الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بمجرَّده شيءٌ من العلوم الكلية الثابتة في الخارج.
فبطل قولهم: إنه ميزانُ العلوم الكلية البرهانية.
ولكن يُعْلَمُ به أمورٌ معيَّنةٌ شخصيةٌ جزئية، وتلك تُعْلَمُ بغيره أجودَ مما تعلم به. وهذا هو:
الوجه الثاني
، فنقول: أما الأمورُ الموجودةُ المحقَّقة فتُعْلَمُ بالحِسِّ الباطن والظاهر، وتُعْلَمُ بالقياس التمثيلي، وتُعْلَمُ بالقياس الذي ليس فيه قضيةٌ كليةٌ ولا شمولٌ ولا عموم، بل تكونُ الحدودُ الثلاثةُ فيه الأصغر والأوسط والأكبر أعيانًا جزئية، والمقدمتان والنتيجة قضايا جزئية.
وعِلمُ هذه الأمور المعيَّنة بهذه الطرق أصحُّ وأوضحُ وأكمل؛ فإن من رأى بعينه زيدًا في مكانٍ وعَمرًا في مكانٍ آخر استغنى عن أن يستدلَّ على ذلك بكون الجسم الواحد لا يكونُ في مكانين. وكذلك مَن وزنَ دراهمَ كلٌّ منها ألف درهم استغنى عن أن يستدلَّ على أن كلًّا منها ألف درهم
(1)
بأنها
(2)
مساويةٌ للصَّنْجة
(3)
، وهي شيءٌ واحد، والأشياء المساويةُ لشيءٍ واحدٍ متساوية. وأمثالُ ذلك كثير.
ولهذا يسمَّى هؤلاء «أهل كلام» ، أي لم يفيدوا علمًا لم يكن معروفًا، وإنما أتوا بزيادة كلامٍ قد لا يفيد، وهو ما ضربوه من القياس لإيضاح ما عُلِمَ بالحس، وإن كان هذا القياسُ وأمثاله يُنْتَفَعُ به في موضعٍ آخر، ومع من ينكرُ الحسَّ، كما سنذكره إن شاء الله.
(1)
. الأصل: «على كل منها ألف درهم» . (ط): «على ألف درهم منها» . والمثبت أقوم.
(2)
. الأصل: «فانها» . والصواب المثبت.
(3)
. صنجة الميزان: ما يوزنُ به.
وكذلك إذا علم الإنسانُ أن هذا الدينار مثل هذا، وهذا الدرهم مثل هذا، وأن هذه الحنطة والشعير مثل هذا، ثم علم شيئًا من صفات أحدهما وأحكامه، إما الطبيعية مثل الاغتذاء والانتفاع، وإما العادية مثل القيمة والسعر، وإما الشرعية مثل الحِلِّ والحُرْمة= عَلِمَ أن حكمَ الآخر مثلُه.
فأقيسةُ التمثيل تفيدُ اليقينَ بلا ريبٍ أعظمَ من أقيسة الشمول، ولا يحتاج مع العلم بالتماثل إلى أن يضربَ لهما قياسَ شمول، بل يكونُ من زيادة الفضول. وبهذا الطريق عُرِفَت القضايا الجزئيةُ بقياس التمثيل.
ومن قال: إن ذلك بواسطة قياس شمولٍ ينعقدُ في النفس، وهو أن هذا لو كان اتفاقيًّا لما كان أكثريًّا، فقد قال الباطل؛ فإن الناس العالمين بما جرَّبوه لا يخطُر بقلوبهم هذا، ولكن بمجرَّد علمهم بالتماثل يبادرون إلى التسوية في الحكم؛ لأن نفسَ العلم بالتماثل يوجبُ ذلك بالبديهة العقلية، فكما عُلِمَ بالبديهة العقلية أن الواحد نصفُ الاثنين عُلِمَ بها أن حكمَ الشيء حكمُ مثله، وأن الواحد مثل الواحد، كما عُلِمَ أن الأشياء المساوية لشيءٍ واحد متساوية. فالتماثلُ والاختلاف في الصِّفة أو القَدْر قد يُعْلَمُ بالإحساس الباطن والظاهر، والعلمُ بأن المِثْلين سواءٌ وأن الأكثر والأكبر أعظمُ وأرجحُ يُعْلَمُ ببديهة العقل.
وكذلك القياسُ المؤلفُ من قضايا معيَّنة، مثل العلم بأن زيدًا أخو عمرو، وعمرو أخو بكر، فزيد أخو بكر
(1)
.
ومثلُ العلم بأن أبا بكرٍ أفضلُ من عمر، وعمرُ أفضلُ من عثمان وعلي،
(1)
. الأصل: «زيدا أخو عمرو وأخو عمرو بكر فزيد أبو بكر» . وهو تخليط. والمثبت من (ف) أظهر وأدنى إلى الصواب.