المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

لا يمنحُ أحدًا علمًا إلا بقياسٍ منطقيٍّ ينعقد في نفسه؟! حتى - الانتصار لأهل الأثر المطبوع باسم «نقض المنطق» - الكتاب

[ابن تيمية]

الفصل: لا يمنحُ أحدًا علمًا إلا بقياسٍ منطقيٍّ ينعقد في نفسه؟! حتى

لا يمنحُ أحدًا علمًا إلا بقياسٍ منطقيٍّ ينعقد في نفسه؟!

حتى يزعم هؤلاء أن الأنبياء كانوا كذلك، بل صعَدوا إلى ربِّ العالمين، وزعموا أن علمَه بأمور خلقه إنما هو بواسطة القياس المنطقي! وليس معهم بهذا النفي الذي لم يحيطوا بعلمه مِن حجَّةٍ إلا عدمُ العلم، فيدَّعون العلم وقد تكلَّموا بهذه القضية الكلية السَّالبة التي تعمُّ ما لا يحصي عددَه إلا الله بلا علمٍ لهم بها أصلًا.

ويزيدُ هذا بيانًا:

‌الوجه الخامس:

وهو أن المبادئ المذكورة التي جعلوها مفيدةً لليقين، وهي الحِسِّيات الباطنة والظاهرة، والبديهيات، والتجريبيات، والحَدْسيات، لا ريب أنها تفيدُ اليقين، لكنْ

(1)

مِن أين لهم أن اليقين لا يحصلُ بغيرها؟ لا بدَّ من دليلٍ على النفي حتى يصحَّ قولهم: لا يحصلُ اليقينُ بدونها.

فهذا صحيح، لكنه ليس هو قول رؤوسهم

(2)

.

ولا ريب أن من له عقلٌ وإيمانٌ يجبُ أن يخالفهم في تكذيبهم بالحقِّ الخارج عن هذا الطريق.

ومِن هذا الموضع صار منافقًا وتزندقَ من نافقَ منهم، وصار عند عقلاء الناس من أهل المِلَل

(3)

وغيرهم أن المنطقَ مظنةُ التكذيب بالحقِّ والعناد والزَّندقة والنفاق، حتى حكى لنا بعض الناس: أن شخصًا من الأعاجم جاء

(1)

. مشتبهة في الأصل، وفي (ط):«الحسنى» . (ف): «الحسي» . وهو تحريف.

(2)

. كذا وقعت هذه الجملة في الأصل، وكأن قبلها سقطًا.

(3)

. الأصل: «الملك» . والمثبت من (ط) ، وهو الصواب.

ص: 340

ليقرأ على بعض شيوخهم منطقًا، فقرأ منه قطعة، ثم قال: خواجَا

(1)

، أين بابُ ترك الصلاة؟ فضحكوا منه.

وهذا موجودٌ بالاستقراء، من حسَّن الظنَّ بالمنطق وأهله إن لم يكن له مادةٌ من دينٍ وعقلٍ يستفيدُ بها الحقَّ الذي ينتفعُ به وإلا أفسدوا عقلَه ودينَه. ولهذا يوجدُ فيهم من الكفر والنفاق والجهل والضلال وفساد الأقوال والأعمال ما هو ظاهرٌ لكل ناظرٍ من الرجال.

ولهذا كان أولُ من خَلَطه بأصول الفقه ونحوه من العلوم الإسلامية كثيرَ الاضطراب

(2)

، فإنه كان كثيرٌ من فضلاء المسلمين وعلمائهم يقولون: المنطقُ كالحساب ونحوه مما لا يُعْلَمُ به صحةُ الإسلام ولا فسادُه ولا ثبوتُه ولا انتفاؤه.

فهذا كلامُ من رأى ظاهرَه وما فيه من الكلام على الأمور المفردة لفظًا ومعنًى، ثم على تأليف المفردات وهو القضايا ونقيضها وعكسها المستوي وعكس النقيض، ثم على تأليفها بالحدِّ والقياس، وعلى مواد القياس.

وإلا فالتحقيقُ أنه مشتملٌ على أمورٍ فاسدة، ودعاوى باطلةٍ كثيرة، لا يتسعُ هذا الموضعُ لاستقصائها. والله أعلم، والحمد لله رب العالمين.

(1)

. الخواجا والخواجه لفظ فارسيٌّ يطلق على الكاتب، والتاجر، وأمين السِّر، ويطلق على المعلِّم والأستاذ والشيخ وهو المراد هنا. انظر:«تكملة المعاجم» (4/ 227، 9/ 15) ، و «معجم تيمور الكبير» (3/ 210).

(2)

. ذهب البلى بأطراف الورقة فلم تظهر بعض حروف الكلمة وأخريات غيرها، وأثبتها من (ط) ، وهي ظاهرة من السياق.

ص: 341