الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
النبي صلى الله عليه وسلم "من مات وهو يدعوا من دون الله نداً دخل النار"(1) رواه البخاري واستدل المؤلف رحمه الله تعالى لأمر الله تعالى بالعبادة ونهيه عن الشرك بقوله عز وجل: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} [سورة النساء، الآية: 36] فأمر الله سبحانه وتعالى بعبادته ونهى عن الشرك به، وهذا يتضمن إثبات العبادة له وحده فمن لم يعبد الله سبحانه وتعالى بعبادته ونهى عن الشرك به، وهذا يتضمن إثبات العبادة له وحده فمن لم يعبد الله فهو كافر مستكبر، ومن عبد الله وعبد معه غيره فهو كافر مشرك، ومن عبد الله وحده فهو مسلم مخلص. والشرك نوعان: شرك أكبر، وشرك أصغر.
فالنوع الأول: الشرك الأكبر وهو كل شرك أطلقه الشارع وكان متضمناً لخروج الإنسان عن دينه.
النوع الثاني: الشرك الأصغر وهو كل عمل قولي أو فعلي أطلق عليه الشرع وصف الشرك ولكنه لا يخرج عن الملة.
وعلى الإنسان الحذر من الشرك أكبره وأصغره فقد قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [سورة النساء الآية: 48] .
الأُصُولُ الثَّلاثَةُ التِي يَجِبُ عَلَى الإِنْسَانِ مَعْرِفَتُهَا
الأصل الأول: معرفة العبد ربه
…
فإذا قبل لَكَ: مَا الأُصُولُ (1) الثَّلاثَةُ التِي يَجِبُ عَلَى الإنسان.....
ــ
(1)
الأصول جمع أصل، وهو ما يبنى عليه غيره، ومن ذلك أصل الجدار وهو أساسه، وأصل الشجرة الذي يتفرغ منه الأغصان، قال الله تعالى:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} [سورة إبراهيم، الآية: 24] .
(1) رواه البخاري، كتاب التفسير، سورة البقرة باب قوله تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً} الآية: 165.
معرفتها (1) ؟ فقل: معرفة العبد ربه (2) . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهذه الأصول الثلاثة يشير بها المصنف رحمه إلى الأصول التي يسأل عنها الإنسان في قبره: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟
(2)
أورد المؤلف رحمه الله تعالى هذه المسألة بصيغة السؤال وذلك من أجل أن ينتبه الإنسان لها؛ لأنها مسألة عظيمة وأصول كبيرة؛ وإنما قال: إن هذه هي الأُصُولُ الثَّلاثَةُ التِي يَجِبُ عَلَى الإِنْسَانِ مَعْرِفَتُهَا لأنها هي الأصول التي يسال عنها المرء في قبره إذا دفن وتولى عنه أصحابه أتاه ملكان فأقعداه فسألاه من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فأما المؤمن فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد، وأما المرتاب أو المنافق فيقول هاها لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته.
(2)
معرفة الله تكون بأسباب:
منها النظر والتفكر في مخلوقاته عز وجل فإن ذلك يؤدي إلى معرفته ومعرفة عظيم سلطانه وتمام قدرته، وحكمته، ورحمته قال الله تعالى:{أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ} [سورة الأعراف، الآية: 185] . وقال عز وجل: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} [سورة سبأ، الآية: 46] وقال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [سورة آل عمران، الآية: 190] وقال عز وجل: {وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ} [سورة يونس، الآية: 6] وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [سورة البقرة، الآية: 164] .
ومن أسباب معرفة العبد ربه النظر في آياته الشرعية وهي الوحي الذي جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام فينظر في هذه الآيات وما فيها من المصالح العظيمه التي لا تقوم حياة الخلق في الدنيا ولا في الآخرة إلا بها، فإذا نظر فيها وتاملها وما اشتملت عليه من العلم والحكمة ووجد انتظامها موافقتها لمصالح العباد عرف بذلك ربه عز وجل كما قال الله عز وجل:{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [سورة النساء، الآية: 82] .
ومنها ما يلقى الله عز وجل في قلب المؤمن من معرفة الله سبحانه وتعالى حتى كأنه يرى ربه رأي العين قال النبي عليه الصلاة والسلام حين ساله جبريل مال الإِحْسَانِ؟ قَالَ: "أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك". (1)
(1)
أي معرفة الأصل الثاني وهو دينه الذي كلف العمل به ما تضمنه من الحكمة والرحمة ومصالح الخلق، ودرء المفاسد عنها، ودين الإسلام من تأمله حق التأمل تأملاً مبيناً على الكتاب والسنة عرف أنه دين الحق، وأنه الدين الذي لا تقوم مصالح الخلق إلا به، ولا ينبغي أن نقيس الإسلام بما عليه المسلمون اليوم، فإن المسلمين قد فرطوا في أشياء كثيرة وارتكبوا
ــ
(1)
أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب: بيان أركان الإيمان والإسلام.
ونبيه محمداً صلى الله عليه وسلم (1)
ــ
محاذير عظيمة حتى كأن العائش بينهم في البلاد الإسلامية يعيش في بعض البلاد الإسلامية يعيش في جو غير إسلامي.
والدين الإسلامي -بحمد الله تعالى- متضمن لجميع المصالح التي تضمنتها الأديان السابقة متميز عليها بكونه صالحاً لكل زمان ومكان وأمة، ومعنى كونه صالحاً لكل زمان ومكان وأمة: أن التمسك به لا ينافي مصالح الأمة في أي زمان ومكان أمة، فدين الإسلام يأمر بكل عمل صالح وينهي عن كل عمل سيء فهو يأمر بكل خلق فاضل، وينهى عن كل خلق يافل.
(1)
هذا هو الأصل الثالث وهو معرفة الإنسان نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم، وتحصل بدراسة حياة النبي صلى الله عليه وسلم وما كان عليه من العبادة، والأخلاق، والدعوة إلى الله عز وجل، والجهاد في سبيله وغير ذلك من جوانب حياته عليه الصلاة والسلام، ولهذا ينبغي لكل إنسان يريد أن يزداد معرفة بنبية وإيماناً به أن يطالع من سيرته ما تيسر في حربه وسلمه، وشدته ورخائه وجميع أحواله نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من المتبعين لرسوله صلى الله عليه وسلم، باطناً وظاهراً، وأن يتوفانا على ذلك انه وليه والقادر عليه.
معنى الرب والدليل على ذلك
…
فَإِذَا قِيلَ لَكَ: مَنْ رَبُّكَ (2) ؟ فَقُلْ: رَبِّيَ اللهُ الَّذِي رَبَّانِي وَرَبَّى جَمِيعَ الْعَالَمِينَ بِنِعَمِهِ (3) ،.... ــ
(2)
أي من هو ربك الذي خلقك، وأمدك، وأعدك، ورزقك.
(3)
التربية هي عبارة عن الرعاية التي يكون بها تقويم المربى، ويشعر
وَهُوَ مَعْبُودِي لَيْسَ لِي مَعْبُودٌ سِوَاهُ (1) وَالدَّلِيلُ قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (2)[سورة الفاتحة، الآية: 2] وكل ما سوى الله عالم
ــ
كلام المؤلف رحمه الله أن الرب مأخوذ من التربية لأنه قال: "الذي رباني وربى جميع العالمين بنعمه" فكل العالمين قد رباهم الله بنعمه وأعدهم لما خلقوا له، وأمدهم برزقه قال الله تبارك وتعالى في محاورة موسى وفرعون:{قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [سورة طه، الآيتين: 49-50] . فكل أحد من العالمين قد رباه الله عز وجل بنعمه.
ونعم الله عز وجل على عباده كثيرة لا يمكن حصرها قال الله تبارك وتعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [سورة النحل، الآية: 18] فالله هو الذي خلقك وأعدك، وأمدك ورزقك فهو وحده المستحق للعبادة.
(1)
أي وهو الذي أعبده وأتذلل له خضوعاً ومحبة وتعظيماً، أفعل ما يأمرني به، وأترك ما ينهاني عنه، فليس لي أحد أعبده سوى الله عز وجل، قال الله تبارك وتعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [سورة الأنبياء الآية: 25] وقال تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [سورة البينة، الآية: 5] .
(2)
أستدل المؤلف رحمه الله لكون الله سبحانه وتعالى مربياً لجميع الخلق بقوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [سورة الفاتحة، الآية: 2] يعني الوصف بالكمال والجلال والعظمة لله تعالى وحده.
{رَبِّ الْعَالَمِينَ} أي مربيهم بالنعم وخالقهم ومالكهم، والمدبر لهم كما شاء عز وجل.
وأنا واحد من ذلك العالم (1) ،
ــ
(1)
العالم كله من سوى الله، وسمو عالماً لأنهم علم على خالقهم ومالكهم ومدبرهم ففي كل شيء آية لله تدل على أنه واحد.
وأنا المجيب بهذا واحد من ذلك العالم، وإذا كان ربي وجب علي أن أعبده وحده.
فَإِذَا قِيلَ لَكَ بِمَ عَرَفْتَ رَبَّكَ (2) ؟ فَقُلْ بِآيَاتِهِ وَمَخْلُوقَاتِهِ (3) وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، وَمِنْ مَخْلُوقَاتِهِ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرَضُونَ السَّبْعُ ومن فيها وما بينهما (4) .
ــ
(2)
أي إذا قيل لك: بأي شيء عرفت الله عز وجل؟
فقل: عرفته بآياته ومخلوقاته.
(3)
الآيات: جمع آية وهي العلامة على الشيء التي تدل عليه وتبينه.
و
آيات الله
تعالى نوعان: كونية وشرعية، فالكونية هي المخلوقات، والشرعية هي الوحي الذي أنزله الله على رسله، وعلى هذا يكون قول المؤلف رحمه الله "بآياته ومخلوقاته" من باب العطف الخاص على العام إذا فسرنا الآيات بأنها الآيات الكونية والشرعية. وعلى كل فالله عز وجل يعرف بآياته الكونية وهي المخلوقات العظيمة وما فيها من عجائب الصنعة وبالغ الحكمة، وكذلك يعرف بآياته الشرعية وما فيها من العدل، والإشتمال على المصالح، ودفع المفاسد.
وفي كل شيء له آية
…
تدل على أنه واحد
(4)
كل هذه من آيات الله الدالة على كمال القدرة، وكمال الحكمة، وكمال الحكمة، وكمال
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الرحمة، فالشمس آية من آيات الله عز وجل لكونها تسير سيراً منتظماً بديعاً منذ خلقها الله عز وجل وإلى أن يأذن الله تعالى بخراب العالم، فهي تسير لمستقر لها كما قال تعالى:{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [سورة يس، الآية: 38] وهي من آيات الله تعالى بحجمها واثارها، أما حجمها فعظيم كبير، وأما اثارها فما يحصل منها من المنافع للأجسام والأشجار والأنهار، والبحار وغير ذلك، فإذا نظرنا إلى الشمس هذه الآية العظيمة ما مدى البعد الذي بيننا وبينها مع ذلك فإننا نجد حرارتها هذه الحرارة العظيمة، ثم أنظر ماذا يحدث فيها من الإضاءة العظيمة التي يحصل بها توفير أموال كثيرة على الناس فإن الناس في النهار يستغنون عن كل إضاءة ويحصل بها مصلحة كبيرة للناس من توفير أموالهم ويعد هذا من الآيات التي لا ندرك إلا اليسير منها.
كذلك القمر من آيات الله عز وجل حيث قدره منازل لكل ليلة منزلة {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [سورة يس، الآية: 39] فهو يبدو صغيراً ثم يكبر رويداً حتى يكمل ثم يعود إلى النقص، وهو يشبه الإنسان حيث أنه يخلق من ضعف ثم لا يزال يترقى من قوة إلى قوة حتى يعود إلى الضعف مرة أخرى فتبارك الله أحسن الخالقين.
وَالدَّلِيلُ (1) قَوْلُهُ تَعَالَى {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [سورة فصلت، الآية: 37] وَقَوْلُهُ (2) تَعَالَى:
ــ
(1)
أي والدليل على أن الليل والنهار، والشمس والقمر من آيات الله عز وجل قوله تعالى
{وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ} .... إلخ أي من العلامات البينة المبينة لمدلولها الليل والنهار في ذاتهما واختلافهما، وما أودع الله فيهما من مصالح العباد وتقلبات أحوالهم، وكذلك الشمس والقمر في ذاتهما وسيرهما وانتظامهما وما يحصل بذلك من مصالح العباد ودفع مضارهم.
ثم نهى الله تعالى العباد أ، يسجدوا للشمس أو القمر وإن بلغا مبلغاً عظيماً في نفوسهم لأنهما لا يستحقان العبادة لكونها مخلوقين، وإنما المستحق للعبادة هو الله تعالى الذي خلقهن.
(2)
وقوله أي من الأدلة على أن الله خلق السماوات والأرض قوله تَعَالَى {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} الآية وفيها من آيات الله:
أولاً: إن الله خلق هذه المخلوقات العظيمة في ستة أيام ولو شاء لخلقها
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بلحظة ولكنه ربط المسببات بأسبابها كما تقتضيه حكمته.
ثانياً: أنه أستوى على العرش أي علا عليه علواً خاصاً به كما يليق بجلاله وعظمته وهذا عنوان كمال الملك والسلطان.
ثالثاً: أنه يغشى الليل النهار أن يجعل الليل غشاء للنهار، أي غطاء له فهو كالثوب يسدل على ضوء النهار فيغطيه.
رابعاً: أنه جعل الشمس والقمر والنجوم مذللات بأمره جل سلطانه يأمرهن بما يشاء لمصلحة العباد.
خامساً: عموم ملكه وتمام سلطانه حيث كان له الخلق والأمر لا لغيره.
سادساً: عموم ربوبيته للعالمين كلهم.
الرب هو المعبود ودليل ذلك وتفسيره
…
وَالرَّبُ هُوَ الْمَعْبُودُ (1)، وَالدَّلِيلُ (2) قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ (3) اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ (4) وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (5) الَّذِي
ــ
(1)
يشير المؤلف رحمه الله تعالى إلى قول الله عز وجل: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [سورة الأعراف، الآية: 54] .
(2)
أي الدليل على أن الرب هو المستحق للعبادة.
(3)
النداء موجه لجميع الناس من بني آدم أمرهم الله عز وجل أن يعبدوه وحده لا شريك له.
وحده لا شريك له فلا يجعلوا له أنداداً، ويبين أنه إنما استحق العبادة لكونه هو الخالق وحده لا شريك له.
(4)
قوله {الَّذِي خَلَقَكُم} هذه صفة كاشفة تعلل ما سبق أي أعبدوه لأنه ربكم الذي خلقكم فمن أجل كونه الرب الخالق كان لزاماً عليكم أن تعبدوه، ولهذا نقول يلزم كل من أقر بربوبية الله أن يعبده وحده وإلا كان متناقضاً.
(5)
أي من أجل أن تحصلوا على التقوى، والتقوى هي اتخاذ وقاية من عذاب الله عز وجل بإتباع واجتناب نواهيه.
جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً (1) وَالسَّمَاءَ بِنَاءً (2) وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً (3) فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ (4) فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً (5) وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (6)[سورة البقرة، الآيتين: 20-21] .
ــ
(1)
أي جعلها فراشاً ومهاداً نستمتع فيها من غير مشقة ولا تعب كما ينام الإنسان على فراشه.
(2)
أي فوقنا الأن البناء يصير فوق السماء بناء لأهل الأرض وهي سقف محفوظ كما قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ} [سورة الأنبياء، الآية: 32] .
(3)
أي أنزل من العلو من السحاب ماء طهوراً كما قال تعالى: {لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ} [سورة النحل الآية: 10] .
(4)
أي عطاء لكم وفي آية أخرى: {مَتَاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} [سورة النازعات الآية: 33] .
(5)
أي لا تجمعلوا لهذا الذي خلقكم، وخلق الذين من قبلكم، وجعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناء، وأنزل لكم مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رزقاً لكم لا تجعلوا له أنداداً تعبدونها كما تعبدون الله، أو تحبونها كما تحبون الله فإن ذلك غير لائق بكم لا عقلاً ولا شرعاً.
أي تعلمون أنه لا ند له وأنه بيده الخلق والرزق والتدبير فلا تجعلوا له شريكاً في العبادة.
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى (1) _: "الخَالِقُ لهذه الأشياء هو المستحق للعبادة "
ــ
(1)
هو عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر القرشي الدمشقي الحافظ المشهور صاحب التفسير والتاريخ من تلاميذ شيخ الإسلام بن تيمية توفي سنة أربع وسبعين وسبعمائة.
أنواع العبادة على وجه الإجمال
مدخل
…
وَأَنْوَاعُ الْعِبَادَةِ الَّتِي أَمَرَ اللهُ بِهَا (2) : مِثْلُ الإسلام، والإيمان،
ــ
(2)
لما بين المؤلف رحمه الله تعالى أن الواجب علينا أن نعبد الله وحده لا شريك له، بين فيما يأتي شيئاً من أنواع العبادة مثل الإسلام، والإيمان، والإحسان.
وهذه الثلاثة الإسلام، والإيمان، والإحسان هي الدين كما جاء ذلك فيما رواه مسلم من حديث عُمَرَ بنِ الْخَطَّابِ-رضي الله عنه قَالَ:"بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ، لا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السفر، ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَسْنَدَ ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخديه، قال: يا محمد أخبرني عن الإسلام؟ فقال؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم "أن تشهد أن لا إله إلا اله وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَتُقِيمَ الصَّلاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنْ اسْتَطَعْتَ إليه سبيلاً". قال صدقت. قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه. قال: فاخبرني عَنِ الإِيمَانِ؟ قَالَ "أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وشره". قال: صدقت. قال: فأخبرني عَنِ الإِحْسَانِ؟ قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تراه
والإحسان؛ ومه الدُّعَاءُ، وَالْخَوْفُ، وَالرَّجَاءُ، وَالتَّوَكُّلُ، وَالرَّغْبَةُ، وَالرَّهْبَةُ، وَالْخُشُوعُ، وَالْخَشْيَةُ، وَالإِنَابَةُ، وَالاسْتِعَانَةُ، وَالاسْتِعَاذَةُ، وَالاسْتِغَاثَةُ، وَالذَّبْحُ، وَالنَّذْرُ، وَغَيْرُ ذَلَكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ الَّتِي أَمَرَ اللهُ بِهَا كُلُّهَا للهِ تَعَالَى (1) . وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تعالى:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [سورة الجن، الآية: 18] ، فَمَنْ صَرَفَ مِنْهَا شَيْئًا لِغَيْرِ اللهِ فَهُوَ مُشْرِكٌ كَافِرٌ، وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (2)[سورة المؤمنون، الآية: 117] .
فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ. قَالَ: فأخبرني عن الساعة؟ قال: مال الْمَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ. قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَاتِهَا؟ قَالَ: أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاه يتطاولون في البنيان، ثم أنطلق فلبثت ملياً ثم قال لي ياعمر: أتدري من السائل؟ قلت الله ورسوله أعلم. قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم" (1) فجعل النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأشياء هي الدين وذلك أنها متضمنة للدين كله.
ــ
(1)
أي كل أنواع العبادة مما ذكر وغيره لله وحده لا شريك له فلا يحل صرفها لغير الله تعالى:
(2)
ذكر المؤلف رحمه الله تعالى جملة من أنواع العبادة وذكر أن من صَرَفَ مِنْهَا شَيْئًا لِغَيْرِ اللهِ فَهُوَ مُشْرِكٌ كافر واستدل بقوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ
(1) تقدم تخريجه ص 40، وانظر: شرح الحديث في " مجموع الفتاوى والرسائل" لفضيلة شيخنا- حفظه الله ورعاه - المجلد الثالث، ص 145
فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} وبقوله: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} ووجه الدلالة من الآية الأولى أن الله تعالى أخبر أن المساجد وهي مواضع السجود أو أعضاء السجود لله ورتب على ذلك قوله: {فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} أي لا تعبدوا معه غيره فتسجدوا له، ووجه الدلالة من الآية الثانية بأن الله سبحانه وتعالى بين أن من يدعو مع الله إله آخر فإنه كافر لأنه قال:{إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} وفي قوله: {لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} صفة كاشفة مبينة للأمر وليست صفة مقيدة تخرج ما فيه برهان لأنه لا يمكن أن يكون برهان على أن مع الله إلها آخر.
النوع الأول: الدعاء وأنواعه
…
(1)
وَفِي الْحَدِيثِ: "الدُّعَاءُ مخ الْعِبَادَةِ". وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (1)[سورة غافر، الآية: 60] .
ــ
(1)
هذا شروع من المؤلف رحمه الله تعالى في أدلة أنواع العبادة التي ذكرها في قوله: "وَأَنْوَاعُ الْعِبَادَةِ الَّتِي أَمَرَ اللهُ بِهَا مِثْلُ الإسلام والإيمان والإحسان ومنه الدعاء.. " إلخ، فبدأ رحمه الله بذكر الأدلة على الدعاء وسيأتي إن شاء الله تفصيل أدلة الإسلام والإيمان والإحسان. وأستدل المؤلف رحمه الله بما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " الدعاء مخ العبادة (1) واستدل كذلك بقوله تَعَالَى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} فدلت الآية
(1) أخرجه الترمذي، كتاب الدعوات، باب: فضل الدعاء. وقال: حديث غريب من هذا الوجه.
الكريمة على أن الدعاء من العبادة ولولا ذلك ما صح أن يقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} فمن دعا غير الله عز وجل بشيء لا يقدر عليه إلا الله فهو مشرك كافر سواء كان المدعو حياً أو ميتاً. ومن دعا حياً بما يقدر عليه مثل أن يقول يا فلان أطعمني، يا فلان إسقني فلا شيء فيه، ومن دعا ميتاً أو غائباً بمثل هذا فإنه مشرك لأن الميت أو الغائب لا يمكن أن يقوم بمثل هذا فدعاؤه إياه يدل على أنه يعتقد أن له تصرفاً في الكون فيكون بذلك مشركاً.
وأعلم أن الدعاء نوعان: دعاء مسألة ودعاء عبادة.
فدعاء المسألة هو دعاء الطلب أي طلب الحاجات وهو عبادة إذا كان من العبد لربه، لأنه يتضمن الإفتقار إلى الله تعالى واللجوء إليه، واعتقاد أنه قادر كريم واسع الفضل والرحمة. ويجوز إذا صدر من العبد لمثله من المخلوقين إذا كان المدعو يعقل الدعاء ويقدر على الإجابة كما سبق في قوله القائل يا فلان اطعمني.
وأما دعاء العبادة فأن يتعبد به للمدعو طلباً لثوابه وخوفاً من عقابه وهذا لا يصح لغير الله وصرفه لغير الله شرك أكبر مخرج من الملة وعليه يقع الوعيد في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [سورة غافر، الآية: 60] .
النوع الثاني: الخوف وهو ثلاثة أنواع
…
وَدَلِيلُ الْخَوْفِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (1)[سورة آل عمران، الآية: 175] ،. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(1)
الخوف هو الذعر وهو انفعال يحصل بتوقع ما فيه هلاك أو ضرراً أو أذى، وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن خوف أولياء الشيطان وأمر بخوفه وحده.
والخوف ثلاثة أنواع:
النوع الأولى: خوف طبيعي كخوف الإنسان من السبع والنار والغرق وهذا لا يلام عليه العبد قال الله تعالى عن موسى عليه الصلاة والسلام: {فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ} [سورة القصص، الآية: 18] لكن إذا كان هذا الخوف كما ذكر الشيخ رحمه الله سبباً لترك واجب أو فعل محرم كان حراماً؛ لأن ما كان سبباً لترك واجب أو فعل محرم فهو حرام ودليل قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [سورة آل عمران، الآية: 175] .
والخوف من الله تعالى يكون محموداً، ويكون غير محموداً.
فالمحمود ما كانت غايته أن يحول بينك وبين معصية الله بحيث يحملك على فعل الواجبات وترك المحرمات، فإذا حصلت هذه الغاية سكن القلب واطمأن وغلب عليه الفرح بنعمة الله، والرجاء لثوابه. وغير المحمود ما يحمل العبد على اليأس من روح الله والقنوط وحينئذ يتحسر العبد وينكمش وربما يتمادى في المعصية لقوة يأسه.
النوع الثاني: خوف العبادة أن يخاف أحداً يتعبد بالخوف له فهذا لا يكون إلا لله تعالى. وصرفه لغير الله تعالى شرك أكبر.
النوع الثالث: خوف السر كأن يخاف صاحب القبر، أو ولياً بعيداً عنه لا يؤثر فيه لكنه يخافه مخافة سر فهذا أيضاً ذكره العلماء من الشرك.
النوع الثالث: الرجاء
…
ودليل الرجاء قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} (1)[سورة الكهف، الآية: 110] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
(1)
الرجاء طمع الإنسان في أمر قريب المنال، وقد يكون في بعيد المنال
تنزيلاً له منزلة القريب.
والرجاء المتضمن للذل والخضوع لا يكون إلا لله عز وجل وصرفه لغير الله تعالى شرك إما اصغر، وإما أكبر بحسب ما يقوم بقلب الراجي. وقد أستدل المؤلف بقوله تعالى:{فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} .
واعلم أن الرجاء المحمود لا يكون إلا لمن عمل بطاعة الله ورجا ثوابها، أو تاب من معصيته ورجا قبول توبته، فأما الرجاء بلا عمل فهو غرور وتمن مذموم.
النوع الرابع: التوكل وهو أربعة أنواع
…
َودَلِيلُ التَّوَكُلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [سورة المائدة، الآية: 3]، وقال:{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} (1)[سورة الطلاق، الآية: 3] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
(1)
التوكل على الشيء الإعتماد عليه. والتوكل على الله تعالى: الإعتماد على الله تعالى كفاية وحسباً في جلب المنافع ودفع المضار وهو من تمام الإيمان وعلاماته لقوله تَعَالَى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} وإذا صدق العبد في اعتماده على الله تعالى. كفاه الله تعالى ما أهمه لقوله تعالى {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} أي كافيه ثم طمأن المتوكل بقوله: {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} [سورة الطلاق، الآية: 3] فلا يعجزه شيء أراده. وأعلم أن التوكل أنواع:
الأول: التوكل على الله تعالى وهو من تمام الإيمان وعلامات صدقه
وهو واجب لا يتم الإيمان إلا به وسبق دليله.
الثاني: توكل السر بأن يعتمد على ميت في جلب منفعة، أو دفع مضرة فهذا شرك أكبر؛ لأنه لا يقع إلا ممن يعتقد أن لهذا الميت تصرفاً سرياً في الكون، ولا فر ق بين أن يكون نبياً، أو ولياً، أو طاغوتاً عدوا لله تعالى.
الثالث: التوكل على الغير فيما يتصرف فيه الغير مع الشعور بعلو مرتبته وانحطاط مرتبة المتوكل عنه مثل أن يعتمد عليه في حصول المعاش ونحوه فهذا نوع من الشرك الأصغر لقوة تعلق القلب به والإعتماد عليه. أما لو أعتمد عليه على أنه سبب وأن الله تعالى هو الذي قدر ذلك على يده فإن ذلك لا بأس به، إذا كان للمتوكل بحيث ينيب غيره في أمر تجوز فيه النيابة فهذا لا بأس به بدلالة الكتاب، والسنة، والإجماع فقد قال يعقوب لبنيه {يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ} [سورة يوسف، الآية: 87] ووكل النبي صلى الله عليه وسلم، على الصدفة عمالاً وحفاظاً، ووكل في إثبات الحدود وإقامتها، ووكل علي بن ابي طالب رضي الله عنه في هديه في حجة الوداع أن يتصدق بجلودها وجلالها، وأن ينحر ما بقى من المئة بعد أن نحر صلى الله عليه وسلم بيده ثلاثاً وستين. وأما الإجماع على جواز ذلك فمعلوم من حيث الجملة.
النوع الخامس: الرغبة
…
ودليل الرغبة (1)
ــ
(1)
الرغبة: محبة الوصول إلى الشيء المحبوب.
النوع السادس: الرهبة
…
والرهبة - (2)
ــ
(2)
والرهبة: الخوف المثمر للهرب من المخوف فهي خوف مقرون بعمل.
النوع السابع: الخشوع
…
والخشوع (3) قوله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا
ــ
(3)
الخشوع: الذل والتطامن لعظمة الله بحيث يستسلم لقضائه الكوني والشرعي.
يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} (1)[سورة الأنبياء، الآية: 90] .
ــ
(1)
في هذه الآية الكريمة وصف الله تعالى الخلص من عباده بأنهم يدعون الله تعالى رغباً ورهباً مع الخشوع له، والدعاء هنا شامل لدعاء العبادة ودعاء المسألة، فهم يدعون الله رغبة فيما عنده وطمعاً في ثوابه مع خوفهم من عقابه وآثار ذنوبهم، والمؤمن ينبغي أن يسعى إلى الله تعالى بين الخوف والرجاء، ويغلب الرجاء في جانب الطاعة لينشط عليها ويؤمل قبولها، ويغلب الخوف إذا هم بالمعصية ليهرب منها وينجو من عقابها.
وقال بعض العلماء: يغلب جانب الرجاء في حال المرض وجانب الخوف في حال الصحة؛ لأن المريض منكسر ضعيف النفس وعسى أن يكون قد اقترب أجله فيموت وهو يحسن الظن بالله عز وجل، وفي حال الصحة يكون نشيطاً مؤملاً طول البقاء فيحمله ذلك على الأشر والبطر فيغلب جانب الخوف ليسلم من ذلك.
وقيل يكون رجاؤه وخوفه واحداً سواء لئلا يحمله الرجاء على الأمن من مكر الله، والخوف على اليأس من رحمة الله وكلاهما قبيح مهلك لصاحبه.
النوع الثامن: الخشية وهي خمسة أنواع
…
وَدَلِيلُ الْخَشْيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي} (2)[سورة البقرة، الآية: 150]
ــ
(2)
الخشية هي: الخوف المبني على العلم بعظمة من يخشاه وكمال سلطانه لقول الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [سورة فاطر، الآية: 28] أي العلماء بعظمته وكمال سلطانه فهي أخص من الخوف، ويتضح الفرق بينهما بالمثال فإذا خفت من شخص لا تدري هل هو قادر عليك أم
لا فهذا خوف، وإذا خفت من شخص تعلم أنه قادر عليك فهذه خشية. ويقال في أقسام أحكام الخوف.
النوع التاسع: الإنابة
…
وَدَلِيلُ الإِنَابَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} (1)[سورة الزمر، الآية: 54]
ــ
(1)
الإنابة الرجوع إلى الله بالقيام بطاعته واجتناب معصيته وهي قريبة من معنى التوبة إلا أنها أرق منها لما تشعر به من الاعتماد على الله واللجوء إليه ولا تكون إلا لله تعالى ودليلها قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ}
والمراد بقوله تعالى: {وَأَسْلِمُوا لَهُ} الإسلام الشرعي وهو الاستسلام لأحكام الله الشريعة وذلك أن الإسلام لله تعالى نوعان:
الأول: إسلام كوني وهو الاستسلام لحكمه الكوني وهذا عام لكل من في السماوات والأرض من مؤمن وكافر، وبر وفاجر لا يمكن لأحد أن يستكبر عنه ودليله قوله تعالى:{وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [سورة آل عمران، الآية: 83] .
الثاني: إسلام شرعي وهو الاستسلام لحكمه الشرعي وهذا خاص بمن قام بطاعته من الرسل وإتباعهم بإحسان، ودليله في القرآن كثير ومنه هذه الآية التي ذكرها المؤلف رحمه الله.
النوع العاشر: الإستعانة
…
وَدَلِيلُ الاسْتِعَانَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [سورة الفاتحة الآية: 5] وفي الحديث " إذا استعنت فاستعن بالله"(1) .
(1)
الإستعانة طلب العون وهي أنواع:
الأول: الإستعانة بالله وهي: الإستعانة المتضمنة لكمال الذل من العبد لربه، وتفويض الأمر إليه، واعتقاد كفايته وهذه لا تكون إلا لله تعالى ودليلها قوله تعالى:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ووجه الاختصاص أن الله تعالى قدم المعمول {إِيَّاكَ} وقاعدة اللغة التي نزل بها القرآن أن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر والاختصاص وعلى هذا يكون صرف هذا النوع لغير الله تعالى شركاً مخرجاً عن الملة.
الثاني: الإستعانة بالمخلوق على أمر يقدر عليه فهذه على حسب المستعان عليه فإن كانت على بر فهي جائزة للمستعين مشروعة للمعين لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [سورة المائدة، الآية: 2] .
وإن كانت على إثم فهي حرام على المستعين والمعين لقوله تعالى {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [سورة المائدة الآية: 2]
وإن كانت على مباح فهي جائزة للمستعين والمعين لكن المعين قد يثاب على ذلك ثواب الإحسان إلى الغير ومن ثم تكون في حقه مشروعة لقوله تعالى: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [سورة البقرة، الآية: 195]
الثالث: الاستعانة بمخلوق حي حاضر غير قادر فهذه لغو لا طائل تحتها مثل أن يستعين بشخص ضعيف على حمل شيء ثقيل.
ــ
(1)
أخرجه الإمام أحمد 1 / 293، والترمذي 4/575.
الرابع: الإستعانة بالأموات مطلقاً أو بالأحياء على أمر الغائب لا يقدرون على مباشرته فهذا شرك لأنه لا يقع إلا من شخص يعتقد أن لهؤلاء تصرفاً خفيا في الكون.
الخامس: الإستعانة بالأعمال والأحوال المحبوبة إلى الله تعالى وهذه مشروعة بأمر الله تعالى في قوله: {اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [سورة البقرة، الآية: 153] .
وقد أستدل المؤلف رحمه الله تعالى للنوع الأول بقوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [سورة الفاتحة، الآية: 4] وقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أستعنت فأستعن بالله". (1)
النوع الحادي عشر: الإستعاذة
…
وَدَلِيلُ الاسْتِعَاذَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [سورة الفلق، الآية: 1] .
و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} (1)[سورة الناس، الآية: 1] .
ــ
(1)
الإستعاذة: طلب الإعاذة والإعاذة الحماية من مكروه فالمستعيذ محتم بمن أستعاذ به ومعتصم به والاستعاذة أنواع:
الأول: الإستعاذة بالله تعالى وهي المتضمنة لكمال الافتقار إليه والاعتصام به واعتقاد كفايته وتمام حمايته من كل شيء حاضر أو مستقبل، صغير أو كبير، بشر أو غير بشر ودليلها قوله تعالى {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} إلى آخر السورة وقوله تعالى:{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} إلى آخر السورة.
(1) تقدم قريباً
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الثاني: الإستعاذة بصفة ككلامه وعظمته وعزته ونحو ذلك ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق"(1) وقوله: "أعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي"(2) وقوله: في دعاء الألم "أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر"(3)، وقوله:" أعوذ برضاك من سخطك"(4)، وقوله صلى الله عليه وسلم حين نزل قوله تعالى:{قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ} [سورة الأنعام، الآية: 65] فقال: "أعوذ بوجهك"(5)
الثالث: الإستعاذة بالأموات أو الأحياء غير الحاضرين القادرين على العوذ فهذا شرك ومنه قوله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} [سورة الجن، الآية: 6]
الرابع: الإستعاذة بما يمكن العوذ به من المخلوقين من البشر أو الأماكن أو غيرها فهذا جائز ودليله قوله صلى الله عليه وسلم في ذكر الفتن: "من تشرف لها تستشرفه ومن وجد ملجأ أو معاذاً فليعذبه"(6) متفق عليه وقد بين صلى الله عليه وسلم هذا الملجأ والمعاذ بقوله: "فمن كان له إبل فليلحق بإبله" الحديث رواه مسلم، وفي صحيحه أيضاً عن جابر رضي الله عنه أ، امرأة من بني مخزوم سرقت فأتى
(1) أخرجه مسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب في التعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء وغيره.
(2)
أخرجه الإمام أحمد 2/25، والنسائي 8 /677.
(3)
أخرجه الإمام أحمد 4/217، وأبو داود (3891) ، وأين ماجه (2522) .
(4)
أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب: ما يقال في الركوع والسجود.
(5)
أخرجه البخاري، كتاب الإعتصام، باب: قوله تعالى "أو يلبسكم شيعاً "
(6)
أخرجه البخاري، كتاب، باب الفتن، باب: تكون الفتنة القاعد فيها خير من القائم. ومسلم، كتاب الفتن، باب: نزول الفتن كمواقع القطر.
بها النبي صلى الله عليه وسلم فعاذت بأم سلمة (1) الحديث، وفي صحيحه أيضاً عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يعوذ عائذ بالبيت فيبعث إليه بعث"(2)
الحديث.
ولكن إن استعاذ من شر ظالم وجب إيواؤه وإعاذته بقدر الإمكان، وإن استعاذ ليتوصل إلى فعل محظور أو الهرب من واجب حرم إيواؤه.
ــ
(1)
رواه ومسلم، كتاب الحدود، باب: قطع السارق الشريف وغيره.
(2)
أخرجه مسلم، كتاب الفتن، باب: الخسف بالجيش يؤم البيت.
النوع الثاني الثاني عشر: الإستغاثة وهي أربعة أنواع
…
وَدَلِيلُ الاسْتِغَاثَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} (1)[سورة الأنفال، الآية: 9]
ــ
(1)
الإستغاثة طلب الغوث وهو الإنقاذ من الشدة والهلاك، وهو أقسام:
الأول: الإستغاثة بالله عز وجل وهذا من أفضل الأعمال وأكملها وهو دأب الرسل وأتباعهم، ودليله ما ذكره الشيخ رحمه الله {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} وكان ذلك في غزوة بدر حين نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المشركين في ألف رجل وأصحابه ثلثمائة وبضعة عشر رجلاً فدخل العريش يناشد ربه عز وجل رافعاً يديه مستقبل القبلة يقول:" اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة الإسلام لا تعبد في الأرض"(3) وما زال يستغيث بربه رافعاً يديه حتى سقط رداؤه عن منكبيه فأخذ أبو بكر رضي الله عنه رداءه فألقاه على منكبيه ثم ألتزمه من ورائه، وقال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك وعدك فأنزل الله هذه الآية.
(1) رواه ومسلم، كتاب الحدود، باب: قطع السارق الشريف وغيره.
(2)
أخرجه مسلم، كتاب الفتن، باب: الخسف بالجيش يؤم البيت.
(3)
أخرجه مسلم، كتاب الجهاد، باب: الإمداد بالملائكة في غزوة بدر.
الثاني: الإستغاثة بالأموات أو بالأحياء غير الحاضرين القادرين على الإغاثة فهذا شرك؛ لأنه لا يفعله إلا من يعتقد أن لهؤلاء تصرفاً خفياً في الكون فيجعل لهم حظاً من الربوبية قال الله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} [سورة النمل، الآية: 62] .
الثالث: الاستغاثة بالأحياء العالمين القادرين على الإغاثة فهذا جائز كالاستعانة بهم قال الله تعالى في قصة موسى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} [سورة القصص، الآية: 15] .
الرابع: الاستغاثة بحي غير قادر من غير أن يعتقد أن له قوة خفية مثل أن يستغيث الغريق برجل مشلول فهذا لغو وسخرية بمن استغاث به فيمنع منه لهذه العله، ولعلة أخرى وهي الغريق ربما أغتر بذلك غيره فتوهم أن لهذا المشلول قوة خفية ينقذ بها من الشدة.
النوع الثالث عشر: الذبح وهو ثلاثة أنواع
…
ودليل الذبح قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ} (1)[سورة الأنعام، الآيتين: 162،163] وَمِنَ السُنَّةِ: "لعَنَ اللهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ الله". *
ــ
(1)
الذبح إزهاق الروح بإراقة الدم على وجه مخصوص ويقع على وجوه
الأول: أن يقع عبادة بأن يقصد به تعظيم المذبوح له والتذلل له والتقرب إليه فهذا لا يكون إلا لله تعالى على الوجه الذي شرعه الله تعالى، وصرفه لغير الله شرك أكبر ودليله ما ذكره الشيخ رحمه الله وهو قوله تعالى:{قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ} .
* أخرجه مسلم، كتاب الأضاحي، باب: تحريم الذبح لغير الله تعالى ولعن فاعله.
الثاني: أن يقع إكراماً لضيف أو وليمة لعرس أو نحو ذلك فهذا مأمور به إما وجوباً أو إستحباباً لقوله صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه"(1) وقوله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف "أو لم ولو بشاة"(2) .
الثالث: أن يقع على وجه التمتع بالأكل أو الإتجار به ونحو ذلك فهذا من قسم المباح فالأصل فيه الإباحة لقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ} [سورة يس، الآيتين: 71، 72] وقد يكون مطلوباً أو منهياً عنه حسبما يكون وسيلة له.
النوع الرابع عشر: النذر
…
وَدَلِيلُ النَّذْرِ (1) قَوْلُهُ تَعَالَى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً} [سورة الإنسان، الآية: 7] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(1)
أي دليل كون النذر من العبادة قَوْلُهُ تَعَالَى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً}
(2)
وجه الدلالة من الآية أن الله أثنى عليهم لإيفائهم النذر وهذا يدل على أن الله يحب ذلك، وكل محبوب لله من الأعمال فهو عبادة.
ويؤيد ذلك قوله: {وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً} .
وأعلم أن النذر الذي امتدح الله تعالى هؤلاء القائمين به هو جميع العبادات التي فرضها الله عز وجل فإن العبادات الواجبة إذا شرع فيها
ــ
(1)
أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره. ومسلم، كتاب اللقطة، باب: الضيافة ونحوها.
(2)
أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب: ما جاء في قوله تعالى: "فإذا قضت الصلاة". مسلم، كتاب النكاح، باب: الصداق وجواز كونه تعليم القران وخاتم الحديث.