الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَحُجُّونَ عَنِ الْمَيِّتِ مِنْ مَنْزِلِهِ، فَإِنْ لَمْ تُبَلِّغِ النَّفَقَةُ فَمِنْ حَيْثُ تُبَلِّغُ.
بَابُ الْهَدْيِ
وَهُوَ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، وَلَا يُجْزِئُ مَا دُونَ الثَّنِيِّ
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
أَوْ حُكْمًا بِالِاسْتِخْلَافِ، وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ لَوْ حَجَّ عَنْهُ غَيْرُهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، إِلَّا أَنَّا قُلْنَا: لَوْ حَجَّ الْوَارِثُ عَنْهُ أَوْ أَحَجَّ سَقَطَ عَنْهُ اسْتِحْسَانًا لِحَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ. وَلِمَا رُوِيَ «أَنْ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَلَمْ تَحُجَّ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: " نَعَمْ» .
قَالَ: (وَيَحُجُّونَ عَنِ الْمَيِّتِ مِنْ مَنْزِلِهِ) لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ، وَكَمَا لَوْ كَانَ حَيًّا فَحَجَّ، وَكَذَلِكَ إِذَا مَاتَ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ فَأَوْصَى. وَقَالَا: يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ الْمَأْمُورُ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ مَنْزِلِهِ وَعِنْدَهُمَا حَيْثُ بَلَغَ. لَهُمَا أَنَّ خُرُوجَهُ مِنْ بَلَدِهِ مُعْتَدٌّ بِهِ غَيْرُ سَاقِطٍ بِالِاعْتِبَارِ، قَالَ تَعَالَى:{وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [النساء: 100] " وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: «مَنْ مَاتَ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ كُتِبَتْ لَهُ حَجَّةٌ مَبْرُورَةٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ» وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: «وَإِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ» الْحَدِيثَ، وَلِأَنَّ الْحَجَّ لَمَّا لَمْ يَتَّصِلْ بِالْخُرُوجِ لَمْ يَبْقَ وَسِيلَةٌ إِلَيْهِ فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ عَنْ حَجَّتِهِ، وَإِنْ حَصَلَ الثَّوَابُ بِوَعْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.
(فَإِنْ لَمْ تُبَلِّغِ النَّفَقَةُ فَمِنْ حَيْثُ تُبَلِّغُ) اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ سُقُوطُ الْفَرْضِ، فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ عَلَى الْكَمَالِ فَبِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَإِذَا بَلَغَتِ الْوَصِيَّةُ أَنْ يَحُجَّ رَاكِبًا فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَحُجُّوا مُشَاةً، وَإِنْ بَلَغَتْ مَاشِيًا مِنْ بَلَدِهِ وَرَاكِبًا مِنَ الطَّرِيقِ قَالَ مُحَمَّدٌ: يَحُجُّ رَاكِبًا مِنْ حَيْثُ تَبْلُغُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا أَوْجَبَ الْحَجَّ رَاكِبًا. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: أَيُّهُمَا شَاءَ فَعَلَ؛ لِأَنَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قُصُورًا مِنْ وَجْهٍ فَيَتَخَيَّرُ، فَإِنْ رَجَعَ الْمَأْمُورُ وَقَالَ: مُنِعْتُ، وَقَدْ أَنْفَقَ فِي رُجُوعِهِ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ وَكَذَّبَهُ الْوَرَثَةُ أَوِ الْوَصِيُّ ضَمِنَ، إِلَّا أَنْ يَشْهَدَ لَهُ الظَّاهِرُ بِأَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا، وَإِنِ ادَّعَى الْحَجَّ وَكَذَّبَاهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ يَوْمَ النَّحْرِ بِالْكُوفَةِ لَمْ تُقْبَلْ، فَإِنْ قَامَتْ عَلَى إِقْرَارِهِ أَنَّهُ لَمْ يَحُجَّ قُبِلَتْ وَإِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ غَرِيمٌ فَأَمَرَ أَنْ يَحُجَّ عَنِ الْمَيِّتِ بِمَالِهِ عَلَيْهِ، فَادَّعَى أَنَّهُ حَجَّ لَمْ تُقْبَلْ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ.
[بَابُ الْهَدْيِ]
وَهُوَ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى إِلَى الْحَرَمِ وَيُذْبَحُ فِيهِ.
(وَهُوَ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ) اعْتِبَارًا بِالضَّحَايَا " وَسُئِلَ عليه الصلاة والسلام عَنِ الْهَدْيِ فَقَالَ: «أَدْنَاهُ شَاةٌ» وَأَهْدَى عليه الصلاة والسلام مِائَةَ بَدَنَةٍ، وَالْبَقَرَةُ كَالْبَدَنَةِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ. قَالَ: (وَلَا يُجْزِئُ مَا دُونَ الثَّنِيِّ
إِلَّا الْجَذَعُ مِنَ الضَّأْنِ، وَلَا يَذْبَحُ هَدْيَ التَّطَوُّعِ وَالْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ إِلَّا يَوْمَ النَّحْرِ وَيَأْكُلُ مِنْهَا، وَيَذْبَحُ بَقِيَّةَ الْهَدَايَا مَتَى شَاءَ وَلَا يَأْكُلُ مِنْهَا، وَلَا يَذْبَحُ الْجَمِيعَ إِلَّا فِي الْحَرَمِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَذْبَحَ بِنَفْسِهِ إِذَا كَانَ يُحْسِنُ الذَّبْحَ، وَيَتَصَدَّقُ بِجِلَالِهَا وَخِطَامِهَا، وَلَا يُعْطِي أُجْرَةَ الْقَصَّابِ مِنْهَا، وَلَا تُجْزِئُ الْعَوْرَاءُ، وَلَا الْعَرْجَاءُ الَّتِي لَا تَمْشِي إِلَى الْمَنْسِكِ، وَلَا الْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي، وَلَا مَقْطُوعَةُ الْأُذُنِ، وَلَا الْعَمْيَاءُ، وَلَا الَّتِي خُلِقَتْ بِغَيْرِ أُذُنٍ، وَلَا مَقْطُوعَةُ الذَّنَبِ، وَإِنْ ذَهَبَ الْبَعْضُ إِنْ كَانَ ثُلُثًا فَمَا زَادَ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ نَقَصَ عَنِ
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
إِلَّا الْجَذَعُ مِنَ الضَّأْنِ) لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ تَتَعَلَّقُ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ فَيُعْتَبَرُ بِالضَّحَايَا، قَالَ عليه الصلاة والسلام:«ضَحُّوا بِالثَّنَايَا إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ، فَاذْبَحُوا الْجَذَعَ مِنَ الضَّأْنِ» .
قَالَ: (وَلَا يُذْبَحُ هَدْيُ التَّطَوُّعِ وَالْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ إِلَّا يَوْمَ النَّحْرِ وَيَأْكُلُ مِنْهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج: 28] ثُمَّ قَالَ: {لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} [الحج: 29] وَذَلِكَ يَكُونُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ، وَقَدْ صَحَّ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام سَاقَ مِائَةَ بَدَنَةٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ذَبَحَ مِنْهَا ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بِيَدِهِ، وَذَبَحَ عَلِيٌّ رضي الله عنه الْبَاقِيَ ثُمَّ أَمَرَ أَنْ يُؤْخَذَ بَضْعَةٌ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ فَوُضِعَتْ فِي قِدْرٍ ثُمَّ أَكَلَا مَنْ لَحَمِهَا وَحَسَوْا مِنْ مَرَقِهَا» . وَرَوَى أَنَسٌ أَنَّهُ كَانَ قَارِنًا. قَالَ: (وَيَذْبَحُ بَقِيَّةَ الْهَدَايَا مَتَى شَاءَ، وَلَا يَأْكُلُ مِنْهَا) لِأَنَّهَا جِنَايَاتٌ وَكَفَّارَاتٌ فَلَا تَتَوَقَّفُ بِوَقْتٍ، وَمَصْرِفُهَا الْفُقَرَاءُ، وَالْأَوْلَى تَعْجِيلُهَا لِيَنْجَبِرَ مَا حَصَلَ مِنَ النَّقْصِ فِي أَفْعَالِهِ.
قَالَ: (وَلَا يَذْبَحُ الْجَمِيعَ إِلَّا فِي الْحَرَمِ) قَالَ تَعَالَى فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] وَفِي دَمِ الْإِحْصَارِ: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] وَلِأَنَّ الْهَدْيَ مَا عُرِفَ قُرْبَةً إِلَّا فِي مَكَانٍ مَعْلُومٍ وَهُوَ الْحَرَمُ. قَالَ عليه الصلاة والسلام: «مِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ، وَفِجَاجُ مَكَّةَ كُلُّهَا مَنْحَرٌ» .
قَالَ: (وَالْأَوْلَى أَنْ يَذْبَحَ بِنَفْسِهِ إِنْ كَانَ يُحْسِنُ الذَّبْحَ) لِمَا رُوِّينَا مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلِأَنَّهَا قُرْبَةٌ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَفْعَلَهَا بِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ لَا يُحْسِنَ فَيُوَلِّيَهَا غَيْرَهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَشْهَدَهَا إِنْ لَمْ يَذْبَحْهَا بِنَفْسِهِ. قَالَ عليه الصلاة والسلام:«يَا فَاطِمَةُ قُومِي فَاشْهَدِي ضَحِيَّتَكِ، فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَكِ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ دَمِهَا» .
قَالَ: (وَيَتَصَدَّقُ بِجِلَالِهَا وَخِطَامِهَا، وَلَا يُعْطِي أُجْرَةَ الْقَصَّابِ مِنْهَا) بِذَلِكَ أَمَرَ عليه الصلاة والسلام عَلِيًّا رضي الله عنه.
قَالَ: (وَلَا تُجْزِئُ الْعَوْرَاءُ وَلَا الْعَرْجَاءُ الَّتِي لَا تَمْشِي إِلَى الْمَنْسَكِ، وَلَا الْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي) قَالَ عليه الصلاة والسلام: «لَا تُجْزِئُ فِي الضَّحَايَا أَرْبَعَةٌ: الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ عَرَجُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي» أَيْ لَا نِقْيَ لَهَا وَهُوَ الْمُخُّ.
قَالَ: (وَلَا مَقْطُوعَةُ الْأُذُنِ، وَلَا الْعَمْيَاءُ) قَالَ عليه الصلاة والسلام: «اسْتَشْرِفُوا الْعَيْنَ وَالْأُذُنَ» أَيْ تَأَمَّلُوا سَلَامَتَهُمَا.
(وَلَا الَّتِي خُلِقَتْ بِغَيْرِ أُذُنٍ) لِفَوَاتِ عُضْوٍ كَامِلٍ.
(وَلَا مَقْطُوعَةُ الذَّنَبِ) لِمَا بَيَّنَّا.
(وَإِنْ ذَهَبَ الْبَعْضُ إِنْ كَانَ ثُلُثًا فَمَا زَادَ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ نَقَصَ عَنِ
الثُّلُثِ يَجُوزُ (سم) ، وَتَجُوزُ الْجَمَّاءُ وَالْخَصِيُّ وَالثَّوْلَاءُ وَالْجَرْبَاءُ، وَلَا يَرْكَبُ الْهَدْيَ إِلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، فَإِنْ نَقَصَتْ بِرُكُوبِهِ ضَمِنَهُ وَتَصَدَّقَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ لَهَا لَبَنٌ لَمْ يَحْلِبْهَا. وَإِنْ سَاقَ هَدْيًا فَعَطِبَ فِي الطَّرِيقِ فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا صَنَعَ بِهِ مَا شَاءَ وَعَلَيْهِ بَدَلُهُ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
الثُّلُثِ يَجُوزُ) لِأَنَّ الثُّلُثَ كَثِيرٌ بِالنَّصِّ، وَفِي رِوَايَةٍ: الرُّبُعُ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْكُلِّ كَمَا فِي مَسْحِ الرَّأْسِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنَ النِّصْفِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْغَالِبِ. وَفِي النِّصْفِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ.
قَالَ: (وَتَجُوزُ الْجَمَّاءُ وَالْخَصِيُّ وَالثَّوْلَاءُ وَالْجَرْبَاءُ) أَمَّا الْجَمَّاءُ فَلِأَنَّ الْقَرْنَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَقْصُودٌ ; وَأَمَّا الْخَصِيُّ «فَلِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ» ، وَلِأَنَّ لَحْمَهُ يَكُونُ أَطْيَبَ ; وَأَمَّا الثَّوْلَاءُ فَالْمُرَادُ الَّتِي تُعْتَلَفُ حَتَّى لَوْ كَانَتْ لَا تُعْتَلَفُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ ; وَأَمَّا الْجَرْبَاءُ فَلِأَنَّ الْجَرَبَ فِي الْجِلْدِ ; أَمَّا اللَّحْمُ الَّذِي هُوَ مَقْصُودٌ لَا نُقْصَانَ فِيهِ حَتَّى لَوْ هَزُلَتْ بِأَنْ وَصَلَ الْجَرَبُ إِلَى اللَّحْمِ لَا يَجُوزُ.
قَالَ: (وَلَا يُرْكَبُ الْهَدْيُ إِلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ) لِأَنَّ فِي رُكُوبِهَا اسْتِهَانَةً بِهَا، وَتَعْظِيمُهَا وَاجِبٌ. قَالَ تَعَالَى:{وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32] وَالتَّقْوَى وَاجِبٌ فَيَكُونُ التَّعْظِيمُ وَاجِبًا وَحَالَةُ الضَّرُورَةِ مُسْتَثْنَاةٌ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ: " ارْكَبْهَا وَيْلَكَ " قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهَا بَدَنَةٌ، قَالَ: " ارْكَبْهَا وَيْلَكَ» قَالُوا: كَانَ مَجْهُودًا فَأَمَرَهُ بِالرُّكُوبِ لِلضَّرُورَةِ.
(فَإِنْ نَقَصَتْ بِرُكُوبِهِ ضَمِنَهُ وَتَصَدَّقَ بِهِ) لِأَنَّهُ بَدَلُ جُزْئِهَا، وَكَذَلِكَ إِذَا نَقَصَتْ مِنَ الْحَمْلِ عَلَيْهَا لِمَا بَيَّنَّا.
قَالَ: (وَإِنْ كَانَ لَهَا لَبَنٌ لَمْ يَحْلِبْهَا) لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا، وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهِ قَبْلَ بُلُوغِ الْمَحِلِّ، وَيُنْضَحُ ضَرْعُهَا بِالْمَاءِ الْبَارِدِ لِيَذْهَبَ اللَّبَنُ ; قَالُوا: وَهَذَا إِذَا قَرُبَ مِنْ وَقْتِ الذَّبْحِ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ بَعِيدًا حَلَبَهَا دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا، وَيَتَصَدَّقُ بِهِ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنَ الْهَدْيِ، وَإِنِ اسْتَهْلَكَهُ تَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ، وَإِنِ اشْتَرَى هَدْيًا فَوَلَدَ عِنْدَهُ ذَبَحَ الْوَلَدَ مَعَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهِ؛ لِأَنَّ لِلْوَلَدِ حُكْمَ الْأُمِّ عَلَى مَا عُرِفَ.
قَالَ: (وَإِنْ سَاقَ هَدْيًا فَعَطِبَ فِي الطَّرِيقِ، فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ) لِتَعَيُّنِهِ بِالنِّيَّةِ وَقَدْ فَاتَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَذْبَحَهَا وَيَصْبُغَ نَعْلَهَا: أَيْ قِلَادَتَهَا بِدَمِهَا وَيَضْرِبَ بِهِ صَفْحَةَ سَنَامِهَا، وَلَا يَأْكُلُ مِنْهَا هُوَ وَلَا الْأَغْنِيَاءُ، بِذَلِكَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَاجِيَةَ الْأَسْلَمِيَّ، وَلِيَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّهُ لِلْفُقَرَاءِ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ.
(وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا صَنَعَ بِهِ مَا شَاءَ) لِأَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ عَمَّا عَيَّنَهُ عَادَ مِلْكًا لَهُ فَيَصْنَعُ بِهِ مَا شَاءَ.
(وَعَلَيْهِ بَدَلُهُ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ.
وَيُقَلِّدُ هَدْيَ التَّطَوُّعِ وَالْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ دُونَ غَيْرِهَا.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
قَالَ: (وَيُقَلَّدُ هَدْيُ التَّطَوُّعِ وَالْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ دُونَ غَيْرِهَا) لِأَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام قَلَّدَ هَدَايَاهُ وَكَانَتْ تَطَوُّعًا، وَلِأَنَّهُ نُسُكٌ فَيَلِيقُ بِهِ الْإِظْهَارُ، وَالْمُرَادُ بِالْهَدْيِ هُنَا الْبُدْنُ ; أَمَّا الْغَنَمُ فَلَا يُقَلِّدُهَا لِعَدَمِ جَرَيَانِ الْعَادَةِ ; وَأَمَّا بَقِيَّةُ الْهَدَايَا فَلِأَنَّهَا جِنَايَاتٌ، وَاللَّائِقُ فِيهَا السِّتْرُ، وَدَمُ الْإِحْصَارِ وَجَبَ لِلتَّحَلُّلِ قَبْلَ أَوَانِهِ فَكَانَ جِنَايَةً.
1 -
فَصْلٌ فِي زِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
وَلَمَّا جَرَى الرَّسْمُ أَنَّ الْحُجَّاجَ إِذَا فَرَغُوا مِنْ مَنَاسِكِهِمْ وَقَفَلُوا عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَصَدُوا الْمَدِينَةَ زَائِرِينَ قَبْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ هِيَ مِنْ أَفْضَلِ الْمَنْدُوبَاتِ وَالْمُسْتَحَبَّاتِ، بَلْ تَقْرُبُ مِنْ دَرَجَةِ الْوَاجِبَاتِ، فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم حَرَّضَ عَلَيْهَا، وَبَالَغَ فِي النَّدْبِ إِلَيْهَا فَقَالَ:«مَنْ وَجَدَ سِعَةً وَلَمْ يَزُرْنِي فَقَدْ جَفَانِي» وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: «مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي» وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: «مَنْ زَارَنِي بَعْدَ مَمَاتِي فَكَأَنَّمَا زَرَانِي فِي حَيَاتِي» إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ، ثُمَّ رَأَيْتُ أَكْثَرَ النَّاسِ غَافِلِينَ عَنْ آدَابِهَا وَمُسْتَحَبَّاتِهَا، جَاهِلِينَ بِفُرُوعِهَا وَجُزْئِيَّاتِهَا، أَحْبَبْتُ أَنْ أَذْكُرَ فِيهَا فَصْلًا عَقِيبَ الْمَنَاسِكِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ أَذْكُرُ نُبَذًا مِنَ الْآدَابِ فَأَقُولُ:
يَنْبَغِي لِمَنْ قَصَدَ زِيَارَةَ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُكْثِرَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ، فَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَبْلُغُهُ وَيَصِلُ إِلَيْهِ، فَإِذَا عَايَنَ حِيطَانَ الْمَدِينَةِ يُصَلِّي عَلَيْهِ، وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ هَذَا حَرَمُ نَبِيِّكِ، فَاجْعَلْهُ وِقَايَةً لِي مِنَ النَّارِ، وَأَمَانًا مِنَ الْعَذَابِ، وَسُوءِ الْحِسَابِ، وَيَغْتَسِلُ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ إِنْ أَمْكَنَهُ، وَيَتَطَيَّبُ وَيَلْبَسُ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ فَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى التَّعْظِيمِ، وَيَدْخُلُهَا مُتَوَاضِعًا عَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ وَيَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ ; ثُمَّ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَيُصَلِّي عِنْدَ مِنْبَرِهِ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيْنِ، يَقِفُ بِحَيْثُ يَكُونُ عَمُودَ الْمِنْبَرِ بِحِذَاءِ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ، فَهُوَ مَوْقِفُهُ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بَيْنَ قَبْرِهِ وَمِنْبَرِهِ. قَالَ عليه الصلاة والسلام:«بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي» ثُمَّ يَسْجُدُ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا وَفَّقَهُ وَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ ; ثُمَّ يَنْهَضُ فَيَتَوَجَّهُ إِلَى قَبْرِهِ صلى الله عليه وسلم فَيَقِفُ عِنْدَ رَأْسِهِ صلى الله عليه وسلم مُسْتَقْبِلًا لِلْقِبْلَةِ، يَدْنُو مِنْهُ قَدْرَ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ، وَلَا يَدْنُو مِنْهُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يَضَعُ يَدَهُ عَلَى جِدَارِ التُّرْبَةِ فَهُوَ أَهَيْبُ وَأَعْظَمُ لِلْحُرْمَةِ، وَيَقِفُ كَمَا يَقِفُ فِي الصَّلَاةِ، وَيُمَثِّلُ صُورَتَهُ الْكَرِيمَةَ الْبَهِيَّةَ صلى الله عليه وسلم كَأَنَّهُ نَائِمٌ فِي لَحْدِهِ، عَالِمٌ بِهِ يَسْمَعُ كَلَامَهُ، قَالَ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ صَلَّى عَلَيَّ عِنْدَ قَبْرِي سَمِعْتُهُ» وَفِي الْخَبَرِ: «أَنَّهُ وُكِّلَ بِقَبْرِهِ مَلَكٌ يُبَلِّغُهُ سَلَامَ مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ مِنْ أُمَّتِهِ» ، وَيَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا صَفِيَّ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا حَبِيبَ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا نَبِيَّ الرَّحْمَةِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا شَفِيعَ الْأُمَّةِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا سَيِّدَ الْمُرْسَلِينَ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا خَاتَمَ النَّبِيِّينَ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُزَّمِّلُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُدَّثِّرُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَحْمَدُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ الَّذِينَ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَهُمْ تَطْهِيرًا، جَزَاكَ اللَّهُ عَنَّا أَفْضَلَ مَا جَزَى نَبِيًّا عَنْ قَوْمِهِ، وَرَسُولًا عَنْ أُمَّتِهِ ; أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ الرِّسَالَةَ، وَأَدَّيْتَ الْأَمَانَةَ، وَنَصَحْتَ الْأُمَّةَ، وَأَوْضَحْتَ الْحُجَّةَ، وَجَاهَدْتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَقَاتَلْتَ عَلَى دِينِ اللَّهِ حَتَّى أَتَاكَ الْيَقِينُ، فَصَلَّى اللَّهُ عَلَى رُوحِكَ وَجَسَدِكَ وَقَبْرِكَ صَلَاةً دَائِمَةً إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَحْنُ وَفْدُكَ، وَزُوَّارُ قَبْرِكَ، جِئْنَاكَ مِنْ بِلَادٍ شَاسِعَةٍ، وَنَوَاحٍ بَعِيدَةٍ، قَاصِدِينَ قَضَاءَ حَقِّكَ، وَالنَّظَرَ إِلَى مَآثِرِكَ، وَالتَّيَامُنَ بِزِيَارَتِكَ، وَالِاسْتِشْفَاعَ بِكَ إِلَى رَبِّنَا، فَإِنَّ الْخَطَايَا قَدْ قَصَمَتْ ظُهُورَنَا، وَالْأَوْزَارَ قَدْ أَثْقَلَتْ كَوَاهِلَنَا، وَأَنْتَ الشَّافِعُ الْمُشَفَّعُ، الْمَوْعُودُ بِالشَّفَاعَةِ وَالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء: 64] وَقَدْ جِئْنَاكَ ظَالِمِينَ لِأَنْفُسِنَا، مُسْتَغْفِرِينَ لِذُنُوبِنَا، فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، وَأَسْأَلْهُ أَنْ يُمِيتَنَا عَلَى سُنَّتِكَ، وَأَنْ يَحْشُرَنَا فِي زُمْرَتِكَ، وَأَنْ يُورِدَنَا حَوْضَكَ، وَأَنْ يَسْقِيَنَا كَأْسَكَ غَيْرَ خَزَايَا وَلَا نَادِمِينَ، الشَّفَاعَةَ الشَّفَاعَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَقُولُهَا ثَلَاثًا:{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} [الحشر: 10] الْآيَةَ.
وَيُبَلِّغُهُ سَلَامَ مَنْ أَوْصَاهُ فَيَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، يَسْتَشْفِعُ بِكَ إِلَى رَبِّكِ فَاشْفَعْ لَهُ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ ; ثُمَّ يَقِفُ عِنْدَ وَجْهِهِ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ، وَيُصَلِّي عَلَيْهِ مَا شَاءَ.
وَيَتَحَوَّلُ قَدْرَ ذِرَاعٍ حَتَّى يُحَاذِيَ رَأْسَ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه وَيَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ فِي الْغَارِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَفِيقَهُ فِي الْأَسْفَارِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِينَهُ عَلَى الْأَسْرَارِ، جَزَاكَ اللَّهُ عَنَّا أَفْضَلَ مَا جَازَى إِمَامًا عَنْ أُمَّةِ نَبِيِّهِ، وَلَقَدْ خَلَفْتَهُ بِأَحْسَنِ خَلَفٍ. وَسَلَكْتَ طَرِيقَهُ وَمِنْهَاجَهُ خَيْرَ مَسْلَكٍ، وَقَاتَلْتَ أَهْلَ الرِّدَّةِ وَالْبِدَعِ، وَمَهَّدْتَ الْإِسْلَامَ، وَوَصَلْتَ الْأَرْحَامَ، وَلَمْ تَزَلْ قَائِلًا الْحَقَّ، نَاصِرًا لِأَهْلِهِ حَتَّى أَتَاكَ الْيَقِينُ، فَالسَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ; اللَّهُمَّ أَمِتْنَا عَلَى حُبِّهِ، وَلَا تُخَيِّبْ سَعْيَنَا فِي زِيَارَتِهِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
بِرَحْمَتِكَ يَا كَرِيمُ. ثُمَّ يَتَحَوَّلُ حَتَّى يُحَاذِيَ قَبْرَ عُمَرَ رضي الله عنه فَيَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُظْهِرَ الْإِسْلَامِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُكَسِّرَ الْأَصْنَامِ، جَزَاكَ اللَّهُ عَنَّا أَفْضَلَ الْجَزَاءِ، وَرَضِيَ عَمَّنِ اسْتَخْلَفَكَ، فَلَقَدْ نَصَرْتَ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ حَيًّا وَمَيِّتًا، فَكَفَلْتَ الْأَيْتَامَ، وَوَصَلْتَ الْأَرْحَامَ، وَقَوِيَ بِكَ الْإِسْلَامُ، وَكُنْتَ لِلْمُسْلِمِينَ إِمَامًا مَرْضِيًّا، وَهَادِيًا مَهْدِيًّا، جَمَعْتَ شَمْلَهُمْ، وَأَغْنَيْتَ فَقِيرَهُمْ، وَجَبَرْتَ كَسْرَهُمْ، فَالسَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.
ثُمَّ يَرْجِعُ قَدْرَ نِصْفِ ذِرَاعٍ فَيَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمَا يَا ضَجِيعَيْ رَسُولِ اللَّهِ وَرَفِيقَيْهِ وَوَزِيرَيْهِ وَمُشِيرَيْهِ وَالْمُعَاوِنَيْنِ لَهُ عَلَى الْقِيَامِ فِي الدِّينِ، وَالْقَائِمَيْنِ بَعْدَهُ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، جَزَاكُمَا اللَّهُ أَحْسَنَ جَزَاءٍ، جِئْنَاكُمَا نَتَوَسَّلُ بِكُمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ لِيَشْفَعَ لَنَا وَيَسْأَلُ رَبَّنَا أَنْ يَقْبَلَ سَعْيَنَا، وَيُحْيِيَنَا عَلَى مِلَّتِهِ، وَيُمِيتَنَا عَلَيْهَا، وَيَحْشُرَنَا فِي زُمْرَتِهِ ; ثُمَّ يَدْعُو لِنَفْسِهِ وَلِوَالِدَيْهِ وَلِمَنْ أَوْصَاهُ بِالدُّعَاءِ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ.
ثُمَّ يَقِفُ عِنْدَ رَأْسِهِ صلى الله عليه وسلم كَالْأَوَّلِ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ قُلْتَ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ} [النساء: 64] الْآيَةَ، وَقَدْ جِئْنَاكَ سَامِعِينَ قَوْلَكَ طَائِعِينَ أَمْرَكَ، مُسْتَشْفِعِينَ بِنَبِيِّكَ إِلَيْكَ، رَبَّنَا اغْفَرِ لَنَا وَلِآبَائِنَا وَلِأُمَّهَاتِنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ - الْآيَةَ {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} [البقرة: 201] الْآيَةَ {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الصافات: 180] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، وَيَزِيدُ فِي ذَلِكَ مَا شَاءَ وَيَنْقُصُ مَا شَاءَ، وَيَدْعُو بِمَا يَحْضُرُهُ مِنَ الدُّعَاءِ وَيُوَفَّقُ لَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ثُمَّ يِأْتِي أُسْطُوَانَةَ أَبِي لُبَابَةَ الَّتِي رَبَطَ نَفْسَهُ فِيهَا حَتَّى تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَهِيَ بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ، وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَيَتُوبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيَدْعُو بِمَا شَاءَ ; ثُمَّ يَأْتِي الرَّوْضَةَ وَهِيَ كَالْحَوْضِ الْمُرَبَّعِ، وَفِيهَا يُصَلِّي أَمَامَ الْمَوْضِعِ الْيَوْمَ، فَيُصَلِّي فِيهَا مَا تَيَسَّرَ لَهُ، وَيَدْعُو وَيُكْثِرُ مِنَ التَّسْبِيحِ وَالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالِاسْتِغْفَارِ ; ثُمَّ يَأْتِي الْمِنْبَرَ فَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى الرُّمَّانَةِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَضَعُ يَدَهُ عَلَيْهَا إِذَا خَطَبَ لِيَنَالَهُ بَرَكَةُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَيُصَلِّي عَلَيْهِ وَيَسْأَلُ اللَّهَ مَا شَاءَ، وَيَتَعَوَّذُ بِرَحْمَتِهِ مِنْ سَخَطِهِ وَغَضَبِهِ ; ثُمَّ يَأْتِي الْأُسْطُوَانَةَ الْحَنَّانَةَ، وَهِيَ الَّتِي فِيهَا بَقِيَّةُ الْجِذْعِ الَّذِي حَنَّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ تَرَكَهُ وَخَطَبَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَنَزَلَ صلى الله عليه وسلم فَاحْتَضَنَهُ فَسَكَنَ، وَيَجْتَهِدُ أَنْ يُحْيِيَ لَيْلَهُ مُدَّةَ مَقَامِهِ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالدُّعَاءِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ وَالْقَبْرِ وَبَيْنَهُمَا سِرًّا وَجَهْرًا; وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْرُجَ بَعْدَ زِيَارَتِهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْبَقِيعِ، فَيَأْتِيَ الْمَشَاهِدَ وَالْمَزَارَاتِ، خُصُوصًا قَبْرَ سَيِّدِ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةَ رضي الله عنه، وَيَزُورَ فِي الْبَقِيعِ قُبَّةَ الْعَبَّاسِ وَفِيهَا مَعَهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، وَزَيْنُ الْعَابِدِينَ وَابْنُهُ مُحَمَّدٌ الْبَاقِرُ وَابْنُهُ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ، وَفِيهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ، وَفِيهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَمَّتُهُ صَفِيَّةُ وَكَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
رضي الله عنهم وَيُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِ فَاطِمَةَ رضي الله عنها بِالْبَقِيعِ.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَزُورَ شُهَدَاءَ أُحُدٍ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَيَقُولَ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنَعِمَ عُقْبَى الدَّارِ، سَلَامٌ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، وَيَقْرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَسُورَةَ الْإِخْلَاصِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ مَسْجِدَ قُبَاءٍ يَوْمَ السَّبْتِ، كَذَا وَرَدَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام وَيَدْعُوَ: يَا صَرِيخَ الْمُسْتَصْرِخِينَ، يَا غِيَاثَ الْمُسْتَغِيثِينَ، يَا مُفَرِّجَ كَرْبَ الْمَكْرُوبِينَ، يَا مُجِيبَ دَعْوَةَ الْمُضْطَرِّينَ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاكْشِفْ كَرْبِي وَحُزْنِي كَمَا كَشَفْتَ عَنْ رَسُولِكَ حُزْنَهُ وَكَرْبَهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ، يَا حَنَّانُ يَا مَنَّانُ، يَا كَثِيرَ الْمَعْرُوفِ، يَا دَائِمَ الْإِحْسَانِ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
تَمَّ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنْ " الِاخْتِيَارُ لِتَعْلِيلِ الْمُخْتَارِ "
وَيَلِيهِ:
الْجُزْءُ الثَّانِي، وَأَوَّلُهُ: كِتَابُ الْبُيُوعِ