الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الانتصار لحزب الله الموحدين والرد على المجادل عن المشركين
تأليف: عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد العزيز أبابطين
تحقيق: الوليد بن عبد الرحمن الفريان
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
واكب النضال المسلح في الجزيرة العربية إبان تطهيرها من فلول الهمجية – العثمانيون والمنتفعون بوجودهم من شذاذ الآفاق ومرتزقة البوادي (1) - في العقد الرابع من القرن الثالث عشر، كفاح فكري متحفز قاده علماء البلاد وأشبال الدعوة السلفية الحرة.
بعد أن عمل الغزاة على تلويث عقول الجهلة والعوام، واستماتوا في دفعهم عن المنهج الأصولي بكل ما يملكون من فنون المكر والدجل والتضليل.
آملين أن يخمدوا جذوة التحرر، أو يفلحوا في تحجيم دور الدين الإسلامي وكبته وإلباس الناس ثوب العلمانية الكافر.
واتخذوا من نشر البدع والإغراق في الشعوذة والتخريف الصوفي، سبيلا لذلك. لكنها لم تجد في قلوب العقلاء متسعا، ولا في عقولهم تصديقا أو قبولا، فارتدوا على أعقابهم أوفر الخلق خيبة وخسارة.
واستطاع الإمام تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود (ت1249) أن يأخذ بزمام المبادرة، بفضل الله ثم بفضل إيمانه العميق وحنكته وشجاعته، وصبره، وبفضل الرجال الأبرار المخلصين لله ثم للدين والوطن من أبناء نجد الشامخة الأبية.
(1) ينظر مقدمة " الدلائل في حكم موالاة أهل الشرك" للشيخ سليمان بن عبد الله.
وتمكن في سنوات قليلة من طرد المعتدي الآثم مجللا بالخزي والعار، وأن يوحد الجزيرة العربية في نظام سياسي متميز تحكمه شريعة الله وتسوده روح الوئام.
وكان للعلماء من أبناء الدعوة الدور البارز في بناء صرح الدولة، وإرساء نظامها والذود عن مكتسباتها، منذ انطلاق شرارة التوحيد والإصلاح (1) .
في تلاحم فريد: شعاره الحب في الله، ودثاره الاحترام المتبادل والسعي الحثيث في إعلاء كلمة الله، ونشر الأمن وتخليص عقول الناس وأبدانهم من رق عبودية الخلق إلى عبودية الخالق وحده لا شريك له.
فأعادوا للإسلام هيبته التي خلفت لمعانها وافتقدت في الكثير من بقاع العالم، وأخذوا يشقون طريقهم بين الأمم في قوة وعنفوان، ففرح المسلمون بهم وتجدد بهم الأمل الذي طالما كان حلما بعيد المنال.
وهذه المنظومة الرائعة التي رافقت الدعوة منذ بزوغ نجمها المتألق، ومنذ ميثاق الدرعية الذي بني على أساس من نظرة الإسلام الشمولية للسياسية بنوعيها الداخلي والخارجي.
والمستمد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسيرة الصحابة والتابعين وخلفاء الإسلام.
كانت هي السياج المنيع، والدرع الذي تحطم عليه الطغيان والظلم والاستبداد ، وانهارت أمامه المطامع الشخصية وشهوة التفرد.
واستمر موكب الدعوة والدولة تحوطه المحبة وتظلله الرحمة وتسيره المبادئ
(1) حفظ لنا التاريخ صورة نادرة، دارت أحداثها بين كل من العالم المجاهد عبد الرحمن بن حسن والإمام تركي بن عبد الله، يرويها الشيخ المعمر عبد العزيز بن مرشد عن أستاذه العلامة عبد الله بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن. وملخصها: أنه بعد أن استطاع الشيخ عبد الرحمن الإفلات من المنفى بمصر، قصد مكة ثم انصرف إلى نجد مع حجاج القصيم، واستقر بها. ولما علم الإمام تركي بعودته بعث إليه يطلب منه القدوم إلى الرياض، ولم يستجب لطلبه، حتى تأكد من أنه ما قام إلا من أجل إقامة شرح الله وإحياء دينه، وحماية الدعوة المهيضة فوضع يده في يد الإمام تركي، واستمرت كتائب التوحيد تحمل الحب والطموح.
ويقوده العدل والإنصاف، دون أن يسمح لواش أو كاذب مفتون أن يتسلل إلى صفائه ليعكره، أو طريقه ليعطله ويصرفه عن وجهته التي يحبها الله ورسوله وأهل الإيمان والفضيلة والغيرة والشرف.
والتأريخ أعظم شاهد على أهمية وحساسية هذه العلاقة الحميمة.
فحسبك أن تنظر إلى ما حدث هنا وهناك على امتداد الأدوار التاريخية المتعاقبة وسوف تجد مصداق ذلك ظاهر كرابعة النهار.
موضوع الكتاب:
هذا السفر حلقة من حلقات الجهاد العبق، وصفحة من صفحاته، اضطلع به رجال الدعوة وأبلوا فيه بلاءا حسنا منذ أن تعرضوا لأول كيد ووصلت إليهم طليعة الانحراف والتحجر. فقيضهم الله منافحين محتسبين حتى ردوا كيدهم وكشفوا عوار أقوالهم، وفضحوا مؤامراتهم.
وهكذا تسلسلت حلقات الحب والصدق والدعوة؛ لتستمر مسيرة الخير تنير للناس الطريق وتهديهم إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
والشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين، واجه كغيره من علماء تلك الفترة الحرجة، بعض الوجوه الكالحة التي استمرأت البدعة، وعشعش الانحراف في قلوبهم وعقولهم، فأصبحوا أسارى التخلف والتبعية.
فقام رحمه الله بواجبه، وأدى حق العلم الذي أئتمن عليه هو وإخوانه من أهل العلم والإيمان.
وهذا الكتاب الذي بين أيدينا، يحكي بصدق جانبا من جهاده.
وقد استهله بمقدمة ضافية، بين فيها الغاية من الخلق ومعنى العبودية ومقتضياتها، ومعنى كلمة التوحيد الخالدة.
وأوضح ضلال وتناقض من قال بأن كلمة لا إله إلا الله ترفع الحرج حتى وإن ارتكب الشرك وعبد غير الله.
وأشار إلى أن من كيد الشيطان للمبتدعة سلب العبادة والشرك اسمهما من قلوبهم، حتى اختلطت عليهم المفاهيم، وساعدهم على ذلك بعض المغرضين.
ثم عقد فصلا ذكر فيه بعض الشبه التي تعلقوا بها، وبين أن مرتكب الشرك الأكبر ليس معذورا لجهله؛ وإلا للزم عليه أنه ليس لله حجة على أحد إلا المعاند.
وأفاض في تأكيد هذا الأصل العظيم، وأن حجة الله قائمة على الناس بإرسال الرسل، وإن لم يفهموا حجج الله وبيناته، ففرق بين فهم الحجة وقيام الحجة وعقد فصلا آخر أبان فيه عن أهمية معرفة حدود ما أنزل الله على رسوله، لاسيما حدود ما أنزله في الأسماء.
وأن منبع الضلال: الغلط في معرفة حقيقة الشرك الأكبر. وتعرض لبعض دعاويهم فأبطلها.
ثم عقد فصلا ثالثا" وسع الحديث فيه عن الجناية المترتبة على عدم فهم حدود ما أنزل الله، وأن دعوى أن الشرك هو الصلاة والسجود لغير الله فقط، مجرد مكابرة مكشوفة.
وفي الفصل الرابع: نافح عن شيخ الإسلام، وردَّ فيه تزوير وكذب الكاذبين بأنه يرى أن المتأول والمجتهد المخطئ والمقلد مغفور لهم ما ارتكبوه من الشرك والكفر.
ونعى بمرارة ما يفعله بعض علماء زمانه من تجويز الممارسات الشركية ومباركتها، وتعجب من إنكار بعض اليهود لما يرونه عند هذه المشاهد، مع إصرار من ينتسب إلى الإسلام عليها.
وبين في أثناء هذا الفصل" أنه لا يجوز للمسلم أن يحكم بكفر أحد حتى يثبت في حقه شروط التكفير وتنتفي موانعه.
وأنحى بعد ذلك باللائمة على من سهل للمشركين ما ارتكبوه، وجادل عنهم بالباطل، وأن هذا منتهى الجهل والظلم، وعقبه بحكم الذبح لغير الله والاستغاثة به
ثم عقد فصلا خامسا: فرق فيه بين الكرامة وبين الأحوال الشيطانية وهوس الصوفية.
وختم كتابه بفصل سادس توجه فيه إلى المنتسبين للعلم، بأن عليهم أن يتجردوا عن الجهل والتعصب، ويكون مرجعهم كتاب الله وسنة رسوله، دون العوائد استحسانات الناس، ولا يستوحشوا من قلة السالكين، فإن أهل الحق هم القلة دائما.
أهمية الكتاب:
يأتي هذا البحث ليعالج أعمق القضايا المتعلقة بتوحيد الألوهية، الذي هو أعظم أنواع التوحيد قاطبة وأجدرها بالعناية والاهتمام، وليفضح ما تبقى من شبه المضللين المتداعية، وهي لا تعدو أن تكون زوابع عابرة قوامها التعنت والاستكبار، ومحركها المنافع الشخصية الدنيئة ويمكن تلخيص تلك الترهات فيما يلي:
1 – أنا لسنا مكلفين بالناس والقول فيهم.
2 – من قال: لا إله إلا الله، ما نقول فيه شيئا وإن فعل ما فعل.
3 – قول ابن تيمية: أن المتأول والمجتهد المخطئ والمقلد، مغفور لهم ما ارتكبوه من الشرك والكفر.
4 – قصة الذي أوصى أهله أن يحرقوه بعد موته، فجهل أن فعله كفر فلم يكفر.
5 – أن طلب الأموات ليس دعاء بل هو نداء.
وأنت ترى أنها ما بين دعوة إلى العجز والتواكل، وبين سوء فهم وكذب بين.
ولكن كما قال تعالى: {وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} .
المؤلف
نسبه ومولده:
هو العلامة الحافظ الفقيه أبو عبد الرحمن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد العزيز أبا بطين العائذي القحطاني، من جذم عبدة المشهور. ولد في بلدة الروضة القريبة من المجمعة حاضرة أقليم سدير الواقع في منطقة نجد سنة 1194، أي قبل وفاة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب باثنتي عشرة سنة.
أسرته:
نشأ في أحضان أسرة صالحة محافظة، وجهته منذ نعومته وطراوة عوده إلى طلب العلم وتحصيله وملازمة العلماء، حتى أدرك علما واسعا وهو بعدُ في ريعان الشباب، وساعده على ذلك قوة الذهن وسرعة الفهم والفطرة النقية.
شيوخه:
قرأ على العديد من علماء عصره ومن أبرزهم:
1 – الإمام الحافظ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب (ت1242) .
2 – العلامة الورع عبد العزيز بن عبد الله الحصين (ت1237) .
3 – الإمام الكبير حمد بن ناصر بن معمر (ت1225) .
أعماله:
ولي القضاء في عهد سعود بن عبد العزيز بن محمد (ت1229) ثم نقله عبد الله بن سعود (ت1234) قاضيا على عمان.
وفي عهد الإمام تركي ولاه قضاء الوشم، ثم جمع له معه قضاء سدير،
وفي عام 1248هـ انتقل إلى قضاء القصيم، حتى استقال من القضاء سنة 1270.
تلاميذه:
لم تشغله أعماله الوظيفية عن التعليم والدعوة، وهذا هو شأن العلماء حيثما حلوا وأينما سارت بهم الركاب. يبذرون في كل بلد وطئته أقدامهم طلابا يحملون العلم ويبلغونه لمن بعدهم. ومن تلاميذه:
1 – صالح بن عيسى.
2 – عبد الرحمن بن عبد الله بن أبا بطين، ابن المؤلف.
3 – محمد بن عبد الله بن حميد.
4 – عثمان بن بشر صاحب التأريخ المشهور.
أخلاقه وسجاياه:
كان رحمه الله زاهدا ورعا مكبا على العلم، معرضا عما سوى ذلك، وقورا دائم الصمت، باذلا نفسه للعلم والعلماء دون ملل أو تضجر، كريما سخيا قويا في الحق.
وفاته وأبناؤه:
استمر رحمه الله طوال حياته داعيا ناصحا ملتزما، إلى أن توفي سنة 1282 فانطوت بوفاته صفحة تنضح بالصلاح والتقوى والكرم.
وخلف من الأبناء الشيخ عبد الرحمن وعبد العزيز، ولكليهما عقب.
آثاره العلمية:
شارك في الكثير من العلوم وألف فيها، ومن آثاره:
1 – مختصر البدائع (1) .
(1) له نسخة بخط المؤلف عند آل مانع كما ذكر ابن بسام 2/574.
2 – حاشية على شرح المتهى في الفقه.
3 – تأسيس التقديس (1)
4 – الانتصار وهو كتابنا هذا.
5 – رسالة في التجويد.
6 – فتاوى وتحريرات نشر أكثرها (2) .
النسخ:
تجمع لدي عند الشروع في التحقيق ثلاث نسخ، وهي كما يلي:
الأولى: نسخة خطية تقع في نحو تسع عشرة ورقة ومسطرتها 25 سطرا محفوظة في مكتبة الرياض السعودية بدون رقم.
فرغ من كتابتها عبد الله بن فارس بن ناصر بن فارس بن إبراهيم آل سميح سنة 1278يوم الأربعاء من شهر شوال، وعلق على طرتها ما نصه: مال زيد بن محمد آل سليمان. وهي نسخة تامة مصححة ومقابلة ومكتوبة في حياة المؤلف ولذلك جعلتها أصلا.
الثانية: وتقع في نحو إحدى وعشرين ورقة ومسطرتها 25 سطرا، مكتوبة بقلم نسخي جيد مشكول أحيانا، ليس عليها اسم الناسخ ولا تاريخ النسخ. ويبدوا أنها كانت ضمن مجموعة إذ أن الورقة الأولى تبدأ برقم 78، وقد أمدني الأخ الكريم الشيخ عبد السلام العبد الكريم بمصورتها ورمزت لها بحرف (ع) .
(1) مطبوع سنة 1344 ورأيت له نسخة خطية جيدة في مكتبة الرياض السعودية رقم 411/86 في نحو سبع وثمانين ورقة بعنوان: كشف تلبيس داود بن جرجيس الكذاب الأفاك الداعي إلى الإشراك ببارئ كل محسوس!.
(2)
ينظر في مصادر ترجمته" الدرر السنية" 12/75 و"مشاهير علماء نجد"176 و"علماء نجد خلال ستة قرون" 2/567.
الثالثة: مطبوعة نشرتها دار العربية للطباعة ببيروت، بعناية الشيخ عبد الملك بن إبراهيم، عن نسخة كتبها محمد بن عبد العزيز بن محمد سنة 1305 يوم السبت 24 من ذي الحجة كما هو مدون في آخر الرسالة. وفيها نقص وتحريف ورمزت لها بحرف (ط) .
العنوان:
سجل على طرة الأصل وغلاف المطبوعة: كتاب الانتصار لحزب الله الموحدين والرد على المجادل عن المشركين.
وفي نسخة (ع) : كتاب الانتصار لحزب الله الموحدين والرد على من يجادل عن المشركين. وهو فرق طفيف لا يكاد يسترعي الانتباه.
ويذكر ابن بشر في عنوان المجد (القسم المخطوط) أن الذي سماه بذلك هو بعض طلبته (1) . لا المؤلف رحمه الله، وليس هذا ببعيد؛ فلم يكن علماء الدعوة ممن كانوا في عصره يهتمون كثيرا بوضع الأسماء لكتبهم.
التوثيق:
نص ابن بشر في عنوان المجد (القسم المخطوط) أن الشيخ عبد الله ألف كتاب الانتصار من أجل أن يكشف عن فساد الشبهة التي أثارها تلميذه داود بن جرجيس البغدادي (ت1299) ولبس بها على الناس.
ثم ألف كتابه الكبير تأسيس التقديس فتتبع فيه دعاويه وفندها وآهال عليها التراب (2) .
وذكره العلامة ابن قاسم في الدرر السنية (3) .
(1)"علماء نجد خلال ستة قرون" 2/569.
(2)
ينظر المرجع السابق.
(3)
"الدرر السنية" 12/26.
منهج التحقيق:
اعتمدت نسخة مكتبة الرياض السعودية أصلا؛ لجودتها وقدمها وعارضت النسختين الأخريين بها، وأثبت ما بينها من فروق.
ولم أتصرف في النص إلا بحسب ما تمليه الضرورة من تعديل أو إضافة، مع الإشارة إلى ذلك في موضعه.
وقمت بعزو الآيات وتخريج الأحاديث والآثار، ورد النصوص إلى مصادرها ما استطعت إلى ذلك سبيلا، كما فسرت ما ظننته غامضا وترجمت لغير المشهورين.
أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يحفظ علينا ديننا ويجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.
والحمد لله حمدا كثيرا كما يحب ربنا ويرضى.
كتبه
الوليد بن عبد الرحمن آل فريان
الرياض – 27/4/1409هـ