المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مقدمة المحدث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني: - شرح العقيدة الطحاوية - بتخريج الألباني

[ابن أبي العز - ناصر الدين الألباني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات

- ‌مقدمة الناشر [[

- ‌ترجمة ابن أبي العز الحنفي:

- ‌ترجمة الإمام الطحاوي "صاحب العقيدة

- ‌مقدمة المحدث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني:

- ‌مقدمة الشارح:

- ‌وجوب الإيمان بما جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم إيمانا عاما مجملا على كل أحد:

- ‌التعريف بالإمام أبي جعفر الطحاوي:

- ‌التوحيد ومعناه:

- ‌أنواع التوحيد الذي دعت إليه الرسل:

- ‌المراتب الثلاثة التي لا بد منها في كل خطاب

- ‌الفرق بين الإرادة الدينية والإرادة الكونية:

- ‌وجوب الإيمان بنبوة الرسول صلى الله عليه وسلم ورسالته:

- ‌القرآن كلام الله تعالى:

- ‌رؤية الله تعالى لأهل الجنة والرد على المخالفين

- ‌تأويل المعتزلة نصوص الكتاب والسنة تحريف للكلام عن موضعه:

- ‌معنى التأويل في كلام السنة:

- ‌الحوض الذي أكرم الله به رسوله صلى الله عليه وسلم:

- ‌الميثاق الَّذِي أَخَذَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ آدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ:

- ‌أسباب الخير ثلاثة "الإيجاد والإعداد والإمداد

- ‌الإيمان باللوح والقلم:

- ‌العرش والكرسي حق:

- ‌وجوب الإيمان بالملائكة والنبين والكتب المنزلة:

- ‌أهل القبلة مسلمون مؤمنون:

- ‌تعريف الإيمان واختلاف الناس فيه:

- ‌الإيمان بالقدر خيره وشره

- ‌الحج وَالْجِهَادُ مَاضِيَانِ مَعَ أُولِي الْأَمْرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إلى قيام الساعة

- ‌الإيمان بعذاب القبر ونعيمه

- ‌الإيمان بالبعث والجزاء والآيات الدالة على معاد البدن عند القيامة الكبرى

- ‌العرض والحساب:

- ‌أفعال العباد خلق لله وكسب من العباد:

- ‌في دعاء الأحياء وصدقاتهم منفعة للأموات:

- ‌نحب أصحاب رسول الله من غير افراط:

- ‌ نَبِيٌّ وَاحِدٌ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ الْأَوْلِيَاءِ

- ‌أشرطة الساعة:

- ‌يجب رد جميع الأمور المتنازع فيها إلى الله والرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌أنواع الاختلاف

- ‌فهرس الموضوعات:

الفصل: ‌مقدمة المحدث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني:

‌مقدمة المحدث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والعاقبة للمتقين، وصلاة الله وسلامه على نبينا محمد سيد المرسلين، وخاتم النبيين، وعلى آله الطاهرين، وأصحابه الطيبين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد، فلقد يسر الله تبارك وتعالى للأخ الفاضل الأستاذ زهير الشاويش أن يعيد طبع الكتاب العظيم "شرح العقيدة الطحاوية" طبعة رابعة مهذبة، فرأيت أنا بدوري أن أعيد النظر في تخريج أحاديثه، وأستدرك ما كان قد فاتني من تحقيق القول في بعضها، أو سهو وقع لي في بعض أفرادها، وأن أنسق الكلام عليها، فإن التخريج بأول أمره كان أشبه شيء بالتعليقات السريعة التي من طبيعتها أن لا تمكن صاحبها من مراجعة الكتب من أجلها إلا قليلا، ولا من إعادة النظر فيها، لأني كنت يومئذ على سفر، والمكتب راغب في سرعة طبع الكتاب.

ولقد كنت استدركت شيئًا من ذلك فيما بعد، في مقدمتي التي كان الأخ زهير تفضل بإلحاقها بالنسخ الباقية من الطبعة الثالثة، كما هو معلوم عند من وقعت له نسخة منها، أو أرسلت إليه هذه المقدمة مفردة.

وكان مما فاتني يومئذ توحيد طريقة التخريج في أحاديث الكتاب التي أخرجها الشيخان أو أحدهما، فقد جريت في كثير من تخريجاتي وتأليفاتي على التصريح في أول التخريج بمرتبة الحديث التي ينتهي إليها التحقيق، سواء كان مما أخرجه

ص: 21

الشيخان أو أحدهما، فاقول مثلا:"صحيح، أخرجه الشيخان"، أو "صحيح، أخرجه البخاري"، أو "صحيح، رواه مسلم" ونحو ذلك، ولكن لم يطرد لي ذلك في كل أحاديثهما، بل وقع هذا التصريح في بعضها دون بعض.

وكان قد بلغني عن بعضهم أنه استشكل أو استنكر هذا التصريح، فحملني ذلك على أن كتبت كلمة في المقدمة التي سبقت الإشارة إليها، أدفع بها الاستشكال المشار إليه، فقلت فيها ما نصه:

"يلاحظ القارئ الكريم أن كثيرًا من الأحاديث التي جاءت في الكتاب معزوة إلى "الصحيحين" أو أحدهما، قد علقنا عليه بقولنا: "صحيح". وتارة نقول: "صحيح، متفق عليه"، أو "صحيح، رواه البخاري"، أو "صحيح، رواه مسلم"، وذلك حين يكون الحديث غير مخرج في الكتاب، فالذي نريد بيانه حول ذلك، أنه يقول قائل: إن الجمع بين "صحيح" و"متفق عليه" ونحوه، اصطلاح غير معروف، وقد يتوهم فيه البعض أن أحاديث "الصحيحين" كأحاديث "السنن" وغيرها من الكتب التي تجمع الصحيح والضعيف من الحديث ولم يفرد للصحيح فقط.

وجوابًا على ذلك نقول:

إن الذي دعانا إلى هذا الاصطلاح، إنما هو شيء واحد، ألا وهو رغبتنا في إيقاف القارئ بأقرب طريق على درجة الحديث بعبارة قصيرة صريحة، مثل قولنا:"صحيح"، جرينا على هذا في كل حديث صحيح، ولو كان من المتفق عليه، لما ذكرنا، ولسنا نعني بذلك ما أشرنا إليه مما قد توهمه البعض، كيف والصحيحان هما أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى باتفاق علماء المسلمين من المحدثين وغيرهم، فقد امتازا على غيرهما من كتب السنة يتفردهما بجمع أصح الأحاديث الصحيحة، وطرح الأحاديث الضعيفة والمتون المنكرة، على قواعد متينة، وشروط دقيقة، وقد وفقوا في ذلك توفيقًا بالغًا لم يوفق إليه من بعدهم ممن نحا نحوهم في جمع الصحيح، كابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، وغيرهم حتى صار عرفًا عاما أن الحديث إذا أخرجه الشيخان أو أحدهما، فقد جاوز القنطرة، ودخل في طريق

ص: 22

الصحة والسلامة، ولا ريب في ذلك، وأنه هو الأصل عندنا، وليس معنى ذلك أن كل حرف أو لفظة أو كلمة في "الصحيحين" هو بمنزلة ما في "القرآن" لا يمكن أن يكون فيه وهم أو خطأ في شيء من ذلك من بعض الرواة، كلا فلسنا نعتقد العصمة لكتاب بعد كتاب الله تعالى أصلا، فقد قال الإمام الشافعي وغيره:"أبى الله أن يتم إلا كتابه"، ولا يمكن أن يدعي ذلك أحد من أهل العلم ممن درسوا الكتابين دراسة تفهم وتدبر مع نبذ التعصب، وفي حدود القواعد العلمية الحديثة، لا الأهواء الشخصية، أو الثقافة الأجنبية عن الإسلام وقواعد علمائه، فهذا مثلا حديثهما الذي أخرجاه بإسنادهما عن ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم" فإن من المقطوع به أنه صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو غير محرم، ثبت ذلك عن ميمونة نفسها، ولذلك قال العلامة المحقق محمد بن عبد الهادي في "تنقيح التحقيق" "2/ 104/ 1" وقد ذكر حديث ابن عباس:

"وقد عد هذا من الغلطات التي وقعت في "الصحيح"، وميمونة أخبرت أن هذا ما وقع، والإنسان أعرف بحال نفسه

". انظر الحديث "1037" من "إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل".

وعلى الرغم من هذا البيان القاضي على الإشكال، فقد علمت في هذه الأيام أن أحد أعداء عقيدة أهل السنة والجماعة من متعصبة الحنفية -قد رفع تقريرًا إلى بعض المراجع المسئولة في الدولة السعودية التي هو مدرس في بعض معاهدها؛ يحط فيه من قيمة هذا التخريج، وينسب إليّ ما لم يخطر لي على بال، فرأيت أن ألخص هنا مآخذه عليّ، لأعود بعد ذلك، فأكر عليها بالرد والنقض، ويمكن تلخيصها في خمسة أمور.

الأول: قولي فيما عزاه المصنف للشيخين أو أحدهما: "صحيح" وقولي أحيانًا: "صحيح، أخرجه مسلم" أو "صحيح، متفق عليه"، وأحيانًا لا أقول في كل ذلك "صحيح": فاستنتج المتعصب المشار إليه ما أفصح عنه بقوله:

"ما لم يقل فيه ذلك يكون متوقفًا فيه تحت النظر والمراجعة له فيه حتى يأتي هو بحكمه، فجاء بشيء لم يسبقه إليه المتقدمون ولا المتأخرون! ".

ص: 23

الثاني: قولي في بعض الأحاديث والآثار: "لا أعرفه"، ويرد عليه بقوله:"فكان ماذا إذا عرفه غيره كالشارح أو غيره مثلاً"! وقال في أثر ابن مسعود "هَلَكَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَلْبٌ يَعْرِفُ به المعروف والمنكر" الذي قلت فيه: لا أعرفه: فقال في ذلك: "فهل المراد من هذا أنه لا يعرف المعروف من المنكر، أولا يعرف كلام عبد الله بن مسعود"!!.

الثالث: أخذ عليّ قولي في حديث صحيح مستدركًا على الشارح عزوه إياه لـ"الصحيح": لكن لم يروه أحد من أهل "الصحيح" والمراد به البخاري أو مسلم.

الرابع: قال: "استدرك بعض المصححين حديثًا نفاه "كذا الأصل" أن يكون موجودًا في كتب السنة التي اطلع عليها، وقال: لا أصل له باللفظ المذكور في شيء من كتب السنة التي وقفت عليها وأظنه وهمًا من المؤلف. فإذا به قد رواه الترمذي في سننه وابن جرير أيضًا كما قد نبهه إلى ذلك أحد المصححين في "المكتب الإسلامي" وأن الحديث بلفظه الذي نفاه جاء في "مشكاة المصابيح" برقم 234 فيها"!.

الخامس: أخذ عليّ أيضًا قولي في حديث: "من عادى لي وليا

": "رواه البخاري، وفي سنده ضعف، لكن له طرق لعله يتقوى بها، ولم يتيسر لي حتى الآن تتبعها وتحقيق الكلام عليها".

هذه هي الأمور الهامة التي أخذها عليّ ذلك المتعصب، وثمة أمور أخرى لا تستحق الذكر ضربت لذلك الذكر عنها صفحًا.

ولما كان كلامه قد ينطلي على البعض، لا سيما الذين لم يتح لهم الاطلاع على المقدمة الملحقة بالطبعة الثالثة، كان لا بد من أن أكشف النقاب عما فيه من البعد عن الحق والإنصاف، بل وتعمد الكذب والتزوير وكتم الحقيقة عن الذين رفع تقريره إليهم، والطعن في مخرج الكتاب بغير حق، ظلمات بعضها فوق بعض. فأقول مجيبًا على كل أمر من تلك الأمور الخمسة مراعيًا ترتيبها:

ص: 24

1 -

إن قولي فيما رواه الشيخان أو أحدهما: "صحيح" وكنت قدمت الجواب عنه في المقدمة الملحقة المشار إليها آنفًا وهو قولنا فيها:

"رغبتنا في إيقاف القارئ بأقرب طريق على درجة الحديث بعبارة قصيرة صريحة

" واطرادًا لطريقتي في تخريج الأحاديث حسبما شرحته في مطلع هذه المقدمة، غاية ما في الأمر أنه لم يطرد لي ذلك في بعض الأحاديث للسبب الذي سبق بيانه فجاء هذا المتعصب فعلل ذلك بتعليل من عند نفسه إرواء منه لحقده وغيظه، فقال كما تقدم نقله عنه:

"وما لم يقل فيه ذلك يكون متوقفًا فيه

إلخ"، ثم أعاد هذا فقال: "ص4" عن تقريره متسائلا، مجيبًا نفسه بنفسه:

"فهل الحكم لهذا الحديث بالصحة آت من حكمه هو له، أو من إخراج مسلم لهذا الحديث في صحيحه وحكمه له بالصحة، الجواب أن الصحة لهذا الحديث وآمثاله آتية من حكمه هو له بالصحة، وليس من حكم الإمام مسلم، بدليل أنه علق على غيره مما أخرجه مسلم بقوله "صحيح" وتارة يقول: "صحيح، متفق عليه".

فأقول، وبالله أستعين:

إن هذا الجواب الذي أجاب به نفسه لهو محض تخرص واختلاق؛ لأن كل من شم رائحة العلم بالحديث الشريف يعلم بداهة أن قول المحدث في حديث ما: "رواه الشيخان"، أو "البخاري أو مسلم" إنما يعني أنه صحيح، فإذا قال في بعض المرات:"صحيح، رواه الشيخان" أو "صحيح، رواه البخاري" أو "صحيح، رواه مسلم" أو نحوه فلا ينافي أنه صحيح، غاية ما في الأمر أن التعبير مختلف والمعنى متحد، فأي شيء في هذا الاختلاف في التعبير؟ وإنما أتي هذا المتعصب من جهله بهذا العلم، وضيق فكره وعطنه، إن سلم من سوء قصده، وفساد طويته، الذي يدل عليه بعض أقواله المتقدمة مما سيأتي التعليق عليه، ولفت النظر إليه، وإنما قلت:"من جهله"؛ لأني لا أستبعد على مثله أن يخفى عليه مثل

ص: 25

هذا التوجيه بين التعبرين؛ لأن الجمود على التقليد الذي ران على قلبه، لا يفسح له المجال أن يتفهم الحقائق الظاهرة لكل ذي لب وبصيرة، إلا أن يلقنها إياه شيخ مقلد مثله وهيهات! وظني به أنه يجهل أن قولي:"صحيح، رواه الشيخان" ونحو مما تقدم، قد سبقت إليه، وإلا لم يبادر إلى الإنكار وإلى هذا الافتراء الذي نسبه إليّ من أني إذا قلت:"رواه الشيخان" فأنا متوقف في صحته -زعم- ولما قال أيضًا ما سبق نقله عنه. "فجاء بشيء لم يسبقه إليه المتقدمون ولا المتأخرون"!

وقد سبقني إلى ما ذكرت إمام كبير من أئمة الحديث وحفاظه ألا وهو شيخ الإسلام محيي السنة أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي مؤلف الكتاب الجليل: "شرح السنة" الذي يقوم بطبعه المكتب الإسلامي لأول مرة1، فقد جرى فيه مؤلفه -رحمه الله تعالى- على مثل ما جريت أنا عليه في تخريج هذا الكتاب:"شرح الطحاوية"، فهو تارة يكتفي بعزو الحديث إلى الشيخين أو أحدهما، وتارة يضم إلى ذلك التصريح بالصحة، والاستعمال الأول، لا شبهة فيه عند صاحب التقرير الجائر، ولذلك فلا فائدة من تسويد الورقة بنقل الأمثلة عنه فيه، وإنما المستنكر عنده الاستعمال الآخر: الجمع بين التصريح بالصحة مع العزو إلى الشيخين أو أحدهما، فهذا الذي ينبغي ضرب الأمثلة له من الكتاب المذكور، لعل ذلك المتعصب يرتدع عن جهله وغيه.

لقد رأيت للحافظ البغوي في المجلد الأول من كتابه المذكور أنواعًا من التعابير، أنقلها مع الإشارة إلى أحاديث كل نوع منها برقمها.

الأول: "صحيح، متفق على صحته"، يعني بين الشيخين.

انظر الأحاديث "6، 68، 132"، وقد يقول:

"صحيح، أخرجاه". رقم "154".

1 وقد تم طبعه في 16 مجلدًا، منها المجلد الأخير مختصًّا بالفهارس، وهو بتحقيق الأستاذين شعيب الأرناؤوط وزهير الشاويش.

ص: 26

الثاني: "حديث صحيح، أخرجه محمد"، يعني الإمام البخاري1.

انظر الأحاديث: "41، 113، 171".

الثالث: "هذا حديث صحيح"، يقوله في الأحاديث التي يرويها بسنده عن البخاري، وهذا بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم وهي في "صحيحه".

انظر الأحاديث: "12، 23، 34، 44، 57، 86، 94، 108، 116، 125، 141، 158، 203، 230".

الرابع: "هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم".

وهذا النوع كثير جدا عنده فانظر الأحاديث: "2، 4، 8، 16، 17، 24، 36، 47، 50، 53، 56، 59، 62، 64، 67، 74، 78، 80، 81، 85، 91، 93، 101، 109، 123، 127، 139، 148، 151، 152، 157، 191، 201، 205، 211، 219، 231، 232، 236، 238".

الخامس: ورأيته مرة قال: "هذا حديث حسن، أخرجه مسلم" فلم يصححه! راجع رقم "107".

وظني أن عنده أمثلة أخرى من كل نوع من هذه الأنواع الخمسة ولا سيما الرابع منها، ولكني لا أطول الآن بقية الأجزاء، وفيما ذكرنا كفاية لمن أراد الله له الهداية.

وبهذا البيان يتبين للقارئ الكريم بوضوح تام بطلان ما رماني به المتعصب الجائر في قوله السابق:

"فجاء بشيء لم يسبقه إليه المتقدمون ولا المتأخرون"!

وإن أراد به ما سبق أن نقلته عنه ما لم أقل فيه: "صحيح" مما أخرجه الشيخان

1 ومثله قول الإمام الذهبي في حديث: "كان الله على العرش

": "حديث صحيح، قد خرجه البخاري في مواضع". انظر كتابي "مختصر العلو" "ص98/ 40" وتعليقي عليه في هذا الموضع رقم "29"، ونحو ذلك قال في حديث: "أين الله؟ " كما سيأتي "ص287"، فهلا اقتنع أبو غدة أم "إنها

".

ص: 27

أو أحدهما: أني متوقف فيه تحت النظر والمراجعة! فهو باطل وزور، كما سبق بيانه في مطلع هذا الجواب، وأزيد هنا فأقول:

إن الدليل الذي استدل به على هذا الباطل لو كان صحيحًا، لشمل معي الإمام البغوي، ومن قال مثل ذلك، فقد قدمت عنه الأمثلة الكثيرة في قوله:"صحيح، متفق عليه" ونحوه، مع أنه في أحاديث أخرى مما أخرجه الشيخان أو أحدهما لم يقل فيها:"صحيح" كما سبقت الإشارة إليه، فهل معنى ذلك عند هذا المتعصب الجائر: أن البغوي أيضًا متوقف في هذا النوع الذي لم يقل فيه: صحيح؟!

ومما يزيد القارئ الكريم علمًا ببطلان ما اتهمني به المتعصب المشار إليه أن أذكره بأن الأحاديث التي عزاها الشارح -رحمه الله تعالى- أو عزوتها أنا إلى الشيخين أو أحدهما، ولم أقل فيها "صحيح" هي أكثر -باعتراف المتعصب في تقريره- من الأحاديث التي قلت فيها:"صحيح"، فلو كان ما رماني به حقًّا وصدقًا لكان مساويًا لقوله -لو قال- "إن أكثر الأحاديث المعزوة في الكتاب للصحيحين أو أحدهما هي مما توقف فيه الألباني وتحت نظره ومراجعته حتى يأتي هو بحكمه"! لو قال هذا أحد لبادر كل القراء الذين لهم اطلاع على شيء من كتبي وتخريجاتي إلى تكذيبه، وهذا المتعصب الجائر وإن لم يقل هذا القول الذي افترضته، فقد قال القول المساوي له والمؤدي إليه، فعليه وزره! بل إن هذا القول الذي رماني به يبلطه أيضًا ما كنت صرحت به في مقدمة الطبعة الثالثة: "إن الحديث إذا أخرجه الشيخان أو أحدهما، فقد جاوز القنطرة، ودخل في طريق الصحة والسلامة

" والمتعصب الجائر على علم بهذا يقينًا، فلئن جاز له أن ينسب إلى ما لم يخطر في بالي مطلقًا بنوع من الاجتهاد منه -إن كان أهلا له- قبل أن يطلع على هذا النص، فكيف جاز له ذلك بعد أن علم به، فالله تعالى يتولى جزاءه.

2 -

إن قولي في بعض الأحاديث والآثار: "لا أعرفه" معناه معروف عند طلاب هذا العلم الشريف فضلا عن العالمين به: لا أعرف إسناده، فأحكم عليه بما يستحق من صحة أو ضعف، وبعض العلماء يعبر في مثل هذا بتعبير آخر، فيقول:

ص: 28

لم أجده1 أو لم أجد له أصلا وبعضهم يقول لا أصل له. وهذا كله معروف عند العلماء، وهذا التعبير الأخير منتقد عند بعض المحققين، لما فيه من الاطلاع الموهم أنه لا أصل له عند العلماء قاطبة، ومثل هذا الحكم صعب، فبالأولى التعابير التي قبله.

فهل المتعصب الجائر على جهل بهذا، أم هو يتجاهل لغاية في نفسه، فإن كنت لا تدري.

وغالب الظن أنه جمع المصيبتين الجهل والتجاهل معًا، أما الجهل فيدل عليه قوله المتقدم ذكره عنه:"فكان ماذا إذا عرف غيره كالشارح أو غيره مثلا".

قلت: فظاهر هذه العبارة أنه أراد المتن، أي أن الشارح عرف المتن الذي لم أعرف أنا! وأنا إنما أعني كما جرى عليه من قبلي من المحدثين: لم أعرف إسناده، فما الفائدة من معرفة الشارح لهذا المتن، وكل أحد يعلم ذلك من كتابه، وإن كان يعني المتعصب الجائر أن الشارح عرف إسناده -وهذا بعيد جدا عن ظاهر كلامه- فمن أين له ذلك والشارح، لم يخرجه، ليمكننا الرجوع إلى مخرجه ولننظر في إسناده؟

1 قلت: وهذا التعبير يكثر من استعماله أئمة الحديث في كتب "التخريجات"، أمثال الحافظ الزيلعي، والعراقي، والعسقلاني، وغيرهم، وقد وجدت العراقي قد قال:"لم أجده" في الجزء الأول من "تخريج الإحياء" في أكثر من عشرة أحاديث، وهذه صفحاتها من الطبعة التجارية:"92، 148، 150، 157، 159، 166، 170، 183، 187، 192، 299، 307".

وقال في نحو هذا العدد من الأحاديث: "لم أجد له أصلا". "76، 81، 102، 135، 141، 177، 198، 200، 232، 240، 241، 317"، وقال مرة:"لم أجد له إسنادًا""296".

وتارة يقول: "قال ابن الصلاح: لم أجد له أصلا، وقال النووي: غير معروف""ص137"، وهذا مثل قولي:"لا أعرفه"، فهل يفهم أحد من هذا التعبير، غير هذا المتعصب أن العراقي يعني به لم يجد متنه وهو يراه ماثلا أمامه، وحينئذ فأي فرق بين "لم أجده" و"غير معروف" و"لم أعرفه"؟!

ص: 29

وأما التجاهل فهو واضح من قوله: "فهل المراد من هذا أنه لا يعرف المعروف من المنكر"! فإن هذا لا علاقة له البتة بقولي في تخريج الخبر: "لا أعرفه". فما معنى تساؤله المذكور إلا لتجاهل المقصود للمراد، وصرف الكلام إلى ما ليس له علاقة بالبحث، ليروي بذلك غيظ قلبه، ويظهر للناس كمين حقده، وعظيم حسده، بسوء لفظه، حتى لا يدري ما يخرج من فمه. نسأل الله العافية.

وبعد كتابة ما تقدم رجعت إلى كتاب "المصنوع في معرفة الموضوع" للشيخ العلامة ملا علي القاري، المطبوع حديثًا بتحقيق وتعليق صاحب التقرير الجائر، فوجدت فيه عديدًا من الأحاديث التي قال الحافظ السخاوي في كل واحد منها:"لا أعرفه" وهي برقم: "1، 2، 12، 16، 43، 83، 98، 158، 163، 186، 205، 282، 294، 309، 336، 381"، وذكر مثله عن الحافظ ابن حجر في الحديث "273"، وقال هو في الحديثين "297، 302": غير معروف.

قلت: فهل معنى قولهم: "لا أعرفه"، أو "غير معروف" أنهم لا يعرفون المتن؟ طبعًا لا، لما سبق بيانه.

وقد رأيت هذا المتعصب قال في تقدمته للكتاب "ص8" تحت عنوان "شذرات في بيان بعض عبارات المحدثين حول الأحاديث الموضوعة":

"1 - قولهم في الحديث: لا أصل له، أو لا أصل له بهذا اللفظ، أو ليس له أصل، أو لا يعرف له أصل، أو لم يوجد له أصل، أو لم يوجد، أو نحو هذه الألفاظ، يريدون أن الحديث المذكور ليس له إسناد ينقل به". ثم نقل عن ابن تيمية أن معنى قولهم: ليس له أصل، أو لا أصل له، معناه: ليس له إسناد.

قلت: فأنت ترى أن المنفي في هذه الأقوال إنما هو الإسناد، وليس المتن، باعتراف المتعصب نفسه، فهو على علم به، فهذا يرجح أنه تجاهل هذه الحقيقة، حيث انتقدني على قولي في بعض الأحاديث:"لا أعرفه"، وعليه فقوله:"فكان ماذا إذا عرفه غيره كالشارح أو غيره مثلا"، يعني أنه عرف إسناده الشارح أو غيره، فنقول: هذه دعوى، والله عز وجل يقول:{قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} ، ورحم الله من قال:

ص: 30

والدعاوي ما لم تقيموا عليها

بينات أبناؤها أدعياء

أقول هذا دون أن يفوتني التنبيه على أنه من المحتمل أنه كان ناسيًا لقول ابن تيمية السابق لما انتقدني في تقريره، فإن الرجل على كثرة نقله عن كتب العلماء، فهو فيها كحاطب ليل؛ لأن في كثير من الأحيان ينقل عنهم ما لم يهضم معناه، فهو لذلك لا يستحضره عند الحاجة إليه، بل قد ينساه مطلقًا فلا يتخذه له منهجًا في منطلقه في هذا العلم، ولذلك تراه متناقضًا في تعليقاته أشد التناقض فيقر في بعضها ما كان انتقده سابقًا، أو العكس، ولست الآن في صدد شرح ذلك في هذه المقدمة، ولا هو يستحق ذلك، وإنما بين يدي الآن مثالان من تعليق "المصنوع"! لا أريد أن أفوت على نفسي فائدة التنبيه عليهما:

الأول: قال بعد الفقرة السابقة مباشرة:

"2 - لا أعرف، أو لم أعرفه أو لم أقف عليه

أو

أو

ونحو هذه العبارات إذا صدر من أحد الحفاظ المعروفين، ولم يتعقبه أحد كفى للحكم على ذلك الحديث بالوضع"!

كذا قال: وهو خطأ واضح، يدل على بعده عن هذا العلم، فإن هذه العبارات التي ساقها في هذه الفقرة هي في الدلالة على المراد منها كالعبارات التي ذكرها في الفقرة الأولى السابقة، فكما أن تلك معناها: ليس له إسناد، فكذلك هذه ولا فرق، وإذا كان كذلك، فكون الحديث لم يقف المخرج على إسناده، فليس معناه عنده أنه موضوع؛ لأن الحديث الموضوع، إما أن يكون وضعه من قبل إسناده، وذلك بأن يكون فيه كذاب أو وضاع، وهذا لا سبيل إليه إلا من إسناده، والفرض هنا أنه غير معروف، وإما أن يكون من قبل متنه، وذلك بأن يكون فيه ما يخالف القرآن أو السنة الصحيحة، أو غير ذلك مما هو مذكور في "مصطلح الحديث"، ومن المعلوم بداهة، أنه ليس كل حديث لا إسناد له؛ في متنه ما يدل على وضعه، بل لعل العكس هو الصواب، أعني أن غالبها ليس فيها ما يدل على وضعها، كما أشار إلى ذلك العلامة القارئ في الكتاب المذكور "ص137" وإن تعقبه المتعصب، فإن موضع الشاهد منه مسلم به اتفاقًا، وهو أن كثيرًا منها ليس عليها

ص: 31

أمارات الوضع، وهذا مما يدل عليه تعليق المتعصب نفسه هناك، فثبت بذلك خطؤه في قوله المتقدم أن قول أحد الحفاظ "لا أعرفه" أو نحوه كاف للحكم على الحديث بالوضع! ولو بالشرط الذي ذكره، وبالجملة فقولهم: لا أعرفه، أو لا أصل له، لا يساوي في اصطلاحهم قولهم: حديث موضوع. إلا إذا كان هناك قرينة في متنه تدل على وضعه، فيشيرون إلى ذلك بإضافة لفظة "باطل" كقول الحافظ العراقي في حديث الصلاة ليلة الجمعة بين المغرب والعشاء 12 ركعة، وحديث الصلاة ليلة الجمعة بعد العشاء وسنتها عشر ركعات "1/ 200 - "تخريج الإحياء" المطبعة التجارية" قال في كل منهما:"باطل لا أصل له" وقال مثله في حديث رواه الخضر عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم! "1/ 352". وَكَذَلِكَ قَالَ في حديث رابع "1/ 353"، بينما لم يقل ذلك في عشرات الأحاديث الأخرى مما لا أصل له، فانظر الصفحات "92، 148، 150، 157، 159، 166، 170، 183، 187، 192، 299، 307 - ولفظه فيها: لم أجده" و"60، 156 بلفظ: لم أجده بهذا اللفظ" و"62، 76، 125، 237 بلفظ: لم أجده هكذا" و"72، 152، 169، 243، 260، 312، 320، 354 بلفظ: لم أقف له على أصل، ومرة: ليس له أصل، و"76، 81، 102، 135، 141، 177، 198، 200، 232، 240، 241، 296، 317، بلفظ، لم أجد له أصلا، ومرة: إسنادا".

وكذلك وجدت في "المصنوع" خمسة أمثلة في أحاديثها: "باطل لا أصل له" فانظر "75، 248، 261، 379، 383"، وسائر الأحاديث التي لا أصل لها مما جاء فيه لم يقل فيها:"باطل"، كل ذلك إشارة إلى ما ذكرنا، وهذا النوع "باطل لا أصل له" مما فات على المتعصب ذكره في تلك الأنواع مع استيفائه إياها، وذلك دليلا أيضا على بعده عن التحقيق العلمي.

المثال الآخر: جاء في "المصنوع" حديث رد الشمس على علي رضي الله عنه ليصلي العصر بعد أن غربت ولم يصل، فذكر المتعصب في التعليق عليه: جماعة من العلماء قالوا بأنه حديث موضوع، وآخرون ذهبوا إلى تصحيحه منهم شيخه الكوثري، فضل المتعصب بين هذين الحكمين المتناقضين، ولم يستطع -وهو الأمر الطبيعي الملازم له! أن يرجح أحدهما على الآخر، ولكنه حاول باديء الرأي أن

ص: 32

يرجح التصحيح بدون مرجح، وإنما تقليدا منه لشيخه الكوثري فقال:"ص215":

"وقد جاءت كلمته رحمه الله تعالى على وجازتها ملخصة المسألة أحسن تلخيص، إذ قال: "ولا كلام في صحة الحديث من حيث الصناعة، لكن حكمه حكم أخبار الآحاد الصحيحة في المطالب العلمية"، فأفاد بهذا الإيجاز البالغ أن الخبر على صحته لا ينهض في بابه وموضوعه؛ لأنه من المطالب العلمية التي تتوقف على اليقينيات وما قاربها، فلا بد على هذا من تأويل الخبر مع قولنا بصحته لمخالفته ما هو من الأمور العلمية، والله تعالى أعلم".

هكذا قال هذا المسكين، ولم يدر أنه بهذه الفلسفة التي تلقاها من شيخه يجعله كما تقول العامة:"كنا تحت المطر، فصرنا تحت المزارب"؛ لأنه فتح على نفسه بابا للشباب الذين لا علم لهم بالسنة أن يردوا كل حديث صحيح ورد في الأمور التي ليست من الأحكام، وإنما هي في المعجزات أو بدء الخلق والجنة والنار، وبكلمة واحدة في الغيبيات التي تتوقف على اليقينيات بزعمه ويعني بذلك الأحاديث المتواترة، ثم تحفظ فقال:"أو ما قاربها" ويعني الأحاديث المشهورة التي رواها أكثر من اثنين، أما الحديث الذي تفرد به الثقة وهو صحيح عند أهل العلم فليس حجة في الغيبيات عنده فلا بد من تأويله بزعمه، وليت شعري كيف يؤول مثل هذا الحديث الذي يتحدث عن واقعة معينة؟ اللهم إلا بإنكار معناه وتعطيله حتى يتفق مع العقول المريضة والقلوب العليلة، تماما كما فعلوا في آيات الصفات وأحاديثها! ثم إن المتعصب المذكور يبدو أنه بعد أن كتب عن شيخه ما كتب وقف على كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الحديث فألحقه بكلام شيخه قائلا:

"على أن الذي يقرأ كلام الشيخ ابن تيمية يجزم بوضع الحديث"!

هكذا قال بالحرف الواحد، فليتأمل القارئ كيف حكم في أول الأمر بصحة الحديث، ثم ختمه بهذه العبارة التي توهم أنه قد مال أخيرا إلى أن الحديث موضوع! والحقيقة أنه لضعفه في هذا العلم لا يستطيع أن يقطع فيه برأي، هذا إذا أحسنا الظن به، وإلا فمن غير المعقول أن يخالف شيخه الكوثري إلى رأي ابن تيمية الذي حكم عليه شيخه بأن أكبر بلية أصيب المسلمون بها إنما هو ابن تيمية! وإنما

ص: 33

حكى القولين المتناقضين ليفسح له المجال للدفاع عن نفسه إذا ما خاصمه أنصار أحدهما، ولله عاقبة الأمور1.

3، 4 - يريد المتعصب الجائر بما أخذه علي في الفقرتين السابقتين، الطعن في قيمة تخريجي لأحاديث الكتاب، كأنه يقول: كما وهم في إنكاره اللفظ المخرج عند الترمذي، فمن الممكن أن يكون نفيه لكون الحديث الآخر في "الصحيح" وهما منه أيضا!

وجوابي على ذلك أن أقول: إذا فتح باب رد كلام الثقة بدون حجة، وإنما لمجرد إمكان كونه أخطأ، أو لأنه أخطأ فعلا في بعض المواطن، لم يبق هناك مجال لقبول خبر أو علم أي ثقة أو عالم في الدنيا؛ لأنه لا عصمة لأحد بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كما هو معلوم من الدين بالضرورة، وإن مما يدلك أيها القارئ على تحامل هذا المتعصب، وأنه يقول في نقده إياي ما لا يعتقد، أنه هو نفسه قد طبع في تعليقه على "الرفع والتكميل" "ص122 - الطبعة الثانية" ما نصه:

"وقد يقع للثقة وهم أو أوهام يسيرة، فلا يخرجه ذلك عن كونه ثقة! ".

فهل نسي المتعصب الجائر قوله هذا أم تناساه؟! وصدق الله العظيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} ، {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} .

وإذا كان هذا المتعصب الجائر يحاول أن يسقط الثقة بمخرج "شرح الطحاوية" لوهم أو أكثر من وهم، فماذا يقول في شارح "الطحاوية" نفسه الذي يتظاهر هو بتبجيله والثقة به في مطلع تقريره وهو قوله:

"يرى الناظر في شرح الطحاوية أن الشارح لها من أهل التوثق والضبط والإتقان فيما ينقله من الأحاديث".

ونحن وإن كنا نعتقد أن الشارح رحمه الله تعالى هو من أهل الثقة والضبط حقا، فإني أريد أن أحصر هنا الأوهام التي تنبهت لها، وليس ذلك من باب الطعن فيه، ورفع الثقة عنه، كما هو ظاهر من ردنا الآنف على المتعصب الجائر، وإنما لأمرين:

1 والحق عندنا مع ابن تيمية كما شرحته قديما في "سلسلة الأحاديث الضعيفة""971".

ص: 34

الأول: إما أن أكون مصيبا فيما نسبت إلى الشارح من الأوهام عند المتعصب الجائر، وحينئذ نسأله: هل الشارح لا زال عندك "من أهل التوثق والضبط والإتقان" على الرغم من أوهامه كما هو عندنا قبل ذلك وبعده لما سبق ذكره من أن العصمة لله وحده؟ فإن أجاب بالإيجاب، قلنا: فكيف يلتقي ذلك مع سعيك الحثيث لرفع الثقة عن مخرج أحاديث كتابه لمجرد أنه وهم في تخريج حديث واحد؟ أليس هذا من باب الوزن بميزانين والكيل بكيلين، أو من قبيل الجمع بين الصيف والشتاء على سطح واحد؟!

وإن أجاب بالنفي، فقد ظهر للناس حقيقة ما تخفيه نفسك، وعرفوا أن ما تظهر على خلاف ما تبطن!

والأمر الآخر: إذا كنت مخطئا في ذلك عنده، فيرجى منه أن يبين لنا ذلك لنرجع عنه كما رجعنا عن الوهم السابق ذكره، وبذلك يعرف الناس أن للألباني أخطاء كثيرة، وأوهاما عديدة، وهذا هدف هام للمتعصب يسعى إليه حثيثا؛ لأنه بذلك ترتفع -بزعمه- ثقة الناس عن الألباني فعلا!

إذا تبين هذا، فلنذكر الأوهام المشار إليها، في خطوط عريضة -كما يقال اليوم- دون أن نذكرها مفصلا بمفرداتها، مكتفين بالإشارة إلى صفحاتها من هذه الطبعة.

1 -

عزا للصحيحين أو أحدهما وإلى أصحاب السنن الأربعة ما ليس عندهم، فانظر الصفحات "159، 314، 361، 451، 462، 475، 476، 485، 486، 511".

2 -

يذكر الحديث عن صحابي يسميه، وهو في الحقيقة لغيره. انظر الصفحة "283، 380، 393، 518".

3 -

صدر حديثا عزاه لمسلم بصيغة "روي"، وهي في اصطلاح العلماء موضوعة للحديث الضعيف، مع أن الحديث صحيح، أيضا فقد رواه البخاري دون مسلم!! "314".

4 -

أشار إلى تضعيف حديث أخرجه الشيخان في "صحيحيهما"! دون أن يذكر وجه تضعيفه، ولا علة فيه عندي، بل له شاهد يقويه ذكرته هناك "ص161".

ص: 35

5 -

عزا إلى "الصحيح" حديثا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من فعل بعض أصحابه، ولكنه صلى الله عليه وسلم قد أقره. "ص367".

6 -

رفع حديثا موقوفا. "ص453".

7 -

ذكر حديثين لا أصل لهما. "ص120، 394".

إلى غير ذلك من الأوهام التي بيناها في محالها، مما لا يخلو منه كتاب إلا نادرا، لا سيما إذا كان مؤلفه ليس له اختصاص معرفة بعلم الحديث الشريف.

فما رأي المتعصب الحنفي في هذه الأوهام، وهل تسقط بها عنده ثقة شارح الطحاوية التي يتظاهر بها ليتخذها سلاحا للطعن في الألباني وإسقاط الثقة به، مع أنه لم يعلم منه سوى وهم واحد؟! أم هو يلعب على الحبلين -كما تقول العامة عندنا- فالرجل ثقة عنده إذا كان مرضيا لديه، ويكفي في ذلك أن يكون حنفيا كالشارح! أو كانت له مصلحة في التظاهر بالرضا عنه لدى القوم المقدرين له! مهما كانت أخطاؤه! وآخر غير ثقة عنده إذا كان هواه في عدائه وإسقاط الثقة به، مهما قلت أخطاؤه، ولا ذنب له سوى أنه -في نظرك- طلق حنفيته البتة! واتخذ السلفية مذهبا له ومشربا.

وقبل أن أنهي الكلام على هاتين الفقرتين أريد أن ألفت النظر إلى تدليس خبيث لهذا المتعصب، فإن قوله عني:"وفي ص536"1 استدرك بعض المصححين

" يشعر من لم يقف على الاستدراك المشار إليه في الصفحة المذكورة أنه لبعض المصححين، والواقع خلافه، فأنا الذي كتبته ووقعته باسمي، ورغبت في طبعه في آخر الكتاب، خضوعا للحق واعترافا بالخطأ، دون أن أنسى وجوب نسبة الفضل إلى الذي نبهني عليه، فقد قلت في الاستدراك المشار إليه:

"قلت: ثم تبين إليّ أنني وهمت في توهيم المؤلف رحمه الله تعالى فإن اللفظ المذكور قد أخرجه الترمذي في تمام الحديث: "اتقوا الحديث

" ورواه ابن جرير أيضا وقد خرجته على الصواب في تحقيق "المشكاة"، رقم الحديث "234". والفضل في هذا الاستدراك يعود إلى أحد المصححين في المكتب الإسلامي -جزاه الله خيرا. محمد ناصر الدين الألباني".

1 كان هذا في الطبعة السابقة، وأما في طبعتنا هذه فقد ذكرنا الصواب فقط وانظر الحاشية "166".

ص: 36

فترى أن كاتب الاستدراك إنما هو أنا، والمصحح المشار إليه إنما له فضل التنبيه إلى وجود الحديث في الترمذي، فلما راجعت له بعض المصادر وجدتني قد كنت خرجته في تعليقي على "المشكاة" قبل تخريجي لشرح الطحاوية بسنوات.

فتأمل أيها القارئ الكريم هل في استدراكي هذا معترفا بالوهم، وعدم المكابرة فيه -كما قد يفعل غيري- ما يذم عليه صاحبه أم يمدح؟ ثم انظر كيف يقلب الحقائق فيأخذ من كلامي المذكور في "الاستدراك" نفسه أن الحديث في "المشكاة" وأنه رواه ابن جرير أيضا، وأنا الذي ذكرته فيه معزوا إليه! فيتجاهل ذلك، ولا ينسبه إليّ، وإنما إلى غيري! فهو يشيع الخطأ عن أخيه المسلم ولو بعد اعترافه، ويكتم فضله عن الناس، أهكذا يكون حال المسلم الذي علق في كتاب "الرفع والتكميل" "ص51": قال التابعي الجليل محمد بن سيرين:

"ظلم لأخيك أن تذكر منه أسوأ ما تعلم، وتكتم خيره" وصدق الله العظيم: {

كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول:"إذا لم تستح فاصنع ما شئت".

5 -

من الواضح أن المتعصب الجائر يشير في هذه الفقرة إلى الطعن فيّ لتضعيفي إسناد هذا الحديث، وقد رواه البخاري، وجوابي عليه من وجهين:

الأول: إنني لست مبتدعا بهذا التضعيف، بل أنا متبع فيه لغيري ممن سبقني من كبار أئمة الحديث وحفاظه، مثل الذهبي في "الميزان"، وابن رجب الحنبلي في "شرح الأربعين النووية"، والحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" -كتاب الرقاق- وقد نقل هذا عن الذهبي أنه قال في ترجمة راويه خالد بن مخلد:

"هذا حديث غريب جدا، لولا هيبة "الصحيح" لعدوه في منكرات خالد بن مخلد، فإن هذا المتن لم يرو إلا بهذا الإسناد، ولا خرجه من عدا البخاري، ولا أظنه في "مسند أحمد" قال الحافظ ابن حجر: "قلت: ليس هو في مسند أحمد جزما، وإطلاق أنه لم يرو هذا المتن إلا بهذا الإسناد مردود، ومع ذلك فشريك شيخ شيخ خالد -فيه مقال أيضا- وهو راوي حديث المعراج الذي زاد فيه ونقص،

ص: 37

وقدم وأخر، وتفرد فيه بأشياء لم يتابع عليها .. ولكن للحديث طرقا أخرى، يدل مجموعها على أن له أصلا".

ثم خرج الحافظ هذه الطرق التي أشار إليها، وبعضها حسن عنده، وابن رجب يقول فيها:"لا تخلو من مقال"، ولذلك كنت توقفت عن إعطاء حكم صريح لهذا الحديث بالصحة حتى يتيسر لي النظر في طرقه، ثم يسر لي ذلك، منذ بضع سنين، فتبين لي أنه صحيح بمجموعها، وأودعت تحقيق الكلام فيها، وبيان ما لها وما عليها في "سلسلة الأحاديث الصحيحة""1640"، وبناء على ذلك جزمت بصحته في هذه الطبعة كما تراه في الصفحة "498".

والوجه الآخر: إذا كان المتعصب الجائر أخذ عليّ تضعيفي لإسناد الحديث دون متنه الذي كنت توقفت فيه إلى أن يتيسر لي تتبع طرقه، فماذا يقول في شيخه زاهد الكوثري الذي علق عليه في "الأسماء والصفات" للبيهقي "ص 491" بما يؤخذ منه أنه حديث منكر عنده جزما؛ لأنه نقل كلام الذهبي المتقدم وفيه "ولم يرو هذا المتن إلا بهذا الإسناد" ثم أقره عليه، ولم يتعقبه بشيء كما فعل الحافظ، ولا تحفظ تحفظي السابق، الأمر الذي يشعر الواقف على كلامه بأن الحديث عنده منكر لا يحتمل تقويه بطرقه، خلافا لما صنعته أنا.

فيا أيها القارئ الفاضل: أليس الواجب على هذا المتعصب الجائر، أن يقدر تحفظي هذا حق قدره، بدل أن ينتقدني، بل أن يوجه نقده إلى شيخه؟ بلى ثم بلى، ذلك هو الواجب عليه لو تجرد عن الغرض والهوى، وصدق من قال:

وعين الرضا عن كل عيب كليلة

ولكن عين السخط تبدي المساويا

وإذا كان هذا الجائر لم يجد في كل ما خرجته من أحاديث الكتاب -وهي تبلغ المئات- ما يتشبث به لينتقدني فيه إلا هذا الحديث الفرد على التفصيل الذي سلف، ولي فيه سلف كما رأيت، فماذا يقول في نقد شيخه الكوثري لعشرات الأحاديث الصحيحة مما أخرجه الشيخان في "صحيحيهما" أو أحدهما، فضلا عن غيرها من الأحاديث الثابتة عند أهل الحديث، وذلك في رسائله وتعليقاته على بعض كتب السنة وغيرها، ولا سلف له في تضعيف أكثرها! ولا بأس من أن أذكر في هذه

ص: 38

العجالة ما تيسر لي منها الآن، وبجانب كل حديث ذكر الكتاب والصفحة ومن خرجه.

1 -

حديث "خلق الله التربة

" رواه مسلم، التعليق على "الأسماء والصفات" "ص26، 383".

2 -

حديث مراجعة موسى للنبي صلى الله عليه وسلم في الخمسين صلاة التي فرضت أول الأمر في ليلة الإسراء. متفق عليه "منه ص189".

3 -

حديث الرؤية يوم القيامة، وفيه أن الله تعالى يأتي المنافقين في غير صورته. أخرجه الشيخان "ص292 منه".

4 -

حديث: "تكون الأرض يوم القيامة خبزة

" أخرجه الشيخان. "ص320 منه".

5 -

حديث ضحكه صلى الله عليه وسلم تصديقًا لليهودي

أخرجه الشيخان "ص336".

6 -

حديث الحشر والساق. أخرجه الشيخان. "ص344".

7 -

حديث قوله صلى الله عليه وسلم للجارية: "أين الله؟ " ، رواه مسلم. "ص421".

8 -

حديث أن الطلاق بلفظ الثلاث كان يحسب في عهد النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وسنتين من خلافة عمر طلقة واحدة. رواه مسلم "الإشفاق على أحكام الطلاق""ص52 - 56 طبعة حمص".

9 -

حديث علي رضي الله عنه في أمر النبي صلى الله عليه وسلم إياه بهدم القبور المشرفة. رواه مسلم. "ص159 - مقالات الكوثري".

10 -

حديث جابر: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تجصيص القبور". رواه مسلم. "ص159 - مقالات الكوثري".

11 -

حديث مالك بن الحويرث في رفع اليدين عند الركوع والرفع منه. أخرجه الشيخان. "ص83 - تأنيب الخطيب".

12 -

حديث وائل بن حجر في رفع اليدين أيضًا. رواه مسلم "ص83 منه".

13 -

حديث أنس في رضخ رأس اليهودي لرضخه رأس جارية

رواه الشيخان "ص23 - منه".

14 -

حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "قضى بيمين وشاهد

رواه مسلم. "ص185 - منه".

ص: 39

هذه الأحاديث كلها في "الصحيحين" أو أحدهما كما رأيت، وقد ضعفها الكوثري كلها، ومعها أمثالها، لو تتبعها أحد من أهل العلم في كتبه وتعليقاته لجاءت في مجلد! وأما الأحاديث التي ضعفها مما ليس عند الشيخين فحدث ولا حرج، وتجد بعض الأمثلة منها مع الرد عليه فيها عند الشيخ عبد الرحمن المعلمي اليماني رحمه الله تعالى في كتابه الفذ "التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل"1، وقد كنت قمت على تحقيقه وطبعه منذ بضع سنين.

فما رأي التلميذ البار في شيخه "العلامة المحقق الحجة الإمام

الكوثري" وقد ضعف هذه الأحاديث الصحيحة كلها؟!

بل ما رأيه هو نفسه في تضعيفه لحديث رواه مسلم في "صحيحه"؟! فقد قال تعليقا على قول اللكنوي في "الرفع""ص134 - 135": ولا يصح الحديث لكونه شاذا أو معللا، قال المتعصب الجائر في تعليقه عليه:

"مثاله ما انفرد به مسلم في "صحيحه" "4/ 111" من رواية قتادة عن أنس بن مالك أنه حدثه قال: صليت خلف النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وعمر وعثمان، فكانوا يستفتحون بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، لا يذكرون: "بسم الله الرحمن الرحيم" في أول قراءة ولا في آخرها".

ثم نقل عن ابن الصلاح وجه الإعلال المشار إليه.

فما قول المتعصب الجائر في إقدامه المكشوف على تضعيفه لهذا الحديث في "صحيح مسلم"، وهو ينقم على توقفي عن تصحيح حديث البخاري المتقدم؟! مع ضعف سنده عند المحققين؟!

فإن قال: أنا في ذلك تابع لابن الصلاح. فالجواب: إن كان هذا لك عذرا، فأنا أولى به منك لأن متبوعي في التضعيف المشار إليه أكثر وأشهر، كما يعلم مما سبق! مع الفرق الكبير في ذلك وهو أنني ألمحت إلى إمكان ثبوت حديثي بطرقه، وهذا ما لم يصنعه هو في حديثه الذي أعله، بل إن الحافظ في "الفتح" دفع علته ورحم الله من قال:

1 ويقوم المكتب الإسلامي بإعادة طبعه مجددا مع إضافات كثيرة، تبين حال أعداء السنة والحديث.

ص: 40

فحسبكمو هذا التفاوت بيننا

وكل إناء بالذي فيه ينضح

بل ماذا يقول هذا المتعصب الجائر الجاني على نفسه فيما جاء في "مقدمة إعلاء السنن" تحت عنوان "ذكر بعض المغامز في "الصحيحين" وتكلف الجواب عنها"! قال مؤلفه الشيخ ظفر أحمد العثماني التهانوي عقبه "ص463":

"وما يقوله الناس: إن من روى له الشيخان فقد جاوز القنطرة، هذا من التجوه "أي التكلف" ولا يقوى

" ثم أطال في الاستدلال لما قال!

والغرض من إيراد هذا هنا أن يعلم القارئ الكريم أن هذه المقدمة قام على طبعها والتعليق عليها المتعصب الجائر، وقد علق في أكثر من موضع منها متعقبا على المؤلف، وأما هنا فإنه سكت عنه، ولم يتعقبه بشيء البتة، الأمر الذي يدل على أنه مع المؤلف فيما غمز به "الصحيحين"، وفي رد قول الناس المذكور، وقد كنت ذكرت نحوه في مقدمة الطبعة الثالثة، وقد سبق حكايته في هذه المقدمة "ص21"، وإن القارئ ليزداد عجبا من هذا العنوان وما تحته إذا علم أن لفظة "الناس" فيه، إنما المراد به الحافظ الذهبي وأمثاله من كبار المحدثين، الذين يعرفون فضل "الصحيحين"، ودقة تحريهما للأحاديث الصحيحة، على ما هو مشروح في كتب "علم مصطلح الحديث" و"مقدمة فتح الباري" للحافظ ابن حجر، وغيره، فتجد هذا المتعصب يتابع المؤلف المشار إليه في نقد "الصحيحين" نقدا عاما انتصارا لمذهبهم الحنفي، الذي لا يأخذ بكثير من أحاديثهما، وقد مضت بعض الأمثلة على ذلك مما رده الكوثري شيخ هذا المتعصب المشار إليه من أحاديثهما.

هذا حال هذا المتعصب الهالك، وموقفه من "الصحيحين" الحالك، ومع ذلك، فهو لا يستحيي أن يتظاهر بالغيرة عليهما، والمدافعة عنهما، من أجل حديث واحد لأحدهما، قلنا في إسناده ما قاله أهل الاختصاص فيه، دون أن نتجرأ على تضعيف متنه، حتى يتيسر لنا البحث في طرقه، فلما منَّ الله علينا به، تبينت لنا صحته والحمد لله تعالى.

وهذه خدمة لصحيح الإمام البخاري أقدمها بفضل الله بعد أن قرأت ما قاله الحافظ الذهبي وابن رجب وغيرهما، وهنا يصح لنا أن نتمثل بقول الشاعر:

ص: 41

وإذا أراد الله نشر فضيلة

طويت أتاح لها لسان حسود

لقد أراد هذا المتعصب أن يظهرنا أمام الناس بمظهر الطاعنين في "صحيح البخاري" وكذا "مسلم" فإذا بالحقائق تشهد أنه هو الطاعن، مصداقا للمثل السائر:"من حفر بئرا لأخيه وقع فيه"1 والمثل الآخر: "من كان بيته من زجاج فلا يرم الناس بالحجارة"!

إن مبلغ تعصب هذا الحنفي تبعا لشيوخه الأحناف على أهل الحديث عامة، والبخاري ومسلم خاصة، لا يعلمه إلا من تتبع مؤلفاتهم، أو تعليقاتهم على غيرها وقد سبق ذكر بعض النماذج منها، ومن الأدلة الجديدة التي وقفت عليها، تلك المقدمة التي مضت الإشارة إليها والتي قام هذا المتعصب الجائر على طبعها حديثا والتعليق عليها، فقد ذكر مؤلفها في مطلعها "ص20":

"أنه جعلها أساسا لكلامه في كتابه "إعلاء السنن" في تصحيح الأحاديث وتحسينها، مبينة لقواعد خالف فيها علماءنا الحنفية جماعة المحدثين، "كذابا بالضبط وليس العكس! " ولكل وجهة هو موليها في باب التصحيح والتحسين والتضعيف، فرب ضعيف عند المحدثين صحيح عند غيرهم، وكذا العكس"!!

ثم ذكر مخالفة ابن حبان جمهور المحدثين في قبوله رواية المجهول والاحتجاج بها، والتي ردها الحافظ ابن حجر وغيره من المحدثين، على ما هو مفصل في محله من "علم المصطلح"، ذكر ذلك ليتخذها ذريعة لتبرير مخالفة الحنفية أيضا إياهم في كثير من قواعدهم متسائلا بقوله "ص2":

"فماذا على الحنفية لو خالفوا كذلك بعض الأصول! ". ثم يتدرج من ذلك إلى القول "ص20":

"قلت: ولا يخفى أن ظن المجتهد لا يكون حجة على مجتهد آخر".

يشير بذلك إلى أن الحنفية مجتهدون في مخالفتهم لأئمة الحديث في أصولهم، فمهما خالفوهم في شيء من قواعدهم، فلا لوم عليهم في ذلك، وبناء على ما سبق،

1 ويروى مرفوعا للنبي صلى الله عليه وسلم ولا يعرف له أصل كما في "المقاصد الحسنة" للحافظ السخاوي.

ص: 42

صرح "ص461": بأن للحنفية في الحديث أصولا، كما أن للمحدثين أصولا! وكل هذه الأقوال مر عليها المتعصب الجائر مرور المسلم بها، فإنه سكت عنها، ولم يتعقبها بشيء، بل ذكر في تعليقه على الصفحة "21" أنه عدل اسم هذه المقدمة بموافقة المؤلف إلى:"قواعد في علوم الحديث"!

قلت: وكم كان يكون طريفا جدا لو أنه ألحق بهذا الاسم الجديد قوله: "على مذهب الحنفية"، ليكون عنوانا صادقا عن مضمون الكتاب وحقيقته، فإنه في الواقع، قد اشتمل على قواعد كثيرة لهم، خالفوا فيها جماهير علماء الحديث قديما وحديثا، وما ذلك إلا ليتسنى لهم -بناء عليهما- تصحيح ما ضعفه علماء الحديث، أو تضعيف ما صححوا! كما أشار إلى ذلك بقوله المتقدم:"فرب ضعيف عند المحدثين صحيح عند غيرهم" يعني الحنفية!

يقول هذا مع أن من فصول كتابه "ص440": "يرجع في كل علم إلى أهله ورجاله"!

ثم أيده بكلام جيد نقله من "منهاج السنة"، لشيخ الإسلام ابن تيمية فكيف يتفق هذا مع ما قبله يا أولى النهى!

والحقيقة أن هذه المقدمة لم تأت بجديد بالنسبة للعارفين بما عليه الحنفية من التعصب لأقوال علمائهم، حتى المتأخرين منهم، الذين يصرحون بأنهم مقلدون لمن قبلهم -زعموا- وليسوا مجتهدين أي علماء، عند أهل العلم والتحقيق! وذلك بتأويلهم النصوص، أو رد ما يمكن رده منها حين لا يساعدهم التأويل، وبتقويتهم للأحاديث المعروفة الضعف عند المحدثين، وإنما الجديد في المقدمة المذكورة هو التصريح بما لا يعرفه أكثر الناس عنهم، حتى عامة الحنفية أنفسهم، ألا وهو أن للحنفية في الحديث أصولا كما أن للمحدثين أصولا! وذلك ليرجعوا إليها عند الاختلاف في المسائل الفقهية أو غيرها، ويبرروا لأنفسهم عدم الرجوع إلى القواعد المعروفة عند أهل العلم المتخصصين في الحديث!

وعلى هذا فلا لوم على الفرق الضالة المخالفة لأهل السنة، إذا ما رجعوا عند الاختلاف إلى أصولهم التي ارتضوها لأنفسهم، كاحتجاج الشيعة مثلا، بكل ما يروى عن أئمة أهل البيت رضي الله عنهم، بدعوى أنهم معصومون!

ص: 43

وليتأمل العاقل المنصف كم تتسع شقة الخلاف بين المذاهب الأربعة فضلا عن غيرهم، إذا ما قامت كل طائفة منهم لتضع لها أصولا في رواية الحديث غير مبالية بجهود أهل الحديث واختصاصهم فيه؟!

وإليك الآن بعض تلك القواعد التي بينها المؤلف المشار إليه في "المقدمة" وارتضاها المتعصب:

1 -

المجتهد إذا استدل بحديث كان تصحيحا له. "ص57 - 59، ص65 - تعليق".

وغرضهم من هذه القاعدة التمهيد لرد تضعيف المحدثين لكثير من أحاديثهم التي يستدلون بها في كتبهم، وهي على قواعدهم معلولة، بالركون إلى هذه القاعدة المزعومة، وصححوا الحديث بها! ومما يؤكد ما قلنا قول المؤلف "ص59":

"قلت: فكل حديث ذكره محمد بن الحسن الإمام، أو المحدث الطحاوي محتجين به فهو حجة صحيحة على هذا الأصل لكونهما محدثين مجتهدين"!

قلت: يقول هذا مع أن محمد بن الحسن رحمه الله تعالى على جلالته في الفقه، فهو مضعف عند المحدثين، لسوء حفظه، كما تراه مشروحا في "ميزان الاعتدال" للحافظ الذهبي وغيره، ومن تعصبهم على المحدثين وسوء ظنهم بهم، ما نقله المعلق على الكتاب "ص343" عن الكشميري الحنفي أن وجه تضعيفهم إياه بأنه كان أول من جرد الفقه من الحديث، وكانت مشاكلة التصنيف قبل ذلك ذكر الآثار والفقه مختلطا، فلما خالف رأيهم طعنوا عليه في ذلك"!

هكذا قال! مع أنه يعلم أن الطعن عندهم فيه، إنما هو سوء الحفظ قال الذهبي في ترجمته محمد بن الحسن في "الميزان":

"لينه النسائي وغيره من قبل حفظه".

وقد حكاه عنه المؤلف نفسه "ص344"، ولكنه جاء بباقعة1 أخرى فقال في التعليق عليه:

"قلت: تشدده معلوم"، يعني الإمام النسائي!

2 -

قبول مرسل غير الصحابي من أهل القرن الثاني والثالث "ص138"، والقرن الرابع أيضا "ص450".

1 الباقعة: الداهية والطائر المحتال.

ص: 44

قلت: ومعنى ذلك أن التابعي، أو تابعه، أو تابع تابعه، أو تابعه، إذا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فهو حجة عندهم يثبت به الحكم الشرعي أي بالحديث المعضل، والمعلق ولو من رجل القرن الرابع! وهذا ضعيف باتفاق علماء الحديث، وغرضهم من ذلك أنه إذا أورد أحد أئمتهم حديثا ما ولو بدون إسناد إطلاقا، وكان في قرن من القرون الثلاثة من بعد الأول، ورده علماء الحديث بأنه لا أصل له، أو لا يعرف له إسناد، عارضوا ذلك بهذه القاعدة!

قلت: وهذا أمر خطير جدا إذ يتنافى مع ما هو مقرر عند العلماء: أن الإسناد مطلوب في الدين، وأنه من خصائص هذه الأمة الإسلامية، وعليه يقوم علم الحديث والرواية، ولذلك قال ابن المبارك رحمه الله تعالى: الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء. وقال الشافعي رحمه الله: مثل الذي يطلب الحديث بلا إسناد كمثل حاطب ليل. والآثار في هذا المعنى كثيرة جدا، وقد ساق الكثير الطيب منها أبو الحسنات اللكنوي رحمه الله في كتابه "الأجوبة الفاضلة" ثم عقب عليها بقوله:

"فهذه العبارات بصراحتها أو بإشارتها تدل على أنه لا بد من الإسناد في كل أمر من أمور الدين، سواء كان ذلك من قبيل الأخبار النبوية أو الأحكام الشرعية أو المناقب والفضائل، فشيء من هذه الأمور لا ينبغي عليه الاعتماد، ما لم يتأكد بالإسناد، لا سيما بعد القرون المشهود لهم بالخيرية"، ثم ذكر الوضاعين وأنواعهم ثم قال "ص29":

"ومن هنا نصوا: أنه لا عبرة بالأحاديث المنقولة في الكتب المبسوطة ما لم يظهر سندها، أو يعلم اعتماد أرباب الحديث عليها، وإن كان مصنفها فقيها جليلا

" إلخ كلامه. فراجعه فإنه مهم جدا.

قلت: وإذا عرفت هذا، وأن الإسناد لا بد منه حتى في القرون الثلاثة فضلا عن الرابع وما دونه، وتذكرت أن أكثر كتب الحديث المعتمدة مؤلفوها في قرن من هذه القرون كمسند الطيالسي وأحمد وأبي يعلى وغيرهم، وأصحاب الكتب الستة وغيرهم، ومثل معاجم الطبراني الثلاثة وغيرها، فعلى هذه القاعدة الباطلة إذا قال

ص: 45

أحد هؤلاء: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يذكر إسناده وصار الحديث بذلك صحيحا، فما قيمة الإسناد حينئذ، ويا ضيعة جهود المحدثين في جمع الأسانيد!

هذا مع أن المعروف عنهم أنهم يردون كثيرا من الأحاديث المرسلة، فضلا عن المعضلة إذا كانت خلاف مذهبهم، وما لهم لا يفعلون ذلك، وهم يردون أيضا الأحاديث الموصولة أيضا، وتجد بعض الأمثلة على ذلك في كتابي "أحكام الجنائز وبدعها" فهل هذه القواعد وضعت لأجل الرد على خصومهم والتستر بها، فإذا كانت عليهم لم يلتفتوا إليها؟!

وقابل هذه القاعدة بقاعدتهم الآتية:

3 -

لا يقبل قول أئمة الحديث: "هذا الحديث غير ثابت، أو منكر

من غير أن يذكر الطعن"!

سبحان الله! ما هذه المفارقات، قول أهل الاختصاص في الحديث إذا ضعفوا الحديث لا يقبل

واستدلال المجتهد بحديث ما تصحيح له، فهذا يقبل مع أنه لم يصرح بالتصحيح، وكذلك قول من دون التابعين: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقبل حديثه على أنه صحيح وقد لا يكون من العلماء بالحديث؟!

أليس معنى هذه القاعدة هدم جانب كبير من علم الحديث وأقوال العارفين به، فإن هناك مئات بل ألوف الأحاديث لا نعرف ضعفها ونكارتها إلا من قول المحدثين بذلك فيها، فإذا قال مثل الحافظ الزيلعي والذهبي والعراقي في حديث ما: إنه ضعيف، فكيف لا يقبل منهم وهم أهل الاختصاص!! ولكن لعلهم يستثنون منهم الحافظ الزيلعي لأنه حنفي المذهب!

نعم لو قيدوا قولهم أو قاعدتهم هذه بما إذا كان هناك مخالف من علماء الحديث ذهب إلى تصحيحه، فالأمر في هذا قريب، ومع ذلك، فالصواب في هذه الحالة أنه لا بد من الرجوع إلى قاعدة أخرى معروفة في علم الحديث وهي: إذا تعارض الجرح والتعديل، فأيهما المتقدم؟ والصحيح أن الجرح هو المقدم إذا كان سببه مبينا وكان في نفسه جارحا، وبيانه هناك، ومن الغريب أن صاحب المقدمة قد رجح فيها "ص175" هذا الذي صححته، فكيف قعد هذه القاعدة المنافية لترجيحه؟! ولماذا

ص: 46

خص بالذكر فيها أئمة الحديث دون أئمة الحنفية الذين يصححون ويضعفون حسب قواعدهم! هل هو تنفيس عما يضمرون في نفوسهم من العداء الشديد لائمة الحديث أم ماذا؟!

4 -

شيوخ إمامنا الأعظم أبي حنيفة رضي الله عنه ثقات. "ص219 - 220".

قلت: يقول هذا مع علمه أن من شيوخ أبي حنيفة رحمه الله تعالى جابر الجعفي، فقد ذكر هو نفسه "ص348": أنه ثبت عن أبي حنيفة أنه قال في جابر الجعفي: ما رأيت أكذب منه!

ولذلك لم يسع المعلق عليه -على بالغ تعصبه- من أن يستدرك على المؤلف فيقول: "إن القاعدة على الأغلب الأكثر".

والمتقرر عند علماء الحديث: أن رواية العدل ليست بمجردها توثيقا.

ثم إنني لا أدري كيف يتجرأ هذا المؤلف على مثل هذه القاعدة.

والواقع في "مسانيد أبي حنيفة" التي جمعها أبو المؤيد الخوارزمي الحنفي يكذبها بشهادة الجامع نفسه، وإليك عشرة من شيوخ أبي حنيفة الذين أوردهم الخوارزمي مع بيانه لضعفهم، وفيهم غير واحد من المتهمين!

1 -

محمد بن الزبير الحنظلي. قال البخاري: فيه نظر. 2/ 350.

2 -

محمد بن السائب الكلبي. قال البخاري: تركه يحيى بن سعيد وابن مهدي. 2/ 350.

3 -

إبراهيم بن مسلم الهجري. قال البخاري: كان ابن عيينة يضعفه. 2/ 382.

4 -

إسماعيل بن مسلم المكي. تركه ابن المبارك وابن مهدي. 2/ 382 - 383.

5 -

أيوب بن عتبة. قال البخاري: ضعيف عندهم. 2/ 383 - 384.

6 -

حكيم بن جبير. قال البخاري: كان شعبة يتكلم فيه. 2/ 426.

7 -

مسلم بن كيسان أبو عبد الله الضرير. قال البخاري: يتكلمون فيه. 2/ 551.

8 -

مجالد بن سعيد. ضعفه يحيى القطان. 20/ 554.

ص: 47

9 -

نصر بن طريف. قال البخاري: سكتوا عنه. 2/ 562.

10 -

يزيد بن ربيعة أبو كامل الرحبي. قال البخاري: في حديثه مناكير. 2/ 574.

وأما شيوخه الذين سرد الخوارزمي أسماءهم وبيض لهم، وهم ممن تكلم العلماء فيهم فحدث ولا حرج، فضلًا عن غيرهم ممن لم يذكرهم مثل عطية العوفي. 1/ 103، وعبد الكريم ابن أبي أمية 2/ 51 - 52، وأبي سفيان طريف بن شهاب السعدي 1/ 312، وغيرهم.

هذا، وبعد أن فرغت من الرد على ما جاء في ذلك التقرير الجائر، من الزور والباطل، فقد قوي في نفسي الشعور بأن القارئ قد يتساءل بعد فراغه من قراءة هذا الرد: من هو صاحب ذلك التقرير الجائر حقًّا؟ وقد بدا لي أن من حقهم عليّ أن أجيبهم عن ذلك التساؤل، على الرغم من أنني حاولت في أثناء كتابته أن لا أبوح باسمه، فقد ظهر لي أخيرًا أن الأولى بل الواجب الكشف عن هويته، ليعرف كل قارئ عدوه من صديقه، وحبيبه من بغيضه، فيحب في الله، ويبغض في الله، ولي في ذلك من أهل العلم بالحديث وأصوله أحسن أسوة، الذين صرحوا بجواز بل وجوب ذكر رواة الحديث بأسمائهم وعيوبهم في الرواية ليعرفوا، فما أكثر ما ترى في كتبهم مثل قولهم: فلان وضاع، أو كذاب، أو سيئ الحفظ، ونحو ذلك، حتى أنهم لم يتورعوا عن وصف بعض الأئمة المتبوعين في بعض المذاهب بما علموا فيهم من سوء الحفظ، وقد مضى قريبًا قولهم في محمد بن الحسن الشيباني، كل ذلك نصحًا منهم للمسلمين، وغيرة على الدين، وقد صرحوا بأن غيبة الرجل حيًّا وميتًا تجوز لغرض شرعي، لا يمكن الوصول إليه إلا بها، وقد جمعها بعضهم في قوله:

القدح ليس بغيبة في ستة

متظلم ومعرفة ومحذر

ومجاهر فسقًا ومستفت ومن

طلب الإعانة في إزالة منكر

ولا يخفى على القارئ الحبيب بأن الأغراض الستة هذه أكثرها يمكن الاعتماد عليها فيما نحن فيه، وعليه أقول:

ص: 48

هو الشيخ عبد الفتاح أبو غدة الحنفي الحلبي، المعروف بشدة عدائه لأهل السنة والحديث، لا سيما في بلده "حلب" حين كان يخطب على منبر مسجده يوم الجمعة، ويستغله للطعن في أهل التوحيد المعروفين في بلده -بالسلفيين- خاصة، وفي أهل التوحيد السعوديين وغيرهم الذين ينبزهم بلقب الوهابية عامة، ويعلن عداءه الشديد لهم، ويصرح بتضليلهم بقوله:"إن الاستعانة بالموتى من دون الله تعالى وطلب الغوث منهم جائز، وليست شركا، ومن زعم أنها شرك أو كفر فهو كافر، ويتهمهم جميعا بشتى التهم، التي كنا نظن أن أمرها قد انتهى ودفن؛ لأن الناس قد عرفوا حقيقة أمرهم، وأن دعوتهم تنحصر في تحقيق العبادة لله تعالى، وإخلاص الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا بأبي غدة هذا، يتجاهل كل ذلك، ويحيي ما كان ميتا من التهم حولهم، ويلصقها بهم، بل ويزيد عليها ما لم نسمعه من قبل، فيقول من على المنبر: "إن هؤلاء الوهابيين تتقزز نفوسهم أو تشمئز حينما يذكر اسم محمد صلى الله عليه وسلم "سبحانك هذا بهتان عظيم" إلى غير ذلك من التهم الباطلة مما سمعه منه أهل بلده الذين حضروا خطبه بذلك، وغيره مما جاء في التعليق على كتاب الأستاذ الفاضل فهر الشقفة:"التصوف بين الحق والخلق""ص220" الطبعة الثانية، وهذا موافق تماما لما قاله متعصب آخر مثله، من حملة "الدكتوراه" في كتاب له:

"ضل قوم لم تشعر أفئدتهم بمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وراحوا يستنكرون التوسل بذاته صلى الله عليه وسلم بعد وفاته".

فهل هذا توافق غير مقصود بذاته من هذين المتعصبين، وإنما التقيا عليه بجامع الاشتراك في الحقد على أهل السنة ومعاداتهم، دون اتفاق سابق بينهما على اتهامهم بهذه التهمة الباطلة التي نخشى أن يكونا أحق بها وأهلها أم الأمر كما قال تعالى:{أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} .

فلما كتب الله على البلاد السعودية أن يكون أبو غدة مدرسا في بعض معاهدها كتم عداءه الشديد إياهم ولدعوتهم، وتظاهر بأنه من المحبين لهم، ولسان حاله ينشد:

ودارهم ما دمت في دارهم

وأرضهم ما دمت في أرضهم

ودعم ذلك بقيامه على طبع بعض كتب الحديث والتعليق عليها، وأحدها من

ص: 49

كتب الإمام ابن القيم، ويزين بعضها بالنقل عنه وعن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله تعالى، ولكنه في الوقت نفسه لا يتمالك من النقل عن عدوهما اللدود وعدو أهل الحديث جميعا، بل والإكثار عنه، ألا وهو المدعو زاهد الكوثري، الذي كان -والحق يقال- على حظ وافر من العلم بالحديث ورجاله، ولكنه مع الأسف كان علمه حجة عليه ووبالا؛ لأنه لم يزدد به هدى ونورا، لا في الفروع ولا في الأصول، فهو جهمي معطل، حنفي هالك في التعصب، شديد الطعن والتحامل على أهل الحديث قاطبة، المتقدمين منهم والمتأخرين.

فهو في العقيدة يتهمهم بالتشبيه والتجسيم ويلقبهم في مقدمة "السيف الصقيل""ص5" بالحشوية السخفاء، ويقول في كتاب "التوحيد" للإمام ابن خزيمة:"أنه كتاب الشرك"! أو يرمي نفس الإمام بأنه مجسم جاهل بأصول الدين!

وفي الفقه يرميهم بالجمود وقلة الفهم، وأنهم حملة أسفار! ".

وفي الحديث طعن في نحو ثلاثمائة من الرواة أكثرهم ثقات، وفيهم نحو تسعين حافظا، وجماعة من الأئمة الفقهاء، كمالك والشافعي وأحمد، ويصرح بأنه لا يثق بأبي الشيخ ابن حيان، ولا بالخطيب البغدادي ونحوهما! ويكذب الإمام عبد الله ابن الإمام أحمد بن حنبل المتفرد برواية "المسند" عن أبيه، وكأنه لذلك لا يعتبره من المسانيد التي ينبغي الرجوع إليها، والاعتماد عليها فيقول في كتابه "الإشفاق على أحكام الطلاق""ص23 طبع حمص".

"مسند أحمد على انفراد من انفرد به ليس من دواوين الصحة أصلا"، ثم قال "ص24":"ومثل مسند أحمد لا يسلم من إقامة السماع والتحديث مقام العنعنة، لقلة ضبط من انفرد برواية مثل هذا المسند الضخم"!

ثم هو يصف الحافظ العقيلي بقوله: "المتعصب الخاسر"، وبالجملة فقل من ينجو من الحفاظ المشهورين وكتبهم من غمز ولمز هذا المتعصب الخاسر حقا مثل ابن عدي في "كامله" والآجري في "شريعته"! وغيرهما.

وهو إلى ذلك يضعف من الحديث ما اتفقوا على تصحيحه، ولو كان مما أخرجه

ص: 50

البخاري ومسلم في "صحيحيهما" دون علة قادحة فيه، وقد سبق ذكر بعض ما ضعفه منها، وعلى العكس من ذلك فهو يصحح انتصارا لعصبيته المذهبية ما يشهد كل عارف بهذا العلم أنه ضعيف بل موضوع، مثل حديث:"أبو حنيفة سراج أمتي"! إلى غير ذلك من الأمور التي لا مجال لسردها، وبسط القول فيها الآن، وقد رد عليه وفصل القول فيها بطريقة علمية سامية، وبحث منطقي نزيه، العلامة عبد الرحمن المعلمي اليماني في كتابه "طليعة التنكيل" ثم في كتابه الفذ العظيم "التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل"، فليراجعهما من شاء الوقوف على حقيقة ما ذكرنا، فإنه سيجد الأمر فوق ما وصفنا، والله المستعان.

هذا شيء من حال الكوثري، وأبو غدة -دون شك- على علم بها؛ لأنه إن كان لم يتعرف عليها بنفسه من بطون كتب الكوثري التي هو شغوف بمطالعتها، وهذا أبعد ما يكون عنه، فقد اطلع عليها بواسطة رد العلامة اليماني عليها ردا علميا نزيها كما سبق.

وإن تعليقات أبي غدة الكثيرة على الكتب التي يقوم بطبعها، والنقول التي يودعها فيها من كلام الكوثري، كل هذا وذاك ليدل دلالة واضحة على أنه معجب به أشد الإعجاب، وأنه كوثري المشرب، وكيف لا وهو يضفي عليه الألقاب الضخمة، التي لا يطلقها عليه غيره، فيقول:"العلامة المحقق الإمام""ص68" من التعليق على "الرفع والتكميل"، بل يقول قبيل مقدمته عليه:

"الإهداء إلى روح أستاذ المحققين الحجة المحدث الفقيه الأصولي المتكلم النظار المؤرخ النقاد الإمام"!! "وقد بلغ من شدة تعلقه به أن نسب نفسه إليه فهو الشيخ عبد الفتاح أبو غدة الحنفي الكوثري"1، وأن سمى ابنه الكبير باسم: زاهد، تبركا به وإحياء لذكره! فهو إذن راض عنه وعن أفكاره وآرائه مائة في المائة! فهو مشترك معه في تحمل مسئولياتها، ويؤكده أنه لم يبد أي نقد أو اعتراض في شيء منها في أي تعليق من تعليقاته الكثيرة، بل هو متأثر به إلى أبعد حد، فإنك تراه بينما هو يضفي عليه ما سبق من الألقاب الضخمة، يضن على شيخ الإسلام ابن تيمية

1 ص72 من "مقالات الكوثري".

ص: 51

ببعضها، فهو إذا ذكره لا يزيد على قوله:"الشيخ ابن تيمية""ص55، 60 - الرفع والتكميل"، مع الاعتراف بأننا لا ندري على وجه اليقين بقصده بـ"الشيخ" هنا، هل يعني في العلم والفضل، أم في العمر والسن، أم في الزيغ والضلال، وكان المفروض أن لا نتوقف في حمله على المعنى الأول، ولكن منعني من ذلك علمي أن أبا عدة "كوثري" كما عرفت، والكوثري يرمي ابن تيمية في كثير من تعليقاته بالزيغ والضلال! بل لقد قال في كتابه "الإشفاق" "ص89":

"إن كان ابن تيمية لا يزال يعد شيخ الإسلام، فعلى الإسلام السلام"! وغالب ظني أن هذه الكلمة -وأبو غدة متأثر بها قطعا لأنها من شيخه "أستاذ المحققين الحجة

"- هي السبب في اقتصار أبي غدة على لفظ "الشيخ ابن تيمية" دون "شيخ الإسلام" لأنه لو فعل لكان عاقا لشيخه وذلك ما لا يكون منه إلا أن يشاء الله هدايته! أقول هذا مع علمي أنه أطلق مرة هذا اللقب عليه في تعليقه على "الأجوبة الفاضلة" "ص92"، فإن كان ذلك عن اعتقاد منه بما كتب ورام، ولم يكن منه رمية من غير رام، ولا على سبيل ما يعتقده الناس في بلد إقامته الموقتة "الرياض" ولا من قبيل الزلفى به إليهم، أو غير ذلك من الاحتمالات التي قد تخطر في البال، فيكون أبو غدة بإطلاقه المذكور، قد أعلن براءته من شيخه الكوثري في كلمته السابقة، فلعل عنده من الشجاعة الأدبية ما يتجرأ به على أن يعلن صراحة أنه كتب ذلك عن قناعة واعتقاد فقط، وأن ابن تيمية رحمه الله هو شيخ الإسلام حقا، وأن كلمة شيخه الكوثري المتقدم في رد ذلك هو كافر بها ومتبرئ منها، فإن فعل، وذلك مما أشك فيه، سألت الله لنا وله التثبيت!

ومهما يكن قصد أبي غدة من قوله: "الشيخ ابن تيمية"، فالذي لا نشك فيه أنه تلميذ الكوثري حقيقة ومذهبا، وإذا كان كذلك فلا يمكن أن يكون سلفي المذهب في التوحيد والصفات، كما كان عليه ابن تيمية وابن القيم وابن عبد الوهاب، رحمة الله عليهم؛ لأن شيخه الكوثري يعاديهم في ذلك أشد المعاداة، وقد قدمت إليك بعد ما رماهم به من التهم كالتجسيم وغيره، ومن نسبته ابن تيمية خاصة إلى

ص: 52

الكذب والخيانة في النقل! مما يدل على أنه ألد أعداء أهل السنة والحديث إطلاقا في العصر الحاضر.

وإذا كان كذلك، فأبو غدة عدو لدود أيضا لهم، ولا يمكن أن يكون غير ذلك، وهو يضفي تلك الألقاب الضخمة عليه1، فإلى أن يتبرأ من شيخه في معاداته

1 أعني قوله: "أستاذ المحققين الحجة

" إلخ ما تقدم عنه، ولا شك أن هذا الإطراء من أبي غدة لشيخه الكوثري المعروف بشدة عدائه لأهل السنة، لهو مستنكر أشد الاستنكار عند جماهير القراء، ولكن ماذا يكون شعورهم إذا علموا أن هذا التلميذ البار تلقى مثل هذا الإطراء من شيخه نفسه، مزكيا به الشيخ نفسه بنفسه، على غلاف كتابه؟ فقد جاء تحت عنوان كتابه "تأنيب الخطيب" الذي طبع تحت إشرافه وتصحيحه ما نصه: "تأليف الإمام الفقيه المحدث والحجة الثقة المحقق العلامة الكبير

"! انظر "التنكيل" "1/ 5".

ثم سرت هذه العدوى إلى التلميذ نفسه، فقد نشر هو نفسه نشرة، أو بعض أصحابه بإشرافه هو طبعا وبعلمه؛ لأن ما فيها من المعلومات الدقيقة عن حياته وأموره الخاصة به، لا يمكن معرفته عادة إلا من طريق المترجم نفسه، فقد جاء فيها، وهي بعنوان:"من أعلام الحركة الإسلامية المعاصرة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة"، ما ملخصه:

"إن أكبر دليل على عظمة هذا الدين، وأنه من صنع الله العليم الخبير، قدرته على صنع الرجال العظام الأفذاذ" ثم ذكر عمر رضي الله عنه "ولا أدري لم لم يذكر أبا بكر الصديق رضي الله عنه مع أنه أعظم بعد النبي صلى الله عليه وسلم"، وخالد بن الوليد وسلمان الفارسي، ثم عدد رجالا من أعلام الإسلام في العصر الحاضر ثم الشيخ عبد الفتاح أبو غدة! وترجم له ترجمة مستفيضة في خمس صفحات كبار وصف فيها بما يأتي.

"العالم الفذ، والعامل المجاهد، والمربي الناصح الرشيد، علامة البلاد غير مدافع، ورجلها الموثوق بدينه وعلمه وسيرته، علامة الشام، جمع إلى علمه الفذ الغزير التقوى والخشية من الله في السر والعلن، فهو وقاف عند حدود الله لا يتعداها، مبتعد عن الشبهات والمكروهات، ما عرف عنه قط أنه أمر بمعروف إلا وطبقه على نفسه، ومن يعول، ولا نهى عن منكر إلا وقد اجتنبه هو ومن يعول، لديه غرام نادر في معرفة التراث الإسلامي مخطوطه ومطبوعه فما ذكر أمامه مخطوط أو مطبوع إلا بسط لك خصائص الكتاب ومجمل محتواه، وأين طبع وكم طبعة له إن كان مطبوعا، ومكان وجوده وتاريخ نسخه إن كان مخطوطا" قلت: ومن الطرائف أن أحد الظرفاء الأذكياء لما سمع هذا الوصف الأخير، قال: هذا هو الله تبارك وتعالى! يشير إلى ما فيه من الغلو والإطراء بالحفظ الذي لا يبلغه البشر! =

ص: 53

تلك لأهل السنة، فهو ملحق به، وليس هذا مما ينافي قوله تعالى:{وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} .

كلا، وإنما هو من باب المؤاخذة على اعترافه بأنه كوثري، وبعلمه بانحراف شيخه وطعنه في أهل السنة وأئمة الحديث والفقه وغير ذلك من مخازيه التي منها مطاعنه العديدة في شيخ الإسلام ابن تيمية حتى لقد قال -عامله الله بما يستحق:

"ولو قلنا لم يبل الإسلام في الأدوار الأخيرة بمن هو أضر من ابن تيمية في تفريق كلمة المسلمين لما كنا مبالغين في ذلك، وهو سهل متسامح مع اليهود والنصاري

" الإشفاق""ص86".

إن أبا غدة يعلم هذا وغيره مما ذكرنا وما لم نذكره عن شيخه الكوثري، ولم نره يتعقبه في شيء من ذلك إطلاقا، الأمر الذي يجعلنا نعتقد أنه مع شيخه في عدائه

= وفي النشرة من المعلومات والادعاءات الفارغة، والمغالطات المفضوحة ما يدركه كل من اطلع عليها، وهذا نتف منها تدلك على الهوس الذي أصاب هذا الرجل حتى تورط في إخراج هذه النشرة يمدح بها نفسه -أو يرضى بأن يمدح بها- بقوله:

"كان في القاهرة مثالا للعالم المجاهد!! لا يكتفي بما يلقى عليه في الأزهر، بل يتتبع العلم من أفواه العلماء الأثبات المحققين أمثال شيخه الإمام المحدث الفقيه الأصولي النقادة العف الشيخ محمد زاهد الكوثري".

وقال عن نفسه أيضا: "علامة البلاد غير مدافع، ورجلها الموثوق بدينه وعلمه وسيرته، والأمل المرجّى لكل مسلم

؟! " و"أجمع علماء المسلمين في الهند وباكستان والحجاز والبلاد الشامية على أن يكون معتمدهم العلمي الموثوق ومرجعهم الفتوي!! ".

و"أن وجوده مصدر إشعاع تستمد به البركة والعصمة"، وأنه "النعمة الكبرى!! " و"أنه عرف برقة الطبع، ورهف الحس، وشفافية النفس، وسمو الذوق، ولطف المعشر، وحلاوة الحديث، ولين الملمس، وتذوق النكتة، وسداد الرأي، ورجاحة العقل، وتألق الذهن، وقوة الحجة، وصدق العاطفة، وحرارة الإيمان وسرعة التنقل، وأناقة المظهر، والتواضع والليونة".

هذا بعض ما جاء في تلك النشرة، ذكرنا ما له ارتباط بموضوعنا، وأما ما فيها من ادعاءات وتزوير للحقائق فمتروك لأصحابها، فإن أهل البيت أدرى بالذي فيه. وأن الواجب يقضي بأن يوقف كل مدع عند حده.

ص: 54

لأهل السنة والحديث، وإلا فليعلن براءته منه جملة وتفصيلا، فإن فعل، وما إخاله أخذنا بظاهر كلامه، ووكلنا سريرته إلى ربه سبحانه وتعالى.

وبعد هذا كله: أليس لنا أن نتساءل إذا كان أبو غدة بهذا البعد عن أهل السنة والتوحيد تبعا لشيخه الكوثري، حتى كان يعلن في حلب تكفير القائلين بأن الاستغاثة بغير الله كفر، كما سبق، فكيف طاب له المقام في البلاد السعودية هذه السنين حتى الآن، وهو يعلم أنهم هم الذين كان يعنيهم أصالة بتكفيره المذكور؟ فهل رجع هو عن تكفيرهم وعن القول بجواز الاستغاثة بغير الله، إلى القول الذي كان ينقمه عليهم: إن الاستغاثة كفر. وبذلك حصل الوئام، فطاب له المقام؟

فأقول: الجواب في قلب أبي غدة، ولكن الذي نعلمه عنه هو ما سبق ذكره، ومن القواعد الأصولية المقررة عند الحنفية وغيرهم قاعدة استصحاب الحال إلا لنص، ولما كان لا نص لدينا برجوع أبي غدة عن تكفيره المذكور، فالواجب علينا البقاء على ما نعلمه عنه، وعلى ذلك فلم يحصل الوئام المزعوم؛ لأن السعوديين -وخصوصا أهل العلم منهم- لا يزالون -والحمد لله- محتفظين بعقيدتهم في التوحيد، محاربين للشركيات والوثنيات، التي منها الاستغاثة بغير الله تعالى من الأموات، فكيف إذن طاب له المقام بين ظهرانيهم؟

الذي أتصور أنه لم يكن بينهم كما يجب أن يكون "المربي الناصح الرشيد"! يأمر بالمعروف، وينهي عن المنكر، ويبين لهم أن ما أنتم عليه من أمور منكر وضلال، منها إنكار قولهم: إن الاستغاثة بغير الله تعالى كفر، فإنه لو فعل، لكان أمر من ثلاثة أمور:

إما ان يقنعهم بضلالهم، بخطبة نارية يلقيها هناك، كما كان يفعل في بلده "حلب"، وهذا مستحيل.

وإما أن يقنعوه هو بضلاله بما عندهم من حجج ناطقة وأدلة قاطعة من كتاب الله وسنة رسوله، وهذا بعيد!

وإما أن تكون الثالثة ولا بد هي

إلا أن يشاء الله تعالى.

ولما كان يعلم بأن النتيجة هو ما أشرنا إليه، وكان يستحب البقاء بين أظهرهم،

ص: 55

لسبب لا يخفى على القارئ اللبيب، آثر أن يظل بينهم كأي إنسان آخر ليس له هدف إلا

على حد قول الشاعر:

ودارهم ما دمت في دارهم

وأرضهم ما دمت في أرضهم

ولا يستغربن هذا أحد ممن يحسنون الظن بأبي غدة، ولم يعرفوا حتى الآن عقيدته، فإن لدي البرهان القاطع على ما نسبت إليه من المدارة ولم أقل: المداهنة!

لقد قال في مطلع تقريره الجائر ما نصه:

"يرى الناظر في شرح الطحاوية أن الشارح لها من أهل التوثق والضبط والإتقان فيما ينقله من الأحاديث الشريفة وغيرها

بعبارة واضحة، لا لبس فيها ولا غموض، وبإمامة ملموسة مشهورة".

قلت: فإذا كان أبو غدة مؤمنا حقا بهذه الإمامة الملموسة المشهورة فأنا أختار له من كلام هذا الإمام سبع مسائل، فإن أجاب عنها بما يوافق ما ذهب إليه هذا الإمام المشهور من قلب مخلص فذلك ما نرجوه، وأعتذر إليه من إساءة الظن به، وإن كانت الأخرى فذلك مما يؤيد -مع الأسف- ما رميته به من المداراة.

المسألة الأولى:

قال الإمام "ص125":

"وَأَهْلُ الْكَلَامِ الْمَذْمُومِ يُطْلِقُونَ نَفْيَ حُلُولِ الْحَوَادِثِ".

قلت: وهذا الإطلاق هو مما يدندن به شيخه الكوثري في تعليقاته، ليتوصل، إلى نفي حقيقة الكلام الإلهي المسموع، وراجع له "شرح الطحاوية""ص168 - 188"، و"التنكيل""2/ 360 - 362".

المسألة الثانية:

قال الإمام تبعا لأبي جعفر الطحاوي "ص168".

وَإِنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ مِنْهُ بَدَا بِلَا كيفية قولا، وأنزل عَلَى رَسُولِهِ وَحْيًا، وَصَدَّقَهُ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى ذَلِكَ حقا، وأيقنوا أن كلام الله تعالى بالحقيقة، ليس بمخلوق كلام البشرية".

ثم شرح "الإمام" مذاهب الناس في مسألة الكلام الإلهي على تسعة مذاهب

ص: 56

وبين أن مذهب السلف: أَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إِذَا شَاءَ، ومتى شاء، وكيف شاء، وإنه يتكلم بصوت.

وشيخ أبي غدة ينفي الصوت المسموع "مقالات الكوثري ص26"، ويقول في تعليقه على "كتاب البيهقي":"الأسماء والصفات""ص194": "إن موسى عليه السلام لما كلمه الله تعالى تكليما لم يسمعه صوته، وإنما أفهمه كلامه بصوت تولى خلقه من غير كسب لأحد

"!

المسألة الثالثة:

قال "الإمام""ص280" تبعا للطحاوي:

"وهو "تعالى" مُسْتَغْنٍ عَنِ الْعَرْشِ وَمَا دُونَهُ، مُحِيطٌ بِكُلِّ شيء وفوقه"

والكوثري لا يؤمن بفوقية الله تعالى على خلقه حقيقة كما يليق بجلاله، بل إنه ينسب القائلين بها من الأئمة إلى القول بالجهة والتجسيم!

المسألة الرابعة:

يثبت الإمام "الفوقية المذكورة بأدلة كثيرة جدا، في بعضها التصريح بلفظ "الأين" الذي سأل بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الجارية ليتعرف على إيمانها"، وشيخك يا أبا غدة ينكر مثل هذا السؤال تبعا لتشكيكه في صحة الحديث كما سبق "ص27"، فهل تؤمن أنت بهذا الحديث، وتجيز هذا السؤال الذي سأله الرسول صلى الله عليه وسلم.

المسألة الخامسة:

يقول "الإمام" تبعا للأئمة مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وسائر أهل الحديث وأهل المدينة:

"إنما الإيمان هو تصديق بالجنان، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان، وقالوا: يزيد وينقص".

وشيختك تعصبا لأبي حنيفة يخالفهم مع صراحة الأدلة التي تؤيدهم من الكتاب والسنة وآثار السلف الصالح رضي الله عنهم، بل ويغمز منهم جميعا مشيرا إليهم بقوله في "التأنيب""ص44 - 45" إلى "أناس صالحون" يشير أنهم لا علم عندهم فيما ذهبوا إليه ولا فقه، وإنما الفقه عند أبي حنيفة دونهم، ثم يقول: إنه الإيمان والكلمة، وإنه الحق الصراح، وعليه فالسلف وأولئك الأئمة الصالحون هم عنده على الباطل في قولهم: بأن الأعمال من الإيمان، وأنه يزيد وينقص. وقد

ص: 57

نقل أبو غدة كلام شيخه الذي نقلنا موضوع الشاهد منه، نقله بحرفة، في التعليق على "الرفع والتكميل""ص67 - 69"، ثم أشار إليه في مكان آخر منه ممجدا به ومكبرًا له بقوله "ص218":

"وانظر لزامًا ما سبق نقله تعليقًا فإنك لا تظفر بمثله في كتاب"، ثم أعاد الإشارة إليه "ص223" مع بالغ إعجاب به، وظني به أنه يجهل -أن هذا التعريف للإيمان الذي زعم شيخه أنه الحق الصراح- مع ما فيه من المخالفة لما عليه السلف كما عرفت، مخالف لما عليه المحققون من علماء الحنفية أنفسهم الذين ذهبوا إلى: أن الإيمان هو التصديق فقط ليس معه الإقرار! كما في "البحر الرائق" لابن نجيم الحنفي "5/ 129"، والكوثري في كلمته المشار إليها يحاول فيها أن يصور للقارئ أن الخلاف بين السلف والحنفية في الإيمان لفظي، يشير بذلك إلى أن الأعمال ليست ركنًا أصليًّا، ثم يتناسى أنهم يقولون: بأنه يزيد وينقص، وهذا ما لا يقول به الحنفية إطلاقًا، بل إنهم قالوا في صدد بيان الألفاظ المكفرة عندهم:"وبقوله: الإيمان يزيد وينقص" كما في "البحر الرائق"، "باب أحكام المرتدين"! فالسلف على هذا كفار عندهم مرتدون!! راجع شرح الطحاوية "ص338 - 360"، و"التنكيل""2/ 362 - 373" الذي كشف عن مراوغة الكوثري في هذه المسألة.

وليعلم القارئ الكريم أن أقل ما يقال في الخلاف المذكور في المسألة أن الحنفية يتجاهلون أن قول أحدهم -ولو كان فاسقاً فاجرًا: أنا مؤمن حقًّا، ينافي مهما تكلفوا في التأويل التأدب مع القرآن ولو من الناحية اللفظية على الأقل الذي يقول:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ، أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} .

فليتأمل المؤمن الذي عافاه الله تعالى مما ابتلى به هؤلاء المتعصبة، من هو المؤمن حقًّا عند الله تعالى، ومن هو المؤمن حقًّا عند هؤلاء؟!

المسألة السادسة:

ذهب "الإمام" شارح الطحاوية "ص351" إلى جواز

ص: 58

الاستثناء في "الإيمان" وهو قول المؤمن: أنا مؤمن إن شاء الله تعالى، على تفصيل في ذلك بينه، والحنفية يمنعون منه مطلقا، بل إن طائفة منهم ذهبوا إلى تكفير من قال ذلك، ولم يقيدوه بأن يكون في إيمانه، ومنهم الإتقاني في "غاية البيان"، وصرح في "روضة العلماء""من كتبهم" بأن قوله "إن شاء الله" يرفع إيمانه، فلا يجوز الاقتداء به "يعني في الصلاة"، وفي "الخلاصة" و"البزازية" في كتاب النكاح، عن الإمام أبي بكر محمد بن الفضل: من قال: أنا مؤمن إن شاء الله فهو كافر لا تجوز المناكحة معه. قال الشيخ أبو حفص في "فوائده": لا ينبغي للحنفي أن يزوج بنته من رجل شفعوي المذهب. وهكذا قال بعض مشايخنا، ولكن يتزوج بنتهم. زاد "في البزازية" تنزيلا لهم منزلة أهل الكتاب. كذا في "البحر الرائق""2/ 51"1.

المسألة السابعة:

ذهب شارح الطحاوية "ص236 - 239" تبعا لإمامه أبي حنيفة وصاحبيه إلى كراهة التوسل بحق الأنبياء وجاههم.

وهذا مما خالف فيه الكوثري إمامه أبا حنيفة رحمه الله تعالى، اتباعا لأهواء العامة، ونكاية بأهل السنة. كما يعلم ذلك من اطلع على رسالة "محق التوسل" وغيرها. وقد كنت بينت شيئا من تعصبه واتباعه لهواه في محاولة تقويته إسناد حديث

1 قلت: ومن عجائب ما في هذا الكتاب "8/ 207" حديث عبد الله بن عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: من كان على السنة والجماعة استجاب الله دعاءه، وكتب له بكل خطوة يخطوها عشر حسنات، ورفع له عشر درجات، فقيل له: يا رسول الله متى يعلم الرجل أنه من أهل السنة والجماعة؟ فقال: "إذا وجد في نفسه عشرة أشياء، فهو على السنة والجماعة "قلت: فذكرها وفيها" ولا يشك في إيمانه

".

قلت: وهذا حديث لا أصل له في شيء من كتب السنة، بل هو باطل، لوائح الوضع عليه ظاهرة ومن أجل مثل هذا الحديث اتهم القرطبي فقهاء أهل الرأي بأنهم كانوا ينسبون الحكم الذي دل عليه القياس الجلي عندهم إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نسبة قولية، ولهذا ترى كتبهم مشحونة بأحاديث تشهد متونها بأنها موضوعة لأنها تشبه فتاوى الفقهاء، ولأنهم لا يقيمون لها سندا. نقله الحافظ السخاوي في "شرح ألفية العراقي " ص111" وغيره.

ص: 59

في التوسل، فيه من هو ضعيف عنده، كما هو مشروح في الجزء الأول من "سلسلة الأحاديث الضعيفة" رقم "24"، فليراجعه من شاء.

قلت: "فهذه سبع مسائل هامة، كلها في العقيدة، إلا الأخيرة منها، قد وجهتها إلى أبي غدة الذي تظاهر بالثناء على شارح "الطحاوية"، ووصفه بأنه صاحب "إمامة ملموسة مشهورة"، فإذا أجاب بمتابعته له فيها -وهذا ما أستبعده على كوثريته- فالحمد لله، وإن خالفه فيها، وظل على كوثريته، فقد تبين للناس -إن شاء الله تعالى- أن ثناءه على شارح "الطحاوية" "الإمام"، لم يكن عن اعتقاد وثقه به كما زعم، وإن ليتخذه سلما للطعن بمخرج أحاديثه، وإلا كيف ساغ له أن يسكت عن الشارح في هذه الأخطاء بل الضلالات السبع بزعمه تبعا لشيخه الكوثري، وعن أخطائه الأخرى الحديثية التي سبقت الإشارة إلى أنواع منها، وينتقدني شاكيا إلى بعض رؤسائه أو المسئولين هناك في أمور -لو صح نقده فيها- لا تكاد تذكر تجاه تلك، كما ولا كيفا؟!

وليت شعري ما الذي منع أبا غدة، إذا كان لديه من الانتقادات عدة، حول هذا الكتاب أو غيره من مؤلفاتي، أن يفضي بها إلى مباشرة حينما كنا نلتقي مرات في أشهر العطلة الصيفية، في المكتب الإسلامي، بدل أن يغافلني، ويرفع ذلك التقرير الجائر خلسة دون علمي أو علم صديقه صاحب المكتب الإسلامي، ترى ماذا يقول عامة الناس فضلا عن خاصتهم فيمن كان هذا صنيعه مع أخيه؟! فإن قالوا فيه: إنه

فلا يلومن إلا نفسه، وعلى نفسها جنت براقش، وصدق الله العظيم القائل:{وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} .

وختاما أقول:

لقد كنت أود لو أن الإدارة التي رفع إليها هذا المتعصب الجائر تقريره بادرت إلى إعلامي به قبل أن تلوكه ألسنة الناس، أو إحالته مع صاحبه على لجنة من أهل العلم في بلادها وهم كثر والحمد لله. ليناقشوه على ما ادعاه على كتاب يدرس في معهدها منذ عشر سنوات، وحاز الرضى والقبول من كافة علمائها، وفي مقدمتهم فضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم، والشيخ عبد اللطيف رحمهما الله تعالى والشيخ عبد

ص: 60

العزيز بن باز، والشيخ عبد الرزاق عفيفي بارك الله فيهما وغيرهم، وكذلك الأمر عند علماء سائر الأمصار.

والحقيقة التي تنبه لها بعض الأفاضل أن القصد الكامن وراء ما ادعاه ذلك المتعصب على كتاب "شرح العقيدة الطحاوية" متسترا بالطعن بمخرج أحاديثها إنما هو الطعن في العقيدة نفسها وبمن يؤمن بها في العصر الحاضر، وخصوصا وهي تؤيد عقيدة شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم، ومجدد دعوة التوحيد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عليهم، تعصبا للكوثري، بل العلقمي، الذي يتهم هؤلاء الأعلام بالتهم الباطلة، ويلصق بهم وبعقيدتهم أشنع الأوصاف.

وإلا فما الذي يضر القارئ لو سكت الألباني عن تخريج حديث قال الشارح عنه: متفق عليه عند البخاري ومسلم، أو قال هو كذلك، أو قال: صحيح متفق عليه عندهما أو أحدهما، أو نحو ذلك، وقد قدمنا الحجة على ذلك!! ومنه تعلم أن هذا لا يضر القارئ، فكذلك لا يضر الألباني الذي زادت مؤلفاته في الحديث الشريف وفقهه على الخمسين كتابا، جعلها الله تعالى خالصة لوجهه الكريم، وتقبلها منه بمنه وفضله

وكذلك فلن يضر ذلك ناشر الكتاب، فإن المكتب الإسلامي، وصاحبه الأخ السلفي الأستاذ زهير الشاويش، وقد نشر حتى الآن ما يزيد على أربعمائة كتاب في العقيدة، والتفسير والحديث، والفقه، لن يؤذيه تعطل كتاب له عند الجهة التي قدم المخبر تقريره إليها، ولن يوقفه ذلك عن نشر كتب السلف بالروح العلمية والإتقان

التي اشتهر بها، فإنه مؤمن بهذه العقيدة، ومن الدعاة إليها، الذين آمنوا بها منذ نعومة أظفارهم، خالصا لوجه الله، دون ما رغبة أو رهبة، بل نالهم الأذى في بلادهم، والبلاد التي هاجروا إليها، وأكثر ما نالهم الأذى بسبب هذه التقارير التي يقدمها الجواسيس والمخبرون، المنتشرون في كل مكان، مثل مقدم ذلك التقرير الجائر.

ص: 61

أسأل الله تعالى أن يطهر قلوبنا من الغل والحقد والحسد، وأن يعمرها بالإيمان والتوحيد الخالص، مصفى من كل أوضار الشرك والوثنية، وأن يلهمنا العمل الصالح، والحب في الله، والبغض في الله، {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} .

بيروت، 19 رجب سنة 1391

محمد ناصر الدين الألباني

ص: 62

سكانر

ص: 63

سكانر

ص: 64

سكانر

ص: 65

سكانر

ص: 66