الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ صَلَاةِ الْمسافر
وَفَرْضُهُ فِي كُلِّ رُبَاعِيَّةٍ رَكْعَتَانِ (ف) ، وَيَصِيرُ مُسَافِرًا إِذَا فَارَقَ بُيُوتَ الْمِصْرِ قَاصِدًا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا بِسَيْرِ الْإِبِلِ وَمَشْيِ الْأَقْدَامِ، وَيُعْتَبَرُ فِي الْجَبَلِ مَا يَلِيقُ بِهِ، وَفِي الْبَحْرِ اعْتِدَالُ الرِّيَاحِ، وَلَا يَزَالُ عَلَى حُكْمِ السَّفَرِ حَتَّى يَدْخُلَ مِصْرَهُ أَوْ يَنْوِيَ الْإِقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ (ف) يَوُمًا فِي مِصْرٍ أَوْ قَرْيَةٍ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
[بَابُ صَلَاةِ المسافرِ]
ِ (وَفَرْضُهُ فِي كُلِّ رُبَاعِيَّةٍ رَكْعَتَانِ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «فُرِضَتِ الصَّلَاةُ فِي الْأَصْلِ رَكْعَتَيْنِ، فَزِيدَتْ فِي الْحَضَرِ وَأُقِرَّتْ فِي السَّفَرِ» وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إِلَّا تَوْقِيفًا. وَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: «صَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ، وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم» - ". وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيكُمُ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ» ، وَمِثْلُهُ عَنْ عَلِيٍّ. أَمَّا الْفَجْرُ وَالْمَغْرِبُ وَالْوَتْرُ فَلَا قَصْرَ فِيهَا بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ أَتَمَّ الْأَرْبَعَ فَقَدْ خَالَفَ السُّنَّةَ، لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «لَمَّا صَلَّى بِأَهْلِ مَكَّةَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: " أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ» ، فَإِنْ قَعَدَ فِي الثَّانِيَةِ أَجْزَأَهُ اثْنَتَانِ عَنِ الْفَرْضِ، وَقَدْ أَسَاءَ لِتَأْخِيرِ السَّلَامِ عَنْ مَوْضِعِهِ، وَرَكْعَتَانِ لَهُ نَافِلَةٌ لِزِيَادَتِهَا عَلَى الْفَرْضِ، وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ فِي الثَّانِيَةِ بَطَلَ فَرْضُهُ لِأَنَّهُ تَرَكَ رُكْنًا وَهُوَ الْقَعْدَةُ آخِرَ الصَّلَاةِ.
قَالَ: (وَيَصِيرُ مُسَافِرًا إِذَا فَارَقَ بُيُوتَ الْمِصْرِ قَاصِدًا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا) لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُسَافِرًا إِلَّا إِذَا خَرَجَ مِنَ الْمِصْرِ، وَقَدْ قَالَتِ الصَّحَابَةُ لَوْ فَارَقْنَا هَذَا الْخُصَّ لَقَصَرْنَا. وَأَمَّا التَّقْدِيرُ فَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«يَمْسَحُ الْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا» ، وَالْمُرَادُ بَيَانُ حُكْمِ جَمِيعِ الْمُسَافِرِينَ لِيَكُونَ أَعَمَّ فَائِدَةً، فَيَتَنَاوَلُ كُلُّ مُسَافِرٍ سَفَرَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِيَسْتَوْعِبَ الْحُكْمُ الْجَمِيعَ، وَلَوْ كَانَ السَّفَرُ الَّذِي تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ لَبَقِيَ مِنَ الْمُسَافِرِينَ مَنْ لَمْ يُبَيَّنْ حُكْمُهُ، وَلِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ لِلْجِنْسِ فَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْحُكْمِ كُلُّ مُسَافِرٍ، وَمَنْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ هَذَا الْحُكْمُ لَا يَكُونُ مُسَافِرًا.
قَالَ: (بِسَيْرِ الْإِبِلِ وَمَشْيِ الْأَقْدَامِ) لِأَنَّهُ الْوَسَطُ الْمُعْتَادُ، فَإِنَّ السَّيْرَ فِي الْمَاءِ فِي غَايَةِ السُّرْعَةِ، وَعَلَى الْعَجَلِ فِي غَايَةِ الْإِبْطَاءِ، فَاعْتَبَرْنَا الْوَسَطَ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ.
قَالَ: (وَيُعْتَبَرُ فِي الْجَبَلِ مَا يَلِيقُ بِهِ، وَفِي الْبَحْرِ اعْتِدَالُ الرِّيَاحِ) لِأَنَّهُ هُوَ الْوَسَطُ، وَهُوَ أَنْ لَا تَكُونَ الرِّيَاحُ غَالِبَةً وَلَا سَاكِنَةً، فَيَنْظُرُ كَمْ يَسِيرُ فِي مِثْلِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَيُجْعَلُ أَصْلًا.
قَالَ: (وَلَا يَزَالُ عَلَى حُكْمِ السَّفَرِ حَتَّى يَدْخُلَ مِصْرَهُ أَوْ يَنْوِيَ الْإِقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فِي مِصْرٍ أَوْ قَرْيَةٍ) لِأَنَّ السَّفَرَ إِذَا صَحَّ لَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهُ إِلَّا بِالْإِقَامَةِ، وَالْإِقَامَةُ
وَإِنْ نَوَى أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ مُسَافِرٌ وَإِنْ طَالَ مُقَامُهُ. وَمَنْ لَزِمَهُ طَاعَةُ غَيْرِهِ كَالْعَسْكَرِ وَالْعَبْدِ وَالزَّوْجَةِ يَصِيرُ مُسَافِرًا بِسَفَرِهِ مُقِيمًا بِإِقَامَتِهِ، وَالْمُسَافِرُ يَصِيرُ مُقِيمًا بِالنِّيَّةِ إِلَّا الْعَسْكَرَ إِذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ أَوْ حَاصَرَ مَوْضِعًا، وَنِيَّةُ الْإِقَامَةِ مِنْ أَهْلِ الْأَخْبِيَةِ صَحِيحَةٌ، وَلَوْ نَوَى أَنْ يُقِيمَ بِمَوْضِعَيْنِ لَا يَصِحُّ إِلَّا أَنْ يَبِيتَ بِأَحَدِهِمَا، وَالْمُعْتَبَرُ فِي تَغَيُّرِ الْفَرْضِ قَصْرًا وَإِتْمَامًا آخِرُ الْوَقْتِ، وَلَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ خَارِجَ الْوَقْتِ، فَإِنِ اقْتَدَى بِهِ فِي الْوَقْتِ أَتَمَّ الصَّلَاةَ، فَإِنْ أَمَّ الْمُسَافِرُ الْمُقِيمَ سَلَّمَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَأَتَمَّ الْمُقِيمُ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
بِالنِّيَّةِ أَوْ بِدُخُولِ وَطَنِهِ؛ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ تَرْكُ السَّفَرِ، فَإِذَا اتَّصَلَ بِالنِّيَّةِ أَتَمَّ، بِخِلَافِ الْمُقِيمِ حَيْثُ لَا يَصِيرُ مُسَافِرًا بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ إِنْشَاءُ الْفِعْلِ فَلَا يَصِيرُ فَاعِلًا بِالنِّيَّةِ. وَأَمَّا دُخُولُ وَطَنِهِ فَلِأَنَّ الْإِقَامَةَ لِلِارْتِفَاقِ وَأَنَّهُ يَحْصُلُ بِوَطَنِهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، وَكَذَا نُقِلَ أَنَّ النَّبِيَّ وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يُسَافِرُونَ وَيَعُودُونَ إِلَى أَوْطَانِهِمْ مُقِيمِينَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ. وَأَمَّا الْمُدَّةُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَمَنْقُولَةٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ، وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إِلَّا تَوْقِيفًا ; وَلِأَنَّ السَّفَرَ لَا يَخْلُو عَنِ اللُّبْثِ الْقَلِيلِ، فَاعْتَبَرْنَا الْخَمْسَةَ عَشَرَ كَثِيرًا فَاصِلًا اعْتِبَارًا بِمُدَّةِ الطُّهْرِ، إِذْ لَهَا أَثَرٌ فِي إِيجَابِ الصَّلَاةِ وَإِسْقَاطِهَا.
قَالَ: (وَإِنْ نَوَى أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ مُسَافِرٌ وَإِنْ طَالَ مُقَامُهُ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَقَامَ بِتَبُوكَ عِشْرِينَ لَيْلَةً يَقْصُرُ الصَّلَاةَ» وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَقَامَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالسُّوسِ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ يَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ.
قَالَ: (وَمَنْ لَزِمَهُ طَاعَةُ غَيْرِهِ كَالْعَسْكَرِ وَالْعَبْدِ وَالزَّوْجَةِ يَصِيرُ مُسَافِرًا بِسَفَرِهِ مُقِيمًا بِإِقَامَتِهِ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ مُخَالَفَتُهُ. قَالَ: (وَالْمُسَافِرُ يَصِيرُ مُقِيمًا بِالنِّيَّةِ) لِمَا بَيَّنَّا.
(إِلَّا الْعَسْكَرَ إِذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ أَوْ حَاصَرَ مَوْضِعًا) لِأَنَّ إِقَامَتَهُمْ لَا تَتَعَلَّقُ بِاخْتِيَارِهِمْ، لِأَنَّهُمْ لَوْ نَوَوُا الْإِقَامَةَ ثُمَّ انْهَزَمُوا انْصَرَفُوا فَلَا تَصِحُّ نِيَّتُهُمْ.
(وَنِيَّةُ الْإِقَامَةِ مِنْ أَهْلِ الْأَخْبِيَةِ صَحِيحَةٌ) كَالْأَكْرَادِ وَالتُّرْكُمَانِ فِي الصَّحْرَاءِ وَالْكَلَأِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ إِقَامَتِهِمْ عَادَةً، فَهُوَ فِي حَقِّهِمْ كَالْأَمْصَارِ وَالْقُرَى لِأَهْلِهَا.
قَالَ: (وَلَوْ نَوَى أَنْ يُقِيمَ بِمَوْضِعَيْنِ لَا يَصِحُّ) إِذْ لَوْ صَحَّ فِي مَوْضِعَيْنِ لَصَحَّ فِي أَكْثَرَ وَأَنَّهُ مُمْتَنِعٌ.
(إِلَّا أَنْ يَبِيتَ بِأَحَدِهِمَا) فَتَصِحُّ النِّيَّةُ ; لِأَنَّ مَوْضِعَ الْإِقَامَةِ مَوْضِعُ الْبُيُوتَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ السُّوقِيَّ يَكُونُ فِي النَّهَارِ فِي حَانُوتِهِ وَيُعَدُّ سَاكِنًا فِي مَحَلَّةٍ فِيهَا بَيْتُهُ.
قَالَ: (وَالْمُعْتَبَرُ فِي تَغَيُّرِ الْفَرْضِ قَصْرًا وَإِتْمَامًا آخِرُ الْوَقْتِ) لِأَنَّ الْوُجُوبَ يَتَعَلَّقُ بِآخِرِ الْوَقْتِ حَتَّى لَوْ سَافَرَ آخِرَ الْوَقْتِ قَصَرَ، وَإِنْ أَقَامَ الْمُسَافِرُ آخِرَ الْوَقْتِ تَمَّمَ لِمَا بَيَّنَّا.
قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ خَارِجَ الْوَقْتِ) لِتَقَرُّرِ فَرْضِهِمَا وَقَدْ تَقَدَّمَ.
(فَإِنِ اقْتَدَى بِهِ فِي الْوَقْتِ أَتَمَّ الصَّلَاةَ) لِأَنَّهُ الْتَزَمَ مُتَابَعَتَهُ. قَالَ عليه الصلاة والسلام: «إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ إِمَامًا لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَى أَئِمَّتِكُمْ» ، وَصَيْرُورَتُهُ مُتَابِعًا أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا.
(فَإِنْ أَمَّ الْمُسَافِرُ الْمُقِيمَ سَلَّمَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ) لِأَنَّهُ تَمَّ فَرْضُهُ.
(وَأَتَمَّ الْمُقِيمُ) لِأَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ إِتْمَامُ