الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{جَزَاءً وِفَاقًا} (1). {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} (2). {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (3). {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (4). وَأَمْثَالُ ذَلِكَ.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم، فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّه عز وجل، مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِي رضي الله عنه:«يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَه» . وَسَيَأْتِي لِذَلِكَ زِيَادَة بَيَانٍ عَنْ قَرِيبٍ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَ
قَوْلُهُ: "وَالْعرْضِ وَالْحِسَابِ، وَقِرَاءَة الْكِتَابِ، وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ
"-
قَالَ تَعَالَى: {فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} {وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ} {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} (5)، إِلَى آخَرِ السُّورَةِ. {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ} {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} {وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا} {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ} {فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا} {وَيَصْلَى سَعِيرًا} {إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا} {إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ} {بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا} (6). {وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} (7). {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا}
(1) النَّبَأِ 26
(2)
الْأَنْعَامِ 160
(3)
النَّمْلِ 89 - 90
(4)
الْقَصَصِ 84
(5)
الْحَاقَّة 15 - 18
(6)
الِانْشِقَاقِ 6 - 15
(7)
الْكَهْفِ 48
{وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} (1). {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} (2)، إِلَى آخَرِ السُّورَةِ. {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} ، إلى قوله:{إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} (3). {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} (4).
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ رحمه الله فِي صَحِيحِه، عَنْ عَائِشَة، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ يَوْمَ الْقِيَامَة إِلَّا هَلَكَ» "، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} (5)؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا ذَلِكَ الْعَرْضُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُنَاقَشُ الْحِسَابَ يَوْمَ الْقِيَامَة إِلَّا عُذِّبَ» . يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ نَاقَشَ فِي حِسَابِه لِعَبِيدِه لَعَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ، وَلَكِنَّه تَعَالَى يَعْفُو وَيَصْفَحُ. وَسَيَأْتِي لِذَلِكَ زِيَادَة بَيَانٍ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ:«إِنَّ النَّاسَ يُصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَة، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا مُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَة الْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَفَاقَ قَبْلِي، أَمْ جُوزِي بِصَعْقَة يَوْمِ الطُّورِ» ؟ ". وَهَذَا صَعْقٌ فِي مَوْقِفِ الْقِيَامَة، إِذَا جَاءَ اللَّهُ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ، وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِه، فَحِينَئِذٍ يَصْعَقُ الْخَلَائِقُ كُلُّهُمْ.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ تَصْنَعُونَ بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَة، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ، فَأَجِدُ مُوسَى بَاطِشًا بِقَائِمَة
(1) الْكَهْفِ 49
(2)
إِبْرَاهِيمَ 48
(3)
غافر 15 - 17
(4)
الْبَقَرَة 281
(5)
الِانْشِقَاقِ 7 - 8
الْعَرْشِ»؟ قِيلَ: لَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ قَدْ وَرَدَ هَكَذَا، وَمِنْهُ نَشَأَ الْإِشْكَالُ. وَلَكِنَّه دَخَلَ فِيهِ عَلَى الرَّاوِي حَدِيثٌ فِي حَدِيثٍ، فَرَكَّبَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ، فَجَاءَ هَذَانِ الْحَدِيثَانِ هَكَذَا: أَحَدُهُمَا: «أنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَة فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ» ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَالثَّانِي:«أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَة» ، فَدَخَلَ عَلَى الرَّاوِي هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْآخَرِ. وَمِمَّنْ نَبَّه عَلَى هَذَا أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّي، وبعده الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ ابْنُ الْقَيِّمِ، وَشَيْخُنَا الشَّيْخُ عِمَادُ الدِّينِ ابْنُ كَثِيرٍ، رحمهم الله.
وَكَذَلِكَ اشْتَبَه عَلَى بَعْضِ الرُّوَاة، فَقَالَ:"فَلَا أَدْرِي أَفَاقَ قَبْلِي أَمْ كَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ عز وجل"؟ وَالْمَحْفُوظُ الَّذِي تَوَاطَأَتْ عَلَيْهِ الرِّوَايَاتُ الصَّحِيحَة هُوَ الْأَوَّلُ، وَعَلَيْهِ الْمَعْنَى الصَّحِيحُ، فَإِنَّ الصَّعْقَ يَوْمَ الْقِيَامَة لِتَجَلِّي اللَّهِ لِعِبَادِه إِذَا جَاءَ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ، فَمُوسَى عليه السلام إِنْ كَانَ لَمْ يُصْعَقْ مَعَهُمْ، فَيَكُونُ قَدْ جُوزِي بِصَعْقَة يَوْمَ تَجَلَّى رَبُّه لِلْجَبَلِ فَجَعَلَه دَكًّا، فَجُعِلَتْ صَعْقَة هَذَا التَّجَلِّي عِوَضًا عَنْ صَعْقَة الْخَلَائِقِ لِتَجَلِّي رَّبِّه يَوْمَ الْقِيَامَة. فَتَأَمَّلْ هَذَا الْمَعْنَى الْعَظِيمَ وَلَا تُهْمِلْه.
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي الدُّنْيَا، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِي يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يُعْرَضُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَة ثَلَاثَ عَرَضَاتٍ، فَعَرْضَتَانِ جِدَالٌ وَمَعَاذِيرُ، وَعَرْضَة تَطَايُرِ الصُّحُفِ، فَمَنْ أُوتِي كِتَابَه بِيَمِينِه، وَحُوسِبَ حَسِابًا يَسِيرًا، دَخَلَ الْجَنَّة، وَمَنْ أُوتِي كِتَابَه بِشِمَالِه، دَخَلَ النَّارَ» (1).
(1) وهم الشارح رحمه الله في نسبة هذا الحديث للترمذي، من حديث أبي موسى. فإن الترمذي رواه بنحوه معناه 3: 294، من طريق الحسن البصري عن أبي هريرة، وأشار إلى حديث أبي موسى، فقال:«ولا يصح هذا الحديث، من قبل أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة. وقد رواه بعضهم عن علي بن علي، وهو الرفاعي، عن الحسن، عن أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» . وأما حديث أبي موسى فقد رواه الإمام أحمد في المسند 4: 414 (طبعة الحلبي)، عن وكيع عن علي بن علي، عن الحسن، عن أبي موسى. وكذلك رواه ابن ماجه: 4277، من طريق وكيع، بنحوه. بل إن رواية الترمذي إياه - من حديث أبي هريرة - هي من رواية وكيع عن علي بن علي أيضا. فالإسنادان ثابتان إذن عن وكيع. والحديث - عندنا - صحيح من الوجهين. فإن سماع الحسن من أبي هريرة صحيح ثابت، كما بينت ذلك مفصلا في شرح الحديث: 7138 من المسند. وقد أعل البوصيري في زوائد ابن ماجه - حديث أبي موسى أيضا، بأن الحسن لم يسمع من أبي موسى. وفي ذلك خلاف، ولكنه عاصره يقينا، فإن الحسن ولد سنة 21، وأبو موسى مات سنة 52 على القول الراجح. وأما هذه الرواية - التي ذكرها الشارح - وفيها قول الحسن:«سمعت أبا موسى الأشعري» - فإن إسنادها ليس بين يدي، ولعلها رواية ابن أبي الدنيا. فلو كان إسنادها صحيحا كصحة إسنادي أحمد وابن ماجه، لكانت قاطعة في سماع الحسن من أبي موسى