المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل (الفرق بين الشرك الأكبر والبدع) - الانتصار لحزب الله الموحدين والرد على المجادل عن المشركين

[عبد الله أبا بطين]

الفصل: ‌فصل (الفرق بين الشرك الأكبر والبدع)

‌فصل (الفرق بين الشرك الأكبر والبدع)

فصل

وقد ذكرنا أن الشيخ تقي الدين: إنما قال: ترجى المغفرة لمن فعل بعض (1) البدع مجتهدا أو جاهلا.

لم يقل ذلك فيمن ارتكب الشرك الأكبر والكفر الظاهر.

بل قد قال رحمه الله تعالى: إن الشرك لا يغفر وإن كان أصغر. وقد قدمنا بعض كلامه في ذلك.

ونذكر هنا ما (2) اطلعنا عليه من كلامه، وكلام غيره من العلماء.

قال رحمه الله تعالى في شرح العمدة (3) - لما تكلم في كفر تارك الصلاة قال-: وفي الحقيقة فكل رد لخبر الله أو أمره: فهو كفر دق أو جل، لكن قد يعفى عما (4) خفيت فيه طرق العلم، وكان أمرا يسيرا في الفروع. بخلاف ما ظهر أمره، وكان من دعائم الدين من الأخبار والأوامر /.

وقال رحمه الله – في أثناء كلام له في ذم أصحاب الكلام-: والرازي (5) من أعظم الناس في باب الحيرة، لكن هو مسرف فيه، له نهمة في التشكيك. والشك في الباطل خير من الثبات على اعتقاده.

(1)(ع) : بعض. ساقطة.

(2)

(ع)(ط) : بعض ما.

(3)

"عمدة الفقه" لابن قدامة المقدسي، شرحه ابن تيمية شرحا نفيسا يوجد منه الجزء الرابع المتعلق بالمناسك محفوظا بمكتبة الرياض السعودية وقد حققت هذه القطعة في رسالة دكتوراه تقدم بها إلى كلية الشريعة بالرياض.

(4)

علق في هامش (ع) : لعله: عما قد.

(5)

أبو عبد الله فخر الدين محمد بن عمر بن الحسن التيمي، فيلسوف أشعري، كتب في علمي الأصول والفقه ت606 "وفيات الأعيان" 3/381.

ص: 57

لكن قل أن يثبت أحد على باطل محض، بل لابد فيه من نوع من الحق، وتوجد الردة منهم كثيرا كالنفاق.

وهذا إذا كان في المقالات الخفية، فقد يقال: لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها، لكن يقع ذلك في طوائف منهم في أمور يعلم العامة والخاصة، بل اليهود والنصارى يعلمون أن محمدا صلى الله عليه وسلم بُعث بها وكفَّر من خالفها: مثل عبادة الله وحده لا شريك له، ونهيه عن عبادة غيره. فإن هذا أظهر شرائع الإسلام.

ومثل أمره بالصلوات الخمس، وتعظيم شأنها. ومثل معاداة المشركين، وأهل الكتاب. ومثل تحريم الفواحش والربا والميسر، ونحو ذلك.

إلى أن قال: وصنف الرازي كتابه في عبادة الأصنام والكواكب (1) ، وأقام الأدلة على حسنه، ورغَّب فيه.

وهذه ردة عن الإسلام إجماعا. انتهى (2) .

فقوله رحمه الله: بل اليهود والنصارى يعلمون ذلك. هو كما قال؛ فقد سمعنا عن (3) غير واحد من اليهود: أنهم يعيبون على المسلمين ما يفعل عند هذه المشاهد. يقولون: إن كان نبيكم أمركم بهذا فليس بنبي، وإن كان نهاكم عنه فقد عصيتموه.

فيا سبحان الله: ما أعجب هذا!! اليهود ينكرون هذه الأمور الشركية ويقولون: ما (4) يأتي بها نبي. وكثير من علماء هذا الزمان يجوِّزون ذلك،

(1)"السر المكتوم في دعوة الكواكب والنجوم والسحر والطلاسم والعزائم" ينظر "درء تعارض العقل والنقل"1/111، 311 و"مجموع الفتاوى"13/180.

(2)

ينظر "درء التعارض"1/111 ،311.

(3)

(ط) : من.

(4)

(ط) :لا.

ص: 58

ويوردون الشبه الباطلة عليه (1) ، وينكرون على من أنكر (2) .

وانظر قول الشيخ: لكن قد يعفى عما قد خفيت فيه طرق العلم، وكان أمرا يسيرا في الفروع.

وقوله أيضا: وهذا [إذا كان](3) في المقالات الخفية، فقد يقال: لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها.

وقال الشيخ رحمه الله في الرسالة السنية- لما ذكر حديث الخوارج-: فإذا كان في زمن رسول الله (4) صلى الله عليه وسلم وخلفائه من قد مرق من الدين مع عبادته العظيمة، فليعلم أن المنتسب إلى الإسلام في هذا الزمان قد يمرق أيضا؛ وذلك بأمور: منها الغلو الذي ذمه الله تعالى: كالغلو في بعض المشايخ، مثل الشيخ (5) عدي، بل الغلو في علي بن أبي طالب، بل الغلو في المسيح.

فكل من غلا في نبي أو رجل صالح، وجعل فيه نوعا من الإلهية: مثل أن يدعوه /من دون الله، بأن يقول: يا سيدي فلان اغثني، أو اجبرني أو توكلت عليك، أو أنا في حسبك. فكل هذا شرك وضلال، يستتاب صاحبه فإن تاب وإلا قتل.

فإن الله أرسل الرسل، وأنزل الكتب؛ ليعبد وحده ولا يجعل معه إله آخر.

(1) علق في هامش الأصل على هذا ما نصه: كما قال بعضهم- وأظنه أبو الخطاب- شبه تهافت كالزجاج تخالها وكل كاسر مكسور.

(2)

(ع)(ط) : أنكره. وانظر ما نقله شيخ الإسلام عن نصارى زمانه: من احتجاجهم على عقيدة التثليث الوثنية بما يفعله بعض جهلة المسلمين وضلالهم " الفتاوى" 1/370، 4/519.

(3)

الإضافة من هامش (ع) وكتب بجواره كلمة صح.

(4)

(ع)(ط) : النبي.

(5)

(ع)(ط) : كالشيخ.

ص: 59

والذين يجعلون مع الله آلهة أخرى: مثل الملائكة، والمسيح (1) وعزير، والصالحين أو قبورهم. لم يكونوا يعتقدون أنها تخلق وترزق، وإنما كانوا يدعونهم، يقولون: هؤلاء شفعاؤنا عند الله.

فبعث الله الرسل تنهى أن يدعا أحد من دونه: لا دعاء عبادة ولا دعاء استعانة (2) .

وقال أيضا رحمه الله وقد سئل عن رجلين تنازعا، فقال أحدهما: لابد لنا من واسطة بيننا وبين الله؛ فإنا لا نقدر أن نصل إليه إلا بذلك، فأجاب الشيخ رحمه الله بقوله-: إن أراد بذلك (3) أنه لابد لنا من واسطة تبلغنا أمر الله، فهذا حق؛ فإن الخلق لا يعلمون ما يحبه الله ويرضاه، وما يأمر (4) به وينهى عنه، إلا بواسطة الرسل الذين أرسلهم الله إلى عباده.

وهذا مما (5) أجمع عليه أهل الملل: من المسلمين، واليهود، والنصارى؛ فإنهم يثبتون الوسائط بين الله وبين عباده: وهم الرسل الذين بلغوا عن الله أوامره ونواهيه، قال تعالى:{اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} (6) ومن أنكر هذه الوسائط، فهو كافر بإجماع أهل الملل.

وإن أراد (7) بالواسطة: أنه لابد من واسطة يتخذها العباد بينهم وبين الله، في جلب المنافع ودفع المضار- مثل أن يكونوا واسطة في رزق العباد ونصرهم وهداهم- يسألونه (8) بذلك (9) ويرجعون إليه فيه.

(1)(ع) : مثل المسيح والملائكة.

(2)

ينظر "مجموع فتاوى ابن تيمية"11/499-502.

(3)

(ط) : بذلك. ساقطة.

(4)

(ط) : ويأمر.

(5)

(ط) : ما.

(6)

سورة الحج آية 75.

(7)

(ط) : أرادوا.

(8)

(ط) : يسألون.

(9)

(ع)(ط) : ذلك.

ص: 60

فهذا من أعظم الشرك الذي كفَّر الله به المشركين، حيث اتخذوا من دون الله (1) أولياء وشفعاء: يجتلبون بهم المنافع، ويدفعون (2) بهم المضار.

إلى أن قال: من جعل الأنبياء والملائكة وسائط، يدعوهم ويتوكل عليهم ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار، مثل أن يسألهم غفران الذنوب وهداية القلوب وتفريج الكربات (3) وسد الفاقات، فهو كافر بإجماع المسلمين.

إلى أن قال: فمن أثبت وسائط بين الله وبين خلقه- كالحُجَّاب الذين بين الملك وبين رعيته- (4) / بحيث يكونون هم يرفعون إلى الله حوائج خلقه.

وأن الله إنما يهدي عباده وينصرهم ويرزقهم، بتوسطهم: بمعنى أن الخلق يسألونهم وهم يسألون الله، كما أن الوسائط عند الملوك يسألون الملوك حوائج الناس؛ لقربهم منهم، والناس يسألونهم: أدبا منهم أن يباشروا سؤال الملك، أو لأن طلبهم من الوسائل (5) أنفع لهم من طلبهم من الملك؛ لكونهم أقرب إلى الملك من الطالب.

فمن أثبتهم وسائط على هذا الوجه: فهو كافر مشرك، يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل.

وهؤلاء مشبهون، شبهوا الخالق بالمخلوق، وجعلوا لله أندادا. وفي القرآن من الرد على هؤلاء: ما لا تتسع له هذه الفتوى (6) .

(1)(ع) : دونه.

(2)

(ع) : ويستدفعون.

(3)

(ع) : الكروب.

(4)

(ع)(ط) : وبين رعيته.

(5)

(ع) : الوسائط.

(6)

ينظر الواسطة بين الخلق والحق "مجموع فتاوى ابن تيمية" 1/121-126.

ص: 61

فإن هذا دين المشركين عباد الأوثان، كانوا يقولون: إنها تماثيل الأنبياء والصالحين، وأنها وسائل يتقربون بها إلى الله، وهو من الشرك الذي أنكره الله على النصارى حيث قال:{اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} (1) الآية. انتهى (2) .

فقد جزم رحمه الله في مواضع كثيرة: بكفر من فعل ما ذكره من أنواع الشرك، (وحكى إجماع المسلمين على ذلك)(3)، ولم يستثن الجاهل ونحوه. وقال تعالى:{إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} (4) .

وقال عن المسيح إنه قال: ( {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} (5) .

فمن خص ذلك الوعيد) (6) بالمعاند فقط، وأخرج الجاهل والمتأول والمقلد: فقد شاقَّ الله ورسوله، وخرج عن سبيل المؤمنين.

والفقهاء يصدِّرون باب حكم المرتد: بمن أشرك بالله. ولم يقيِّدوا ذلك بالمعاند.

وهذا أمر واضح ولله الحمد.

وقد قال (7) الله تعالى: {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} (8) .

وقال الشيخ أيضا: وهذه الأمور المبتدعة عند القبور أنواع: أبعدها عن الشرع (9) : أن يسأل الميت حاجة ، كما يفعله كثير من الناس.

(1) سورة التوبة آية 31.

(2)

الواسطة بين الخلق والحق "مجموع فتاوى ابن تيمية " 1/135.

(3)

ما بينهما معلق في هامش (ع) وبجواره كلمة صح.

(4)

سورة النساء آية 48 وآية 116.

(5)

سورة المائدة آية 72.

(6)

ما بينهما معلق في هامش الأصل وبجواره كلمة صح.

(7)

(ط) :وقال.

(8)

سورة النساء آية 165.

(9)

(ط) : الشرائع.

ص: 62

وهؤلاء من جنس عُبَّاد الأصنام؛ ولهذا قد (1) يتمثل لهم الشيطان في صورة الميت والغائب، كما يتمثل لعباد الأصنام.

ومن تقريره رحمه الله في هذا الأصل: ما ذكره في اقتضاء الصراط المستقيم، حيث قال: إن الدعاء المتضمن شركا: كدعاء غيره (2) أن يفعل، أو دعائه أن يدعو، ونحو ذلك: لا يُحصِّل (3) غرض صاحبه، ولا يورث حصول الغرض شبهة إلا في الأمور/ الحقيرة، وأما الأمور العظيمة: كإنزال الغيث عند القحوط (4) ، وكشف العذاب النازل. فلا ينفع فيه هذا الشرك، قال تعالى:{قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ} (5) .

وقال: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (6) . وقال: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَاّ إِيَّاهُ} . وقال: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} (7) الآيات.

فكون هذه المطالب العظيمة لا يستجيب فيها إلا هو سبحانه: دل على توحيده، وقطع شبهة من أشرك به، وعُلم بذلك أن ما دون هذا أيضا من الإجابات، إنما فعلها هو سبحانه وحده لا شريك له، وإن كانت تجري بأسباب محرمة أو مباحة؛ كما أن خلقه السموات والأرض والسحاب والرياح، وغير ذلك من الأجسام العظيمة: دال على

(1)(ط) :قد. ساقطة.

(2)

(ع)(ط) : غير الله.

(3)

(ط) : ليحصل.

(4)

(ع)(ط) : القحط.

(5)

سورة الأنعام الآيتان 40، 41.

(6)

سورة العنكبوت آية 65.

(7)

سورة النمل آية 62.

ص: 63

وحدانيته، وأنه خالق كل شيء، وأن ما دون هذا بأن يكون خلقا له أولى؛ إذ هو منفعل عن مخلوقاته العظيمة، فخالق السبب التام، خالق للمسبب لا محالة.

وجماع ذلك: بأن (1) الشرك نوعان:

شرك في ربوبيته: بأن يجعل معه لغيره (2) تدبير (3) ما، كما قال تعالى:{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ} (4) .

فبين (5) أنهم لا يملكون ذرة استقلالا، ولا يشركونه في شيء من ذلك، ولا يعينونه على ملكه. فمن لم (6) يكن مالكا ولا شريكا ولا عونا، فقد انقطعت علاقته.

وشرك في الألوهية: بأن يدعا غيره: دعاء عبادة، أو دعاء مسألة. كما قال تعالى:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (7) فكما أن إثبات المخلوقات أسبابا: لا يقدح في توحيد الربوبية، ولا يمنع أن يكون الله خالق كل شيء، ولا يوجب (8) (أن يدعا المخلوق دعاء عبادة أو دعاء استعانة.

كذلك إثبات بعض الأفعال المحرمة من شرك أو غيره، أسبابا: لا يقدح في توحيد الألوهية، ولا تمنع) (8)(9) أن يكون الله هو الذي يستحق

(1)(ع)(ط) :أن.

(2)

(ع)(ط) : لغيره معه.

(3)

الأصل: تدبيرا.

(4)

سورة سبأ آية 22.

(5)

(ع)(ط) : فتبين.

(6)

الأصل: فلم.

(7)

سورة الفاتحة آية5.

(8)

ما بينهما معلق في هامش (ع) وبجواره كلمة صح.

(9)

(ع)(ط) : الإلهية ولا يمنع.

ص: 64

الدين الخالص، ولا يوجب أن تستعمل الكلمات والأفعال التي فيها شرك إذا كان الله يسخط ذلك / ويعاقب العبد عليه، وتكون مضرة ذلك على العبد أكثر من منفعته؛ إذ قد جعل الخير كله في: أنا لا نعبد إلا إياه، ولا نستعين إلا إياه.

وعامة آيات القرآن تثبت هذا الأصل، حتى أنه سبحانه قطع اثر الشفاعة بدون إذنه.

فذكر رحمه الله آيات كثيرة في هذا المعنى. ثم قال: والقرآن عامته إنما هو في تقرير هذا الأصل العظيم، الذي هو أصل الأصول (1) .

وقال رحمه الله في موضع آخر (2) : ونحن نعلم بالضرورة، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع لأمته أن يدعو (3) أحدا من الأحياء والأموات، لا الأنبياء ولا غيرهم، لا بلفظ الاستغاثة ولا بلفظ الاستعانة، ولا بغيرهما. كما لم يشرع السجود لميت، ولا إلى ميت ونحو ذلك.

بل نعلم أنه نهى عن ذلك كله، وأنه من الشرك الذي حرمه الله ورسوله، لكن لغلبة الجهل ، وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين: لم يمكن تكفيرهم، حتى يبين لهم ما جاء به الرسول.

قال: ولهذا ما بينت هذه المسألة قط (4) لمن يعرف أصل دين (5) الإسلام، إلا تفطن لها، وقال: هذا أصل دين الإسلام.

وكان بعض أكابر الشيوخ العارفين من أصحابنا يقول: هذا أعظم ما بينته لنا؛ لعلمه بأن هذا أصل الدين. انتهى.

(1)"اقتضاء الصراط المستقيم"2/702-705.

(2)

(ط) : مواضع.

(3)

(ط) : تدعو.

(4)

(ط) : قط. ساقطة.

(5)

(ط) : دين. ساقطة.

ص: 65

فقوله رحمه الله: لم يمكن تكفيرهم حتى يبين لهم ما جاء به الرسول – (1)(لم يقل: حتى يتبين لهم ما جاء به الرسول)(1)(2) - أي: لم يمكن تكفيرهم بأشخاصهم وأعيانهم: بأن يقال: فلان كافر ونحوه.

بل يقال: هذا كفر، ومن فعله كفر؛ كما (3) أطلق رحمه الله الكفر على فاعل هذه الأمور ونحوها في مواضع لا تحصى، وحكى إجماع المسلمين على كفر فاعل هذه الأمور الشركية.

وصرَّح بذلك رحمه الله في مواضع، كما قال في أثناء جواب له في الطائفة القلندرية (4) .

قال بعد كلام كثير: وأصل ذلك، أن المقالة التي هي كفر في الكتاب والسنة والإجماع، يقال: هي كفر مطلقا (5) ؛ كما دل على ذلك الدليل الشرعي.

فإن الإيمان والكفر من الأحكام المتلقاة عن الله ورسوله، ليس ذلك مما يحكم الناس فيه بظنونهم، ولا يجب أن يحكم في كل شخص قال ذلك: بأنه كافر، حتى يثبت (6) في حقه شروط التكفير، وتنتفي موانعه. مثل من قال: إن الزنا أو الخمر حلال؛ لقرب عهده بالإسلام أو نشوئه ببادية بعيدة (7) .

(1) ما بينهما ساقط من (ط) .

(2)

(ع) : (ما جاء به الرسول، ومراده بقوله: لم يكن يكفرهم حتى يتبين لهم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم

) وبجواره كلمة صح.

(3)

(ط) : كما. ساقطة.

(4)

أصل هذا الصنف: أنهم كانوا قوما من نساك الفرس، يدورون على ما فيه راحة قلوبهم بعد أداء الفرائض واجتناب المحرمات، ثم إنهم بعد ذلك تركوا الواجبات وفعلوا المحرمات، وسيماهم حلق اللحى، وكثير منهم أكفر من اليهود والنصارى. ينظر "مجموع فتاوى ابن تيمية"35/163.

(5)

(ط) : مطلق. وفي "مجموع الفتاوى": قولا يطلق.

(6)

(ط) : تثبت.

(7)

"مجموع فتاوى ابن تيمية " 35/165.

ص: 66

وقال رحمه الله في موضع آخر- في أثناء كلام له على هذه المسألة-: وحقيقة الأمر في ذلك: أن القول يكون كفرا، فيطلق القول بتكفير صاحبه فيقال (1) : من قال /كذا فهو كافر.

لكن الشخص المعين الذي قاله: لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها.

فهذا كما في نصوص الوعيد، فإن الله يقول:{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} (2) . الآية.

فهذا ونحوه من نصوص الوعيد، حق. لكن الشخص المعين لا يشهد عليه بالوعيد، فلا نشهد (3) لمعين من أهل القبلة بالنار؛ لجواز ألا يلحقه الوعيد لفوات شرطه أو بثبوت (4) مانع. فقد لا يكون بلغة التحريم، وقد يتوب من فعله (5) المحرم، وقد يكون له حسنات عظيمة تمحو عقوبة ذلك المحرم، وقد يبتلى بمصائب تكفر عنه.

وقال ابن القيم في شرح المنازل: ومن أنواعه- أي: الشرك- طلب الحوائج من الموتى، والاستغاثة بهم، والتوجه إليهم.

وأصل أصل شرك العالم، فإن الميت قد انقطع عمله، وهو لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا، فضلا (6) لمن استغاث به (7) وسأله أن يشفع له (8) .

وقال في أثناء كلام له: فما أسرع أهل الشرك إلى إتخاذ الأوثان من

(1)(ع)(ط) : ويقال.

(2)

سورة النساء آية 10.

(3)

(ع)(ط) : يشهد.

(4)

(ع)(ط) : شرط أو ثبوت.

(5)

(ع)(ط) : فعل.

(6)

(ط) : فضلا عن أن يملكه لمن.

(7)

(ع)(ط) : أو.

(8)

"مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين"1/346.

ص: 67

دون الله ولو كانت ما كانت!

ويقولون: إن هذا الحجر، وهذه الشجرة (1) ، وهذه العين، تقبل النذر. أي: تقبل العبادة من دون الله تعالى؛ فإن النذر عبادة وقربة يتقرب بها الناذر إلى المنذور له.

وقال في الهدي (2) - في فوائد غزوة الطائف (3) -: ومنها: أنه لا يجوز إبقاء مواضع الشرك والطواغيت، بعد القدرة على هدمها وإبطالها، يوما واحدا.

فإنها شعائر الكفر والشرك، وهي من أعظم (4) المنكرات، فلا يجوز الإقرار عليها بعد القدرة البتة، وهذا حكم المشاهد التي بنيت على القبور التي اتخذت أوثانا وطواغيت تعبد من دون الله، والأحجار التي تقصد بالتعظيم، والتبرك والنذر والتقبيل.

فلا يجوز إبقاء شيء منها على وجه الأرض مع القدرة على إزالتها، وكثير منها بمنزلة اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، بل أعظم شركا عندها وبها. والله المستعان.

ولم يكن أحد من أرباب هذه الطواغيت يعتقد أنها تخلق وترزق وتحيي وتميت، وإنما كانوا يفعلون عندها وبها ما يفعله إخوانهم من المشركين اليوم عند طواغيتهم، فأتبع هؤلاء سنن من كان قبلهم، وسلكوا سبيلهم حذو القذة بالقذة، وأخذوا مأخذهم شبرا بشبر وذراعا بذراع /.

وغلب الشرك على أكثر النفوس؛ لظهور الجهل وخفاء العلم ، فصار

(1)(ط) : وهذه الشجرة. ساقط.

(2)

(ع) : في الهدي. ساقط.

(3)

كانت في شوال سنة ثمان من الهجرة، بعد منصرفه من غزاة حنين. ينظر " جوامع السيرة" لابن حزم/242 و"الدر" لابن عبد البر /272.

(4)

في "الهدي": وهي أعظم.

ص: 68

المعروف منكرا والمنكر معروفا، والسنة بدعة والبدعة سنة، ونشأ في ذلك الصغير وهرم عليه الكبير، وطمست الأعلام واشتدت غربة الإسلام، وقل العلماء وغلبت السفهاء، وتفاقم الأمر واشتد البأس، وظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس.

ولكن لا تزال طائفة من العصابة المحمدية بالحق قائمين، ولأهل الشرك والبدع مجاهدين، إلى أن

يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين. انتهى (1) .

والأمر كما قال رحمه الله: أن سبب حدوث الشرك وظهوره: ظهور (2) الجهل (3) وخفاء العلم، وقلة العلماء وغلبة السفهاء.

فيستبين (4) لطالب الحق: أن من جادل عن المشركين، وسهل عليهم ما ارتكبوه من الشرك، واحتج لهم بالحجج الباطلة: أنه فاقد أهل العلم وأفرضه، فيستحق أن يوصف بالجهل، وإن كان له اشتغال بأنواع من العلوم القليل نفعها.

ففي هذا مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة"(5) .

(1)"زاد المعاد في هدي خير العباد" 3/506-507.

(2)

(ط) : وظهوره: ظهور. ساقط.

(3)

(ط) : و. ساقطة.

(4)

(ع) : فتبين (ط) : فيتبين.

(5)

أخرجه البخاري في "الصحيح" رقم 3456، ومسلم في "الصحيح" رقم 2669، وأحمد في "المسند" 3/84، 89، 94 من حديث أبي سعيد الخدري، وأخرجه البخاري في "الصحيح" رقم 7320، وابن ماجه في "السنن" رقم 3994، وأحمد في "المسند" 2/327، 450، 527 من حديث أبي هريرة، وجملة "حذو القذة بالقذة" لم تخرج في الصحيحين، وإنما هي من حديث شداد بن أوس عند أحمد في "المسند" 4/125.

ص: 69

وما أحسن ما قال ابن المبارك (1) :

وهل أفسد الدين إلا الملوك

وأحبار سوء ورهبانها (2)

ويروى: أن هلاك من (3) قبلنا، كان على يد (4) قرائهم وفقهائهم فإنا لله وإنا إليه راجعون.

قال ابن القيم: ومن ذبح للشيطان ودعاه، واستعاذ به، وتقرب إليه بما يحب (5) ، فقد عبده وإن لم يسم ذلك عبادة، ويسميه استخداما وصدق! هو استخدام من الشيطان له (6) .

وقال:

والشرك فاحذره فشرك ظاهر

ذا القسم ليس بقابل الغفران

(1) أبو عبد الرحمن، عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي التميمي، مولاهم، ثقة ثبت فقيه عالم جواد مجاهد، جمعت فيه خصال الخير، كان من المعاصرين للإمام المجاهد أحمد بن حنبل، ومن الأفذاذ الذين أنجبتهم الأمة الإسلامية وسجلوا في تأريخها أروع الأمثلة في الزهد والورع والبعد التام عن مواطن الذلة والمهانة والاسترزاق بالدين والمساومة عليه!، والوقوف بأبواب بعض المخلوقات الشرهة المتأمرة الحقيرة!! ت181 "تقريب"320.

(2)

أخرجه أبو نعيم في "الحلية" 8/279 وابن عبد البر في "الجامع" 1/200 في جملة أبيات مطلعها:

رأيت الذنوب تميت القلوب

ويتبعها الذل إدمانها

وترك الذنوب حياة القلوب

وخير لنفسك عصيانها

ثم قال:

لقد رتع القوم في جيفة

يبين لذي العقل أنتانها!!

(3)

(ط) : من كان.

(4)

(ع) : يدي (ط) : أيدي.

(5)

(ط) : يجب.

(6)

(ط) : له. ساقطة.

ص: 70

وهو اتخاذ الند للرحمن أيا

كان من شجر (1) ومن إنسان

يدعوه أو يرجوه ثم يخافه

ويحبه كمحبة الديان

والله ما ساووهم بالله في

خلق ولا رزق ولا إحسان

لكنهم (2) ساووهم بالله في

حب وتعظيم وفي إيمان (3)

جعلوا محبتهم مع الرحمن ما

جعلوا المحبة قط للرحمن (4)

وقال شيخ الإسلام: وأما ما نذره لغير الله: كالنذر للأصنام والشمس، والقمر والقبور، ونحو ذلك. فهو بمنزلة أن يحلف بغير الله من المخلوقات.

والحالف بالمخلوقات لا وفاء / عليه ولا كفارة، وكذلك الناذر للمخلوق ليس عليه وفاء ولا كفارة؛ لأن كليهما شرك، والشرك ليس له حرمة، بل عليه أن يستغفر الله من العقد، ويقول ما قال النبي صلى الله عليه وسلم:" من حلف باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله"(5) . انتهى (6) .

قوله: فهو بمنزلة أن يحلف بغير الله. أي: في عدم الانعقاد؛ لأن (7)

(1)(ط) و"الكافية":حجر.

(2)

الأصل و (ع) : لكن. تحريف.

(3)

في "الكافية" بين هذا البيت والذي قبله قوله: فالله عندهم هو الخلاق الرزاق مولي الفضل والإحسان.

(4)

"الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية" /157.

(5)

أخرجه البخاري في "الصحيح" رقم 6650،ومسلم في "الصحيح" رقم 1647،وأبو داود في "السنن" رقم 3247، والترمذي في "الجامع" رقم 1545، وابن ماجه في "السنن" رقم 2096، والنسائي في "المجتبى" 7/7 ، وأحمد في "المسند" 2/309،والبيهقي في "السنن الكبرى" 1/149، من حديث أبي هريرة.

(6)

ينظر "مجموع فتاوى ابن تيمية " 11/504، 27/146، 33/123.

(7)

(ع) :لا أن (ط) : ولأن.

ص: 71

حقيقته كحقيقته؛ لأن (1) النذر عبادة بخلاف الحلف.

وقال أيضا: قوله: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} (2) ظاهره: أنه ما ذبح لغير الله، مثل أن يقول: هذه ذبيحة لكذا.

وإذا كان هذا المقصود (3) : فسواء لفظ به أو لم يلفظ، وتحريم هذا أظهر من تحريم ما ذبح للحم، وقيل فيه: باسم المسيح ونحوه؛ لأن ما ذبحناه متقربين به (4) إلى الله، كان أزكى وأعظم مما ذبحناه للحم، وقلنا فيه: بسم الله. فإن عبادة الله بالصلاة له، والنسك: أعظم من الاستعانة باسمه في فواتح الأمور.

فإذا حرم ما قيل فيه: باسم المسيح أو الزهرة، فلأن يحرم ما قيل فيه: لأجل المسيح أو الزهرة، أو (5) قصد به ذلك أولى. فإن العبادة لغير الله ، أعظم كفرا من الاستعانة بغير الله.

فعلى هذا: فلو ذبح لغير الله متقربا إليه لحرُم، وإن قال فيه: بسم الله، كما (6) يفعله طائفة من منافقي هذه الأمة، الذين يتقربون إلى الكواكب بالذبح والبخور (7) ونحو ذلك.

وإن (8) كان هؤلاء مرتدين لا تباح ذبيحتهم بحال، لكن يجتمع في الذبيحة مانعان. ومن هذا الباب: ما يفعله الجاهلون بمكة من

(1)(ع) : حقيقته كحقيقة (ط) ساقط.

(2)

سورة المائدة آية 3.

(3)

(ط) : هذا هو.

(4)

(ط) : به. ساقطة.

(5)

(ط) :و.

(6)

(ع)(ط) :كما قد.

(7)

(ط) : النذور. وعلق في هامش (ع) وكتب عليه حرف (خ) إشارة إلى ما في النسخة الأخرى.

(8)

(ط) :إن.

ص: 72

الذبح للجن (1) .

قال: ولهذا كان عُباد الشياطين (2) والأصنام، يذبحون لها الذبائح، فالذبح للمعبود غاية (3) الذل والخضوع؛ ولهذا لم يجز للذبح لغير الله.

وقال في موضع آخر: والمسلم إذا ذبح لغير الله، أو ذبح بغير اسمه لم تبح ذبيحتهن وإن كان يكفر بذلك.

إلى أن (4) قال: ولأن الذبح لغير الله، وباسم غيره: قد علم أنه ليس من دين الإسلام، بل هو من الشرك الذي أحدثوه.

قال: وقول الشيخ: انذروا لي لتقضى حاجتكم أن استعينوا بي. إن أصر ولم يتب، قتل (5) .

وقال أبو محمد البربهاري (6) - شيخ الحنابلة في وقته- في عقيدته: ولا نخرج أحدا من أهل القبلة من (7) الإسلام، حتى يرد آية من كتاب الله أو يرد شيئا (8) من آثار رسول الله، أو يصل لغير الله، أو يذبح لغير الله. [وإذا فعل شيئا من ذلك](9) فقد وجب عليك أن تخرجه من الإسلام- في كلام كثير- (10) انتهى (11) .

(1) عادة جاهلية انقرضت الآن والحمد لله

(2)

(ع)(ط) : الشيطان.

(3)

(ط) :غايته.

(4)

(ط) : أنه.

(5)

ينظر "مجموع فتاوى ابن تيمية " 17/484، 486 ، 23/125.

(6)

الحسن بن علي بن خلف، حافظ، فقيه، ثقة، زاهد، جريء في الحق. ت329 "سير أعلام النبلاء" 15/90.

(7)

(ع)(ط) :عن.

(8)

الأصل: شيء. تحريف.

(9)

إضافة من "شرح السنة".

(10)

(ع)(ط) : كثير ذكره.

(11)

كتاب "شرح السنة" /31.

ص: 73

سمع البربهاري من المروذي وغيره (1) .

وقال ابن القيم: رايت لأبي الوفاء بن عقيل/ فصلا حسنا، فذكرته بلفظه.

قال: لما صعبت التكاليف على الجهال والطغام، عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاع (2) وضعوها لأنفسهم، فسهلت عليهم؛ إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم.

قال: وهم عندي كفار بهذه الأوضاع، مثل تعظيم القبور وإكرامها بما نهى عنه الشرع: مثل إيقاد السرج وتقبيلها وتخليقها، وخطاب أهلها بالحوائج، وكتب الرقاع فيها: يا مولاي افعل لي (3) كذا وكذا، وأخذ تربتها تبركا، وإفاضة (4) الطيب على القبور، وشد الرحال إليها، وإلقاء الخرق على الشجر اقتداء بمن عبد اللات والعزى.

والويل عندهم: لمن لم يقبل مشهد الكف، ولم يتمسح بالآجر يوم الأربعاء، ولم يقل الحمالون على جنازته: أبو بكر الصديق ومحمد وعلي، أو (5) لم يعقد على قبر أبيه أزجا (6) بالجص والآجر، ولم يخرق ثيابه، ولم يرق ماء الورد على القبر. انتهى (7) .

فانظر إلى تكفير ابن عقيل لهم، مع إخباره بجهلهم.

وقال الشيخ قاسم الحنفي في شرح درر البحار: النذر الذي

(1) مناقب الإمام أحمد (المختارون من الطبقة الثانية)618.

(2)

الأصل و (ط) : تعظيم. ساقطة، وعلقت في هامش (ع) وكتب بجوارها: صح أصل.

(3)

(ع)(ط) : بي.

(4)

الأصل: وإضافة.

(5)

(ع)(ط) : و.

(6)

الأزج: ضرب من الأبنية. "التاج"5/404.

(7)

"إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان" 1/214.

ص: 74

ينذره أكثر العوام، على ما هو مشاهد الآن: كأن يكون لإنسان غائب أو مريض، أو له حاجة ضرورية، فيأتي إلى قبر بعض الصلحاء، ويجعل على (1) رأسه سترة، ويقول: يا سيدي فلان! إن رد الله غائبي أو عوفي مريضي، أو قضيت حاجتي. فلك من الذهب كذا، أو من الفضة كذا، أومن الطعام كذا، أو من الماء كذا، أو من الشمع كذا. فهذا باطل بالإجماع لوجوه منها: أنه نذر لمخلوق، والنذر للمخلوق لا يجوز؛ لأنه عبادة، والعبادة لا تكون لمخلوق.

ومنها: أن المنذور له ميت، والميت لا يملك.

ومنها: أنه ظن أن الميت يتصرف في الأمور دون الله، واعتقاد ذلك كفر.

إلى أن قال: إذا علمت ذلك. فما يؤخذ من الدراهم والشمع والزيت وغيرها، وينقل إلى ضرائح الأولياء تقربا إليهم، فحرام بإجماع المسلمين.

وقال النووي (2) - في شرح مسلم، على قول النبي صلى الله عليه وسلم:" لعن الله من ذبح لغير الله"(3) -: المراد به أن يذبح بغير اسم الله، كم يذبح للصنم أو للصليب، أو لموسى أو لعيسى، أو للكعبة، ونحو ذلك. وكل هذا حرام، ولا تحل هذه الذبيحة (4) .

وسواء كان الذابح مسلما أو نصرانيا.

(1) الأصل: على. ساقطة.

(2)

أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، حافظ فقيه، في عقيدته بعض الانحراف عن جادة أهل السنة والجماعة، والله يغفر له. ت676 "شذرات الذهب" 5/356.

(3)

قطعة من حديث أخرجه مسلم في "الصحيح" رقم 1978، والنسائي في "المجتبى" 7/232 ،وأحمد في "المسند" 1/108، 118، 152، والحاكم في "المستدرك"/153 من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأخرجه النسائي في "الكبرى"(كتاب الرجم) كما في " تحفة الأشراف" 1/40، وأحمد في "المسند" 1/309، 317 وعبد بن حميد "مسنده" رقم 587 والحاكم في "المستدرك" 4/356 من حديث ابن عباس رضي الله عنه.

(4)

(ط) : لذبيحة.

ص: 75

إلى أن قال: فإن قصد مع ذلك تعظيم المذبوح له- غير الله – والعبادة له. كان كفرا، فإن كان الذابح مسلما. صار بالذبح مرتدا. انتهى (1) .

وقال الشيخ صنع الله الحنفي – في الرد على من أجاز النذر/ والذبح للأولياء، وأثبت الأجر في ذلك-: فهذا الذبح والنذر، إن كان على اسم فلان وفلان، لغير الله. فيكون باطلا.

وفي التنزيل {وَلَا تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ} (2){قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ} (3) أي: صلاتي وذبحي لله، كما فسر به قوله:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (4) .

قال: والنذر لغير الله إشراك مع الله.

إلى أن قال: والنذر لغير الله. كالذبح لغيره.

وقال الفقهاء: خمسة لغير الله شرك: الركوع، والسجود، والذبح، والنذر، واليمين.

قال: والحاصل. أن النذر لغير الله: فجور، فمن أين تحصل لهم الأجور!.

وقال ابن النحاس (5) في كتاب الكبائر: ومنها: إيقاد السرج عند الأحجار والأشجار، والعيون والآبار، ويقولون: إنها تقبل النذر!! وهذه كلها بدع ومنكرات قبيحة، تجب إزالتها ومحو أثرها؛ فإن أكثر الجهال يعتقدون أنها تنفع وتضر، وتجلب وتدفع، وتشفي المرضي (6) ، وترد

(1)"المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" 13/141.

(2)

سورة الأنعام آية 121.

(3)

سورة الأنعام آية 162

(4)

سورة الكوثر آية 2.

(5)

أحمد بن إبراهيم بن محمد الدمشقي الدمياطي، فقيه وداعية إصلاحي ت814" شذرات الذهب".

(6)

(ع)(ط) :المرضى.

ص: 76

الغائب إذا نذر لها. وهذا شرك ومحادة لله ورسوله (1) .

وقال أبو محمد، عبد الرحمن بن إسماعيل الشافعي، المعروف بأبي شامة (2) - في كتاب البدع والحوادث-: ومن هذا القسم أيضا: ما قد عم الابتلاء به، من تزيين الشيطان للعامة تخليق الحيطان (3) والعمد، وسرج مواضع مخصوصة، يحكي لهم حاك أنه رأى في منامه بها أحدا ممن شهر بالصلاح والولاية، فيفعلون ذلك، ويحافظون عليه، مع تضييعهم فرائض الله وسننه، ويظنون أنهم متقربون بذلك (4) .

ثم يتجاوزون هذا، إلى أن يعظم وقع تلك الأماكن في قلوبهم، فيعظمونها (5) ، ويرجون الشفاء (6) لمرضاهم وقضاء حوائجهم بالنذر لهم،وهي من بين عيون وشجر وحائط!!.

وفي مدينة دمشق- صانها الله – من ذلك مواضع متعددة: كعوينة الحمى خارج باب توما، والعمود المخلق داخل باب الصغير، والشجرة الملعونة اليابسة خارج باب النصر في نفس قارعة الطريق- سهل الله قطعها واجتثاثها من أصلها- فما أشبهها بذات أنواط الواردة في الحديث – وذكر الحديث-.

ثم قال: قال أبو بكر الطرطوشي (7) : فانظروا رحمكم الله. أينما وجدتم: سدرة أو شجرة يقصدها الناس، ويعظمونها، ويرجون البرء

(1)"تنبيه الغافلين" للنحاس /403.

(2)

حافظ أصولي، وداعية إلى السنة. ت665. "شذرات الذهب"5/318.

(3)

خلَّقه تخليقا: طيبه فتخلق به. ترتيب القاموس 2/100.

(4)

ما بينهما معلق في هامش الأصل، وبجواره كلمة صح.

(5)

(ع)(ط) : فيعظمونها: ساقطة.

(6)

(ع)(ط) : الشفاعة.

(7)

محمد بن الوليد بن محمد بن خلف، تلميذ أبي الوليد الباجي الإمام الكبير، حافظ فقيه، نقي المشرب. ت520 "سير أعلام النبلاء" 19/490.

ص: 77

والشفاء من قبلها، وينوطون (1) بها المسامير والخرق: فهي ذات أنواط /فاقطعوها.

ثم قال (2) : ولقد أعجبني ما صنعه الشيخ أبو إسحاق الجبيناني (3) رحمه الله – أحد الصالحين ببلاد إفريقيه في المائة الرابعة -: حكى عنه صاحبه الصالح أبو عبد الله محمد بن أبي العباس المؤدب: أنه كان إلى جانبه عين تسمى عين العافية، كان العامة قد افتتنوا بها، يأتونها من الآفاق، من تعذر عليها نكاح أو ولد قالت: امضوا بي إلى العافية، فتعرف بها الفتنة.

قال أبو عبد الله: فأنا في السحر ذات ليلة، إذ سمعت أذان أبي إسحاق نحوها، فخرجت فوجدته قد هدمها، وأذن الصبح عليها!. ثم قال: اللهم إني هدمتها لك فلا ترفع لها رأسا، فما رفع لها رأس إلى الآن. انتهى (4) .

وكان الإمام أبو محمد بن أبي زيد (5) يعظم شأن أبي إسحاق هذا، ويقول: طريقة أبي إسحاق خالية لا يسلكها أحد في الوقت (6) .

وقال الشيخ صنع الله الحنفي- في كتابه الذي ألفه في الرد على من ادعى أن للأولياء تصرفات (7) في الحياة وبعد الممات، على سبيل

(1) في جميع النسخ: يضربون. والمثبت من كتاب" الحوادث والبدع للطرطوشي" /37.

(2)

أبو شامة رحمه الله.

(3)

إبراهيم بن أحمد بن علي بن مسلم، البكري الوائلي. ت369 "الديباج المذهب" 1/264.

(4)

"الباعث على إنكار البدع والحوادث" لأبي شامة/23-24.

(5)

الأصل: بن زيد (ط) بن أبي زيد. تحريف. وهو عبد الله بن عبد الرحمن النفزي، حافظ فقيه، ورع، ت386 "المدارك" 2/492.

(6)

نقله القاضي عياض في "المدارك" 2/500.

(7)

(ع)(ط) : تصرفا.

ص: 78

الكرامة-: هذا وإنه قد ظهر الآن – فيما بين المسلمين- جماعات يدعون أن للأولياء تصرفا في حياتهم وبعد الممات، ويستغاث بهم في الشدائد والبليات.

وبهم تكشف المهمات. فيأتون قبورهم وينادونهم في قضاء الحاجات؛ مستدلين على أن ذلك منهم كرامات.

وقالوا: منهم أبدال ونقباء وأوتاد ونجباء، وسبعون وسبعة وأربعون وأربعة، والقطب هو الغوث للناس وعليه المدار بلا التباس!!

وجوَّزوا لهم الذبائح والنذور، وأثبتوا لهم فيهما الأجور!

قال: وهذا كلام فيه تفريط وإفراط، بل فيه الهلاك الأبدي والعذاب السرمدي؛ لما فيه من روائح الشرك المحقق، ومضادة الكتاب العزيز المصدق، ومخالف لعقائد الأئمة، ما اجتمعت عليه الأمة. وفي التنزيل:{وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا} (1) .

إلى أن قال: الفصل الأول: فيما انتحلوه من الإفك الوخيم، والشرك العظيم.

إلى أن قال: فأما قولهم: إن للأولياء تصرفا في حياتهم وبعد الممات، فيرده قول الله تعالى:{أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ} (2){أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} (3){وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} (4) ونحوه (5) من الآيات الدالة على أنه المنفرد بالخلق والتدبير/ والتصرف والتقدير، ولا شيء

(1) سورة النساء آية 115.

(2)

سورة النحل الآيات 60، 61 ، 62، 63، 64.

(3)

سورة الأعراف آية 54.

(4)

سورة الشورى آية49.

(5)

(ع)(ط) : ونحو ذلك.

ص: 79

لغيره في شيء ما بوجه من الوجوه. والكل تحت ملكه وقهره: تصرفا وملكا، وإحياء وإماتة، وخلقا. وتمدح الرب سبحانه بانفراده في ملكه بآيات من كتابه كقوله:{هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} (1) و {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ} (2) وذكر آيات في هذا المعنى.

ثم قال: فقوله في الآيات كلها: من دونه. أي (3) : من غيره، فإنه عام يدخل فيه من اعتقدته من ولي (4) وشيطان تستمده؛ فإن لم (5) يقدر على نصر نفسه كيف يمد غيره؟!

إلى أن قال: فكيف يتصور لغيره- من ممكن- أن يتصرف؟!

إن هذا من السفاهة لقول وخيم، وشرك عظيم.

إلى أن قال: وأما القول بالتصرف بعد الممات: فهو أقبح (6) وأشنع وأبدع من القول بالتصرف في الحياة، قال جل ذكره {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} (7){اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ} (8){كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ} (9){كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} (10) .

وفي الحديث: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث"(11) الحديث

(1) سورة فاطر الآية3.

(2)

سورة فاطر آية 13.

(3)

(ع)(ط) : أي. ساقطة.

(4)

(ع) ولي ونبي.

(5)

(ع)(ط) : من لم.

(6)

(ع)(ط) : أقبح. ساقطة.

(7)

سورة الزمر آية 30.

(8)

سورة الزمر آية42.

(9)

سورة الأنبياء آية 35.

(10)

سورة المدثر آية 38.

(11)

أخرجه مسلم في "الصحيح" رقم 1631 ، وأبو داود في "السنن" رقم 2880 =

ص: 80

فجميع ذلك وما هو نحوه، دال على انقطاع الحس والحركة من الميت، وأن أرواحهم ممسكة، وأن أعمالهم منقطعة عن زيادة ونقصان.

فدل ذلك: أن (1) ليس للميت تصرف في ذاته- فضلا عن غيره- بحركة، وأن روحه محبوسة مرهونة بعملها من خير وشر، فإذا عجز عن حركته لنفسه فكيف يتصرف لغيره؟.

فالله سبحانه: يخبر أن الأرواح عنده، وهؤلاء الملحدون يقولون: إن الأرواح مطلقة متصرفة! قل أأنتم أعلم أم الله؟.

قال: وأما اعتقادهم أن هذه التصرفات لهم من الكرامات: فهو من المغالطة؛ لأن الكرامة شيء من عند الله، يكرم بها أولياءه، لا قصد لهم فيه ولا تحد، ولا قدرة ولا علم، كما في قصة مريم ابنة عمران، وأسيد بن حضير (2) ، وأبي مسلم الخولاني (3) .

=والترمذي في "الجامع" رقم 1376، والنسائي في "المجتبى" رقم 3651، وأحمد في "المسند" 2/372، والبخاري في "الأدب المفرد" رقم 38،والبيهقي في "السنن الكبرى" 6/278 من حديث أبي هريرة.

(1)

(ع)(ط) : أنه.

(2)

أبو يحيى بن سماك بن عتيق الأنصاري الأشهلي، صحابي جليل، مات سنة عشرين، وكان من خبره رضي الله عنه، أنه سمر ذات ليلة هو وعباد بن بشر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحدثا معه، ثم خرجا فأضاءت لهما عصا أحدهما فمشيا في ضوئها، فلما تفرق بهما الطريق أضاءت لكل واحد عصاه. أخرجه ابن سعد في "الطبقات"3/606، وأحمد في "المسند" 3/138،190، 272، والحاكم في "المستدرك" 3/288، والبيهقي في "الدلائل" 6/77،والبخاري في "الصحيح" رقم 3805 تعليقا من حديث أنس.

(3)

عبد الله بن أثوب الشامي، ثقة عابد زاهد، ت في زمن ابن معاوية السفياني، من كراماته: نجاته من النار التي أججها الطاغية الكذاب، الأسود العنسي، ثم ألقاه فيها. قال عنه الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الحمد لله الذي لم يمتني من الدنيا، حتى أراني في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من فعل به كما فعل بإبراهيم خليل الرحمن عليه السلام أخرجه أبو نعيم في الحلية2/129.

ص: 81

قال: وأما قولهم: ويستغاث بهم في الشدائد. فهذا أقبح مما قبله وأبدع؛ لمضادة قوله تعالى: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ} (1){قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (2) وذكر آيات في هذا المعنى.

ثم قال: إنه جل ذكره: قرر أنه الكاشف للضر لا غيره، وأنه المتعين لكشف الشدائد/ والكرب، وأنه المتفرد (3) بإجابة المضطرين، وأنه المستغاث لذلك كله، وأنه القادر على دفع الضير (4) وعلى إيصال الخير، فهو المنفرد بذلك. فإذا تعين جل ذكره، خرج غيره (5) من ملك ونبي وولي.

قال: والاستغاثة تجوز في الأسباب الظاهرة العادية، من الأمور الحسية: في قتال، أو إدراك عدو أو سبع ونحوه. كقولهم: يالَزَيدٍ، يالقومي ياللمسلمين؛ كما ذكروا في كتب النحو (6) ، بحسب الأسباب الظاهرة بالفعل.

وأما الاستغاثة بالقوة والتأثير، أو في الأمور المعنوية من الشدائد: كالمرض وخوف الغرق والضيق، والفقر وطلب الرزق، ونحوه. فمن خصائص الله، فلا يطلب فيها غيره.

قال: وأما كونهم معتقدين التأثير منهم في قضاء حاجاتهم؛ كما

(1) سورة النمل آية 62.

(2)

سورة الأنعام آية 63.

(3)

(ع) : المنفرد.

(4)

(ط) : الضر.

(5)

(ط) : عن غيره

(6)

ينظر" شرح عمدة الحافظ" لابن مالك/286.

ص: 82

تفعله الجاهلية (1) العرب، والصوفية الجهال، وينادونهم ويستنجدون بهم: فهذا من المنكرات.

إلى أن قال: فمن اعتقد أن لغير الله- من نبي أو ولي أو روح أو غير ذلك- في كشف كربة أو قضاء حاجة تأثيرا. فقد وقع في وادي جهل خطير، فهو على شفا حفرة من السعير.

وأما كونهم مستدلين على أن ذلك منهم كرامات: فحاشا أولياء الله أن يكونوا بهذه المثابة، فهذا ظن أهل الأوثان كذا أخبر (2) الرحمن {هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ} (3){مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (4){أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لَاّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنقِذُونِ} (5) .

فإن (6) ذكر ما ليس من شأنه النفع ولا دفع الضر من نبي وولي وغيره، على وجه الإمداد منه. إشراك (7) مع الله؛ إذ لا قادر على الدفع (8) غيره ولا خير إلا خيره.

وأما ما قالوه: إن فيهم أبدالا ونقباء، وأوتادا ونجباء، وسبعين وسبعة، وأربعين وأربعة، والقطب هو الغوث للناس.

فهذا من موضوعات إفكهم؛ كما ذكره القاضي المحدث ابن العربي (9)

(1)(ط) : جاهلية.

(2)

(ع) : أخبر عنهم.

(3)

سورة يونس آية 18.

(4)

سورة الزمر آية 3.

(5)

سورة يس آية 23.

(6)

(ع) : أي فإن.

(7)

(ط) :أشرك.

(8)

(ع)(ط) : النفع.

(9)

أبو بكر، محمد بن عبد الله المعافري الأندلسي، حافظ فقيه مفسر، ت543 "تذكرة الحفاظ" 4/1294.

ص: 83