الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ ذِكْرِ ابْنِ الصَّيَّادِ
4270 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنَا شُعَيْبٌ، أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ، أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، انْطَلَقَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِهِ قِبَلَ ابْنِ صَيَّادٍ، حَتَّى وَجَدُوهُ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ فِي أُطُمِ بَنِي مَغَالَةَ، وَقَدْ قَارَبَ ابْنُ صَيَّادٍ يَوْمَئِذٍ الْحُلُمَ، فَلَمْ يَشْعُرْ حَتَّى ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ظَهْرَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ:«أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟» فَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الأُمِّيِّينَ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ فَرْضه النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ:«آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ» ، ثُمَّ قَالَ لابْنِ صَيَّادٍ:«مَاذَا تَرَى؟» قَالَ: يَأْتِينِي صَادِقٌ وَكَاذِبٌ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«خُلِّطَ الأَمْرُ عَلَيْهِ» ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنِّي خَبَّأْتُ لَكَ خَبِيئًا» ، فَقَالَ: هُوَ الدُّخُّ، قَالَ: «اخْسَأْ، فَلَنْ تَعْدُوَ
قَدْرَكَ»، قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَأْذَنُ لِي فِيهِ أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنْ يَكُنْ هُوَ، لَا تُسَلَّطْ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ، فَلا خَيْرَ لَكَ فِي قَتْلِهِ» ، قَالَ سَالِمٌ: فَسَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: انْطلق بَعْد ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ الأَنْصَارِيُّ يَؤُمَّانِ النَّخْلَ الَّتِي فِيهَا ابْنُ صَيَّادٍ، حَتَّى إِذَا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، طَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ وَهُوَ يَخْتِلُ أَنْ يَسْمَعَ مِنَ ابْنِ صَيَّادٍ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ، وَابْنُ صَيَّادٍ مُضْطَجِعٌ عَلَى فِرَاشِهِ فِي قَطِيفَةٍ لَهُ فِيهَا رَمْرَمَةٌ أَوْ زَمْزَمَةٌ، فَرَأَتْ أُمَّ صَيَّادٍ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ، فَقَالَتْ لابْنِ صَيَّادٍ: أَيْ صَاف، وَهُوَ اسْمُهُ، هَذَا مُحَمَّدٌ، فَتَنَاهَى ابْنُ صَيَّادٍ.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ تَرَكَتْهُ بَيَّنَ» .
قَالَ سَالِمٌ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي النَّاسِ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ، فَقَالَ: " إِنِّي أُنْذِرُكُمُوهُ وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلا وَقَدْ أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ، لَقَدْ أَنْذَرَهُ نُوحٌ قَوْمَهُ، وَلَكِنِّي سَأَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلا لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ: تَعْمَلُونَ أَنَّهُ أَعْوَرُ، وَأَنَّ
اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ وَهْب، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَاب.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مَا تَرَى؟» ، قَالَ: أَرَى عَرْشًا عَلَى الْمَاءِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«يَرَى عَرْشَ إِبْلِيسَ عَلَى الْبَحْرِ، وَمَا تَرَى؟» قَالَ: أَرَى صَادِقِينَ وَكَاذِبًا، أَوْ كَاذِبِينَ وَصَادِقًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«لُبِّسَ عَلَيْهِ، دَعُوهُ»
قَوْله: «فَرْضه» بالضاد الْمُعْجَمَة الَّتِي مَعْنَاهَا الْكسر، قَالَ الْخَطَّابِيّ: هُوَ غلط، وَالصَّوَاب: فرصه بالصَّاد غَيْر الْمُعْجَمَة، أَي: تنَاوله، فضغطه حَتَّى ضم بعضه إِلَى بَعْض، وَمِنْه رص الْبناء، قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى:{كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصَّفّ: 4].
وَقَالَ يُونُس عَنِ الزُّهْرِيِّ: فرفضه.
وَقَوله: «خبأت لَك خبيئا» كَانَ قَدْ خبأ لَهُ: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدُّخان: 10]، والدخ: الدُّخان.
قَوْله: «فَلَنْ تعدو قدرك» ، قَالَ الْخَطَّابِيّ: يحْتَمل وَجْهَيْن، أَحدهمَا: يُرِيد أَنَّهُ لَا يبلغ قدره أَن يطالع الْغَيْب من قبل الْوَحْي الَّذِي يُوحى بِهِ إِلَى الْأَنْبِيَاء، وَلا من قبل الإلهام الَّذِي يلقِي فِي روح الْأَوْلِيَاء، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي جرى عَلَى لِسَانه
شَيْئًا أَلْقَاهُ الشَّيْطَان، حِينَ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُرَاجع بِهِ أَصْحَابه قبل دُخُوله النّخل.
وَالْآخر، أَي: لَنْ تسبق قدر اللَّه فِيك وَفِي أَمرك.
وَقَدْ يسْتَدلّ بِهِ بَعْض أهل الْعلم عَلَى صِحَة إِسْلَام غَيْر الْبَالِغ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يستكشفه رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْإِيمَان وَهُوَ إِذْ ذَاك غَيْر بَالغ.
وَقَوله: «يخْتل» ، أَي: يطْلب أَن يَأْتِيهِ من حَيْثُ لَا يعلم، فَيسمع مَا يَقُوله فِي خلوته، وَمِنْه ختل الصَّيْد وَهُوَ أَن يُؤْتِي من حَيْثُ لَا يشْعر، فيصاد.
قَوْله: «لَهُ فِيهَا رمرمة أَوْ زمزمة» ، وَقَالَ يُونُس عَنِ الزُّهْرِيِّ: زمزمة بالزاي، وَقَالَ عقيل عَنِ الزُّهْرِيِّ: رمرمة بالراء، وَقَالَ مَعْمَر عَنِ الزُّهْرِيِّ: رمزة، ويروى: زمرة، أَي: رمزة.
قُلْتُ: هَذِهِ أَلْفَاظ مَعَانِيهَا مُتَقَارِبَة، الرمرمة تكون بِمَعْنى الْحَرَكَة، فَفِي حَدِيث عَائِشَة «كَانَ لَهُ عليه السلام وَحش، فَإِذَا خرج لعب، وَإِذَا جَاءَ ربض، فَلم يترمرم مَا دَامَ فِي الْبَيْت» ، أَي: لَمْ يَتَحَرَّك، والزمزمة بالزاي: الصَّوْت، يُقَالُ: زَمْزَم يزمزم زمزمة: إِذَا صَوت، وَقِيلَ فِي شَأْن زَمْزَم: سميت بِهِ لصوت كَانَ من جِبْرِيل عِنْدهَا يشبه الزمزمة، وَقِيلَ: لِأَن هَاجر زمت المَاء بالتحجير عَلَيْهِ، وَأَصلهَا زمم، وَمن قَالَ رمزة، فَمن الرَّمْز وَهُوَ الْإِشَارَة، وَقَدْ يَكُون بالعينين والحاجبين والشفتين، وَأَصله الْحَرَكَة، وَقَوله سبحانه وتعالى:{إِلا رَمْزًا} [آل عمرَان: 41]، قَالَ مُجَاهِد: إِيمَاء بشفتيه، وَمن قَالَ: زمرة
بِتَقْدِيم الزَّاي الْمُعْجَمَة، فَلَعَلَّهُ كَانَ يتَغَنَّى مَعَ نَفْسه بِشَيْء، قَالَ الأَصْمَعِيّ: زمر: إِذَا غنى، وَفِي الْحَدِيثِ:«نهى عَنْ كسب الزمارة» ، قِيلَ: مَعْنَاهُ الْمُغنيَة.
قَوْله: «لَو تركته بَيْنَ» ، أَي: بَيَّنَ مَا فِي نَفْسه.
4271 -
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَخْبَرَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: " لَقِيتُ ابْنُ صَيَّادٍ يَوْمًا وَمَعَهُ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ، فَإِذَا عَيْنُهُ قَدْ طَفَتْ، وَكَانَتْ عَيْنُهُ خَارِجَةً كَعَيْنِ الْجَمَلِ، فَلَمَّا رَأَيْتُهَا، قُلْتُ: يَابْنَ الصَّيَّادِ، أَنْشُدُكَ اللَّهَ مَتَى طَفَتْ عَيْنُكَ؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي وَالرَّحْمَنِ.
قُلْتُ: كَذَبْتَ لَا تَدْرِي وَهِيَ فِي رَأْسِكَ.
فَنَخَرَ ثَلاثًا، فَزَعَمَ الْيَهُودِيُّ أَنِّي ضَرَبْتُ بِيَدِي عَلَى صَدْرِهِ، قَالَ: وَلا أَعْلَمُنِي فَعَلْتُ ذَلِكَ، فَقُلْتُ: اخْسَأْ، فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ.
فَقَالَ: أَجَلْ لَعَمْرِي وَأَعْدُو قَدْرِي، فَكَأَنَّمَا كَانَ سِقَاءً انْفَشَّ.
قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِحَفْصَةَ، فَقَالَتِ: اجْتَنِبْ هَذَا الرَّجُلَ، فَإِنَّا
نَتَحَدَّثُ أَنَّ الدَّجَّالَ يَخْرُجُ عِنْدَ غَضْبَةٍ يَغْضَبُهَا "
4272 -
أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ، نَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، نَا هِشَامٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: لَقِيَ ابْنُ عُمَرَ ابْنَ صَيَّادٍ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ قَوْلا أَغْضَبَهُ، فَانْتَفَخَ حَتَّى مَلأَ السِّكَّةَ، فَدَخَلَ ابْنُ عُمَرَ عَلَى حَفْصَةَ وَقَدْ بَلَغَهَا، فَقَالَتْ لَهُ: رَحِمَكَ اللَّهُ، مَا أَرَدْتَ مِنَ ابْنِ صَيَّادٍ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ غَضْبَةٍ يَغْضَبُهَا» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيّ: وَقَدِ اخْتلف النَّاس فِي أَمر ابْن صياد اخْتِلافا شَدِيدا، وأشكل أمره حَتَّى قِيلَ فِيهِ كُلّ قَوْل، وَقَدْ يسْأَل عَنْ هَذَا، فَيُقَالُ: كَيْفَ يقار رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رجلا يَدعِي النُّبُوَّة كَاذِبًا، ويتركه بِالْمَدِينَةِ يساكنه فِي دَاره، ويجاوره فِيهَا، وَمَا وَجه امتحانه إِيَّاه بِمَا خبأه لَهُ من آيَة الدُّخان، وَقَوله بَعْد ذَلِكَ:«اخْسَأْ فَلَنْ تعدو قدرك» ؟.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: وَالَّذِي عِنْدِي أَن هَذِهِ الْقِصَّة إِنَّمَا جرت مَعَهُ أَيَّام مهادنة رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْيَهُود وحلفاءهم، وَذَلِكَ أَنَّهُ بَعْد مقدمه الْمَدِينَة كتب بَينه وَبينهمْ كتابا صَالحهمْ فِيهِ عَلَى أَن لَا يهاجوا، وَأَن يتْركُوا عَلَى أَمرهم، وَكَانَ ابْن الصياد مِنْهُمْ، أَوْ دخيلا فِي جُمْلَتهمْ، وَكَانَ يبلغ رَسُول اللَّهِ خَبره وَمَا يَدعِيهِ من الكهانة، ويتعاطاه من الْغَيْب، فامتحنوه بِذَلِكَ ليروز بِهِ أمره، ويخبر بِهِ شَأْنه، فَلَمَّا كَلمه، علم أَنَّهُ مُبْطل، وَأَنه من جملَة السَّحَرَة أَوِ الكهنة، أَو مِمَّن يَأْتِيهِ رَئِيٌ من الْجِنّ، أَوْ يتعاهده شَيْطَان، فيلقي عَلَى لِسَانه بَعْض مَا يتَكَلَّم بِهِ، فَلَمَّا سمع مِنْهُ قَوْله الدخ، زبره، فَقَالَ:«اخْسَأْ فَلَنْ تعدو قدرك» ، يُرِيد أَن ذَلِكَ شَيْء أَلْقَاهُ إِلَيْهِ الشَّيْطَان، وأجراه عَلَى لِسَانه، وَلَيْسَ ذَلِكَ من قبل الْوَحْي السماوي، إِذَ لَمْ يكن لَهُ قدر الْأَنْبِيَاء الَّذِينَ يُلْهمُون الْعلم، ويصيبون بِنور قُلُوبهم الْحق، وَإِنَّمَا كَانَتْ لَهُ تارات يُصِيب فِي بَعْضهَا، ويخطئ فِي بَعْض، وَذَلِكَ معنى قَوْله:«يأتيني صَادِق وكاذب» ، فَقَالَ لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ: خلط عَلَيْك، فالجملة من أمره أَنَّهُ كَانَ فتْنَة قَدِ امتحن اللَّه بِهِ عباده الْمُؤْمِنِينَ، ليهلك من هلك عَنْ بَيِّنَة، وَقَدِ امتحن قوم مُوسَى عليه السلام فِي زَمَانه بالعجل، فَافْتتنَ بِهِ قوم وأهلكوا، وَنَجَا من هداه اللَّه وَعَصَمَهُ مِنْهُمْ.
وَقَدِ اخْتلفت الرِّوَايَات فِي أمره، وَفِيمَا كَانَ من شَأْنه بَعْد كبره، فَروِيَ أَنَّهُ قَدْ تَابَ عَنْ ذَلِكَ القَوْل، ثُمَّ إِنَّه مَاتَ بِالْمَدِينَةِ، وَأَنَّهُمْ لما أَرَادوا الصَّلَاة عَلَيْهِ، كشفوا عَنْ وَجهه حَتَّى رَآهُ النَّاس، وَقِيلَ لَهُمُ: اشْهَدُوا.
4273 -
أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالا: نَا عَبْدُ الأَعْلَى، نَا دَاوُدُ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: صَحِبْتُ ابْنَ الصَّيَّادِ إِلَى مَكَّةَ، فَقَالَ لِي: قَدْ لَقِيتُ مِنَ النَّاسِ يَزْعُمُونَ أَنِّي الدَّجَّالُ، أَلَسْتَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«إِنَّهُ لَا يُولَدُ لَهُ؟» قَالَ: قُلْتُ: بَلَى.
قَالَ: فَقَدْ وُلِدَ لِي، أَوَلَيْسَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«لَا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ وَلا مَكَّةَ» ؟ قُلْتُ: بَلَى.
قَالَ: فَقَدْ وُلِدْتُ بِالْمَدِينَةِ، وَهَا أَنَا أُرِيدُ مَكَّةَ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ لِي فِي آخِرِ قَوْلِهِ: أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَعْلَمُ مَوْلِدَهُ، وَمَكَانَهُ وَأَيْنَ هُوَ، فَلَبَّسَنِي.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
وَذهب ابْن عُمَرَ إِلَى أَن ابْن صياد هُوَ الدَّجَّال.
وَقَالَ مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدر: " رَأَيْت جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ يحلف بِاللَّهِ، أَن ابْن الصَّائِد الدَّجَّال، فَقُلْتُ: تحلف بِاللَّهِ؟ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ عُمَر
يحلف عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلم يُنكره النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ".
ويروى أَنَّهُ قِيلَ لجَابِر: " إِنَّه أسلم؟ فَقَالَ: وَإِن أسلم، فَقيل: إِنَّه دَخَلَ مَكَّة، وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ: وَإِن دَخَلَ ".
وَرُوِيَ عَنْ جَابِر، أَنَّهُ قَالَ:«فَقدنَا ابْنُ صياد يَوْم الْحرَّة» ، وَهَذَا يُخَالف رِوَايَة من رَوَى أَنَّهُ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ، وَاللَّه أعلم.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي ذَر، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ:" هُوَ الدَّجَّال، وَقَالَ: قَالَت أمه: حَملته اثْنَي عشر شهرا، فَلَمَّا وَقع، صَاح صياح ابْن شَهْرَيْن، وَكَانَ يشب فِي الْيَوْم الْوَاحِد شباب الصَّبِيّ لشهر ".
قُلْتُ: وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بكرَة، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يمْكث أَبُوا الدَّجَّال ثَلَاثِينَ عَاما لَا يُولد لَهما، ثُمَّ يُولد لَهما غُلَام أَعور وأضرس وَأقله مَنْفَعَة، تنام عَيناهُ وَلا ينَام قلبه» ، فسمعنا بمولود فِي الْيَهُود بِالْمَدِينَةِ، فَذَهَبت أَنَا وَالزُّبَيْر بْن الْعَوام حَتَّى دَخَلنَا عَلَى أَبَوَيْهِ، فَإِذَا نعت رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْنَا: هَل لَكمَا ولد؟ فَقَالَا: مكثنا
ثَلَاثِينَ عَاما لَا يُولد لنا، ثُمَّ ولد لنا غُلَام أَعور أضرس وَأقله مَنْفَعَة، تنام عَيناهُ وَلا ينَام قلبه.
4274 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَاكِمُ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ امْرَأَةً مِنَ الْيَهُودِ بِالْمَدِينَةِ وَلَدَتْ غُلامًا مَمْسُوحَةٌ عَيْنُهُ، طَالِعَةٌ نَابُهُ، فَأَشْفَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَكُونَ الدَّجَّالَ، فَوَجَدَهُ تَحْتَ قَطِيفَةٍ يُهَمْهِمُ، فَآذَنَتْهُ أُمُّهُ، فَقَالَتْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَذَا أَبُو الْقَاسِمِ، فَخَرَجَ مِنَ الْقَطِيفَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مَا لَهَا قَاتَلَهَا اللَّهُ! لَوْ تَرَكَتْهُ لَبَيَّنَ» ، ثُمَّ قَالَ:«يَابْنَ الصَّائِدِ مَا تَرَى؟» قَالَ: أَرَى حَقًّا، وَأَرَى بَاطِلا، وَأَرَى عَرْشًا عَلَى الْمَاءِ.
قَالَ: «فَلُبِّسَ» ، فَقَالَ:«أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟» قَالَ هُوَ: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ» ، ثُمَّ خَرَجَ وَتَرَكَهُ، ثُمَّ أَتَى مَرَّةً أُخْرَى، فَوَجَدَهُ فِي نَخْلٍ لَهُ يُهَمْهِمُ، فَآذَنَتْهُ أُمُّهُ، فَقَالَتْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَذَا
أَبُو الْقَاسِمِ قَدْ جَاءَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مَا لَهَا قَاتَلَهَا اللَّهُ! لَوْ تَرَكَتْهُ لَبَيَّنَ» .
قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَطْمَعُ أَنْ يَسْمَعَ مِنْ كَلامِهِ شَيْئًا، فَيَعْلَمُ هُوَ أَمْ لَا، فَقَالَ:«يَابْنَ الصَّائِدِ، مَا تَرَى؟» قَالَ: أَرَى حَقًّا، وَأَرَى بَاطِلا، وَأَرَى عَرْشًا عَلَى الْمَاءِ.
قَالَ: «أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟» فَقَالَ هُوَ: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ» ، فَلُبِّسَ عَلَيْهِ، ثُمَّ خَرَجَ وَتَرَكَهُ، ثُمَّ جَاءَ فِي الثَّالِثَةِ أَمِ الرَّابِعَةِ، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فِي نَفَرٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وأَنَا مَعَهُ، قَالَ: فَبَادَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وَرَجَا أَنْ يُسْمِعَهُمْ مِنْ كَلامِهِ شَيْئًا، فَسَبَقَتْهُ أُمُّهُ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَذَا أَبُو الْقَاسِمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مَا لَهَا قَاتَلَهَا اللَّهُ! لَوْ تَرَكَتْهُ لَبَيَّنَ» ، فَقَالَ:«يَابْنَ صَائِدٍ، مَا تَرَى؟» قَالَ: أَرَى حَقًّا، وَأَرَى بَاطِلا، وَأَرَى عَرْشًا عَلَى الْمَاءِ.
فَقَالَ: «أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟» ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ، فَقَالَ:«يَابْنَ صَائِدٍ، إِنَّا قَدْ خَبَّأْنَا لَكَ خَبِيئَةً، فَمَا هُوَ؟» قَالَ: الدُّخُّ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اخْسَأْ، اخْسَأْ» .
فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: ائْذَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَقْتُلَهُ.
فَقَالَ