الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأسئلة:
س: أحسن الله إليكم، فضيلة الشيخ هل يلزم من كون الرسول أن يكفر به بعض أمته لأن يونس عليه الصلاة والسلام؟
- هل يلزم إيش؟
-هل يلزم من كون الرسول أو تعريفه أن يكفر به البعض، ويونس عليه السلام أرسله الله إلى مائة ألف أو يزيدون فآمنوا؟ .
ج: لكن في الأول ردوا دعوته، هذا هو المعروف الآن، لكن يصدق عليهم أنهم ردوا دعوته أول الأمر ثم آمنوا، نعم، هذا هو المعروف عند أهل العلم.
وتجد الأنبياء كلهم هكذا، موسى، وعيسى، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم وإبراهيم، وهود، وصالح، وشعيب كلهم كفر بهم كثير وآمن بهم قليل.
فنبينا محمد صلى الله عليه وسلم أكثر الناس تابعا كما قال صلى الله عليه وسلم (إني لأرجو أن أكون أكثرهم تابعا) لكن هناك من لم يؤمن من أمته؛ لأن الرسول رسول إلى الثقلين -الجن والإنس- إلى قيام الساعة، وهذه الأمة -أمة الرسول عليه الصلاة والسلام فيها أمة الإجابة وأمة الدعوة، أمة الدعوة الكفار.. نعم.
س: أحسن الله إليكم. سائل يقول: يستدل بعض أهل السنة على منع تسلسل الحوادث في الماضي لما صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (أول ما خلق الله القلم) فهل يدل على أن في المخلوقات أولا؟ .
ج: أولا: مسألة التسلسل هذه من المسائل المجملة التي لم تأت في الكتاب والسنة، والمراد دوام الحوادث، المراد الدوام والاستمرار، وهذا الحديث:(أول ما خلق الله القلم قال له اكتب) قال بعضهم: إنه أول المخلوقات.
والصواب أن العرش سابق له، ولهذا قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
والناس مختلفون في القلم الذي *** كتب القضاء به من الديان
هل كان قبل العرش أو هو بعده *** قولان عند أبي العلا الهمذاني
والحق أن العرش قبل لأنه *** قبل الكتابة كان ذا أركان
فالصواب أن العرش مخلوق قبل القلم، أما قوله:(أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب) فالأولية مقيدة بالكتابة، والمعنى أنه قال له: اكتب عند أول خلقه (أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب) والمعنى: قال له: اكتب أول ما خلقه، الأولية مقيدة بالكتابة.. نعم. أحسن الله إليكم.
س: يقول السائل: في آخر كتاب "العقل والنقل" ذكر شيخ الإسلام رحمه الله الخلاف في علم الله: هل يتجدد أو لا؟ ورجح رحمه الله أنه يتجدد. فما المراد بتجدد علم الله سبحانه؟ .
ج: ما أعرف، هذا يحتاج إلى تأمل والنظر في العبارة وما قبلها وما بعدها. نعم.
س: أحسن الله إليكم يقول السائل: ما حكم قول "شاء القدر"، "وتدخلت عناية السماء" خاصة أن مثل هذه الألفاظ تكثر عند بعض الكتاب والمثقفين المعاصرين؟ .
ج - نعم، الأولى تركه، الأولى أن يقول:"شاء الله" ولا يقول: "شاءت الأقدار"، الأولى تركه، والأولى أن يعبر بالتعبيرات التي وردت في النصوص التي جاء فيها:"اقتضت حكمة الله"، "واقتضت حكمة الله"، "وعناية الله"، جاء التعبير بها عند بعض السلف، ابن القيم ذكر هذا.
أما قول: "شاءت الأقدار" هذا ما ورد، الأولى أن يلتزم الإنسان بألفاظ النصوص، ولا يأت بشيء من عند نفسه. نعم.
س: أحسن الله إليكم. يقول السائل: ما الفرق بين القضاء والقدر، وما المراد بالحديث:(لا يرد القضاء إلا الدعاء) ؟ .
ج: هناك فروق بينهما ذكرها العلماء، وذكروا أنه قد يجتمعان وقد يفترقان، فالقضاء يطلق على أمور، {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ} قُضي الأمر: فُرغ منه، له معان عدة، ولكن قد يجتمعان ويراد بالقضاء القدر، وقد يفترقان، قد ذكر هذا الطحاوي ابن عامر في القضاء، يرجع إليه.
أما الحديث: (لا يرد القدر إلا الدعاء) معناه: أن الله تعالى يقدر، الدعاء مقدر، فالله تعالى يجعل المقدور له سبب، وسببه الدعاء.
وكما جاء في الحديث أن (القدر والدعاء والبلاء يعتلجان بين السماء والأرض فأيهما غلب) فالمعنى أن الله تعالى قد يستجيب لدعاء الشخص، ويجعل الله الدعاء سببا في حصول المقدور، ويكون هذا مقدر في الأزل، مثل صلة الرحم، ثم قدر أن يعافي الله هذا العبد من مرضه بدعائه، فالله قدر الدعاء وقدر العافية، وجعل الدعاء سببا في العافية، فيكون القدر سببا، وهو من القدر، هو من القدر الذي قدره الله. أي نعم.
س: يقول السائل: هل يجوز لعن الكافر بعينه، وهل يفرق بين الحي والميت؟ .
ج: لا ينبغي لعن الكافر الحي بعينه، بل يدعى له بالهداية، إلا من اشتد أذاه، أذية المسلمين، فلا بأس إذا اشتد أذاه كما آذى المسلمين فلا بأس.
أما الميت فلا يلعن، قال النبي:(لا تسبوا الأموات فإنهم أفضوا إلى ما قدموا) إلا إذا ترتب على ذلك مصلحة للأحياء، كأن يحذر الإنسان من كفر هذا الكافر أو من بدعته، حتى لا يضر الناس، فلا بأس، هذا مستثنى، وأما بدون مصلحة فلا يسب الميت (لا تسبوا الأموات) يقول النبي:(لا تسبوا الأموات فإنهم أفضوا إلى ما قدموا) .
وأما لعن الفاسق والكافر: فالفاسق لا يلعن بعينه، ولهذا لما جيء للنبي صلى الله عليه وسلم برجل شرب الخمر لعنه بعض الصحابة فقالوا: لعنه الله -أو أخزاه- ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تلعنوه فإنه يحب الله ورسوله) .
والمشروع أن يلعن العصاة على العموم، يقول: لعن الله من شرب الخمر، لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده، لعن الله الخمر، لعن الله شارب الخمر، لعن الله آكل الربا، أما فلان بن فلان آكل الربا لا تلعنه، فلان بن فلان السارق لا تلعنه، ادع له بالهداية.
وكذلك الكافر بعينه لا تلعنه؛ لأنه قد يهديه الله، فادع له بالهداية، ويستثنى من هذا ما إذا اشتد أذاه، فلا بأس بلعنه إذا اشتد أذاه على المسلمين، فلا بأس كما دعا النبي صلى الله عليه وسلم على بعض الكفار، فلما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم إن دوسا عصت فادع الله عليهم، قيل: هلكت دوس. قال النبي صلى الله عليه وسلم (اللهم اهد دوسا وأت بهم) فهداهم الله للإسلام.
س: أحسن الله إليكم. يقول السائل: هل أسلم النجاشي، وهل يعد صحابيا؟ .
ج: نعم، أسلم النجاشي، أسلم لا شك في هذا، فالنبي صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي لما مات كما ذكر البخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي حين مات، وصلى عليه، ذهب بالصحابة إلى الصحراء وصلى عليه وكبر عليه أربعا وقال:(مات أخوكم) نعاه الرسول صلى الله عليه وسلم.
صحابي لا، هو ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم من شرط الصحابي أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم وهو ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم. نعم.
س: أحسن الله إليكم. السؤال الأخير يقول: إن من يرى واقع الكفار في هذا العصر يرى أنهم لا يسمعون عن الإسلام إلا كل أمر قبيح، ولم يتيسر لهم أن يعيشوا في مجتمعات مسلمة، وقد يقع في القلب شيء من أن ذلك ينافي عدل الله وحكمته، فهل هؤلاء الكفار الذين لم تبلغهم الدعوة بشكلها الصحيح.
-أعد السؤال..
إن من يرى واقع الكفار في هذا العصر يرى أنهم لا يسمعون عن الإسلام إلا كل أمر قبيح، ولم يتيسر لهم أن يعيشوا في مجتمعات مسلمة، وقد يقع في القلب شيء من أن ذلك ينافي عدل الله، فهل هؤلاء الكفار الذين لم تبلغهم الدعوة بشكلها الصحيح معذورون أو لا، وما رأي فضيلتكم فيمن زعم بأن هذا ظلم من الله لهم، وهل يبلغ حد الكفر بقوله هذا؟ .
ج: القول بأنه ما بلغتهم، هذا بعيد؛ لأن وسائل الإبلاغ ووسائل الإعلام كثيرة الآن، فالظاهر أن الدعوة بلغتهم، ولكن لو قدر أن هناك أحدا لم تبلغه الدعوة فهو في حكمه حكم الفترات، حكم أهل الفترات، والله تعالى يقول:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15) } .
وأهل الفترات الذين لم تبلغهم الدعوة فيهم أقوال لأهل العلم، ذكر الحافظ رحمه الله في الفتح أقوالا، وذكر أيضا العلامة ابن القيم في أواخر "طريق الهجرتين" أرجحها: أنهم يمتحنون يوم القيامة، وأنهم يجرى لهم امتحان، وأنهم يخرج لهم عنق من النار ويردونها، فمن وردها كانت عليه بردا وسلاما، ومن عصى تبين فيه علم الله.
وجاء هذا في أحاديث كثيرة لا تخلو من ضعف سرية وغيره، وأنه يؤتى بأهل الفترة وبالأصم وبالشيخ الهرم وبالمجنون، وأنهم يمتحنون، ولكن الأحاديث يشد بعضها بعضا فتكون من باب الحسن لغيره كما رجح ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، هذا أصح ما قيل فيه، فيكون حكمه حكم أهل الفترات.
وأما مسألة كونهم لم يتبين عدل الله فيهم: نعم الله تعالى يقول: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15) } فمن لم تبلغه الدعوة فإنه لا يعذب حتى تقوم عليه الحجة، وأهل الفترات يمتحنون.
أما قوله: لم يتبين فيهم عدل الله، وأن هذا يصل لدرجة الكفر. نقول: لا، الجواب هو أن من لم تبلغه الدعوة لا يعذب حتى تقوم عليه الحجة، أمره إلى الله، والله تعالى عادل، وقد قال:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15) } من لم تبلغه الدعوة ولم يبلغه الرسول ولم يبلغه القرآن لا يعذب، وهو معذور، وله امتحان آخر.. نعم.
أحسن الله إليكم، ومتع بكم على طاعته، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه وأتباعه.
وفق الله الجميع على طاعته.
وإنه خاتم الأنبياء
نعم "وإنه خاتم الأنبياء": يعني محمدا عليه الصلاة والسلام خاتم الأنبياء، معطوف على قوله:"نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله إن الله واحد لا شريك له، وإن محمدا عبده المصطفى ورسوله المجتبى".
"وإنه خاتم الأنبياء": فلا بد في صحة الإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم أن يعتقد المسلم ويؤمن بأنه خاتم الأنبياء، بأن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي العربي رسول الله حقا، وأنه خاتم الأنبياء، ليس بعده نبي.
فمن زعم أن بعده نبي فهو كافر بعد أن تقوم عليه الحجة، قال الله تعالى:{مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} .
وثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن مثلي ومثل الأنبياء قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون ويقولون: لولا تلك اللبنة. فأنا تلك اللبنة وأنا خاتم النبيين) عليه الصلاة والسلام رواه الإمام مسلم في صحيحه.
وقال عليه الصلاة والسلام: (إن لي أسماء: أنا أحمد، وأنا محمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدميه، وأنا العاقب ليس بعده نبي) والعاقب الذي ليس بعده شيء.
وفي حديث ثوبان يقول النبي صلى الله عليه وسلم (وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي. وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي) .
وقال عليه الصلاة والسلام: (أعطيت ست خصال: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأعطيت الشفاعة، وأحلت لي الغنائم، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وأرسلت إلى الناس كافة، وختم بي النبيون) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
والشاهد من الحديث أنه قال: (وختم بي النبيون) فهذه الأدلة تدل على أنه خاتم النبيين، وأنه ليس بعده نبي، فمن اعتقد أن بعده نبي فهو كافر، ولا يصح إيمانه، ولهذا من ادعى النبوة بعده فهو كافر، كمسيلمة الكذاب، والأسود العنسي.
ومن ذلك مرزا غلام أحمد القادياني الذي ادعى النبوة، أجمع أهل الحق على أنهم فرقة خارجة عن الإسلام، القاديانية الذين يتبعون أحمد مرزا غلام قادياني في الهند، ويعظمون بلدة قاديان ويحجون إليها، هؤلاء كفار، فرقة خارجة عن المسلمين، خارجة عن الإسلام، كما أقر بذلك أهل العلم وأجمعوا على ذلك في العصر الحاضر. نعم.
وإمام الأتقياء
يعني هو محمد عليه الصلاة والسلام إمام الأتقياء، والأتقياء جمع تقي، وهو الذي يخشى الله ويتقيه، وهو الذي يعبد الله مخلصا له الدين، التقي هو الذي يعبد الله مخلصا له الدين، وهو الذي يؤدي ما فرض الله عليه، وينتهي عما حرم الله عليه.
فهو عليه الصلاة والسلام إمام الأتقياء، يقتدى به ويتبع كما قال سبحانه:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) } وهو عليه الصلاة والسلام له النصيب الأوفر من صفات المتقين، فهو مقدمهم وإمامهم.
هذه صفات المتقين، وهو عليه الصلاة والسلام أسبق الناس إلى هذه الصفات، وهو إمام المتقين، تقتدي به أمته عليه الصلاة والسلام إلى يوم القيامة. نعم.
وسيد المرسلين
وسيد المرسلين هذا وصفه عليه الصلاة والسلام أنه سيد المرسلين، فهو سيد المرسلين جميعا، وهو سيد الناس، كما ثبت في الأحاديث الصحيحة أنه عليه الصلاة والسلام أفضل الناس، فهو سيدهم.
وإذا كان سيد المرسلين -والمرسلون أفضل الناس- فهو سيد العالمين عليه الصلاة والسلام كما ثبت من الحديث الصحيح أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأنا أول من ينشق عنه القبر، وأنا أول شافع وأول مشفع) عليه الصلاة والسلام.
فاختاره الله سبحانه وتعالى، واصطفاه على خلقه كما في الحديث:(إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم) فهو عليه الصلاة والسلام أفضل الناس.
وقال عليه الصلاة والسلام: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر) وهو أفضل الناس، وسيد المرسلين، وسيد ولد آدم، فهو أفضل الناس عليه الصلاة والسلام على الإطلاق.
وأما ما جاء في بعض الأحاديث من النهي عن تفضيله كحديث: (لا تفضلوني على موسى) ورواية: (لا تخيروني على موسى؛ فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأجد موسى باطشا بساق العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم كان ممن استثنى الله؟) .
وفي لفظ: (لا تفضلوني على موسى؛ فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق، فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة يوم الطور) .
هذا الحديث له سبب، وهو أن يهوديا قال:(والذي اصطفى موسى على العالمين"، فسمعه مسلم فلطمه، قال: أتقول هذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا؟ فاشتكاه، فجاء اليهودي واشتكى المسلم للنبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تفضلوني على موسى ولا تخيروني على موسى) .
هذا له سبب، فيكون النهي محمول على ما إذا كان التفضيل على وجه الحمية والعصبية وهوى النفس، وهذا منهي عنه، أو يكون التفضيل على وجه الفخر.
فإن الجهاد -وهو أفضل الأعمال- إذا كان على وجه الحمية والعصبية فإنه لا يكون جهادا في سبيل الله، كما ثبت في الحديث:(أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يقاتل حمية والرجل يقاتل عصبية أي ذلك في سبيل الله؟ فقال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) .
فإذن النهي محمول على ما إذا كان التفضيل على وجه العصبية والحمية وهوى النفس، أو كان على وجه الفخر، أو كان على وجه الانتقاص للمفضول، أو أن النهي محمول على ما إذا كان خاصا، أما إذا كان عاما فلا بأس.
ومثله الحديث الأخر: (لا تفضلوا بين الأنبياء) فيجاب عنه بأجوبة:
الجواب الأول: بأن النهي محمول على ما إذا كان التفضيل على وجه الحمية والعصبية وهوى النفس.
ثانيا: أنه محمول -النهي محمول- على ما إذا كان على وجه الفخر؛ لأن الفخر منهي عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد) .
الثالث: أن النهي محمول على ما إذا كان على وجه الانتقاص للمفضول.
الرابع: أن النهي محمول على ما إذا كان خاصا، أما إذا كان عاما فلا بأس تفضيله على عموم الناس، لا بأس، أما تفضيله خاصة كتفضيله على موسى فيكون منهيا عنه.
وأما الحديث الذي يروى: (لا تفضلوني على يونس بن متى) وأن بعض الشيوخ امتنع عن تفسيره حتى أعطي مالا جزيلا، فلما أعطي مالا جزيلا فسره وقال: معناه لا تفضلوني على يونس بن متى؛ وذلك لأن قرب يونس بن متى وهو في بطن الحوت في قعر البحار كقربي من الله ليلة المعراج، (لا تفضلوني على يونس بن متى) وذلك لأن قرب يونس بن متى من الله وهو في قعر البحار في بطن الحوت كقربي من الله ليلة المعراج.
فهذا الحديث باطل، محرف لفظا، وباطل معنى، وهذا يدل على جهل هؤلاء بالحديث، بألفاظ الحديث ومعانيه.
أول هذا الحديث محرف، لم يرد هكذا، إنما صواب الحديث:(لا يقولن أحد إني خير من يونس بن متى)(لا يقولن أحدكم إني خير من يونس بن متى) وفي لفظ: (من قال أنا خير من يونس بن متى فقد كذب) .
فليس فيه نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تفضيله على يونس، والأنبياء يتفاضلون كما قال الله تعالى:{وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ} {* تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} فليس فيه نهي تفضيل النبي صلى الله عليه وسلم على يونس.
ثم أيضا هذا التفسير تفسير باطل، وهو أن يونس بن متى وهو في قعر البحار قربه من الله كقرب محمد صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج وهو فوق السبع الطباق، هذا باطل، هذا ذكره بعضهم، وأظنه ابن علي الجويني، هذا يتمشى مع القول بنفي العلو، يعني أن الله ليس في العلو، وأن من كان فوق السبع الطباق ومن كان في بطن الحوت في قعر البحار فقربهم سواء.
هذا باطل، الله تعالى في العلو فوق العرش، ومحمد عليه الصلاة والسلام في العلو، عرج به إلى العلو، إلى الله في العلو، ويونس في قعر البحار، فأين هذا من هذا؟ كيف يقال: إن قربهما واحد؟
وليس فيه نهي تفضيل محمد عليه الصلاة والسلام على يونس، وكيف يقال: إنه لا يفضل عليه ومحمد عليه الصلاة والسلام عرج الله به، عُرج به إلى السماء، فهو مقرب معظّم مبجل، ويونس ممتحن مؤدب مسجون في قعر البحار، فأين المعظم المقرب المبجل من الممتحن المؤدب؟
ولكن الحديث، صواب الحديث:(لا يقول أحدكم إني خير من يونس بن متى) وفي لفظ: (من قال إني خير من يونس بن متى فقد كذب) وذلك لأنه لا ينبغي للإنسان أن يفضل نفسه على يونس، حتى لو كان فاضلا، فكيف إذا كان مفضولا؟ فكيف على نبي كريم يفضل نفسه عليه؟
وهذا لا يقوله نبي، ومن قال إنه خير من يونس بن متى حتى ولو كان فاضل التقدير لكان قوله هذا يحط من مرتبته، ويكون ناقصا، وتكون مرتبته نازلة، فلا يكون أفضل منه، هذا لو قاله أحد، من قال ذلك فهو كاذب.
وهو من باب التقدير، وإن كان لا يقوله نبي كريم، يعني من قال هذا، لو قال هذا أحد فهو كاذب، وهذا من باب الشرط المقدر كقوله تعالى:{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} والنبي صلى الله عليه وسلم معصوم من الشرك، ولكن الوعد والوعيد لبيان مقادير الأعمال.
وسبب ذلك أن يونس عليه الصلاة والسلام لما ذهب مغاضبا والتقمه الحوت وهو مليم فسبح وقال: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) } يظن بعض الناس أنه لا يحتاج إلى ما يحتاج إليه يونس، وأنه لا يحتاج إلى الندم؛ لأنه لم يذنب كما أذنب يونس.
وكذلك نبينا صلى الله عليه وسلم نهاه الله عن التشبه بيونس قال: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} وأمره بالتشبه بأولي العزم: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ} .
فقد يظن بعض الناس أنه خير من يونس بن متى، وأنه لا يحتاج إلى هذا المقام، إلى مقام الاستغفار والتسبيح، وهذا باطل؛ لأن كل أحد يحتاج إلى أن يستغفر من ذنبه، وكل أحد ظالم لنفسه.
وقد أخبر الله عن الأنبياء كلهم، أولهم آدم، وآخرهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أخبر الله عن آدم أنه قال عن الأبوين:{رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) } موسى أخبر الله عنه {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي} .
محمد عليه الصلاة والسلام وهو أشرف الخلق كما في حديث الاستفتاح: (وجهت وجهي) وقال: (اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) .
فكل أحد يحتاج إلى ما احتاج إليه يونس فمن وقع في نفسه أنه خير من يونس بن متى فهو كاذب. نعم.
وحبيب رب العالمين
يعني نبينا صلى الله عليه وسلم حبيب رب العالمين، بل خليل رب العالمين، لو قال الشيخ الطحاوي:"وخليل رب العالمين" لكان أولى؛ لأن الخلة أكمل من المحبة، ثبت له عليه الصلاة والسلام الخلة كما ثبتت لإبراهيم.
قال عليه الصلاة والسلام: (إني أبرأ من الله أن يكون لي منكم خليل، إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا) وبالحديث الآخر: (لو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكرا خليلا ولكن صاحبكم خليل الرحمن) يعني نفسه.
فإذن الخلة ثابتة لنبينا صلى الله عليه وسلم والخلة أعلى مقامات المحبة، أعلى مقامات المحبة، والمحبة ثابتة لغير الخليل قال الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) } {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195) } {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) } .
هذه المحبة ثابتة لهم، لكن الخلة فوق ذلك، والخلة لم تكن إلا لاثنين: لإبراهيم ومحمد عليهم السلام، فهما الخليلان.
وأما ما يقوله بعض الناس ويزعمه من أن الخلة لإبراهيم والمحبة لمحمد، ويقول: إبراهيم خليل الله، ومحمد حبيب الله. هذا باطل، بل محمد أيضا خليل الله.
ويروى في ذلك حديث رواه الترمذي: (إن إبراهيم خليل الله، ألا وأنا حبيب الله ولا فخر) هذا حديث ضعيف، لا يصح، رواه الترمذي:(إن إبراهيم خليل الله، ألا وأنا حبيب الله ولا فخر) هذا حديث ضعيف، في سنده ضعيفان: زمعة بن صالح، وسلمة بن وهران، وهما ضعيفان؛ فلا يصح الحديث.
والصواب أن محمدا خليل الله كما أن إبراهيم خليل الله، فقول الشيخ:"هو حبيب الرحمن" يوهم أنه لا يثبت الخلة لمحمد، لو قال:"وخليل الرحمن"، "وخليل رب العالمين" كان أحسن، لو قال الطحاوي بدل "وحبيب رب العالمين":"وخليل رب العالمين" لكان أحسن؛ حتى يثبت الخلة، فالخلة ثابتة لاثنين: لإبراهيم ومحمد -عليهما الصلاة والسلام-.
والخلة هي نهاية المحبة -نهايتها-؛ وذلك لأن المحبة مراتب، المحبة لها مراتب، ولها درجات ومراتب:
أول مراتب المحبة العلاقة، وهي تعلق القلب بالمحب، ثمة علاقة تعلق القلب بالمحب.
المرتبة الثانية: إرادة، وهي إدارة المحبوب وطلبه له، إرادة المحب للمحبوب وطلبه له.
المرتبة الثالثة: الصبابة، وهي انصباب القلب إلى المحب، بحيث لا يملكه كانصباب الماء إلى الحجور.
الرابع: الغرام، وهو الحب الملازم للقلب، سمي غراما لملازته له، ومنه الغريم، سمي غريما لملازمته لغريمة صاحب الدَّين إذا لقي المدين لزمه، ومنه قوله تعالى في جهنم:{إِن عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) } يعني ملازما.
المرتبة الخامسة: المودة والود، وهو صفو المحبة وخالصها ولبها، ومنه قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96) } .
المرتبة السادسة: الشغف، وهو الحب الذي وصل إلى شغاف القلب، وهو غلافه، وهي الجلدة التي دون الحجاب.
المرتبة السابعة: العشق، وهو الحب المفرط الذي يخشى على صاحبه، وهذا لا يوصف به الرب، هذه المرتبة لا يوصف بها الرب، ولا يوصف العبد بها في محبته لربه؛ لأنه لم يرد، ولعل الحكمة في ذلك أنها محبة مع شهوة.
الثامن: التتيم، وهو التعبد، ومنه تيم الله أي عبد الله، يقال: تيمة الحب. أي عبّده وذلله.
التاسع: التعبد، وهو غاية الذل مع غاية المحبة، يقال: طريق معبد إذا وطئته الأقدام، غاية الذل مع غاية المحبة، ومحبة العبودية خاصة بالله، ولا تكون إلا لله، وهي غاية الذل مع غاية الحب، فإذا صرفت لغير الله كانت شركا.
العاشر: الخلة، وهي سميت خلة لأنها لتخللها القلب والروح، تتخلل القلب والروح حتى تصل إلى سويدائك، كما قال الشاعر:
قد تخللت مسلك الروح مني *** ولذا سمي الخليل خليلا
والخلة هي نهاية المحبة وكمالها، ولا يتسع القلب لأكثر من خليل واحد، القلب يمتلئ ما يتسع لأكثر من خليل واحد؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم (لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن صاحبكم خليل الله) يعني نفسه عليه الصلاة والسلام.
يعني لو كان في قلبي متسع لكان لأبي بكر، ولكن قلبي امتلأ بخلة الله، فليس فيه متسع، لو كان فيه متسع لكان لأبي بكر، لكن القلب لا يتسع لأكثر من خليل، امتلأ قلبه عليه الصلاة والسلام بخلة الله، فلا يتسع لأكثر من واحد.
أما المحبة فيتسع قلبه لكثير يحب عائشة ويحب أبا بكر، وأسامة حِبُّه، وزيد أبوه، أسامة حِبُّه وابن حِبِّه فيتسع القلب لأكثر من واحد هذا بالنسبة للمخلوق للنبي صلى الله عليه وسلم أما الله سبحانه وتعالى أما الخلة بالنسبة لله فهي صفة لجلال وعظمة الله. والله -تعالى- يوصف من هذه المراتب بالإرادة والمحبة والمودة والخلة هذه الأربع يوصف بها الله أما بقية المراتب فلا، فلم يرد، والخلة هي نهايتها وكمالها وهى أنه تتخلل القلب وتصل إلى سويدائه ويمتلئ بها القلب، ولا يتسع لأكثر من واحد فالخلة لإبراهيم ومحمد صلى الله عليه وسلم هذا بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم امتلأ قلبه بخلة الله، أما الله فاتصافه بالخلة كسائر صفاته يليق بجلاله وعظمته لا تشبه صفاته صفات المخلوقين. نعم.
وكل دعوى النبوة بعده فَغَيٌّ وهوى
نعم كل مَن ادعى النبوة بعد فَغَيٌّ وهوى، كل من ادعى النبوة بعد النبي صلى الله عليه وسلم فهو غاوٍ والغاوي هو المنحرف عن علم وهوى أي اتبع هوى نفسه {فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) } .
ومن ادعى النبوة فهو غاو منحرف سيكون هالكا، والغاوي هو الذي انحرف عن علم، والضال هو الذي انحرف عن جهل هما داءان: الغي والضلال.
فالغي هو ترك العمل مع العلم، والضلال عمل مع جهل، وقد برأ الله نبيه الكريم من هذين الوصفين قال سبحانه:{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) } ليس ضالا فيكون جاهلا، بل هو على علم من ربه، وليس غاوٍيا لا يعمل بل هو راشد ليس غاوٍيا راشد، والراشد هو الذي يعلم ويعمل والغاوي هو الذي يعلم ولا يعمل، والضال هو الذي يعمل بدون علم. إي نعم.
وهو المبعوث إلى عامة الجن
وهو المبعوث عليه الصلاة والسلام إلى عامة الجن يعني أنه رسول الله إلى خلقه يعني الجن والإنس فهو رسول الله إلى الجن والإنس عليه الصلاة والسلام والأدلة في هذا واضحة، قال الله تعالى:{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى} ثم قالوا بعد ذلك: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ} فهذا دليل على أنه مرسل إليهم.
كذلك سورة الجن: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا (1) } سورة الرحمن: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} {فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13) } قرأها النبي صلى الله عليه وسلم عليهم وقرأها على الإنس فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لَلْجن أحسن ردا منكم ما قرأت عليهم هذه الآية {فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13) } من مرة إلا قالوا: ولا بشيء من نعمك يا ربنا نكذب فلك الحمد) .
وثبت أيضا أنهم (جاءوا للنبي صلى الله عليه وسلم وأنهم سألوه الزاد فقال: لكم كُلُّ عَظْم ذُكِرَ اسمُ الله عليه يعود أوفر مما كان عليه لحما وكل بعرة
…
) أي علف لدوابكم، قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تستنجوا بالعظم والروث فإنه زاد إخوانكم من الجن) .
وثبت في قصة أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تبرح مكانك وأن الجن به حركة ولغط وأصوات) فأراد أن يذهب لكنه ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تبرح مكانك فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أخبره قال يا رسول الله سمعت كذا وكذا وخشيت عليك فتذكرت قولك: لا تبرح قال هل سمعت؟ قال: نعم فجاءه فأراه النبي صلى الله عليه وسلم مكان نيرانهم وأخبره أنهم سألوه كذا وكذا) .
فهذه أدلة تدل على أنه مرسل إلى الجن عليه الصلاة والسلام. قال ابن القاسم: إنه لم يرسل نبي إلى الإنس وللجن إلا محمد صلى الله عليه وسلم لكن هذا بعيد؛ لأن ظاهر قوله تعالى: {يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى} ظاهره بأن موسى مرسل إليهم {يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى} وكذلك أيضا قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} دليل أنه أُرْسِل إليهم رُسُلٌ {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ} .
فإذن أحد الثقلين أرسل إليهم الرسل، ولكن النبوة والرسالة هل تكون في الجن هل يكون من الجن رسول ونبي قال بعضهم: هذا روي عن الضحاك بن مزاحم أنه يكون من الجن نبي، وقال آخرون كمجاهد وغيره والذي روي عن ابن عباس: أن الرسل تكون من الإنس خاصة، وأما الجن يكون فيهم نُذُرٌ يُنْذِرُونَ كما في الآية {فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) } {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ} .
النبوة والرسالة تكون في الإنس، والجن إنما يكون فيهم نُذُرٌ، وأما قوله تعالى:{يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} فلا يلزم من ذلك أن يكون الرسل منهم وإنما أحدهما وهو الإنس كقوله تعالى: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20) } ثم قال: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (22) } وإنما يخرج اللؤلؤ من أحدهما، وهو المالح دون العذب.
وقال آخرون: لا مانع {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} ظاهرها أنه يكون منهم الجن، أن يكون من الجن رسل. وقالوا: إن القول يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ليس بصحيح أنه اللؤلؤ والمرجان لا يكون بل قد يخرج من الحلو والله أعلم بالصواب.
وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم مرسل إلى كافة الورى إلى عموم الناس إلى يوم القيامة العرب والعجم هذه أدلة واضحة ولا شك في هذا.
من أنكر رسالة محمد صلى الله عليه وسلم إلى عموم الناس أو قال: إن النبوة رسالة خاصة بالعرب فهو كافر قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} وقال سبحانه: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) } وقال سبحانه: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} وقال تعالى: {وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} إلى يوم القيامة كل من بلغ، وقال سبحانه {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79) } .
وقال سبحانه: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ} جميعا عموما، وقال صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح:(والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار) هذه الأدلة تدل على عموم الرسالة.
وأما قول بعض النصارى: إن النبوة خاصة بالعرب فيقال لهم: إذا أثبتم أنه رسول إلى العرب أثبتم أنه يلزمكم أن تثبتوا أنه رسول الله إلى الناس عامة ما دام أثبتم أنه رسول، فالرسول لا يكذب، وقد أخبر أنه رسول الله إلى الناس كافة فيلزمكم تصديقه وإلا فاكفروا ما دمتم أثبتوا أنه رسول، ولو إلى العرب فنقول الرسول هل يكذب الرسول؟ نقول: لا يكذب، نقول: إن الرسول أخبر أنه رسول الله إلى الناس كافة وما دام أثبت أنه رسول للناس كافة كما في الحديث: (وأرسلت إلى الخلق كافة)(فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون) .
وكذلك الآيات، فيلزمكم أن تؤمنوا بالقرآن، فإذا لم تؤمنوا بالقرآن
…
ففي القرآن النصوص واضحة في عموم الرسالة، فإذا لم تؤمنوا بالقرآن ولم تصدقوه كفرتم وإن صدقتموه في أنه رسول فصدقوا في إخباره بأنه رسول الله إلى الناس كافة. إي نعم.
وكافة الورى بالحق والهدى وبالنور والضياء
كافة الورى يعني الناس كافة الناس، والجن سبقه إلى كافة الناس من الجن، إلى كافة الناس من العرب والعجم بالحق والهدى والنور والضياء.
هذا وصف الشرع الذي جاء به عليه صلى الله عليه وسلم أنه بالحق، وهو ضد الباطل ليس فيه باطل أرسله الله بالحق والهدى والعلم النافع، الله تعالى أرسله بالحق الذي المطابق للواقع والهدى العلم النافع الذي يثمر العمل الصالح والنور الذي يستضاء به ويوصل إلى الله وجنته ودار الكرامة، والضياء أبلغ من النور كما قال -سبحانه تعالى-:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا} فإن الضياء نور فيه حرارة، والقمر فيه نور بدون حرارة، والشمس فيها نور بحرارة.
وذلك أن هذا الشرع فيه نور وضياء، وحرارة الشرع الذي به جاء محمد صلى الله عليه وسلم نور فيه بيان وإيضاح ودعوة وتعليم وبيان حق الله.
وفيه حرارة أيضا: قوة وقمع المجرمين، وجهاد الكافرين، وإقامة الحدود فهو نور وضياء، فالشرع حق ليس فيه باطل، وهدى علم نافع في العمل الصالح، ونور إيضاح للحق وضياء نور فيه حرارة قمع المجرمين جهاد الكافرين إقامة الحدود هذا هو وصف الشرع الذي جاء به عليه الصلاة والسلام.
وإن القرآن كلام الله
"وإن القرآن كلام الله" بالكسر معطوف على قوله: "نقول في توحيد الله بتوفيق الله: إن الله واحد لا شريك له، وإن محمد عبده المصطفى، وإن القرآن كلام الله" الكل معمول قول: نقول: إن الله واحد لا شريك له نقول في توحيد الله: "إن الله واحد لا شريك له، ونقول: إن محمدًا عبده المصطفى ورسوله" ونقول: "إن القرآن كلام الله".
القرآن كلام الله، صفة من صفاته، فالقرآن كلام الله عز وجل تكلم به وأنزله على نبيه وحيا، وليس بمخلوق كما يقول أهل البدع، وليس معنى قائم بالنفس بل هو كلام الله تكلم به بحرف وصوت يسمع سمعه جبرائيل، وكلم الله محمدًا صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج، وسمع موسى كلام الله.
هذا هو الحق الذي عليه أتباع الرسل من أهل السنة والجماعة والصحابة والتابعين وأتباعهم: أن القرآن كلام الله، وأنه صفة من صفاته عز وجل وأن الله تكلم بحرف وصوت يسمع، وأنه ليس بمخلوق ككلام البشر؛ خلافا لأهل البدع، ومسألة الكلام مسألة عظيمة، وهي من المسائل الكبار المشهورة التي تنازع الناس فيها، وهي من الصفات العظيمة التي اشتد النزاع فيها بين أهل السنة وأهل الحق وبين المخالفين لهم، ففي معنى كلام الله وحقيقة كلام الله مذاهب للناس، وهذه المسألة من المسائل العظام.
ولما كان النزاع فيها شديدا بين أهل السنة وأهل البدع؛ ولما كان الحق قد يلتبس بالباطل لكثرة من خاض في هذه المسألة؛ فلا بد من استعراض المذاهب في هذه المسألة وبيان القول الحق الذي تشهد له الأدلة والنصوص، وتشهد له العقول والفطر لا بد من بيان القول الحق الذي تقتضيه النصوص، وتشهد به العقول السليمة والفطر المستقيمة، والناس تنازعوا في كلام الله على مذاهب، لكن أبرز المذاهب في هذه المسألة ثمانية مذاهب هذه لأهل الأرض جميعا سبعة مذاهب باطلة، والمذهب الثامن هو قول الحق.
ومع كون هذه المذاهب الباطلة سبعا يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: هذه المذاهب السبعة هي الذائعة بين الناس وبين فضلاء العالم لا يعرفون غيرها مع بطلانها، وهذه المذاهب بعضها فكرية وبعضها مبتدعة.
المذهب الأول مذهب الاتحادية، المذهب الثاني مذهب الفلاسفة، المذهب الثالث مذهب السالمية، المذهب الرابع الكرامية، المذهب الخامس مذهب الكلابية، المذهب السادس مذهب الأشعرية، المذهب السابع مذهب الجهمية والمعتزلة، المذهب الثامن مذهب أهل السنة والجماعة، هذه أبرز المذاهب وهناك مذاهب أخرى لكن ليست مشهورة، لكن هذه أبرز المذاهب، مذاهب أهل الأرض جميعا في مسمى كلام الله ما هو؟
المذهب الأول مذهب الاتحادية: والاتحادية هم الذين يقولون بوحدة الوجود وأن الوجود واحد يقولون: إن كلام الله كل كلام يسمع في الوجود فهو كلام الله، سواء كان حقا وصدقا أو كذبا وسواء، كان نظما أو نثرا سواء، كان حقا أو باطلا وزورا وبهتانا وسواء كان كلام الأعجميين، أو كأصوات الطيور، أو الحيوانات كله كلام الله، نعوذ بالله من ذلك.
كما قال زعيمهم ابن عربي الطائي رئيس وحدة الوجود:
ألا كل قول في الوجود كلامه *** سواء علينا نثره ونظمه
لكن موجود في كتابه "الفتوحات المكية"
ألا كل قول في الوجود كلامه *** سواء علينا نثره ونظمه
فإذا مذهب الاتحادية كل كلام يسمع في الوجود فهو كلامه سواء كان نظما أو نثرا، سواء كان حقا أو باطلا، وسواء كان كلام آدميين أو غيره.
وهذا المذهب مبني على مذهبهم في القول بوحدة الوجود؛ فإن مذهبهم أن الوجود واحد ليس هناك موجودات، ليس هناك رب وعبد ولا خالق ولا مخلوق، بل الوجود واحد الرب هو العبد والعبد هو الرب، والخالق هو المخلوق والمخلوق هو الخالق لا فرق بينهم؛ ولهذا يقول ابن عربي الطائي:
الرب عبد والعبد رب *** إن قلت عبد فذاك ميت
يا ليت شعري مَن المكلف *** أو قلت رب أنَّى يُكَلَّف
إن ثبت عليه الأمر إذن العبد هو الرب، والرب هو العبد أيهما المكلف، إن قلت: عبد فذاك ميت وذاك نفي وإن قلت رب أنَّى يُكَلَّف وقال أيضا رب مالكٌ وعبد هالكٌ، وأنتم ذلك والعبد فقط والكثرة، وهم هؤلاء الاتحادية من أكثر خلق الله أكثر خلق الله هم الاتحادية وهم منافقون زنادقة يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر فهم في الدرك الأسفل من النار، نعوذ بالله من المنافق والمنافقون.
والله -تعالى- يقول: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} وكل كفر، فجزاء مَن كَفَرَ النار، نسأل الله السلامة والعافية، ليس بعد هذا كفر ليس فوق هذا إنكار كامل لوجود الله فإذن مذهبهم في القول بوحدة الوجود مذهبهم في الكلام مبني على القول بوحدة الوجود وأصل هذا المذاهب نشأ من إنكار مسألة المباينة والعلو أنكروا علو الله على الخلق، وأنكروا مباينته لهذه المخلوقات، قالوا: ليس منفصلًا عنها ولا مبينا لها ولا فوقها وقرروا هذه القاعدة، وهذا الأصل.
فلما تقرر هذا عندهم وهو إنكار مباينة الله للمخلوقات، وإنكار العلو صاروا بين أمور ثلاثة: إما أن يقولوا: إنه معدوم لا وجود له، وهذا ما استساغوه؛ لأن الناس يكذبون، فقالوا: إن الله معدوم كذبوه، وهم منافقون زنادقة؛ لأن هؤلاء الاتحادية يظهرون الإسلام ويخفون الكفر؛ ويدعون الإسلام؛ ولهم مؤلفات تحقق وتنشر ككتاب "الدرة" وغيره تحقق ولهم مؤلفاتهم محققة توجد في كثير من الأقطار العربية وتطبع بورق ثقيل وخط واضح وتحقق.
وهناك من يدافع عن ابن عربي يدافع عنه ويقول: إنه معذور لا تظنوا أن هذا المذهب ما هو موجود مذهب الاتحادية؟ موجود ومنتشر وهناك رجل في السودان على عهد النميري الحاكم الأول يقال له العربي ادعى أن الله حَلَّ فيه، وقال: إنه هو الله والعياذ بالله فلا تظنون أن مذهب الاتحادية ما هو موجود، وهم من أكثر خلق الله بل أكثر خلق الله.
لهذا اقتضى العلماء لبيان هذا الكفر ويدعون أنهم أولياء الله وهم الخواص والعياذ بالله، هذا ابن العربي له مؤلفات وكتب "الفتوحات المكية" وله مؤلفات في الفقه فلا بد من بيان الشرح حتى لا ينطلي على بعض الناس، فلما أنكروا مباينته لخلقه وعلوه فصاروا بين واحد من ثلاثة أمور:
الأمر الأول: أن يقولوا بأن الله معدوم لا وجود له صراحة، وهذا ما استساغوه؛ لأن الناس يكشفون كفرهم؛ وهم زنادقة يظهرون الإسلام، ويبطنون الكفر فاستبعدوا هذا الأمر.
الأمر الثاني: أن يقولوا: إن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته ولا مغاير له، ولا محايد له، ولا متصل به، ولا منفصل عنه كما قال الجهمية الذين نفوا عن الله النقيضين قالوا هذا أيضا ما استساغوا هذا القول، وقالوا هذا غير متصور ولا يمكن تصور هذا.
فاختاروا القول الثالث: وهو أن الله هو عين المخلوقات، فالخالق هو المخلوق والرب والعبد كل ما تروه هو الرب. قال ابن عربي:"سِرْ حيث شئت فإن الله ثَمَّ وقُل ما شئتَ به فالواسع الله، فكل شيء تراه هو الله، والله هو عين هذه المخلوقات، وهو عين هذه الموجودات". والشيء لا يحايد نفسه، ولا ينافيها فثبت عند هؤلاء الملاحدة أن الله عين هذه المخلوقات؛ فلما ثبت عندهم أن الله عين هذه المخلوقات، قالوا: إن كل كلام في الوجود هو كلامه سواء كان حسنا أو قبيحا، وسواء كان كفرا أو إيمانا، وكل اسم فهو له حسن أو قبيح، وكل صفة فهي له صفة نقص أو كمال، وهذا مذهب كفري شديد بل هم أعظم الناس كفرا، كفى أن يقال: يجرؤ عاقل أن يقول كل كلام يسمع في هذا الوجود كلام الله من الكفر والسب والشتم والغناء والباطل إلى غير ذلك.
وهؤلاء كفرة لا يؤمنون بالله ولا بملائكته ولا بكتبه ولا برسله ولا باليوم الآخر ولا بالقدر خيره وشره فهم أكثر الناس، نسأل الله السلامة والعافية، ومن فروع هذا المذهب أنهم يقولون: إن فرعون مصيب حينما قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) } وكذلك عباد الأصنام والأوثان يكونون على الحق هم على الحق والصواب، وكل من عبد شيئا فهو مصيب من عبد النار فهو مصيب، من عبد الصنم فهو مصيب، ومن عبد النيران فهو مصيب، ومن عبد العجل فهو مصيب كلهم مصيبون، وإنما الكفر بالتخصيص لا تنهى أحدا عن شيء فإذا خصصت شيئا، وقلت: لا يجوز عبادة إلا هذا الشيء فهذا هو الكفر التخصيص.
وابن عربي له مُؤَلَف من مؤلفاته أنه يقول: إن فرعون مصيب حينما قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) } ويقول: إنه أُغْرِق لما أَغْرَقه الله لما أُغْرِق في البحر قال هذا الإغراق تطهير له الحسبان والوحي تطهير له؛ لأنه ظن أنه الرب وحده، وهذا غلط حينما قال {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) } كل واحد رب فلما حسب هذا الحسبان أغرق تطهيرا له، هذا هو الحسبان ويقول معارضة لكتاب الله إن موسى عليه الصلاة والسلام لما أخذ برأس هارون ولحيته حينما عبدوا العجل يقول أخذ برأسه ولحيته يقول لماذا تنهاهم عن العجل وهم على الصواب.
المؤلفات موجودة الآن، وهناك من يدافع عنها، نسأل الله السلامة والعافية، ومن فروع هذا المذهب أنه لا فرق بين الزنى والنكاح، ولا بين الخمر والماء، ولا بين الأم والأخت والأجنبية الكل واحد، ومن فروع هذا الأمر ضيقوا على الناس وبعدوا عليهم الأصول، والواقع وراء ذلك كله، نسأل الله السلامة والعافية.
فالمقصود أن هذا المذهب الكفري هو موجود موجودة مؤلفاته، نبه عليها العلماء، وهناك من يدعي أنهم على الصواب والاتحادية، وأنهم أولياء الله وهناك من يعتذر عنهم فلا بد أن يكون طالب العلم على حذر، وعلى إلمام بهذا المذهب الخبيث الذي هو أكفر مذهب في الأرض، نسأل الله السلامة والعافية، وبهذا القدر نكتفي لئلا نسترسل في الكلام، ونسأل الله للجميع العلم النافع والعمل الصالح، ونسأل الله للجميع السلامة والعافية من الفتن إنه على كل شيء قدير، وصلى الله على وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه والتابعين.