الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طَيْرٍ. وَتَأَمَّلْ لَفْظَ الْحَدِيثَيْنِ، فَفِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«إِنَّ نَسَمَة الْمُؤْمِنِ طَائِرٍ يَعْلَقُ في شَجَرِ الْجَنَّة، حَتَّى يُرْجِعَه اللَّهُ إِلَى جَسَدِه يَوْمَ يَبْعَثُه» ؛ فَقَوْلُهُ: "نَسَمَة الْمُؤْمِنِ"تَعُمُّ الشَّهِيدَ وَغَيْرَهُ، ثُمَّ خَصَّ الشَّهِيدَ بِأَنْ قَالَ:«هِيَ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ» ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ صَدَقَ عَلَيْهَا أَنَّهَا طَيْرٌ، فَتَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْحَدِيثِ الْآخَرِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، فَنَصِيبُهُمْ مِنَ النَّعِيمِ فِي الْبَرْزَخِ أَكْمَلُ مِنْ نَصِيبِ غَيْرِهِمْ مِنَ الْأَمْوَاتِ عَلَى فُرُشِهِمْ، وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ [على فراشه](1) أَعْلَى دَرَجَة مِنْ كَثِيرٍ مِنْهُمْ، [فَلَهُ](2) نَعِيمٌ يَخْتَصُّ بِهِ لَا يُشَارِكُه فِيهِ مَنْ هُوَ دُونَه، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ، كَمَا رُوِي فِي السُّنَنِ. وَأَمَّا الشُّهَدَاءُ فَقَدْ شُوهِدَ مِنْهُمْ بَعْدَ مُدَدٍ مِنْ دَفْنِه كَمَا هُوَ لَمْ يَتَغَيَّرْ، فَيُحْتَمَلُ بَقَاؤُه كَذَلِكَ فِي تُرْبَتِه إِلَى يَوْمِ مَحْشَرِه، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يَبْلَى مَعَ طُولِ الْمُدَّة، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَأَنَّه - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - كُلَّمَا كَانَتِ الشَّهَادَة أَكْمَلَ، وَالشَّهِيدُ أَفْضَلَ، كَانَ بَقَاءُ جَسَدِه أَطْوَلَ.
قَوْلُهُ: (وَنُؤْمِنُ بِالْبَعْثِ
وَجَزَاءِ الْأَعْمَالِ يَوْمَ الْقِيَامَة، وَالْعَرْضِ وَالْحِسَابِ، وَقِرَاءَة الْكِتَابِ، وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَالصِّرَاطِ وَالْمِيزَانِ).
ش: الْإِيمَانُ بِالْمَعَادِ مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَالْعَقْلُ وَالْفِطْرَة السَّلِيمَة. فَأَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنْهُ فِي كِتَابِه الْعَزِيزِ، وَأَقَامَ الدَّلِيلَ عليه، وَرَدَّ على المُنْكِرِين، فِي غَالِبِ سُوَرِ الْقُرْآنِ.
وَذَلِكَ: أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ كُلَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ، فَإِنَّ الْإِقْرَارَ بِالرَّبِّ عَامٌّ فِي بَنِي آدَمَ، وَهُوَ فِطْرِي، كُلُّهُمْ يُقِرُّ بِالرَّبِّ، إِلَّا مَنْ عَانَدَ، كَفِرْعَوْنَ، بِخِلَافِ الْإِيمَانِ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَإِنَّ مُنْكِرِيه كَثِيرُونَ، وَمُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم لَمَّا كَانَ خَاتَمَ الْأَنْبِيَاءِ، وَكَانَ قَدْ بُعِثَ هُوَ وَالسَّاعَة كَهَاتَيْنِ. وَكَانَ هُوَ الْحَاشِرُ
(1) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل. واستدركناه من «الروح» ص 98. ن
(2)
في الأصل: (فلهم). والتصويب من الروح ص 98. ن
الْمُقَفِّي (1) - بَيَّنَ تَفْصِيلَ الْآخِرَة بَيَانًا لَا يُوجَدُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ. وَلِهَذَا ظَنَّ طَائِفَة مِنَ الْمُتَفَلْسِفَة وَنَحْوِهِمْ أَنَّهُ لَمْ يُفْصِحْ بِمَعَادِ الْأَبْدَانِ إِلَّا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، وَجَعَلُوا هَذِا حُجَّة لَهُمْ فِي أَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّخْيِيلِ وَالْخِطَابِ الْجُمْهُورِي!.
وَالْقُرْآنُ بَيَّنَ مَعَادَ النَّفْسِ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَمَعَادَ الْبَدَنِ عِنْدَ الْقِيَامَة الْكُبْرَى، فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ. وَهَؤُلَاءِ يُنْكِرُونَ الْقِيَامَة الْكُبْرَى، وَيُنْكِرُونَ مَعَادَ الْأَبْدَانِ، وَيَقُولُ مَنْ يَقُولُ مِنْهُمْ: إِنَّهُ لَمْ يُخْبِرْ بِهِ إِلَّا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم عَلَى طَرِيقِ التَّخْيِيلِ!! وَهَذَا كَذِبٌ، فَإِنَّ الْقِيَامَة الْكُبْرَى هِيَ مَعْرُوفَة عِنْدَ الْأَنْبِيَاءِ، مِنْ آدَمَ إِلَى نُوحٍ، إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى وَغَيْرِهِمْ [عليهم السلام](2).
[وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ بِهَا](3)، مِنْ حِينِ أُهْبِطَ آدَمُ، فَقَالَ تَعَالَى:{قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} {قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ} (4)، وَلَمَّا قَالَ إِبْلِيسُ اللَّعِينُ:{رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} (5)، قَالَ:{فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} {إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ} (6).
وَأَمَّا نُوحٌ عليه السلام فَقَالَ: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} {ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا} (7).
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ}
(1) في المطبوعة «المفضي» ! وليس لها معنى في أسمائه. وأقرب رسم إليها من أسمائه صلى الله عليه وسلم: المقفي، بضم الميم وفتح القاف وتشديد الفاء المكسورة - يعني أنه قفى النبيين، فجاء بعدهم، وكان ختامهم، صلى الله عليه وسلم
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من الأصل. وأثبتناه من سائر النسخ. ن
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من الأصل. وأثبتناه من سائر النسخ. ن
(4)
سورة الْأَعْرَافِ الآيتان 24، 25
(5)
سورة ص آية 79
(6)
سورة ص الآيتان 80، 81
(7)
سورة نُوحٍ الآيتان 17 - 18
{الدِّينِ} (1). إِلَى آخِرِ الْقِصَّة. وَقَالَ: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} (2). وَقَالَ: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} (3) الآية.
وَأَمَّا مُوسَى عليه السلام، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَمَّا نَاجَاه:{إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} {فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى} (4).
بَلْ مُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ كَانَ يَعْلَمُ الْمَعَادَ، وَإِنَّمَا آمَنَ بِمُوسَى، قَالَ تَعَالَى حِكَايَة عَنْهُ:{وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ} {يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} (5)، إلى قوله:{يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} (6) إِلَى قَوْلِهِ: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} (7). وَقَالَ مُوسَى: {وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} (8).
وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ فِي قِصَّة الْبَقَرَة: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (9).
وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ أَرْسَلَ الرُّسُلَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ، فِي آيَاتٍ [مِنَ] الْقُرْآنِ، وَأَخْبَرَ عَنْ أَهْلِ النَّارِ أَنَّهُمْ إِذَا قَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا:{أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} (10). وَهَذَا اعْتِرَافٌ مِنْ أَصْنَافِ الْكُفَّارِ الدَّاخِلِينَ جَهَنَّمَ أَنَّ الرُّسُلَ أَنْذَرَتْهُمْ لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا. فَجَمِيعُ الرُّسُلِ أَنْذَرُوا بِمَا أَنْذَرَ به خَاتَمُهُمْ
(1) سورة الشُّعَرَاءِ آية 82
(2)
سورة إِبْرَاهِيمَ آية 41
(3)
سورة الْبَقَرَة آية 260
(4)
سورة طه الآيتان 15، 16
(5)
سورة غَافِرٍ الآيتان 32، 33
(6)
سورة غَافِرٍ آية 39
(7)
سورة غَافِرٍ آية 46
(8)
سورة الْأَعْرَافِ آية 156
(9)
سورة الْبَقَرَة آية 73
(10)
سورة الزُّمَرِ آية 71
مِنْ عُقُوبَاتِ الْمُذْنِبِينَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة. فَعَامَّة سُوَرِ الْقُرْآنِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، يُذْكَرُ ذَلِكَ فِيهَا: فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة.
وَأَمَرَ نَبِيَّه أَنْ يُقْسِمَ بِهِ عَلَى الْمَعَادِ، فَقَالَ:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ} (1)، الآيات. وَقَالَ تَعَالَى:{وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} (2). وَقَالَ تَعَالَى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (3).
وَأَخْبَرَ عَنِ اقْتِرَابِهَا، فَقَالَ:{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} (4). {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} (5). {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} {لِلْكَافِرينَ} (6) إِلَى أَنْ قَالَ: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا} {وَنَرَاهُ قَرِيبًا} (7).
وَذَمَّ الْمُكَذِّبِينَ بِالْمَعَادِ، فَقَالَ:{قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا} (8). {أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ} (9). {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} (10). {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا} (11)، إِلَى أَنْ قَالَ:{وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ} (12). {إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ} (13). {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا}
(1) سورة سَبَأٍ آية 3
(2)
سورة يُونُسَ آية 53
(3)
سورة التَّغَابُنِ آية 7
(4)
سورة الْقَمَرِ آية 1
(5)
سورة الْأَنْبِيَاءِ آية 1
(6)
سورة الْمَعَارِجِ الآيتان 1، 2
(7)
سورة الْمَعَارِجِ الآيتان 6، 7
(8)
سورة الأنعام آية 31
(9)
سورة الشُّورَى آية 18
(10)
سورة النَّمْلِ آية 66
(11)
سورة النَّحْلِ آية 38
(12)
سورة النَّحْلِ آية 39
(13)
سورة غَافِرٍ آية 59
{مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} {ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا} {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا} (1). {وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا} {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا} {أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا} {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا} (2).
فَتَأَمَّلْ مَا أُجِيبُوا بِهِ عَنْ كُلِّ سُؤَالٍ على التَّفْصِيلِ: فَإِنَّهُمْ قَالُوا أَوَّلًا: {أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا} ؟! فَقِيلَ لَهُمْ فِي جَوَابِ هَذَا السُّؤَالِ: إِنْ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَا خَالِقَ لَكُمْ وَلَا رَبَّ لَكُمْ، فَهَلَّا كُنْتُمْ خَلْقًا لَا يُفْنِيه الْمَوْتُ، كَالْحِجَارَة وَالْحَدِيدِ وَمَا هُوَ أَكْبَرُ فِي صُدُورِكُمْ مِنْ ذَلِكَ؟! فَإِنْ قُلْتُمْ: كُنَّا خَلْقًا عَلَى هَذِهِ الصِّفَة الَّتِي لَا تَقْبَلُ الْبَقَاءَ - فَمَا الَّذِي يَحُولُ بَيْنَ خَالِقِكُمْ وَمُنْشِئِكُمْ وَبَيْنَ إِعَادَتِكُمْ خَلْقًا جَدِيدًا؟!
وَلِلْحُجَّة تَقْدِيرٌ آخَرُ، وَهُوَ: لَوْ كُنْتُمْ مِنْ حِجَارَة أَوْ حَدِيدٍ أَوْ خَلْقٍ أَكْبَرَ مِنْهُمَا، [فَإِنَّهُ] قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُفْنِيَكُمْ وَيُحِيلَ ذَوَاتَكُمْ، وَيَنْقُلَهَا مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، وَمَنْ يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي هَذِهِ الْأَجْسَامِ، مَعَ شِدَّتِهَا وَصَلَابَتِهَا، بِالْإِفْنَاءِ وَالْإِحَالَة - فَمَا الَّذِي يُعْجِزُه فِيمَا دُونَهَا؟ ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ يَسْأَلُونَ [سُؤَالًا آخَرَ] (3) بِقَوْلِهِمْ:{مَنْ يُعِيدُنَا} إِذَا اسْتَحَالَتْ جُسُومُنَا وَفَنِيَتْ؟ فَأَجَابَهُمْ بِقَوْلِهِ: {قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} . فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الْحُجَّة، وَلَزِمَهُمْ حُكْمُهَا، انْتَقَلُوا إِلَى سُؤَالٍ آخَرَ يَتَعَلَّلُونَ بِهِ بِعِلَلِ الْمُنْقَطِعِ، وَهُوَ قَوْلُهُمْ: مَتَى هُوَ؟ فَأُجِيبُوا بِقَوْلِهِ: {عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا} .
(1) الْإِسْرَاءِ 97 - 99
(2)
الْإِسْرَاءِ 49 - 52
(3)
في الأصل: (آخرا) فقط. والصواب ما أثبتناه، كما في إحدى النسخ، وكما في مختصر الصواعق المرسلة 1/ 103. ن
وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} (1) إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. فَلَوْ رَامَ أَعْلَمُ الْبَشَرِ وَأَفْصَحُهُمْ وَأَقْدَرُهُمْ عَلَى الْبَيَانِ، أَنْ يَأْتِيَ بِأَحْسَنَ مِنْ هَذِهِ الْحُجَّة، أَوْ بِمِثْلِهَا، بِأَلْفَاظٍ تُشَابِه هذه الْأَلْفَاظَ في الْإِيجَازِ وَوَضَحِ الْأَدِلَّة (2) وَصِحَّة الْبُرْهَانِ - لَمَا قَدَرَ. فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ افْتَتَحَ هَذِهِ الْحُجَّة بِسُؤَالٍ أَوْرَدَه مُلْحِدٌ، اقْتَضَى جَوَابًا، فَكَانَ فِي قَوْلِهِ:{وَنَسِيَ خَلْقَهُ} [مَا وَفَى](3) بِالْجَوَابِ، وَأَقَامَ الْحُجَّة وَأَزَالَ الشُّبْهَة، [لولا ما] (4) أَرَادَ سُبْحَانَهُ [مِنْ] (5) تَأْكِيدِ الْحُجَّة وَزِيَادَة تَقْرِيرِهَا - فَقَالَ:{قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} (6) فَاحْتَجَّ بِالْإِبْدَاءِ عَلَى الْإِعَادَة، [وَبِالنَّشْأَة الْأُولَى](7) عَلَى النَّشْأَة الأخرى. إِذْ كلُّ عَاقِلٍ يَعْلَمُ [علما](8) ضَرُورِيًّا أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى هَذِهِ [قَدَرَ عَلَى هَذِهِ](9)، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَاجِزًا عَنِ الثَّانِيَة لَكَانَ عَنِ الْأُولَى أَعْجَزَ وَأَعْجَزَ.
وَلَمَّا كَانَ الْخَلْقُ يَسْتَلْزِمُ قُدْرَة الْخَالِقِ عَلَى الْمَخْلُوقِ، وَعِلْمَه بِتَفَاصِيلِ خَلْقِه - أَتْبَعَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ:{وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} (10). فَهُوَ عَلِيمٌ بِتَفَاصِيلِ الْخَلْقِ الْأَوَّلِ وَجُزْئِيَّاتِه، وَمَوَادِّه وَصُورَتِه، فَكَذَلِكَ الثَّانِي. فَإِذَا كَانَ تَامَّ الْعِلْمِ، كَامِلَ الْقُدْرَة، كَيْفَ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ أَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ؟.
ثُمَّ أَكَّدَ الْأَمْرَ بِحُجَّة قَاهِرَة، وَبُرْهَانٍ ظَاهِرٍ، يَتَضَمَّنُ جَوَابًا عَنْ سُؤَالِ مُلْحِدٍ آخَرَ يَقُولُ: الْعِظَامُ إِذَا صَارَتْ رَمِيمًا عَادَتْ طَبِيعَتُهَا بَارِدَة يَابِسَة، وَالْحَيَاة لَا بُدَّ أَنْ
(1) يس 78
(2)
الوضح، بفتحتين: الضوء والبياض. يريد نصوع الأدلة وانتشار ضوئها كضوء النهار. وفي المطبوعة «ووضع الأدلة» . وهو - فيما أرى - تحريف
(3)
في الأصل: (ما يفي). والصواب ما أثبتناه من سائر النسخ. ن
(4)
في الأصل: (لما). والتصويب من مختصر الصواعق المرسلة 1/ 100. ن
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من الأصل. وأثبتناه من مختصر الصواعق المرسلة 1/ 100. ن
(6)
يس 79
(7)
في الأصل: (وبالإنشاء الأول). ولعل الصواب، ما أثبتناه من سائر النسخ. ن
(8)
سقطت من الأصل. والصواب إثباتها. ن
(9)
الزيادة ضرورية، يقتضيها نسق الكلام وتمامه
(10)
يس 79
تَكُونَ مَادَّتُهَا وَحَامِلُهَا طَبِيعَتُه حَارَّة رَطْبَة - بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَمْرِ الْبَعْثِ، فَفِيهِ الدَّلِيلُ وَالْجَوَابُ، فَقَالَ:{الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ} (1). فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ بِإِخْرَاجِ هَذَا الْعُنْصُرِ، الَّذِي هُوَ فِي غَايَة الْحَرَارَة وَالْيُبُوسَة، مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ الْمُمْتَلِئِ بِالرُّطُوبَة وَالْبُرُودَة، فَالَّذِي يُخْرِجُ الشَّيْءَ مِنْ ضِدِّه، وَتَنْقَادُ لَهُ مَوَادُّ الْمَخْلُوقَاتِ وَعَنَاصِرُهَا وَلَا تَسْتَعْصِي عَلَيْهِ - هُوَ الَّذِي يَفْعَلُ مَا أَنْكَرَه الْمُلْحِدُ وَدَفَعَه، مِنْ إِحْيَاءِ الْعِظَامِ وَهِيَ رَمِيمٌ.
ثُمَّ أَكَّدَ هَذَا بِأَخْذِ الدِّلَالَة مِنَ الشَّيْءِ الْأَجَلِّ الْأَعْظَمِ، عَلَى الْأَيْسَرِ الْأَصْغَرِ، فَإِنَّ كُلَّ عَاقِلٍ يَعْلَمُ أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى الْعَظِيمِ الْجَلِيلِ فَهُوَ عَلَى مَا دُونَه بِكَثِيرٍ أَقْدَرُ وَأَقْدَرُ، فَمَنْ قَدَرَ على حَمْلِ قِنْطَارٍ كان (2) عَلَى حَمْلِ أُوقِيَّة أَشَدُّ اقْتِدَارًا، فَقَالَ:{أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} (3)؟ فَأَخْبَرَ أَنَّ الَّذِي أَبْدَعَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، عَلَى [جَلَالَتِهِمَا](4)، وَعِظَمِ شَأْنِهِمَا، وَكِبَرِ أَجْسَامِهِمَا، وَسَعَتِهِمَا، وَعَجِيبِ خَلْقِهِمَا - أَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُحْيِي عِظَامًا قَدْ صَارَتْ رَمِيمًا، فَيَرُدَّهَا إِلَى حَالَتِهَا الْأُولَى. كَمَا قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ:{لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (5)، وَقَالَ:{أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} (6). ثُمَّ أَكَّدَ سُبْحَانَهُ ذَلِكَ وَبَيَّنَه بِبَيَانٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ فِعْلُه بِمَنْزِلَة غَيْرِهِ، الَّذِي يَفْعَلُ بِالْآلَاتِ وَالْكُلْفَة، وَالنصبِ وَالْمَشَقَّة، وَلَا يُمْكِنُه الِاسْتِقْلَالُ بِالْفِعْلِ، بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ آلَة وَمُعِينٍ، بَلْ يَكْفِي فِي خَلْقِه لِمَا يُرِيدُ أَنْ يَخْلُقَه وَيُكَوِّنه نَفْسُ إِرَادَتِه، وَقَوْلُهُ لِلْمُكَوَّنِ:"كُنْ"، فَإِذَا هُوَ كَائِنٌ كَمَا شَاءَه وَأَرَادَه.
(1) يس 80
(2)
في المطبوعة «قدر» بدل «كان» . ولا تستقيم بها العبارة
(3)
يس 81
(4)
في الأصل: (حالتهما). والصواب ما أثبتناه من سائر النسخ. ن
(5)
غَافِرٍ 57
(6)
يس: 81
ثُمَّ خَتَمَ هَذِهِ الْحُجَّة بِإِخْبَارِه أَنَّ مَلَكُوتَ كُلِّ شَيْءٍ بِيَدِه، فَيَتَصَرَّفُ فِيهِ بِفِعْلِه وَقَوْلِهِ، {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} .
وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى} {ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى} {فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} (1). فَاحْتَجَّ سُبْحَانَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتْرُكُه مُهْمَلًا عَنِ الْأَمْرِ وَالنَّهْي، وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَأَنَّ حِكْمَتَه وَقُدْرَتَه تَأْبَى ذَلِكَ أَشَدَّ الْإِبَاءِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} (2)، إِلَى آخَرِ السُّورَةِ. فَإِنَّ مَنْ نَقَلَه مِنَ النُّطْفَة إِلَى الْعَلَقَة، ثُمَّ إِلَى الْمُضْغَة، ثُمَّ شَقَّ سَمْعَه وَبَصَرَه، وَرَكَّبَ فِيهِ الْحَوَاسَّ وَالْقُوَى، وَالْعِظَامَ وَالْمَنَافِعَ، وَالْأَعْصَابَ وَالرِّبَاطَاتِ الَّتِي هِيَ أَشَدُّه، وَأَحْكَمَ خَلْقَه غَايَة الْإِحْكَامِ، وَأَخْرَجَه عَلَى هَذَا الشَّكْلِ وَالصُّورَة، الَّتِي هِيَ أَتَمُّ الصُّوَرِ وَأَحْسَنُ الْأَشْكَالِ - كَيْفَ يَعْجِزُ عَنْ إِعَادَتِه وَإِنْشَائِه مَرَّة ثَانِيَة؟ أَمْ كَيْفَ تَقْتَضِي حِكْمَتُه وَعِنَايَتُه أَنْ يَتْرُكَه سُدًى؟ فَلَا يَلِيقُ ذَلِكَ بِحِكْمَتِه، وَلَا تَعْجِزُ عَنْهُ قُدْرَتُه.
فَانْظُرْ إِلَى هَذَا الِاحْتِجَاجِ الْعَجِيبِ، بِالْقَوْلِ الْوَجِيزِ، الَّذِي لَا يَكُونُ أَوْجَزَ مِنْهُ، وَالْبَيَانِ الْجَلِيلِ، الَّذِي لَا يُتَوَهَّمُ أَوْضَحُ مِنْهُ، وَمَأْخَذِه الْقَرِيبِ، الَّذِي لَا تَقَعُ الظُّنُونُ عَلَى أَقْرَبَ مِنْهُ.
وَكَمْ فِي الْقُرْآنِ مِنْ مِثْلِ هَذَا الِاحْتِجَاجِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ} (3) إِلَى أَنْ قَالَ: {وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} (4). وقوله تعالى: {وَلَقَدْ}
(1) الْقِيَامَة 36 - 40
(2)
الْمُؤْمِنُونَ 115
(3)
الْحَجِّ 5
(4)
الْحَجِّ: 7
{خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ} (1) إِلَى أَنْ قَالَ: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} (2). وَذَكَرَ قِصَّة أَصْحَابِ الْكَهْفِ، وَكَيْفَ أَبْقَاهُمْ مَوْتَى ثَلَاثَمِائَة سَنَةٍ شَمْسِيَّة، [وَهِيَ](3) ثَلَاثُمِائَة وَتِسْعُ سِنِينَ قَمَرِيَّة، وَقَالَ فِيهَا:{وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا} (4).
وَالْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْأَجْسَامَ مُرَكَّبَة مِنَ الْجَوَاهِرِ الْمُفْرَدَة - لَهُمْ فِي الْمَعَادِ خَبْطٌ وَاضْطِرَابٌ. وَهُمْ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ: مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: تُعْدَمُ الْجَوَاهِرُ ثُمَّ تُعَادُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: تُفَرَّقُ الْأَجْزَاءُ ثُمَّ تُجْمَعُ. فَأُورِدَ عَلَيْهِمُ الْإِنْسَانُ الَّذِي يَأْكُلُه حَيَوَانٌ، وَذَلِكَ [الْحَيَوَانُ](5) أَكَلَه إِنْسَانٌ، فَإِنْ أُعِيدَتْ تِلْكَ الْأَجْزَاءُ مِنْ هَذَا، لَمْ تُعَدْ مِنْ هَذَا؟ وَأُورِدَ عَلَيْهِمْ: أَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَحَلَّلُ دَائِمًا، فَمَاذَا الَّذِي يُعَادُ؟ أَهْوَ الَّذِي كَانَ وَقْتَ الْمَوْتِ؟ فَإِنْ قِيلَ بِذَلِكَ، لَزِمَ أَنْ يُعَادَ عَلَى صُورَة ضَعِيفَة، وَهُوَ خِلَافُ مَا جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَيْسَ بَعْضُ الْأَبْدَانِ بِأَوْلَى مِنْ بَعْضٍ! فَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ فِي الْإِنْسَانِ أَجْزَاءً أَصْلِيَّة لَا تَتَحَلَّلُ، وَلَا يَكُونُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ الَّذِي أَكَلَه الثَّانِي! وَالْعُقَلَاءُ يَعْلَمُونَ أَنَّ بَدَنَ الْإِنْسَانِ نَفْسَه كُلَّهُ يَتَحَلَّلُ، لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ بَاقٍ، فَصَارَ مَا ذَكَرُوه فِي الْمَعَادِ مِمَّا قَوَّى شُبْهَة الْمُتَفَلْسِفَة فِي إِنْكَارِ مَعَادِ الْأَبْدَانِ.
وَالْقَوْلُ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَفُ وَجُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ: أَنَّ الْأَجْسَامَ تَنْقَلِبُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، فَتَسْتَحِيلُ تُرَابًا، ثُمَّ يُنْشِئُهَا (6) اللَّهُ نَشْأَة أُخْرَى، كَمَا اسْتَحَالَ فِي النَّشْأَة الْأُولَى: فَإِنَّهُ كَانَ نُطْفَة، ثُمَّ صَارَ عَلَقَة، [ثُمَّ صَارَ مُضْغَة](7)، ثُمَّ صَارَ عِظَامًا
(1) الْمُؤْمِنُون 12
(2)
الْمُؤْمِنُونَ 16
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من الأصل. والصواب ما أثبتناه من سائر النسخ. ن
(4)
الْكَهْفِ 21
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من الأصل. والصواب ما أثبتناه من سائر النسخ. ن
(6)
في المطبوعة «ثم أنشأها» . والفعل الماضي هنا غير مناسب للسياق. والمضارع أجود وأدق
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من الأصل. والصواب ما أثبتناه من سائر النسخ. ن