المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌نص الكتاب ‌ ‌مدخل … بسم الله الرحمن الرحيم (1) الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره - الانتصار لحزب الله الموحدين والرد على المجادل عن المشركين

[عبد الله أبا بطين]

الفصل: ‌ ‌نص الكتاب ‌ ‌مدخل … بسم الله الرحمن الرحيم (1) الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره

‌نص الكتاب

‌مدخل

بسم الله الرحمن الرحيم (1)

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه (2) ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا (3) وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد:

فقد قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (4) – فلما أعلمنا الله سبحانه إنما (5) خلقنا لعبادته، وجب علينا الاعتناء بما خلقنا له علما وعملا- (6) وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (7) الآية وقال تعالى: {وَاعْبُدُواْ اللهَ وَلَا تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا} (8) . قال ابن عباس رضي الله عنهما: كل ما في القرآن من الأمر بالعبادة فالمراد به التوحيد (9) .

(1) في الأصل أضيف: وبه نستعين وعليه اعتمادي، وأرجح أنه من صنع الناسخ.

(2)

(ط) : ونتوب إليه. ساقط.

(3)

(ع)(ط) : ومن.

(4)

سورة الذاريات آية 56.

(5)

(ع)(ط) :أنه إنما.

(6)

ما بينهما معلق في هامش الأصل وبجواره كلمة صح.

(7)

سورة البقرة آية 21.

(8)

سورة النساء آية 36.

(9)

ذكره البغوي في "التفسير"1/55.

ص: 23

وبذلك أرسل (1) الله جميع الرسل. قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ

إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (2) . وقال تعالى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} (3) .

وكل رسول أول ما يقرع به أسماع قومه أن يقول: اعبدوا الله ما لكم من إله غيره.

وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} (4) قال مالك وغير واحد من المفسرين: كل ما عبد من دون الله فهو طاغوت (5)، وقال عمر بن الخطاب وابن عباس رضي الله عنهم: الطاغوت الشيطان (6) .

قال ابن كثير: وهو قول قوي جدا، فإنه يتناول كل (7) ما كان عليه أهل الجاهلية من عبادة الأوثان والتحاكم إليها والاستنصار بها (8) . ذكره على قوله:{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ} (9) الآية.

(1)(ع) : أمر.

(2)

سورة الأنبياء آية 25.

(3)

سورة الزخرف آية 45.

(4)

سورة النحل آية 36.

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم كما في "الدر المنثور" 2/22.

(6)

علقه البخاري في " الصحيح" 8/251 (فتح) قال الحافظ: وإسناده قوي، وأخرجه الطبري في "التفسير" 5834، 5835، وأبو القاسم البغوي كما في "تفسير ابن كثير" 1/553، والفريابي، وسعيد بن منصور كما في "الدر المنثور"2/22.

(7)

علق في هامش الأصل على هذه الكلمة ما نصه: كلما. إذا كانت ظرفا كتبت (ما) معها متصلة، نحو {كلما رزقوا منها من ثمرة} ، وكلما جئتني أكرمتك. وإن كانت اسما كتبت منفصلة نحو: كل ما عندي لك، وكل ما في الدنيا فان. اهـ.

(8)

تفسير القرآن العظيم1/553.

(9)

سورة البقرة آية256.

ص: 24

قال النووي: قال الليث وأبو عبيدة والكسائي وجماهير أهل اللغة: الطاغوت كل ما عبد من دون الله (1) .

وقال الجوهري: الطاغوت الشيطان وكل رأس في الضلالة، انتهى (2) .

وما تضمنته هذه الآيات ونحوها من آي القرآن- من الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له، والنهي عن عبادة غيره- هو معنى لا إله إلا الله.

قال ابن جرير في الكلام على معنى لفظ الجلالة قال: وروي لنا، عن ابن عباس قال: أي هو ذو الألوهية والعبودية (3) على خلقه أجمعين (4) .

وقال الجوهري في الصحاح: أله – بالفتح- إلاهة، أي: عبد عبادة.

قال: ومنه قولنا" الله. وأصله إلاه على وزن فعال، بمعنى مفعول؛ لأنه مألوه بمعنى معبود (5) قال: والتأليه التعبيد، والتأله التنسك والتعبد.

قال رؤبة (6) : سبحن واسترجعن من تألهي (7)(8) . انتهى (9) .

وقال في القاموس: أله إلاهة وألوهة وألوهية: عبد/ عبادة، ومنه لفظ

(1)" المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" 3/18.

(2)

"تاج اللغة وصحاح العربية" 6/2413.

(3)

في " تفسير" الطبري والسيوطي: المعبودية.

(4)

أخرجه الطبري في "التفسير" رقم 141، وابن أبي حاتم كما في "الدر المنثور" 1/23 وفيه بشر بن عمارة.

(5)

"الصحاح"6/2223.

(6)

علق في هامش الأصل ما نصه: رؤبة هو ابن العجاج التميمي الراجز من فصحاء العرب (البصرة) أخذ عن أبيه وغيره، وعنه أخذ يحيى القطان وطائفة كثيرة، وكان لغويا علامة وقته، توفي سنة خمس وأربعين ومائة من هجرة الرسول اهـ.

(7)

علق في هامش الأصل: صدره: لله در الغانيات المده.

(8)

"الديوان"/165.

(9)

"الصحاح" 6/2224

ص: 25

الجلالة، قال: وأصله إله بمعنى مألوه، وكل ما اتخذ معبودا، إله (1) عند متخذه. قال: والتأله التنسك والتعبد (2) .

وفي المصباح: ألَه- من باب تعب – إلهة بمعنى عبد عبادة، وتأله تعبد، والإله المعبود وهو الله سبحانه. استعاره المشركون لما عبدوه من دون الله. انتهى (3) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الإله هو المعبود المطاع، فهو إله بمعنى مألوه.

وقال ابن القيم: الإله هو الذي تألهه القلوب محبة وإجلالا، وإنابة وإكراما، وتعظيما وخوفا، ورجاء وتوكلا (4) .

وقال ابن رجب: الإله: هو الذي يطاع فلا يعصى، هيبة له وإجلالا ومحبة، وخوفا ورجاء وتوكلا عليه، وسؤالا منه ودعاء له، ولا يصلح ذلك إلا لله، فمن أشرك مخلوقا في شيء من هذه الأمور التي هي من خصائص الإلهية، كان ذلك قدحا في إخلاصه في قول (5) : لا إله إلا الله، ونقصا في توحيده، وكان فيه من عبودية المخلوق بحسب ما فيه من ذلك، وهذا كله من فروع الشرك (6) .

وقال ابن هبيرة في الإفصاح (7) قوله: شهادة أن لا إله إلا الله

(1)(ع)(ط) : فهو إله.

(2)

"القاموس" 4/280.

(3)

"المصباح المنير" للمقري1/24.

(4)

نقله عنهما العلامة عبد الرحمن بن حسن في "فتح المجيد" /33 وانظر "الاقتضاء"2/846.

(5)

(ط) :قول. ساقطة.

(6)

كلمة الإخلاص للحافظ بن رجب /23.

(7)

طبع قطعة من أوله في شرح حديث (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) استوعب مجلدين كبيرين.

ص: 26

تقتضي أن يكون الشاهد عالما بأن لا إله إلا الله، قال تعالى:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} (1) وينبغي أن يكون الناطق بها شاهدا فيها، فقد قال الله تعالى- ما أوضح به- أن الشاهد بالحق إذا لم يكن عالما بما شهد به، فإنه غير بالغ من الصدق به مع من شهد لك (2) بما يعلمه في قوله تعالى:{إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (3) .

قال: واسم الله: مرتفع بعد إلا، من حيث أنه الواجب له الإلهية، فلا يستحقها غيره سبحانه.

قال: واقتضى الإقرار بها أن تعلم أن كل ما فيه أمارة للحدث فإنه لا يكون إلها، فإذا قلت: إلا إله إلا الله. اشتمل نطقك هذا على أن ما سوى الله ليس بإله، فيلزمك إفراده سبحانه بذلك وحده.

قال: وجملة الفائدة في ذلك: أن تعلم أن هذه الكلمة هي مشتملة على الكفر بالطاغوت والإيمان بالله، فإنك لما نفيت الإلهية، وأثبت الإيجاب لله كنت ممن كفر بالطاغوت وآمن بالله. انتهى.

وقال أبو عبد لله القرطبي في التفسير: إلا إله إلا هو. أي: لا معبود إلا هو (4) .

وقال الزمخشري (5) : الإله من أسماء الأجناس كالرجل والفرس، اسم (6) يقع على كل معبود بحق أو باطل، ثم غلب على المعبود بحق (7) .

(1) سورة محمد آية 19.

(2)

(ع) : لك. ساقطة.

(3)

سورة الزخرف آية 86.

(4)

نقله العلامة عبد الرحمن بن حسن في "فتح المجيد"/33.

(5)

أبو القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري. لغوي من كبار المعتزلة ت538. "اللسان"6/4.

(6)

(ط) : اسم. ساقطة.

(7)

"الكشاف" 1/36.

ص: 27

وقال البقاعي/: لا إله إلا الله. أي: انتفى انتفاءا عظيما أن يكون معبود (1) بحق غير الملك الأعظم؛ فإن هذا العلم هو أعظم الذكرى المنجية من أهوال الساعة، وإنما يكون علما إذا كان نافعا، وإنما يكون نافعا إذا كان مع الإذعان والعمل بما تقتضيه، وإلا فهو جهل صرف. انتهى (2) .

وجميع المفسرين يفسرون الإله بالمعبود. والمشركون يعرفون ذلك؛ لأنهم أهل اللسان. فلما طلب منهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يقولوا: لا إله إلا الله. قالوا: أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب (3) .

وهم يعترفون بأن الله هو الخالق الرازق المدبر لجميع الأمور، رب كل شيء ومليكه؛ كما أخبر الله عنهم بذلك في مواضع كثيرة من كتابه.

والله سبحانه فرض على عباده معرفة معنى: لا إله إلا الله، وأن يعلموا أن لا إله إلا هو (4) . قال تعالى:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} .

وترجم البخاري على الآية فقال: باب العلم قبل القول والعمل (5) .

أشار (6) إلى أن العلم بمعنى: لا إله إلا الله، أول واجب. ثم بعد ذلك القول والعمل.

وقال الله تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} (7) لم يقل: ليقولوا: إنما هو إله واحد (8) .

(1) الأصل و (ط) : معبودا.

(2)

نقله الشيخ عبد الرحمن بن حسن في "فتح المجيد"/34.

(3)

حكى الله ذلك عنهم في سورة ص آية 5.

(4)

(ع) : الله.

(5)

صحيح البخاري 1/159 "فتح".

(6)

(ط) إشارة.

(7)

سورة إبراهيم آية 52.

(8)

ما بينهما ساقط من (ع) و (ط) .

ص: 28

وقال: {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللهِ وَأَن لَاّ إِلَهَ إِلَاّ هُوَ} (1) أي: واعلموا أن لا إله إلا هو.

وقال تعالى: {وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (2) قال المفسرون: إلا من شهد بلا إله إلا الله، وهم يعلمون بقلوبهم ما شهدوا به بألسنتهم (3) .

وقد قال النبي (4) صلى الله عليه وسلم: "من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة"(5) .

واستدل العلماء بهذه الآيات ونحوها: على أن أول واجب على الإنسان معرفة الله.

ودلت هذه الآيات (6) : على أن آكد الفرائض العلم بمعنى لا إله إلا الله، وأن أعظم الجهل نقص العلم بمعناها؛ إذ كان معرفة معناها آكد الواجبات، فالجهل (7) بذلك أعظم الجهل وأقبحه.

ومن العجب أن بعض الناس إذا سمع من يتكلم في معنى هذه الكلمة نفيا وإثباتا، عاب ذلك، وقال: لسنا مكلفين بالناس والقول فيهم!

فيقال له: بل أنت مكلف بمعرفة التوحيد الذي خلق الله الجن والإنس لأجله، وأرسل جميع الرسل يدعون إليه، ومعرفة ضده وهو

(1) سورة هود آية14.

(2)

سورة الزخرف آية 86.

(3)

ينظر "تفسير الحافظ ابن كثير" 7/229،و"تفسير القرطبي"16/122.

(4)

النبي: ليست في (ع) و (ط) .

(5)

أخرجه مسلم في "الصحيح" رقم 26 وأحمد في "المسند"1/65، 69 والنسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم 1114، 1115 وابن أبي شيبة في "المصنف" 3/238،والحاكم في "المستدرك"1/351،والدولابي في "الكنى"1/129،وابن حبان والبيهقي كما في "الدر المنثور"6/ 63 من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه.

(6)

ما بينهما ساقط من (ع) .

(7)

(ع) : والجهل.

ص: 29

الشرك الذي لا يغفر. ولا عذر لمكلف في الجهل بذلك.

ولا يجوز فيه التقليد؛ لأنه أصل الأصول. فمن لم يعرف المعروف وينكر المنكر فهو هالك، لاسيما أعظم المعروف / وهو التوحيد، وأكبر المنكرات وهو الشرك.

قال رجل لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه: هلكت إن لم آمر بالمعروف وأنه عن المنكر! فقال ابن مسعود: هلكت إن لم يعرف قلبك المعروف وينكر المنكر (1) .

وبمعرفة التوحيد يعرف أهله؛ كما قال علي رضي الله عنه: اعرف الحق تعرف أهله.

وأما الإقرار بتوحيد الربوبية: وهو أن الله سبحانه خالق كل شيء ومليكه ومدبره، فهذا يقر به المسلم والكافر، ولابد منه. لكن لا يصير به الإنسان مسلما، حتى يأتي بتوحيد الإلهية الذي دعت إليه الرسل، وأبى عن الإقرار به المشركون، وبه يتميز المسلم عن الشرك وأهل الجنة من أهل النار.

وقد أخبر سبحانه في مواضع من كتابه عن المشركين: أنهم يقرون بتوحيد الربوبية. ويحتج عليهم سبحانه بإقرارهم بتوحيد الربوبية على إشراكهم في توحيد الإلهية، قال سبحانه:{قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * فَذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ} الآية (2) .

(1) أخرجه أبو نعيم في "الحلية" 1/135 عن طارق بن شهاب قال: جاء عتريس ابن عرقوب الشيباني إلى عبد الله، فذكره وهو عنده بلفظ:هلك من لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر. قال: بل هلك من لم يعرف قلبه المعروف، وينكر قلبه المنكر.

(2)

سورة يونس الآيتان 31، 32.

ص: 30

قال البكري الشافعي (1) في تفسيره على هذه الآية: إن (2) قلت: إذا أقروا بذلك فكيف عبدوا الأصنام؟. قلت: كلهم كانوا يعتقدون بعبادتهم الأصنام، عبادة الله والتقرب إليه. لكن في طرق مختلفة:

ففرقة قالت: ليس لنا أهلية عبادة الله بلا واسطة؛ لعلظمته فعبدناها لتقربنا إليه زلفى.

وفرقة قالت: الملائكة ذوو وجاهة عند الله، فاتخذنا (3) أصناما على هيئة الملائكة لتقربنا إلى الله زلفى.

وفرقة (4) قالت: جعلنا الأصنام قبلة لنا في العبادة؛ كما أن الكعبة قبلة في عبادته.

وفرقة اعتقدت: أن لكل صنم شيطانا موكلا بأمر الله، فمن عبد الصنم حق عبادته قضى الشيطان حوائجه بأمر الله، وإلا أصابه شيطانه بنكبة بأمر الله (5) .

وقال ابن كثير عند قوله: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (6) : إنما يحملهم على عبادتهم؛ أنهم عمدوا إلى أصنام (7) اتخذوها على صور الملائكة المقربين في زعمهم،

(1) لم أجد في "طبقات المفسرين" أحدا بهذا اللقب- وهو شافعي المذهب- غير اثنين هما: محمد بن عمر بن الحسين، فخر الدين الرازي، من كبار المتكلمين، وأئمة الأشاعرة المخالفين لطريقة السلف ت606،وعلي بن يعقوب بن جبريل، وهو ممن أنكر على شيخ الإسلام ابن تيمية لما دخل مصر وقام عليه وآذاه ت 724 ينظر "طبقات المفسرين " للداوودي 1/440، 2/215.

(2)

(ط) : إذا.

(3)

الأصل: اتخذنا (ط) : اتخذناها.

(4)

(ط) : فرقة. ساقطة.

(5)

لم أعثر عليه في "مفاتيح الغيب" للرازي.

(6)

سورة الزمر آية3.

(7)

في جميع النسخ: عبدوا الأصنام. والمثبت من التفسير.

ص: 31

فعبدوا تلك الصور تنزيلا لذلك منزلة عبادتهم الملائكة، ليشفعوا لهم عند الله في نصرهم وما ينوبهم/ من أمر الدنيا.

قال قتادة، والسدي، ومالك- عن زيد بن أسلم، وابن زيد -:{إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [أي](1) : ليشفعوا لنا ويقربونا عنده [منزلة](2) .

{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} (3) . {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} (4) وقال: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَاّ وَهُم مُّشْرِكُونَ} (5) قال ابن عباس وغيره: إذا سألتهم من خلق السموات والأرض؟ قالوا: الله. وهم يعبدون معه غيره (6) !!

ففسروا (7) الإيمان في هذه الآية: بإقرارهم بتوحيد الربوبية، والشرك – بعبادتهم غير الله- وهو توحيد الألوهية (8) .

فلما تقرر معنى: الإله، وأنه المعبود. تعين علينا معرفة حقيقة العبادة وحدها.

فعرفها بعضهم بأنها: ما أمر به (9) شرعا من غير اطراد عرفي ولا اقتضاء عقلي.

(1) زيادة من (ع) و (ط) والتفسير.

(2)

زيادة من التفسير7/75.

(3)

سورة الزخرف آية9.

(4)

سورة الزخرف آية 87.

(5)

سورة يوسف آية 106.

(6)

أخرجه الطبري في "التفسير" 16/286-289.

(7)

(ع) : ففسر.

(8)

أي: في زعمهم.

(9)

(ع) : به الإنسان.

ص: 32

وقال بعضهم: هي كمال الحب مع كمال الخضوع. وهذا يستلزم طاعة المحبوب والانقياد له.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة: كالصلاة والزكاة، والصيام، والحج، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعاء والذكر، و [قراءة](1) القرآن، وأمثال ذلك من العبادة (2) .

فالدين كله داخل في العبادة. فإذا علم الإنسان وتحقق معنى الإله، وأنه المعبود، وعرف حقيقة العبادة. تبين له أن من جعل شيئا من العبادة لغير الله فقد عبده واتخذه إلها، وإن فر من تسميته معبودا أو (3) إلها، وسمى ذلك توسلا وتشفعا أو التجاء (4) ونحو ذلك.

فالمشرك: مشرك شاء أم أبى؛ كما أن المرابي مراب شاء أم أبى، وإن لم يسم ما فعله ربا، وشارب الخمر شارب للخمر وإن سماها بغير اسمها، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم:" يأتي ناس من أمتي يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها"(5) .

فتغيير الاسم لا يغير حقيقة المسمى ولا يزيل حكمه، كتسمية البوادي سوالفهم الباطلة حقا، وتسمية الظلمة ما يأخذونه من الناس بغير اسمه!!!

(1) ساقط من الأصل.

(2)

"مجموعة فتاوى ابن تيمية"10/149.

(3)

(ع) :و.

(4)

(ع)(ط) : و.

(5)

أخرجه أبو داود في "السنن" رقم3688،3689، وابن ماجه في " السنن رقم 4069 وأحمد في "المسند"5/342، وابن أبي شيبة في "المصنف" 7/465،وابن حبان في "الصحيح" رقم 1384 (موارد) والطبراني في "الكبير3/321 من حديث أبي مالك الأشعري، وأخرجه أحمد في "المسند"5/318 من حديث عبادة بن الصامت.

ص: 33

ولما سمع عدي بن حاتم – وهو نصراني – قول الله تعالى: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ} (1) قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا لسنا نعبدهم!! قال: " أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتحلونه؟! " قال. قلت: بلى! قال: "فذلك/ عبادتهم"(2)، فعدي رضي الله عنه: ما كان يحسب أن موافقتهم فيما ذكر عبادة منهم لهم (3) . فأخبره (4) صلى الله عليه وسلم أن ذلك عبادة منهم لهم، مع أنهم لا يعتقدونه عبادة لهم.

وكذلك ما يفعله عباد القبور: من دعاء أصحابها، وسؤالهم قضاء الحاجات وتفريج الكربات، والتقرب إليهم بالذبائح والنذور. عبادة منهم للمقبورين، وإن كانوا لا يسمونه ولا يعتقدونه عبادة.

وكذلك الذين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: اجعل لنا ذات أنواط. ما كانوا يظنون أن قولهم: اجعل لنا ذات أنواط، كقول بني إسرائيل: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة.

ولم يظنوا أن هذا من التأله لغير الله الذي تنفيه: لا إله إلا الله؛ لأنهم يقولون: لا إله إلا الله ، ويعرفون معناها-لأنهم العرب – لكن

(1) سورة التوبة آية 31.

(2)

أخرجه الترمذي في "الجامع " رقم 3094وقال: هذا حديث غريب، وأخرجه ابن جرير في "التفسير" رقم 61632، 61633،والبيهقي في "السنن الكبرى"10/116، وابن أبي شيبة في "المصنف"13/411، والمزي في"تهذيب الكمال"2/1090، وأخرجه ابن سعد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه كما في "الدر المنثور" 4/174 من حديث عدي بن حاتم، وحسنه الترمذي كما في المصدر السابق وكتاب "التوحيد" للشيخ محمد بن عبد الوهاب1/102 (مجموعة مؤلفات) والألباني في "غاية المرام"/6.

(3)

(ط) : لهم. ساقطة.

(4)

(ع)(ط) : فأخبر.

ص: 34

خفيت عليهم هذه المسئلة؛ لحداثة عهدهم بالكفر. حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الله أكبر، إنها السنن. قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، قال: إنكم قوم تجهلون. لتركبن سنن من كان قبلكم"(1) .

فإن قيل: فالنبي (2) صلى الله عليه وسلم لم يكفرهم بذلك!!

قلنا: هذا يدل على أن من تكلم بكلمة كفر جاهلا بمعناها، ثم نبه فتنبه أنه لا يكفر.

ولا شك أن هؤلاء: لو اتخذوا ذات أنواط بعد إنكار النبي صلى الله عليه وسلم عليهم، لكفروا.

وقال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ *وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (3) الضمير في قوله {َجَعَلَهَا} راجع لقوله: {إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي} .

قال مجاهد وقتادة: هي شهادة أن لا إله إلا الله، فلا يزال في ذرية

(1) أخرجه الترمذي في "الجامع" رقم 2181 وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأخرجه أحمد في "المسند"5/218، وابن إسحاق كما في "سيرة ابن هشام" 4/84، وعبد الرزاق في "المصنف" رقم 20763،والحميدي في "المسند"رقم 848، والطيالسي في "المسند" رقم 1346، وابن أبي عاصم في "السنة" رقم 76، والطبري في "التفسير"9/31، وابن حبان في "الصحيح" رقم 1835 (موارد) والطبراني في "الكبير" رقم3290، 3294، والشافعي في "المسند"/23 (بدائع) والبيهقي في "الدلائل" 5/125، وابن أبي شيبة في "المصنف"15/101، والنسائي في الكبرى "كتاب التفسير" كما في "تحفة الأشراف" 11/112، وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه كما في "الدر المنثور" 3/533 من حديث أبي واقد الليثي.

(2)

(ط) : فإن النبي.

(3)

سورة الزخرف الآيات: 26-28.

ص: 35

إبراهيم من يعبدوا (1) الله وحده (2) .

ففي الآية والحديثين قبلها: بيان لمعنى لا إله إلا الله، وأن المراد منها البراءة من التأله والعبادة لغير الله، وإفراده سبحانه بالعبادة.

ومن أعظم المصائب: إعراض أكثر الناس عن النظر في معنى هذه الكلمة العظيمة، حتى صار كثير منهم يقول: من قال: لا إله إلا الله، ما نقول فيه شيئا وإن فعل ما فعل!!؛ لعدم معرفتهم بمعنى هذه الكلمة نفيا وإثباتا.

مع أن قائل ذلك لا بد أن يتناقض، فلو قيل له: ما تقول فيمن قال: لا إله إلا الله، ولا يقر برسالة محمد بن عبد الله؟؟. لم يتوقف في تكفيره (3) ، أو أقر بالشهادتين وأنكر البعث؟ لم يتوقف في تكفيره/! أو استحل الزنا أو اللواط أو نحوهما، أو قال: إن الصلوات الخمس ليست بفرض! أو أن صيام رمضان ليس بفرض؟!

فلا بد أن يقول بكفر من قال ذلك!! فكيف لا تنفعه لا إله إلا الله إذن (4) ، ولا تحول بينه وبين الكفر!

فإذا ارتكب ما يناقضها: وهو عبادة غير الله: وهو الشرك الأكبر الذي هو أكبر الكبائر. قيل: هو يقول لا إله إلا الله، ولا يجوز تكفيره؛ لأنه يتكلم بكلمة التوحيد!! لكن آفة الجهل والتقليد أوجبت ذلك.

وهؤلاء ونحوهم إذا سمعوا من يقرر أمر التوحيد ويذكر الشرك، استهزأوا به وعابوه!

(1)(ع)(ط) : يعبد.

(2)

ابن كثير 7/212.

(3)

(ع)(ط) :كفره.

(4)

(ع)(ط) : إذا.

ص: 36

قال شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه – في أثناء كلام له: - والضالون مستخفون بتوحيد الله: يعظمون دعاء غيره من الأموات، وإذا أمروا بالتوحيد ونهوا عن الشرك استخفوا به، كما قال تعالى:{وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا * إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا} الآية (1) .

فاستهزأوا بالرسول لما نهاهم عن الشرك، وما زال المشركون يسبون الأنبياء ويصفونهم بالسفاهة والضلال والجنون إذا دعوهم إلى التوحيد؛ لما في أنفسهم من تعظيم الشرك.

وكذلك من فيه (2) شبه منهم: إذا رأوا من يدعو إلى التوحيد، استهزأوا بذلك (3) ؛ لما عندهم من الشرك.

ومن كيد الشيطان لمبتدعة هذه الأمة- المشركين (4) بالبشر من المقبورين وغيرهم-: لما (5) علم عدو الله أن كل من قرأ القرآن أو سمعه، ينفر من الشرك ومن عبادة غير الله. ألقى في قلوب الجهال أن هذا الذي يفعلونه مع المقبورين وغيرهم، ليس عبادة لهم، وإنما هو توسل وتشفع بهم، والتجاء إليهم ونحو ذلك.

فسلب العبادة والشرك اسمهما (6) من قلوبهم، وكساهما أسماء لا تنفر عنها القلوب، ثم ازداد اغترارهم وعظمت الفتنة، بأن صار بعض من ينسب (7) إلى علم ودين يسهل عليهم ما ارتكبوه من الشرك، ويحتج

(1) سورة الفرقان الآيتان 42 ،43.

(2)

(ط) : فيهم.

(3)

(ط) : به.

(4)

(ع) : من المشركين.

(5)

(ط) : ولما.

(6)

الأصل: اسمها.

(7)

الأصل: ما.

ص: 37