المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب فضائل سيد الأولين والآخرين محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله أجمعين وشمائله - شرح السنة للبغوي - جـ ١٣

[البغوي، أبو محمد]

فهرس الكتاب

- ‌33 - كتاب البر والصلة

- ‌بَاب بر الْوَالِدين

- ‌بَاب صلَة الْوَالِد الْمُشرك

- ‌بَاب تَحْرِيم العقوق

- ‌بَاب ثَوَاب صلَة الرَّحِم وإثم مِن قطعهَا

- ‌بَاب لَيْسَ الْوَاصِل بالمكافئ

- ‌بَاب بر أم الرَّضَاع

- ‌بَاب رَحْمَة الْوَلَد وَتَقْبِيله

- ‌بَاب رَحْمَة الْخلق

- ‌بَاب رَحْمَة الصَّغِير وإجلال الْكَبِير

- ‌بَاب ثَوَاب كافل الْيَتِيم

- ‌بَاب السَّاعِي عَلَى الأرملة

- ‌بَاب تعاون الْمُؤمنِينَ وتراحمهم

- ‌بَاب ثَوَاب المتحابين فِي الله

- ‌بَاب الْحبّ فِي اللَّه عز وجل

- ‌بَاب زِيَارَة الإخوان

- ‌بَاب يحب لِأَخِيهِ مَا يحب لنَفسِهِ

- ‌بَابالْمَرْء مَعَ مَن أحب

- ‌بَاب الْقَصْد فِي الْحبّ والبغض

- ‌بَاب إِعْلَام مِن يُحِبهُ

- ‌بَاب الجليس الصَّالح وَالْأَمر بِصُحْبَة الصَّالِحين

- ‌بَاب حق الْجَار

- ‌بَاب الرِّفْق

- ‌بَاب حُسْنِ الْخُلُقِ

- ‌بَاب طلاقة الْوَجْه

- ‌بَاب حَسَن الْمُعَامَلَة مَعَ النَّاس

- ‌بَاب الحذر

- ‌بَاب لَا يَتَنَاجَى اثْنَان دون الثَّالِث

- ‌بَاب النَّصِيحَة

- ‌بَاب نصْرَة الإخوان

- ‌بَابالسّتْر

- ‌بَاب النَّهْي عَن هجران الإخوان

- ‌بَاب وَعِيد المتهاجرين والمتشاحنين

- ‌بَاب النَّهْي عَن تتبع عورات الْمُسلمين

- ‌بَاب الذب عَن الْمُسلمين

- ‌بَاب مَا لَا يجوز مِن الظَّن وَالنَّهْي عَن التحاسد والتجسس

- ‌بَاب إصْلَاح ذَات الْبَين وَإِبَاحَة الْكَذِب فِيهِ

- ‌بَاب التعزي بعزاء الْجَاهِلِيَّة

- ‌بَاب العصبية

- ‌بَاب الافتخار بِالنّسَبِ

- ‌بَاب وَعِيد مِن سبّ مُسلما أَو رَمَاه بِكفْر

- ‌بَاب تَحْرِيم اللَّعْن

- ‌بَاب تَحْرِيم الْغَيْبَة

- ‌بَاب ذكر أهل الْفساد بِمَا فيهم

- ‌بَاب من قَالَ هلك النَّاس

- ‌بَاب وَعِيد ذِي الْوَجْهَيْنِ

- ‌بَاب وَعِيد النمام

- ‌بَاب مَا يكره من التمادح

- ‌بَاب الصدْق وَالْكذب

- ‌بَاب فِي المعاريض مندوحة عَن الْكَذِب

- ‌بَاب مَا يحذر من الْغَضَب وَمَا يجوز مِنْهُ فِي أَمر الدَّين

- ‌بَاب الْوضُوء عِنْد الْغَضَب

- ‌بَاب الصَّبْر عَلَى أَذَى الْمُسلمين والتجاوز عَنْهُم

- ‌بَاب الْكبر ووعيد المتكبرين

- ‌بَاب الْحيَاء

- ‌بَاب التأني والعجلة

- ‌بَاب المزاح

- ‌بَاب الدّلَالَة عَلَى الْخَيْر

- ‌بَاب شكر الْمَعْرُوف

- ‌بَاب المشورة وَأَن المستشار مؤتمن

- ‌34 - كتاب الْفَضَائِل

- ‌بَاب فَضَائِل سيد الْأَوَّلين والآخرين مُحَمَّد صلوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ وعَلى آله أَجْمَعِينَ وشمائله

- ‌بَاب أَسمَاء النَّبِي صلى الله عليه وسلم

- ‌بَاب خَاتم النُّبُوَّة

- ‌بَاب صفة النَّبِي

- ‌بَاب شَيْبه وخضابه صلى الله عليه وسلم

- ‌بَاب طيب رِيحه عليه السلام

- ‌بَاب حسن خلقه صلى الله عليه وسلم

- ‌بَاب تواضعه صلى الله عليه وسلم

- ‌بَاب جوده صلى الله عليه وسلم

- ‌بَاب حيائه وَقلة كَلَامه صلى الله عليه وسلم

- ‌بَاب شجاعته صلى الله عليه وسلم

- ‌بَاب تبسمه صلى الله عليه وسلم

- ‌بَاب اخْتِيَاره أيسر الْأَمريْنِ صلى الله عليه وسلم

- ‌بَاب جَامع صِفَاته صلى الله عليه وسلم

- ‌بَاب عَلَامَات النُّبُوَّة

- ‌بَاب المبعث وبدء الْوَحْي

- ‌بَاب دُعَائِهِ صلى الله عليه وسلم الْمُشْركين وَصَبره على أذاهم

- ‌بَاب الْمِعْرَاج

- ‌بَاب الْهِجْرَة

- ‌بَاب الْغَزَوَات

- ‌بَاب غَزْوَة بدر

- ‌بَاب غَزْوَة بني النَّضِير

- ‌بَاب غَزْوَة أحد

- ‌بَاب قتل أهل بِئْر مَعُونَة

الفصل: ‌باب فضائل سيد الأولين والآخرين محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله أجمعين وشمائله

‌34 - كتاب الْفَضَائِل

‌بَاب فَضَائِل سيد الْأَوَّلين والآخرين مُحَمَّد صلوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ وعَلى آله أَجْمَعِينَ وشمائله

وَهُوَ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْمطلب بْن هَاشم بْن عَبْد منَاف بْن قصي بْن كلاب بْن مرّة بْن كَعْب بْن لؤَي بْن غَالب بْن فهر بْن مَالك بْن النَّضر بْن كنَانَة بْن خُزَيْمَة بْن مدركة بْن إلْيَاس بْن مُضر بْن نزار بْن معد بْن عدنان.

وَلَا يَصح حفظ النّسَب فَوق عدنان.

وقريش: هُم أَوْلَاد النَّضر بْن كنَانَة تفَرقُوا فِي الْبِلَاد، فَجَمعهُمْ قصي بْن كلاب فِي مكَّة، سموا قُريْشًا.

لِأَنَّهُ قرشهم، أَي: جمعهم، ولكنانة وُلِدَ سوى النَّضر، وهم لَا يسمون قُريْشًا، لأَنهم لم يقرشوا.

ص: 193

قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى: {يَأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا} [الْأَحْزَاب: 45] الْآيَة.

وَقَالَ عز وجل: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الْأَحْزَاب: 40]، أَي: ختمهم، فَهُوَ خَاتم لَهُم، وَقُرِئَ خَاتم بِالنّصب.

وَقَالَ جلّ ذكره: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الْأَنْبِيَاء: 107]، أَي: عطفا وصنعا.

3613 -

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَرِيكٍ الشَّافِعِيُّ الْخُذَاشَاهِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ أَبُو بَكْرٍ الْجُورَبَذِيُّ، نَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّدَفِيُّ، أَنا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، حَدَّثَنِي شَدَّادٌ أَبُو عَمَّارٍ، نَا وَاثِلَةُ بْنُ الأَسْقَعِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى مِنْ بَنِي كِنَانَةَ قُرَيْشًا، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ» .

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مِهْرَانَ الرَّازِيِّ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ.

3614 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ

ص: 194

الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«بُعِثْتُ مِنْ خَيْرِ قُرُونِ بَنِي آدَمَ قَرْنٍ فَقَرْنٍ حَتَّى بُعِثْتُ مِنَ الْقَرْنِ الَّذِي كُنْتُ مِنْهُ» .

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَن، عَنْ عَمْرٍو.

الْقرن: كل طبقَة مقترنين فِي وَقت، قِيلَ: سمي قرنا لِأَنَّهُ يقرن أمة بِأمة، وعالما بعالم، وَهُوَ مصدر: قرنت، جعل اسْما للْوَقْت أَو لأَهله، وَقيل: الْقرن: ثَمَانُون سنة، وَقيل: أَرْبَعُونَ، وَقيل: مائَة سنة.

3615 -

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ يَعْقُوبُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيُّ، بِنَيْسَابُورَ، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَخْلَدِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الثَّقَفِيُّ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ جَمِيلِ بْنِ طَرِيفٍ، نَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «مَا مِنْ نَبِيٍّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ إِلا وَقَدْ أُعْطِيَ مِنَ الآيَاتِ مَا آمَنَ عَلَى مِثْلِهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُتِيتُهُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ،

ص: 195

فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، كِلاهُمَا عَنِ اللَّيْثِ.

3616 -

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَرَبْرِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، نَا سَيَّارٌ، نَا يَزِيدُ الْفَقِيرُ، أَنا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:" أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْمَغَانِمُ، وَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً ".

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ هُشَيْمٍ.

ص: 196

قَوْله: «نصرت بِالرُّعْبِ مسيرَة شهر» ، مَعْنَاهُ: أَن الْعَدو يخافني، وبيني وَبَينه مَسَافَة شهر، وَذَلِكَ مِن نصر اللَّه إِيَّاه.

وَقَوله: «جعلت لي الأَرْض مَسْجِدا» ، أَرَادَ أَن أهل الْكتاب مَا أبيحت لَهُم الصَّلَاة إِلَّا فِي بيعهم وكنائسهم، وأباح اللَّه عز وجل لهَذِهِ الْأمة الصَّلَاة حَيْثُ كَانُوا تَخْفِيفًا عَلَيْهِم وتيسيرا، ثُمَّ خص مِنْهَا الْمقْبرَة وَالْحمام، وَالْمَكَان النَّجس، فنهوا عَن الصَّلَاة فِيهَا.

وَقَوله: «وَطهُورًا» ، أَرَادَ بِهِ التُّرَاب، كَمَا بَينه فِي حَدِيث حُذَيْفَة «جعلت لنا الأَرْض كلهَا مَسْجِدا، وَجعلت تربَتهَا لنا طهُورا» .

وَقَوله: «وَأحلت لي الْمَغَانِم» ، أَرَادَ أَن الْأُمَم الْمُتَقَدّمَة مِنْهُم مِن لم يكن أُبِيح لَهُم جِهَاد الْكفَّار، فَلم يكن لَهُم مَغَانِم، وَمِنْهُم مِن أُبِيح لَهُم الْجِهَاد، وَلَكِن لم تبح لَهُم الْغَنَائِم، فَكَانَت غنائمهم تُوضَع، فتأتي نَار فتحرقها، وأباحها اللَّه سبحانه وتعالى لهَذِهِ الْأمة.

وَقَوله: «أَعْطَيْت الشَّفَاعَة» ، فَهِيَ الْفَضِيلَة الْعُظْمَى الّتي لَا يُشَارِكهُ فِيهَا أحد يَوْم الْقِيَامَة، وَبهَا سَاد الْخلق كلهم حَتَّى قَالَ:«أَنَا سيد وُلِدَ آدم» ، وَهُوَ الْمقَام الْمَحْمُود الَّذِي أعطَاهُ اللَّه عز وجل.

3617 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا الْعَلاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ،

ص: 197

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:" فُضِّلْتُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ: أُتِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً، وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ ".

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَقُتَيْبَةَ، وَعَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ.

قَوْله: «أُوتيت جَوَامِع الْكَلم» ، قِيلَ: يَعْنِي: الْقُرْآن، جمع اللَّه سبحانه وتعالى بِلُطْفِهِ مَعَاني كَثِيرَة فِي أَلْفَاظ يسيرَة، وَقيل: مَعْنَاهُ: إيجاز الْكَلَام فِي إشباع مِن الْمَعْنى، فالكلمة القليلة الْحُرُوف مِنْهَا يتَضَمَّن كثيرا مِن الْمعَانِي، وأنواعا مِن الْأَحْكَام.

3618 -

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُتِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ، فَتُلَّتْ فِي يَدِي» .

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّد، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،

ص: 198

عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

قَوْله: «أتيت بمفاتح خَزَائِن الأَرْض فتلت فِي يَدي» ، يحْتَمل أَن يكون هَذَا إِشَارَة إِلَى مَا فتح لأمته وَجُنُوده مِن الخزائن، كخزائن كسْرَى وَقَيْصَر، وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد مِنْهُ معادن الأَرْض الّتي فِيهَا الذَّهَب وَالْفِضَّة وأنواع الفلز، أَي: ستفتح الْبلدَانِ الّتي فِيهَا هَذِه الْمَعَادِن والخزائن، فَتكون لأمته.

قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: ذهب رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنْتُم تنتثلونها.

أَي: تستخرجونها.

وَقَوله: «تلت فِي يَدي» ، أَي: ألقيت فِي يَدي.

3619 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، نَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَثَلِي وَمَثَلُ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي، كَمَثَلِ رَجُلٍ ابْتَنَى بُيُوتًا، فَأَحْسَنَهَا، وَأَجْمَلَهَا، وَأَكْمَلَهَا إِلا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهَا، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ، وَيُعجِبُهُمُ الْبُنْيَانُ، فَيَقُولُونَ: أَلا وُضِعَتْ هَاهُنَا لَبِنَةٌ، فَتَمَّ بِنَاؤُهُ، فَقَالَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم: فَأَنَا اللَّبِنَةُ "

ص: 199

3619 -

وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " أنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ، قَالُوا: كَيْفَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ مِنْ عَلاتٍ، وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ، وَلَيْسَ بَيْنَنَا نَبِيٌّ ".

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.

قَوْله: «إخْوَة مِن علات» ، مَا ذكر فِي الحَدِيث أَن أمهاتهم شَتَّى وَدينهمْ وَاحِد، يقَالَ لإخوة بني أَب وَأم: بَنو الْأَعْيَان، فَإِن كَانُوا لأمهات شَتَّى، فهم بَنو العلات، فَإِن كَانُوا لآباء شَتَّى، فهم أخياف، يُرِيد: أَن أصل دين الْأَنْبِيَاء وَاحِد، وَإِن كَانَت شرائعهم مُخْتَلفَة، كَمَا أَن أَوْلَاد العلات أَبُوهم وَاحِد، وَإِن كَانَت أمهاتهم شَتَّى.

3620 -

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْخُذَاشَاهِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الْجُورَبَذِيُّ، نَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، أَنا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ،

ص: 200

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ:«أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِابْنِ مَرْيَمَ، الأَنْبِيَاءُ أَوْلادُ عَلاتٍ، وَلَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ مَرْيَمَ نَبِيٌّ»

3620 -

قَالَ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَثَلِي وَمَثَلُ الأَنْبِيَاءِ كَمَثَلِ قَصْرٍ أُحْسِنَ بُنْيَانُهُ، تُرِكَ مِنْهُ مَوْضِعُ لَبِنَةٍ، فَطَافَ بِهَا النُّظَّارُ يَتَعَجَّبُونَ مِنْ حُسْنٍ بِنَائِهِ إِلا مَوْضِعَ تِلْكَ اللَّبِنَةِ، لَا يَعِيبُونَ سِوَاهَا، فَكُنْتُ أَنَا سَدَدْتُ مَوْضِعَ تِلْكَ اللَّبِنَةِ، خُتِمَ بِيَ الْبُنْيَانُ، وَخُتِمَ بِيَ الرُّسُلُ»

3621 -

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " مَثَلِي وَمَثَلُ الأَنْبِيَاءِ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بُنْيَانًا، فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ إِلا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهُ، قَالَ: فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ، وَيَعْجَبُونَ لَهُ، وَيَقُولُونَ: هَلا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ.

قَالَ: فَأَنَا اللَّبِنَةُ، وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ ".

ص: 201

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ.

أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ قُتَيْبَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ، وَابْنِ مجرٍ، كِلاهُمَا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ.

3622 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنَفِيُّ، نَا أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ، نَا عَمَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْحَافِظُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، يَعْنِي الْكُوفِيَّ، نَا يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي لِتَمَامِ مَكَارِمِ الأَخْلاقِ، وَتَمَامِ مَحَاسِنِ الأفْعَالِ» ، وَذَكَرَ مَالِكٌ: أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ»

3623 -

أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، نَا يَعْقُوبُ بْنُ أَبِي يَعْقُوبَ، نَا دَاهِرُ بْنُ نُوحٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي بِتَمَامِ مَحَاسِنِ الأَخْلاقِ، وَكَمَالِ مَحَاسِنِ الأَفْعَالِ "

ص: 202

3624 -

أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَامَوَيْهِ الأَصْفَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَيَّوَيْهِ، أَنا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، نَا اللَّيْثُ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَنَا أًوَّلُهُمْ خُرُوجًا، وَأَنَا قَائِدُهُمْ إِذَا وَفَدُوا، وَأَنَا خَطِيبُهُمْ إِذَا أَنْصَتُوا، وَأَنَا مُسْتَشْفِعُهُمْ إِذَا حُبِسُوا، وَأَنَا مُبَشِّرُهُمْ إِذَا أَيِسُوا الْكَرَامَةَ، وَالْمَفَاتِيحُ يَوْمَئِذٍ بِيَدِي، وَلِوَاءُ الْحَمْدِ يَوْمَئِذٍ بِيَدِي، وَأَنَا أَكْرَمُ وَلَدِ آدَمَ عَلَى رَبِّي يَطُوفُ عَلَيَّ ألْفُ خَادِمٍ، كَأَنَّهُمْ بَيْضٌ مَكْنُونٌ، أَوْ لُؤْلُؤٌ مَنْثُورٌ» ، هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.

3625 -

أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى، أَنا هِقْلٌ، يَعْنِي ابْنَ زِيَادٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، حَدَّثَنِي أَبُو عَمَّارٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ فَرُّوخَ.

ص: 203

حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ» ، هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«أَنَا حَبِيبُ اللَّهِ وَلا فَخْرَ، وَأَنَا حَامِلُ لِوَاءِ الْحَمْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَحْتَهُ آدَمُ فَمَنْ دُونَهُ وَلا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ، وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يُحَرِّكُ حَلَقَ الْجَنَّةِ، فَيَفْتَحُ اللَّهُ لِي، فَيُدْخِلُنِيهَا، وَمَعِي فُقَرَاءُ الْمُؤْمِنِينَ وَلا فَخْرَ، وَأَنَا أَكْرَمُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ عَلَى اللَّهِ وَلا فَخْرَ» قلت: وَقد صَحَّ عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِرِوَايَة أَبِي سعيد الْخُدْرِيّ: «لَا تخَيرُوا بَين الْأَنْبِيَاء» .

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «لَا تُفَضِّلُوا بَيْنَ أَنْبِيَاءِ

ص: 204

اللَّهِ» وَلَيْسَ معنى النَّهْي عَن التَّخْيِير أَن يعْتَقد التَّسْوِيَة بَينهم فِي درجاتهم، فَإِن الله عز وجل قد أَخْبَرَنَا أَنه فضل بَعضهم على بعض، فقَالَ سبحانه وتعالى:{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [الْبَقَرَة: 253] الْآيَة، بل مَعْنَاهُ ترك التَّخْيِير على الإزراء ببعضهم، والإخلال بِالْوَاجِبِ من حُقُوقهم، فَإِنَّهُ يكون سَببا لفساد الِاعْتِقَاد فِي بَعضهم وَذَلِكَ كفر.

فَإِن قيل: قد روى عَن أبي هُرَيْرَة، أَن رَسُول الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:" لَا تفضلوا بَين أَنْبيَاء الله، وَلَا أَقُول: إِن أحدا أفضل من يُونُس بْن مَتى ".

وَعَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، قَالَ:" مَا يَنْبَغِي لعبد أَن يَقُول: إِنِّي خير من يُونُس بْن مَتى «فَكيف وَجه الْجمع بَين هَذَا، وَبَين قَوْله عليه السلام» أَنا سيد ولد آدم " قيل: التَّوْفِيق بَين الْمُحدثين وَاضح، وَذَلِكَ أَن قَوْله «أَنا سيد ولد آدم» إِنَّمَا هُوَ إِخْبَار عَمَّا أكْرمه الله بِهِ من الْفَضْل والسؤدد، وتحديث بِنِعْمَة الله عَلَيْهِ، قَالَ الله سبحانه وتعالى:{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضُّحَى: 11] وإعلام لأمته وَأهل دَعوته علو مَكَانَهُ عِنْد ربه، وَكَانَ بَيَان ذَلِك للْأمة من اللَّازِم الْمَفْرُوض عَلَيْهِ، ليَكُون إِيمَانهم بِهِ على حسب ذَلِك.

ص: 205

وَقَوله: «لَا فَخر» أَي: إِنَّمَا أقوله مُعْتَمدًا بِالنعْمَةِ لَا فخرا واستكبارا، أَو قَوْله تبليغا لما أمرت بِهِ لَا افتخارا.

وَقَوله: " لَا يَنْبَغِي لعبد أَن يَقُول: إِنِّي خير من يُونُس، ويروى من قَالَ: أَنا خير من يُونُس بْن مَتى، فقد كذب، فقد قيل: أَرَادَ بِهِ من سواهُ من النَّاس دون نَفسه، وَقيل: هُوَ عَام فِيهِ وَفِي غَيره، وَكَانَ ذَلِك مِنْهُ على سَبِيل إِظْهَار التَّوَاضُع لرَبه، يَقُول: لَا يَنْبَغِي لي أَن أقوله، لِأَن الْفَضِيلَة الَّتِي نلتها كَرَامَة من الله وخصوصية مِنْهُ، لم أنلها من قبل نَفسِي، وَلَا بلغتهَا بحولي وقوتي، وَإِنَّمَا خص يُونُس بِالذكر، وَالله أعلم، لما قد قصّ الله علينا من شَأْنه، وَمَا كَانَ من قلَّة صبره على أَذَى قومه، حَتَّى قَالَ لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم {وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} [الْقَلَم: 48] {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الْأَحْقَاف: 35]، وَالله أعلم.

ص: 206

3626 -

حَدَّثَنَا السَّيِّدُ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الْمُوسَوِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْبَلْخِيُّ، مُشَافَهَةً، أَنا أَبُو سُلَيْمَانَ حَمْدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا ابْنُ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ، نَا عَمِّي، نَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى بْنِ هِلالٍ السُّلَمِيِّ، عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ:" إِنِّي عِنْدَ اللَّهِ مَكْتُوبٌ خَاتِمُ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ، وَسَأُخْبِرُكُمْ بِأَوَّلِ أَمْرِي: دَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ، وَبِشَارَةُ عِيسَى، وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ حِينَ وَضَعَتْنِي، وَقَدْ خَرَجَ لَهَا نُورٌ أَضَاءَتْ لَهَا مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ "

قَوْله: لمجدل، أَي: مطروح على وَجه الأَرْض صُورَة من طين، لم يجر فِيهِ الرّوح بعد، ودعوة إِبْرَاهِيم عليه السلام، قَوْله:{رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ} [الْبَقَرَة: 129]، وَبشَارَة عِيسَى عليه السلام، قَوْله:{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصَّفّ: 6].

ص: 207

3627 -

نَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، نَا فُلَيْحٌ، نَا هِلالٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي التَّوْرَاةِ؟ قَالَ: أَجَلْ وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ: يَأَيُّهَا النَّبِيُّ، إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَحِرْزًا لِلأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ، وَلا غَلِيظٍ، وَلا سَخَّابٍ فِي الأَسْوَاقِ، وَلا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا " تَابَعَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ هِلالٍ.

وَقَالَ سَعِيدٌ، عَنْ

ص: 208

هِلالٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ سَلامٍ.

صَحِيحٌ.

قَوْله: " لَيْسَ بفظٍ " أَي: غليظ الْجَانِب، سيئ الْخلق، وَمِنْه قَوْله سبحانه وتعالى:(وَلَوْ كُنْتَ فظّاً غَليظَ القَلْبِ لانْفَضَوا مِنْ حَوْلِكَ)[آل عمرَان: 159].

3628 -

أَخْبَرَنَا الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ التُّرَابِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ الْبَسْطَامِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ الْقُرَشِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ كَعْبٍ، قَالَ: " إِنِّي أَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ مَكْتُوبًا: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، لَا فَظٌّ وَلا غَلِيظٌ، وَلا سَخَّابٌ فِي الأَسْوَاقِ، وَلا يَجْزِي السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ، أُمَّتُهُ الْحَمَّادُونَ، يَحْمَدُونَ اللَّهَ فِي كُلِّ مَنْزِلَةٍ، وَيُكَبِّرُونَهُ عَلَى كُلِّ

ص: 209

نَجْدٍ، يَأْتَزِرُونَ إِلَى أَنْصَافِهِمْ، وَيُوَضِّئُونَ أَطْرَافَهُمْ، صَفُّهُمْ فِي الصَّلاةِ، وَصَفُّهُمْ فِي الْقِتَالِ سَوَاءٌ، مُنَادِيهِمْ يُنَادِي فِي جَوِّ السَّمَاءِ، لَهُمْ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ، مَوْلِدُهُ بِمَكَّةَ، وَمُهَاجَرُهُ بِطَابَةَ، وَمُلْكُهُ بِالشَّامِ "

وَرُوِيَ عَن أَبِي صَالح ذكْوَان، عَن كَعْب يَحْكِي، عَن التوارة، قَالَ: نجد مَكْتُوبًا: مُحَمَّد رَسُول الله، عَبدِي الْمُخْتَار، لَا فظ وَلَا غليظ، وَلَا سخاب بالأسواق، وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيئَة، وَلَكِن يعْفُو وَيغْفر، مولده بِمَكَّة، وهجرته بِطيبَة، وَملكه بِالشَّام، وَأمته الْحَمَّادُونَ، يحْمَدُونَ الله فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء، يحْمَدُونَ الله فِي كل منزلَة، ويكبرونه على كل شرف، رُعَاة للشمس، يصلونَ الصَّلَاة إِذا جَاءَ وَقتهَا، يتأزرون على أَنْصَافهمْ، ويتوضئون على أَطْرَافهم، مناديهم يُنَادي فِي جو السَّمَاء، صفهم فِي الْقِتَال، وَصفهم فِي الصَّلَاة سَوَاء، لَهُم بِاللَّيْلِ دوِي كَدَوِيِّ النَّحْل.

ص: 210