاء للمدعي وكلام المدونة في القضاء للحائز فلو قدمه عند قول المصنف لم تسمع الخ كان صوابًا وكذا قول ز ولا يكون قوله وهبته لي الخ الصواب تقديمه هنالك أيضًا لأن معنى هذا الفرع أن المدعي لم تشهد له بينة بإسكان ولا نحوه وادعى الحائز أنه ملكه من جهة المدعي بهبة أو ابتياع مثلًا فإن الحائز يصدق بعد المدة بيمينه وقد تقدم هذا عن ابن رشد وقول ز وفي المعيار عن العبدوسي خلافه الخ فيه نظر بل الذي فيه عن العبدوسي موافق لما ذكره ابن رشد ونص ما في المعيار سئل سيدي عبد الله العبدوسي عمن له دين على رجل برسم وللرسم المذكور مدة من أربعين سنة فهل يبطل الدين بتقادم عهده أم لا فأجاب طول المدة المذكورة لا يبطل الدين عن المديان المذكور ولا خلاف في ذلك وإنما الخلاف إذا كان الدين برسم وطالت المدة جدًّا وادعى المديان قضاءه ولم يكن هناك ما يدل على أنه لم يقضه من مغيب أو إكراه أو إنكار أو غير ذلك فقيل يقبل قوله في القضاء مع يمينه وقيل لا يقبل وهو المشهور وإن كان بغير رسم فقيل يقبل قوله في القضاء مع طول المدة مع يمينه على المشهور ولا سيما إن كان رب الدين محتاجًا والذي عليه الدين مليًّا وكانا حاضرين ولا دلالة بينهما تمنع من الطلب وبالله التوفيق اهـ.

ص: 416

التوضيح كما في تت وأصله لابن رشد والمازري وتقدم نحوه عن مق وفي المدونة الحيازة كالبينة القاطعة لا يحتاج معها اليمين اهـ.

ولا يكون قوله وهبته لي إقرارًا بالملك فيخص ما تقدم في باب الإقرار بما لم يكن مدة حيازة لتقديم شهادة العرف على إقراره وقيد قوله إلا بإسكان ونحوه بما إذا لم يحصل من الحائز بحضرة المدعي بيع أو هبة أو صدقة أو نحلة أو عتق أو كتابة أو تدبير أو وطء أو نحو ذلك مما لا يحصل إلا من المالك في ملكه فلا تسمع بينة المدعي بإسكان ونحوه قاله أبو الحسن والتبصرة وقيد قوله لم تسمع الخ بحق الآدمي وأما في حق الله كوقف وبناء بطريق فتسمع البينة ولو زادت مدة الحيازة عن الأمد المذكور قطعًا في الأول وقيد ابن عرفة الثاني بما لم يتقادم البناء بالطريق كستين سنة والإطلاق هو الموافق لقول المصنف في باب الشركة وبهدم بناء الطريق ولو لم يضر فظاهره ولو تقادم ويستثني من قوله ولا بينته الديون الثابتة قال وفي فتاوى البرزلي اختلف المذهب في حد السقوط القاطع لطلب الديون الثابتة في الوثائق والأحكام مع حضور ربها وتمكنه فقيل عشرون سنة وهو قول مطرف وقيل ثلاثون وهو قول مالك قال وأحفظ لابن رشد في شرحه أنه إذا تقرر الدين وثبت لا يبطل وإن طال لعموم خبر لا يبطل حق امرئ مسلم وإن قدم واختاره التونسي إذا كان بوثيقة مكتوبة وهي في يد الطالب واختاره شيخنا الغبريني وسواء كان من مبايعة أو سلف أو صدقات اهـ.

قلت وفي المعيار عن أبي عبد الله العبدوسي خلافه وأشار للنوع الثاني بقوله: (كشريك) في المتنازع فيه لا مطلقًا (أجنبي) والأنسب بمقابلته بما قبله كأجنبي شريك (حاز فيها) أي في العشر سنين (إن هدم) أو قلع غرسًا أو باع أو وهب أو تصدق أو أنحل أو أعتق أو كاتب أو دبر أو وطئ والواو بمعنى أو في قوله: (وبنى) كثيرًا بالعرف للتوسعة فتثبت له الحيازة بذلك ونبه عليه لأنه قد يتوهم أن الشريك يحابي شريكه فتسمع دعواه وبينته فنفي ذلك وأما إن هدم ما يخشى سقوطه أو بنى يسيرًا فإن ذلك لا يمنع من قيام شريكه ومثل البناء غرس بدار أو أرض أو استغلال في غيرهما لا استخدام رقيق أو ركوب دابة أو لبس ثوب وأشار للنوع الثالث بقوله (وفي) حيازة (الشريك القريب) والأنسب بالأول القريب الشريك (معهما) أي مع الهدم والبناء وما يقوم مقام كل مما مر (قولان) أحدهما عشر سنين والثاني زيادة على أربعين عامًا معهما وهو المعتمد بين الأقارب ولو غير شركاء في عقار إلا لعداوة بينهم فكأجانب شركاء كما في ابن عاصم كأصهار لا قرابة بينهم وموالي فإنهم كأجانب شركاء وقيل كأجانب غير شركاء وقيل كأقارب غير شركاء والثلاثة لابن القاسم والفرق على الأول بينهم وبين الأقارب إن شدة مداخلة القريب غير الشريك أقوى من الموالي والأصهار غير الشركاء وأما الأصهار الذين بينهم قرابة فيجري فيهم ما جرى في الأقارب الذين ليسوا بموالي

ص: 417

ولا أصهار وسكت المصنف عن الأصهار والموالي كما ترى (لا) تعتبر الحيازة (بين أب) وإن على كما في مختصر المتيطية (وابنه) أي لا يصح حوز أحدهما عن الآخر بكهدم وما الحق به (إلا) بما يحصل به التفويت (بكهبة) وبيع وصدقة وعتق وتدبير وكتابة ووطء ونحو ذلك و (إلا أن يطول) أمد الحيازة بين الأب وابنه (معهما) أي مع الهدم والبناء أو مع أحدهما (ما) أي زمان يغلب على الظن معه أنه (تهلك البينات) فيه (وينقطع العلم) معه بحقية ما يدعيه كل منهما فتعتبر الحيازة بينهما حينئذٍ وتنقطع حجة المدعي ولا تسمع دعواه ولا بينته ولا يخفى إن هلاك البينة وانقطاع العلم يختلف باختلاف سن الشهود وفي مختصر المتيطي في محل أن هلاكهم في عشرين عامًا وفي محل بأزيد من أربعين عامًا وكلامهما مشكل مع ما مر في الراجح في القريب الشريك إذ يلزم استواء الأب وابنه على هذا الثاني وأن يكون دونه على الأول فتأمل وسكت في أنواع الحيازة الثلاثة عن حيازة الأكثر هل يكون الأقل تبعًا له أو لا فيه قولان وإن حاز النصف فلكل حكمه انظر اختصار المتيطية ولا تفترق مدة الحيازة في الأقارب وفي الأب وابنه في الأصول والحيوان والعروض بل هي مستوية وذكر ما هو كالاستثناء من قوله عشر سنين فقال (وإنما تفترق الدار) ونحوها من باقي العقار (من غيرها) كعرض ودواب (في) حيازة (الأجنبي) غير الشريك والمدعي حاضر ساكت بلا مانع من قيامه

ــ

من نوازل البيوع (إلا أن يطول معهما الخ) هذا راجع للمنفي وهو أصل ما استثنى منه فكان حقه عطفه بالواو كما قرره ز وهو الذي ذكره ابن مرزوق وغيره (وإنما تفترق الدار من غيرها في الأجنبي) إنما اعتمد المصنف في هذا الحصر كلام ابن رشد الذي نقله المواق وح وغيرهما قال ح بعده فهم من المصنف أن القريب لا تفترق الدار من غيرها في حقه سواء كان شريكًا أو غير شريك ففيه إشارة إلى ترجيح القول بتساويهما اهـ.

واعترضه طفى بأن ابن رشد لم يستند فيما ذكره من التفريق بين القريب والأجنبي إلا لأصبغ فاقتضى كلامه أن أصبغ سوى بين العقار والثياب وما معها في القريب مع أن أصبغ فرق بينهما فيه أيضًا ففي ابن سلمون قال أصبغ ومطرف وأما حيازة الشريك الوارث عمن ورث عنه في العروض والعبيد بالاختدام واللبس والامتهان منفردًا به على وجه الملك له فالقضاء فيه أن الحيازة في ذلك فوق العشرة الأعوام على قدر اجتهاد الحاكم عند نزول ذلك اهـ.

فعبارة ابن رشد مشكلة ولذا اعترض ابن مرزوق عبارة المصنف قائلًا مفهوم الحصر يقتضي مساواة الدار وغيرها بالنسبة للأقارب في مدة الحيازة ولا عمل على هذا المفهوم لمخالفته النص قال ابن يونس وغيره عن مطرف وما حاز الشركاء والورثة من العبيد والإماء والدواب والحيوان وجميع العروض تختدم وتركب وتمتهن العروض فلا يقطع حق الباقين ما لم يطل والطول في ذلك دون الطول بينهم في حيازة الدور والأرضين بالسكن والازدراع وفرق حيازة الأجنبي على الأجنبيين اهـ.

ص: 418

بحقه (ففي الدابة) تركب (و) في (أمة الخدمة) تستخدم (السنتان ويزاد) على ثلاث سنين لا على سنتين كما يوهمه (في عبد) لخدمة أو غيرها كتجر (وعرض) غير ثوب كأواني نحاس وأما الثوب فيكفي فيه عام وقولي في الدابة تركب تحرز عما لا يركب كجاموس فكالعرض فيما يظهر والظاهر أيضًا أن استعمال دابة الركوب في غيره كهو وقولي تستخدم تحرز عن أمة وطء فتفوت بحصوله كهبة وصدقة كما لابن رشد فإن لم توطأ فانظر هل كذلك لأنها مظنته أو سنة ومفهوم قوله في الأجنبي أن حيازة العقار بين الأقارب لا يكفي فيها.

ما ذكر وهو كذلك إذ لا بد فيه من مدة تزيد على أربعين عامًا على المعتمد كانوا شركاء أم لا كما مر وكذا غير العقار مما تطول مدته كنحاس وبسط مع استغلاله لا كثياب مع لبس فينبغي أن حيازته دون تلك المدة لعدم بقائه فيها فيبعد تحديده بذلك.

تم الجزء السابع ويليه الجزء الثامن وأوله باب في أحكام الدماء والقصاص

ــ

كلام ابن مرزوق وما نقله ابن يونس عن مطرف يرجع لنقل ابن سلمون عنه مع أصبغ وقوله والطول في ذلك دون الطول بينهم في حيازة الدور والأرضين بالسكنى والازدراع لأن مدة ذلك بالنسبة للسكنى والازدراع في كلام ابن عاصم وغيره أزيد من أربعين سنة ونقله في شرح التحفة عن المنتقى خلافًا لقول ابن رشد لا حيازة بين الورثة الشركاء السكنى والازدراع وإن طال الزمن جدًّا فقد ظهر لك أن أصبغ كما فرق بين العقار وغيره في الأجنبي كذلك فرق في الأقارب وأما ابن القاسم فسوى بين الأصول وغيرها في الأجنبي كما سوى بينهما في الأقارب ففيها قال ابن القاسم من حاز على حاضر عروضًا أو حيوانًا أو رقيقًا فذلك كالحيازة في الريع اهـ.

ولم أر التفصيل الذي سلكه ابن رشد من التفريق في الأجنبي فقط إلا أنه رجل حافظ ولعله تفقه له فتأمل ذلك وقد جرى ح على طريق ابن رشد مقتصرًا عليه وأما عج فقال اعتراض ابن مرزوق صحيح بل ربما يتعين المصير إليه لموافقته لما في النوادر وهو مقدم على ما يدل عليه كلام ابن رشد اهـ.

من طفى رحمه الله تعالى باختصار والله سبحانه وتعالى أعلم.

ص: 419