الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِيهَا مَنْ يُنَادِي عَلَيْهِ بِالْخُرُوجِ: يَا مَوْلَانَا، اخْرُجْ! يَا مَوْلَانَا، اخْرُجْ! وَيُشْهِرُونَ السِّلَاحَ؛ وَلَا أَحَدَ هُنَاكَ يُقَاتِلُهُمْ! إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ التي يَضْحَكُ عَلَيْهِمْ مِنهَا الْعُقَلَاءُ!!
وَقَوْلُهُ"مَعَ أُولِي الْأَمْرِ بَرِّهِمْ وَفَاجِرِهِمْ"- لِأَنَّ الْحَجَّ وَالْجِهَادَ فَرْضَانِ يَتَعَلَّقَانِ بِالسَّفَرِ، فَلَا بُدَّ مِنْ سَائِسٍ يَسُوسُ النَّاسَ فِيهِمَا، وَيُقَاوِمُ فيها الْعَدُوَّ، وَهَذَا الْمَعْنَى كَمَا يَحْصُلُ بِالْإِمَامِ الْبَرِّ يَحْصُلُ بِالْإِمَامِ الْفَاجِرِ.
قَوْلُهُ: (وَنُؤْمِنُ بِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَهُمْ عَلَيْنَا حَافِظِينَ)
.
ش: قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ} {كِرَامًا كَاتِبِينَ} {يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} (1). وَقَالَ تَعَالَى: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (2). وَقَالَ تَعَالَى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} (3). وَقَالَ تَعَالَى: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} (4). وَقَالَ تَعَالَى: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (5). وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ} (6). وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: ""يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَة بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَة بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَصَلَاة الْعَصْرِ، فَيَصْعَدُ إِلَيْهِ الَّذِينَ كَانُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ، والله أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: أَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَفَارَقْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ». وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ:«إِنَّ مَعَكُمْ مَنْ لَا يُفَارِقُكُمْ إِلَّا عِنْدَ الْخَلَاءِ وَعِنْدَ الْجِمَاعِ، فَاسْتَحْيُوهُمْ، وَأَكْرِمُوهُمْ» .
جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ: اثْنَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ، يَكْتُبَانِ الْأَعْمَالَ، صَاحِبُ الْيَمِينِ يَكْتُبُ الْحَسَنَاتِ، وَصَاحِبُ الشِّمَالِ يَكْتُبُ السَّيِّئَاتِ، وَمَلَكَانِ آخَرَانِ
(1) سورة الِانْفِطَارِ الآيات 10 - 12
(2)
سورة ق الآيتان 17 - 18
(3)
سورة الرَّعْدِ آية 11
(4)
سورة الزُّخْرُفِ آية 80
(5)
سورة الْجَاثِيَة آية 59
(6)
سورة يُونُسَ آية 21
يَحْفَظَانِه وَيَحْرُسَانِه، وَاحِدٌ مِنْ وَرَائِه، وَوَاحِدٌ أَمَامَه، فَهُوَ بَيْنُ أَرْبَعَة أَمْلَاكٍ بِالنَّهَارِ، وَأَرْبَعَة آخَرِينَ بِاللَّيْلِ، بَدَلًا، حَافِظَانِ وَكَاتِبَانِ. وَقَالَ عِكْرِمَة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:{يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} (1). قَالَ: مَلَائِكَة يَحْفَظُونَه مِنْ بَيْنِ يَدَيْه وَمِنْ خَلْفِه، فَإِذَا جَاءَ قَدَرُ اللَّهِ خَلَّوْا عَنْهُ.
وَرَوَى مُسْلِمٌ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُه مِنَ الْجِنِّ، وَقَرِينُه مِنَ الْمَلَائِكَة"قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "وَإِيَّاي، لَكِنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ، فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ» . الرِّوَايَة بِفَتْحِ الْمِيمِ مِنْ"فَأَسْلَمَ"وَمَنْ رَوَاهُ"فَأَسْلَمُ"بِرَفْعِ الْمِيمِ - فَقَدْ حَرَّفَ لَفْظَه. وَمَعْنَى"فَأَسْلَمَ"، أَيْ: فَاسْتَسْلَمَ وَانْقَادَ لِي، فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، وَلِهَذَا قَالَ:"فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ"، وَمَنْ قَالَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ صَارَ مُؤْمِنًا - فَقَدْ حَرَّفَ مَعْنَاهُ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَكُونُ مُؤْمِنًا (2).
(1) سورة الرَّعْدِ آية 11
(2)
رواه مسلم 2: 346 (17: 157 من شرح النووي). ورواه أحمد في المسند: 3648، 3779، 3802، 4392. بألفاظ متقاربة. واللفظ الذي هنا يوافق رواية المسند: 3802، وكان في المطبوعة هنا «ولكن أعانني الله عليه» . فصححناه من لفظ المسند. والخلاف في ضبط الميم من «فأسلم» - خلاف قديم. والراجح فيها الفتح، كما قال الشارح، ولكن المعنى الذي رجحه غير راجح. فقال القاضي عياض، في مشارق الأنوار 2: 218 «رويناه بالضم والفتح. فمن ضم رد ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أي: فأنا أسلم منه. ومن فتح رده إلى القرين، أي: أسلم من الإسلام. وقد روي في غير هذه الأمهات: فاستسلم» . يريد بالأمهات: الموطأ والصحيحين، التي بنى عليها كتابه، وإن كان هذا الحديث لم يروه مالك ولا البخاري. وقال النووي في شرح مسلم:«هما روايتان مشهورتان .. واختلفوا في الأرجح منهما، فقال الخطابي: الصحيح المختار الرفع، ورجح القاضي عياض الفتح» . وأما الحافظ ابن حبان، فإنه روى الحديث في صحيحه (2: 283، من المخطوطة المصورة)، وجزم برواية فتح الميم، وقال:«في هذا الخبر دليل على أن شيطان المصطفى صلى الله عليه وسلم أسلم حتى لم يكن يأمره إلا بخير، لا أنه كان يسلم منه إن كان كافرا» . وهذا هو الصحيح الذي ترجحه الدلائل. وادعاء الشارح أن هذا تحريف للمعنى. «فإن الشيطان لا يكون مؤمنا» - انتقال نظر. فأولا: أن اللفظ في الحديث «قرينه من الجن» ، لم يقل «شيطانه». وثانيا: أن الجن فيهم المؤمن والكافر. والشياطين هم كفارهم، فمن آمن منهم لم يسم شيطانا