المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الحوض وهو الكوثر - شرح السنة للبغوي - جـ ١٥

[البغوي، أبو محمد]

فهرس الكتاب

- ‌بَابُ الاعْتِزَالِ فِي الْفِتْنَةِ

- ‌بَابُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ

- ‌بَابُ مَا يَكُونُ مِنْ كَثْرَةِ الْمَالِ وَالْفُتُوحِ

- ‌بَاب قِتَالِ التُّرْكِ وَقِتَالِ الْيَهُودِ

- ‌بَابُ قِتَالِ الرُّومِ

- ‌بَابُ مَا يَكُونُ مِنَ الْعَلامَاتِ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ

- ‌بَابٌ

- ‌بَابُ الدَّجَّالِ لَعَنَهُ اللَّهُ

- ‌بَابُ ذِكْرِ ابْنِ الصَّيَّادِ

- ‌بَابُ نُزُولِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ

- ‌بَاب الْمَهْدِي

- ‌بَابُ كَلامِ السِّبَاعِ

- ‌بَابُ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلا عَلَى شِرَارِ الْخَلْقِ

- ‌بَابُ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا

- ‌بَابُ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ} [النَّحْل: 77] وَأَنَّ مَنْ مَاتَ، فَقَدْ قَامَتْ قِيَامَتُهُ

- ‌بَابُ النَّفْخِ فِي الصُّورِ

- ‌بَابُ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: {وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر: 67]

- ‌بَابٌ

- ‌بَابُ قَوْلِ اللَّهِ سبحانه وتعالى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ} [مَرْيَم: 39]

- ‌بَاب كَيفَ الْحَشْر

- ‌بَابُ قَوْلِ اللَّهِ سبحانه وتعالى: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 6]

- ‌بَابُ الْحِسَابِ وَالْقَصَاصِ

- ‌بَابُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ

- ‌بَابُ مُفَادَاةِ الْمُسْلِمِ بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى

- ‌بَاب قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ {1} يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} [الْحَج: 1 - 2]

- ‌بَاب شَهَادَةِ الأَعْضَاءِ

- ‌بَابُ شَفَاعَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابُ الْحَوْضِ وَهُوَ الْكَوْثَرُ

- ‌بَابُ ذَبْحِ الْمَوْتِ

- ‌بَابٌ

- ‌بَابُ صِفَةِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِهَا وَمَا أَعَدَّ اللَّهُ لِلصَّالِحِينَ فِيهَا

- ‌بَابُ رُؤْيَةِ اللَّهِ عز وجل فِي الْجَنَّةِ وَرِضَاهُ عَنْهُمْ

- ‌بَابُ صِفَةِ النَّارِ وَأَهْلِهَا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْهَا

- ‌بَابُ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق: 30]

الفصل: ‌باب الحوض وهو الكوثر

4339 -

أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " آتِي بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَسْتَفْتِحُ، فَيَقُولُ الْخَازِنُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَأَقُولُ: مُحَمَّدٌ، فَيَقُولُ: بِكَ أُمِرْتُ لَا أَفْتَحُ لأَحَدٍ قَبْلَكَ ".

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

‌بَابُ الْحَوْضِ وَهُوَ الْكَوْثَرُ

قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الْكَوْثَر: 1].

قَالَ أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، " الْكَوْثَرُ: الْخَيْرُ الْكَثِيرُ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ.

قُلْتُ لِسَعِيدٍ: إِنَّ أُنَاسًا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ نهر فِي الْجَنَّةِ.

قَالَ: النَّهر الَّذِي فِي الْجَنَّةِ من الْخَيْر الَّذِي أعطَاهُ اللَّه إِيَّاه ".

وَقِيلَ: الْكَوْثَر

ص: 167

هُوَ الْقُرْآن والنبوة.

4340 -

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَرَبْرِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، نَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ، مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ، وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهَا، فَلا يَظْمَأُ أَبَدًا» .

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ دَاوُد بْن عَمْرو الضَّبِّيِّ، عَنْ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ الْجُمَحِيِّ

4341 -

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، نَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْكَوْثَرُ

ص: 168

نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ، حَافَّتَاهُ الذَّهَبُ، مَجْرَاهُ عَلَى الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ، تُرْبَتُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ، وَأَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ الثَّلْجِ».

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ

4342 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَنَا عِنْدَ عُقْرِ حَوْضِي أَذُودُ النَّاسَ عَنْهُ لأَهْلِ الْيَمَنِ إِنِّي لأَضْرِبُهُمْ بِعَصَايَ حَتَّى تَرْفَضَّ عَنْهُمْ، فَإِنَّهُ لَيَغُتُّ فِيهِ مِيزَابَانِ مِنَ الْجَنَّةِ أَحَدُهُمَا مِنْ وَرَقٍ، وَالآخَرُ مِنْ ذَهَبٍ، طُولُهُ مَا بَيْنَ بُصْرَى وَصَنْعَاءَ، أَوْ مَا بَيْنَ أَيْلَةَ وَمَكَّةَ، أَوْ مِنْ مَقَامِي هَذَا إِلَى عَمَّانَ» .

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، وَغَيْره،

ص: 169

عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ

عقر الْحَوْض بِالضَّمِّ: مؤخره، وعقر الدَّار بِالْفَتْح: أَصْلهَا، وَمِنْه قِيلَ: لفُلَان عقار، أَي: أصل مَال.

قَوْله: «يغت فِيهِ مِيزَابَانِ» ، أَي: يدفقان المَاء فِيهِ دفقا مُتَتَابِعًا، مَأْخُوذ من غت الشَّارِب المَاء جرعا بَعْد جرع.

قَالَ أَبُو مَنْصُور الْأَزْهَرِي: عمان بِنصب الْعين وَتَشْديد الْمِيم وَهُوَ بِالشَّام.

3343 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِي الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، فَإِذَا أَنَا بِنَهَرٍ يَجْرِي بَيَاضُهُ بَيَاضُ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، وَحَافَّتَاهُ خِيَامُ اللُّؤْلُؤِ، فَضَرَبْتُ بِيَدِي، فَإِذَا الثَّرَى مِسْكٌ أَذْفَرُ، فَقُلْتُ لِجِبْرِيلَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَهُ اللَّهُ ".

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْوَلِيد، عَنْ هَمَّامٍ،

ص: 170

عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ

3344 -

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ، حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ، وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا، لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ» .

قَالَ أَبُو حَازِمٍ: فَسَمِعَنِي النُّعْمَانُ بْنُ عَيَّاشٍ، فَقَالَ: هَكَذَا سَمِعْتَ مِنْ سَهْلٍ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ.

فَقَالَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ لَسَمِعْتُهُ، وَهُوَ يَزِيدُ فِيهَا، " فَأَقُولُ: إِنَّهُمْ مِنِّي، فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا، لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِي ".

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْن سَعِيد، عَنْ يَعْقُوب بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِي، عَنْ أَبِي حَازِم

قَوْله: «إِنِّي فَرَطكُمْ» ، يَقُولُ: أَنَا أتقدمكم إِلَى الْحَوْض، يُقَالُ:

ص: 171

فرطت الْقَوْم: إِذَا تقدمتهم لترتاد لَهُمُ المَاء، وتهيئ الدلاء والرشاء.

وَقَوله: «سحقا» ، أَي: بعدا، كَمَا قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى:{فَسُحْقًا لأَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الْملك: 11]، أَي: بعدا باعدهم اللَّه من رَحمته، والسحيق: الْبعيد، وَمِنْه قَوْله سبحانه وتعالى:{فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الْحَج: 31].

4345 -

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا غُنْدَرٌ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لأَذُودَنَّ رِجَالا عَنْ حَوْضِي كَمَا تُذَادُ الْغَرِيبَةُ مِنَ الإِبِلِ عَنِ الْحَوْضِ» .

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُعْبَةَ

بَابُ

ص: 172

آخِرِ مَنْ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ

3346 -

أَخْبَرَنَا

عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَعِيدٌ، وَعَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، أَخْبَرَهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

ح، قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَحَدَّثَنِي مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ أُنَاسٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ:«هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟» قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:«هَلْ تُضَارُّونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ؟» قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: " فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ، يَجْمَعُ اللَّه النَّاسَ، فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتْبَعْهُ، فَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ، وَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ، وَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَؤُلاءِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِي غَيْرِ الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ، هَذَا

ص: 173

مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا أَتَانَا رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ.

فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ.

فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا.

فَيَتْبَعُونَهُ، وَيُضْرَبُ جِسْرُ جَهَنَّمَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ، وَدُعَاءُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، وَبِهِ كَلالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، أَمَا رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ؟ " قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ.

قَالَ: " فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غَيْرَ أَنَّهَا لَا يَعْلَمُ قَدْرُ عَظَمَتِهَا إِلا اللَّهُ، فَتَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ، مِنْهُمُ الْمُوبَقُ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمُ الْمُخَرْدَلُ، ثُمَّ يَنْجُو، حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ، وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِنَ النَّارِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَهُ مِمَّنْ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، أَمَرَ الْمَلائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوهُمْ، فَيَعْرِفُونَهُمْ بِعَلامَةِ آثَارِ السُّجُودِ، وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ مِنَ ابْنِ آدَمَ أَثَرَ السُّجُودِ، فَيُخْرِجُونَهُمْ قَدِ امْتَحَشُوا، فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءٌ، يُقَالُ لَهُ: مَاءُ الْحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحَبَّةِ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، وَيَبْقَى رَجُلٌ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا، وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا، فَاصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ.

ص: 174

فَلا يَزَالُ يَدْعُو اللَّهَ، فَيَقُولُ: لَعَلَّكَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ أَنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ.

فَيَقُولُ: لَا وَعِزِّتِكَ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ.

فَيَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ، ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ: يَا رَبِّ، قَرِّبْنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ.

فَيَقُولُ: أَلَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ أَنْ لَا تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ؟ وَيْلَكَ يَابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ! فَلا يَزَالُ يَدْعُو، فَيَقُولُ: لَعَلِّي إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ تَسْأَلُنِي غَيْرَهُ.

فَيَقُولُ: لَا وَعِزَّتِكَ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ.

فَيُعْطِي اللَّهَ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ أَنْ لَا يَسْأَلَهُ غَيْرَهُ، فَيُقَرِّبُهُ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ، فَإِذَا رَأَى مَا فِيهَا، سَكَتَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ يَقُولُ: رَبِّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ.

فَيَقُولُ: أَوَلَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ أَنْ لَا تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ؟ وَيْلَكَ يَابْنَ آدَمَ، مَا أَغْدَرَكَ! فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، لَا تَجْعَلْنِي أَشْقَى خَلْقِكَ.

فَلا يَزَالُ يَدْعُو حَتَّى يَضْحَكَ، فَإِذَا ضَحِكَ مِنْهُ، أَذِنَ لَهُ بِالدُّخُولِ فِيهَا، فَإِذَا دَخَلَ فِيهَا، قِيلَ لَهُ: تَمَنَّ مِنْ كَذَا، فَيَتَمَنَّى، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: تَمَنَّ مِنْ كَذَا، فَيَتَمَنَّى، حَتَّى تَنْقَطِعَ بِهِ الأَمَانِيُّ.

فَيَقُولُ اللَّهُ: هَذَا لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ ".

قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَذَلِكَ الرَّجُلُ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولا.

قَالَ: وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ جَالِسٌ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ، لَا يُغَيِّرُ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ حَدِيثِهِ،

ص: 175

حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ: «هَذَا لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ» ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ:«هَذَا لَكَ، وَعَشْرَةُ أَمْثَالِهِ» .

قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: حَفِظْتُ «مِثْلَهُ مَعَهُ» .

وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقُ أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيد اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، مِثْلَهُ.

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيِّ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ

قَوْله: «فَمنهمْ الموبق بِعَمَلِهِ» ، أَي: الْمَحْبُوس، يُقَالُ: أوبقه: إِذَا حَبسه، وَمِنْه قَوْله سبحانه وتعالى:{أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا} [الشورى: 34]، أَوْ يحبس السفن فَلا تجْرِي عُقُوبَة لأَهْلهَا.

والإيباق: الإهلاك أَيْضًا، يُقَالُ: وبق يبْق، ووبق يوبق: إِذَا هلك، وَقَوله سبحانه وتعالى:{وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا} [الْكَهْف: 52]، أَي: جعلنَا بَينهم مَا يوبقهم، أَي: يُهْلِكهُمْ.

وَقَوله: «وَمِنْهُمُ المخردل» ، قِيلَ: هُوَ المصروع، وَقِيلَ: هُوَ المقطع، أَي: تقطعه كلاليب الصِّرَاط حَتَّى تهوي بِهِ إِلَى النَّارِ، يُقَالُ: خردلت اللَّحْم بِالدَّال والذال، أَي: قطعته وفرقته.

ص: 176

وَقَوله: «امتحشوا» ، أَي: احترقوا، وَقِيلَ: المحش تنَاول من اللهب يحرق اللَّحْم، ويبدي الْعظم.

وَقَوله: «فينبتون نَبَات الْحبَّة» ، الْحبَّة بِكَسْر الْحَاء وَتَشْديد الْبَاء: اسْم جَامع لحبوب الْبُقُول الَّتِي تنتثر إِذَا هَاجَتْ، ثُمَّ إِذَا مطرَت من قَابل تنْبت، وَقَالَ الْكِسَائِيّ: هِيَ حب الرياحين الْوَاحِدَة حَبَّة، فَأَما الْحِنْطَة وَنَحْوهَا، فَهُوَ الْحبّ لَا غَيْر، والحبة من الْعِنَب تسمى حَبَّة بِالْفَتْح، وَحب الْحبَّة يُسمى حَبَّة بِضَم الْحَاء وَتَخْفِيف الْبَاء.

وَقَوله: «فِي حميل السَّيْل» ، هُوَ مَا حمله السَّيْل فعيل بِمَعْنى مفعول، كَمَا يُقَالُ للمقتول: قَتِيل، قَالَ أَبُو سَعِيد الضَّرِير: حميل السَّيْل: مَا جَاءَ بِهِ من طين أَوْ غثاء، فَإِذَا اتّفق فِيهِ الْحبَّة، واستقرت عَلَى شط مجْرى السَّيْل، فَإِنَّهَا تنْبت فِي يَوْم وَلَيْلَة، وَهِيَ أسْرع نابتة نباتا، وَإِنَّمَا أخبر بِسُرْعَة نباتهم.

وَقَوله: «قشبني رِيحهَا» ، أَي: سمني وَصَارَ رِيحهَا كالسم فِي أنفي، والقشب: خلط السم بِالطَّعَامِ، والقشب: اسْم للسم وكل مَسْمُوم قشيب، وَيُقَال: قشبه الدُّخان: إِذَا امْتَلَأَ خياشيمه من الدُّخان.

وَقَوله: «وأحرقني ذكاؤها» ، فَأصل الذكاء: بُلُوغ كُلّ شَيْءٍ منتهاه، وذكيت النَّار: إِذَا أتممت إشعالها.

قَوْله: «فيأتيهم اللَّه فِي غَيْرِ الصُّورَة الَّتِي يعْرفُونَ» ، قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيّ رحمه الله: هَذَا يحْتَاج إِلَى تَأْوِيل، وَلَيْسَ ذَلِكَ من أجل أَنَّا ننكر رُؤْيَة اللَّه تَعَالَى، بَل نثبتها، وَلا من أجل أَنا ندفع مَا جَاءَ فِي الْكِتَاب، وَفِي أَخْبَار الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم من ذكر الْمَجِيء والإتيان غَيْر أَنَّا

ص: 177

لَا نكيف ذَلِكَ، وَلا نجعله حَرَكَة وانتقالا كمجيء الْأَشْخَاص وإتيانها، إِلَى غَيْر ذَلِكَ من نعوت الْحَدث، وَتَعَالَى اللَّه علوا كَبِيرا، وَيجب أَن تعلم أَن الرُّؤْيَة الَّتِي هِيَ ثَوَاب الْأَوْلِيَاء فِي الْجَنَّةِ غَيْر هَذِهِ الرُّؤْيَة الْمَذْكُورَة فِي مقامهم يَوْم الْقِيَامَةِ، وَإِنَّمَا تعريضهم لهَذِهِ الرُّؤْيَة امتحان مِنَ اللَّهِ سبحانه وتعالى لَهُمْ، يَقع بِهِ التَّمْيِيز بَين من عَبْد اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَبَين من عَبْد الشَّمْس وَالْقَمَر والطواغيت، فَيتبع كُلّ فريق معبوده، وَلَيْسَ يُنكر أَنْ يَكُونَ الامتحان إِذْ ذَاك قَائِما، وَحكمه عَلَى الْخلق جَارِيا حَتَّى يفرغ من الْحساب، وَيَقَع الْجَزَاء بِمَا يستحقونه من الثَّوَاب وَالْعِقَاب، ثُمَّ يَنْقَطِع إِذَا حقت الْحَقَائِق، واستقرت أُمُور الْعِبَاد قَرَارهَا، أَلا ترى قَوْله سبحانه وتعالى:{يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ} [الْقَلَم: 42]، فامتحنوا هُنَالك بِالسُّجُود، وَيُشبه أَنْ يَكُونَ، وَاللَّه أعلم، إِنَّمَا حجبهم عَنْ تحقق الرُّؤْيَة فِي الكرة الأولى، حَتَّى قَالُوا: هَذَا مَكَاننَا حَتَّى يأتينا رَبنَا.

من أجل من مَعَهم من الْمُنَافِقين الَّذِينَ لَا يسْتَحقُّونَ الرُّؤْيَة، وَهُمْ عَنْ رَبهم محجوبون، فَلَمَّا تميزوا عَنْهُم ارْتَفع الْحجب، فَقَالُوا عِنْدَ مَا رَأَوْهُ: أَنْتَ رَبنَا.

وَذكر من الْكَلام غَيْر هَذَا، وَقَالَ: الصُّورَة فِي هَذِهِ الْقِصَّة بِمَعْنى الصّفة.

ص: 178

قُلْتُ: وَالْوَاجِب فِيهِ وَفِي أَمْثَاله الْإِيمَان وَالتَّسْلِيم، وَاللَّه أعلم.

وَرُوِيَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى الطباع، قَالَ: أَتَيْنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْن أَبِي سَلَمَةَ الماجشوني بِرَجُل كَانَ يُنكر حَدِيث يَوْم الْقِيَامَةِ، وَأَن اللَّه يَأْتِيهم فِي صورته، فَقَالَ لَهُ: يَا بَنِي، مَا تنكر من هَذَا؟ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ أجل وَأَعْظَم من أَن يرى فِي هَذِهِ الصّفة.

فَقَالَ: يَا أَحمَق، إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ تَتَغَيَّر عَظمته، وَلَكِن عَيْنَاك يغيرهما حَتَّى ترَاهُ كَيْفَ شَاءَ.

فَقَالَ الرَّجُل: أَتُوب إِلَى اللَّهِ.

وَرجع عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ.

4347 -

أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ طَرِيفِ بْنِ خَلِيفَةَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، نَا أَبُو مَالِكٍ الأَشْجَعِيُّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

ح، وَأَبُو مَالِكٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ، فَيَقُومُ الْمُؤْمِنُونَ حَتَّى يُزْلِفَ لَهُمُ الْجَنَّةَ، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ: يَا أَبَانَا، اسْتَفْتِحْ لَنَا الْجَنَّةَ.

فَيَقُولُ: هَلْ

ص: 179

أَخْرَجَكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ إِلا خَطِيئَةُ أَبِيكُمْ؟ لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، اذْهَبُوا إِلَى ابْنِي إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ.

فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، إِنَّمَا كُنْتُ خَلِيلا مِنْ وَرَاءَ وَرَاءَ، اعْمِدُوا إِلَى مُوسَى الَّذِي كَلَّمَهُ اللَّهُ تَكْلِيمًا.

فَيَأْتُونَ مُوسَى، فَيَقُولُ: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى كَلَّمَةِ اللَّهِ وَرُوحُهُ.

فَيَقُولُ عِيسَى: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ.

فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا، فَيَقُومُ، فَيُؤْذَنُ لَهُ، وَتُرْسَلُ الأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ، فَيَقُومَانِ جَنَبَتَيِ الصِّرَاطِ يَمِينًا وَشِمَالا، فَيَمُرُّ أُولاكُمْ كَالْبَرْقِ، ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ، ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ وَشَدُّ الرِّجَالِ، تَجْرِي بِهِمْ أَعْمَالُهُمْ، وَنَبِيُّهُمْ قَائِمٌ عَلَى الصِّرَاطِ، يَقُولُ: يَا رَبِّ، سَلِّمْ سَلِّمْ، حَتَّى تَعْجَزَ أَعْمَالُ الْعِبَادِ حَتَّى يَجِيءَ الرَّجُلُ، فَلا يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ إِلا زَحْفًا، وَفِي حَافَتَيِ الصِّرَاطِ كَلالِيبُ مُعَلَّقَةٌ مَأْمُورَةٌ بِأَخْذِ مَنْ أُمِرَتْ بِهِ، فَمَخْدُوشٌ نَاجٍ، وَمُكَرْدَسٌ فِي النَّارِ، وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ، إِنَّ قَعْرَ جَهَنَّمَ لَسَبْعُونَ خَرِيفًا «.

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

» وجنبتا الصِّرَاط ": ناحيتاه، وَأَرَادَ بالمكردس: الموثق الْملقى فِيهَا.

ص: 180

4348 -

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو الطَّيِّبِ الرَّبِيعُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَاتِمٍ الْبَزَّازُ الطُّوسِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى حَدَّثَهُمْ ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ وَأَمِنُوا، فَمَا مُجَادَلَةُ أَحَدِكُمْ لِصَاحِبِهِ فِي الْحَقِّ يَكُونُ لَهُ فِي الدُّنْيَا، بِأَشَدَّ مُجَادَلَةً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لِرَبِّهِمْ فِي إِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ أُدْخِلُوا النَّارَ» ، قَالَ:" يَقُولُونَ: رَبَّنَا إِخْوَانَنَا كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا، وَيَصُومُونَ مَعَنَا، وَيَحُجُّونَ مَعَنَا، فَأَدْخَلْتَهُمُ النَّارَ "، قَالَ: " فَيَقُولُ: اذْهَبُوا، فَأَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ مِنْهُمْ.

فَيَأْتُونَهُمْ فَيَعْرِفُونَهُمْ بِصُوَرِهِمْ، لَا تَأْكُلُ النَّارُ صُوَرَهُمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ النَّارُ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ إِلَى كَعْبَيْهِ، فَيُخْرِجُونَهُمْ، فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا قَدْ أَخْرَجْنَا مَنْ أَمَرْتَنَا ".

قَالَ: " ثُمَّ يَقُولُ: أَخْرِجُوا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ وَزْنُ دِينَارٍ مِنَ الإِيمَانِ، ثُمَّ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ ".

قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْ بِهَذَا، فَلْيَقْرَأْ هَذِهِ الآيَةَ:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [

ص: 181

النِّسَاء: 40].

قَالَ: " فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا قَدْ أَخْرَجْنَا مَنْ أَمَرْتَنَا، فَلَمْ يَبْقَ فِي النَّارِ أَحَدٌ فِيهِ خَيْرٌ "، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ عز وجل:«شَفَعَتِ الْمَلائِكَةُ، وَشَفَعِتِ الأَنْبِيَاءُ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ، وَبَقِيَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ» ، قَالَ:«فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ» ، أَوْ قَالَ:" قَبْضَتَيْنِ، نَاسًا لَمْ يَعْمَلُوا لِلَّهِ خَيْرًا قَطُّ، قَدِ احْتَرَقُوا حَتَّى صَارُوا حُمَمًا، فَيُؤْتَى بِهِمْ إِلَى مَاءٍ، يُقَالُ لَهُ: مَاءُ الْحَيَاةِ، فَيَصُبُّ عَلَيْهِمْ، فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحَبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ "، قَالَ:" فَتَخْرُجُ أَجْسَادُهُمْ مِثْلُ اللُّؤْلُؤِ فِي أَعْنَاقِهِمُ الْخَاتَمُ: عُتَقَاءُ اللَّهِ، فَيُقَالُ لَهُمُ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ، فَمَا تَمَنَّيْتُمْ، أَوْ رَأَيْتُمْ مِنْ شَيْءٍ، فَهُوَ لَكُمْ "، قَالَ:" فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ "، قَالَ:" فَيَقُولُ: رِضَايَ عَنْكُمْ، فَلا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ أَبَدًا "

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي أَبُو سَهْلٍ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِهَذَا ، وَقَالَ: قَالَ: " فَيَقُولُونَ: وَمَا أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: رِضَايَ عَنْكُمْ، فَلا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ أَبَدًا ".

ص: 182

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ سُوَيْد بْن سَعِيد، عَنْ حَفْص بْن ميسرَة، عَنْ زَيْد بْن أسلم

5043 -

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، نَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:" لَيُصِيبَنَّ أَقْوَامًا سَفْعٌ مِنَ النَّارِ بِذُنُوبٍ أَصَابُوهَا عُقُوبَةً، ثُمَّ يُدْخِلُهُمُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ، فَيُقَالُ لَهُمُ: الْجَهَنَّمِيُّونَ ".

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

قَوْله: «سفع مِنَ النَّارِ» ، أَي: عَلامَة مِنَ النَّارِ، يُقَالُ: سفعت الشَّيْء: إِذَا أعلمته، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ سبحانه وتعالى:{لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ} [العلق: 15]، أَي: لنعلمنه عَلامَة أَهْل النَّارِ من سَواد الْوَجْه، وزرقة الْعين، فَاكْتفى بالناصية من سَائِر الْوَجْه، لِأَنَّهَا فِي مقدم الْوَجْه، وَقِيلَ:{لَنَسْفَعًا} [العلق: 15]، أَي: لنأخذنه، وَقِيلَ: لنخزينه، وَقِيلَ: لنذلنه.

4351 -

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا يَحْيَى، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ ذَكْوَانَ، نَا أَبُو رَجَاءٍ، حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «يَخْرُجُ قَوْمٌ

ص: 183

مِنَ النَّارِ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، وَيُسَمَّوْنَ الْجَهَنَّمِيِّينَ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

وَرَوَاهُ جَابِرٌ: «يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ بِالشَّفَاعَةِ، كَأَنَّهُمُ الثَّعَارِيرُ»

وَفسّر الثعارير بالضغابيس، والثعارير: رُءُوس الطراثيث تكون بَيْضَاء، شبهوا بِهَا فِي الْبيَاض، قَالَ ابْنُ الْأَعرَابِي: الثعرور: قثاء صغَار، وَهِيَ الضغابيس، والثعرور فِي غَيْرِ هَذَا: الثؤلول، وَيُقَال: الضغابيس: هَنَات تنْبت فِي أصُول الثمام طوال رخصَة تُؤْكَل.

4352 -

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " يُصَفُّ أَهْلُ النَّارِ، فَيُعَدَّلُونَ، قَالَ: فَيَمُرُّ بِهِمُ الرَّجُلُ مِن أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ: يَا فُلانُ.

قَالَ: فَيَقُولُ: مَا تُرِيدُ؟ فَيَقُولُ: أَمَا تَذْكُرُ رَجُلا سَقَاكَ شَرْبَةً يَوْمَ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: فَيَقُولُ: وَإِنَّكَ لأَنْتَ هُوَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ.

فَيَشْفَعُ لَهُ، فَيُشَفَّعُ فِيهِ، قَالَ: ثُمَّ يَمُرُّ بِهِمُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: يَا فُلانُ.

فَيَقُولُ: مَا تُرِيدُ؟ فَيَقُولُ: أَمَا تَذْكُرُ

ص: 184

رَجُلا وَهْبَ لَكَ وَضُوءًا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُولُ: إِنَّكَ لأَنْتَ هُوَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ.

فَيَشْفَعُ لَهُ، فَيُشَفَّعُ فِيهِ "

4353 -

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا مُحَاضِرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:" يُصَفُّ أَهْلُ النَّارِ، فَيَمُرُّ عَلَيْهِمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ: يَا فُلانُ، أَمَا تَعْرِفُنِي؟ أَنَا الَّذِي سَقَيْتُكَ شَرْبَةَ الْمَاءِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَنَا الَّذِي وَهَبْتُ لَكَ مَاءً تَوَضَّأْتَ بِهِ، فَيَشْفَعُ لَهُ، فَيُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ "

4354 -

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو سَعْدِ بْنُ أَبِي أَحْمَدَ الزَّاهِدُ ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عِمْرَانَ الأَخْنَسِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَيَّاشٍ، يُحَدَّثُ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِذَا كَانَ

ص: 185

يَوْمُ الْقِيَامَةِ جَمَعَ اللَّهُ سبحانه وتعالى أَهْلَ الْجَنَّةِ صُفُوفًا، وَأَهْلَ النَّارِ صُفُوفًا، فَيَنْظُرُ الرَّجُلُ عَنْ صُفُوفِ أَهْلِ النَّارِ إِلَى الرَّجُلِ مِنْ صُفُوفِ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ لَهُ: يَا فُلانُ، أَمَا تَذْكُرُ يَوْمَ اصْطَنَعْتُ إِلَيْكَ مَعْرُوفًا؟ قَالَ: فَيَقُولُ اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا اصْطَنَعَ إِلَيَّ فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا.

قَالَ: فَيُقَالُ لَهُ: خُذْ بِيَدِهِ، فَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى ".

قَالَ أَنَسٌ: «فَأَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُهُ»

4355 -

أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: " آخِرُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلٌ، فَهُوَ يَمْشِي مَرَّةً، وَيَكْبُو مَرَّةً، وَتَسْفَعُهُ النَّارُ مَرَّةً، فَإِذَا جَاوَزَهَا، الْتَفَتَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: تَبَارَكَ الَّذِي

ص: 186

نَجَّانِي مِنْكِ، لَقَدْ أَعْطَانِي اللَّهُ شَيْئًا مَا أَعْطَاهُ أَحَدًا مِنَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ.

فَتُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا، وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا.

فَيَقُولُ اللَّهُ: يَابْنَ آدَمَ، لَعَلِّي إِنْ أَعْطَيْتُكَهَا سَأَلْتَنِي غَيْرَهَا.

فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ.

وَيُعَاهِدُهُ أَنْ لَا يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا، وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ، لأَنَّهُ يَرَى مَا لَا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ، فَيُدْنِيهِ مِنْهَا، فَيَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا، وَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا، ثُمَّ تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ هِيَ أَحْسَنُ مِنَ الأُولَى، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ لأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا، وَأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا، لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا.

فَيَقُولُ: يَابْنَ آدَمَ، أَلَمْ تُعَاهِدْنِي أَنْ لَا تَسْأَلَنِي غَيْرَهَا؟ لَعَلِّي إِنْ أَدْنَيْتُكَ مِنْهَا تَسْأَلُنِي غَيْرَهَا.

فَيُعَاهِدُهُ أَنْ لَا يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا، وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ، لأَنَّهُ يَرَى مَا لَا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ، فَيُدْنِيهِ مِنْهَا، فَيَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا، وَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا، ثُمَّ تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ هِيَ أَحْسَنُ مِنَ الأُولَيَيْنِ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ فَلأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا، وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا، لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا.

فَيَقُولُ: يَابْنَ آدَمَ، أَلَمْ تُعَاهِدْنِي أَنْ لَا تَسْأَلَنِي غَيْرَهَا؟ فَيَقُولُ: بَلَى يَا رَبِّ،

ص: 187

هَذِهِ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا.

وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ، لأَنَّهُ يَرَى مَا لَا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ، فَيُدْنِيهِ مِنْهَا، فَإِذَا أَدْنَاهُ مِنْهَا سَمِعَ أَصْوَاتَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَدْخِلْنِيهَا.

فَيَقُولُ: يَابْنَ آدَمَ، مَا يُصْرِينِي مِنْكَ، أَيُرْضِيكَ أَنْ أُعْطِيَكَ الدُّنْيَا وَمِثْلَهَا مَعَهَا؟ فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَتَسْتَهْزِئُ مِنِّي، وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ "، فَضَحِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: أَلا تَسْأَلُونِي مِمَّا أَضْحَكُ.

فَقَالُوا: مِمَّ تَضْحَكُ؟ فَقَالَ: هَكَذَا ضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

فَقَالُوا: مِمَّ تَضْحَكُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " مِنْ ضَحِكِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، حِينَ قَالَ: أَتَسْتَهْزِئُ بِي، وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، فَيَقُولُ: إِنِّي لَا أَسْتَهْزِئُ مِنْكَ، وَلَكِنِّي عَلَى مَا أَشَاءُ قَدِيرٌ ".

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

قَوْله: «مَا يصريني مِنْك» ، أَي: مَا يقطع مسألتك عني، يُقَالُ: صريت الشَّيْء: إِذَا قطعته.

4356 -

أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ الشَّاشِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ،

ص: 188

عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنِّي لأَعْرِفُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنَ النَّارِ، رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْهَا زَحْفًا، فَيُقَالُ لَهُ: انْطَلِقْ، فَادْخُلِ الْجَنَّةَ، قَالَ: فَيَذْهَبُ لِيَدْخُلَ، فَيَجِدُ النَّاسَ قَدْ أَخَذُوا الْمَنَازِلَ، فَيَرْجِعُ، فَيَقُولُ: قَدْ أَخَذَ النَّاسُ الْمَنَازِلَ، فَيُقَالُ لَهُ: أَتَذْكُرُ الزَّمَانَ الَّذِي كُنْتَ فِيهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيُقَالُ لَهُ: تَمَنَّ، قَالَ: فَيَتَمَنَّى، فَيُقَالُ لَهُ: إِنَّ لَكَ الَّذِي تَمَنَّيْتَهُ، وَعَشْرَةُ أَضْعَافِ الدُّنْيَا، قَالَ: فَيَقُولُ: أَتَسْخَرُ بِي وَأَنْتَ الْمَلِكُ؟ " فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ.

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ جَمِيعًا، عَنْ عُثْمَان بْن أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ جَرِير، عَنْ مَنْصُور، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَزَادَ:" وَكَانَ يُقَالُ: ذَاكَ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً "

قَوْله: «حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه» ، قِيلَ: هِيَ الأضراس، وَقِيلَ: المضاحك، وَقِيلَ: هِيَ الأنياب، وَهِيَ أَحْسَن مَا قِيلَ فِيهَا، لِأَنَّهُ فِي الْخَبَر أَنه صلى الله عليه وسلم، «

ص: 189

كَانَ جُلُّ ضَحِكِهِ التَّبَسُّمَ».

4357 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْحُمَيْدِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ الزَّاهِدُ، نَا الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، نَا مَالِكٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:" يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ عز وجل: أَخْرِجُوا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَيُخْرَجُونَ مِنْهَا قَدِ اسْوَدُّوا، فَيُلْقَوْنَ فِي نَهْرِ الْحَيَاةِ أَوِ الْحَيَا «، يَشُكُّ مَالِكٌ» فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحَبَّةُ إِلَى جَانِبِ السَّيْلِ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهَا تَخْرُجُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً؟ ".

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْن أَبِي أُوَيْسٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَارُون بْن سَعِيد، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ مَالِك

والحيا مَقْصُور: الْمَطَر.

وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيل عَلَى أَن أهل الْمعاصِي

ص: 190

لَا يخلدُونَ فِي النَّارِ، وَفِيه دَلِيل عَلَى تفاضل النَّاس فِي الْإِيمَان.

قَالَ الْخَطَّابِيّ: وحبة الْخَرْدَل مثل فِي الْمعرفَة لَا فِي الْوَزْن، لِأَن الْإِيمَان لَيْسَ بجسم يحضرهُ الْوَزْن أَوِ الْكَيْل، وَلَكِن مَا يشكل فِي الْعُقُول قَدْ يرد إِلَى عيار المحسوس ليعلم.

4358 -

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا هِشَامٌ، نَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:" يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ شَعِيرَةٍ مِنْ خَيْرٍ، وَيَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ بُرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ، يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ ".

وَقَالَ أَبَانٌ عَنْ قَتَادَةَ: «مِنْ إِيمَانٍ» ، مَكَانَ «خَيْرٍ» .

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ

4359 -

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ،

ص: 191

نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " يُعَذَّبُ أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ فِي النَّارِ حَتَّى يَكُونُوا حُمَمًا، ثُمَّ تُدْرِكُهُمُ الرَّحْمَةُ، قَالَ: فَيَخْرُجُونَ، فَيُطْرَحُونَ عَلَى أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، فيرش عَلَيْهِمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْمَاءَ، فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْغُثَاءُ فِي حُمَالَةِ السَّيْلِ، ثُمَّ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ".

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ أَوْجُهٍ، عَنْ جَابِرٍ

الحمم: الفحم وَاحِدهَا حممة.

والغثاء: مَا يبس من النبت، فَحَمله المَاء، فَأَلْقَاهُ فِي الجوانب، قَالَ سبحانه وتعالى:{فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى} [الْأَعْلَى: 5]، أَي: جعله غثاء بَعْد أَن كَانَ أحوى، والأحوى: الَّذِي اشْتَدَّ خضرته، وَقَالَ:{فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً} [الْمُؤْمِنُونَ: 41]، أَي: أهلكناهم، فذهبنا بِهِمْ كَمَا يذهب السَّيْل بالغثاء.

4360 -

أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا هَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا أَبُو عَمَّارٍ الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ، نَا وَكِيعٌ، نَا الأَعْمَشُ، عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنِّي لأَعْلَمُ آخِرَ رَجُلٍ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ، يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،

ص: 192

فَيُقَالُ: اعْرِضُوا عَلَيْهِ صِغَارَ ذُنُوبِهِ، وَيُخَبَّأُ عَنْهُ كِبَارُهَا، فَيُقَالُ لَهُ: عملت يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، وَهُوَ مُقِرٌّ لَا يُنْكِرُ، وَهُوَ مُشْفِقٌ مِنْ كِبَارِهَا، فَيُقَالُ: أَعْطُوهُ مَكَانَ كُلَّ سَيِّئَةٍ عَمِلَهَا حَسَنَةً، فَيَقُولُ: أَيْنَ لِي ذُنُوبٌ مَا أَرَاهَا هَهُنَا؟ ".

قَالَ أَبُو ذَرٍّ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ.

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ

4361 -

أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَلِيٍّ الشُّجَاعِيُّ، أَنَا أَبُو نَصْرٍ النُّعْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمُودٍ الْجُرْجَانِيُّ، أَنَا أَبُو عُثْمَانَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ أَبُو النُّعْمَانِ، نَا سَلامُ بْنُ مِسْكِينٍ، نَا أَبُو الظِّلالِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، " أَنَّ رَجُلا فِي النَّارِ يُنَادِي أَلْفَ سَنَةٍ: يَا حَنَّانُ يَا مَنَّانُ، فَيَقُولُ اللَّهُ عز وجل لِجِبْرِيلَ: اذْهَبْ فَأْتِنِي بِعَبْدِي هَذَا، قَالَ: فَذَهَبَ جِبْرِيلُ، فَوَجَدَ أَهْلَ النَّارِ مُنْكَبِّينَ يَبْكُونَ، قَالَ: فَرَجَعَ فَأَخْبَرَ رَبَّهُ، قَالَ: اذْهَبْ، فَإِنَّهُ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا،

ص: 193

قَالَ: فَجَاءَ بِهِ، قَالَ: يَا عَبْدِي، كَيْفَ وَجَدْتَ مَكَانَكَ وَمَقِيلَكَ؟ قَالَ: يَا رَبِّ، شَرَّ مَكَانٍ، وَشَرَّ مَقِيلٍ، قَالَ: رُدُّوا عَبْدِي، قَالَ: مَا كُنْتُ أَرْجُو أَنْ تُعِيدَنِي إِلَيْهَا إِذْ أَخْرَجْتَنِي مِنْهَا، قَالَ اللَّهُ لِمَلائِكَتِهِ: دَعُوا عَبْدِي "

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْحَنَّانُ مَعْنَاهُ: ذُو الرَّحْمَةِ وَالْعَطْفِ، وَالْحَنَانُ مُخَفَّفٌ: الرَّحْمَةُ، وَقَوْلُهُ سبحانه وتعالى:{وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا} [مَرْيَم: 13]، أَي: آتيناه رَحمَه من عِنْدَنَا.

وَأَمَّا المنان، فَمَعْنَاه: الْمُنعم الْمفضل.

4362 -

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَفِيدُ، نَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا حَمَّادٌ، نَا ثَابِتٌ، وَأَبُو عِمْرَانَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«يَخْرُجُ أَرْبَعَةٌ مِنَ النَّارِ» ، قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: أَرْبَعَةٌ، وَقَالَ ثَابِتٌ: رَجُلانِ، " فَيُعْرَضُونَ عَلَى اللَّهِ، ثُمَّ يُؤْمَرُ بِهِمْ إِلَى النَّارِ، فَيَلْتَفِتُ أَحَدُهُمْ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، لَقَدْ كُنْتُ أَرْجُو إِذْ أَخْرَجْتَنِي مِنْهَا أَلا تُعِيدَنِي فِيهَا، قَالَ: فَيُنَجِّيهِ اللَّهُ مِنْهَا ".

ص: 194

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَدابِ بْنِ خَالِد، عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَةَ

4363 -

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَارِثُ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَنْعُمَ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: " إِنَّ رَجُلَيْنِ مِمَّنْ دَخَلا النَّارَ يَشْتَدُّ صِيَاحُهُمَا، فَقَالَ الرَّبُّ: أَخْرِجُوهُمَا، فَقَالَ لَهُمَا: لأَيِّ شَيْءٍ اشْتَدَّ صِيَاحُكُمَا؟ قَالا: فَعَلْنَا ذَلِكَ لِتَرْحَمَنَا.

قَالَ: فَإِنَّ رَحْمَتِي لَكُمَا أَنْ تَنْطَلِقَا، فَتُلْقِيَا أَنْفُسَكُمَا حَيْثُ كُنْتُمَا مِنَ النَّارِ.

فَيَنْطَلِقَانِ فَيُلْقِي أَحَدُهُمَا نَفْسَهُ، فيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلامًا، وَيَقُومُ الآخَرُ، فَلا يُلْقِي نَفْسَهُ، فَيَقُولُ لَهُ الرَّبُّ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تُلْقِيَ نَفْسَكَ كَمَا أَلْقَى صَاحِبُكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّ، إِنِّي لأَرْجُو أَنْ لَا تُعِيدَنِي فِيهَا بَعْدَ مَا أَخْرَجْتَنِي.

فَيَقُولُ لَهُ الرَّبُّ: لَكَ رَجَاؤُكَ، فَيَدْخُلانِ جَمِيعًا الْجَنَّةَ بِرَحْمَةِ اللَّهِ ".

ص: 195

قَالَ أَبُو عِيسَى: رِشْدِينُ بْنُ سَعْد ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيث

4364 -

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ:{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} [الْأَعْرَاف: 43]، قَالَ: نَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيِّ، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يخلص الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ، فَيُحْبَسُونَ عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيُقْتَصُّ لِبَعْضٍ مِنْ بَعْضٍ مَظَالِمُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا، أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لأَحَدُهُمْ أَهْدَى بِمَنْزِلِهِ فِي الْجَنَّةِ مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا» .

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

ص: 196