المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أولا: تفاوت الناس في الطبائع والميول وتفاضلهم في العقول - الاختلاف في العمل الإسلامي الأسباب والآثار

[ناصر العمر]

فهرس الكتاب

- ‌أولًا: مقدمات

- ‌ الاختلاف باعتبار حقيقة المسائل المختلف فيها

- ‌ الاختلاف باعتبار ما يوجبه

- ‌ الاختلاف باعتبار أثره

- ‌ الاختلاف باعتبار مدح أصحابه وذمهم:

- ‌النوع الثاني: اختلاف ينقسم أهله إلى محمود ومذموم

- ‌ نوع آخر من الاختلاف:

- ‌الاختلاف بين المشيئة الكونية والشرعية:

- ‌مسألة هل الاختلاف رحمة وخير أم عذاب وشر

- ‌عمل أهل العلم على الخروج من الخلاف:

- ‌حكم الاختلاف في العمل الإسلامي

- ‌ثانيًا: أسباب الافتراق

- ‌أولًا: تفاوت الناس في الطبائع والميول وتفاضلهم في العقول

- ‌أولًا: البغي

- ‌ثانيًا: الغرور بالنفس

- ‌ثالثًا: سوء الظن بالآخرين

- ‌رابعًا: حب الظهور بالجدل والمماراة

- ‌ عوامل خارجية قادت إلى تفاقم الاختلاف

- ‌أولًا: الضعف والعجز

- ‌ثانيًا: هلاك الأمة

- ‌ثالثًا: العقوبات المعنوية

- ‌رابعًا: الجهل بالحق والبعد عنه

- ‌خامسًا: براءة الرسول صلى الله عليه وسلم من المفترقين:

- ‌سادسًا: اسوداد وجوه طوائف من المفترقين يوم القيامة:

الفصل: ‌أولا: تفاوت الناس في الطبائع والميول وتفاضلهم في العقول

‌ثانيًا: أسباب الافتراق

.

الأسباب كثيرة ويمكن أن نقسمها إلى خمسة عوامل رئيسية تندرج تحتها أنواع عدة، وبعض هذه الخمسة يتعلق ببعض ولكن أفردته لأهميته، وهذه العوامل هي:

‌أولًا: تفاوت الناس في الطبائع والميول وتفاضلهم في العقول

.

قال ابن القيم رحمه الله: "ووقوع الاختلاف بين الناس أمر ضروري لا بد منه لتفاوت إرادتهم وأفهامهم وقوى إدراكهم..". (1)

ولعل أثر تباين الطبائع والمدارك جلي في كثير من أشكال الاختلاف الواقع، فانظر إلى اختلاف أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في شأن أسرى بدر تجد كل واحد منهما نزع إلى ما يقارب طبعه، فأبوبكر الرقيق الشفيق مال إلى المن أو الفداء، وعمر القوي الشديد جنح إلى الإثخان، وهو الذي جاء به القرآن.

فالطبيعة الخلقة والظروف الاجتماعية والبيئية الخاصة بالشخص أو العامة في المجتمع كلها تؤثر على نمط التفكير فيجنح كل طرف إلى ما لا يجنح إليه الآخر.

(1) الصواعق 2 / 519.

ص: 31

وفي بعض الأحيان يتطلب الحكم موازنة بين أمور تحتاج إلى قوة العقل وحضوره والناس متفاوتون في ذلك، ولا يعني هذا أن الأكمل عقلًا هو الأرجح اختيارًا أو هو الذي ينحو نحو الصواب دائمًا، وذلك لما يرد على الأفراد من أحوال وأوقات يتعكر فيها المزاج مع ازدحام الأشغال أو يذهل فيها المرء لمؤثرات أثرت عليه دون الآخر سواء كانت هذه المؤثرات منبعثة من البيئة الخارجية أو عوامل نفسية خاصة بالشخص فيؤدي ذلك لأن يخطئ الصواب وإن كان هو الأرجح عقلًا والأحضر ذهنًا من حيث الجملة. ولعل من ذلك قصة عمر -على أن في ثبوتها مقال- (1) مع المرأة في الميراث يوم قال أصابت امرأة وأخطأ عمر.

وربما تفاضل الناس في إدراك الصواب واختلفوا لتبيان عقولهم ونفوسهم ضعفًا وقوة في جوانب مختلفة فبعض الناس قد يحسن النظر في مسائل لاتساع معارفهم وتمرين عقولهم عليها، ولا يحسنون الخوض في مسائل أخرى، وكم من إنسان تكلم في غير ما يحسن فأضحك الناس، وشواهد هذا كثيرة.

ولهذا ذكر الأستاذ محمود الزحيلي أن أسباب الخلاف تنحصر في سبعة وذكر أولها:

(1) ممن ضعفها الألباني في الإرواء 6 / 348، وألف فيها نزار عرعور رسالة بعنوان القول المعتبر وبين ضعفها، وكذلك أفرد لها مقالًا يوسف العتيق في كتابه قصص لاتثبت ص27، على أن بعضهم صححها ومنهم مصطفى العدوي في كتابه جامع أحكام النساء 3 / 301. ولعل الصواب أن القصة لا تتقوى بالشواهد التي ذكروها فهي إما معضلة أو في أسانيدها ضعاف لا يحتمل جبر مروياتهم، وبخاصة الآثار التي ورد فيها قول عمر رضي الله عنه: أخطأ عمر وأصابت امرأة.

ص: 32

الاختلاف في الأمور الجبلّية: إذ إن الأئمة والعلماء يتفاوتون في ملكاتهم وطبائعم وعقولهم، وهذا أمر طبعي ينتج عنه في بعض الأحايين اختلاف الأحكام المستنبطة من الأدلة الشرعية.

ولعله قدم هذا لما له من أثر على البقية.

ومن هذا القبيل الاختلاف في الحكم بسبب النسيان:

ومن قبيله ما يروى من أن عليًا ذكر الزبير يوم الجمل شيئا عهده إليهما رسول الله فذكره فانصرف عن القتال قلت فيكون الناسي معذورًا بفتواه.

ومنه كذلك عندما هم عمر رضي الله عنه أن يأخذ عيينة بن حصن فذكّره الحُر بن قيس بقول الله عز وجل: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} فأمسك.

ص: 33

ثانيًا: من أسباب الاختلاف تفاوت الناس في العلم والمعرفة.

فأصل حدوث الاختلاف المذموم والتفرق في الأمة هو الجهل بالدين ولهذا قال الشاطبي رحمه الله: "الاختلاف في القواعد الكلية لا يقع بين المتبحرين في علم الشريعة الخائضين في لجتها العظمى، العالمين بمواردها ومصادرها، والدليل على ذلك اتفاق العصر الأول وعامة العصر الثاني". (1)

ولهذا روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خلا يومًا فجعل يحدث نفسه: كيف تختلف هذه الأمة ونبيها واحد وقبلتها واحدة وكتابها واحد؟ فأرسل إلى ابن عباس رضي الله عنهما وسأله، فقال ابن عباس: يا أمير المؤمنين: إنما نزل القرآن علينا فقرأناه وعلمنا فيما نزل، وأنه سيكون بعدنا أقوام يقرءون القرآن ولا يدرون فيما نزل فيكون لكل قوم فيه رأي، فإذا كان ذلك اختلفوا. (2)

قال الإمام الشاطبي معلقًا: وما قاله ابن عباس رضي الله عنهما هو الحق، فإنه إذا عرف الرجل فيما نزلت الآية أو السورة عرف مخرجها وتأويلها وما قُصد بها، فلم يتعد ذلك فيها، وإذا جهل فيما أنزلت احتمل النظر فيها أوجهًا، فذهب كل إنسان مذهبًا لا يذهب إليه الآخر.

(1) الاعتصام 2 / 172.

(2)

الاعتصام 2 / 183 باختصار يسير.

ص: 34

فإذا وسد الأمر إلى غير أهله، وتصدر للتدريس والفتيا كل من وجد من نفسه زيادة فهم وفضل ذكاء وذهن مع أنه لم يأخذ العلم عن أهل التخصص والصناعة إذا كان ذلك كذلك وقع الافتراق والاختلاف.

وقد عد أهل العلم أن من البلايا "أن يعتقد الإنسان في نفسه أو يُعتقد فيه أنه من أهل العلم والاجتهاد في الدين ولم يبلغ تلك الدرجة فيعمل على ذلك، ويعد رأيه رأيًا وخلافه خلافًا.. فتراه آخذًا ببعض جزئيات الشريعة في هدم كلياتها، وعليه نبه الحديث الصحيح: لا يقبض الله العلم انتزاعًا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالمًا اتخذ الناس رؤسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا ". (1)

وأمثال هؤلاء أبكوا قديما ربيعة الرأي قال الإمام مالك رحمه الله: أخبرني رجل أنه دخل على ربيعة بن أبي عبد الرحمن فوجده يبكي، فقال له: ما يبكيك؟ وارتاع لبكائه، فقال له: أمصيبة دخلت عليك؟ فقال: لا، ولكن استفتي من لا علم له، وظهر في الإسلام أمر عظيم. وقال ربيعة: ولبعض من يفتي ههنا أحق بالسجن من السراق. (2)

(1) الاعتصام 2 / 172-173 باختصار يسير.

(2)

جامع بيان العلم وفضله ص578.

ص: 35

وإذا كان هذا في عصور التابعين والأئمة المرضيين فماذا نقول في زمن الغربة بعد أن أصبح مجاهيل الإنترنت مشايخ يؤخذ عنهم العلم في كثير من الساحات، ويفتون في المدلهمات، والله المستعان.

ص: 36

ثم من أهم أسباب الاختلاف بسبب تباين العلوم والمعارف الاختلاف في العلم بنصوص الوحيين أو دلالتهما وهو ثلاثة أنواع: (1)

أحدها عدم اعتقاده أن النبي قاله أو لم يثبت عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله.

الثاني عدم اعتقاده أنه أراد تلك المسألة بذلك القول.

الثالث اعتقاده أن ذلك الحكم منسوخ.

وهذه الثلاثة تتفرع عنها أسباب عدة ولعل في النماذج السابقة شيء من البيان ويمكن أن نجملها فيما يلي:

1-

قد يكون النص لم يبلغ بعض المخالفين فعمل بظاهر آية أو حديث آخر، فمن لم يبلغه النص لم يكلف أن يكون عالما به، بل يكتفي المخالف أحيانا بظاهر آية، أو بحديث، أو بموجب قياس، أو بموجب استصحاب، (2) قال شيخ الإسلام:"وهذا السبب هو الغالب على أكثر ما يوجد من أقوال السلف مخالفا لبعض الأحاديث، فإن الإحاطة بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن لأحد من الأمة "، (3) ومن أمثلة ذلك:

(1) ملخص من الصواعق المرسلة 2 / 542-632 وزيدت عليه صور من مصادر أشير إليها في موضعها.

(2)

انظر مجموع الفتاوى 20 / 233، وانظر الإنكار في مسائل الخلاف ص 16، للدكتور عبد الله بن عبد المحسن الطريقي.

(3)

مجموع الفتاوى 20 / 233

ص: 37

أولا: حكم أبي بكر الصديق رضي الله عنه في الجدة بأنها لا ترث مطلقًا، فعن قبيصة بن ذؤيب قال:"جاءت الجدة إلى أبي بكر تسأله ميراثها، قال: فقال: لها ما لك في كتاب الله شيء، وما لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء، فارجعي حتى أسأل الناس، فسأل الناس فقال المغيرة بن شعبة حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاها السدس فقال أبو بكر هل معك غيرك فقام محمد بن مسلمة الأنصاري، فقال مثل ما قال المغيرة بن شعبة فأنفذه لها أبو بكر ". (1)

(1) سنن أبي داود كتاب الفرائض 3 / 121 رقم 2894، وسنن ابن ماجه أبواب الفرائض 2 / 163، سنن الترمذي 4 / 420 رقم 2101. وقال الحافظ في تلخيص الحبير 3 / 82:«إسناده صحيح لثقة رجاله، إلا أن صورته مرسل» .

ص: 38

ثانيا: خفاء سنة الاستئذان على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فعن أبي سعيد الخدري قال: «كنت في مجلس من مجالس الأنصار، إذ جاء أبو موسى كأنه مذعور، فقال: استأذنت على عمر ثلاثا فلم يؤذن لي فرجعت، فقال: ما منعك؟ قلت: استأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي فرجعت، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع "، فقال: والله لتقيمن عليه ببينة، أمنكم أحد سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال أبي بن كعب: والله لا يقوم معك إلا أصغر القوم، فكنت أصغر القوم فقمت معه فأخبرت عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك» ، (1) فهذه سنة قد خفيت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع سعة علمه وفقهه في دين الله - تعالى - وليس في هذا مذمة لعمر رضي الله عنه فإن الله - تعالى - يقول:{وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف:76] ، فمهما بلغ الإنسان من العلم فلا شك أنه لن ينتهي، ولهذا قالوا:"العلم إن أعطيته كلك أعطاك بعضه، وإن أعطيته بعضك فاتك كله".

(1) صحيح البخاري كتاب الاستئذان، باب التسليم واستئذان ثلاثا، وانظر الفتح 11 / 26 برقم 6245، وصحيح مسلم كتاب الآداب، باب الاستئذان، انظر شرح النووي 7 / 381 برقم 2154.

ص: 39

والأمثلة كثيرة منها خفاء الحكم على كثير من الصحابة في نزول الطاعون ببلد، (1) ومنها حكم عمر بمنع الحائض من النفرة قبل أن تطوف طواف الإفاضة ثم رجوعه لما بلغه الخبر، (2) فهذه أمثلة على خفاء بعض نصوص الشريعة على من شهدوا الوحي وعاينوا التنزيل، فخفاء بعض الأصول على من بعدهم أولى وأحرى، ولا يجوز لمن أتى بعدهم "أن يدعى انحصار حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في دواوين معينة، ثم لو فرض انحصار حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس كل ما في الكتب يعلمه العالم، ولا يكاد ذلك يحصل لأحد، بل قد يكون عند الرجل الدواوين الكثيرة وهو لا يحيط بما فيها ". (3)

ومن هذا القبيل أيضًا:

أن يكون النص قد بلغ المخالف، لكنه منسوخ، بنص آخر ولم يعلم المخالف بالناسخ. (4) ومن أمثلة ذلك اللبس الذي حصل أول الأمر في ربا النسا، ونكاح المتعة وغيرهما مما استقر الإجماع عليه بعد.

أن يكون النص قد بلغه ولكنه لم يثبت عنده إما لأن محدثه مجهول أو سيئ الحفظ أو متهم، ولا يعلم أن له طرقًا أخرى، ولهذا علق كثير من الأئمة العمل بموجب الحديث على صحته فكثيرًا ما يقول الإمام: قولي فيه كيت وكيت، وقد روي فيه حديث بخلافه فإن صح فهو قولي.

(1) ينظر صحيح البخاري كتاب الطب، باب ما يذكر في الطاعون، انظر الفتح 10 / 179 برقم 5729، صحيح مسلم كتاب السلام باب الطاعون والطيرة والكهانة ونحوها، انظر شرح النووي 7 / 460 - 462 برقم 2219.

(2)

ينظر صحيح البخاري كتاب الحيض، باب المرأة تحيض بعد الإفاضة، انظر الفتح 1 / 428 برقم 330.

(3)

مجموع الفتاوى 20 / 239.

(4)

انظر الخلاف بين العلماء أسبابه وموقفنا منه ص 23.

ص: 40

اعتقاد ضعف النص باجتهاد خالفه فيه غيره، كتضعيفه لراو وثقه غيره، ومن ذلك أن بعض الأئمة كان لا يرى قبول حديث أصله غير حجازي " شامي أو بصري.. " وبعضهم رأى هذا الرأي ثم رجع ومما أثر في ذلك كلمة الشافعي لأحمد: يا أبا عبد الله إذا صح الحديث فأعلمني حتى أذهب إليه شاميًا كان أو عراقيًا. ولعل من ذلك مخالفة الأحناف لغيرهم في القهقهة فالإمام أبو حنيفة أخذ بحديث القهقهة في الصلاة، وجعل القهقهة من نواقض الوضوء، ومن مبطلات الصلاة، (1) مع أن الحديث الذي استدل به ضعيف عند الأئمة،.. لكن عذره في ذلك ظنه أن الحديث صالح للاحتجاج به، وهذا ليس فيه مذمة له رحمه الله بل هو في العلم والفضل من هو، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيميه:"ومن ظن بأبي حنيفة أو غيره من أئمة المسلمين أنهم يتعمدون مخالفة الحديث الصحيح لقياس أو غيره فقد أخطأ عليهم، وتكلم إما بظن، وإما بهوى، فهذا أبو حنيفة يعمل بحديث التوضؤ بالنبيذ في السفر (2) مخالفة للقياس، وبحديث القهقهة في الصلاة مع مخالفته للقياس، (3) لاعتقاده صحتهما، وإن كان أئمة الحديث لم يصححوهما "

(1) انظر الهداية شرح بداية المبتدي 1 / 106.

(2)

الحديث رواه الدارقطني بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا قهقه أعاد الوضوء وأعاد الصلاة، ثم قال الدارقطني:«فهذه أقاويل أربعة عن الحسن كلها باطلة؛ لأن الحسن إنما سمع هذا الحديث من حفص بن سليمان المنقري عن حفصة بنت سيرين عن أبي العالية الرياحي مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم» ا. هـ، انظر سنن الدارقطني كتاب الطهارة - باب أحاديث القهقهة في الصلاة وعللها 1 / 164-165، وانظر في تمام تخريجه نصب الراية للزيلعي مع الهداية 1 / 106-114.

(3)

يشير إلى حديث عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له -ليلة الجن- ما في إداوتك قال: نبيذ، قال تمرة طيبة وماء طهور، رواه الإمام أحمد في مسند ابن مسعود 1 / 663، وأبو داود في سننه 1 / 21، برقم 84، وانظر سنن ابن ماجه1 / 135، رقم 384، وسنن الترمذي 1 / 147، رقم 88، قال الحافظ في الفتح 1 / 354:«وهذا الحديث أطبق علماء السلف على تضعيفه» .

ص: 41

(1)

اشتراط بعضهم في قبول النص شروطًا يخالفه فيها غيره، كاشتراط بعضهم كون الراوي فقيهًا إذا روى ما يخالف القياس، واشتراط بعضهم ظهور الحديث وانتشاره إذا كان فيما تعم به البلوى، وربما وقع الاختلاف في بعض قواعد علوم الأدلة ومنها المصطلح ومن ذلك توثيق ابن حبان لمن لم يعرف بجرح، في مقابل طريقة ابن حزم في الرمي بالجهالة، وكتشدد أبي حاتم في نقد الرجال، وتساهل الحاكم في توثيقهم، واشتراط بعضهم للصحة اللقيا واكتفاء آخرين بالمعاصرة، وغير ذلك.

أن ينسى البعض حديثًا أو آية كما ذهل عمر رضي الله عنه عن قول الله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} لمّا مات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

(1) 1 مجموع الفتاوى 20 / 304- 305.

ص: 42

عدم معرفة دلالة لفظ النص: ومن الركائز الأساسية في هذا العلم باللغة العربية، قال الشاطبي رحمه الله: "الله عز وجل أنزل القرآن عربيًا لا عجمة فيه، بمعنى أنه جار في ألفاظه وأساليبه على لغة لسان العرب، قال الله تعالى:{إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا}

وكان المنزل عليه القرآن عربيًا أفصح من نطق بالضاد، وهو محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وكان الذين بعث فيهم عربًا أيضًا، فجرى الخطاب به على معتادهم في لسانهم

وإذا كان كذلك فلا يفهم كتاب الله تعالى إلاّ من الطريق الذي نزل عليه وهو اعتبار ألفاظها ومعانيها وأساليبها"، (1) ولهذا قال الشافعي رحمه الله: "ما جهل الناس ولا اختلفوا إلاّ لتركهم لسان العرب وميلهم إلى لسان أرسطاطاليس "، (2) وقال السيوطي معلقًا بعد أن ذكره: "أشار الشافعي بذلك إلى ما حدث في زمن المأمون من القول بخلق القرآن ونفي الرؤية وغير ذلك من البدع وأن سببها الجهل بالعربية والبلاغة الموضوعة فيها من المعاني والبيان والبديع"، ومما يؤكد هذا أن عمرو بن عبيد (3) جاء إلى أبي عمرو بن العلاء التميمي (4) يناظره في وجوب عذاب الفاسق، فقال يا أبا عمرو: هل يخلف الله وعده؟ فقال: لن يخلف الله

(1) الاعتصام 2 / 293-294 باختصار.

(2)

صون المنطق ص15.

(3)

أبو عثمان عمرو بن باب البصري 80-144، أصله من الموالي وولاؤه لبني تميم، وهو شيخ المعتزلة.

(4)

أبو عمرو بن العلاء التميمي المازني البصري 70-157، شيخ قراء العربية، اشتهر بالفصاحة والصدق وسعة العلم.

ص: 43

وعده، فقال عمرو: فقد قال وذكر آية وعيد، فقال أبو عمر: من العجمة أتيت، الوعد غير الإيعاد ثم أنشد:

وإني وإن أوعدته أو وعدته

لمخلف إيعادي منجز له وعدي

(1)

ولهذا قال الحسن البصري رحمه الله: "إنما أهلكتهم العجمة يتأولونه على غير تأويله". (2) ولو نظرت في كثير من أهل البدع التي فرقت المسلمين لوجدت أصولًا لا تنم عن أصالة في اللسان العربي، فغيلان الدمشقي أول من تكلم في القدر وقال بخلق القرآن كان مولى لآل عثمان بن عفان، والجعد بن درهم كان مولى لبني الحكم، وجهم بن صفوان كان مولى لبني راسب، وعمرو بن عبيد مولى لبني تميم، وواصل بن عطاء مولى لبني مخزوم أو لبني ضبة على خلاف في النسبة.

(1) سير أعلام النبلاء 6 / 408-409، وقد ذكرها غير واحد من أهل التراجم والأخبار.

(2)

الاعتصام 2 / 299.

ص: 44

ولعل من أظهر عوامل الاختلاف بسبب عدم فهم دلالة النصوص عاملان:

الأول إما لكون اللفظ غريبًا، نحو لفظ المزابنة والمحاقلة والمنابذة، ومن هذا القبيل اختلافهم في تفسير لا طلاق ولا عتاق في إغلاق. ففسره كثير من الحجازيين بالإكراه وفسره كثير من العراقيين بالغضب، ومنهم من فسره بجمع الطلاق في كلمة واحدة باعتبار أنه مأخوذ من غلق باب الطلاق جملة.

أو لكون اللفظ مشتركًا أو مجملًا أو مترددًا بين حمله على معناه عند الإطلاق (الحقيقة) أو حمله على معناه عند التقييد (مجاز) كاختلافهم في القرء ومعناه.

معرفة دلالة اللفظ وموضوعه، ولكن لا يتفطن لدخول هذا الفرد المعين تحت اللفظ إما لعدم تصوره لذلك الفرد أو لعدم حضوره بباله أو لاعتقاده أنه مختص بما يخرجه عن اللفظ العام.

عدم اعتقاد وجود دلالة في لفظ النص على الحكم المتنازع عليه، وهذا له أربعة حالات:

أن لا يعرف مدلول اللفظ في عرف الشارع فيحمله على خلاف مدلوله في العرف الشرعي.

أن يكون له في عرف الشارع معنيين فيحمله على أحدهما ويحمله المخالف على الآخر.

أن يفهم من العام خاصًا أو من الخاص عامًا، أو من المطلق مقيدًا أو من المقيد مطلقًا.

ص: 45

أن ينفي دلالة اللفظ مع أن اللفظ تارة يكون مصيبًا في الدلالة وتارة يكون مخطئًا، فمن نفى دلالة قول الله تعالى:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} على حل أكل ذي المخلب والناب أصاب، ومن نفى دلالة العام على ما عدا محل التخصيص غلط ومن نفى دلالته على ماعدا محل السبب غلط.

اعتقاد أن دلالة النص عارضها ما هو مساو لها فيجب التوقف، أو عارضها ما هو أقوى فيجب تقديمه، ولهذا أقسام متعددة. (1) ومن أمثلة ذلك

(1) للاستزادة في تفصيلها راجع الصواعق المحرقة لابن القيم 2 / 577-631.

ص: 46

أولا: لما حدث ابن عباس عائشةَ بحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه "، (1) أنكرت ذلك وقالت:"إنكم لتحدثوني عن غير كاذبين ولا مكذبين، ولكن السمع يخطئ، يرحم الله عمر، لا والله ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم قط إن الميت يعذب ببكاء أحد، ولكنه قال: " إن الكافر يزيده الله ببكاء أهله عذابا، وإن الله لهو أَضْحَكَ وَأَبْكَى، وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى» ، (2) فظنت عائشة رضي الله عنها أن هذا النص يخالف ما ثبت عندها من كلامه صلى الله عليه وسلم بل يخالف مقتضى القرآن الكريم. (3)

(1) صحيح البخاري كتاب الجنائز، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه إذا كان النوح من سنته، انظر فتح الباري 3 / 151 رقم 1286، صحيح مسلم كتاب الجنائز - باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه، انظر شرح النووي 3 / 483 رقم 927.

(2)

صحيح البخاري كتاب الجنائز، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه إذا كان النوح من سنته، انظر فتح الباري 3 / 151 - 152 رقم 1288، صحيح مسلم كتاب الجنائز، باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه، انظر شرح النووي 3 / 485 - 486 رقم 928.

(3)

فتح الباري 3 / 152 - 156 بتصرف يسير واختصار.

ص: 47

ثانيا: اختلاف العلماء في الجمع بين قوله - تعالى -: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة:221]، وبين قوله - تعالى -:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [المائدة:5] ، فالآية الأولى تحرم على المسلمين نكاح المشركات، والآية الثانية تحلل نكاح الكتابيات، وقد اختلف العلماء في نكاح الكتابيات، فالجمهور على جوازه، استنادا لآية المائدة، وقال بعض العلماء لا يجوز نكاح الكتابيات استنادا لآية البقرة، وظنا منهم أن آية المائدة معارضة بآية أصرح منها وهي آية البقرة. (1)

(1) انظر أسباب اختلاف الفقهاء ص 18.

ص: 48