الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأسئلة:
س: أحسن الله إليكم هل يوصف الله بالتردد كما في الحديث القدسي (وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن
…
) الحديث؟
ج: نعم كما وصفه الرسول عليه الصلاة والسلام لكن هذا التردد ليس كتردد المخلوق الذي يدل على الضعف، ولكنه تعارض الإرادتين كما بين في الحديث، فالله تعالى يريد ما يريده عبده المؤمن، والمؤمن يكره الموت، فالله يريد ما يريده عبده المؤمن، ولكن الله قضى وقدر أنه يموت، فهذا تعارض إرادتين إرادة الموت؛ لأن الله قدره، وإرادة ما يريده العبد وهو كراهة الموت ولا ينافي هذا التردد ترجيح إحدى الإرادتين؛ لأن الموت لا بد منه نعم.
س: أحسن الله إليكم صفتا الحياة والقيومية من أيّ أنواع الصفات؟
ج: من الصفات الذاتية الملازمة للرب سبحانه وتعالى لا تنفك عن الباري في الحياة نعم.
س: أحسن الله إليكم: في قول عمر: لو كان أبو عبيدة حيا لاستخلفته" هل يدل على أن أبا عبيدة أفضل من عثمان وعلي؟
ج: لا يدل ما أدري عن صحة الحديث لكن هذا إن صح فمعناه بيان فضل أبو عبيدة وأبو عبيدة من العشرة المشهود لهم بالجنة.
س: أحسن الله إليكم: هل هناك ثمرة من الخلاف في مسألة ثبوت خلافة أبي بكر بالاختيار أو بالنص؟
ج: نعم ثمرة الخلاف معرفة ما جاء في النصوص، وكذلك أيضا معرفة الحكم الشرعي في اختيار الخليفة. نعم.
س: أحسن الله إليكم: يقول السائل ما قولكم في التفريق بين اليأس والقنوط، نعم؟ ما قولكم في التفريق بين اليأس والقنوط؟
ج: اليأس هو القنوط اليأس من رحمة الله هو القنوط، فاليائس قانط والقانط يائس متقاربان مترادفان أو متقاربان قد يكون بعضهم أشد، وإلا كل منهما فيه يأس من روح الله اليأس قال تعالى:{إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87) } وقال {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56) } فاليائس كافر والقانط ضال ضلال الكفر فهو المعنى واحد مترادفان أو متقاربان، الفرق بينهما كالفرق بين الخوف والخشية نعم.
س: أحسن الله إليكم: هل قول الطحاوي: ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله فيه موافقة لقول مرجئة الفقهاء؟
ج: نعم قوله: لا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب إلا أن يستحله سبق الكلام في هذا والمذاهب في المسألة، وأن قوله لا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب لم يستحله، هذا قول أهل السنة بذنب ما لم يستحل الذنب، يعني بذنب دون الكفر لا بد من هذا القيد لا نكفر أحد من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله، والمراد من أهل القبلة من التزم بالإسلام والتوحيد ولم يأت ناقضا من نواقض الإسلام هذا لا يكفر إلا إذا فعل ناقضا من نواقض الإسلام هذا قول أهل السنة العبارة تحتاج إلى قيد، لكن الطحاوي من أهل السنة يضم بعضه إلى بعض نعم.
يحمل على أن مقصوده ما يحتاج إلى استحلال ليس المراد أنه يعني يستحل الزنا أو يستحل السرقة أو شرب الخمر هذه المعاصي كفر، أما من لم يستحلها فلا يكفر بهذا الذنب. نعم، هذا معروف مسألة عموم السلب وسلب العموم كل ذنب لا نكفر به هذا مذهب المرجئة، لا نكفر بكل ذنب هذا مذهب أهل السنة، بل الذنوب التي يستحلها يكفر بها، والتي لا يستحلها لا يكفر بها. نعم.
س: أحسن الله إليكم: في قول الطحاوي والأمن والإياس هل هذا على إطلاقه أم لا بد من تقييده بالأمن والإياس الكفريان أيش؟ هل هذا على إطلاقه في الأمن والإياس أم لا بد من تقييده بالأمن والإياس الكفريين. الكليين؟ الكفريين؟
ج: الأمن والإياس لا يكونان إلا كفريين، ما هناك تقيد لا كما قال الطحاوي الأمن والإياس ينقلان من ملة الإسلام، وكما سمعت ارجع إلى الكلام الأول الذي قلناه قلنا: إن الآمن من مكر الله ليس خائف ما عنده خوف، وإذا ما كان عنده خوف يفعل جميع المنكرات ويترك جميع الواجبات وكونه مصدق بقلبه ما يكفي.
وكذلك اليائس المتشائم يائس من رحمة الله يرى أنه لا يفيده أي شيء فلا يفعل واجبات مطلقا؛ لأنه متشائم ولأنه عبد الله لم يعبد الله بالخوف والرجاء فلا يكون إيمان إلا بالخوف والرجاء. نعم.
س: أحسن الله إليكم: هل يكفر من قال إحدى هذه الأمور القول بخلق القرآن أو الوجودية؟
ج: القول بخلق القرآن نعم: من قال القرآن مخلوق كفر، قال الإمام أحمد وأهل السنة قالوا: من قال القرآن مخلوق كافر، هذا قول المعتزلة هذا على العموم، أما فلان ابن فلان إذا قال القرآن مخلوق لا نكفره حتى نقيم عليه الحجة لكن على العموم من قال القرآن مخلوق كافر، من أنكر علم الله وأن الله يعلم كل شيء كفر، لكن فلان ابن فلان قال القرآن مخلوق ما ندري حاله نقوله المقالة كفرية والشخص لا يكفر إلا إذا قامت عليه الحجة، إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع، هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة تكفير على العموم، من قال القرآن مخلوق كافر أما فلان ابن فلان قال القرآن مخلوق نقول: المقالة كفرية والشخص لا يكفر إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع نعم.
س: من قال إن الله في كل مكان موجود؟
ج: كذلك هذا قول الحلولية كفر كفَّره العلماء من قال: إن الله في كل مكان كفر. نعم.
س: من أنكر اليد أو العين لله سبحانه وتعالى؟
ج: نعم من أنكر صفة من صفات الله كفر، أما إذا أولها فهذا قد يدرأ عنه الكفر، إذا أول اليد بالقدرة أو النعمة كما أول المعتزلة وغيرهم، هذا محل كلام لأهل العلم منهم من كفر المعتزلة أو لا لكن من جحد أنكر لله قال الله تعالى {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} ويقول لا ليس لله يدان هذا كافر جاحد مكذب لله نعم كذلك أنكر العين بعد بلوغ بعد أن يبلغه حديث الدجال (إن ربكم ليس بأعور) تقوم عليه الحجة فإنه يكفر نعم.
س: أحسن الله إليكم ألا يكون قول المؤلف: ولا يَخرج العبد من الإيمان إلا بجحود ما أدخله فيه من المتشابه فنرده الى المحكم من قوله: ولا نكفر أحد من أهل القبلة
…
إلى آخره؟
ج: نرده إلى قوله هو الإيمان هو الإقرار باللسان والتصديق بالجنان فعرف الإيمان هذا عرف الإيمان، ما دام عرف الإيمان بأنه التصديق والكفر هو الجحود قال: لا يخرج من الإيمان إلا بجحود التصديق هذا كلامه يرد بعضه إلى بعض، معروف أنه يقرر مذهب المرجئة هذا مذهب الأحناف نعم.
س: أحسن الله إليكم من عرف عنه سب الدين أو الاستهزاء به هل ينطبق عليه أحكام الكفار في عدم تغسيله والصلاة عليه؟
ج: نعم إذا عرف أنه مات على سب الله أنه يسب الله وقامت عليه الحجة، ولو لشبهة ويكون عقله معه كما أن مع المكفرات الإنسان يكون عاقل، أما إذا كان غاب عقله مجنون أو كان سكران ثم تكلم بكلمة الكفر، أو كان صغير دون التمييز، أو جاهل مثله يجهل هذا ما قامت عليه الحجة هذا لا يكفر لا بد أن يكون عالم يعلم بهذا مثله لا يجهل هذا الشيء.
أما إذا كان عاش في بلاد بعيده ثم تكلم فقال الزنا حلال أو الربا حلال في مجاهيل ما سمع عن الإسلام، هذا لا بد أن تقوم عليه الحجة، أو كان مجنون تكلم بكلمة الكفر لا يؤاخذ؛ لأنه غير مكلف أو سكران تكلم بكلمة الكفر لا يؤاخذ على الصحيح أو صغير دون التمييز هذا لا يؤاخذ؛ لأنه غير مكلف أو إنسان ما قصد قال كلمة الكفر قال سبق لسان بسبب الدهشة كالرجل الذي يقول:(اللهم أنت ربي وأنا عبدك..) هذه كلمة كفرية يخاطب ربه لكن قالها عن دهشة سبقة لسان ما قصد نعم.
س: أحسن الله إليكم يحدث أحيانا عندما تنصح شخصا بعمل واجب أو ترك محرم أن يقول الإيمان في القلب فكيف يرد على من هذا حاله وفقكم الله؟
ج: نعم نقول له: إذا كان الإيمان في القلب انعكس هذا على الجوارح ونقول أيضا الكفر في القلب والنفاق في القلب، الإيمان في القلب والكفر في القلب، فإذا صلح القلب صلحت الجوارح عندنا علاقة فإذا كان في قلبك إيمان لا بد أن تنقاد الجوارح كلها تصلي تصوم تؤدي الفرائض تنتهي عن المحرمات، فإذا لم تعمل بالمرة مطلقا فتكفر هذا كفر وردة ما يكفي الإيمان في القلب.
أما إذا كان يعمل ولكن يفعل بعض المحرمات نقول هذا إيمانه ضعيف دليل على أن الإيمان الذي في قلبك ضعيف، الدليل كونك تزني كونك تسرق كونك ترابي هذا؛ لأن إيمانك ضعيف، أما إذا كان يقول: الإيمان في القلب ولكن لا يصلي ولا يصوم ولا يعمل شيء من الأعمال. نقول: هذا غير منقاد، إيمانك كإيمان فرعون وإيمان إبليس ما في فرق بين إيمانك وإيمان إبليس وفرعون إبليس مصدق، وفرعون مصدق ما يعملوا وأنت لا تعمل، هذا دليل على أنه ليس في قلبك إيمان، لو كان في قلبك إيمان انقادت الجوارح بالعمل، أما إذا كانت الجوارح تعمل لكن يفعل بعض المحرمات ويترك بعض الواجبات نقول هذا دليل على أن إيمانك ضعيف نعم.
س: أحسن الله إليكم هل يوجد دليل يصرح بنقص الإيمان؟
ج: نعم هو كما سمعت الأدلة التي سقناها (لا يؤمن أحد
…
) الحديث. (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين) هذا لا يؤمن يعني لا يؤمن الإيمان الكامل، وإلا لو أحب يعني قدم محبتهم على محبة الرسول فهو ضعيف الإيمان كذلك أيضا (النساء ناقصات عقل ودين) والدين هو الإيمان (الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله) فإذا ذهبت بعض الشعب ينقص الإيمان الشعب الواجبة {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} (لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه) هذا ناقص الإيمان، لا يؤمن الإيمان الكامل الإيمان الواجب يعني الذي لا يأمن جاره بوائقه كافر وإلا ضعيف الإيمان ناقص الإيمان وهكذا نصوص كثيرة لا حصر لها، نعم.
س: يقول ثبت في حديث أسامة بن زيد أنه لما قتل أحد المشركين في معركة لما قال: لا إله إلا الله، وقال له الرسول صلى الله عليه وسلم (أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله؟ قال: ما قالها إلا خائفا من السيف. فقال الرسول: هل شققت عن قلبه) نرجو تعليقكم على هذا الحديث وفقكم الله؟
ج: نعم وذلك لأن الكافر الذي لا ينطق بالشهادتين إذا نطق بالشهادتين يجب الكف عنه، يجب الكف عنه إذا قال أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله يجب الكف عنه، ثم بعد ذلك ننظر إن التزم بالإسلام فالحمد لله، وإن لم يلتزم صار مرتدا، ثم يقتل بعد ذلك، فأسامة رضي الله عنه لما رفع السيف عليه قال: لا إله إلا الله اجتهد أسامة رضي الله عنه ظن أنه قال تعوذا من السيف خوفا من السيف فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم شدد عليه، وقال:(أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله؟ قال يا رسول الله قالها: تعوذا قال: أشققت عن قلبه) .
هل شققت عن قلبه هل تدري أقالها تعوذا أو قالها صدقا قال أسامة: (حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت يومئذ) ولذلك رضي الله عنه انتفع بذلك حتى إنه رضي الله عنه ما شارك في قتل في القتال الذي دار بين الصحابة بين معاوية وعلي من أجل هذا الحديث من أجل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له هذا.
فهذا الكافر إذا نطق بالشهادتين يُكَفُّ عنه، هذا دليل على الإيمان، ولا تقول إنه قالها ما هو صادق، ما الذي يدريك أنه غير صادق؟ انظر اصبر فإن التزم بالإسلام فالحمد لله صار مؤمنا، وإن فعل ما هو كفر قتل بعد ذلك. نعم.
س: أحسن الله إليكم جاء في الحديث: (أن الله تعالى يخرج بعد الشفاعة من قال لا إله إلا الله) فهل يدخل فيه الذي لا يصلي وجزاكم الله خير؟
ج: الصواب أن من قال لا إله إلا الله يعني قالها عن صدق وإخلاص وأتاها من قال لا إله إلا الله بشروطها؛ لأنه جاء في بعض الأحاديث (من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه) وفي بعضها (مخلصا) وفي بعضها (صادقا من قلبه) وفي بعضها (من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله) يعني لم يشرك بالله والنصوص يضم بعضها إلى بعض ولا بد من الإتيان بشروطها.
والصلاة من شروط لا إله إلا الله شرط لصحة التوحيد من لم يصل ليس بموحد مشرك؛ لأن من شرطها لأن الصلاة شرط في صحة الإيمان، والتوحيد من لم يوحد من لم يصل لم يوحد ولم يؤمن ولا تنفعه قول لا إله إلا الله، قول لا إله إلا الله إنما ينفع من أتى بشروطها، ومن شروطها الصلاة هذا هو الصواب الذي عليه المحققون. وفق الله الجميع لطاعته ورزق الله الجميع العلم النافع والعمل الصالح وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه.
ونؤمن بما جاء من كراماتهم وصح عن الثقات من رواياتهم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد: فإن المؤلف رحمه الله وهو الطحاوي يبين في هذا عقيدة أهل السنة والجماعة في الإيمان بكرامات الأولياء وهي الخوارق التي يجريها الله على أيدي المؤمنين خلافا لأهل البدع كالمعتزلة فإنهم أنكروا كرامات الأولياء بل أنكروا خوارق العادات التي تجري على غير أيدي الأنبياء كما سيأتي والكرامة والمعجزة بينهما توافق واختلاف على حسب الاصطلاحات فالمعجزة الفرق بين المعجزة والكرامة أن المعجزة في اللغة تعم كل خارق للعادة، سواء ظهر على يد نبي أو ولي أو غيرهما يسمى معجزة في اللغة العربية.
والمعجزة في اللغة أيضا عام لكل ما تبلغه قوة غيرك وتعجز عنه أنت يقال: إنه معجز نسبي فإن كان معجز للبشر فهو خارق فكل خارق فهو معجز وليس كل معجز خارقا هذا من جهة اللغة، إذن في اللغة المعجزة تعم كل خارق للعادة بصرف النظر عن كون الذي ظهرت على يديه نبي أو ولي أو غيرهما.
والمعجزة والكرامة في عرف أئمة أهل العلم المتقدمين تعم كل خارق للعادة لا فرق بين المعجزة والكرامة عندهم فالإمام أحمد رحمه الله وغيره يسمونها الآيات أما المعجزة والكرامة في عرف العلماء المتأخرين فيفرقون في اللفظ بينهما فيجعلون المعجزة للنبي والكرامة للولي، وجماعها الأمر الخارق فالكرامة عند المتأخرين من العلماء هي أمر خارق للعادة غير مقرون بدعوة النبي يظهر على يدي صالح ملتزم بمتابعة النبي.
فالمعجزة التي يظهرها الله على يدي مدعي النبوة من خوارق العادات، ومنهم ما يتحدى به أمته كالقرآن لمحمد صلى الله عليه وسلم ومنه ما لا يتحدى به كنبع الماء من بين أصابعه وحنين الجزع إليه ولا يسمى كرامة، والكرامة ما ظهر على يد صالح من الصالحين من الخارق للعادة، ولا يسمى معجزة وعند العلماء المتقدمين ما ظهر على يد نبي يسمى معجزة وكرامة، وما ظهر على يد صالح يسمى كرامة ومعجزة.
وعند العلماء المتأخرين ما ظهر على يد نبي يسمى معجزة ولا يسمى كرامة وما ظهر على يد صالح يسمى كرامة ولا يسمى معجزة أي الاصطلاحين أصح؟ اصطلاح العلماء المتقدمين أصح؛ لأنه يوافق اللغة العربية فاللغة العربية كل خارق للعادة يسمى معجزة سواء ظهر على يد نبي أو ولي وعند العلماء المتقدمين كل خارق للعادة يسمى معجزة ويسمى كرامة سواء ظهر على يد نبي أو ولي.
أما المتأخرون من العلماء ففرقوا بينهما فقالوا: إن ظهر الخارق للعادة على يد نبي فنسميه معجزة، وإن ظهر على يد صالح من الصالحين فنسميه كرامة ويجمعها شيء واحد وهو: الأمر الخارق للعادة والأمور التي هي مبدأ الكرامات والتي لا تخرج عنها جميع المعجزات والكرامات، والتي هي صفات الكمال في الوجود ترجع إلى ثلاثة أشياء الأمور التي هي مبدأ الكرامات والتي لا تخرج عنها جميع المعجزات والكرامات والتي هي صفات الكمال في الوجود ترجع إلى ثلاثة:
العلم والقدرة والغنى. العلم والقدرة والغنى وهذه الثلاثة لا تصلح على وجه الكمال إلا لله وحده بيان ذلك: أما العلم فإنه الذي أحاط بكل شيء علما، وأما القدرة فهو على كل شيء قدير، وأما الغنى فهو غني عن العالمين سبحانه وتعالى، ومن أجل ذلك ومن أجل هذا أمر خاتم الرسل وخاتم أولوا العزم محمد صلى الله عليه وسلم أن يتبرأ من دعوى هذه الثلاثة بقوله عز وجل {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} .
وكذلك أول الرسل وأول أولوا العزم نوح عليه الصلاة والسلام تبرأ من هذه الثلاثة في قوله: {وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا} وإنما ينال الرسل من هذه الثلاثة بقدر ما يعطيهم الله فيعلمون ما علمهم الله ويستغنون عما أغناهم الله عنه ويقدرون على ما أقدرهم الله عليه من الأمور المخالفة للعادة المطردة أو عادة أغلب الناس الخارق للعادة يتنوع إلى نوعين وكذلك كلمات الله تتنوع إلى نوعين.
فإذن أنواع الخارق وأنواع كلمة الله، الخارق نوعان، وكلمة الله نوعان ويتنوع الخارق باعتبار تنوع كلمة الله باعتبار تنوع كلمات الله الخارق للعادة نوعان:
أحدهما: أن يكون من باب العلم وهو الكشف والاطلاع.
والثاني: أن يكون من باب القدرة وهو التأثير والتغيير،
فالأول: وهو ما كان من باب العلم يسمى كشفا سواء كان عن طريق السماع بأن يسمع العبد ما لا يسمعه غيره ويسمى مخاطبة أو عن طريق الرؤية بأن يرى ما لا يراه غيره يقظة أو مناما، ويسمى مشاهدات أو عن طريق العلم بأن يعلم ما لا يعلمه غيره وحيا أو إلهاما أو فراسة صادقة ويسمى مكاشفة، ويسمى ذلك كله كشفا ومكاشفة أي كشف له عنه.
والثاني: وهو ما كان من باب القدرة إما على الفعل وهو التأثير، وإما على الترك وهو الغنى والتأثير قد يكون همة وصدقا ودعوة مجابة، وقد يكون من فعل الله الذي لا تأثير له فيه بحال مثل هلاك عدوه بغير أثر منه، ومثل تذليل النفوس له ومحبتها إياه.
وكلمات الله نوعان: كلمات دينية، كلمات كونية وكلمات دينية، فكلمات الله الكونية ضابطها هي التي استعاذ بها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:(أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر) ؛ لأن الكلمات الدينية يتجاوزها الفاجر أما كلمات الله الكونية لا يجاوزها بر ولا فاجر ومن ذلك قول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) } .
هذه من الكلمات الكونية "كن" من كلمات الله الكونية لا تتخلف إذا أراد شيئا قال له كن فيكون، وقال تعالى:{وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} كلمات الله الكونية لا تتبدل والكون كله داخل تحت هذه الكلمات وسائر الخوارق الكشفية والتأثيرية داخلة تحتها.
النوع الثاني: الكلمات الدينية، وهي القرآن وشرع الله الذي بعث به رسوله، وهي أمره ونهيه وخبره وحظ العبد منها العلم بها والعمل والأمر بما أمر الله به كما أن حظ العبد عموما من الكونيات والشرعيات وخصوصا من الأول العلم بالكونيات والتأثير فيها أي بموجبها، فالأولى قدرية كونية، والثانية شرعية دينية.
كلمة الله الأولى قدرية كونية والثانية شرعية دينية، والخارق يتنوع إلى نوعين الكشف والتأثير، فإذن الكلمات نوعان قدرية كونية وشرعية، والخارق نوعان كشف وتأثير، ويتنوع الخارق باعتبار تنوع كلمات الله الكونية والدينية إلى أربعة أنواع: النوع الأول: كشف كوني. الثاني: كشف ديني. الثالث: تأثير كوني. الرابع: تأثير ديني.
فكشف الأولى العلم بالحوادث الكونية فقد يكشف له أو لغيره من حاله بعض أمور كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في المبشرات: (هي الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو تُرَى له) أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم (أنتم شهداء الله في الأرض) .
وكشف الثانية: العلم بالمأمورات الشرعية مثل من يعلم بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم خبرا وأمرا ويعمل به ويأمر به الناس، وقدرة الأولى التأثير في الكونيات وتنقسم إلى تأثير في نفسه وإلى تأثير في غيره، فالأول كمشيه على الماء وطيرانه في الهواء وجلوسه على النار، وأكله السم، وهذا لا يدل على الخير بل ربما يدل على الشر إلا إن كان صالحا نجاه الله.
والثاني التأثير في غيره بإصحاح وإهلاك وإغناء وإفقار وقدرة.
الثانية التأثير في الشرعيات وتنقسم إلى قسمين: تأثيره في نفسه بطاعة الله ورسوله والتمسك بكتاب الله وسنة رسوله باطنا وظاهرا، وتأثيره في غيره بأن يأمر بطاعة الله ورسوله فيطاع في ذلك طاعة شرعية بحيث تقبل النفوس ما يأمرها به من طاعة الله ورسوله في الكلمات الدينية، ومثال ذلك أن يطاع في خروج الجني من المصروع وكذلك يطيعه الإنسي.
سبب حصول الكرامات للأولياء سببه بركة اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي في الحقيقة الكرامة تدخل في معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم.
الفرق بين كرامات الأولياء وما يشبهها من الأحوال الشيطانية: بينهما فروق متعددة منها:
أن كرامات الأولياء سببها الإيمان والتقوى، والأحوال الشيطانية سببها ما نهى الله عنه ورسوله من الشرك والظلم والفواحش والقول على الله بلا علم.
ثانيا من أعظم ما يقوي الأحوال الشيطانية سماع الغناء والملاهي وهو سماع المشركين كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} والتصدية التصفيق، والمكاء التصفير، ومن أعظم ما يسبب الكرامة سماع القرآن وتلاوته والعمل به، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اجتمعوا أمروا واحدا منهم أن يقرأ، والباقون يستمعون وهذا السماع هو سماع النبيين وأتباعهم. من أعظم ما يقوي الأحوال الشيطانية.
الثالث الشرط الثالث: - إن من أعظم من يقوي الأحوال الشيطانية تعظيم القبور والموتى، والانقطاع في المغارات والبوادي، ومن أعظم أسباب الكرامة لزوم المساجد التي هي بيوت الله وقراءة القرآن. فالانقطاع إلى المغارات والبوادي والجبال والصحاري، هذا مما يقوي الأحوال الشيطانية.
ولزوم المساجد والإكثار من ذكر الله وتلاوة القرآن، هذا مما من أسباب حصول الكرامة. أقسام الخارق من ناحية حكمه وباب كل قسم.
الخارق للعادة كشفا كان أو تأثيرا ثلاثة أنواع: - محمود في الدين، ومذموم ومباح، فالمحمود في الدين: ضابطه أن يحصل به الفائدة المطلوبة في الدين من إظهار حق، أو إبطال الباطل، فهذا من الأعمال الصالحة المأمور بها دينا وشرعا، إما واجب وإما مستحب كما يحصل للصحابة. والمذموم في الدين: ضابطه ما كان على وجه يتضمن ما هو منهي عنه نهي تحريم، أو نهي تنزيه فيكون سببا للعذاب، أو لجرم كالذي أوتي الآيات فانسلخ منها، بلعام بن باعوراء.
والمباح: ضابطه ما حصل به أمر مباح، فإن كان فيه منفعة كان نعمة من نعم الله الدنيوية التي تقتضي شكرا كتظليل الغمة " لأسيد بن حضير " رضي الله عنه وإلا فهو كسائر المباحات التي لا متعة فيها.
الحكمة في إجراء الكرامة، الحكمة في إجراء الكرامة هي أن يزداد الإنسان بما يرى من خوارق العادات وآثار القدرة يقينا، فيقوى عزمه على الزهد في الدنيا والخروج عن دواعي الهوى.
وثانيا إكرام الله لوليه بإغاثته ورفع شدته وكربه أو نصره على عدوه أو إظهار حق أو إبطال باطل.
أقسام الناس تجاه الكرامة: الناس تجاه الكرامة قسمان: الأول:
- القسم الأول: من نفوسهم تتطلع إلى شيء من الكرامات، ويحبون أن يرزقوا شيئا منها، ولعل أحدهم يبقى منكسر القلب متهما لنفسه في صحة عمله حيث لم يحصل له خارق، وهؤلاء كثير من المجتهدين المعتدين الذين سمعوا ما منح به سلف الأمة من الكرامات وخوارق العادات، ولو علموا بسر ذلك، وهو أن الميزان ليس هو الكرامة لهان عليهم الأمر.
القسم الثاني: الصادقون: سبيلهم يطالبون نفوسهم بالاستقامة، فهي كل الكرامة، ولا تتطلع نفوسهم إلى شيء من الكرامات، قال أبو علي الجوزجاني شيخ البخاري وشارح سنن النسائي:" كن طالبا للاستقامة لا، طالبا للكرامة، فإن نفسك متحدثة في طلب الكرامة، وربك يطلب منك الاستقامة ".
هل يضر المسلم عدم حصول الخارق على يديه؟ اعلم أن عدم الخوارق علما وقدرة كشفا وتأثيرا لا يضر المسلم في دينه، فمن لم ينكشف له شيء من المغيبات، ولم يسخر له شيء من الكائنات، لا ينقصه ذلك في مرتبته عند الله، بل قد يكون عدم ذلك، بل قد يكون عدم ذلك أنفع له في دينه، فإن الخارق إذا اقترن به الدين كان نافعا، وإلا هلك صاحبه في الدنيا والآخرة، فإن الخارق قد يكون مع الدين كالمعجزات وكرامات الصالحين، وقد يكون مع عدمه أو فساده أو نقصه كالذي يظهر على يد المسيح الدجال وعلى يد الفساق والفجار.
الخوارق النافعة والرياسات النافعة والأموال النافعة، هي ما كانت تابعة للدين، وخادمة له والرياسة النافعة، هي النافعة للدين، والمال النافع هو النافع للدين، دليل ذلك كما كان السلطان والمال النافع في يد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، فمن جعل هذه الأمور الخوارق والسلطان والمال هي المقصودة، وجعل الدين تابعا لها ووسيلة إليها لا لأجل الدين في الأصل، فهو شبيه بمن يأكل الدنيا بالدين، وليس حاله كحال من تدين خوف العذاب أو رجاء الجنة، فإن ذلك مأمور به، وهو على سبيل النجاة، وهو على سبيل النجاة وشريعة صحيحة، وكثير من الصوفية ممن يزعم أن همه قد ارتفع عن أي يكون خوفا من النار أو طلبا للجنة، يجعل همه بدينه أقل من همه بأدنى خارق من خوارق الدنيا.
متى يجب خرق العادة؟ وشرط ذلك أو شروط استلزام خرق العادة، ودليل ذلك، يجب خرق العادة بأمرين:
أولا: التدين يستلزم خرق العادة بأمرين: أحدهما التدين الصحيح.
الثاني: وجود شدة وضيق وضرورة، إذا كان الإنسان مستقيما، ثم حصل عليه الشدة وضيقة، لا بد أن يفرج الله كربه، فالدين إذا صح علما وعملا، فلا بد أن يوجد خرق العادة إذا احتاج إلى ذلك صاحبه، ولو لم يدع الله، بل الحالة النفسية كافية، ولا يكله الله حينئذ إلى نفسه، دليل ذلك من الكتاب العزيز قول الله تعالى:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} هذا التدين الصحيح، يجعل له مخرجا هذا الخارق هذا الخارق من باب التأكيد، وقال تعالى:{إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} إن تتقوا الله: هذا التدين الصحيح، يجعل لكم فرقانا، هذا الكشف خارق.
وقال تعالى: {أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لَآَتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (68) } وقال تعالى: {أَلَا إِن أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عليهم وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ}
ومن السنة حديث: (اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله) ثم قرأ قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75) } أي الذين يعرفون الشيء بسمته رواه الترمذي بسند ضعيف. وقال تعالى: فيما يروي الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل أنه، قال:(من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة) ورواية البخاري: (فقد آذنته بمحاربة، وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به) إلى قوله: (وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه)
فظهر أن الاستقامة حظ الرب، وطلب الكرامة حظ النفس، هل تدل الخوارق على إكرام من ظهرت على يديه؟ .
اليسر والكرامة والنعمة والنعم والغنى والظلم والشدة والفقر ليست دليلا على الرضا، ولا على السحظ فما يبتلي الله به عباده من اليسر بخرق العادة، أو بغيرها أو بالضر ليس ذلك من أجل كرامة العبد على ربه ولا هوانه عليه، بل قد سعد بها قوم إذا أطاعوا الله، وشقي بها قوم إذا عصوا الله، دليل ذلك قول الله تعالى:{فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا}
ووجه الاستدلال: أن الله زجر من ظن أن الغنى دليل على الكرامة والفقر دليل الإهانة.
أقسام الناس بعد حصول الخارق:
الناس في هذه الأمور ثلاثة أقسام: قسم ترتفع درجتهم بخرق العادة، وقسم يتعرضون بها لعذاب الله، وقسم تكون في حقهم بمنزلة المباحات. وهذا التقسيم للناس مبني على التقسيم السابق للخارق إلى محمود في الدين، ومذموم في الدين ومباح.
أعظم كرامة يعطاها الولي، ما هي أعظم كرامة يعطاها الولي؟ والكرامة الحقيقية؟ الكرامة الحقيقية وأعظم كرامة يعطاها الولي هي لزوم الاستقامة. هذه أعظم كرامة. أعظم كرامة يعطاها الولي هي لزوم الاستقامة، وهي موافقة الله لما يحبه ويرضاه، وهي طاعته وطاعة رسوله ومولاه أوليائه ومعاداة أعدائه، وهؤلاء هم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
الفرق بين حالتي طلب الاستقامة وطلب الكرامة؟ هو أن الاستقامةحظ الرب، والكرامة حظ النفس، فمن يسعى في طلب الاستقامة فهو يسعى في طلب حظ الرب، ومن يسعى في طلب الكرامة، فهو يسعى في طلب حظ النفس كما قال أبو علي الجوزجاني: كن طالبا للاستقامة لا طالبا للكرامة؛ فإن نفسك متحدثة في طلب الكرامة، وربك يطلب منك الاستقامة.
المنكرون للكرامات لكرامات الأولياء وشبهتهم والرد عليهم أنكرت المعتزلة كرامات الأولياء وخوارق السحرة والكهان، وكذلك الرافضة وهي ما يقع من الخوارق على يد صالح وولي، شبهتهم لو وقعت الكرامة على يد ولي لأشبهت المعجزة، فلو صحت لأشبهت المعجزة فيؤدي إلى التباس النبي بالولي، فلا تعرف النبي من الولي أجاب الجمهور في الرد عليهم من وجهين:
أولا: أن إنكاركم للكرامات يناقض المحسوسات والمشاهدات، الثاني: منع الملازمة بين اشتباه المعجزة بالكرامة إذا وقعت، والتباس النبي بالولي، فلا ملازمة بين وقوع الكرامة وصحتها وبين الاشتباه والالتباس بمعجزة؛ لأن النبي يدعي النبوة ويتحدى، والولي لا يدعي الرسالة ولا يتحدى، فهذه الدعوة إنما تصح إذا كان الولي يأتي بالخارق، ويدعي النبوة ويتحدى بهذا الخارق، وهذا لا يقع إذ لو ادعى النبوة لم يكن وليا يكن متلفقا كذابا.
أمثلة للكرامات متنوعة في سلف هذه الأمة، وفي الأمم السابقة مما وقع لصدر هذه الأمة ما كان لأسيد بن حضير كان يقرأ سورة الكهف فنزل من السماء مثل الظلة فيها أمثال السرج، وهي الملائكة نزلت لقراءته، ومن ذلك من أمثلة ذلك قصة الصديق في الصحيحين: لما ذهب بثلاثة أضياف معه معه إلى بيته، وجعل لا يأكل لقمة إلا ربا بأسفله أكثر منها، فشبعوا فصارت أكثر مما هي قبل ذلك، فرفعها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء إليه أقوام آخرون، فأكلوا منها وشبعوا.
ومن ذلك مما حصل لخبيب بن عدي: كان أسيرا عند المشركين بمكة وكان يؤتى بعنب يأكله، وليس بمكة عنب، وعامر بن فهيرة قتل شهيدا فالتمسوا جسده، فلم يقدروا عليه، وكان لما قتل رفع، فرآه ابن طفيل، وقد رفع.
وسفينة مولى رسول صلى الله عليه وسلم أخبر الأسد بأنه رسول رسول الله، فمشى معه الأسد حتى أوصله إلى مقصده، وخالد بن الوليد حاصر حصنا منيعا في القسطنطينية، فقالوا لا نسلم حتى تشرب السم، فشربه فلم يضره، وسعد بن أبي وقاص كان مستجاب الدعوة ما دعا قط إلا استجيب له، وهو الذي هزم جنود كسرى وفتح العراق.
ومن أمثلة ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما أرسل جيشا أمر عليهم رجلا يسمى سارية فبينما في العراق
…
فبينما عمر يخطب نعس، فجعل يصيح على المنبر: يا سارية الجبل، يا سارية الجبل، فقدم رسول الجيش، فسأل فقال: يا أمير المؤمنين لقينا عدونا، فهزمونا فإذا بصائح يا سارية الجبل؛ فأسندنا ظهورنا بالجبل؛ فهزمهم الله.
ومن ذلك إخبار عمر بمن يخرج من ولده؛ فيكون عادلا؛ فخرج عمر بن عبد العزيز. وأبو مسلم الخولاني ألقاه الأسود العنسي لما ادعى النبوة الذي ادعى النبوة في النار، فوجدوه قائما يصلي، وقد صارت عليه بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم.
وتغيب الحسن البصري عن الحجاج فدخلوا عليه ست مرات، فدعا الله فلم يروه. وعباد بن بشر وأسيد بن حضير خرجا من عند النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة، فأضاء لهم السوط، فلما افترقا أضاء لكل منهما سوط سراج حتى وصلا إلى بيته.
أمثلة للكرامات في الأمم السابقة، من أمثلة ذلك قصة الخضر صاحب موسى في علمه بحال الغلام، هذا على القول بأنه ولي، والصواب هو أن الخضر نبي، من باب القدرة، مثل قصة الذي عنده علم من الكتاب في الإتيان بعرش بلقيس، وقصة مريم في حملها بدون زوج، وقصة أهل الكهف في نومهم ثلاثمائة سنة وتسع سنين، ولم تتغير أجسامهم.
مما ينبغي أن يعلم أن الكرامات قد تكون بحسب حاجة الرجل، فإذا احتاج إليها ضعيف الإيمان أو المحتاج أتاه منها ما يقوي إيمانه ويسد حاجته، ويكون من هو أكثر ولاية لله منه مستغنيا عن ذلك، فلا يأتيه مثل ذلك؛ لعلو درجته وغناه عنها، لا لنقص ولايته؛ ولهذا كانت هذه الأمور في التابعين أكثر منها في الصحابة، بخلاف من يجري على يديه الخوارق لهدي الخلق ولحاجتهم، فهؤلاء أعظم درجة، ويدخل في الكشف الفراسة الفراسة نوع من الكشف، والفراسة تتنوع إلى ثلاثة أنواع عند العلماء.
ثلاثة أنواع، الفراسة خارق من خوارق العادة، ومن باب الكشف عن طريق العلم، فهي داخلة في أحد نوعي الخارق الكشف والتأثير، وهي استدلال ومعرفة وتفرس بالشيء، وأنواعها ثلاثة: الفراسة كم نوع؟ ثلاثة أنواع: فراسة إيمانية، وفراسة رياضية، وفراسة خلقية.
الأولى: الفراسة الإيمانية تعريفها وحقيقتها هي: خاطر يهجم على القلب يثب عليه كوثوب الأسد على الفريسة، ومنه اشتقاقها فاشتقاق الفراسة من الفريسة، خاطر يهجم على القلب، يثب عليه وثوب الأسد على الفريسة، فتكشف فتكشف أمرا بغير الطريق العادي.
ومنه ما كان في عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قول النبي صلى الله عليه وسلم (إن يكن في أمتي محدثون -يعني: ملهمون- فعمر بن الخطاب) منهم كإخباره عمر بمن يخرج من ولده، فيكون عادلا، فكان عمر بن العزيز.
وسببها سبب هذا النوع من الفراسة نور يقذفه الله في قلب عبده، أي: نور الإيمان والعمل الصالح، وهذه الفراسة تتفاوت على حسب قوة الإيمان، فمن كان أقوى إيمانا كان أحد فراسة. قال أبو سليمان الداراني رحمه الله الفراسة مكاشفة النفس، ومعاينة الغيب، وهي من مقامات الإيمان، حكم هذا النوع من الفراسة، حكمها أنها من مقامات الإيمان، وهي خاصة بالمؤمن، وهي محمودة هذا النوع الفراسة الإيمانية من مقامات الإيمان، وهي خاصة بالمؤمن، وهي محمودة.
النوع الثاني: الفراسة الرياضية، تعريفها وحقيقتها هي كشف للأحداث يكسبه المرء بسبب تجوعه وتجرده عن العوائق، وسببها البعد عن الشهوات والعزلة عن الناس، فهي تحسن بالجوع والسهر والتخلي، فإن النفس إذا تجردت عن العوائق صار لها من الفراسة والكشف بحسب تجردها.
حكمها: هذه الفراسة مشتركة بين المؤمن والكافر، لا تدل على محمدة ولا مذمة، ولا تدل على إيمان، ولا على ولاية، ولا تكشف عن حق نافع ولا على طريق مستقيم، بل كشفها من جنس فراسة الأولياء وأصحاب تعبير الرؤيا الأظنين، وهو كثير الأوهام، وأكثر ما تكون عند الفلاسفة والصوفية.
فأحيانا يعملون الجوع والعطش للعلاج وللتخلص من كثرة الأخلاط الموجودة في البدن والبلغم، فينظم أكله ليصح بدنه مثل ما يسمى عندنا ريجيم
…
ريجيم داخلة في هذا النوع، وأحيانا يستعملونه للتجرد من الهوى والعزلة عن النفس.
النوع الثالث: فراسة خلقية فراسة خلقية، وهي التي صنف فيها الأطباء ونحوهم، تعريفها وحقيقتها هي الاستدلال بالخلق الموجود على خواص هذا الخلق، فيستدلون بالخلق على الخلق كما بينهم من الارتباط التي اقتضته حكمة الله.
من أمثلة ذلك يستدلون كالاستدلال بصغر الرأس الخارج عن العادة على صغر العقل، وبكبر الرأس على كبر العقل، وبسعة الصدر على سعة الخلق وبضيقه على ضيقه، ويستدلون بطول الرقبة على الحماقة، وبقصرها على الغباوة، ويستدلون بجمود العينين من خلال نظرهما على بلادة صاحبهما، وضعف حرارة قلبه، ونحو ذلك.
سببها: سبب هذا النوع التجارب وقوة الملاحظة، التجارب وقوة الملاحظة.
حكمها: دائرة بين المدح والذم، وليست خاصة بالمؤمن عامة كالثانية، فالأولى الفراسة الأولى محمودة، والثانية والثالثة تدور بين المدح والذم، وعلى كل حال فالخوارق خوارق العادة يجريها الله على يد المؤمن، لكن ضابط الفرق بين الكرامة، والحالة الشيطانية، إن كان الذي جرت على يديه نبي، هذه تسمى معجزة عند المتأخرين، وإن كان الذي جرى على يديه الخارق صالحا مؤمنا تقيا تابعا للنبي تسمى كرامة، وإن كان الذي جرى على يديه منحرفا كافرا أوفاسقا، وهذه حالة شيطانية، مثل ما يجري على أيدي السحرة والكهان، وما يجري على أيدي المسيح الدجال في آخر الزمان. نعم.
ونؤمن بأشراط الساعة من خروج الدجال، ونزول عيسى بن مريم عليه السلام من السماء، ونؤمن بطلوع الشمس من مغربها، وخروج دابة الأرض من موضعها
نعم. من عقيدة أهل السنة والجماعة الإيمان بأشراط الساعة،: وأشراط الساعة جاءت فيها أحاديث من ذلك حديث عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم (يعني: من جلد) فقال: (اعدد بين يدي الساعة ستة: موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يعني: موت يأكل فيكم مثل قعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار، فيظل ساحظا، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنه تكون بينكم وبين بني الأصفر، (وهم النصارى) فيغدرون فيأتونكم بثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفا)
هذا ما وقع، وهي صلح بين المسلمين وبين النصارى، ثم يغدر النصارى ويأتون ثمانين غاية، غاية أي: راية، وتحت كل غاية اثنا عشر ألفا، اضرب اثني عشر ألفا في ثمانين، هذا لعله يقع في آخر الزمان قبل الدجال، ومن ذلك -أيضا- ما ثبت في الحديث الصحيح: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اطلع على بعض الصحابة، وهم يتذاكرون الساعة، فقال: ما تذاكرون، قالوا: كنا نذكر الساعة قال: إنها لم تقوم حتى تروا قبلها عشرا
…
وذكر منها الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها وخروج يأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم.
ومن ذلك أحاديث الدجال التي جاءت قوله صلى الله عليه وسلم لما ذكر الدجال، وقال:"لا يخف عليكم (إن ربكم ليس بأعور) وأشار إلى عينه، وإن المسيح الدجال أعور، وعينه اليمنى كأن عينه عنبة طافية" استدل العلماء بهذا الحديث على إثبات العينين لله عز وجل ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (ما من نبي إلا وأنذر أمته المسيح الدجال، وإن الدجال أعور العين اليمنى مكتوب بين عينيه كاف فاء راء) يعني: كافر.
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد حتى تكون السجدة خير من الدنيا وما فيها) ثم قال أبو هريرة رضي الله عنه اقرءوا إن شئتم قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159) }
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت آمن من عليها في ذلك، لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا) وقال عليه الصلاة والسلام: (إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة على الناس ضحى، وأيهما خرجت فالأخرى على إثرها قريبة) أو كما قال عليه الصلاة والسلام، والأمارات أو الأشراط كثيرة.
فمن الأمارات التي ذكرت في هذا الحديث الذي ذكرنا موت الرسول صلى الله عليه وسلم وفتح بيت المقدس، وداء بسببه يفشو الموت، واستفاضة المال، وفتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، وهدنة بين المسلمين وبين النصارى، ثم غدر النصارى، وخروج الدجال، وظهور الدخان، وخروج دابة الأرض، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم، وخروج يأجوج ومأجوج، ووقوع ثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وظهور نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم.
والأحاديث التي اختلفت في تعداد الأمارات أنها يجاب عنها: أنها هذا الاختلاف إنما هذا التعداد، إنه مفهوم عدد ولا مفهوم له يفيد الحصر. هذه أمثلة، وأما قوله صلى الله عليه وسلم (إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها) فإن المراد أول الآيات القريبة.
أول الآيات القريبة الكبرى التي هي قريبة من الساعة، والتي ليست مألوفة طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحى، فطلوع الشمس من مغربها على خلاف عادتها المألوفة، أول الآيات السماوية، كما أن خروج الدابة أول الآيات الأرضية، وإلا فإن الدجال وخروج المهدي والدجال ونزول عيسى وخروج يأجوج ومأجوج -هذا يكون قبل طلوع الشمس من مغربها وقبل الدابة إلا أن كل ذلك أمور مألوفة؛ لأنهم بشر مشاهدة مثلهم مألوفة، بخلاف طلوع الشمس من مغربها، فإنها على خلاف عادتها المألوفة، وكذلك الدابة ومخاطبتها للناس ووصفها إياهم بالإيمان أو الكفر أمر خارج عن مجال العادات، كذلك رفع القرآن من الصدور ومن المصاحف.
أقسام أشراط الساعة وأماراتها: - العلماء يقسمون أشراط الساعة وأماراتها إلى ثلاثة أقسام: قسم ظهر وانقضى، وهي الأمارات البعيدة، وقسم ظهر ولم ينقض، بل لا يزال في ازدياد حتى إذا بلغ الغاية ظهر وقسم ثالث: - وهي الأمارات القريبة الكبيرة التي تعقبها الساعة، فإنها تتابع كنظام خرزات انقطع سلكها، فالأولى التي ظهرت ومضت منها من أمثلة.. بعثة النبي صلى الله عليه وسلم فإنه نبي الساعة. قال صلى الله عليه وسلم (بعثت أنا والساعة كهاتين) وموته عليه الصلاة والسلام وفتح بيت المقدس، وقتل أمير المؤمنين عثمان، ومنها واقعة الجمل وصفين وواقعة النهروان، وتنازل الحسن عن الخلافة، ومنها ملك بني أمية وما جرى على أهل البيت في أيامهم من أذية كقتل الحسين، وواقعة الحرة وقتل ابن الزبير، ورمي الكعبة بالمنجنيق.
ومنها ملك بني العباس، وما جرى من الأيام من المحن والشدائد، ومنها نار الحجاز التي أضاءت لها أعناق الإبل ببصرى، ومنها ظهور الرفض واستبداد الرافضة بالملك، ومنها خروج الكذابين الدجالين كلهم يدعي أنه نبي، ومنها زوال ملك العرب، ومنها كثرة المال، ومنها كثرة الزلازل و
…
والقتل.
كل هذه من أشراط الساعة التي مضت، الثانية: الأمارات الوسطى. الأمارات المتوسطة وهي التي ظهرت، ولم تنقض بل تزيد وتكثر، وهي كثيرة جدا منها: كون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع وهو (العبد الأحمق اللئيم) لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع) أي حتى يكون اللئام والحمقى ونحوهم رؤساء الناس، ومنها أن يرى الهلال ساعة أن يطلع، فيقال لليلتين لانتفاخ الأهلة، أي عظمها، ومنها أمانة الصلاة، ومنها إضاعة الأمانة، ومنها أكل الربا، ومنها قطع الأرحام، ومنها كثرة الطلاق، ومنها موت الفجأة، ومنها كون البطل قيظا، والولد غيظا، ومنها علو أصوات الفسقة في المساجد، ومنها اتخاذ القينات والمعازف، ومنها شرب الخمور في الطرقات، ومنها اتخاذ القرآن مزامير، ومنها كثرة الشرط وغيرها كثير.
الثالث: القسم الثالث من أشراط الساعة: العلامات العظام والأشراط الجسام التي تعقبها الساعة مباشرة، وهي مشبهة بالعقد الذي إذا انقطع تتابع الخرز:
أولها: أن يظهر الإمام محمد المهدي، وهو رجل من سلالة فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم اسمه كاسم النبي صلى الله عليه وسلم وكنيته كنيته، محمد بن عبد الله المهدي، وقد جاءت أحاديث المهدي أحاديث فيها أحاديث صحيحة، وأحاديث حسنة، وأحاديث ضعيفة، وأحاديث موضوعة لكن الأحاديث فيها ثابتة، وهو أنه رجل يخرج في آخر الزمان يبايع له بين الركن والباب، في وقت ليس للناس فيه إمام المهدي، ما يقاتل الناس يقاتل يلزم بالإمامة، وهو لا يريدها، ويلزمونه ويبايعونه في وقت ليس للناس فيه إمام في آخر الزمان، وفي زمانه يخرج الدجال في زمانه، يخرج الدجال في زمان المهدي، في زمانه تحصل الحروب والفتن، ويحصر الناس في الشام هذا العلامة الأولى: خروج المهدي ثم العلامة الثانية: خروج المسيح الدجال في زمنه جاء في الحديث أن خروج الدجال يكون بعد فتح القسطنطينية، كما في الحديث الصحيح في مسلم وغيره، أنه يحصل مقتلة عظيمة، ويحصل تفتح القسطنطينية، ويعلق الناس سيوفهم في الزيتون، فإذا انتهت المعركة نادى الشيطان: إن الدجال قد خلفكم في أهليكم فيخرجون فيذهبون، فيجدون الدجال قد خرج، وفي وقت مرة أخرى نادى الشيطان مرة في غزوة من الغزوات، وكان كاذبا، ثم العلامة الثالثة ينزل المسيح عيسى بن مريم في وقت الدجال، وفي وقت المهدي، هي ثلاث علامات متوالية مرتبة، فإذا نزل عيسى بن مريم مسيح الهدى، قتل مسيح الضلالة، وهو الدجال.
ثم العلامة الرابعة خروج يأجوج ومأجوج في زمن عيسى هذه علامات أربع متوالية مرتبة: المهدي ثم الدجال ثم نزول عيسى ثم خروج يأجوج ومأجوج، ثم بعد ذلك تتوالى بقية الأشراط، وهدم الكعبة المشرفة يهدمها رجل من الحبشة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم (دقيق الساقين كأني أنظر إليه أصيلع أفيدع ينقضها حجرا حجرا فيلقيها في البحر) ثم أيضا آية الدجال، وهي دخان قبل قيام الساعة يدخل في أسماع الكفار والمنافقين، ويعتري ويصيبهم شدة عظيمة، ويعتري المؤمن كهيئة الزكام.
قال تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ}
وفي الحديث: إنها لن تقم حتى ترى قبلها عشرة
…
فذكر منها الدخان، ومنها رفع القرآن العظيم من الصدور ومن السطور، وهي من أشد المعضلات في آخر الزمان إذا ترك الناس العمل بالقرآن نزع من صدور الرجال ومن المصاحف، فيصبح الناس ولا يجدون في صدورهم آية ولا في مصاحفهم آية، نعوذ بالله.
هذه غير مرتبة الله أعلم بترتيبها، فهدم الكعبة والدخان ورفع القرآن ثم طلوع الشمس من مغربها هذه من العلامات الأخيرة طلوع الشمس من مغربها، فإذا طلعت الشمس آمن الناس، ولكن ليس هناك إيمان جديد ما ينفع الإيمان أغلق باب التوبة، كل يبقى على ما كان عليه، ثم خروج دابة الأرض، تسم الناس في جباههم، فالمؤمن نقطة بيضاء في جبهته، حتى يبيض لها وجهه، والكافر نقطة سوداء حتى يسود لها وجهه، والدابة وطلوع الشمس من مغربها متقاربتان، أيهما ظهرت فالأخرى على إثرها قريبة، ثم بعد ذلك يبقى الناس مدة يعرف المؤمن من الكافر، ويتبايع الناس في أسواقهم خذ هذا يا مؤمن، بع هذا يا كافر، فالذي أبيض وجهه، فهو مؤمن والذي أسود وجهه هذا كافر، وأغلق باب التوبة إذا طلعت الشمس من مغربها، وليس هناك إيمان جديد، فيتبايع الناس خذ هذا يا مؤمن بع لي هذا يا كافر. يبيعون ويشترون معروف المؤمن من الكافر.
ثم آخرها العلامة العاشرة خروج النار التي تخرج من قرى عدن تسوق الناس إلى المحشر، وتبيت معهم إذا باتوا، وتقيل معهم إذا قالوا. المعنى إذا جاء وقت القيلولة وقفت حتى يقيل الناس، فإذا انتهى وقت القيلولة تسوق ومن تخلف تأكله، فإذا جاء وقت النوم المبيت تقف حتى ينام الناس، فإذا أصبح الناس تسوقهم، ومن تخلف أكلته نعم
…
لها أرض فلسطين.
ولا نصدق كاهنا ولا عرافا ولا من يدعي شيئا يخالف الكتاب والسنة وإجماع الأمة
نعم. لا نصدق الساحر ولا الكاهن ولا العراف، ولا من يخالف إجماع الأمة من عقيدة المؤمن: أنه لا يصدق السحرة ولا الكهنة ولا العرافين.
من هو الكاهن والعراف والمنجم؟ الكاهن هو الذي يدعي علم المغيبات في المستقبل، يقال له: كاهن يدعي علم الغيب في المستقبل، أو يخبر عما في الضمير، ويكون له رائيّ من الجن يأتيه ويخبره، يقال له: كاهن، يدعي الغيب عن طريق هذا الرائي الذي يخبره، والعراف هو الذي يدعي معرفة ما في الضمير، أو الذي يدعي معرفة المسروق، ومكان الضالة يدعي علم الغيب، يدعي أنه يعرف المسروق ومكان الضالة، ويدعي الغيب، ويدعي معرفة
…
إما يدعي أنه قيل: هو من يدعي معرفة ما في ضميره، ولا نعرف ما في ضميره، هذا دعوته أو يعرف مكان المسروق أو مكان الضالة بغير يعني: سبب معروف، كالقائف الذي يعرف القيافة، أوهو الذي يعرف الأثر هذا لا يدخل في هذا، لكن هذا بالغيب يدعي علم الغيب عن طريق معرفة مكان المسروق، ومكان الضالة والمنجم يدعي علم الغيب عن طريق معرفة النجوم، ويستدل بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية.
والساحر هو الذي يعقد عقدا، وينفخ فيها مستعينا على ما يريد بالشياطين، وكل من الكاهن والعراف والمنجم والساحر كلهم كفرة إذا كانوا يدعون الغيب، لكن طرقهم متعددة، يجمعهم شيء واحد، وهو أنهم يدعون الغيب أو يتكلمون فيها، ولو بالتخييل أو بالتخمين.
فالذي يدعي معرفة ما في المستقبل، والذي يضرب بالرمل، والذي يخط في الرمل، والذي يضرب بالحصى، والذي يكتب: أبجد هوز، والذي يدعي معرفة النجوم، والذي يستخدم الجن، والذي يفتح الكتاب، ويحضر الجن، فكل هؤلاء إذا كانوا يدعون الغيب، فهم كفرة كل من عنده وسائل بها يدعي معرفة المغيبات كليا أو جزئيا، فهو كاهن وعراف وساحر.
السحر في اللغة عبارة عما دق وخفي ولطف سببه، الشيء الخفي، ومنه سمي السحر سحرا؛ لأنه يقع خفيا آخر الليل، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم (إن من البيان لسحرا) يسمى الكلام الفصيح سحرا، ومن ذلك النمام الذي يظهر النصح، ويبطن الشر والفساد، ويوقع بين الناس العداوة، يسمى سمي في الحديث من السحر نوع من السحر: ألا أنبئكم العضه هي النميمية القالة بين الناس.
وأما السحر شرعا واصطلاحا، فهو عزائم ورقى وعقد، تؤثر في القلوب والأبدان، فتمرض وتقتل وتفرق بين المرء وزوجه، فإذا الساحر هو الذي يعقد عقدا أو ينفخ فيها مستعينا على الوصول إلى ما يريد بالشياطين.
حكم السحر الاستقسام بالأزلام والضرب بالحصى، والخط بالرمل حكم السحر بالإقدام عليه تعلما وتعليما وفعلا محرم بالاتفاق، ثم اختلف في التحريم، هل يصل إلى درجة الكفر؟ .
ومحل الخلاف ما إذا لم يتضمن سحره كفرا، فإن تضمن سحره كفرا كنداء الجن أو غيره، فهو كفر بالاتفاق، فالجمهور كمالك وأبي حنيفة وأحمد يقولون: الساحر كافر مطلقا، يقولون: الساحر كافر، ويستدلون بقوله تعالى:{إِنَّمَا ك`ّ tw عز وجل فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} قال أصحاب أحمد: إلا أن يكون سحره في
…
وفي أشياء تضر فإنه لا يكفر.
أما الشافعي رحمه الله فإنه يفصل يقول: إن تضمن سحره كفرا فهو كافر، وإن لم يتضمن سحره كفرا، فإن استباحه كفر، وإن لم يستبح يكون مرتكبا لكبيرة كيف يتضمن سحره كفرا؟ يتقرب إلى الشياطين، ينادي الشياطين يخاطبهم، يتقرب إليهم، يذبح لهم يتقرب إليهم بما يريدون من البخور وغيره، أما إذا لم يفعل شيئا من ذلك، يقول: إن هذا إن استحله كفر وإن لم يستحله، فإنه يرتكب محرما كبيرا.
واتفق العلماء على أنه إذا تضمن السحر كفرا، فهذا يكفر بالاتفاق، فالسحر محرم بالكتاب والسنة والإجماع، ثم قيل: إنه كفر فيقتل بكفره، وقيل: إن السحر ليس بكفر، بل هو كبيرة، فيقتل حدا منعا لشره، لا لكفره كما قال الإمام الشافعي، والضرب بالحصى والخط بالرمل إذا ادعى صاحبه علم المغيبات، أو معرفة النجوم، فحكمه حكم السحر والاستقسام بالأزلام حكمه محرم وكبيرة؛ لأنه ميسر، لأنه من الميسر والقمار.
أنواع النجوم التي من السحر نوعان: أحدها علمي، وهو الاستدلال بحركات النجوم على الحوادث من جنس الاستقسام بالأزلام، وهذا محرم وكبيرة.
والثاني عملي هذا محرم وكبيرة، والثاني عملي، وهو الذي يقولون: إنه القوة السماوية للقوة المنفعلة الأرضية كطلاسم ونحوها، وهذا من أرفع أنواع السحر.
حكم الساحر وحده: جمهور العلماء وأكثرهم يوجبون قتل الساحر، وأنه كافر، جمهور العلماء يوجبون قتل الساحر لكفره، فيقولون: حده القتل، وحكمه الكفر، حكمه الكفر، وحده القتل. وقال آخرون: إنما يقتل حدا لدفع شره وفساده، لا لكفره.
والصواب أنه يقتل كفرا، وقد ثبت قتل الساحر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وحفصة بنت عمر وجندب بن عبد الله، وهو مأثور عن الصحابة، وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد في المنصوص عنه لقول الله تعالى:{وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) } وقوله سبحانه: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} وقوله سبحانه: {إِنَّمَا ك`ّ tw عز وجل فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} أي: بتعلم السحر، وقوله تعالى:{وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} واختلف العلماء: هل يستتاب الساحر أم لا؟ ذهب مالك إلى أنه لا يستتاب، ولا تقبل توبته، يعني: في الدنيا، وهو الراجح.
وذهب بعض العلماء إلى أنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، واختلف الموجبون لقتله، وهم الجمهور هل يقتل كفرا أو حدا؟ يعني: هل يكفر بالسحر، فيقتل بكفره أم يقتل لسعيه في الإرض بالفساد، فيقتل لمنع شره لا لكفره، فالجمهور على أنه كافر، يقتل كفرا لا حدا، كما سبق، وقالت طائفة: إنه لا يكفر إلا إذا تضمن سحره كفرا، في قوله أو عمله، وحينئذ فيقتل لكفره، وإن لم يتضمن سحره كفرا، فلا يخلو أن يكفر بسحره أم لا، فإن كفر بالسحر قتل حدا، وإن يكفر بالسحر عوقب بدون القتل.
وهذا منقول عن الإمام الشافعي، وهو رواية عن الإمام أحمد، واتفق العلماء على أن ما كان من جنس دعوة الكواكب السبعة أو غيرها أو خطابها، أو السجود لها أو التقرب إليها بما يناسبها من اللباس والخواتم والبخار ونحو ذلك والمناجاة للكواكب، فإنه كفر، وهو من أعظم أبواب الشرك، يخاطب -مثلا- الخطاب دعوة الكواكب السبعة، ما هي الكواكب السبعة؟ هي المشترى والمريخ زحل وعطارد وزهرة والشمس والقمر.
هذه الكواكب السبعة، فمن كان من جنس دعوة الكواكب السبعة أو خطابها إذا دعاها أو خاطبها أو نادها، فهذا كفر كذلك، وإذا تقرب إليها بما يناسبها من اللباس والخواتم والبخور، وكذلك إذا نادى الكواكب يزعم أنهم ينادون الكواكب، والواقع أنه ينادي الجن، فإن هذا كفر، وهو من أعظم أبواب الشرك، وهو من جنس فعل الصابئة قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام؛ لهذا حكى الله عنه بقوله:{فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89) } يريهم إيهاما؛ لأنه الصابئة تقول: إنها مدبرة للعالم، وإنها تأتي بالخير والشر، واتفق العلماء على أن كل رقية أو تعزيم وقسم فيه شرك لله، فإنه لا يجوز التكلم به، وإن أطاعته به الجن أو غيرهم، وكذلك كل كلام فيه كفر، لا يجوز التكلم به، وكذلك الكلام الذي لا يعرف معناه لا يتكلم به؛ لإنكار أن يكون فيه شرك لا يعرف؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا) ولا يجوز الاستعانة بالجن، فقد ذم الله الكافرين على ذلك، فقال:{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6) } وقد أخبر الله عن الذين يزعمون أنهم يدعون الملائكة، ويخاطبونهم بهذه العزائم أنهم ضالون، وإنما تنزل عليهم الشياطين، لا الملائكة في قوله عز وجل {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41) } كما أخبر أن كلا من الجن والإنس يستمع بالآخرة، في قوله:{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ} فاستمتاع الإنس بالجن في
قضاء حوائجه وامتثال أمره وإخباره بشيء من المغيبات واستمتاع الجن بالإنس في تعظيمه إياه واستعانته به واستغاثته وخضوعه له، أي: يعني: بالشركيات التي حمله عليها حكم حوار الكاهن، وما تعاطاه المنجم والضارب بالحصى، والذي يخط بالرمل وصاحب الأزلام التي يستقسم بها، الأجرة التي يتعاطاها، ما تعاطاه هؤلاء حرام وسحت، كما في الصحيح:(ثمن الكلب خبيث، ومهر البغي خبيث، وحلوان الكاهن خبيث) ويدخل في حلوان الكاهن ما يتعاطاه هؤلاء حلوان الكاهن يعني: أجرته على الكهانة سمي حلوانا؛ لأنه يأخذه حلوا بدون مشقة.
أما حكم فعلها فقد حكى الإجماع على تحريمه غير واحد كالبغوي والقاضي عياض وغيرهم حكم الإتيان للسحرة؟ وسؤالهم وتصديقهم؟ إن كان على وزن التصديق لهم في كل ما يخبرون به، والتعظيم للمسئول، فهو حرام الإيتان للسحرة والكهنة.
دليل ذلك ما ثبت في صحيح مسلم وغيره عن معاوية بن الحكم السلمي قال: (قلت: يا رسول الله، أمورا كنا نصنعها في الجاهلية، كنا نأتي الكهان قال: فلا تأتوا الكهان) وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل صلاة أربعين يوما) وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه (من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) وأما إن كان يسأل المسئول ليمتحن حاله، ويختبر باطن أمره، وعنده ما يميز به صدقه من كذبه، فهذا جائز كما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم (سأل ابن الصياد، فقال: ما يأتيك؟، قال: يأتيني صادق وكاذب، قال: ما ترى؟ قال: أرى عرشا على الماء، قال: فإني قد خبأت لك خبيئا. قال: الدخ. قال: اخسأ، فلن تعدو قدرك، فإنما أنت من إخوان الكهان)
وكذلك إذا كان يسمع ما يقولون، ويخبرون به عن الجن، كما يسمع المسلمون ما يقول الكفار والفجار؛ ليعرفوا ما عندهم، فيعتبرون به، وكما يسمع الخبر الفاسق، ويتبين، ويتثبت، فلا يجزم بصدقه ولا كذبه إلا ببينة كما قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} وكما في الحديث: (إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم) فقد جاز للمسلمين سماع ما يقولونه، ولا يصدقوهم، ولا يكذبوهم.
حكم طلب السقيا بالنجم، ونسبة الأحداث إليها وحكم من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا. طلب السقيا بالنجم مايجوز، وهو من عمل أهل الجاهلية، ففي الحديث:(أربع في أمتي من أمر الجاهلية، لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستقساء بالنجوم، والنياحة) ونسبة الأحداث إلى النجم وطلب الاستقساء وقوله مطرنا بنوء كذا وكذا، إن كان يعتقد أنه عند ذلك النجم يحصل المطر، فهذا كفر أصغر، وإن كان يعتقد أن له تأثيرا أن للنجم تأثيرا في إنزال المطر، فهذا كفر أكبر يخرج من الملة، دليل ذلك ما في الصحيحين عن زيد بن خالد رضي الله عنه (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على إثر سماء كانت من الليل فقال: أتدرون ماذا قال ربكم الليلة؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي، مؤمن بالكوكب)
صناعة التنجيم وحكمها مع الدليل: صناعة التنجيم التي مضمونها الإحكام والتأثير، وهي الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية كالاستدلال بها على موت عظيم، أو ولادة عظيم، أو قيام أمة، أو تولي ملك، أو عزل ملك.
حكمها صناعة محرمة بالكتاب والسنة، بل هي محرمة على لسان جميع المرسلين، الدليل قول الله تعالى:{وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) } والتنجيم من السحر، وقال تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا (51) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (52) } قال عمر: الجبت السحر، وهذا تفسير بالبعض؛ لأن الجبت: كل ما لا خير فيه، فمنه السحر، فهو جزء منه.
الواجب على ولاة الأمور تجاه المنجمين والكهان والعرافين وأصحاب الضرب بالرمل والحصى؟ .
الواجب على ولاة الأمور من الحكام والعلماء وكل قادر السعي في إزالة هؤلاء ومنعهم من الجلوس في الحوانيت والطرقات والدخول على الناس في منازلهم؛ لذلك أما الحكام فبإبادتهم وإزالتهم، وأما العلماء فبمنعهم وإزالتهم إن قدروا، وإلا فببيان باطنهم وجدلهم للناس وتحذير الناس منهم، والجلوس عندهم والاستماع لهم، وأما غيرهم فبالنصح وتجنب فعلهم؛ لأن هذا من المنكر العظيم، فيجب إنكاره، وفي الحديث:(إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه)
وقد ذم الله أهل الكتاب على عدم الإنكار، فقال:{كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) }
والسحر يدخل في المنكرات في الدرجة الأولى، وعموم العقوبة بسبب الفعل والسكوت هذا بفعله وهذا بسكوته، فتعم العقوبات والنكبات.
النزاع: نزاع العلماء في حقيقة السحر وأنواعه، هل للسحر حقيقة مؤثرة أم هو ضرب من الخيال؟ الصواب الذي عليه أكثر العلماء وعليه المحققون من أهل العلم أن السحر له حقيقة مؤثرة، وأنه قد يؤثر في موت المسحور ومرضه من غير وصول شيء ظاهر إليه، بسبب لطم الجن له بسبب الإقسام عليه من قبل الساحر، فالساحر يقسم على الجني، والجني يلطم المسحور، فيمرض أو يقتل.
دليل ذلك قول الله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) } ومنه التخييل، فالسحر قسم منه خيال، وقسم منه له حقيقة، دليل قوله تعالى:{وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) } ولولا أن للسحر حقيقة لما أمر الله بالاستعاذة منه، ودليل الخيال قوله تعالى:{يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) } وقوله: {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ}
وذهب بعض العلماء إلى أن السحر مجرد تخييل، وأنه لا تأثير له ولا حقيقة، وهذا مذهب الإمام أبي حنيفة، وإليه ذهب الجصاص في كتاب الإحكام في كتاب الأحكام، وهو مذهب المعتزلة والرافضة.
دليلهم: قول الله تعالى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) } وقوله: {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) }
والصواب القول الأول بأن هذه الآيات تدل على أن منه خيال، ومنه ما هو له تأثير.
والصحيح أن السحر له تأثير في عين الرائي والمسحور، وهو خيال بحيث إنه لم يغير الحقائق، ففيه تأثير من جانب وتخييل من جانب، فله تأثير في المسحور بمرضه أو موته، وله خيال في عين الرأي والمسحور.
فإذا الصواب أن السحر له حقيقة، وله خيال. أما القول بأنه خيال فقط، فهذا ليس بصحيح.
والنشرة: هي حل السحر عن المسحور، وحكمها: تنقسم إلى قسمين: قسم حرام، وقسم مباح، فالنشرة حل السحر، وهي نوعان.
أولا: حل السحر بسحر مثله، فهذا لا يجوز، وهو من عمل الشيطان؛ لقوله صلى الله عليه وسلم (ولا يحل السحر إلا ساحر) وقوله:(النشرة من عمل الشيطان)
ثانيا: حل السحر بأدوية ودعوات مباحة، فهذا جائز.
أنواع المشعوذين الذين يفعلون هذه الأفعال الخارجة عن الكتاب والسنة ثلاثة أنواع:
النوع الأول: أهل تلبيس وكذب وخداع، ذلك وهم يعلمون ذلك، الذين يظهر أحدهم طاعة الجن له، أو يدعي الحال بأهل المحال من المشائخ النصابين الخداعين والفقراء الكاذبين والطرقية المكارية، هؤلاء يدعون السحر، ويأكلون أموال الناس بالباطل، ما وجد مهنة فتح محل، وقال: إنه يعالج الناس، وكل من أتاه يأتي له بأنواع من
…
هذا تدهن به، وهذا تشربه، وهذا استنشقه، وهذا كذا. ويأكل أموال الناس بالباطل.
حكمهم والحد الواجب عليهم: هؤلاء دجاجلة وملبسون وخداعون يستحقون العقوبة البليغة التي تردعهم وأمثالهم عن الكذب والتلبيس، وقد يكون في هؤلاء من يستحق القتل كمن يدعي النبوة بمثل هذه الخزعبلات، أو يطلب تغيير شيء من الشريعة ونحو ذلك.
النوع الثاني: من يتكلم في هذه الأمور ويعمل الشعوذة من تحضير الجن وغيرها على سبيل الجد والحقيقة، ويعتقدون لها التأثير، حكمهم والحد الواجب عليهم- هؤلاء سحرة، وسبق بيان حكم الساحر، وأن حده القتل، وأن جمهور العلماء يوجبون قتل الساحر على خلاف بينهم، وهل القتل كفرا أو حدا؟ .
والصواب الذي عليه المحققون أنه كفر، وهو الراجح، وبعض العلماء يرى أنه يعاقب أقل من القتل، إلا إن قتل بسحره، أو تضمن سحره كفرا قولا أو فعلا، عوقب بالقتل.
النوع الثالث: من يتكلم بالأحوال الشيطانية، ويدعي الخشوع ومخاطبة رجال الغيب، يدعي مخاطبة القطب المتولي للكون، وأن له الخوارق تقتضي أنهم أولياء الله، ومن هؤلاء من يساعد المشركين، ويعين المشركين على المسلمين في أيام حرب التتار، ويقول: إن الرسول أمره بقتال المسلمين مع المشركين؛ لكون المسلمين قد عصوا.
حكم هؤلاء: هؤلاء في الحقيقة من إخوان الشياطين، والواجب أن يعاقبوا بالعقوبة البليغة التي تردعهم عن فعلهم، وقد يجب قتلهم إذا ثبت أنهم يخاطبون الجن ويستخدمونهم ويعظمونهم بالشركيات، وحينئذ فهم كفار، يقتلون كفرا، موقف المسلم من أصحاب الأحوال، وهل تسلم لهم أحوالهم؟ .
يقول بعض الناس: إن الصوفية تسلم لهم أحوالهم، يعني: أحوالهم النفسية بأن يظن أنه على الدين والاستقامة، وإن كان بخلافه يقول: اتركه على حاله، هذا كلام باطل، بل الواجب عرض أفعالهم وأحوالهم على الشريعة المحمدية، فما وافقها قبل، وما خالفها رد، وأدب صاحبه.
الدليل: ما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وفي رواية لمسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)
فلا طريق إلا طريقة الرسول، ولا حقيقة إلا حقيقته، ولا شريعة إلا شريعته، ولا عقيدة إلا عقيدته، ولا يصل أحد من الخلق بعده إلى الله وإلى رضوانه جنته وكرامته إلا بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم باطنا وظاهرا، بعض الصوفية يعتقدون في البله أنهم من أولياء الله. حكم من اعتقد في البله أنهم من الأولياء.
البله جمع أبله، وهو ضعيف العقل، بعضهم يقول: هذا الأبله ضعيف، هذا الأبله ولي من أولياء الله، اتركه، وبعضهم يقول: إن هذا الشخص الذي تجده أبله ضعيف العقل، ولا يعرف شيئا، تجده مخرق الثياب، طويل الشعور والأظافر، مرمي على زبالة، يقول: ما تدري لعل هذا قطب يدبر في الكون، يدبر الكون، أحد الأقطاب أحد الأقطاب، هذا قطب يدبر الكون، وهو مخرق الثياب، ولو كان أبله من اعتقد في البله، وهم المغفلون أو المولعون خرقه من كثرة العبادة والرياضة، أنهم من أولياء الله، مع تركه لمتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله، أو فضله على متبع طريقة الرسول، فهو ضال مبتدع مخطئ في اعتقاده.
والسبب في ذلك؛ لأن ذلك الأبله ضعيف العقل لا يخلو من حالات ثلاث، إما أن يكون شيطانا زنديقا، وإما أن يكون ملبسا متحيلا، وإما أن يكون مجنونا معذورا واحد من ثلاثة: إما أن يكون شيطانا زنديقا، إما أن يكون ملبسا متحيلا، وإما أن يكون مجنونا معذورا، فكيف يفضل على أولياء الله المتبعين لرسوله، أو يساوى بهم، وبعضهم يسوق حديث:(اطلعت على الجنة فرأيت أكثر أهلها البله)
جمع أبله، وهو ضعيف العقل، هذا الحديث باطل سندا ومتنا، أما سندا: فإنه لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ينبغي نسبته إليه، وأما متنا، فإن الجنة إنما خلقت لأولي الألباب الذين أرشدتهم عقولهم وألبابهم من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وقد ذكر الله أهل الجنة بأوصاف في كتابه، فلم يذكر في أوصافهم البله الذي هو ضعف العقل، وتصحيح الحديث، صواب الحديث: إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم (اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء) ولا يقول: البله، وهذا يرجع إلى أن المال أشد في صرف الإنسان عن الدين وطغيانه من الفقر.
الطائفة الملامية: طائفة من الصوفية يسمون الطائفة الملامية الطائفة الملامية، والطائفة الذين يصعقون عند سماع الأنغام الحسنة، الملامية الطائفة الملامية ثلاثة أنواع، تطلق على ثلاثة أنواع: النوع الأول تطلق على الذين لا تأخذهم في الله لومة لائم، وهم الذين لا يبالون بلوم، اللوم في ذات الله والقيام بأمره والدعوة إليه، وهم الذين قال الله فيهم:{يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} وهؤلاء ممدوحون أبرار.
ثانيا: النوع الثاني تطلق على التي إذا وقعت في سيئة لامت نفسها، وأنبتها، وهذه محمودة أيضا.
النوع الثالث: تطلق الملامية على الذين يفعلون ما يلامون عليه، ويظهرون ما لا يمدحون عليه، وهي التي تخفي فعل الخير والمحامد، وتظهر فعل الشر، ويقصدون بذلك مخالفة المرائين، وهو من يظهر الخير، ويضمر الشر، وهذه الطائفة مذمومة، وهم جماعة من الصوفية لهم طريقة معروفة تسمى طريقة أهل الملامة، يعني: تجد الواحد منهم يقول: أنا أصلح باطني ولا علي من الظاهر، فتجده يذهب يسرق حتى يلومونه الناس ويذمه الناس، يقول: أنا باطني صالح، لكن ما علينا خلي الناس يذمونه، ما علينا يسرق أمام الناس، ويفعل، يفعل أشياء، ويزعمون أنهم يحتملون ملام الناس لهم على ما يظهرونه من الأعمال السيئة؛ ليخلص لهم ما يبطنونه من الأحوال، يقول: أنا أعمل أشياء في الظاهر يذمني الناس عليها ويلوموني حتى يصلح باطني.
الرد عليهم: إن هؤلاء أذلوا أنفسهم، وفي الحديث:(لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه)
ثانيا: أن هؤلاء ردوا باطن الأمور، وهم يقولون: نريد أن نخالف المرائي، المرائي يظهر الخير، ويبطن الشر، نحن بالعكس نظهر الشر ونبطن الخير.
نقول لهم: أأنتم رددتم باطل المرائين بباطل آخر، والباطل لا يرد بالباطل، والصراط المستقيم بين ذلك، حسن في ظاهره كالمرائين، وحسن في باطنه كالملامية.
حكم الذين يصعقون عند سماع الأنغام الحسنة، وهو تصنع ومظاهرة ومخداعة للناس، أو ترنح بأن يدور، وهو يذكر، فيختل عقله، ثم يصعق، ويسقط، هؤلاء المبتدعون ضالون؛ إذ ليس للإنسان أن يستدعي ما يكون سبب زوال عقله.
ثانيا: لأنه لم يكن في الصحابة والتابعين من يفعل ذلك، ولو عند سماع القرآن، وهو خير منا، فكيف نصل إلى ما لم يصلوا إليه؟ بل كانوا، بل كان الصحابة كما وصفهم الله:{إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) } وكما قال تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ}
هناك بعض المجانين ذكرهم العلماء بخير، الذين ذكرهم العلماء من عقلاء المجانين بخير، هؤلاء قوم كان فيهم خير، ثم زالت عقولهم، فيبدو على ألسنتهم أيام الجنون من الكلمات الخيرية في أيام الصحوة.
والواقع أنهم مجانين، ومن علامة هؤلاء أنه إذا حصل في جنونهم نوع من الصحو تكلموا بما كان في قلوبهم من الإيمان، ويهتدون بذلك في حال زوال عقلهم بخلاف من كان قبل جنونه كافرا أو فاسقا، لم يكن حدوث جنونه مزيلا لما ثبت من كفره أو فسقه، وكذلك من جن من المؤمنين المتقين يكون محشورا مع المؤمنين المتقين، وما يحصل لبعضهم -لبعض الصوفية- عند سماع الأنغام المطربة من الهذيان والتكلم ببعض اللغات المخالفة للسان المعروف عنه، فذلك شيطان يتكلم على لسانه، كما يتكلم على لسان المصروع، أو هو دجال يكذب على الناس، وذلك كله من الأحوال الشيطانية، بعض الصوفية يظن أن زوال العقل سبب أو شرط يقرب إلى ولاية الله، بعض الصوفية يقول: زوال العقل سبب أو شرط يقرب إلى ولاية الله من يظن هذا الظن، فهو من أهل الضلال حتى قال قائلهم يعني: يخاطب المجانين يعني: المجانين:
هم معشر حلوا النظام وخرقوا الـ *** ـسياج فلا فرض لديهم ولا نفل
يعني: المجانين هم معشر حلوا النظام، وخرقوا السياج، فلا فرض لديهم ولا نفل، مجانين إلا أن سر جنونهم عزيز على أبوابه يسجد العقل، هذا كلام هذا الكلام كلام ضال، بل كافر يظن أن في الجنون سرا، يسجد العقل على أبوابه، يقول: يعني: العقل ما يصل إلا إلى باب المجانين، لما رآه من بعض المجانين من نوع المكاشفة، أو تصرف عجيب خارق للعادة، ويكون سبب ذلك ما اقترن به من الشياطين، كما يكون للسحرة والكهان، فيظن هذا الضال أن كل من خبل أو خرق العادة كان وليا لله.
حكم من اعتقد هذا فهو كافر، فقد قال الله تعالى:{هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223) } فكل من تنزل عليه الشياطين لا بد أن يكون عنده كذب وفجور وزوال العقل بجنون أو غيره سواء سمي صاحبه مولها أو ولها، لا يوجب مزيد حال، بل حال صاحبه المجنون ما عنده زيادة، انقطع العمل، وقف العمل، بل حال صاحبه من الإيمان والتقوى يبقى على ما كان عليه من خير أو شر، لعله يزيده أو ينقصه، ولكن جنونه يحرمه من الزيادة من الخير، كما أنه يمنع عقوبته عن الشر، ولا يمحو عنه ما كان قبله، ولكن جنونه من المصائب التي تكفر بها الخطايا.
حكم الذين يتعبدون بالرياضات والخلوات، ويتركون الجمع والجماعات؟ في طائفة يسمون أنفسهم الخلوتية، وهو الذي يجلس في خلوة صغيرة في غرفة صغيرة، يتعبدون بها على قدر ما يسع الإنسان، ويجلس فيها مدة طويلة، ثم بعد ذلك يخرج هزيلا ضعيفا، وبعضهم يستدلون بعبادة النبي صلى الله عليه وسلم في غار حراء، ولا يتم لهم ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبعث قبل ذلك، كان يتعبد بغار حراء قبل البعثة.
حكم الذين يتعبدون بالرياضات والخلوات، ويتركون الجمع والجماعات؟ هؤلاء جماعة من الصوفية يسمون خلوتية، وهم هؤلاء ممن ضل سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، قد طبع الله على قلوبهم.
والدليل ما ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من ترك ثلاث جمع تهاونا طبع الله على قلبه) هناك طائفة من الصوفية يجوزون الاستغناء عن الوحي بالعلم اللدني ويستدلون بقصة الخضر مع موسى، بعضهم يقول: أنا أستغني عن الوحي الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة؛ لأني يأتيني علم لدني من الله بذهاب يأتيني وحي ملهم يأتيني، وحي بإلهام يعرفني الله مباشرة، وما أحتاج إلى محمد، ولا أحتاج إلى شريعة محمد.
ما حكم هذا؟ حكم من يجوز يقول: أنا عندي دليل، الدليل الخضر ما تبع موسى الخضر يأتيه علم من الله، ولا يتبع موسى، وخالف موسى فدل على الذي يأتيه علم وتعريف، يعرفه الله لا يحتاج إلى محمد، كما أن الخضر ما احتاج إلى موسى، فالخضر خرج عن شريعة الله ولا عمل بشريعة موسى اكتفاء بالعلم اللدني، وهو يزعم أنه لا يحتاج إلى شريعة محمد، ويكتفي بالعلم اللدني، فما حكم من يجوز الاستغناء عن الوحي بالعلم اللدني، ويستدل بقصة موسى مع الخضر.
العلم اللدني هو الذي يحصل للعبد من غير واسطة، بل بإلهام من الله وتعريف منه لعبده، كما حصل للخضر عليه الصلاة والسلام بغير واسطة موسى.
حكم من جوز ذلك: ملحد زنديق، ملحد زنديق مفارق لدين الإسلام بالكلية، فضلا عن أن يكون من أولياء الله، يقول: هذا ولي هذا ليس من أولياء الله، بل هو ملحد زنديق مفارق لدين الإسلام بالكلية، فضلا عن أن يكون من أولياء الله، بل هو من أولياء الشيطان، فعليه أن يجدد إسلامه، ويتشهد شهادة الحق، وإن مات على ذلك، فهو من الملاحدة الزنادقة الذين في الدرك الأسفل من النار، نعوذ بالله.
شبهته: يقول: إنه يأخذ من اللوح المحفوظ، ولا يجب عليه اتباع الرسول، وأنه مع محمد صلى الله عليه وسلم كالخضر مع موسى، وهذا يكون مثل ابن عربي رئيس الاتحادية، والرد عليهم أن نقول: هناك فرق بين موسى والخضر وبين محمد وأمته بعد البعثة، الخضر أولا: الخضر ليس من أمة موسى، ولا هو من قومه، وموسى عليه الصلاة والسلام لم يكن مبعوثا إلى الخضر، ولم يكن الخضر مأمورا بمتابعته، فلا يجب على الخضر اتباع موسى.
ولهذا لما جاء يتعلم منه قال له: أنت موسى بني إسرائيل. قال: نعم. هذا في مكان، وهذا في مكان، موسى ما أرسل إلى الثقلين، وإنما هو مرسل إلى بني إسرائيل، والخضر ليس من بني إسرائيل لم يرسل إليه، ومحمد صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى جميع الثقلين، ونحن من أمته ومأمورون باتباعه، فيجب علينا اتباعه، ولو كان موسى وعيسى حيين لكانا من أتباعه عليه الصلاة والسلام.
وقد أخذ الله على كل نبي العهد والميثاق؛ لئن بعث محمد وأنت حي لتتبعنه {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) }
ثانيا: فموسى وعيسى لو كانا حيين لكانا من أتباعه، وإذا نزل عيسى إلى الأرض في آخر الزمان، فيحكم فإنه يحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم ويكون فردا من أفراد الأمة المحمدية، وهو أفضل هذه الأمة، فأفضل هذه الأمة بعد نبيها عيسى؛ لأنه نبي وفرد من أفراد الأمة، ثم يليه أبو بكر الصديق.
هذه فائدة: أفضل هذه الأمة بعد نبيها عيسى عليه الصلاة والسلام؛ لأنه ينزل في آخر الزمان، ويحكم بشريعة محمد، ويكون فردا من أفراد الأمة المحمدية، فهو نبي ومن أمة محمد، ثم يليه أبو بكر الصديق، فهو أفضل الناس بعد الأنبياء.
ثانيا: الخضر نبي يوحى إليه على الصحيح، كما قال الله -تعالى- عنه أنه قال:{وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} لما فعل الأمور الثلاثة قال: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} يعني: على أمر الله، وعنده من العلم ما ليس عند موسى، ولهذا لما نقر عصفور في البحر قال له الخضر: يا موسى قال الخضر لموسى: إني على علم من علم الله علمنيه ما تعلمه، وأنت على علم من علم الله علمك الله لا أعلمه، وما ينقص علمي وعلمك في علم الله إلا كما ينقص ماء هذا العصفور بهذه النقرة من البحر.
الخضر نبي يوحى إليه، على الصحيح، الخضر نبي يوحى إليه، فإذا الرد عليهم: أولا: هناك فرق بين موسى والخضر، ثانيا: الخضر نبي يوحى إليه على الصحيح، كما قال تعالى:{وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} وعنده من العلم ما ليس عند موسى، أما نحن فلا يوحى إلينا، وليس عندنا من العلم ما ليس عند محمد صلى الله عليه وسلم.
آخر فقرة في هذا المبحث هناك بعض الصوفية بعض الملاحدة يقول: إن الكعبة تتطوف برجال من أرباب الكشوف المستغنين بالعلم اللدني يقول: الخواص ما يحتاج إلى أن يذهب إلى مكة يطوف، هي الكعبة تأتي إليه، ويطوف بها، تأتي إليه في مكانه، ويطوف بها.
حكم من يقول: إن الكعبة تطوف برجال من أرباب الكشوف المستغنين بالعلم اللدني، حكمه: ملحد زنديق كافر، وله شبه بالذين وصفهم الله -تعالى- بقوله:{بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً (52) } والرد عليهم أن نقول
…
ومن الرد عليهم أن نقول: نبينا محمد صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد الله سيد الخلق وأفضلهم أحصر عن البيت يوم الحديبية، ولم تخرج الكعبة، وتطوف به مع فضله وشرفه وكماله، ولم ير الكعبة منذ ست سنين، فهلا خرجت الكعبة إلى الحديبية، فطافت برسول الله صلى الله عليه وسلم حين أحصر عنها، وهو يود منها نظرة، ولم يرها منذ ست سنوات، فمن قال: إن الكعبة تطوف برجال من أرباب الكشوف فهو ملحد ملحد زنديق خارج من الملة، نسأل الله السلامة والعافية، وفق الله الجميع إلى طاعته، وصلى الله على محمد وآله وسلم نعم.
ونرى الجماعة حقا وصوابا والفرقة زيعا وعذابا
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الطحاوي -رحمه الله تعالى- ونرى الجماعة حقا وصوابا والفرقة زيعا وعذابا. يعني: نعتقد أن الجماعة حق، وأنه يجب على الأمة أن تجتمع على الحق وعلى إمام واحد، وأن يتبعوا ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأن يعتصموا بحبل الله، كما قال الله تعالى:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} وقد ذم الله تعالى الاختلاف والتفرق، فالحق هذه الأمة الإسلامية أن تجمتع، وهذا هو الصواب، فالأمة الإسلامية عليها أن تجتمع على الحق وعلى كتاب الله وعلى سنة رسوله، وأن تعتصم بحبل الله ودينه، وليس لها أن تتفرق، فالفرقة زيع وانحراف، فالزيع هو الانحراف عن الصراط المستقيم، قد ذم الله المتفرقين والمختلفين {وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) } .
والأدلة كثيرة حثت على الاجتماع والنهي عن التفرق والاختلاف عليكم بالجماعة والعامة والمسجد، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
والاختلاف والافتراق في الأمة الإسلامية ينقسم إلى قسمين: اختلاف محمود مرحوم أهله، وهو أن يقر المختلفون بعضهم بعضا في المسائل النظرية الاجتهادية، ولا يبغي بعضهم على بعض.
ومثاله: التنازع الذي حصل للصحابة في خلافة عمر وعثمان في بعض مسائل الاجتهاد في بعض مسائل الاجتهاد، فيقر بعضهم بعضا، ولا يعتد ولا يعتد عليه.
أما الاختلاف المذموم، فهو ألا يقر المختلفون بعضهم بعضا، بل يبغي بعضهم على بعض، إما بالقول مثل تكفيره وتفسيقه، وإما بالفعل مثل حبسه وضربه، مثل حبسه أو ضربه أو قتله، ومثال ذلك الذين امتحنوا الناس في خلق القرآن، فإنهم ابتدعوا بدعة وكفروا من خالفهم فيها، واستحلوا منع حقه وعقوبته.
والناس تجاه من خفي عليهم مما بعث الله به رسوله قسمان: عادلون وظالمون، فالعادلون يعملون بما وصلوا إليه من آثار الأنبياء، ولا يظلمون غيرهم لا بكفره ولا بتكفيره ولا بتفسيقه ولا بحبسه ولا بضربه ولا بقتله، بل يقر بعضهم بعضا في المسائل النظرية الاجتهادية، وكالمقلدين لأئمة العلم، وهم عاجزون عن معرفة الحكم، فجلعوا أئمتهم نوابا عن الرسول صلى الله عليه وسلم فالعادل منهم لا يظلم الآخر، ولا يعتدي عليه لا بقول ولا بفعل كأن يدعي أنه قول مقلده، هو الصحيح بلا حجة يبديها، ويذم من خالفها، مع أنه معذور، والظالمون الذين يعتدون على غيرهم في قول أو فعل وأكثرهم يظلمون مع علمهم بذلك.
وهؤلاء ذمهم الله في كتابه، فقال:{وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ}
أنواع الافتراق والاختلاف: في الأصل أنواع الافتراق والاختلاف، في الأصل ينقسم إلى قسمين: القسم الأول اختلاف تنوع، والقسم الثاني: اختلاف تضاد، فاختلاف التنوع ضابطه هو ألا يوجد في الاختلاف تناف أو تناقض بين الأقوال أو القولين أو بين الأفعال والفعلين، هذا يسمى اختلاف تنوع، والثاني اختلاف تضاد، وهو أن يوجد في الاختلاف تناف أو تناقض بين الأقوال أو القولين أو بين الأفعال أو الفعلين.
النوع الأول اختلاف تنوع، وهو الذي لا يحصل لا يوجد اختلاف ولا تناف ولا تناقض بين الأقوال أو القولين أو بين الأفعال أو الفعلين.
له أمثلة: من أمثلته
…
أو له أنواع: الأول ما يكون كل واحد من القولين أو الفعلين حقا مشروعا، مثاله: القراءات التي اختلف فيها الصحابة حتى زجرهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: كلاكما محسن.
ثانيا: اختلاف الأنواع في صفة الأذان والإقامة والاستفتاح ومحل سجود السهو والتشهد وصلاة الخوف وتكبيرات العيد ونحو ذلك مما قد شرع جميعه، وإن كان بعض أنواعه أرجح وأفضل.
الثاني: ما يكون كل من القولين هو في معنى القول الآخر، لكن العبارتان مختلفتان، مثال ذلك: الاختلاف في مرجع الضمير في قول الله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} إلى قوله: {لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ} {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ} ففيه أراء ثلاثة: مرجع الضمير، قيل: الضمير راجع إلى الله، وقيل: راجع إلى الكتاب، وقيل: راجع إلى الرسول، والمعنى واحد، أي: ليحكم الله أو الرسول بما جاء عن الله، أو ليحكم الكتاب المنزل من عند الله.
ثانيا: اختلاف كثير من الناس في ألفاظ الحدود وصوغ الأدلة، والتعبير عن المسميات. هذا أيضا مثال.
النوع الثالث من اختلاف التنوع: الاختلاف في الفروع الاجتهادية والظنية مثاله اختلاف سليمان ودواد -عليهما الصلاة والسلام- في الحكم في الحرث الذي رعته غنم، كما قال الله تعالى:{فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} ثم أثنى عليهما، وقال:{وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا}
ثانيا: الاختلاف في قطع الأشجار لبني النضير لما حاصر النبي صلى الله عليه وسلم بني النضير -وهم طائفة من اليهود- اختلف الصحابة في قطع الأشجار، فبعضهم قطع بعض النخيل، وبعضهم أبقاه، قال: نبقيها، فقطع قوم إغاظة للعدو حتى نغيظهم، وترك آخرون؛ لأنه مال سيعود إلى المسلمين، فالله تعالى أقر هؤلاء، وهؤلاء فأنزل:{مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا} لينة يعني: النخلة {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قائمةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ}
ومثال آخر: إقرار النبي صلى الله عليه وسلم يوم بني قريظة لمن صلى العصر في وقتها، ولمن أخرها حتى وصل إلى بني قريظة إلى بني قريظة، النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة) فأدركتهم الصلاة في الطريق، فاختلفوا، فقال بعضهم: نصلي، الرسول صلى الله عليه وسلم أراد منا الحث، وقد حضر الوقت، فصلى قوم، وقال آخرون: لا نصلي حتى نصل إلى بني قريظة، فلا نصل إلا بعد الغروب، ولم يصلوا العصر إلا بعد الغروب، فأقر النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء وهؤلاء.
ومثال آخر: حديث: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر) أما اختلاف التضاد، وهو أن يوجد تناف وتناقض بين الأقوال أو القولين أو بين الأفعال أو الفعلين.
فهذا نوعان: ينقسم إلى قسمين: قسم في الأصول والقطعيات، وقسم في الفروع والظنيات في الأصول كالتوحيد، وهو نوعان: أحدهما لا يعذر فيه الإنسان، وهو ما علمه الشخص، كما في قول الله تعالى:{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ}
الاختلاف يؤدي إلى الإيمان والكفر، وقوله سبحانه:{* هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) } ثم ذكر الذين آمنوا وعملوا الصالحات.
والثاني: مثال آخر مما يعذر فيه الإنسان: وهو ما لم يعلم الشخص حكمه، أو يشتبه عليه الأمر، وإن كان قطعيا كتحريم الخمر -مثلا- فهذا يلحق باختلاف التنوع.
ومثاله: الرجل الذي استحل الخمر في زمن عمر، فناقشه عمر حتى أقنعه، وهذا القسم لا يكون مذموما بالعصبية والهوى، أما النوع الثاني، وهو في الفروع كالمسائل الفقهية عند الجمهور، الذين يقولون: المصيب واحد، والخطب في هذا أشد؛ لأن القولين يتنافيان، الفرق بين اختلاف التنوع بأقسامه واختلاف التضاد بقسميه، الفرق بينهما أن اختلاف التنوع هو ما حمد فيه كل واحدة من الطائفتين، إذا لم يحصل بغي من إحداهما والذم فيه واقع على من بغى على الآخر.
وقد دل القرآن على حمد كل واحدة من الطائفتين إذا لم يحصل منهما أو أحدهما بغي على الأخرى كما في الأمثلة السابقة: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قائمةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا} .
إقرار النبي صلى الله عليه وسلم بمن صلى العصر في وقتها أو في بني قريظة.
حديث: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر) .
وأما اختلاف التضاد فهو ما حمد فيه إحدى الطائفتين وذمت الأخرى، كما في الأمثلة السابقة {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا} {* هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ}
متى يكون كل من أنواع اختلاف التنوع مذموما؟ ومتى يكون محمودا؟ .
يكون مذموما إذا حصل فيه بغي على الآخر ظلما بسبب العصبية والهوى، أو بسبب الجهل، إما بالقول مثل التفكير والتفسيق أو بالفعل مثل حبسه وضربه وقتله، ويكون محمودا إذا لم يحصل بغي.
فالخلاصة: أنه يذم إذا حمل الهوى والعصبية والظلم على التشاحن والقتال، فاختلاف التنوع الذم فيه واقع على من بغى على الآخر ظلما بسبب العصبية أو الجهل بالقول أو الفعل أي القسمين، الاختلاف فيه يئول إلى البدع بين الأمة، وإلى سفك الدماء واستباحة الأموال والعدواة والبغضاء، وما
…
سبب ذلك القسم الأول، وهو اختلاف التنوع، وهو الذي آل بالأمة إلى سفك الدماء وإلى الاختلاف.
وسبب ذلك البغي والهوى والعصبية والظلم، وذلك أن إحدى الطائفتين لا تعترف بالأخرى فيما معها من الحق، ولا تنصفها، بل تزيد ما معها من الحق على ما معها من الحق زيادات من الباطل، والأخرى كذلك قال تعالى
…
الدليل: قال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} .
والبغي مجاوزة الحد، ومن السنة حديث أبي هريرة رضي الله عنه (ذروني ما تركتم؛ فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء، فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) فأمرهم بالإمساك عما لم يؤمرا، معللا بأن سبب هلاك الأولين إنما كان بكثرة السؤال، ثم الاختلاف على الرسل بالمعصية.
أنواع الاختلاف في الكتاب العزيز من الذين يقرءونه من الذين يقرون به مع التمثيل، ومن أي أنواع الاختلاف اختلاف أهل البدع واختلاف الأئمة الاختلاف في الكتاب العزيز على نوعين:
اختلاف في تنزيله واختلاف في تأويله، وكلاهما فيه إيمان ببعض دون بعض، الاختلاف في تنزيله، مثاله: اختلافهم في تكلم الله بالقرآن وتنزيله، فطائفة قالت: هذا الكلام حصل بقدرة الله ومشيئته، لكنه مخلوق في غيره، لم يقم به وهم الجهمية والمعتزلة، وطائفة قالت: بل هو صفة له قائمة بذاته، ليس بمخلوق، لكنه لا يتكلم بمشيئته وقدرته، وهم الكلابية، وكل من الطائفتين جمعت في كلامها بين حق وباطل.
والمذهب الثالث: مذهب أهل السنة مأخوذ من الحق الذي مع كل من الطائفتين، وهو أن كلام الله صفة قائمة بذاته ليس بمخلوق، وهو حاصل بقدرته ومشيئته.
ثانيا: الاختلاف في تأويله يكون في الأصول، ويكون في المسائل الفقهية، ويكون في القدر، يكون في المسائل الفقهية، كالاختلاف في قوله:{وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) } هل المراد بها تطهير النفس أو زكاة المال؟ .
وكذلك والاختلاف في القدر، مثاله: اختلاف في نصوص القدر، كحديث عامر بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه ذات يوم وهم يختصمون في القدر هذا ينزع بآية وهذا ينزع بآية فكأنما فقئ في وجهه حب الرمان من شدة الغضب فقال: (أبهذا أمرتهم أم بهذا بعثتم أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض)
أما الاختلاف بين الأئمة في المعنى كاختلافهم في الأقراء، هل هي الحيض أو الأطهار، فليس ضربا لكتاب الله، وأما اختلاف أهل البدع فهو اختلاف في تأويله موقف أهل البدع مما يوافق رأيهم من الآيات، ومما يخالفه، وما الذي يحكم به عليهم مع الاستدلال، وهل يشارك أهل البدع في ذلك من عمل بما فهم من القرآن، وتوقف فيما اشتبه عليه مع التوجيه والاستدلال، أهل البدع يقرون بما يوافق رأيهم من الآيات، وما يخالفه فلهم فيه طريقان:
أحدهما أن يتأوله تأويلا يحرفون به الكلم عن مواضعه، الثاني: أن يقولوا هذا متشابه لا يفهمه أحد، ويجحد ما أنزل الله الحكم عليهم تأويلهم للمعنى، أو جحدهم له بناء على أنه متشابه، هو في معنى الكفر به، أي: المعنى أي في معنى الكفر به، أي: المعنى، إذ الإيمان باللفظ بدون معنى هو من جنس إيمان أهل الكتاب.
الاستدلال: قال الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} يعني: في عدم الفهم والعمل، أو بعدم العمل فقط، وقال تعالى:{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ} أي إلا تلاوة من غير فهم معناه، ولا يشارك أهل البدع في هذا المؤمن الذي عمل بما فهم من القرآن، ووكل علم ما اشتبه عليه إلى الله؛ لأنه ما نفى أن يفهمه العالم، ولأنه امتثل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:(فما عرفتم به فاعملوا به وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه) نعم.
ودين الله في الأرض والسماء واحد، وهو دين الإسلام، قال الله تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} وقال تعالى: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} وهو بين الغلو والتقصير، وبين التشبيه والتعطيل وبين الجبر والقدر وبين الأمن والإياس
نعم هذا في بيان بين المؤلف رحمه الله توسط دين الإسلام، وأن دين الإسلام وسط بين الأديان، وبين الملل الأخرى، ودين الإسلام وسط بين اليهودية وبين النصرانية حق، وهو عام لكل زمان، فالدليل على عموم دين الإسلام لكل زمان قول الله تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} وقوله: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} وقوله عز وجل {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} .
ومن السنة ما في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنا معاشر الأنبياء ديننا واحد) فدين الإسلام واحد، ودين الأنبياء واحد، دين الإسلام هو دين آدم، هو دين نوح، وهو دين هود، وهو دين صالح، ودين شعيب، ودين إبراهيم ولوط وموسى وعيسى ومحمد وجميع الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-.
والمراد بدين الله الذي هو عام في كل زمان ومكان، معناه العام الشامل لجميع أديان الأنبياء، وذلك راجع لأصول العبادات، فدين الإسلام هو دين الأنبياء جميعا؛ لأن أصوله واحدة، وهو توحيد الله في أفعاله وفي أفعال العباد، والإيمان به -سبحانه- بإسمائه وصفاته ونفي الشرك والبعد عنه، فالأنبياء كلهم اتفقوا في أصول العبادات في توحيد الله في ألوهيته وربوببيته وأسمائه وصفاته والإيمان بالأنبياء وتعظيم الأنبياء وتعظيم الأوامر والنواهي، هذا هو دين الإسلام.
أما بمعناه العام أما دين الإسلام بمعناه الخاص، فهو خاص بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الشريعة إذا اختلفت الفروع، فالأنبياء دينهم واحد، كما قال: إنا معاشر الأنبياء
…
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (إنا معاشر الأنبياء إخوة لعلات ديننا واحد)
فدين الأنبياء واحد، بمعنى أن الأنبياء كلهم جاءوا بالتوحيد، كلهم جاءوا أمروا بالتوحيد، بتوحيد الله في أسمائه وصفاته وربوبيته، كل الأنبياء جاءوا بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، كل الأنبياء نهوا عن الشرك، كل الأنبياء أمروا بطاعة الله ورسوله، بل بطاعة الله كل الأنبياء أمروا بامتثال الأوامر واجتناب النواهي، كل الأنبياء أمروا بطاعة الأنبياء والرسل.
أما الشرائع فإنها تختلف، كل شريعة تختلف عن الأخرى في الحلال والحرام.
مثلا: في شريعة آدم تختلف الشرائع في شريعة آدم يجوز للإنسان أن يتزوج أخته التي جاءت في بطن غير البطن الذي جاء فيه أخته التي تحرم عليه؛ لأن حواء كانت تأتيه بذكر وأنثى، فأخته التي جاءت معه في بطن واحدة هذه حرام عليه، لكن أخته التي في بطن سابق أو لاحق حلال له، حتى تكاثر الناس، ثم بعد ذلك حرم زواج الأخت، في شريعة يعقوب يجوز الجمع بين الأختين في شريعتنا لا يجوز.
إذن الشرائع تختلف {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً} قال الله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} لكن أصول الأصول واحدة أصول الدين واحدة، كل الأنبياء جاءوا بالتوحيد، أمروا بالتوحيد، كل الأنبياء نهوا عن الشرك كل الأنبياء جاءوا بتعظيم الأوامر وترك النواهي، فدين الإسلام في زمن نوح توحيد الله والبعد عن الشرك والعمل بما جاء به آدم من الشريعة، دين الإسلام في زمن نوح توحيد الله والنهي عن الشرك وتعظيم الأوامر والعمل بشريعة نوح دين الله في زمن هود توحيد الله وطاعة الأنبياء وتعظيم الأوامر والنهي عن الشرك والعمل بشريعة هود، وهكذا كل حتى ختموا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم فصار دين الإسلام بمعناه العام توحيد الله والنهي عن الشرك وتعظيم الأوامر، وبمعناه الخاص ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الشريعة، فمعنى تنوع الشرائع معناه أن تفاصيل الدين من التكاليف ومن الأوامر والنواهي تختلف من شريعة لأخرى كالاختلاف في بعض الواجبات أو المحرمات، ودليل ذلك قول الله تعالى:{لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} .
أصل هذا الدين وسنده وفروعه: الدين هو ما شرعه الله تعالى لعباده على ألسنة الرسل، وأصل هذا الدين وفروعه روايته عن الرسل بالوحي ولا يكون بالعقل ظهور دين الإسلام وسهولة تعلمه وإمكان الدخول فيه بأقصر زمان ودليل ذلك من الكتاب والسنة الإسلام ظاهر غاية الظهور، يمكن لكل مميز من صغير وكبير وفصيح وأعجمي وذكي وبليد أن يدخل فيه بأقصر زمان.
الأدلة قال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17) } وقال سبحانه: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ} .
ومن السنة قوله عليه الصلاة والسلام: (إن هذا الدين يسر) وقوله عليه الصلاة والسلام: (بعثت بالحنفية السمحة) وقال عليه الصلاة والسلام: (تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها) وكان الوفد الوافد إلى رسول صلى الله عليه وسلم يتعلم الدين، ثم يولي في وقته، فالدين يتعلمه الإنسان في أقصر وقت يتشهد شهادة الحق ويشهد لله بالوحدانية، ولنبيه بالرسالة فيدخل في الإسلام ويلتزم، ويدخل الإنسان في هذا الدين في أقصر وقت في لحظة كما أنه يخرج من الدين بأقصر زمان ولذلك أمثلة كثيرة منها:
إنكار كلمة من القرآن ككلمة التوحيد يخرج من الإسلام، أو تكذيب لله، أو لرسوله، أو لما جاء به الله ورسوله يخرج عن الإسلام، أو معارضة لله، أو لرسوله، أو لما جاء به الله، أو رسوله، أو ارتياب في قول الله، أو قول رسوله، أو كذب على رسوله، أو رد لما أنزل الله، أو لما جاء به رسوله، أو شك فيما نفى الله عنه الشك فيخرج من الإسلام في أقصر زمان.. يدخل فيه في أقصر زمان ويخرج منه في أقصر زمان.
والحكمة في اختلاف تعليم النبي صلى الله عليه وسلم للناس في بعض الألفاظ مراعاة الأحوال، مراعاة حال من يتعلم، فإن كان الشخص الذي يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعيد الوطن كضمام بن ثعلبة النجدي ووفد عبد القيس علمهم ما لا يسعهم جهله، ويرسل إليهم من يفقهم فيما يحتاجون إليه مع علمه بأن دينه سينتشر في الآفاق.
ومن كان قريب الوطن يمكنه الإتيان كل وقت بحيث يتعلم على التدريج، أو كان قد علم منه أنه عرف ما لا بد منه أجابه بحسب حاله وحاجته على ما تدل قرينة حال السائل كقوله:(قل آمنت بالله ثم استقم) .
ويخاطبهم النبي صلى الله عليه وسلم بحسب حالهم من كان عاقا لوالديه أوصاه ببر الوالدين؛ لأنه يحتاج إليه من كان يكذب في الحديث أجابه بصدق الحديث، الدين الذي شرع ولم يأذن الله به لا يجوز أن تكون أصوله مستلزمة له منقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من المرسلين؛ لأنه باطل وملزوم الباطل باطل كما أن لازم الحق حق، ودين الإسلام وسط بين الغلو والتقصير.
وهو بين الغلو والتقصير
نعم وبيان كون دين الإسلام وسطا بين الغلو والتقصير مثال ذلك غلو النصارى في عيسى، النصارى غلوا في عيسى حتى جعلوه إلها، وقالوا: ابن الله هذا غلو قابلهم اليهود جَفَوْا وقصروا حتى قالوا: إن عيسى ابن زنا والعياذ بالله.
دين الإسلام وسط بين هؤلاء وهؤلاء، لا يقولون بقول اليهود ولا بقول النصارى بل يقولون: هو عبد الله ورسوله، نعم.
ومثال ذلك أيضا: شخص يغلو في العبادة ويرهق نفسه في فعل النوافل، وآخر يفرط في العبادة، ويضيعها فلا يصوم لله ولا يصلي. دين الإسلام وسط وهو الإتيان بالعبادة كما أمر الله من غير إرهاق ولا تفريط.
والأدلة على تحريم الغلو من الكتاب قول الله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ} وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِن اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) } .
ومن السنة حديث الرهط الذين سألوا عن عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم في السر فتقالُّوها فقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم أنكر عليهم، وقال:(لكني أصوم وأفطر وأنام وأقوم وآكل اللحم وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني) . نعم.
وبين التشبيه والتعطيل
دين الإسلام وسط بين التشبيه والتعطيل، توضيح ذلك مثلا المشبه ويتزعمهم داود الجواربي وجماعته وهشام بن الحكم الكندي وهشام بن سالم الجواليقي غلوا في التشبيه فقالوا: سمع الله كسمعنا وبصره كبصرنا، حتى قال داود: إن الله بكى واشتكت عيناه فعادته الملائكة -والعياذ بالله-.
وقابلهم المعطلة من المعتزلة والجهمية بالغوا في التنزيه فعطلوا الله من صفاته وأسمائه، فنفت المعتزلة الصفات، ونفت الجهمية الأسماء والصفات، والحق الوسط مذهب أهل السنة وهو: أن يوصف الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله من غير تشبيه كما تقول المشبهة ومن غير تعطيل كما تقول المعطلة، إثبات من غير غلو وتنزيه من غير غلو، إثبات بلا تشبيه وتنزيه بلا تعطيل، ومما يرد به على الطائفتين قول الله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) } فقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} رد على المشبهة، وقوله:{وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) } رد على المعطلة. نعم.
وبين الجبر والقدر
دين الإسلام وسط بين الجبر والقدر بيان ذلك أن الجبرية يقولون: إن العبد مجبور على أفعاله وأقواله وهي بمنزلة حركات مرتعشة وحركات الأشجار بالرياح وهذا قول الجهم وأتباعه والقدرية قالوا: إن أفعال العبد مخلوقة له وإن الله لم يقدرها ولم يردها. والحق الوسط مذهب أهل السنة: أن الأفعال هي فعل العبد وكسبه وهي خلق الله تعالى فما نسب إلى الله فهو من خلقه وإيجاده، فالذي ينسب إلى الله الخلق والإيجاد، والذي ينسب إلى العبد الكسب والاختيار والمباشرة. نعم.
وبين الأمن والإياس
بيان كون الإسلام وسطا بين الأمن والإياس، توضيح ذلك الأمن من مكر الله هو عدم الخوف من الله ومن عقوبته فيسترسل في المعاصي ويأمن مغبتها وإثمها وشرها، واليأس من روح الله هو القنوط من رحمة الله، وإساءة الظن بالله، وهو لا يرجو ثواب الله ومغفرته ورحمته بل هو يائس قانط متشائم مسيء الظن بالله عز وجل.
ودين الإسلام يحكم بكفر من يئس من روح الله، قال تعالى:{إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87) } والآمن من مكر الله خاسر خسران كفر، قال الله تعالى:{فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99) } .
والحق الوسط وهو دين الإسلام بين الأمن واليأس وهو أن يكون العبد خائفا من عذاب الله راجيا رحمته، وأن الخوف والرجاء بمنزلة الجناحين للطائر، وأن الخوف والرجاء للعبد بمنزلة الجناحين للطائر في سيره لله -تعالى- والدار الآخرة.
إذن دين الإسلام وسط بين الأمن واليأس، فالأمن ليس من دين الإسلام، واليأس ليس من دين الإسلام. نعم.
فهذا ديننا واعتقادنا ظاهرا وباطنا
نعم، هذا يعني ما سبق هو ديننا واعتقادنا ظاهرا وباطنا، ما قرر معتقد أهل السنة والجماعة وما دلت عليه النصوص يقول نعتقده ظاهرا وباطنا ما يكون لنا باطن ولنا ظاهر كما يفعل الباطنية، الباطنية لهم ظاهر ولهم باطن، فيفسرون النصوص بشيء يخالف ظاهرها.
فمثلا الباطنية يقولون: الصلوات الخمس الصلاة لها باطن ولها ظاهر فظاهرها الصلوات الخمس التي يصليها الناس، وباطنها تعداد أسماء خمسة من الحسن والحسين وعلي وفاطمة، والصيام يقول ظاهره له ظاهر وهو ما يصومه الناس العامة، ولكن الخاصة معناه كتمان سر المشايخ هذا الصيام، والحج له باطن وظاهر، ظاهره حج الناس إلى بيت الله الحرام وباطنه الحج إلى قبور المشايخ.
هذا أهل الباطنية لهم باطن ولهم ظاهر، هذا اعتقادنا باطن وظاهر ما عندنا باطن يخالف الظاهر فالظاهر يوافق الباطن، والباطن يوافق الظاهر هذا ديننا واعتقادنا، ليس لنا باطن يخالف الظاهر كما تفعله الباطنية، أي نعم.
ونحن برآء إلى الله من كل من خالف الذي ذكرناه وبيناه
يقول: ما خالف كل ما قررناه في هذه العقيدة الطحاوية من خالفه نبرأ إلى الله منه فنحن برآء منه لا نعتقده ولا نعمل به. نعم.
الدعاء بالثبات على الإيمان
ونسأل الله تعالى أن يثبتنا على الإيمان ويختم لنا به
آمين، دعاء عظيم ونسأل الله نعم.
ونسأل الله تعالى أن يثبتنا على الإيمان ويختم لنا به، ويعصمنا من الأهواء المختلفة والآراء المتفرقة.
نعم. يقول: نسأل الله أن يعصمنا من الفتن والضلال، ونسأل الله أن يثبتنا على دينه وأن يجنبنا الأهواء والبدع والأهواء المردية المضلة نعم.
ويعصمنا من الأهواء المختلفة والآراء المتفرقة والمذاهب الردية مثل المشبهة والمعتزلة والجهمية والجبرية والقدرية وغيرهم
نعم. هذه خمس طوائف، ونسأل الله أن يعصمنا من طريقتهم، وهم المشبهة والمعتزلة والجهمية والجبرية والقدرية، فالمشبهة هم الذين شبّهوا الله تعالى بالخلق في صفاته، ورءوس المشبهة هم داود الجواربي وهشام بن الحكم الكندي وهشام بن سالم الجواليقي كان وقتهم في منتصف المائة الثالثة.
وتشبيه المشبهة عكس تشبيه النصارى، تشبيه المشبهة عكس تشبيه النصارى، فإن النصارى شبهوا المخلوق وهو عيسى عليه الصلاة والسلام بالخالق وجعلوه إلها، والمشبهة شبهوا الخالق بالمخلوق فانتقصوا الخالق وجعلوه مثل المخلوق، يقول أحدهم: لله يد كيدي وسمع كسمعي، وبصر كبصري، واستواء كاستوائي.
أما المعتزلة فرءوسهم عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء الغزال وأصحابهما سُمُّوا المعتزلة؛ لأنهم اعتزلوا الجماعة من بعد موت الحسن البصري، أو لاعتزال شيخهم واصل بن عطاء مجلس الحسن البصري فكانوا يجلسون معتزلين وقتهم، كان ذلك في أوائل المائة الثانية.
والذي وضع أصول الاعتزال وأسسه وهو واصل بن عطاء، وتابعه عمرو بن عبيد تلميذ الحسن البصري، فالمؤسس للمذهب واصل بن عطاء والذي شرحه ووضحه هو أبو هزيل العلاف شيخ المعتزلة فهو مجدد المذهب والمُفَرِّع له حيث صنَّف لهم كتابين، وبيَّن مذهبهم وبناه على الأصول الخمسة، وكان ذلك في زمن هارون الرشيد.
أصول المعتزلة والمعاني التي ستروها تحت كل أصل والرد عليها.
أصول المعتزلة التي بنوا مذهبهم عليها، التي بنى مذهبهم عليها أبو هزيل العلاف خمسة وهي: التوحيد، والعدل، والمنزلة بين المنزلتين، وإنفاذ الوعيد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذه أصول الدين.
أصول الدين عند أهل الحق ما هي؟ أصول الدين عندنا الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، عند المعتزلة بدلوا أصول الدين عندنا قالوا: لا، عندنا أصولنا: التوحيد والعدل والمنزلة بين المنزلتين وإنفاذ الوعيد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكل أصل ستروا تحته معنًى باطنا العدل ستروا تحته نفي القدر، وقالوا: إن الله لا يخلق الشر ولا يقضي به إذ لو خلقهم، ثم يعذبهم عليه يكون ذلك جورا والله عادل لا يجور.
الرد عليهم نقول: يلزمكم على هذا الأصل الفاسد أن الله يكون في ملكه ما لا يريد، ويريد الشيء ولا يكون، ولازمه وصف الله بالعجز تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
الأصل الثاني: التوحيد ستروا تحته نفي الصفات والقول بخلق القرآن هذا معنى التوحيد، التوحيد معناه ينفون الصفات والقول بخلق القرآن، إذ لو كان غير مخلوق للزم تعدد القدماء.
الرد عليهم نقول: يلزمكم على هذا القول الفاسد أحد أمرين: الأول نفي بقية الصفات عن الله كالعلم والقدرة وسائر صفاته، والقول بأنها مخلوقة فتلزمهم الشناعة والزور حيث نفوا ما أثبته الله لنفسه في القرآن والثاني: التناقض، ونفي صفة الكلام وجعلها مخلوقة وإثبات بقية الصفات.
الأصل الثالث: إنفاذ الوعيد ستروا تحتها القول بخلود أهل الكبائر في النار.
الأصل الرابع: المنزلة بين المنزلتين ستروا تحتها القول بأن مرتكب الكبيرة خرج من الإيمان، ولم يدخل في الكفر، فكان في منزلة بين الإيمان والكفر.
الرد عليهم في الأصلين الآخرين بحديث الشفاعة: (أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان) فهذا الحديث يدل على أمرين:
الأول: أن معهم إيمان ففيه رد على الأصل الأخير، وهو قولهم بخروجهم من الإيمان بالمعصية.
الثاني: أنهم أخرجوا من النار، ففيه رد على الأصل الثالث وهو قولهم بخلود العصاة في النار، كما يُرَدُّ عليهم بقول الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} وأما الأمر بالمعروف وهو الأصل الخامس ستروا تحته القول بأنه يجب عليهم أن يأمروا غيرهم ويلزموه بما وصلوا إليه باجتهادهم في الأمور النظرية الاجتهادية.
الرد عليهم بحديث: (لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة) فاختلف الصحابة في اجتهادهم في فهم مراد الرسول صلى الله عليه وسلم فصلى بعضهم العصر في الطريق قبل الوصول، وقالوا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد الحث على الإسراع، وقد فعلنا وصلى بعضهم بعد الوصول وخروج الوقت فلم يعنف النبي صلى الله عليه وسلم أحد الفريقين؛ لأنها أمور نظرية يشتبه أمرها.
وأما النهي عن المنكر فستروا تحته جواز الخروج على الأئمة بالقتال إذا جاروا وظلموا. الرد عليهم بحديث عوف بن مالك الأشجعي (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم. قلنا يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف؟ قال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة) أخرجه مسلم.
المعتزلة مشبهة في الأفعال، معطلة في الصفات فهم قاسوا أفعال الله على أفعال العباد، وجعلوا ما يحسن من العباد يحسن منه وما يقبح من العباد يقبح منه، وقالوا: يجب على الله أن يفعل كذا، ولا يجوز له أن يفعل كذا بمقتضى ذلك القياس الفاسد، فالعباد خالقون لأفعالهم إذ يقبح منه أن يخلقها، ثم يعذبهم عليها.
الرد عليهم نقول: إن السيد من بني آدم لو رأى عبيده تزني بإمائه ولا يمنعهم من ذلك لعد إما مستحسنا للقبيح وإما عاجزا فكيف يصح قياس أفعاله سبحانه على أفعال عباده، لو كان العباد خالقون لأفعالهم للزم عليه أن يكون الله مستحسنا للقبيح من أفعالهم، أو عاجزا وكلاهما محال على الله المعتزلة يقولون عندهم الأصل الأول والأصل الثاني هذه من الأصول العقلية، والثلاثة الأخيرة أصول شرعية.
فالأصل الأول والثاني وهما العدل والتوحيد يقولون من الأصول العقلية التي لا يعلم صحة الصنع إلا بعدها؛ لأنها عرفت قبل الشريعة بالعقل يقولون لا حاجة للشريعة في أصل التوحيد والعدل، ما في حاجة إلى الشريعة ولا حاجة إلى الكتاب والسنة، والشريعة جاءت مطمئنة وموضحة وموافقة لما جاء به العقل. وأما العقل فهو كافٍ في المطلوب وإذا استدلوا على ذلك بأدلة سمعية فإنما يذكرونها للاعتراض لا للاعتماد عليها، قالوا: والقرآن والحديث بمنزلة الشهود الزائدين على النصاب وبمنزلة المدد اللاحق بعسكر مستغنٍ عنه، وبمنزلة من يتبع هواه واتفقوا أن الشرع ما يهواه.
ويرد عليهم بأن الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، والعمل يتبع قصد صاحبه وإرادته، وصلاح العمل متوقف على صلاح النية وصلاح النية متوقف على العلم بالله والتصديق به، فلا يثاب الإنسان على ما وافق من الحق بدون نية إذا كان تابعا لهواه ويعاقب على ما تركه من الحق إذا كان متبعا لهواه.
أما الجهمية، الجهمية الذي أسس عقيدة نفي الصفات والأسماء هو الجعد بن درهم وقاتله خالد بن عبد الله القسري أمير العراق ومشرق بن واصل ضحى به يوم الأضحى وسبب قتله أنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يكلم موسى تكليما، وكان ذلك بعد استفتاء علماء زمانه وهم من السلف الصالح الذي أظهر مقالة الجعد بعده هو الجهم بن صفوان وسبب ذلك مناظرته قوما من المشركين يقال لهم السمانية من فلاسفة الهند، وهم الذين ينكرون من العلم ما سوى الحسيات وبعدها نفى الصفات.
واتصل بالجعد يعني الجهم اتصل بالسمانية وشككوه في الله، وقالوا له: إلهك هذا الذي تعبد هل تراه بعيونك؟ قال: لا، قالوا هل تسمع بإذنك؟ قال: لا، قالوا: هل تشمه بأنفك؟ قال: لا، قالوا: هل تذوقه بلسانك؟ قال: لا، قالوا: له هل تحسه بيدك؟ قال: لا، قالوا: إذن هو معدوم.
فشك في ربه وترك الصلاة أربعين يوما فجهم، ثم بعد الأربعين نقش الشيطان في ذهنه أن الله موجود وجودا ذهنيا فأثبت وجودا لله في الذهن وسلب عنه جميع الأسماء والصفات، نسأل الله السلامة والعافية فنسبت الجهمية إلى الجهم؛ لأنه هو الذي أظهر المذهب ونشره ودافع عنه والذي قتله هو سالم بن أحوذ أمير خراسان آخر ولاة بني أمية بعد أن فشت مقالته في الناس.
ثم تقلد نفي الصفات بعد الجهم المعتزلة ولكن الجهم أكثر في التعطيل منهم؛ لأنه ينكر الأسماء والصفات وهم لا ينكرون الأسماء بل الصفات فقط.
العقائد الذي اشتهر بها الجهم، الجهم اشتهر بأربع عقائد خبيثة:
العقيدة الأولى: عقيدة نفي الصفات، وورثها عنه المعتزلة.
العقيدة الثانية: عقيدة الجبر وأنه لا فعل لأحد في الحقيقة إلا الله، وأن الناس إنما تنسب إليهم أفعالهم على سبيل المجاز، وورثها عنه الجبرية.
العقيدة الثالثة: عقيدة الإرجاء، عقيدة الإرجاء، وأن الإيمان هو معرفة الرب بالقلب، والكفر هو جهل الرب بالقلب وورثها عنه المرجئة.
العقيدة الرابعة: القول بفناء الجنة والنار.
اشتهرت مقالة الجهمية حين امتُحن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله وغيره من علماء السنة في فتنة القول بخلق القرآن وذلك في إمارة المأمون وخلافته، فإنهم قووا وكثروا فإنه أقام بخراسان مدة واجتمع بهم، ثم كتب في المحنة من طراسوس بسبب بشر بن غياث المردي وطبقته.
سند مذهب الجهم: أصل مذهب الجهم مأخوذ عن المشركين والصابئة واليهود، إذ إن الجهم أخذ عن الجعد بن درهم، والجعد كان قد اتصل بالصابئة الفلاسفة من أهل حران، وأخذ شيئا من بعض اليهود المحرفين لدينهم المتصلين بلبيد فأخذ الجعد عن أبان بن سمعان، وأبان أخذ عن طالوس وطالوس أخذ عن خاله لبيد بن أعصم اليهودي الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم فصار سند المذهب يتصل باليهود.
نزاع العلماء في الجهمية: هل هم من فرق الأمة الإسلامية أم لا؟ قد تنازع العلماء في الجهمية هل هم من الثنتين والسبعين فرقة فيكونون من المبتدعة أم ليسوا منها فيكونون كفرة من فرق الكفرة؟ قيل: منهم وقيل: ليسوا منهم، وقيل غلاة الحهمية كفرة وغير الغلاة مبتدعة، وذكر العلامة ابن القيم رحمه الله أنه كفَّر الجهميةَ خمسمائة عالم، خمسمائة عالم كفروا الجهمية قال في الكافية الشافية:
ولقد تقلد كفرهم خمسون في
عشر من العلماء في البلدان
خمسين في عشرة كم؟ خمسمائة، ولقد تقلد كفرهم خمسون في عشر من العلماء في البلدان
ولا لك أي الإمام حكاه عنهم
بل قد حكاه قبله الطبراني
الفرقة الرابعة الجبرية، أصل قول الجبرية ورئيسهم، أصل قول الجبرية من الجهم بن صفوان؛ إذ إنه رئيسهم فورثوه عنه، وهو نظير واصل بن عطاء في الاعتزال، مذهبهم أن فعل العبد بمنزلة طوله ولونه وهم عكس القدرية نفاة القدر، وإطلاق اسم القدرية عليهم، وإطلاق اسم القدرية عليهم؛ لأنهم غلو في إثبات القدر.
المبحث الخامس القدرية، أول من تكلم بالقدر معبد الجهني بالبصرة، وأخذ ذلك عنه غيلان الدمشقي، وكان ذلك في أواخر عهد الصحابة ومذهبهم أن الله لم يقدر أفعال العباد ولا شائها بل العباد هم الخالقون لأفعالهم والموجدون للكفر والمعاصي والطاعات والإيمان.
والأحاديث في ذمهم قد وردت أحاديث كثيرة في ذمهم منها حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (القدرية مجوس هذه الأمة إن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تشهدوهم) .
والتحقيق في الأحاديث في ذم القدرية والفرق بينها وبين الأحاديث في ذم الخوارج الصحيح أن الأحاديث التي هي في ذم القدرية كلها موقوفة بخلاف الأحاديث الواردة في ذم الخوارج فإن فيهم في الصحيح وحده عشرة أحاديث، أخرج البخاري منها ثلاثة وأخرج مسلم سائرها، والقدرية يشبهون بالمجوس؛ لأن كلا من الطائفتين قالت بتعدد الخالق ولكن قول القدرية أردأ وأسوأ من قول المجوس فإن المجوس اعتقدوا وجود خالقين واحدا للشر وآخر للخير والقدرية اعتقدوا وجود خالقين على عدد من يوجد فعله باختياره.
سبب ضلال هذه الفرق ومنشأ حدوث هذه البدع، منشأ حدوث هذه البدع، هذه البدع المتقابلة حدثت من الفتن المفرقة بين الأمة كما ذكر البخاري في صحيحه عن سعيد بن المسيب قال:"وقعت الفتنة يعني مقتل عثمان فلم تُبْقِ من أصحاب بدر أحدا، ثم وقعت الفتنة الثانية فلم تُبْقِ من أصحاب الحديبية أحدا، ثم وقعت الثالثة فلم ترتفع للناس طباح، أي عقل وقوة".
فالخوارج والشيعة حدثوا في الفتنة الأولى والقدرية والمرجئة في الفتنة الثانية، والجهمية ونحوهم بعد الفتنة الثالثة، وهذه البدع، هؤلاء المبتدعة يقابلون البدعة بالبدعة، فالشيعة غلو في علي والخوارج كفروه، والمعتزلة غلو في الوعيد حتى خلدوا بعض المؤمنين في النار، والمرجئة غلو في الوعد حتى نفوا بعض الوعيد، والمشبهة غلو في الإثبات حتى وقعوا في التشبيه، والجهمية والمعتزلة غلو في التنزيه حتى نفوا صفات الله تعالى، أو صفاته وأسمائه.
سبب ضلال هذه الفرق عدولهم عن الصراط المستقيم الذي أمرنا الله باتباعه فقال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} وقال: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} فلما عدلوا عن الصراط المستقيم أحاطت بهم الفتن فنشئت هذه الآراء المتضاربة والعبد مضطر إلى سؤال الله الهداية، اضطراره إلى سؤال الهداية فوق كل ضرورة، ولهذا شرع الله في الصلاة قراءتهم للقرآن في كل ركعة لاحتياج العبد إلى هذا الدعاء العظيم بالقدر المشتمل على أشرف المطالب وأجلها {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المغضوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) } .
تشبيه من انحرف من العلماء ومن العباد، قال طائفة من السلف: من انحرف من العلماء ففيه شبه من اليهود، ولهذا تجد أكثر المنحرفين من أهل الكلام من المعتزلة ونحوهم فيهم شبه من اليهود، حتى أن علماء اليهود يقرءون كتب شيوخ المعتزلة ويستحسنون طريقتهم ويستحسنون طريقتهم، وكذا شيوخ المعتزلة يميلون إلى اليهود ويرجحونهم على النصارى.
ومن انحرف من العباد ففيه شبه من النصارى، ولهذا تجد أكثر المنحرفين من العباد من المتصوفة ونحوهم فيه شبه من النصارى، ولهذا يميلون إلى نوع من الرهبانية والحلول والاتحاد ونحو ذلك، ولهذا نرى شيوخ الصوفية ومن انحرف من العباد عموما يذمون الكلام وأهله، وشيوخ أرباب الكلام يعيبون طريقة العباد والصوفية، ويصنفون في ذم السماع والوجد وكثير من الزهد والعبادة التي أحدثها الصوفية.
طريقة فرق الضلال في الوحي، هذا المبحث آخر مبحث وهو مهم وهي طريقة فرق الضلال في الوحي فرق الضلال المنحرفين لهم طريقة في الوحي، ما هو الوحي؟ ما أنزله الله على رسوله من القرآن والسنة ما هي طريقتهم في الوحي، طريقة الضلال في الوحي لهم طريقتان، انتبهوا وكل طريقة تتفرع، الطريقة الأولى طريقة فرق الضلال في الوحي وهو الكتاب والسنة ما أنزله الله على رسوله من الوحي من القرآن ومن السنة، السنة وحي ثان، أهل الضلال لهم طريقتان في هذا الوحي وهو الكتاب العزيز والسنة المطهرة، طريقتان:
الطريقة الأولى: طريقة التبديل.
والطريقة الثانية: طريقة التجهيل طريقة التبديل، والثانية طريقة التجهيل.
أهل التبديل نوعان أهل التبديل نوعان:
النوع الأول ل أهل الوهم والتخييل.
والنوع الثاني أهل التحريف والتأويل، هذا تقسيم الطريقة الأولى. والطريقة الثانية يأتي تقسيمها.
أهل الوهم والتخييل هم المتفلسفة ومن سلك سبيلهم من متكلم ومتصوف ومتفقه مذهبهم في الله واليوم الآخر يقولون: إن ما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم من أمر الإيمان بالله واليوم الآخر، إنما هو تخيل للحقائق لينتفع الجمهور به لا أنه بيَّن به الحق ولا هدى به الخلق، ولا أوضح به الحق هذا خيال، هذا خيال الذي ذكره الرسول من الإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والبعث والنشور والجنة والنار فهذا خيال قاله للناس يخيل للناس حتى ينتفعوا وحتى يتعايش الناس ولا يعتدي بعضهم على بعض دون لا حقيقة له، فالجنة والنار والبعث والجزاء هذا كله خيال يقولون: إنما تخيل للحقائق لينتفع الجمهور به لا أنه بين به الحق ولا هدى به الخلق ولا أوضح به الحقائق.
وهم طائفتان أهل التخييل: الأولى يقولون: إن الرسول، أو الرسل لم يعلموا الحقائق على ما هي عليه، ما يعلمون الحقائق التي جاءت في الكتاب والسنة قالوا: إن الرسل، أو الرسول لم يعلموا الحقائق على ما هي عليه واعتقدوا خلاف الحقائق ويقولون: إن من المتفلسفة الإلهية من علمها، وكذلك من الأشخاص الذين يسمونهم الأولياء من علمها، ويزعمون أن من الفلاسفة والأولياء من هو أعلم بالله واليوم الآخر من المرسلين.
وهذه مقالة غلاة الملحدين من الفلاسفة والباطنية باطنية الشيعة وباطنية الصوفية الثانية يقولون: إن الرسول علم الحقائق لكن لم يبينها وإنما تكلم بما يناقضها قالوا الرسول يعرف الحقائق لكن تكلم بضدها وإنما تكلم بما يناقضها وأراد من الخلق فهم ما يناقضها لأن مصلحة الخلق في هذه الاعتقادات التي لا تطابق الحق فهم يقولون: إن الرسل بينوا للناس النصوص من العبادات واليوم الآخر والجنة والنار ليعملوا بها ولا واقع لها، ولكنهم قصدوا إيهام الجمهور والتخييل عليهم بأن الله شيء عظيم كبير، وأن الأبدان تعاد، وأن لهم نعيما محسوسا وعقابا محسوسا ليحملوهم على ما يصلح حالهم، وإن كان كذبا فهو كذب لمصلحة الجمهور.
يقولون: الأنبياء كذبوا للناس، كذبوا للناس ما كذبوا عليهم، كذبوا لهم ولا يكذبوا عليهم لمصلحتهم، وقد وضع ابن سينا وأمثاله قانونهم على هذا الأصل كالقانون الذي ذكره في رسالته الأضحوية خلاصة مذهبهم يقولون: إن الرسل يعرفون الحقائق لكنهم مَوَّهُوا على الناس لمصلحتهم أما الأعمال فمنهم من يقرها، ومنهم من يجريها هذا المجرى، ويقولون: إنما يؤمر بها بعض الناس دون بعض ويؤمر بها العامة دون الخاصة فهذه طريقة الباطنية الملاحدة الإسماعلية، ونحوهم.
النوع الثاني من أهل التبديل: أهل التحريف والتأويل، النوع الثاني من أهل التبديل يسمون أهل التحريف والتأويل مذهبهم يقولون: إن الأنبياء لم يقصدوا بنصوص المعاد واليوم الآخر، والصفات ما هو في نفس الأمر حق، وأن الحق هو ما علموه، قالوا: إن الأنبياء لم يقصدوا بنصوص المعاد واليوم الآخر وبنصوص الصفات ما هو في نفس الأمر حق، وأن الحق هو ما علموه بعقولهم، ثم يجتهدون في تأويل هذه الأقوال إلى ما يوافق رأيهم بأنواع التأويلات، ولهذا أكثرهم لا يجزمون بالتأويل بل يقولون: يجوز أن يراد كذا، وغاية ما معهم إنكار احتمال اللفظ.
خلاصة مذهبهم يقولون: إن الأنبياء أتوا بنصوص ظاهرها باطل غير مراد والمقصود المعاني المجازية، وهي المعاني الباطلة ولم يبينوها للناس الأنبياء ما بينوها للناس بل تركوها إلي العقول فالرسول لم يقصد بها أن يعتقد الناس الباطل ولكن قصد بها معاني لم يبينها لهم ولا دلهم عليها لامتحانهم ليجتهدوا بعقولهم في صرفها عن مدلولها، وهذا القول قول المتكلمة والجهمية والمعتزلة والكلابية والسالمية والكرامية والشيعة بنصوص الصفات.
الطريقة الثانية طريقة التجهيل والتضليل، انتهينا من التقسيم الأول طريقة التبديل بأنواعه، الطريقة الثانية طريقة التجهيل والتضليل أهل التجهيل والتضليل سموا بذلك؛ لأنهم يُجَهِّلُون الرسل بالمعاني التي جاءوا بها من عند الله يقولون الرسل جاهلون بالمعاني التي جاءوا بها من عند الله، حقيقة مذهبهم أن الأنبياء وأتباع الأنبياء جاهلون ضالون لا يعرفون ما أراد الله بما وصف به نفسه من الآيات وأقوال الأنبياء، ويقولون: يجوز أن يكون للنص تأويل لا يعلمه إلا الله لا يعلمه جبريل ولا محمد ولا غيره من الأنبياء فضلا عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان ويقولون: إن محمدا صلى الله عليه وسلم كان يقرأ {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) } {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} وهو لا يعرف معاني هذه الآيات بل معناها الذي دلت عليه لا يعرفه إلا الله، ويظنون أن هذه طريقة السلف. وهذا مذهب الفلاسفة والباطنية وهم أخبث ممن مضى وهم يساوون الطائفتان.
الطائفة الثانية من أهل التخييل القائلة الأنبياء اعتقدوا خلاف الحقائق ويقولون إن قوله عليه الصلاة والسلام (لأنا أغير من سعد والله أغير مني) أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعرف معنى كلمة "أغير" وهم طائفتان: الطائفة الأولى، وهم طائفتان الطائفة الأولى يقولون: إن المراد بهذا خلاف مدلولها الظاهر المفهوم، ويقولون: نقطع بأن المعنى الحقيقي غير مراد، بل المراد خلاف مدلولها المراد، إن المراد بهذا خلاف مدلولها الظاهر المفهوم، ولا يعرفه أحد كما لا يعلم وقت الساعة.
وهؤلاء هم المفوضة الذين يفوضون معاني نصوص الصفات إلى الله. الثانية يقولون بل تجرى النصوص على ظاهرها وتحمل على ظاهرها، ومع هذا فلا يعلم تأويلها إلا الله فيتناقضون حيث أثبتوا لها تأويلا يخالف ظاهرها، وقالوا مع هذا: إنها تحمل على ظاهرها.
ما تشترك فيه الطائفتان أهل التضليل، وأهل التجهيل يشتركون في القول بأن الرسول، انتبه، الطائفتان أهل التضليل وأهل التجهيل يشتركون في القول بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبين المراد بالنصوص التي يجعلونها مشكلة، أو متشابهة، ولهذا يجعل كل فريق المشكل من نصوصه غير ما يجعله الفريق الآخر مشكلا، فهم مشتركون في أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يأت بها على ما يوافق معقولنا وأن الأنبياء وأتباعهم لا يعرفون العقليات ولا يفهمون السمعيات.
السمعيات الأدلة من النصوص فهم مشتركون في أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعلم معناها بل جهل معناها، أو جهَّلَهَا الأمة من غير أن يقصدوا، يعني يعتقدوا جهل المركب.
وأما أولئك الطائفتين من أهل التجهيل والمجهلة فيقولون بل قصد الرسول من الناس أن يعلم الجهل المركب والاعتقادات الفاسدة وهؤلاء مشهرون عند الأمة بالإلحاد والزندقة، ثم انقسموا إلى فرقتين بعد اشتراكهما في المقالة السابقة من هاتين الطائفتين أهل التضليل وأهل التجهيل من يقول: لم يعلم الرسول معانيها، ومنهم من يقول: علمها ولم يبينها بل أحال في بيانها على الأدلة العقلية، وعلى من يجتهد في العلم بتأويل تلك النصوص.
وكل ذلك ضلال وتضليل عن سواء السبيل، نسأل الله السلامة والعافية من هذه الأقوال الواهية المفضية بقائلها إلى الهاوية، ونسأله سبحانه وتعالى أن يثبتنا على صراطه المستقيم حتى نلقاه وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب، وصلى الله على محمد وآله وصحبه.
عندي أيضا بعض الفرق كان بودي أن نتكلم عنها من الفرق المعاصرة: عن القاديانية، وعن البهائية والبابية وعن اليزيدية لكن لعل الله أن ييسر في وقت آخر.
من الفرق المعاصرة القاديانية والبابية والبهائية واليزيدية، الحركة القاديانية أسسها تنسب الطائفة القاديانية إلى مدينة قديان بالهند وأحيانا يطلق عليهم اسم الأحمدية لانتسابهم في مذهبهم لانتسابهم في مذهبهم إلى رجل اسمه غلام أحمد عبد النبي، ولد غلام أحمد سنة ألف ومائتين واثنين وخمسين هجرية في مدينة قديان، وانكب منذ الصغر على دراسة القرآن والحديث والتعبد والتفكير في أمور الدين.
ثم بعد ذلك ادعى غلام أحمد أنه المسيح الموعود والمهدي الموعود في وقت واحد ويستند أتباعه في الإيمان به إلى ما روي في صحيح البخاري: أن المهدي يظهر في شرقي منارة دمشق، وأن المسيح يصلي خلفه مع قول النبي صلى الله عليه وسلم (كيف بكم وبابن مريم فيكم) ويقول إن غلام أحمد وإن كان هنديا إلا أنه إيراني الأصل هاجر أباه إلى الهند منذ مئات السنين.
رسالته إلى علماء الهند وغيرهم في سنة ألف ثلاثمائة وأربع وأربعين، وجه غلام أحمد رسالة إلى علماء الهند وغيرها من البلاد الإسلامية جاء فيها "إن الله قد بعثني مجددا على رأس هذه المائة واختصني عبدا لمصالح العامة وأعطاني علوما ومعارف تجب لإصلاح هذه الأمة، ووهب لي من لدنه علما حيا لإتمام الحجة على الكفرة الفجرة وجعلني من المكلمين الملهمين وأكمل عليَّ نعمه، وأتم تفضله وسماني المسيح ابن مريم بالفضل والرحمة وقدر بيني وبينه تشابه الفطرة كالجوهرين من المادة الواحدة.
إلى أن قال: ومن أجل آلائه أنه استودعني سره الذي يكشف للأولياء والروح الذي لا ينفق إلا في أهل الاصطفاء، إلى أن قال ومن آلائه أنه خاطبني وقال: أنت وجيه في حضرتي اخترتك لنفسي، وقال: أنت مني بمنزلة لا يعلمها الخلق.
إلى أن قال: أيها الكرام إن الفتن اشتدت والأرض فسدت والمفاسد كثرت وعلا في الأرض الحزب المنتصر.
إلى أن قال: فكلمني وناداني وقال إني مرسلك إلى قوم مفسدون وإني جاعلك للناس إماما.
إلى أن قال: فلما أخبرت عن هذا قومي قامت علمائهم للعني ولومي وكفروني قبل أن يحيطوا بقولي ويزنوا حولي، وقالوا دجال، وقال كبيرهم الذي أفتى وأغوى الناس ما أغرى: إن هؤلاء كفرة فجرة فلا يسلم عليهم أحد ولا يتبع جنازتهم ولا يدفنون في مقابر المسلمين إلى أن قال: وبعزة ربي وجلاله نفسي لست بكافر ولا معتد من أقواله ولا مرتد ولا من الملحدين بل جاءكم الحق فلا تعرضوا عن الحق كارهين.
وقد تقوى مذهبنا بتظاهر الأحاديث والفرقان، ثم بشهادة الأئمة وأهل العرفان، ثم بالعقل الذي هو مدار التكاليف الشرعية، ثم بالإلهام المتواتر اليقيني عن حضرة العزة، فكيف ترجع إلى الظن بعد اليقين إلى أن قال: وقد تفردت بفضل الله بكشوف صادقة ورؤيا صالحة ومكالمات إلهية وكلمات إلهامية وعلوم نافعة وزادني ربي بسطة في العلم والدين وأرسلني مجددا لهذه المائة وسماني عيسى.
إلى أن قال: وجعلني ربي عيسى ابن مريم على طريق الموازاة الروحانية .... إلى أن قال: اعلموا أن فضل الله معي وأن روح الله ينطق في نفسي فلا يعلم سري ودخيلة أمري إلا ربي هو الذي أنزل علي وجعلني من المنوَّرَين هو الذي أنزل علي وجعلني من المنورين.
خلاصة الدعوى نقول: ادعى غلام أحمد أنه المسيح الموعود بمعنى أنه جاء بقوة وروح عيسى عليه الصلاة والسلام وادعى أنه هو النبي الذي تنبأت بظهوره أغلب الديانات وأن مهمته هي إطالة العلاقة بين الإنسان وخالقه كما أنه جاء ليفسر القرآن وتعاليم الإسلام في ضوء الوحي الإلهي فيما يطابق العصر الحاضر، وليكون هو نفسه مثالا يبين الحياة الإسلامية الكاملة وادعى أنه يستغني بالعلم اللدني عن الوحي، وللقديانية رئيس ديني يلقبونه بلقب أمير المؤمنين وخليفة المسيح الموعود والمهدي المعضود.
انتشارها: انتشرت الدعوة القاديانية وصادفت نجاحا في بعض الجهات الإفريقية وأخذوا يبشرون بها في أوربا وأمريكا وآسيا وشيدوا بعض المساجد في إنجلترا ولكنهم لم يجدوا من يقبل دعوتهم في البلاد العريقة في الإسلام كشمال إفريقية ومصر والجزيرة العربية والسودان والعراق والشام فقد قل نشاطهم الآن وضعفت حماستهم.
مذهب القاديانية في الجهاد أنه كان فرضا، ثم نسخ وأنه بعث بعد محمد أحمد القدياني وقبلته قديان في الهند، ومذهب البهائية أنه بعث بعد محمد البهاء وأنه نزل عليه القرآن سماه البهاء وقبلتهم مدينة عكا، والجهاد كان فرضا، ثم نسخ وكلا من البهائية والقاديانية تزعم أن الجهاد كان فرضا، ثم نسخ، فالمحاربة بالجهاد عندهم فالجهاد عندهم خروج عن دين الإسلام وعلى المسلمين أن ينضموا إلى دولة من الدول الكبرى لتحميهم، كما أن صلاة الجمعة نسخت، وكذا الحج؛ وذلك لأن كلا منهما مواطن قوة المسلمين فقالوا بالنسخ؛ لأجل أن يخدروا أعصاب المسلمين؛ لئلا يكون فيهم القوة التي كانت في آبائهم وأجدادهم.
البابية، أو البهائية وهذه القاديانية التي تسمى البهائية فرقة كافرة كما أجمع العلماء في العصر الحاضر على أنها فرقة خارجة عن دائرة الإسلام.
البابية، أو البهائية تنسب البابية إلى مؤسس الديانة البابية الذي سمى نفسه بالباب وتسمى البهائية نسبة إلى خليفة الباب وهو علي حسن الملقب بالبهاء مؤسس الديانة البهائية هو علي بن محمد رضا الشيرازي، ولد علي بن محمد بن رضا الشيرازي بشيراز في إيران سنة ألف ومائتين وخمس وثلاثين كان أبو محمد رضا الشيرازي ينتسب إلى بيت النبوة توفي والده قبل أن يبلغ سن الفطام فكفله خاله علي الشيرازي الذي كان يشتغل بالتجارة لم يكن للغلام ميل إلي الدراسة إلا أنه تحت ضغط خاله تعلم قليلا من اللغة العربية ومن النحو الفارسي، وقد أظهر براعة مدهشة في الخط فكان أعجوبة أهل عصره في هذا الفن.
ثم أشركه خاله معه في التجارة وانتقلا معا إلى ميناء أبي شهب وهو إذ ذاك في السابعة عشرة من عمره وما لبث أن اظهر براعة في التجارة فاستقل عن خاله وكسب شهرة تجارية وكان إلى جانب اشتغاله بالتجارة ينفق وقتا طويلا في دراسة العلوم الدينية والرياضيات، ثم اشتغل بالروحانيات وأخذ يعمل على إذلال نفسه فكان يسهر الليل وفي النهار يقف تحت أشعة الشمس المحرقة فاعتراه بسبب ذلك وجوم وذهول وتأثرت قواه العقلية من الخلوة وما فيها من العزلة، ومن فرط السهر وإدمان الوقوف في مواجهة قرص الشمس وتحمل حرارتها التي تبلغ في مدينة أبي شهب اثنين وأربعين درجة، ولاحظ عليه خاله شذوذا في تفكيره وداخله الشك فيما يصدر منه من أقواله وأفعاله فنصحه مرة بعد أخرى إشفاقا عليه من أن تتطور الحال إلى نتيجة لا تحمد عقباها.
أشار عليه الأطباء بالسفر إلى كربلاء والنجف به حيث الهواء النقي وعسى أن ينقطع عن التفكير فيما كان بصدده فرحل وعمره عشرين سنة كانت الأفكار الباطنية منتشرة بين فريق النازلين بتلك المدينة فأخذ بعد وصوله يدرس آراء بعض علمائها ومن أشهرهم أحمد الإحسائي وتلميذه كاظم الرشدي وظل يتردد على دروس كاظم الرشدي مؤسس المنطقة الكشفية انقطع فجأة وتغيب ردحا من الزمن بعد أن اتفق مع بعض أصحابه على السفر إلى الكوفة والإقامة في مسجد الإمام علي منقطعين للرياضة مدة أربعين يوما.
بعد انقضاء المدة غادر المسجد وهو في حالة غير طبيعية وعاد لمجلس الرشدي وهو شارد الذهن وفي حالة ذهول وأخذ يتكلم بألفاظ عدها تلامذة الرشدي خارجة عن منهج الشريعة ومخالفة لقواعد السنة النبوية فلاطفوه وجاملوه أولا وجفوه وهجروه ثانيا فإذا به يدعو الناس إلى نفسه ويوصي بالزهد والتقشف مع ما أمال إليه كثيرا من بسطاء القول وضعفاء الأحلام كان يخاطب المقربين إليه بأقوال غامضة مثل فادخلوا البيوت من أبوابها، ومثل أنا مدينة العلم وعلي بابها يعني أن الطريق إلى الله مسدود إلا عن طريق الرسالة والنبوة والولاية إلا بواسطة إلا بواسطة، وأنا تلك الواسطة.
وكما أنه لا يجوز دخول البيت إلا من الباب فأنا ذلك الباب فعندئذ سمى نفسه الباب وما كان بعد ذلك يشير لنفسه ألا بلقب الباب وترك اسمه الأصلي وهذا هو سر تسميته بالباب وأتباعه بالبابية، بدء دعوته، بدأ دعوته عام ألف ومائتين وستين جهر الباب بدعوته في ليلة الخامس من جمادى الأولى عام ألف ومائتين وستين أول المؤمنين به كان أول المؤمنين به هو الملا حسين المشهوري الذي لبى دعوته في الليلة الخامسة من جمادى الأولى واعتبروا هذا العام عيدا سموه عيد المبعث إذ أظهر فيه الباب دعوته ورفع به الصوت جهارا وكان عمره إذ ذاك خمس وعشرين سنة وأربعة أشهر وأربعة أيام.
وما زال البابيون يحترمون ذلك اليوم ويقدسونه ويحرمون فيه تعاطي الأشغال.
حروف حي: استطاع الباب علي أن يجمع حوله ثمانية عشر شخصا سماهم حروف حي فحرف الحاء يعادل رقم ثمانية في الحروف الأبجدية والياء يساوي عشرة ومجموع الحرفين ثمانية عشرة، ثم ألقى على هؤلاء مبادئه وتعاليم دعوته والمشهوري أول من آمن بالباب نسبة إلى مدينة مشهورية من أعمال خراسان التفت إليه الباب وقال يا من هو أول من أمن بي حقا إنني أنا باب الله وأنت باب الباب ولا بد أن يؤمن بي ثمانية عشر نفسا بكامل رغبتهم دون ضغط، أو إكراه ويعترفون برسالتي وسينشدني كل منهم على انفراد.
ولما لم تكن هذه الحركة تناسب والمركز الديني لعلماء إيران إذ إن تعاليم الباب مخالفة لأصول الدين عندهم قامت قيامة العلماء علماء إيران في وجه هذه الدعوة فنشرت الرسائل وألفت الكتب وألقيت الخطب ونتج عن هذه المقاومة أن مال إليه الجهلة من العوام فلما رأى الباب ذلك أعلن أنه المهدي المنتظر بعد أن كان دعوته أنه واسطة، أو باب للوصول إلى الإمام المنتظر.
وقال: إن جسم المهدي اللطيف قد حل في جسمه المادي، وأنه يظهر الآن ليملأ الأرض قسطا وعدلا وهذا ما دعا الباب أن يظهر بمظهر أرقى من الدعوة السابقة، فيدعي أنه أفضل من محمد صاحب الدعوة الإسلامية الأمة صلى الله عليه وسلم وأن تعاليمه التي جمعها في بيانه أفضل من تعاليم نبي المسلمين في قرآنه، وأن محمدا إذا كان قد تحدى الناس في الإتيان بسورة من سور الفرقان المبين فإن الباب يتحدى الجميع بالإتيان بباب من أبواب الأرض.
مقتله: دعي الباب لمناظرة علماء إيران وانتهت المناظرة بغير نتيجة، ثم ازدادت الاضطربات في جميع أنحاء إيران وانتشرت الفتنة وساعدت الدسائس الأجنبية على امتدادها فقرر الشاه ناصر الدين ضرورة القضاء على هذه الفتن فأصدر أمره بإعدام الباب ونفذ فيه حكم الإعدام في سنة ألف ومائتين وخمس وستين هجرية، وقد تبرأ منه كاتب وحيه حسين التبريزي وهال على الباب بالشتائم والسباب وأطلق سراحه وأتى الحراس بوتدين من الحديد ودقوهما في جدارين متقابلين وربطوا فيهما الباب وصاحبه محمد على الذنروزي وأطلقوا عليهما الرصاص.
وربط الجند جثتهما وألقوهما في خندق حتى أكلتها الطيور الجارحة وكان عمر الباب يوم إعدامه إحدى وثلاثين سنة قمرية وسبعة أشهر وسبعة وعشرين يوما من يوم ميلاد ميلاده بشيراز، ولما قتل الباب زادت تعاليمه اشتهارا وعظم الاضطهاد على أتباعه وأظهر بعض رؤسائهم دعاوى مختلفة من قبيل النبوة والوصاية والولاية والمرآتية اختلفت آرائهم وتشتت أهوائهم.
كتب الباب: من أهمها البيان العربي والبيان الفارسي وهو صورة من البيان العربي وفيه أنه يستغني بالعلم اللدني عن الوحي.
عقائد الباب تقوم الديانة البهائية والبابية على أساس الاعتقاد بوجود إله واحد أزلي نظير ما يعتقده المسلمون إلا أن البابيين يستمدون صفات الخالق من أساس العقيدة الباطنية التي ترى أن لكل شيء ظاهرا وباطنا وأن هذا الوجود مظهر من مظاهر الله، وأن الله هو النقطة الحقيقة، وكل ما في هذا الوجود مظهر له. وعلى هذا فلا يؤمنون بالله كما يؤمن به المسلمون.
ثانيا عقيدتهم في النبي والإيمان مستمدة من عين العقيدة بالخالق فالنبي، أو الإمام مظهر من مظاهر الله في الأرض وارتقاء هذه المنزلة إنما هو باستكمال صفات أخلاقية جعلته يعبر عن الأمر الواقع ويصل إلى الحقيقة دون غيره لهذا صح للباب أن يكون مظهرا من مظاهر الله في الأرض بعد النبي.
عبادات البهائيين: والبابين ومعاملاتهم وردت في كتاب البيان الذي نسخه خليفة الباب علي حسين الملقب بالبهاء في كتابه الأقدس الصوم هو الشهر التاسع الذي يلي أيام الضيافة، والسنة البهائية تسعة عشرة شهرا، كل شهر تسعة عشر يوما.
ثانيا: الصلاة، فرضت الصلاة على كل بهائي بالغ وهم يؤدونها على انفراد تسعة في تسع ركعات تسع ركعات في ثلاث أوقات حين الزوال وفي البكور والآصال متوجهين شطر مدينة عكا حيث يرقد بهاء الله.
ثالثا: الحج إلى الدار التي ولد فيها مؤسس ديانتهم علي محمد بشيراز، أو إلى الدار التي نزل بها بهاء الله حسين خلال إقامته بالعراق.
رابعا: الزكاة سئل عبد البهاء عباس عنها فأجاب: الزكاة في البهائية كالزكاة في الإسلام.
خامسا: الزواج بواحدة فقط وفي كتابهم الأقدس التصريح بزوجتين إذا عدل بينهما وهم يزوجون البهائي بغير البهائية وبالعكس بشرط تحرير عقد بهائي إلى جانب العقد الغير بهائي.
سادسا: الطلاق مكروه عندهم.
سابعا: الميراث تتساوى الابن مع البنت في الميراث وفي كافة الحقوق وسن الرشد لهما واحد.
ثامنا: أعيادهم عيد النيروز وعيد الرضوان وعيد ميلاد مؤسس الديانة وعيد ميلاد البهاء وعيد إعلان دعوة الباب.
تاسعا: الجهاد منسوخ
انقسام البهائية:
وبعد وفاة حسين علي الملقب بالبهاء انقسم البهائيون إلى فرق هي:
أولا: البهائية.
ثانيا: الإزارية نسبة إلى أحد أصحاب الباب.
ثالثا: البابية الخلاص الذين لم يرضخوا لأوامر من قام بعد الباب علي محمد.
رابعا: البابية البهائية العباسية أتباع عبد البهاء عباس وابن الحسين علي الملقب بالبهاء، وقد أطلق على نفسه عبد البهاء.
الناقرون: أتباع محمد علي العباس ويطلق المؤرخون أسم المارقين على أتباع المرزا عباس وأسم الناقرين على أتباع محمد علي وكل فريق يؤيد دعواه ويكفر من عداه فاعتزلوا المعاشرة وحرموا معاملة بعضهم بعضا، وكان عداوة كل منهم للأخر أشد من عداوتهم جميعا لمن طعن في معتقداتهم، وقال ببطلان دعوتهم.
بهذا يتبين أن البهائية والبابية فرقة خارجة من عداد المسلمين ليست من المسلمين في شيء ليست من الإسلام في شيء بل هي فرقة من فرق الكفر والضلال نسأل الله السلامة والعافية.
ثالثا اليزيدية: طائفة اليزيدية اختلف الباحثون في اليزيدية ويسمون بعبدة الشيطان، اختلف الباحثون في تعليل تسميتهم بعبدة الشيطان فبين أن بين اليزيدية أنفسهم من يعتقد أنهم دعوا بهذا الاسم، اختلف الباحثون في تعليل تسميتهم باليزيدية، فبين اليزيدية أنفسهم من يعتقد أنهم دعوا بهذا الاسم نسبة إلى الخليفة الأموي إلى الخليفة الأموي يزيد بن معاوية الذي أحيا دينهم القديم وأطلق عليهم اسمه.
ثانيا: بعض الباحثين نسبهم إلى يزيد بن أنيس الخارجي الذي قال بتولي المحكمة الأولى قبل الأزال وتبرأ من بعدهم إلى الأباضية فإنه يواليهم.
ثالثا: ويميل بعض الباحثين إلى القول بأن اليزيدية ينتسبون إلى مدينة يزد، أو يزدان الفارسية وهي بمعنى الله، أو إزد ومعناها خليق بالعباد وتطلق في دين المجوس على الملائكة التي تتوسط بين الله والبشر وتنقل مشيئته إليهم، واختلفوا في أصل دينهم في رواية لليزيدية تصريح بأنهم من نسل آدم فقط لا نتيجة لاجتماعه من حواء.
والحق اختلفوا في أصلهم يعني في رواية لليزيدية تصريح بأنهم من أصل آدم لا نتيجة لاجتماعه من حواء والحق أن اليزيدية خليط من عناصر وثنية قديمة وعناصر إيرانية ذردشتية وأخرى يهودية ونصرانية وإسلامية.
عقائد اليزيدية:
وعبادتهم يؤمنون بوجود إله أكبر خالق لهذا الكون إلا أنه الآن لا يعنى بشئونه بعد أن فوض أمر تدبيره وإدارته إلى مساعده ومنفذ مشيئته ملك طاووس الذي يرتفع في أذهان اليزيدية إلى مرتبة الألوهية الذي يدعى عند أهل الديانة الأخرى الشيطان.
نبي هذه الديانة:
هو الشيخ عادي الذي يروي عنه اليزيدية أخبارا وروايات عديدة ويرفعونه إلى ما فوق درجة النبوة ومن هذه الروايات ما ينطبق على أحد شيوخ المسلمين والمتصوفين وهو الشيخ عدي بن مسفر، ومن الشخصيات المقدسة عندهم منصور الحلاج وعبد القادر الكيلاني والحسن البصري، ومن عقائدهم أنهم لا يأكلون الخس زعما منهم أن الشيخ عدي طلب صاحب بستان شيئا من الخس فلم يعطه، ولا يأكلون لحم الغزال لزعمهم أن عيونه تشبه عيون الشيخ عدي.
ومن واجب كل يزيدي أن يزور ضريح الشيخ عدي مرة في كل سنة.
رابعا: يجب على كل يزيدي كل يوم وقت طلوع الشمس أن يقف في موضع شروقها بشرط أن لا يراه مسلم.
خامسا: ينبغي على اليزيدي ألا يسمع صلاة المسلم لأن فيها ما يتعارض مع العقيدة اليزيدية وهي الاستعاذة من الشيطان؛ لأن الشيطان اسم لملك طاووس.
سادسا: الصلاة بالقلب وبالسر لذلك لا يحددون مواعيد وفرائض للصلاة.
سابعا: يحللون شرب الخمر.
ثامنا: لا يصح صيام اليزيدي خارج موطنه؛ لأنه ينبغي عليه أن يذهب صباح يومه إلى شيخه ليعلن أمامه أنه صائم.
تاسعا: إذا سافر اليزيدي إلي خارج بلده وأمضى في غيابه نحو سنة، أو أزيد فأن امرأته تحرم عليه ولا يسمح للزواج من غيرها.
عاشرا: غير مرخص لليزيدي أن يلبس ثوبا كحليا فقط.
إحدى عشر: الزيدية يؤمنون بالتناسخ وبالحلول.
ولهم كتابان مقدسان: أحدهما يسمى الجلوة فيه وعد ووعيد وترهيب وترغيب. والثاني اسمه مصحف رهش أي الكتاب الأسود فيه قصة خلق العالم وعقائد اليزيدية وما حلل لهم وما حرم عليهم.
الأماكن التي يقطن فيها اليزيدية، اليزيدية طائفة ينتمي معظمها إلى الجنس الكردي ويكثر أتباعها في بعض نواحي الشرق الأدنى وخاصة في المناطق التالية: طرائف الشيحان في الشمال الشرقي من الموصل، قواسنجار الواقع في الشمال الغربي من العراق على الحدود بينه وبين سوريا وهي منطقة جبلية منيعة وموقع حصين
ثالثا: ديار بني بكر وماردين وجبل الطور.
رابعا: منطقة حلب حول كلس ومنيساب.
خامسا: البلاد الأرمينية الواقعة على الحدود بين تركيا وروسيا وخاصة في منطقتي قرص وإيران وحول تنفيس من بلاد القوقاز.
سادسا بعض اليزيدية في إيران، ورئيس اليزيدية إسماعيل جون المتوفى سنة ألف ثلاثمائة وواحد وثمانين هجرية ألف تسعمائة وثلاثين ميلادية وبهذا يتبين أن الفرقة اليزيدية فرقة وثنية تعبد الشيطان وتعبد الأوثان، نسأل الله السلامة والعافية.
(ونسأل الله تعالى أن يثبتنا على الإيمان ويختم لنا به، ويعصمنا من الأهواء المختلفة والآراء المتفرقة ويعصمنا من الأهواء المختلفة والآراء المتفرقة والمذاهب الردية مثل المشبهة والمعتزلة والجهمية والجبرية والقدرية وغيرهم من الذين خالفوا السنة والجماعة وحالفوا الضلالة)
يعني هؤلاء الفرق خالفوا السنة والجماعة، وحالفوا الضلالة، خالفوا الكتاب والسنة وحالفوا يعني وافقوا الضلالة، وافقوا الهوى والضلالة، حالفوا تقابل خالفوا، خالفوا السنة والجماعة وحالفوا الضلالة.
من الذين خالفوا السنة والجماعة وحالفوا الضلالة.
يعني السنة والجماعة خالفوها والضلالة وافقوها، حالفوا بمعنى وافقوا، خالفوا السنة والجماعة ووافقوا الضلالة، حالفوا بمعنى وافقوا. نعم.
ونحن منهم براء
يعني نتبرأ إلى الله من طريقتهم طريقة أهل البدع من طريقة الجهمية طريقة المعتزلة، طريقة الجبرية طريقة القدرية طريقة الشيعة طريقة المشبهة نتبرأ إلى الله منهم نحن برآء، نتبرأ من طريقتهم ومن مذهبهم واعتقادهم نعم.
وهم عندنا ضلال وأردياء
وهم عندنا نعتقد أنهم ضلال، يعني منحرفون عن الصراط المستقيم، وأردياء جمع ردي ضد الجيد، هم أردياء فهم عندنا ضلال منحرفون عن الصراط المستقيم وأردياء يعني أقوالهم وأعمالهم رديئة سيئة ليست حسنة نعم.
وبالله العصمة والتوفيق
وبالله العصمة نسأل الله أن يثبتنا وإياكم على دينه، ونسأل الله لنا ولكم العلم النافع والعمل الصالح، ونسأله سبحانه أن يثبتنا على صراطه المستقيم، وأن يميتنا عليه، وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا إنه على كل شيء قدير.