المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

لهم بالحجج الباطلة. فإنا لله وإنا إليه راجعون. - الانتصار لحزب الله الموحدين والرد على المجادل عن المشركين

[عبد الله أبا بطين]

الفصل: لهم بالحجج الباطلة. فإنا لله وإنا إليه راجعون.

لهم بالحجج الباطلة. فإنا لله وإنا إليه راجعون.

ص: 38

‌فصل (اعتراض)

فصل

وقد أورد بعضهم أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ذكر كلاما وحكايات تدل على أن دعاء الأموات ليس بشرك، كما ذكر أنه روي أن رجلا جاء إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فشكى إليه الجدب عام الرمادة (1) فرآه وهو يأمره أن يأتي / إلى عمر بن الخطاب فيأمره أن يستسقي بالناس، وغير ذلك من الحكايات.

قال بعض المجادلين: لو سُلِّم لكم في بعض الأمور أنها شرك أو كفر، فإن الشيخ ذكر في اقتضاء الصراط المستقيم (2) : أن المتأول، والمجتهد المخطئ ، والمقلد، مغفور لهم ما ارتكبوه من الشرك والكفر!!

فهذا تلبيس من الناقل، وكذب على الشيخ رحمه الله؛ لأنه إنما قال ذلك في سياق الكلام في بعض البدع: كتحري دعاء الله عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، أو غيره. فقال: وقد يفعل الرجل العمل الذي يعتقده صالحا ولا يكون عالما أنه منهي عنه، فيثاب على حسن قصده، ويعفى عنه لعدم علمه. وهذا باب واسع، وعامة العبادات المبتدعة المنهي عنها قد يفعلها بعض الناس ويحصل له نوع من الفائدة، وذلك لا يدل على

(1) وكانت في السنة الثامنة عشرة من الهجرة، أصاب الناس فيها مجاعة شديدة، فأجرى عمر بن الخطاب رضي الله عنه الأقوات على المسلمين. ينظر "السيرة" لابن حبان/476، و"تاريخ الطبري"4/222.

(2)

من الكتب النادرة، التي عالج فيها الحافظ ابن تيمية الكثير من القضايا ذات الأبعاد الهامة والحيوية مع التركيز والاستيعاب الشامل، محقق مطبوع.

ص: 38

أنها مشروعة. ثم العامل قد يكون متأولا، أو مخطئا مجتهدا (1) أو مقلدا: فيغفر له خطؤه (2) ،ويثاب على ما فعله من الخير المشروع المقرون بغير المشروع (3) .

قال: والحاصل أن ما يقع من الدعاء المشتمل على كراهة (4) شرعية، بمنزلة سائر العبادات. وقد علم أن العبادة المشتملة على وصف مكروه، قد تغفر تلك الكراهة لصاحبها؛ لاجتهاده، أو تقليده (5) ، أو حسناته، أو غير ذلك. ثم ذلك لا يمنع أن ذلك مكروه منهي عنه، وإن كان هذا الفاعل المعين قد زال موجب الكراهة في حقه (6) .

قال: فإذا سمعت دعاء أو مناجاة مكروهة في الشرع قد قضيت حاجة صاحبها، فكثيرا ما يكون من هذا الباب (7) . ولا يقال: هؤلاء لما نقصت معرفتهم سَوَّغ (8) لهم ذلك، فإن الله لم يسوغ هذا لأحد. لكن قصور المعرفة قد يرجى معه العفو والمغفرة.

أما استحباب المكروهات، أو إباحة المحرمات: فلا. ففرق (9) بين العفو عن الفاعل والمغفرة له، وبين إباحة فعله أو المحبة له. وإنما [يثبت](10) استحباب الأفعال واتخاذها دينا بكتاب الله وسنة نبيه،

(1)(ع) : مجتهدا مخطئا.

(2)

(ط) : خطأه. تحريف.

(3)

"الاقتضاء" 2/759.

(4)

(ط) : كراهية.

(5)

(ع) : تقليد.

(6)

الاقتضاء 2/694

(7)

"المصدر السابق"2/695.

(8)

(ع)(ط) :يسوغ.

(9)

(ع)(ط) : فرق. "الاقتضاء":نفرق. تحريف.

(10)

إضافة من "الاقتضاء" للتوضيح.

ص: 39

وما كان عليه السابقون الأولون. وما سوى هذا من الأمور المحدثة: فلا تستحب، وإن اشتملت أحيانا على فوائد، لأننا نعلم أن مفاسدها راجحة على فوائدها (1) .

ولما قرر رحمه الله: أن تحري الدعاء عند القبور منهي عنه. قال: ولا يدخل في هذا الباب أن قوما سمعوا السلام من قبر النبي صلى الله عليه وسلم، أو قبور غيره من الصالحين، وأن سعيد بن المسيب (2) كان يسمع الأذان من القبر ليالي الحرة. / فهذا كله حق ليس مما نحن فيه، والأمر أجل من ذلك وأعظم.

قال: وكذلك أيضا ما يروى أن رجلا جاء إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وشكا إليه الجب عام الرمادة، فرآه وهو يأمره أن يأتي عمر فيأمره أن يخرج فيستسقي بالناس (3) .

فإن هذا ليس من هذا الباب.

وكذلك سؤال بعضهم للنبي صلى الله عليه وسلم، أو غيره حاجة فتقضى. فإن هذا قد وقع كثيرا، وليس هو مما نحن فيه (4) .

إلى أن قال: وكل هذا لا يقتضي استحباب الصلاة عند القبور، ولا قصد الدعاء والنسك عندها؛ لما في قصد العبادات عندها من المفاسد التي علمها الشارع (5) .

(1)"الاقتضاء"2/697.

(2)

ابن حزن بن أبي وهب القرشي المخزومي، أحد العلماء الأثبات الفقهاء الكبار. ت بعد التسعين تقريب/241.

(3)

أخرجه البيهقي عن مالك بن أنس بإسناد صحيح كما قال الحافظ ابن كثير في "التاريخ"7/92.

(4)

"الاقتضاء"2/728.

(5)

المصدر السابق2/728.

ص: 40

ثم قال رحمه الله: فذكرت هذه الأمور؛ لأنها (1) مما يتوهم أنها معارضة لما قدمنا، وليس كذلك.

فإن الخلق لم ينهوا عن الصلاة عند القبور، واتخاذها مساجد استهانة بأهلها (2) ، بل لما يخاف عليهم من الافتتان، وإنما تكون الفتنة إذا انعقد سببها. فلولا أنه قد يحصل عند القبور ما يخاف الافتتان به لما نهي الناس عن ذلك. انتهى (3) .

فانظر قوله: وليس هذا مما نحن فيه.

وليس فيه معارضة لما ذكرنا؛ لأنه قرر أن قصد القبور لدعاء الله عندها بدعة منهي عنه، وكذلك قرر أن دعاء الأموات والغائبين والاستغاثة بهم شرك، وذكر أنه ليس في جميع ما ذكره معارضة لما قرره؛ دفعا لما قد يتوهم.

واحتج بعض من يجادل عن المشركين: بقصة الذي أوصى أهله أن يحرقوه بعد موته (4) . على أن من ارتكب الكفر جاهلا لا يكفر، ولا يكفر إلا المعاند.

والجواب عن ذلك كله: أن الله سبحانه أرسل رسله مبشرين ومنذرين؛ لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل (5) .

وأعظم ما أرسلوا به ، ودعوا إليه: عبادة الله وحده لا شريك له،

(1)(ع) : لأنه قد.

(2)

(ط) :لأهلها.

(3)

المصدر السابق 2/728.

(4)

أخرجه البخاري في "الصحيح" رقم 3479، 6480، ومسلم في "الصحيح" رقم 2756، والنسائي في "المجتبى" 4/91 وابن ماجة في "السنن " رقم 4309 وأحمد في "المسند" رقم 7635 من حديث أبي هريرة وحذيفة رضي الله عنهما.

(5)

قال تعالى: {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} سورة النساء آية 165.

ص: 41

والنهي عن الشرك الذي هو (1) عبادة غيره.

فإن كان مرتكب الشرك الأكبر معذورا لجهله، فمن هو الذي لا يعذر؟

ولازم هذه الدعوى: أنه ليس لله حجة على أحد إلا المعاند. مع أن صاحب هذه الدعوى لا يمكنه طرد أصله، بل لابد أن يتناقض؛ فإنه لا يمكنه أن يتوقف في تكفير من شك في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، أو شك في البعث، أو غير ذلك من أصول الدين. والشاك جاهل!.

والفقهاء رحمهم الله: يذكرون في كتب الفقه حكم المرتد: وأنه المسلم الذي يكفر بعد إسلامه /: نطقا، أو فعلا، أو شكا، أو اعتقادا (2) . وسبب الشك: الجهل.

ولازم هذا: أنا لا نكفر (3) جهلة اليهود والنصارى، ولا الذين يسجدون الشمس والقمر والأصنام لجهلهم، ولا الذين حرقهم علي ابن أبي طالب رضي الله عنه بالنار (4) ؛ لأننا نقطع أنهم جهال!!!

(1)(ع) : الشرك الذي هو. معلق في الهامش وبجواره كلمة صح.

(2)

(ط) : فعلا أو اعتقادا أو شكا.

(3)

(ط) لا يكفر

(4)

وهم أتباع ابن سبأ اليهودي، أخرج أبو عاصم وأبو عمر الطلمنكي وابن شاهين والطبري في شرح أصول السنة، من وجوه متعددة يصدق بعضها بعضا، عن عبد الرحمن بن مالك ابن مغول عن أبيه قال: قلت لعامر الشعبي: ما ردك عن هؤلاء القوم وقد كنت فيهم رأسا؟! قال: رأيتهم يأخذون بأعجاز لا صدور لها. يا مالك: إني قد درست الأهواء فلم أر فيها أحمق من الرافضة! فلو كانوا من الطير لكانوا رخما، ولو كانوا من الدواب لكانوا حمرا!!! - قال- وقد حرقهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالنار، ونفاهم من البلاد. منهم عبد الله بن سبأ اليهودي

وحرق منهم قوما أتوه. فقالوا: أنت هو! فقال: من أنا؟ قالوا: أنت ربنا!! فأمر بنار أججت فألقوا فيها- وفيه قال- قيل لليهود: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب موسى. وقيل للنصارى: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: حواري عيسى. وقيل للرافضة: من شر أهل ملتكم؟ قالوا: حواري محمد!!! ينظر "منهاج السنة النبوية"1/28، 307، و"الفصل" لابن حزم5/47، و"الفرق" للبغدادي /18.

ص: 42

وقد أجمع العلماء على كفر من لم يكفر اليهود والنصارى أو يشك في كفرهم، ونحن نتيقن أن أكثرهم جهال.

وقال الشيخ تقي الدين: من سب الصحابة وواحدا منهم، واقترن بسبه دعوى أن عليا إله أو نبي، أو أن جبرائيل غلط. فلا شك في كفر هذا، بل لا يُشكُّ (1) في كفر من توقف في تكفيره.

قال: ومن زعم أن الصحابة ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نفرا قليلا لا يبلغون بضعة عشر، أو أنهم فسقوا. فلا ريب في كفر قائل ذلك، بل من شك في كفره فهو كافر.

قال: ومن ظن أن قوله سبحانه وتعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَاّ تَعْبُدُواْ إِلَاّ إِيَّاهُ} (2) . بمعنى: قدر ، وأن الله ما قدر شيئا إلا وقع، وجعل عباد الأصنام ما عبدوا إلا الله: فإن هذا من أعظم الناس كفرا بالكتب كلها. انتهى (3) .

ولا ريب أن أصحاب (4) هذه المقالة: أهل علم وزهد وعبادة، وأن سبب دعواهم هذه:الجهل.

وقد أخبر الله سبحانه عن الكفار أنهم في شك مما تدعوهم إليه الرسل، وأنهم في شك من البعث، فقالوا لرسلهم:{وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ} (5) وقال: {وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ} (6) وقال إخبارا عنهم: {إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} (7) .

(1)(ع)(ط) : شك.

(2)

سورة الإسراء آية 23.

(3)

ينظر "مجموع فتاوى ابن تيمية "2/124.

(4)

(ط) :أهل.

(5)

سورة إبراهيم آية 9.

(6)

سورة فصلت آية 45.

(7)

سورة الجاثية آية32.

ص: 43

وقال عن الكفار: {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} (1) .

وقال تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا {103} الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} (2) .

ووصفهم بغاية الجهل، كما في قوله تعالى:{لَهُمْ قُلُوبٌ لَاّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَاّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَاّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (3) .

وقد ذم الله المقلدين بقوله عنهم: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ} (4) الآيتين، ومع ذلك كفرهم سبحانه وتعالى.

واستدل العلماء بهذه الآية (5) ونحوها: على أنه لا يجوز التقليد في معرفة الله والرسالة.

وحجة الله سبحانه قائمة على الناس بإرسال الرسل إليهم، وإن لم يفهموا حجج الله وبيناته.

قال الشيخ موفق الدين أبو محمد بن قدامة (6) رحمه الله – لما انجر كلامه في مسألة: هل كل مجتهد مصيب؟ ورجح قول الجمهور: إنه ليس كل مجتهد مصيبا (7) بل الحق في قول واحد من أقوال المجتهدين

(1) سورة الأعراف آية 30

(2)

سورة الكهف الآيتان 103 ،104.

(3)

سورة الأعراف آية 179.

(4)

سورة الزخرف آية 22.

(5)

(9) : الآيات.

(6)

عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة، أصولي، فقيه بارز ت 620 "تاريخ ابن كثير"13/99.

(7)

الأصل:مصيب.

ص: 44

قال-: وزعم الجاحظ (1) أن مخالف ملة الإسلام إذا نظر فعجز عن درك (2) الحق: فهو معذور غير آثم.

إلى أن قال: أما ما ذهب إليه الجاحظ فباطل يقينا، وكفر بالله، ورد عليه وعلى رسوله؛ فإنا (3) نعلم قطعا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر اليهود والنصارى بالإسلام واتباعه، وذمهم على إصرارهم، وقاتل جميعهم (4) ، يقتل البالغ (5) .

ونعلم أن المعاند العارف ممن يقل، وإنما الأكثر مقلدة: اعتقدوا دين آبائهم تقليدا، ولم يعرفوا معجزة (6) النبي (7) وصدقه. والآيات الدالة (8) في القرآن على هذا كثيرة (9)، كقوله:{ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} (10) . وقال: {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ} (11){إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} (12)، وقوله:{وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ} (13){وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} (14)

(1) عمرو بن بحر البصري، من كبار المعتزلة ومنظريهم، أديب ساخر ت255. "وفيات الأعيان"2/108.

(2)

(ع)(ط) : إدراك.

(3)

(ط) :فإنما.

(4)

(ط) : وقاتلهم جميعا.

(5)

(ع) : يقتل البالغ منهم (ط) : بقتل البالغ منهم. "الروضة": وقتل البالغ منهم.

(6)

الأصل: معرفة معجزة (ع)(ط) : معجزات.

(7)

(ط) : الرسول.

(8)

(ط) :الدالات.

(9)

الأصل: كثيرا. (ع) : كثير.

(10)

سورة ص آية 27.

(11)

سورة فصلت آية 23.

(12)

سورة الجاثية آية 24.

(13)

سورة المجادلة آية 18.

(14)

سورة الزخرف آية 37.

ص: 45

{الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ} الآية (1) .

وفي الجملة: ذم المكذبين للرسول مما لا ينحصر في الكتاب والسنة. انتهى (2) .

والعلماء يذكرون: أن من أنكر وجوب عبادة من العبادات الخمس، أو قال في واحدة منها (3) : إنها سنة لا واجبة، أو جحد حل الخبز ونحوه، أو جحد تحريم الخمر أو نحوه، أو شك في ذلك ومثله لا يجهله: كفر، وإن كان مثله يجهله: عرف ذلك، فإن أصر بعد التعريف كفر وقتل ، ولم يقولوا: فإذا تبين له الحق وعاند: كفر.

وأيضا، فنحن لا نعرف أنه معاند حتى يقول: أنا أعلم أن ذلك حق ولا ألتزمه، أو لا أقوله (4) ، وهذا لا يكاد يوجد.

وقد ذكر العلماء من أهل كل مذهب: أشياء كثيرة لا يمكن حصرها من الأقوال والأفعال والاعتقادات: أنه يكفر صاحبها، ولم يقيدوا ذلك بالمعاند.

فالمدعي أن مرتكب الكفر متأولا، أو مجتهدا مخطئا (5) ، أو مقلدا، أو جاهلا: معذور (6) . مخالف للكتاب والسنة والإجماع بلا شك، مع أنه لا بد أن ينقض أصله: فلو طرد أصله كفر بلا ريب، كما لو توقف في تكفير من شك في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك (7) /.

وأما الرجل الذي أوصى أهله أن يحرقوه، وأن الله غفر له، مع

(1) سورة الكهف الآيتان 104، 105.

(2)

"روضة الناظر وجنة المناظر" /362-363.

(3)

(ط) : منها. ساقطة.

(4)

(ع) : أقبله.

(5)

(ع)(ط) : أو مخطئا.

(6)

الأصل: معذورا. تحريف.

(7)

الأصل: وغير ذلك (ط) ساقط.

ص: 46

شكه في صفة من صفات الرب سبحان: فإنما غفر له لعدم بلوغ الرسالة له. كذا قال غير واحد من العلماء (1) .

ولهذا قال الشيخ تقي الدين رحمه الله: من شك في صفة من صفات الرب ومثله لا يجهلها: كفر، وإن كان مثله يجهلها: لم يكفر.

قال: ولهذا لم يكفر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الشاك في قدرة الله؛ لأنه لا يكون (2) إلا بعد بلوغ الرسالة (3) . وكذا قال ابن عقيل (4) ، وحمله على أنه لم تبلغه الدعوة.

واختيار الشيخ تقي الدين في الصفات: أنه لا يكفر الجاهل، وأما في الشرك ونحوه: فلا ، كما ستقف على بعض كلامه إن شاء الله. وقد قدمنا بعض كلامه في الإتحادية وغيرهم، وتكفيره من شك في كفرهم.

قال صاحب اختياراته (5) : والمرتد: من أشرك بالله، أو كان (6) مبغضا لرسوله أو لما جاء به، أو ترك إنكار كل منكر بقلبه، أو توهم أن من الصحابة (7) من قاتل مع الكفار أو أجاز ذلك، أو أنكر مجمعا (8) عليه إجماعا قطعيا، أو جعله بينه وبين الله وسائط: يتوكل

(1) ينظر "فتح الباري" 6/523.

(2)

(ع) : يكفر.

(3)

ينظر "مجموع فتاوى ابن تيمية" 7/538.

(4)

أبو الوفاء علي بن عقيل البغدادي، متوقد الذكاء، غزير العلم، فيه شائبة اعتزال وتجهم وانحراف عن السنة.ت513 "تاريخ ابن كثير" 13/184و"طبقات القراء " للذهبي 1/38.

(5)

أبو الحسن علي بن محمد البعلي المعروف بان اللحام، تلميذ الحافظ ابن رجب، من فقهاء الحنابلة. ت803 "الضوء اللامع" 5/320.

(6)

(ط) وكان

(7)

في "الاختيارات": من الصحابة أو التابعين أو تابعيهم.

(8)

(ع) : أمرا مجمعا (ط) : إجماعا مجمعا.

ص: 47

عليهم ويدعوهم ويسألهم (1)، ومن شك في صفة من صفات الله ومثله لا يجهلها: فمرتد. وإن كان مثله يجهلها: فليس بمرتد؛ ولهذا لم يكفر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الشاك في قدرة الله تعالى (2) .

فأطلق فيما تقدم من المفكرات، وفرق في الصفة بين الجاهل وغيره، مع أن رأي الشيخ رحمه الله تعالى- في التوقف عن تكفير الجهمية ونحوهم- خلاف نصوص الإمام أحمد وغيره من أئمة الإسلام (3) .

قال المجد (4) رحمه الله: كل بدعة كفرنا فيها الداعية، فإنا نفسق المقلد فيها، كمن يقول بخلق القرآن، أو أن علم الله مخلوق، أو أن أسماءه (5) مخلوقة، أو أنه لا يرى في الآخرة، أو يسب الصحابة تدينا، أو أن الإيمان مجرد الاعتقاد، وما أشبه ذلك.

فمن كان عالما في شيء (6) من هذه البدع: يدعو إليه ويناظر عليه، فهو محكوم بكفره. نص أحمد على ذلك في مواضع. انتهى.

فانظروا (7) ! كيف حكموا (8) بكفرهم مع جهلهم.

(1) الأصل (ع) : ويسألهم اجماعا (ط) ويسألهم كفر إجماعا. والمثبت ما في "الاختيارات".

(2)

"الاختيارات الفقهية" /307.

(3)

أخرج طرفا منها عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب" السنة"1/102-132.

(4)

أبو البركات عبد السلام بن عبد الله بن تيمية النميري، محدث أصولي فقيه. ت652. "تاريخ ابن رجب " (الذيل2/249) .

(5)

الأصل: أسماؤه.

(6)

(ع)(ط) : بشيء

(7)

(ع) : فانظر.

(8)

(ع) : حكم.

ص: 48