الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأسئلة:
س: ما رأيكم في كتاب قوت القلوب لأبى طالب المكي؟
ج: ما قرأته ولا أحكم عليه بشيء.
س: ما رأيكم في كتاب شرح العقيدة الطحاوية لمؤلف يدعى عبد الغني الغنيمي الميداني الحنفي الدمشقي المتوفى سنة ثمان وتسعين ومائتين وألف، علما بأنه يباع في الرياض؟.
ج: ما قرأته. لكن علي بن أبي العز شارح الطحاوية هذه ذكر أن الطحاوية شرحت بشروح متعددة، وأن شراحها شرحوها على ما يتمشى مع معتقد أهل الكلام وأهل البدع، فأراد أن يشرحها على معتقد أهل السنة والجماعة.
فأنسب الشروح هو هذا الشرح "شرح الطحاوية" لابن أبي العز المنتشر بين أيدي طلبة العلم، هذا الذي أنصح بقراءته وما عداه فلا ينبغي؛ فلعله من الشروح التي ذكر الشارح أنها تتمشى مع معتقد أهل البدع.
وأما ما قرأت هذا الشرح الذي ذكرت. نعم.
س: باب الأفعال أوسع من باب الصفات، فهل معنى هذا أن نقف على ورود اللفظ في النص إن كان فعلا فنطلقه فعلا دون الوصفية؟ .
ج: نعم. الأفعال لها صفة الأفعال يطلق على لفظ الفعل الخَلْق مثلا يثبت لله على ما ورد الخَلْق والتصوير والقبض والبسط والخفض والرفع كل هذه صفات أفعال على ما وردت.
{وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (54) } ما يشتق منها الماكر بل يقال: يمكر الله المكر اللائق به. يخادعون الله وهو خادعهم يقال: إن الله يخدع من خدعه، وهو خادع من خدعه جاء على لفظ الفعل، وعلى لفظ اسم الفاعل بالإضافة لكن ما يشتق منه اسم الخادع.
وكذلك {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) } وإن الله يكيد من كاد، ولا يشتق منها اسم فيقال: من أسماء الله الكائد إن فعل يأتي على لفظ الفعل. نعم.
س: بعض أهل العلم يجعل شروط لا إله الله شرطين فقط هما: العلم والإخلاص ويقول: مرد الشروط السبعة إلى هذين الشرطين.
ج: نعم هذا من باب الاختصاص؛ لأن الصدق المانع من النفاق من الإخلاص؛ ولأن اليقين كذلك ولكن عند التفصيل تفصيلها أولى. نعم.
س: يقرر بعض أهل العلم أن شروط لا إله الله ثمانية، فما هو الشرط الثامن؟ .
ج: الكفران -كما قالوا-: الكفر بما يعبد من دون الله، وهو معروف، مأخوذ من الشروط الأخرى. نعم.
س: كيف الإجابة عن هذه الشبهة، وهى قول بعضهم: أنتم تقولون: الإيمان قول وعمل واعتقاد، وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في الأصول الثلاثة يقول في العلم: هو معرفة الله، فاكتفى بالمعرفة وهذا مذهب باطل، وجزاكم الله خيرا؟.
ج: هذا تفسير العلم ما قال الإيمان، تفسير العلم والمعرفة. الإيمان قول وعمل واعتقاد، هذا قول أهل السنة قاطبة، وبعضهم يقول: قول وعمل، فالقول: قول القلب وهو الإقرار والتصديق، وقول اللسان، والعمل عمل القلب والجوارح، أما تفسير العلم فهذا غير تفسير العلم والمعرفة، والشيخ محمد فسر العلم بالمعرفة، فتفسير العلم ما فيه تفسير الإيمان، فالعلم غير الإيمان، نعم.
السؤال في غير محله، ما فيه وجه مقارنة. نعم.
س: أحسن الله إليكم، يقول السائل: إن من القواعد في الصفات أن باب الأخبار أوسع من باب الصفات يعنى ذلك أنه يجوز الإخبار عن الله بشيء لم يرد في الكتاب والسنة، لكن قيده بعضهم بقوله مما ورد جنسه في الكتاب والسنة، فهل هذا القيد صحيح، وإن كان صحيحا فنرجو إيضاحه، ومن ذكره من أهل العلم؟.
ج: هذا سبق قوله البارحة هذا من باب الخبر أوسع من باب الصفات يخبر عن الله بأنه شيء بأنه ذات وبأنه موجود. هذا من باب الخبر، ولا يقال من أسماء الله الذات، من أسمائه الموجود.
وشيخ الإسلام كذلك في باب الرد على البدع، يخبر شيخ الإسلام علل بأنه الصانع والذات لها أصل
وذلك في ذات الإله وإن يشأ ***..................
والصانع {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} لها أصل.
والوجود كذلك له أصل. نعم.
س: -أحسن الله إليكم- يقول السائل: لو تخلف شرط من شروط لا إله إلا الله وتحقق الباقي فهل تنفع صاحبها؟ .
ج: لا بد من اجتماعها. من لم يحب، تخلف العلم صار جاهلا ما نفع، تخلف الإخلاص صار مشركا ما نفع، تخلف اليقين صار شاكا ما نفع، تخلف الصدق صار منافقا ما ينفع، تخلفت المحبة صار يكره أهل الإيمان وأهل التوحيد ما نفعه، خالف القبول ما قبل هذه الكلمة ما نفعه.
خالف الانقياد؛ ما انقاد بحقوقها قال لا إله إلا الله لكن ما قبلها، ما انقاد بحقوقها لا بد من الشروط هذه.
س: -أحسن الله إليكم-، ما جاء في دعاء الدخول إلى المسجد " وسلطانه القديم " ألا يدل على صفة القديم؟.
ج: هذا وصف السلطان، وصف السلطان. نعم.
س: يقول السائل: هل الدائم من أسماء الله عز وجل؟.
ج: ما أذكر هذا، يحتاج إلى ثبوت. نعم.
س: وهل يصح إطلاق اسم الأول بدون تقيده بالآخر، وكذا الظاهر والباطن، وهل يجوز أن يتسمى الإنسان بعبد الباطن أو عبد الظاهر؟.
ج: نعم يجوز. لكن هذه الأسماء متقابلة، اسمان متقابلان، الذي لا يطلق منه، مثل الخافض الرافع، النافع الضار، ما يطلق النافع فقط، النافع الضار، الخافض الرافع، المعطي المانع.
أما الأول نعم وحده، الأول والآخر، عبد الأول، عبد الآخر لا بأس. نعم.
س: -أحسن الله إليكم-، يقول السائل: عند دعوة إنسان إلى الدين الحنيف فما الرد عليه إذا قال: إن الله أراد لي ما أنا فيه من ضلال، كيف نرد عليه من الشرع؟.
ج: هذه مسألة القدر سيأتي البحث فيها، نقول: إن الله تعالى
…
أنت مكلف بالشريعة إن الله، تعالى أمرك بالإيمان والتوحيد والطاعة، وأرسل الرسل وأنزل الكتب لعباده، فأنت مخلوق لعبادة الله، أما القدر فهو سر الله في خلقه هذا من شئون الله ليس من شئونك.
أنت عبد مأمور بالإيمان، والتوحيد والطاعة والالتزام بالشريعة، وأنت عندك عقل، وعندك سمع وبصر تستطيع
…
لست
…
ولا ممنوع ولا مسلوب العقل.
أما تحتج بالقدر ليس حجة لك، لو كان القدر حجة لك لكان حجة للكفرة؛ قوم نوح، وقوم شعيب وقوم صالح، وكان حجة للكافر والسارق والزاني. ليس حجة. نعم.
س: أحسن الله إليكم، يقول السائل: كيف يجمع بين نفي تشبيه الله بخلقه مع ورود الحديث وفيه: (أن الله خلق آدم على صورته؟) .
ج: ما فيه تشبيه هذا خلق الله آدم على صورته كما ثبت في الصحيح، هذا إثبات الصورة لله، وهذا يقتضي نوعا من المشابهة، كما حقق الشيخ ابن تيمية، نوع من المشابهة، وهي مشابهة في مطلق الصورة لا في الجنس والمقدار، نوع من المشابهة.
والمشابهة في مطلق الصورة، لكنه ليس، لا يقصد مشابهة مماثلة في الجِنس ولا في المقدار، وشيخ الإسلام له كتاب عظيم في هذا بيان تلبيس الجهمية، وحفظ في رسالة كاملة "دكتوراه" وهو الآن تحت الطبع، أو انتهى من الطبع، على وشك الخروج -إن شاء الله- كتابه العظيم (بيان تلبيس الجهمية) نعم.
السؤال الأخير: يقول السائل: أنتم أشرتم بإصبعكم حفظكم الله أن الله يجعل الجبال على إصبع، وأشرتم بهذا، فهل هذا جائز؟.
ج: نعم من باب تحقيق الصفة كما ثبت أن النبي قال: إن الله كان سميعا بصيرا أشار إلى أذنه وعينه من باب تحقيق الصفة، ليس المراد التشبيه. نعم.
حَيٌّ لَا يَمُوتُ، قَيُّومٌ لَا يَنَامُ
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه. أما بعد:
قوله رحمه الله: "حي لا يموت قيوم لا ينام" في إثبات هذين الاسمين للرب سبحانه وتعالى هو اسم الحي واسم القيوم، وهما متضمنان لصفةِ الحياة، وصفة القيومية، فالحي اسم من أسماء الله عز وجل والقيوم اسم آخَر.
والحي متضمن لصفة الحياة، والقيوم متضمن لصفة القيومية؛ لأن أسماء الله سبحانه وتعالى مشتقة، ليست جامدة، وكل اسم من أسماء الله يدل على الصفة؛ الرحمن تدل على صفة الرحمة، القادر يدل على صفة القدرة، العليم يدل على صفة العلم، وهكذا الحي يدل على صفة الحياة، والقيوم يدل على صفة القيومية؛ لأن أسماء الله تعالى مشتقة ليست جامدة مشتملة على المعاني. والحي والقيوم اسمان عظيمان من أسماء الرب سبحانه وتعالى قد جمع الله سبحانه وتعالى بينهما في ثلاث آيات من كتابه عز وجل الآية الأولى قول الله تعالى:{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} أي آية الكرسي. والثانية قوله تعالى في أول سورة آل عمران: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} والثالثة في سوة طه قوله سبحانه: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (111) } . فالله تعالى جمع بينهما في هذه الآيات الثلاث، واسم الحي جاء في آيات أخرى قال تعالى:{وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ} {هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} . وهذان الاسمان عظيمان من أعظم أسماء الله الحسنى، حتى قال بعض أهل العلم: إنهما اسم الله الأعظم؛ الذي إذا دُعي به أجاب وإذا سئل به أعطى، وجاء هذا في حديث أسماء بنت يزيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(في هاتين الآيتين اسم الله الأعظم {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163) } {الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) } ) والحديث فيه ضعف ولكنه شاهد.
لهذا قال بعض أهل العلم: إنهما اسم الله الأعظم، وما ذاك إلا لأن مدار الأسماء الحسنى كلها تعود إلى هذين الاسمين، وإليها ترجع معانيها. والمؤلِّف رحمه الله قال: حي لا يموت قيوم لا ينام" فصفة الحياة ترجع إليها جميع صفات الأفعال ولا يتخلف عنها إلا لضعف الحياة، والله تعالى له الحياة الكاملة، فجميع صفات الكمال ترجع إليها.
والقيوم الذي لا ينام قيوم يدل على كمال غناه سبحانه وتعالى وكمال دوامه وبقائه، وهو أكمل مِن القديم لأنه يدلُّ على كمال دين الرب، وكمال قوته واقتداره، ودوام ذلك واستمراره أزلا وأبدا.
ويدل على أنه واجب بنفسه، وهو واجب الوجود؛ ولهذا قال الله سبحانه وتعالى:{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} جمع بينهما {لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} ، فنفي السنة والنوم يدل على كمال الحياة والقيومية؛ ولهذا كانت هذه الآية وهي آية الكرسي أعظم آية في القرآن الكريم كما ثبت ذلك في الصحيح، وأن مَن قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح. {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ}
…
إلى آخِر الآية.
وما ذاك إلا لأن هذين الاسمين الحي والقيوم يتضمنان صفات الكمال أكمل تضمُّن وأصدقه. فإلى الحياة ترجع جميع صفات الأفعال، والقيوم هو كامل الغِنى والقدرة الذي لا يحتاج إلى أحد، الغني الذي لا يحتاج إلى أحد بوجه من الوجوه، القائم بنفسه المقيم لغيره سبحانه وتعالى.
فتضمن هذان الاسمان جميع الأسماء الحسنى أكمل تضمن وأفضله وكان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يدعو، كثيرا ما يتوسل إلى الله بهذين الاسمين، يا حي يا قيوم، يا حي يا قيوم؛ فهما اسمان عظيمان ثابتان لله عز وجل متضمنان لصفة الحياة، الحي متضمن لصفة الحياة، والقيوم متضمن لصفة القيومية، ويعبّد: عبد الحي وعبد القيوم. نعم.
خَالِقٌ بِلَا حَاجَةٍ، رَازِقٌ بِلَا مُؤْنَةٍ.
وهذان أيضا اسمان من أسماء الرب، وهما الخالق والرازق، فمن أسمائه الخالق، ومن أسمائه الرازق، هو خالق بلا حاجة إلى أحد؛ لأنه كامل لا يحتاج إلى أحد سبحانه وتعالى.
وهو الغني عن كل ما سواه. رازق بلا مئونة أي بلا ثقل وكلفة ومشقة، والأدلة على ذلك كثيرة قال الله تعالى، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) } .
وقال سبحانه: {* يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17) } وقال سبحانه: {وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ} وقال سبحانه: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ} . وثبت في صحيح مسلم من حديث أبي ذرٍّ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الطويل: (يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
وهو حديث قدسي من كلام الله عز وجل لفظا ومعنى. فهو سبحانه رازق عباده وهو خالقهم سبحانه وتعالى من غير حاجة لا يحتاج إلى أحد، وهو رازقهم بلا مشقة، ولا كلفة؛ لأنه كامل؛ ولأنه على كل شيء قدير سبحانه وتعالى. نعم.
مُمِيتٌ بِلَا مَخَافَةٍ، بَاعِثٌ بِلَا مَشَقَّةٍ.
مميت لأنه سبحانه وتعالى يحيي ويميت من صفاته الفعلية أنه يحيي ويميت، من صفاته الفعلية: يحيي ويميت. وهو مميت بلا مشقة بلا مخافة يحيي ويميت، مميت بلا مخافة باعث بلا مشقة.
وهو يميت عباده، يميت من يشاء إماتته بلا مخافة من أحد، لا يخاف من أحد؛ لأنه ليس فوقه أحد يخافه كما قال سبحانه وتعالى حينما أهلك ثمود قوم صالح:{فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15) } . هو لا يخاف من أحد سبحانه وتعالى، ليس فوقه أحد وهو الحكيم العليم، هو مميت بلا مخافة، باعث يبعث عباده؛ يحييهم ويعيد إليهم أرواحهم ويبعث أجسادهم بعد إماتتهم حينما يأمر إسرافيل فينفخ في الصور فتعود الأرواح إلى الأجساد، ويقوم الناس لرب العالمين، كما سيأتي في مبحث البعث.
والموت صفة الوجودية خلافا للفلاسفة ومَن وافقهم؛ فإنهم يقولون: صفة عَدَمية، والصواب أن الموت صفة وجودية، والدليل على أنه صفة وجودية قول الله تعالى:{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} والمعدوم لا يوصف بكونه مخلوقا هو الذي خلق الموت والحياة يدل على أن الموت صفة وجودية، وثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(يؤتى يوم القيامة بالموت على صورة كبش أملح فيذبح بين الجنة والنار، فيقال يا أهل الجنة خلود ولا موت، ويقال يا أهل النار خلود ولا موت، فيزداد أهل الجنة نعيما إلى نعيمهم، ويزداد أهل النار حسرة إلى حسرتهم) .
وهذا بعد إخراج العصاة (عصاة الموحدين) من النار، والموت وإن كان عرضا إلا أن الله يقلبه عينا؛ لأن الله على كل شيء قدير، والذي يُذَبح هو الموت لا المَلَك -كما يتوهمه بعض الناس- ليس الذي يذبح الملك لكن الموت صفة وجودية جعلها الله بيد الملك، فالذي يذبح الموت لا الملك، الملك ملك الموت موكل به (بالموت) ، والله على كل شيء قدير.
كما أن العمل الصالح يأتي الإنسان في قبره على صورة شاب حسن، والعمل القبيح يأتي على أقبح صورة، فالله تعالى يجعل عمله عينا، وكما يأتي القرآن في صورة الرجل الشاحب اللون يعني قراءته عمله، القرآن كلام الله، والمراد القراءة والعمل.
وكما أن الأعمال توزن يوم القيامة في الميزان يجعلها الله أعيانا، وكما أن سورة البقرة وآل عمران يأتيان يوم القيامة يظلِّلان صاحبهما كأنهما غمامتان أو غيابتان أو صنفان من هذه الأصناف يعني عمله، وكما أن العمل الصالح، الأعمال الصالحة تصعد إلى الله كما ثبت في الحديث الصحيح، كما ثبت في القرآن الكريم، كما جاء في القرآن الكريم:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} . نعم.
مَا زَالَ بِصِفَاتِهِ قَدِيمًا قَبْلَ خَلْقِهِ، لَمْ يَزْدَدْ بِكَوْنِهِمْ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُمْ مِنْ صِفَتِهِ، وَكَمَا كَانَ بِصِفَاتِهِ أَزَلِيًّا كَذَلِكَ لَا يَزَالُ عَلَيْهَا أَبَدِيًّا
مَا زَالَ بِصِفَاتِهِ قَدِيمًا قَبْلَ خَلْقِهِ، لَمْ يَزْدَدْ بِكَوْنِهِمْ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُمْ مِنْ صِفَتِهِ، وَكَمَا كَانَ بِصِفَاتِهِ أَزَلِيًّا كَذَلِكَ لَا يَزَالُ عَلَيْهَا أَبَدِيًّا.
ما زال بصفاته قديما قبل خلقه لم يزدد بكونهم شيئا لم يكن قبلهم من صفته وكما كان بصفاته أزليا كان بصفاته أبديا المعنى: أن الله سبحانه وتعالى لم يزل متصفا بصفات الكمال، صفات الذات، وصفات الفعل لم يزل سبحانه وتعالى متصفا بها، ولم يكن فاقدا لشيء منها في وقت من الأوقات، ومتصف بصفات الكمال قبل خلقه وبعد خلقه، والصفات تنقسم إلى قسمين: صفات الذات وصفات الأفعال، وصفات الذات ضابطها هي التي لا تنفك عن الباري كالحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر.
وصفات الأفعال ضابطها هي التي تتعلق بالمشيئة والاختيار، كالنزول والاستواء والإحياء والإماتة والقبض والبسط والرضا والغضب والكراهة والسخط إلى غير ذلك من صفات الأفعال.
وصفات الأفعال عند أهل العلم، وعند أهل الحكمة حقا يقولون: إن قديمة النوع حادثة الآحاد يعني نوعها قديم وإن كانت حادثة، مثلا الكلام قديم النوع، نوع الكلام قديم لكن أفعاله حادثة، فالله تعالى يكلِّم رسله، يكلم أنبياءه، يكلم الناس يوم القيامة، ويكلم آدم، ويكلم أهل الجنة.
أفراد الكلام حادثة، وإن كان نوع الكلام قديما، هذه صفات الأفعال، قديمة النوع حادثة الأفعال، والرب سبحانه وتعالى لم يزل متصفا بصفاته، ولم تحدث له صفة من الصفات بعد خلقه، بل كان متصفا بصفة الكمال أزلا وأبدا؛ لأن هذه الصفات صفة كمال، ولا يمكن أن يكون فاقدا لهذا الكمال في وقت من الأوقات.
ولأن فقدها نقص، ولا يمكن أن يتصف الرب بالنقص في أي وقت من الأوقات، ولا يرد على هذا صفات الأفعال مثل الكلام والاستواء والتصوير والطيّ والقبض والبسط والنزول، إلى غير ذلك؛ لأنها قديمة النوع حادثة الآحاد، قديمة النوع حادثة الآحاد، وأراد المصنف الطحاوي رحمه الله الرد على أهل الكلام مثل الجهمية والمعتزلة ومَن وافقهم من الشيعة، الذين يقولون: إن صفات الأفعال كانت ممتنعة عن الرب سبحانه وتعالى.
كان الرب لا يتكلم ولا يفعل يقولون، الجهمية والمعتزلة ومَن وافقهم من الشيعة يقولون: كان الرب لا يتكلم ولا يفعل، هناك فترة ليس هناك كلام ولا فعل، بل إن الكلام والفعل ممتنع عن الرب، ثم انقلب فجأة فسار الكلام والفعل ممكنا، انقلب من الامتناع إلى الإمكان، الإمكان معناه القدرة، القدرة على الشيء، والامتناع معناه عدم إمكان وجود الكلام والفعل.
قالوا: إن الرب لا يقدر على الكلام، ولا على الفعل أولا، ثم انقلب فجأة فصار ممكنا، هذا من أبطل الباطل، ووافقهم ابن كُلَّاب، عبد الله بن سعيد بن كُلَّاب في أن صفات الأفعال كذلك كانت ممتنعة ثم صارت ممكنة إلا الكلام.
والكلام عنده متعلق بصفة الرب، لا يتعلق بقدرة ومشيئة، متعلق بذات الرب لا يتعلق بقدرة ومشيئة، وهذا كلام باطل.
هذا مذهب هؤلاء أهل الكلام وأهل البدع وأهل الباطل، وأهل السنة والجماعة يقولون: إن الرب سبحانه وتعالى لم يزل متكلما، ولم يزل فاعلا إلى ما لا نهاية؛ لأن الرب فعَّال قال سبحانه وتعالى {كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) } .
{وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (253) } وقال سبحانه: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) } وقال سبحانه: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109) } وقال سبحانه: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27) } .
فهذه النصوص تدل على أن الرب فعَّال، وكل حي فعَّال، والفعل صفة كمال، فلا يمكن أن يكون فاقدا لهذا الكمال في وقت من الأوقات.
قال بعض أهل العلم: لا بد أن يوجد فترة ليس فيها كلام ولا فعل، هناك فترة ما فيها كلام ولا فعل. قالوا: لأننا لو قلنا إن الكلام متسلسل، والفعل متسلسل معناه: انسدَّ علينا طريق إثبات الصانع، وهو الله فلا ندري هل هذه الأفعال أو الحوادث سابقة لله أو هو سابق عليها؟.
فلا بد في إثبات أن الله هو الأول لا بد أنه فيه فترة ما فيه كلام ولا فعل، ثم بعد ذلك يأتي الكلام والفعل حتى يكون الله هو الأول.
هذه شبهتهم. أهل السنة ردوا عليهم وقالوا من وجوه:
الوجه الأول: أن إثبات الفترة التي ليس فيها كلام، ولا فعل لا دليل عليها.
لا دليل على أن هناك فترة لا يتكلم فيها الرب.
ثانيا: أن إثبات هذه الفترة تعطيل للرب من الكمال والرب فعال، فعَّال لما يريد، فلا يمكن أن يكون فاقدا لهذا الكمال في وقت من الأوقات.
ثالثا: أن قولكم: إن الكلام والفعل كان ممتنعا على الرب ثم انتقل فجأة فصار ممكنا، ما الذي جعله ينقلب من الامتناع إلى الإمكان إذا كان الرب فعَّالا وكان الرب كاملا سبحانه وتعالى وكان له الكمال ولم يتجدد له شيء فما الذي جعل الكلام والفعل ممتنعا ثم جعله ممكنا؛ ولأنه ما من وقت يقدر، الإمكان، ما من وقت يقدر إلا والإمكان ثابت قبله إلى ما لا نهاية.
فلا تستطيعون أن تحددوا وقتا يكون بدءا للفعل والإمكان، وثالثا أنه يلزمكم على هذا أن العالَم ليس حادثا، والعالَم حادث، والحادث ممكن، والمعنى ممكن أنه يجوز أن يوجد، ويجوز ألا يوجد إذا أراد الله إيجاده أوجده، وإذا لم يرد فلا إذا أراد الله شيئا من خلقه وُجدوا إذا لم يرد لا يوجد.
وقولكم: إن الرب هو الأول، نعم إن الرب هو الأول الذي ليس قبله شيء، وكون الحوادث متسلسلة في المستقبل لا يمنع أن يكون الله هو الأول؛ لأننا نقول: كل فرد من أفراد الحوادث مسبوق بالعدم موجود بإيجاد الله له كل فرد من أفراد الحوادث والمخلوقات مسبوق بالعدم، والله تعالى أوجده بعد أن كان معدوما.
وإذا وصفنا بهذا الوصف لا يلزم هذه الفترة. فنقول: الحوادث متسلسلة في الأزل في الماضي إلى ما لا نهاية.
وأيضا من الردود أنكم خالفتم النصوص فإن النصوص فيها أن الرب فعَّال {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (253) } {كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) } {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) } .
ولأنكم بهذا تنقصتم الرب سبحانه وتعالى حيث نفيتم عنه صفة الكمال، وهو الفعل والكلام، وهذه تسمى مسألة تسلسل الحوادث.
الحوادث: المخلوقات، النبات، الحيوان، الأشجار، والطيور والحيوانات والسماوات والأرضين
…
إلى غيرها تسمى حوادث هذه هي الحوادث المتسلسلة.
قال أهل السنة: الحوادث متسلسلة في الماضي بمعنى أن الرب لم يزل يفعل ويخلق خلقا بعد خلق إلى ما لا نهاية في الأزل، ولكن كل فرد من أفراد هذه المخلوقات مسبوق بالعدم، موجود بإيجاد الله له، ليس له من نفسه وجود ولا عدم، الله أوجده بعد أن كان معدوما.
كل فرد من أفراد
…
أما نوع الحوادث فهو متسلسل إلى ما لا نهاية، كما أن الحوادث متسلسلة في المستقبل إلى ما لا نهاية، فكما أن تسلسل الحوادث في المستقبل لا يمنع أن يكون الله هو الآخر فكذلك تسلسلها في الماضي لا يمنع أن يكون الله هو الأول؛ لأن الحوادث متسلسلة في المستقبل بالاتفاق حتى أهل البدع وافقوا على أن الحوادث متسلسلة في المستقبل؛ لأن الله لا يزال يُحْدِث لأهل الجنة نعيما بعد نعيم إلى ما لا نهاية.
والمقصود أن معنى الحوادث متسلسلة، الحوادث: يعني المخلوقات، متسلسلة يعني مستمرة.
الصور العقلية التي يتصورها العقل أربع صور:
الصورة الأولى: الحوادث متسلسلة في الماضي وفي المستقبل.
الصورة الثانية: الحوادث غير متسلسلة لا في الماضي ولا في المستقبل.
والصورة الثالثة: الحوادث متسلسلة في المستقبل لا في الماضي.
الصورة الرابعة: الحوادث متسلسلة في الماضي لا في المستقبل.
هذه صور عقلية، ثلاث صور قال بها الناس، وصورة لم يقل بها أحد، الحوادث متسلسلة في الماضي وفي المستقبل هذا قول أهل السنة والجماعة، وهذا هو الصواب والذي تدل عنه النصوص.
الحوادث غير متسلسلة لا في الماضي ولا في المستقبل هذا قول جهم بن صفوان والحذير بن علاف، وأنكر عليه ذلك أهل السنة وبَدَّعُوه وصاحوا به.
الحوادث متسلسلة في المستقبل دون الماضي هذا قول كثير من أهل الكلام من الجهمية والمعتزلة ومن وافقهم من الشيعة.
الحوادث متسلسلة في الماضي لا في المستقبل ما قال به أحد، صورة عقلية ما قال بها أحد. تكون الصور أربع. ثلاث صور قال بها أحد وصورة لم يقل بها أحد.
يقول الشيخ الطحاوي رحمه الله: "مازال من صفاته القديم قبل خلقه" أراد بذلك الرد على أهل الكلام وأهل البدع الذين يقولون: إن الحوادث غير متسلسلة في الماضي، وإن هناك فترة عطلوا فيها الرب عن الكلام والفعل.
ولهذا قال لهم أهل السنة: ما الفرق بين تسلسل الحوادث في الماضي وفى المستقبل أنتم وافقتم على أن الحوادث متسلسلة في المستقبل، وأن الرب لا يزال يزيد أهل الجنة نعيما إلى نعيم، إلى ما لا نهاية، وهذا لا يمنع أن يكون سبحانه هو الآخر الذي ليس بعده شيء، وكذلك تسلسل الحوادث في الماضي لا يمنع أن يكون الله هو الأول الذي ليس قبله شيء؛ لأننا نقول كل فرد من أفراد الحوادث مسبوق بالعدم مخلوق بعد أن لم يكن أوجده الله بعد أن كان معدوما، ويكفينا ما نذكر فترة
…
ونقول: نوع الحوادث متسلسل ومستمر في الماضي كما أن نوع الحوادث متسلسل ومستمر في المستقبل.
والصفات -كما سبق- الذاتية والفعلية ثابتة للرب سبحانه وتعالى بخلاف أهل البدع، فإنهم أنكروا الصفات الذاتية والفعلية كالجهمية والمعتزلة، وأما الكُلابية فإنهم أثبتوا الصفات الذاتية وأنكروا الصفات الفعلية فتكون المذاهب ثلاثة:
أهل السنة أثبتوا الصفات الذاتية والفعلية. أهل البدع من الجهمية والمعتزلة نفوا الصفات الذاتية والفعلية، عبد الله بن سعيد كلاب زعيم الكلابية أثبت الصفات الذاتية، ونفى الصفات الفعلية وشبهته في ذلك يقول: لئلا تحل الحوادث بذات الرب يسمونها مسألة حلول الحوادث. يقولون: (الكلابية والأشاعرة) :
لو أثبتنا الصفة الفعلية من الغضب والرضا والكراهة والسخط والقبض والبسط والإحياء والإماتة والخفض والرفع والطي والاستواء والنزول لَلَزِمَ من ذلك حلول الحوادث بذات الرب، والله منزه عن حلول الحوادث.
قال أهل السنة: ما مرادكم بحلول الحوادث؟ هذا القول وهو حلول الحوادث قول مُجْمَل لا بد فيه من التفصيل، إن أردتم بحلول الحوادث أن الله يحل في بذاته شيء من مخلوقاته هذا ما حصل فالله سبحانه وتعالى لا يحل في ذاته شيء من مخلوقاته.
وإن أردتم بأن الله تجدد له صفات لم يكن متصفا بها خلقها لنفسه أو سماه بها الناس فهذا باطل، وإن أردتم بحلول الحادث نفي أن يكون الله يغضب ويرضى ويكره ويسخط، ويستوي، ينزل كما يشاء، ويكون متصفا بالاستواء، بالنزول، بالطي، بالقبض والبسط والخفض والرفع، هذا باطل هذه المعاني.
وهذه الصفات ثابتة لله ولا ننفيها عن الله بتسميتكم إياها بأنها حلول الحوادث، بل نقول: هذه الصفة ثابتة لله وقولكم: إن تسميتكم لها بحلول الحوادث هذا باطل.
ويتبع هذا البحث مسائل: المسألة الأولى الصفة، هل هي زائدة على الموصوف أو غير زائدة، وهل الصفة غير الموصوف أو الصفة هي الموصوف؟ هل الصفة زائدة على الموصوف أو غير زائدة؟ وهل الصفة غير الموصوف أو ليست غيرها؟ والجواب أن هذا مفهوم مجمل لا بد فيه من التفصيل فلا يقال: إن الصفة غير الموصوف، ولا يقال: إنها هي الموصوف، ولا يقال: الصفة زائدة على الموصوف، ولا يقال غير زائدة بل لا بد من التفصيل، بل يقال: إن أردتم بذلك أن الرب سبحانه وتعالى له ذات منفصلة عن الصفة فهذا قول باطل.
قول الصفة غير الموصوف، وأن ذات الرب سبحانه وتعالى غير متصفة بالصفات، وأن هناك ذات مجردة منفصلة عن الصفات فهذا باطل.
وإن أردتم أن الصفات لها معنى يفهم منها غير ما يفهم من الصفات فهذا صحيح، لكن ليس هناك ذات منفصلة عن الصفات، بل الذات لا بد أن توصف بالصفات، فليس هناك ذات مجردة إلا في الذهن.
فإن أردتم أن هناك ذاتا مجردة منقطعة عن الصفات فهذا باطل فلا يقال: إن الصفات غير ذلك، وإن أردتم أن الذات متصلة بالصفات فهذا معنى صحيح.
وهناك فرق بين أن يقال: الصفات غير الذات وبين أن يقال: الصفات غير الله، فالقول بأن الصفات غير الله باطل؛ لأن الله -تعالى- لأن اسم الله اسم له سبحانه وتعالى متصف بصفاته اسم للذات المقدسة لأسمائه وصفاته، أما الصفات غير الرب سبحانه وتعالى نعم الصفات لها معان غير معنى الذات.
أما الرب، فلا يقال إن الله، إن صفات الله غير الله، ما يقال: إن صفات الله غير الله؛ لأن الله -تعالى- اسم الرب سبحانه وتعالى اسم الله، اسم لذاته سبحانه وتعالى متصفا بالصفات؛ ولهذا استعان النبي صلى الله عليه وسلم بالصفات:(أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر)(أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) ولا يعوذ بمخلوق عليه الصلاة والسلام (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك)(وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي) استعان بالعظمة (أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات) هذا استعانة بالله، فالصفات لا تنفصل عن الذات.
فالله -تعالى- هو الذات المقدسة المتصفة بالصفات، فالله -تعالى- بذاته وصفاته وأسمائه هو الخالق وغيره مخلوق، فإن أريد أن هناك ذات منفصلة مجردة عن الصفات فهذا باطل، وأن أريد أن الذات متصلة بصفاتها، نعم فهذا صحيح.
وكذلك أيضا من المسائل: المسألة الثانية: قولهم: الاسم. هل الاسم غير المسمى أو عين المسمى؟ هل الاسم هو المسمى أو غير المسمى؟ يقولون: اسم الله هل هو المسمى أو غير المسمى؟ أيضا فيه تفصيل، فلا يقال: إنه هو المسمى، ولا يقال غير المسمى بل فيه تفصيل، فإن أريد الاسم هو المسمى تارة يراد بالاسم المسمى، كما تقول: قال الله كذا كما تقول: سمع الله لمن حمده.
فالاسم يراد به المسمى، وتارة يراد به اللفظ الدال على المسمى، كما تقول الله اسم عربي والرحمن اسم عربي، الرحمن اسم من أسماء الله، هذا مراد اللفظ الدال على المسمى، أما إذا قال الله، سمع الله لمن حمده فالاسم يراد به المسمى فلا بد من التفصيل في هذه المسائل.
وكذلك قولهم: الصفة لا هي غير الموصوف، ولا هي عين الموصوف. أيضا له معنى الصفة لا هي غير الموصوف ولا عين الموصوف. ليست غير الموصوف؛ لأنه لا يوجد في الخارج ذات إلا متصل بالصفات، ولا هي عين الموصوف؛ لأن الصفة لها معنى غير معنى الذات.
وعلى كل حال فهذه المباحث مباحث عظيمة، ولولا أن أهل الكلام وأهل البدع تكلموا بالكلام الباطل لما تكلم أهل العلم بذلك، ولكن إن كان السلف والسابقون كانوا في عهدهم ذلك، لكن لما تكلم أهل البدع بالكلام الباطل وملئوا بها الأوراق والكتب، اضطر أهل العلم إلى رد الكلام الباطل.
ومن ذلك قول الطحاوي رحمه الله: "إنه لم يزل متصفا بصفاته قبل خلقه، وكما كان في صفاته أزليا كذلك لم يزل بصفاته أبديا".
المعنى أن الله -تعالى- متصف بصفاته بالأزل إلى ما لا نهاية في القدم فهو الأول سبحانه وتعالى بذاته وصفاته ليس قبله شيء، وهو الآخر سبحانه وتعالى ليس بعده شيء.
ما زال في صفاته قديما قبل خلقه. قلنا: إن مذهب أهل السنة والجماعة أن الرب سبحانه وتعالى لم يزل متصفا بصفاته الذاتية والفعلية، وأن الرب لم يزل فعالا؛ لأن الفعل من كمال ذاته المقدسة، والرب لم يزل يفعل، ويخلق الخلق من بعد خلق، إلى ما لا نهاية في الأزل.
ولا ينفي أن يكون سبحانه وتعالى هو الأول الذي ليس قبله شيء، فهو الأول ليس قبله شيء، ولكنه سبحانه وتعالى متصف بصفات الكمال، والفعل صفة الكمال {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) } .
فلم يزل يفعل، ويخلق بعد خلقه؛ لأن نوع الحوادث دائمة في الماضي، كما أنها دائمة في المستقبل، وهذا ما يسمى بتسلسل الحوادث في الماضي، ولكن كل فرد من أفراد هذه الحوادث والمخلوقات مسبوق بالعدم، كائن بعد أن لم يكن، وليس لها من نفسها وجود أو عدم، بل الله يوجدها بعد أن كانت معدومة.
والله هو الأول الذي ليس قبله شيء، وهي موجودة باختياره سبحانه وتعالى وإرادته، وليس هناك فترة يعطل فيها الرب، هذا هو قول أهل السنة والجماعة الذي تشهد له النصوص.
أما أهل الكلام كالجهمية والمعتزلة وغيرهم فأثبتوا فترة عطلوا فيها الرب عن الفعل والكلام، وزعموا بذلك أنهم يريدون أن يثبتوا أن الله هو الأول الذي ليس قبله شيء، وأنه إذا قيل: إن الحوادث متسلسلة ودائمة في الماضي يذهب بذلك أن لا يكون الله هو الأول.
وهذا باطل؛ فإن أهل الكلام يثبتون فترة يعطلون فيها الرب، وأهل السنة لا يثبتون فترة، ويقولون إن الحوادث متسلسلة ودائمة، لكنها مخلوقة بعد أن لم تكن، خلقها الله بإرادته واختياره.
أما مذهب الفلاسفة كأرسطو والفارابي وابن سينا وغيرهم من الفلاسفة المتأخرين، وهم الذين يسمون الفلاسفة الإلهيين، فإنهم قالوا: إن المخلوقات والحوادث مقارنة للرب، ملازمة له في الأزل وفي الأبد.
قالوا: إنها مقارِنة للرب، فلم يثبتوا أن الله هو الأول الذي ليس قبله شيء، بل قالوا: إنها مقارنة له في الزمان، فهذه المخلوقات مقارنة له في الزمان، هذا أزلا وأبدا، وهي لازمة له، لا يستطيع الانفكاك عنها، ليست مخلوقة باختياره وإرادته، بل هي لازمة له أزلا وأبدا؛ لأنه علتها، وهي المعلولة، وتقدمه عليها إنما هو كتقدم العلة للمعلول، وهي لازمة له كلزوم النور للسراج والمصباح، لا يستطيع الفكاك عنها، فهي لازمة له أزلا وأبدا.
ولم يثبت أرسطو وجودا لله إلا من جهة كونه مبدأ للكثرة، وعلة غائية لحركة الفلك، بل هذه الكثرة وهذه المخلوقات مبدؤها الله، أي كأنه جزء منها -أعوذ بالله-، وهو العلة لها، محرك لها.
كفرهم العلماء، كفرهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقال: أنتم أنكرتم أن يكون الله متقدما في الزمان، وأنكرتم أن يكون الله هو الأول الذي ليس قبله شيء، حينما قلتم: إن الحوادث والمخلوقات مقارنة للرب في الزمان، أنكرتم أن يكون الله هو الأول الذي ليس قبله شيء، ولم تثبتوا أن هذه الحوادث مخلوقة لله بقدرته ومشيئته، وقلتم: إنها لازمة له أزلا وأبدا، فأنكرتم تقدمه في الزمان، فكانوا بذلك كفارا.
ثم ناقش العلماء شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره، ناقشوا أهل البدع -أهل الكلام من الجهمية والمعتزلة- قالوا: أنتم خالفتم الفلاسفة، فأثبتم فترة حتى تثبتوا أن الله هو الأول الذي ليس قبله شيء، ولم تقولوا كقول الفلاسفة: إن المخلوقات مقارِنة لله في الزمان.
لكنكم حينما أنكرتم العلو -علو الرب على خلقه واستواءه على العرش- وقلتم: إن الله مختلط بالمخلوقات، على قول بعض الجهمية، أنكروا العلو والاستواء، وقالوا: إنه مختلط بالمخلوقات -تعالى الله عما يقولون-.
وقال بعضهم، ونفى بعضهم عنه الوصفين المتقابلين فقالوا: لا داخل العالم، ولا خارجه، ولا مباين له، ولا محايز له، ولا متصل به، ولا منفصل عنه.
فالجهمية الأولى قالوا بالحلول -بحلول الرب-، والجهمية المتأخرون قالوا بنفي النقيضين: لا داخل العالم ولا خارجه، ولا فوقه ولا تحته، ولا مباين له ولا محايز له، ولا متصل به ولا منفصل عنه. ماذا يكون؟ عدم، بل ممتنع، فالطائفتان -الجهمية الأولى والثانية- كلاهما لم يثبت أن الله فوق المخلوقات، وأنه مستو على العرش، بائن من خلقه.
قال شيخ الإسلام: أنكرتم أن يكون الله متقدما في المكان، فلم تثبتوا أن الله هو الظاهر الذي ليس فوقه شيء، كما أن الفلاسفة أنكروا تقدم الله في الزمان، وأن يكون هو الأول الذي ليس قبله شيء، فأنتم أنكرتم تقدم الله في المكان، فلم تثبتوا أن الله فوق المخلوقات، فصرتم بهذا مماثلين للفلاسفة.
الفلاسفة أنكروا تقدم الله في الزمان، فلم يثبتوا أن الله هو الأول الذي ليس قبله شيء، وأنتم أنكرتم تقدم الله في المكان، فلم تثبتوا أن الله هو الظاهر الذي ليس فوقه شيء، والله تعالى وصف نفسه بهذه الصفات الأربع، وبهذه الأسماء الأربعة متقابلة:{هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3) } .
ففسرها النبي صلى الله عليه وسلم فسر الأولية بنفي تقدم شيء عليه، وفسر الآخِر بنفي أن يكون بعده شيء، وفسر الظاهر بنفي أن يكون فوقه شيء، فقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:(اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء) .
فما الفرق بين كفركم وكفر الفلاسفة؟ الفلاسفة كفروا لأنهم أنكروا تقدم الله في الزمان، وأنتم كفرتم لأنكم أنكرتم تقدم الله في المكان.
فهذه فائدة مهمة في بيان ما عليه أهل البدع من الجهمية والمعتزلة، في إنكراهم علو الله على عرشه، وأنه مماثل لإنكار الفلاسفة، فالفلاسفة أنكروا تقدم الله في الزمان، وهؤلاء أنكروا تقدم الله في المكان.
المسألة الثانية: سبق في مسألة "هل الصفات زائدة على الذات أو ليست زائدة؟ " وقلنا: إنه يفرق بين صفات الله وصفات غيره، فغير الله يقال إن الصفة زائدة على الذات، بمعنى أن لها معنى غير معنى الذات، وإن كان لا يتصور أن هناك ذاتا منفصلة عن الصفات، لكن يفهم من معاني الصفات ما لا يفهم من الذات، فإن أريد أن هناك ذاتا مجردة فهذا ليس بصحيح، وإن أريد أن الصفات لها معنى غير معنى الذات فهذا صحيح.
أما الله سبحانه وتعالى فلا يقال: إن صفاته غير ذاته، بل الله سبحانه وتعالى بذاته وصفاته هو الله، الله بذاته وصفاته، مسمى الله يدخل فيه الذات والصفات، فلا يقال: إن الصفات غير الذات، فلا يقال: الله وعلمه الله وقدرته.
ولهذا أنكر الإمام أحمد رحمه الله في الرد على الجهمية -كتاب الرد على الزنادقة- على أهل البدع لما قالوا: الله وقدرته، الله وعلمه، الله ونوره. قال: لا نقول هذا، لا نقول الله وعلمه، الله وقدرته، الله ونوره. بل نقول: الله بعلمه وقدرته ونوره، هو الحي الذي لا إله إلا هو، هو الله لا إله إلا هو بعلمه وقدرته. ولا نقول: الله وعلمه، الله وقدرته، الله ونوره؛ لأن الواو تفيد المغايرة، بل نقول: الله بعلمه وقدرته ونوره، هو الله الذي لا إله إلا هو.
لَيْسَ بَعْدَ خَلْقِ الْخَلْقِ اسْتَفَادَ اسْمَ "الْخَالِقِ"، وَلَا بِإِحْدَاثِ الْبَرِيَّةِ اسْتَفَادَ اسْمَ "الْبَارِي.
ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم الخالق، ولا بإحداث البرية استفاد اسم الباري" المعنى: أنه سبحانه وتعالى اسمه الخالق، واسمه الباري لم يزل له هذا الاسم من أسمائه الخالق، ومن أسمائه البارئ، والله الخالق والبارئ، أي برأ البرية وأحدثها والذي خلق الخلق هو لم يزل متصفا بصفاته، ولم يزل له الأسماء الحسنى؛ لأنه سبحانه وتعالى قادر على الفعل؛ ولأنه فعال وهو قادر على الفعل في أي وقت.
خلافا لأهل البدع الذين يقولون: إن هناك فترة عطلوا فيها الرب عن الكلام والفعل، فقالوا: إن الكلام والفعل كان ممتنعا ثم انقلب فجأة فصار ممكنا، فالرب سبحانه وتعالى لم يزل ولا يزال متصفا بصفاته وبأسمائه الحسنى؛ لأنه فعال وقادر على الفعل في أي وقت، والفعل له ممكن في أي وقت، والفعل صفته سبحانه وتعالى والمفعول هو المخلوق المنفصل وهو سبحانه يخلق بكلام:{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) } .
ومادام أنه فعَّال وقادر على الفعل في أي وقت فهو متصف بالصفات، فالإنسان حينما يتكلم ويكون قادرا على الكلام يقال: إنه متكلم، متصف بالكلام، فإذا تكلم أمس ثم تكلم اليوم يقال: إنه متكلم وإذا كان ساكتا، وهو قادر على الكلام يقال إنه متكلم بالقوة، وإذا تكلم يقال: إنه متكلم بالفعل؛ لأنه قادر على الكلام والكاتب إذا كان يكتب ويباشر الكتابة، يقال: كاتب بالفعل وإذا رفع يده عن القلم يقال كاتب بالقوة؛ لأنه قادر على الكتابة، فالقادر على الفعل يكون فاعلا، والله سبحانه وتعالى فعال قادر على الفعل في أي وقت من الأوقات.
ولهذا هو سبحانه وتعالى الخالق وهو البارئ قبل الخلق وبعده، وكما سبق أن الحوادث متسلسلة في الماضي والرب لم يزل يفعل، ويخلق إلى ما لا نهاية في الأزل. نعم.
له معنى الربوبية ولا مربوب ومعنى الخالق ولا مخلوق
نعم له معنى الربوبية ولا مربوب؛ لأنه سبحانه وتعالى هو مُرَبِّي عباده وحافظهم ويحفظهم ويربيهم ويدبر أمرهم وهو الخالق ولا مخلوق، وهذا قد يفهم منه أنه يميل إلى قول أهل الكلام الذين يقولون: إن هناك فترة ليس فيها مخلوق كما سبق أن الله -تعالى- لم يزل فعالا، وليس هناك فترة ليس فيها فعل؛ لأن الرب لم يزل فعالا مطلقا في كل وقت فعال لما يريد سبحانه وتعالى وهو فاعل وقادر على الفعل، وعلى هذا فله معنى الربوبية، وله معنى الخالق في كل وقت في الأزل وفى الأمر. نعم.
وكما أنه محيي الموتى بعد ما أحيا استحق هذا الاسم قبل إحيائهم كذلك استحق اسم الخالق قبل إنشائهم
نعم هو سبحانه وتعالى محيي الموتى يحيي ويميت، وكذلك أيضا الخالق قبل إنشائهم وبعد إنشائهم، وهو من صفاته الفعلية أنه يحيي ويميت، ومن أسمائه الخالق؛ وذلك لأنه قادر على الفعل في أي وقت فهو فعال في كل وقت، ولذلك فله صفات الفعل وهو يحيي ويميت سبحانه وتعالى وهو الخالق في كل وقت، وفي كل زمان؛ لأنه قادر وفعال سبحانه وتعالى، والفعل له ممكن في أي وقت من الأوقات. نعم.
ذلك بأنه على كل شيء قدير
ذلك بأنه على كل شيء قدير، فلكونه سبحانه وتعالى متصفا بصفاته الذاتية والفعلية في الأزل، وأنه لم يزل فعالا، وأنه ليس هناك فترة يعطل فيها الرب ذلك، بأنه على كل شيء قدير، كل شيء على الله، كل شيء عليه قدير سبحانه وتعالى فهو على كل شيء قدير، وأراد بذلك الرد على المعتزلة الذين يقولون، ما يقولون: إن الله على كل شيء قدير، بل يقولون: إن الله على ما يشاء قدير.
لأن هناك شيء لا يقدر عليه الله عند المعتزلة، وهى أفعال العباد، ولذلك فأوّلواَ "إنه على كل شيء قدير" يقولون: على كل شيء يقدر عليه، على كل شيء قادر عليه وأفعال العباد لا يقدر عليها؛ لأن أفعال العباد من خير وشر وطاعة ومعصية هم الذين خلقوها وأوجدوها والله لا يقدر عليها كما سبق، أو قالوا: إن العباد أحدثوا أفعالا من طاعات ومعاصي.
ولهذا قالوا: إن العبد يستحق الثواب على الله كما يستحق الأجير أجره؛ لأنه هو الذي أوجده؛ وقالوا: إنه يجب على الله أن يعاقب العاصي، وأن يخلد صاحب الكبيرة في النار؛ لأنه توعد بذلك ولا يخلف وعيده ولذلك قالوا: إن أفعال العباد لا يقدر عليها الرب، وليس هذا موضع الرد عليهم لكن لعله يأتي إن شاء الله في المستقبل، فهم يقولون لا يقولون إن الله على كل شيء قدير، بل يقولون: إنه على ما يشاء قدير ولذلك إذا رأيت في بعض الكتب يذكر في آخرها، وهو على ما يشاء قدير، فاعلم أن هذا يتمشى مع بعض المعتزلة، ولا يرد على ذلك قوله -تعالى- {وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29) } .
هذا مقيد بجمعهم وعلى جمعهم إذا يشاء قدير، فلا يقال: إنه على ما يشاء قدير بل يقال: إنه على كل شيء قدير؛ لأن معنى قوله: {وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29) } يفهم منها أن هناك شيئا لا يشاءه الله فلا يقدر عليه ويفعله العباد وهذا باطل؛ لأنه تأول القول على كل شيء قدير، على كل شيء يقدر عليه، وعلي هذا قياس ما قال ما يقيد الله بكل شيء عليم، أو يقال بكل شيء يعلمه عليم كما قالوا: إنه على كل شيء يقدر عليه إنه على كل شيء مقدور له قدير.
أما أفعال العباد فليس مقدور له. وهذا من أبطل الباطل وهو مصادم لنصوص القرآن والسنة والله -تعالى- يقول {إِن اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) } {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (45) } وكل من صيغ العموم كل شيء كل ما يسمى شيئا، فالله -تعالى- يقدر عليه، ولا يرد على هذا الممتنع الذي لا يمكن؛ لأنه لا يسمى شيئا؛ وعند أهل السنة أن الله على كل شيء قدير؛ فالممتنع الذي لا يمكن وجوده لا يسمى شيئا؛ فلا يرد على هذا قوله مثل كون الشيء موجودا معدوما في وقت واحد هل يقال: إن هذا يقدر عليه الله يكون الشيء موجودا معدوما في وقت واحد.
ومثل قولهم: هل يقدر على خلق مثل نفسه؟ ومثل قولهم هل يقدر على إعداد نفسه؟
والجواب: إن هذا من ممتنع تماما هذه الأمور ممتنعة؛ لأنه لا يمكن إيجادها ولا يتصور إيجادها، ولا تسمى شيئا باتفاق العقلاء ما تسمى شيئا، ليست داخلة في قوله كل شيء {إِن اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) } وكون الشيء موجودا معدوما لا يسمى شيئا، ومثل خلقه نفسه أو إعداد نفسه لا يسمى شيئا، ولا يتصور وجوده حتى يقال: إنه شيء لا يسمى شيئا باتفاق العقلاء، ولا يمكن وجوده، ولا يتصور وجوده فلا يكون داخلا في عموم كل شيء.
اختلف العلماء في المعدوم الذي يمكن وجوده قالوا: هو شيء هل يسمي شيئا؟ أو لا يسمي شيئا؟.
والصواب أنه يسمي شيئا في الذكر والكتاب والعلم كما قال سبحانه وتعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِن زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) } الساعة ما جاءت سماها الله شيئا فهي شيء عظيم في الذكر، في العلم؛ في علم الله، وفي الكتاب وفي الذكر، {إِن زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) } مثل قوله سبحانه وتعالى {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1) } لم يكن شيئا في الوجود لكنه شيء في علم الله وذكره وكتابه وقوله -سبحانه- عن زكريا:{وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9) } لم تك شيئا في الوجود، ولكنه شيء في علم الله وذكره وكتابه، أما الممتنع الذي لا يمكن وجوده، فهذا لا يسمى شيئا، فلا يقال: إنه داخل تحت القدرة؛ لأنه يسمى شيئا ولا يسمى شيئا. نعم.
ذلك بأنه على كل شيء قدير، وكل شيء إليه فقير، وكل أمر عليه يسير
نعم، هذا وصفه سبحانه. على كل شيء قدير، وكل شيء عليه يسير. ليس هناك شيء على الله عسير سبحانه وتعالى، وكل شيء يسير عليه سبحانه وتعالى، فلا يعجزه شيء، ولا يشق عليه شيء سبحانه وتعالى. أعد الجملة ذلك.
قال رحمه الله: "ذلك بأنه على كل شيء قدير، وكل شيء إليه فقير، وكل أمر عليه يسير".
نعم، كل شيء إليه فقير؛ لأن المخلوقين كلهم فقراء إلى الله كما قال سبحانه:{* يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17) } ليس ذلك بشاق على الله بل كل شيء يسير عليه، وقال -سبحانه-:{وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ} وقال سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} يعني هين عليه، أهون بمعنى هين، فكل شيء هين على الله، وكل شيء يسير على الله، وكل مخلوق فهو فقير إلى الله عز وجل والله هو الغني سبحانه وتعالى نعم.
لا يحتاج إلى شيء {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) } .
نعم، لا يحتاج إلى شيء من الأشياء، بشيء شاملة جميع الموجودات فهو لا يحتاج إلى أي مخلوق {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} هذا رد على الممثلة والمشبهة. {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) } رد على المعطلة الذين ينكرون الأسماء والصفات. هذه الآية {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) } فيها رد على الممثلة والمشبهة، ورد على المعطلة؛ رد على الممثلة والمشبهة الذين يشبهون الله بخلقه، ويمثلون الصفات بصفات المخلوقين، وهو ليس كمثله شيء. وهو رد على المعطلة الذين ينكرون الأسماء والصفات وهو السميع البصير نعم.
خلق الخلق بعلمه
خلق الخلق بعلمه سبحانه وتعالى فهو لا يخفى عليه شيء في الأرض، ولا في السماء وهو عليم بكل شيء كما قال -سبحانه-:{إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75) } وقال سبحانه: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) } خلق الخلق بعلمه قال -سبحانه-: {* وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59) } {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60) } .
وهو سبحانه وتعالى خلق الخلق بعلمه، وهو سبحانه وتعالى يعلمهم قبل خلقهم ويعلمهم بعد خلقهم. وهذا فيه رد أراد المؤلف الرد على المعتزلة الذين يقولون: إنه لا يعلم الخلق إلا بعد خلقه، وهذا من أبطل الباطل؛ لأن علم الله شامل للماضي والحاضر والمستقبل فهو سبحانه يعلم ما كان في الماضي ويعلم ما يكون في المستقبل والحاضر، وأيضا يعلم ما لم يكن أن لو كان كيف يكون، يعلم ما لم يكن أن لو كان كيف يكون.
فالشيء الذي لم يكن يعلمه لو كان كما في قوله سبحانه عن الكفار الذين سألوا الرجعة إلى الدنيا قال سبحانه: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28) } هذا علمه بحالهم لو ردوا وهو يعلم ما لم يكن أن لو كان كيف يكون؛ ومثل قوله الله عز وجل {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) } هذا علمه بحالهم؛ بالشيء الذي لم يكن لو كان كيف يكون.
ومثل قول الله - سبحانه تعالى- في المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة "تبوك": {* وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47) } هذا من علمه سبحانه وتعالى بما لم يكن أن لو كان كيف يكون.
يعلم سبحانه لو خرجوا ماذا يحصل {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا} يعني شرا بعضهم يقولون: إن الشر هو الفتنة والفساد {وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47) } وهذا من لطفه سبحانه بعباده أنه ثبطهم ومنعهم حتى لا يفسدوا على عباد الله المؤمنين نعم.
وقدّر لهم أقدارا
قدّر لهم أقدارا: الله سبحانه وتعالى قدَّر الأقدار والآجال وجعل لكل شيء من مخلوقاته أقدارا وأجلا قال سبحانه: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2) } وقال سبحانه: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38) } ومن ذلك أن الله سبحانه وتعالى قدَّر مقادير الخلائق كما في الحديث الذي ثبت في صحيح مسلم في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قدر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء) .
وهو -سبحانه- قدَّر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وقدَّر لكل أجل كتاب، وخلق كل شيء فقدره تقديرا. وثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:(حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق، قال: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقه مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربعة كلمات: بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد فوالله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعا فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) .
وهذا من تقديره تقدير الأجل، ومن ذلك أن الله سبحانه وتعالى قدَّر الموت على كل أحد، وجعل له أجلا مقدرا كما قال سبحانه:{إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (49) } {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11) } .
الله -تعالى- قدَّر الموت على كل مخلوق. فلا يتأخر عن هذا الأجل ولا يتقدم إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون، وأسباب الموت متعددة سواء كان قدر الله الموت على العبد بالمرض أو بالقتل أو بالغرق أو بالحرق أو بأي سبب من الأسباب فهو مات بأجله الذي قدره الله عليه.
وهذا فيه الرد على المعتزلة الذين يقولون: إن المقتول قطع عليه أجله، قالوا: إن المقتول قطع عليه أجله، ولو لم يقتل لعاش إلى أجل آخر، وهذا باطل. هذا من أبطل الباطل؛ لأن الله -تعالى- قدر الموت، وجعل له أسبابا، قدر بأن هذا سيموت بالقتل لكن ما يتقدم ولا يتأخر. المقتول مقدر عليه، مقدر عليه الموت بسبب القتل ولا يتأخر ولا يتقدم، كما أن الذي قدر عليه الموت بالمرض كذلك أو بالهدم أو بالغرق أو بالحرق أو بغير ذلك من الأسباب.
يقول المعتزلة: إن المقتول قطع عليه أجله هذا من أبطل الباطل؛ لأن معنى ذلك أن يكون له أجلان جعل الله أجلا لا يصل إليه أو أن الله جعل له أجلين كالجاهل الذي لا يعلم العواقب، وهذا من أبطل الباطل، والصواب أن المقتول كغيره أجله مقدر بالقتل لا يتقدم ولا يتأخر هو داخل في قول الله عز وجل {إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (49) } ومن بذلك أن حديث أم حبيبة بنت أبي سفيان أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم (اللهم أمتعني بأبي قبل زوجي رسول الله، وبأبي أبي سفيان وبأخي معاوية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لقد سألت الله بآجال مضروبة وأيام معدودة وأرزاق مقسومة لا يؤخر الله شيئا عن أجله ولا يتقدم شيء عن حله ولو سألت الله أن يعيذك من عذاب في النار أو عذاب في القبر لكان خيرا وأفضل) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
وهذا دليل واضح بأن الآجال مضروبة ومعدودة، ولهذا كان الإمام أحمد رحمه الله يكره أن يدعى له بطول العمر ويقول: إن هذا أمر فرغ منه، لكن ظاهر الحديث من أم حبيبة أنه جائز؛ لأن النبي قال:(لو سألت الله أن يعيذك من عذاب النار أو عذاب القبر لكان أفضل) ولم يقل: إنه ممنوع فدل على جوازه لكن ينبغي أن يقيد بالطاعة.
إذا قلت: أطال الله عمرك على طاعته هذا حسن أما أن تقول أطال الله عمرك فقط هذا ليس دعاء، منه ما جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(خيركم من طال عمره وحسن عمله وشركم من طال عمره وساء عمله) إذا طال العمر على شر هذا شر ليس خيرا، وإذا طال العمر على خير هذا خير، فإذا أردت أن تدعو لأخيك وتقول: أطال الله عمرك على طاعته، ونحن في لهجتنا الدارجة نقول أطال الله عمرك، طوَّل الله عمرك، ينبغي أن يضاف إليها: على طاعته. حتى تحصل الفائدة وتكون الدعوة فيها خير.
وبهذا القول نكتفي. أسأل الله لي ولكم العلم النافع والعمل الصالح، وأن يوفقنا جميعا إلى العمل الصالح الذي يرضيه، إنه على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.