الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَاب مَا لَا يجوز مِن الظَّن وَالنَّهْي عَن التحاسد والتجسس
قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: 12].
وَقَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق: 5]، وَقَالَ تَعَالَى:{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النِّسَاء: 54]، وَقَالَ تَعَالَى:{فَمَا اخْتَلَفُوا إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} [الجاثية: 17]، وَالْبَغي: الْحَسَد، وَسمي الظُّلم بغيا، لِأَن الْحَاسِد ظَالِم، وَقَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى:{إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [يُونُس: 23].
3533 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلا تَجَسَّسُوا، وَلا تَنَافَسُوا، وَلا تَحَاسَدُوا، وَلا تَبَاغَضُوا، وَلا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ
إِخْوَانًا».
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّان بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْن الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَد بْن يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْد الرَّزَّاقِ، أَنا مَعمر، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ مِثْلَهُ، وَقَالَ:«إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ» ، ذَكَرَهُ ثَلاثًا، قَالَ:«وَلَا تَنَاجَشُوا» ، بَدَلَ قَوْلِهِ:«وَلا تَجَسَّسُوا» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ.
وَزَادَ: «وَلا تَحَسَّسُوا وَلا تَجَسَّسُوا»
قَوْله: «إيَّاكُمْ وَالظَّن» ، أَرَادَ بِهِ سوء الظَّن، وتحقيقه دون مبادي الظنون الّتي لَا تملك.
لِأَنَّهُ سبحانه وتعالى قَالَ: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12]، وَلم يَجْعَل كُله إِثْمًا.
وَحكي عَن سُفْيَان الثَّوْريّ، أَنَّهُ قَالَ: الظَّن ظنان: ظن إِثْم، وَظن لَيْسَ بإثم، فَأَما الَّذِي هُوَ إِثْم، فَالَّذِي يظنّ ظنا، وَيتَكَلَّم بِهِ.
وَالَّذِي لَيْسَ بإثم، فَالَّذِي يظنّ، وَلَا يتَكَلَّم بِهِ.
قلت: فَأَما اسْتِعْمَال سوء الظَّن إِذا كَانَ عَلَى وَجه الحذر وَطلب السَّلامَة مِن شَرّ النّاس، فَلَا يَأْثَم بِهِ الرجل، فَإِن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ لعَمْرو بْن الفغواء الْخُزَاعِيّ:«التمس صاحبا» ، وَأَرَادَ أَن يبْعَث بِمَال إِلَى أَبِي سُفْيَان يقسمهُ فِي قُرَيْش بِمَكَّة بعد الْفَتْح، فجَاء إِلَيْهِ عَمْرو بْن أُميَّة الضمرِي، وَقَالَ:«أَنَا لَك صَاحب» ، قَالَ: فَأخْبرت رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إِذا هَبَطت بلاط قومه، فاحذره، فَإِنَّهُ قد قَالَ الْقَائِل:«أَخُوك الْبكْرِيّ وَلَا تأمنه» ، وَذَلِكَ مثل شهير للْعَرَب فِي الحذر.
وَرُوِيَ عَن عُمَر بْن الْخَطَّابِ رضي الله عنه، أَنَّهُ قَالَ:«احتجزوا مِن النّاس بِسوء الظَّن، وَلَا تثقوا بِكُل أحد، فَإِنَّهُ أسلم لكم» .
وَقَالَ سلمَان: «إِنِّي لأعد هراق الْقدر عَلَى خادمي مَخَافَة الظَّن» .
قَالَ أَبُو خلدَة: «كُنَّا نؤمر بالختم عَلَى الْخَادِم والكيل وَالْعدَد، خشيَة أَن يُصِيب أَحَدنَا إِثْمًا فِي الظَّن، أَو يتعود الْخَادِم خلق سوء» .
وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود: «مَا يزَال الَّذِي يسرق يسيء الظَّن حَتَّى يكون أعظم إِثْمًا مِن السَّارِق» .
والتجسس بِالْجِيم: الْبَحْث عَن عُيُوب النّاس، والتحسس بِالْحَاء: طلب الْخَيْر، وَمِنْه قَوْله سبحانه وتعالى:{يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ} [يُوسُف: 87]، فالتجسس فِي الشَّرّ، وَبِالْحَاءِ فِي الْخَيْر.
قلت: نهى صلى الله عليه وسلم عَن تتبع أَخْبَار النّاس لِئَلَّا يَقع فِي حسده إِن كَانَ خيرا، وَلَا يظْهر عَلَى عَوْرَته إِن كَانَ شرا.
وَقيل: التحسس بِالْحَاء: أَن يَطْلُبهُ لنَفسِهِ، والتجسس بِالْجِيم: أَن يَطْلُبهُ لغيره، وَمِنْه الجاسوس.
وَقيل: التَّجَسُّس، بِالْجِيم: الْبَحْث عَن العورات، والتحسس: الِاسْتِمَاع لحَدِيث الْقَوْم، وَأَصله مِن الْحس.
لِأَنَّهُ يتتبعه بحسه، وَقيل: هما سَوَاء، وَقَرَأَ الْحَسَن «وَلَا تحسسوا» بِالْحَاء.
3535 -
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: " يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الآنَ مِنْ هَذَا الْفَجِّ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، قَالَ: فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ تَنْطِفُ لِحْيَتُهُ مِنْ وَضُوئِهِ قَدْ عَلَّقَ نَعْلَهُ فِي يَدِهِ الشِّمَالِ، فَسَلَّمَ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ ذَلِكَ: فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِثْلَ مَرَّتِهِ الأُولَى، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ مَقَالَتِهِ أَيْضًا: فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ الأُولَى،
فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، تَبِعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: إِنِّي لاحَيْتُ أَبِي، فَأَقْسَمْتُ أَلا أَدْخُلَ عَلَيْهِ ثَلاثًا، فَإِنْ رَأَيْتَ أنْ تُئْوِيَنِي إِلَيْكَ حَتَّى تَنْقَضِيَ الثَّلاثَةُ، فَعَلْتَ، قَالَ: نَعَمْ "، قَالَ أَنَسٌ: فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَاتَ مَعَهُ ثَلاثَ لَيَالٍ، قَال: فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّهُ إذَا تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ، وَتَقَلَّبَ عَلَى فِرَاشِهِ، ذَكَرَ اللَّهَ، وَكَبَّرَ حَتَّى يَقُومَ لِصَلاةِ الْفَجْرِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَقُولُ إِلا خَيْرًا.
قَالَ: فَلَمَّا مَضَتِ الثَّلاثُ لَيَالٍ، وَكِدْتُ أَحْتَقِرُ عَمَلَهُ، قُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ وَالِدِي غَضَبٌ، وَلا هَجْرٌ، وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ:«يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ» ، فَطَلَعْتَ أَنْتَ الثَّلاثَ مَرَّاتٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ آوِيَ إِلَيْكَ لأَنْظُرَ مَا عَمَلُكَ، فَلَمْ أَرَكَ تَعْمَلُ كَثِيرَ عَمَلٍ، فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: مَا هُوَ إِلا مَا رَأَيْتَ.
قَالَ: فَانْصَرَفْتُ عَنْهُ، فَلَمَّا وَلَّيْتُ، دَعَانِي، فَقَالَ: مَا هُوَ إِلا مَا رَأَيْتَ غَيْرَ أَنِّي لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا، وَلا أَحْسُدُهُ عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ.
فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَهَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ، وَهِيَ الَّتِي
لَا تُطَاقُ.
وَرُوِيَ بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " ثَلاثَةٌ لَا يُعْجِزُهُنَّ ابْنُ آدَمَ: الطِّيَرَةُ، وَسُوءُ الظَّنِّ، وَالْحَسَدُ، فَيُنْجِيكَ مِنَ الطِّيَرَةِ أَلا تَعْمَلَ بِهَا، وَيُنْجِيكَ مِنْ سُوءِ الظَّنِّ أَلا تَتَكَلَّمَ، وَيُنْجِيكَ مِنَ الْحَسَدِ أَلا تَبْغِيَ أَخَاكَ سُوءًا "
3536 -
نَا
الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ التُّرَابِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ الْبِسْطَامِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ الْقُرَشِيُّ، نَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَمَّادٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:" فِي الْمُؤْمِنِ ثَلاثُ خِصَالٍ، لَيْسَ مِنْهَا خَصْلَةٌ إِلا لَهُ مِنْهَا مَخْرَجٌ: الطِّيَرَةُ وَالْحَسَدُ وَالظَّنُّ، فَمَخْرَجُهُ مِنَ الطِّيَرَةِ أَنْ لَا يَرُدَّهُ، وَمَخْرَجُهُ مِنَ الظَّنِّ أَلا يُحَقِّقَ، وَمَخْرَجُهُ مِنَ الْحَسَدِ أَلا يَبْغِيَ "، مُرْسَلٌ.
بَاب
مَا يجوز مِن الِاغْتِبَاط فِي الْخَيْر
3537 -
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ التُّرَابِيُّ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي الْهَيْثَمِ، أَنا الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَدَّادِيُّ، أَنا أَبُو يَزِيدَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ، أَنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:" لَا حَسَدَ إِلا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ، فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالا، فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ".