المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النوع الرابع عشر: النذر - شرح ثلاثة الأصول للعثيمين

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌ترجمة مؤلف كتاب (ثلاثة الأصول)شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى

- ‌ترجمة الشارح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى

- ‌شرح البسملة

- ‌العلم ومراتب الإدراك

- ‌الفرق بين الرحمة والمغفرة

- ‌المسائل الأربع

- ‌المسألة الأولى: العلم وهو: معرفة العبد ربه ونبيه ودينه

- ‌المسألة الثانية العمل به

- ‌المسألة الثَّالِثَةُ: الدَّعْوَةُ إليه

- ‌المسألة الرابعة: الصبر على الأذى فيه

- ‌أقسام الصبر

- ‌تفسير سورة العصر

- ‌معنى قول الإمام الشافعي لو مأنزل الله

- ‌المسائل الثلاث التي يجب على كل مسلم ومسلمة تعلمهن

- ‌المسألة الأولى: أن الله خلقنا ورزقنا بل أرسل لنا رسولا

- ‌المسألة الثَّانِيَةُ: أَنَّ الله لا يَرْضَى أَنْ يُشْرَكَ معه أحد في عبادته

- ‌المسألة الثَّالِثَةُ: أَنَّ مَنْ أَطَاعَ الرَّسُولَ وَوَحَّدَ اللهَ لا يَجُوزُ لَهُ مُوَالاةُ مَنْ حَادَّ اللهَ ورسوله

- ‌معنى الحنيفية

- ‌أَعْظَمُ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ التَّوْحيِدُ

- ‌ أعظم ما نهى الله عنه الشرك

- ‌الأُصُولُ الثَّلاثَةُ التِي يَجِبُ عَلَى الإِنْسَانِ مَعْرِفَتُهَا

- ‌الأصل الأول: معرفة العبد ربه

- ‌الأصل الثاني: معرفة العبد دينه

- ‌تعريف الإسلام

- ‌مراتب الدين

- ‌معنى شَهَادَةُ أَن لا اله إِلا اللهُ وَأَنَّ محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌معنى شهادة أن محمد رسول الله

- ‌معنى الرب والدليل على ذلك

- ‌آيات الله

- ‌الرب هو المعبود ودليل ذلك وتفسيره

- ‌أنواع العبادة على وجه الإجمال

- ‌مدخل

- ‌النوع الأول: الدعاء وأنواعه

- ‌النوع الثاني: الخوف وهو ثلاثة أنواع

- ‌النوع الثالث: الرجاء

- ‌النوع الرابع: التوكل وهو أربعة أنواع

- ‌النوع الخامس: الرغبة

- ‌النوع السادس: الرهبة

- ‌النوع السابع: الخشوع

- ‌النوع الثامن: الخشية وهي خمسة أنواع

- ‌النوع التاسع: الإنابة

- ‌النوع العاشر: الإستعانة

- ‌النوع الحادي عشر: الإستعاذة

- ‌النوع الثاني الثاني عشر: الإستغاثة وهي أربعة أنواع

- ‌النوع الثالث عشر: الذبح وهو ثلاثة أنواع

- ‌النوع الرابع عشر: النذر

- ‌دليل الصيام والحج

- ‌فائدة في الجمع بين كون الإيمان بضع وسبعون شعبة وأركانه ستة

- ‌الركن الأول: الإيمان بالله ويتضمن أربعة أمور:

- ‌الأول: الإيمان بوجود الله

- ‌الثاني: الإيمان بربوبيته:

- ‌الثالث: الإيمان بألوهيته:

- ‌الربع: الإيمان بأسمائه وصفاته

- ‌الركن الثاني: الإيمان بالملائكة ويتضمن أربعة أمور

- ‌الأول: الإيمان بوجودهم

- ‌الثاني: الإيمان بمن علمنا اسمه منهم

- ‌الثالث: الإيمان بما علمنا من صفاتهم

- ‌الرابع: الإيمان بما علمنا من أعمالهم

- ‌ثمرات الإيمان بالملائكة

- ‌ثمرات الإيمان بالملائكة

- ‌الرد على من أنكر كون الملائكة أجساما

- ‌الركن الثالث: الإيمان بالكتب يتضمن أربعة أمور

- ‌الأول: الإيمان بأن نزولها من عند الله

- ‌الثاني: الإيمان بما علمنا اسمه منها

- ‌ثمرات الإيمان بالكتب

- ‌الإيمان بالكتب يثمر ثمرات جليلة منها:

- ‌الركن الرابع: الإيمان بالرسل ويتضمن أربعة أمور

- ‌المراد بالرسول

- ‌الأول: الإيمان بأن رسالتهم حق من عند الله

- ‌الثاني: الإيمان بمن علمنا اسمه منهم باسمه

- ‌الرابع: العمل بشريعة من أرسل إلينا

- ‌ثمرات الإيما بالرسل

- ‌الركن الخامس: الإيمان باليوم الأخر ويتضمن ثلاثة أمور

- ‌الأول الإيمان بالبعث ودليل ذلك

- ‌الثاني: الإيمان بالحساب والجزاء ودليل ذلك

- ‌الثالث: الإيمان بالجنة والنار

- ‌ثمرات الإيمان باليوم الأخر

- ‌الرد على من أنكر البعث بالشرع والحس والعقل

- ‌الركن السادس: الإيمان بالقدر خيره وشره ويتضمن أربعة أمور

- ‌الأول: العلم

- ‌الثاني: الكتابة

- ‌الثالث: المشيئة

- ‌الرابع: الخلق

- ‌هل للعبد قدرة ومشيئة في أفعاله الإختيارية

- ‌الرد على من احتج بالقدر في ترك الواجب أو فعل المعصية من وجوه سبعة

- ‌ثمرات الإيمان بالقدر

- ‌ضل في القدر طائفتان والرد عليهما

- ‌المرتبة الثالثة: الإحسان وتعريفه

- ‌العبادة مبنية على غاية الحب وغاية الذل

- ‌فائدة نفسية متى يكون إظهار العبادة أفضل

- ‌الأصل الثالث: معرفة العبد نبيه

- ‌حياة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المعراج

- ‌هجرة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌تعريف الهجرة وحكمها والدليل

- ‌تتمة في حكم السفر إلى بلاد الكفر والإقامة فيها

- ‌وفاة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الإيمان بالبعث ودليله

- ‌الإيمان بالحساب ودليله

- ‌حكم التكذيب بالبعث

- ‌الحكمة من إرسال الرسل

- ‌أول الرسل وأخرهم

- ‌دعوة جميع الرسل إلى عبادة الله والنهي عن الشرك

- ‌ الْكُفْرَ بِالطَّاغُوتِ

- ‌أحسن تعريف للطاغوت

- ‌أحوال الناس مع حكامهم

- ‌رؤوس الطواغيت

- ‌مدخل

- ‌الأول: إبليس

- ‌الثاني: من عبد وهو راض

- ‌الثالث: من دعا الناس إلى عبادة نفسه

- ‌الرابع: من ادعى شيئا من علم الغيب

- ‌الخامس: من حكم بغير ما أنزل الله

- ‌الخاتمة برد العلم إلى الله تعالى والصلاة والسلام على نبيه ومصطفاه

الفصل: ‌النوع الرابع عشر: النذر

‌الأصل الثاني: معرفة العبد دينه

الأصل الثاني: (1) : معرفة دين الإسلام بالأدلة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

(1)

أي من الأصول الثلاثة: معرفة دين الإسلام بالأدلة يعني أن يعرف دين الإسلام بأدلته من الكتاب والسنة.

(2)

دين الإسلام وإن شئت فقل الإسلام هو "الاسْتِسْلامُ للهِ بِالتَّوْحِيدِ وَالانْقِيَادُ لَهُ بِالطَّاعَةِ، وَالْبَرَاءَةُ من الشرك وأهله" فهو متضمن لأمور ثلاثة.

ص: 68

‌تعريف الإسلام

وهو: الإستسلام (2) لله بالتوحيد (3)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

(3)

أي بأن يستسلم العبد لربه استسلاما شرعياً وذلك بتوحيد الله عز وجل وافراده بالعبادة، وهذا الإسلام هو الذي يحمد عليه العبد ويثاب

ص: 68

وَالانْقِيَادُ لَهُ بِالطَّاعَةِ (1) ، وَالْبَرَاءَةُ مِنَ الشِّرْكِ وَأَهْلِهِ (2)

ــ

عليه، أما الاستسلام القدري فلا ثواب فيه لأنه لا حيلة للإنسان فيه قال الله تعالى:{وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [سورة آل عمران، الآية: 83] .

(1)

وذلك بفعل أوامره واجتناب نواهيه؛ لأن الطاعة طاعة في الأمر بفعله وطاعة في النهي بتركه.

(2)

البراءة من الشرك أي أن يتبرأ منه، ويتخلى منه وهذا يستلزم البراءة من أهله قال الله تعالى:{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [سورة الممتحنة، الآية: 4]

ص: 69

‌مراتب الدين

وَهُوَ ثَلاثُ مَرَاتِبَ (3) : الإسْلامُ، وَالإِيمَانُ وَالإِحْسَانُ، وَكُلُّ مرتبة لها أركان (4) . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

(3)

بين المؤلف رحمه الله تعالى أن الدين الإسلامي ثلاث مراتب بعضها فوق بعض وهي الإسلام، والإيمان، والإحسان.

(4)

دليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين جاء جبريل يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإحسان وبين له صلى الله عليه وسلم ذلك وقال: "هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم"(1)

(5)

دليل ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس شَهَادَةُ أَن لا اله إِلا اللهُ وَأَنَّ محمداً رسول الله، وإقام

(1) تقدم تخريجه.

ص: 69

الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَحَجُّ بَيْتِ الله الحرام". (1)

ــ

(1)

رواه البخاري، كتاب الإيمان باب: قول النبي عليه الصلاة والسلام: "بني الإسلام على خمس

" ومسلم، كتاب الإيمان، باب: بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام.

ص: 70

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

اللهِ (1) ، وَإِقَامُ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَحَجُّ بَيْتِ اللهِ الْحَرَامِ.

فَدَلِيلُ الشَّهَادَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (2)[سورة آل عمران، الآية: 18]

الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَحَجُّ بَيْتِ الله الحرام". (1)

(1)

شَهَادَةُ أَن لا اله إِلا اللهُ وَأَنَّ محمداً رسول الله ركن واحد وإنما كانتا ركنا واحداً مع أنهما من شقين لأن العبادات تبني على تحقيقهما معاً، فلا تقبل العبادة إلا بالإخلاص لله عز وجل وهو ما تتضمنه شهادة أن محمداً رسول الله.

(2)

في الآية الكريمة شهادة الله لنفسه بأنه لا إله إلا هو، وشهادة الملائكة وشهادة أهل العلم بذلك وأنه تعالى قائم بالقسط أي العدل ثم قرر ذلك بقوله:{لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} وفي هذه الآية منقبة عظيمة لأهل العلم حيث أخبر أنهم شهداء معه ومع الملائكة والمراد بهم أولو العلم بشريعته ويدخل فيهم دخولاً أولياً رسله الكرام.

وهذه الشهادة أعظم شهادة لعظم الشاهد والمشهود به، فالشاهد هو الله وملائكته، وأولو العلم، والمشهود به توحيد الله في ألوهيته وتقرير ذلك {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} .

ــ

(1)

رواه البخاري، كتاب الإيمان باب: قول النبي عليه الصلاة والسلام: "بني الإسلام على خمس

" ومسلم، كتاب الإيمان، باب: بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام.

ص: 70

ومعناها: لا معبود بحق إلا الله؛ "لا اله" نَافِيًا جَمِيعَ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ " إِلا اللهُ" مُثْبِتًا الْعِبَادَةَ للهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ فِي عِبَادَتِهِ، كَمَا أنه لا شريك له في ملكه (1) . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

(1)

قوله ومعناها أي معنى لا إله إلا الله ألا معبود بحق إلا الله فشهادة أن لا إله إلا الله أن يعترف الإنسان بلسانه وقلبه بأنه لا معبود حق إلا الله عز وجل لأنه "إله" بمعنى مألوه، والتأله التعبد، وجملة " لا إله إلا الله" مشتملة على نفي وإثبات، أما النفي فهو " لا إله" وأما الإثبات "إلا الله" و "الله" لفظ الجلالة بدل من خبر " لا " المحذوف والتقدير "لا إله حق إلا الله" وبتقديرنا الخبر بهذه الكلمة "حق" يتبين الجواب عن الإشكال التالي: وهو كيف يقال " لا إله إلا الله" مع أن هناك آلهة تعبد من دون الله وقد سماها الله تعالى آلهة وسماها عابدوها آلهة قال الله تبارك وتعالى: {فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ} [سورة هود، الآية: 110] وكيف يمكن أن نثبت الألوهية لغير الله عز وجل والرسل يقولون لأقوامهم {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} ؟ [سورة الأعراف، الآية: 59] والجواب على هذا الأشكال يتبين بتقدير الخبر في " لا إله إلا الله" فنقول: هذه الآلهة التي تعبد من دون الله هي آلهة لكنها آلهة باطلة ليست آلهة حقة وليس لها من حق الألوهية شيء، ويدل لذلك قوله تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سورة الحج، الآية: 62] ويدل لذلك أيضاً قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ

ص: 71

وَتَفْسِيرُهَا الَّذِي يُوَضِّحُهَا، قَوْلُهُ تَعَالَى {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ (1) لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ (2) مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي (3) فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (4) وَجَعَلَهَا. (5) . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} [سورة النجم، الآيات: 19-23] وقوله تعالى عن يوسف عليه الصلاة والسلام: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [سورة يوسف الآية: 40] إذن فمعنى " لا إله إلا الله " لا معبود حق إلا الله عز وجل، فأما المعبودات سواه فإن ألوهيتها التي يزعمها عابدوها ليست حقيقة أي ألوهية باطلة.

(1) إبراهيم هو خليل الله إمام الحنفاء، وأفضل الرسل بعد محمد صلى الله عليه وسلم وأبوه آزر.

(2)

(براء) صفة مشبهة بالبراءة وهي أبلغ من بريء. وقوله: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ} يوافي قول " لا إله ".

(3)

خلقني إبتداء على الفطرة وقوله: {إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي} يوافي قوله "إلا الله" فهو سبحانه وتعالى لا شريك له في ملكه ودليل ذلك قوله تعالى: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [سورة الأعراف، الآية: 54] ففي هذه الآية حصر الخلق والأمر لله رب العالمين وحده فله الخلق وله الأمر الكوني الشرعي.

(4)

{سَيَهْدِينِ} سيدلني على الحق ويوفقني له.

{وَجَعَلَهَا} أي هذه الكلمة وهي البراءة من كل معبود سوى الله.

ص: 72

كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} وقوله: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} 7 [سورة آل عمران، الآية: 64] .

ــ

(1)

{في عقبه} في ذريته.

(2)

{لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} أي إليها من الشرك.

(3)

الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم لمناظرة أهل الكتاب اليهود والنصارى.

(4)

{تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} هذه الكلمة هي ألا نعبد إلا الله هي معنى "لا إله إلا الله"، ومعنى {سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} أننا نحن وإياكم سواء فيها.

(5)

أي لا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللهِ عز وجل بحيث يعظم كما يعظم الله عز وجل، ويعبد كما يعبد الله، ويجعل الحكم لغيره.

(6)

{فَإِنْ تَوَلَّوْا} أعرضوا عما دعوتموهم إليه.

(7)

أي فأعلنوا لهم واشهدوهم أنكم مسلمون لله، بريئون مما هم عليه من العناد والتولي عن هذه الكلمة العظيمة "لا إله إلا الله".

ص: 73

وَدِليلُ شَهَادَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيم} (4)[سورة التوبة، الآية: 128] .

ــ

(1)

قوله {مِنْ أَنْفُسِكُمْ} أي من جنسكم بل هو من بينكم أيضاً كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [سورة الجمعة، الآية: 2] .

(2)

أي يشق عليه ما شق عليكم.

(3)

أي على منفعتكم ودفع الضر عنكم.

(4)

أي ذو رأفة ورحمة بالمؤمنين، وخص المؤمنين بذلك لأنه صلى الله عليه وسلم مأمور بجهاد الكفار والمنافقين والغلظة عليهم، وهذه الأوصاف لرسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على أنه رسول الله حقاً كما دل على ذلك قوله تعالى:{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} [سورة الفتح، الآية: 29] وقوله تَعَالَى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} [سورة الأعراف، الآية: 158] والآيات في هذا المعنى كثيرة جداً تدل على أن محمداً رسول الله حقاً.

ص: 74

‌معنى شَهَادَةُ أَن لا اله إِلا اللهُ وَأَنَّ محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم

شَهَادَةُ أَن لا اله إِلا اللهُ وَأَنَّ محمد رسول

ــ

ص: 69

‌معنى شهادة أن محمد رسول الله

وَمَعْنَى شَهَادَة أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ: طَاعَتُهُ فِيمَا أَمَرَ، وَتَصْدِيقُهُ فِيمَا أَخْبَرَ، واجْتِنَابُ مَا عنه نهى وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع (1) .

ــ

(1)

معنى شهادة "أن محمداً رسول الله" هو الإقرار باللسان والإيمان بالقلب بأن محمد بن عبد الله القرشي الهاشمي رسول الله عز وجل إلى جميع الخلق من الجن والإنس كما قال الله تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [سورة الذاريات، الآية: 56] ولا عبادة لله تعالى إلا عن طريق الوحي الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم كما

قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} [سورة الفرقان، الآية: 1]

ومقتضى هذه الشهادة أن تصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخبر، وأن تمتثل أمره فيما أمر، وأن تجتنب ما عنه نهى وزجر، وأن لا تعبد الله إلا بما شرع، ومقتضى هذه الشهادة أن تصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخبر، وأن تمتثل أمره فيما أمر، وأن تجتنب ما عنه نهى وزجر، وأن لا تعبد الله إلا بما شرع، ومقتضى هذه الشهادة أيضاً أن لا تعتقد أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حقاً في الربوبية وتصريف الكون، أو حقاً في العبادة، بل هو صلى الله عليه وسلم عبد لا يعبد ورسول لا يكذب، ولا يملك لنفسه ولا لغيره شيئاً من النفع أو الضر إلا ما شاء الله كما قال الله تعالى:{قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} [سورة الأنعام، الآية: 50] . فهو عبد مأمور يتبع ما أمر به، وقال الله تعالى:{قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً} [سورة الجن، الآيتين: 21-22} وقال سبحانه: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [سورة الأعراف، الآية: 188] .

وبهذا تعلم أنه لا يستحق العبادة لا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من دونه من

ص: 75

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المخلوقين، وأن العبادة ليست إلا لله تعالى وحده. {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [سورة الأنعام، الآيتين: 162-163] . وأن حقه صلى الله عليه وسلم، أن تنزله المنزلة التي أنزله الله تعالى أياها وهو أنه عبد الله ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه.

ص: 76

الثاني: أن يقع إكراماً لضيف أو وليمة لعرس أو نحو ذلك فهذا مأمور به إما وجوباً أو إستحباباً لقوله صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه"(1) وقوله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف "أو لم ولو بشاة"(2) .

الثالث: أن يقع على وجه التمتع بالأكل أو الإتجار به ونحو ذلك فهذا من قسم المباح فالأصل فيه الإباحة لقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ} [سورة يس، الآيتين: 71، 72] وقد يكون مطلوباً أو منهياً عنه حسبما يكون وسيلة له.

ص: 67

‌النوع الرابع عشر: النذر

وَدَلِيلُ النَّذْرِ (1) قَوْلُهُ تَعَالَى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً} [سورة الإنسان، الآية: 7] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(1)

أي دليل كون النذر من العبادة قَوْلُهُ تَعَالَى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً}

(2)

وجه الدلالة من الآية أن الله أثنى عليهم لإيفائهم النذر وهذا يدل على أن الله يحب ذلك، وكل محبوب لله من الأعمال فهو عبادة.

ويؤيد ذلك قوله: {وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً} .

وأعلم أن النذر الذي امتدح الله تعالى هؤلاء القائمين به هو جميع العبادات التي فرضها الله عز وجل فإن العبادات الواجبة إذا شرع فيها

ــ

(1)

أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره. ومسلم، كتاب اللقطة، باب: الضيافة ونحوها.

(2)

أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب: ما جاء في قوله تعالى: "فإذا قضت الصلاة". مسلم، كتاب النكاح، باب: الصداق وجواز كونه تعليم القران وخاتم الحديث.

ص: 67

الإنسان فقد التزم بها ودليل ذلك قوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [سورة الحج، الآية: 29] .

والنذر هو إلزام الإنسان نفسه بشيء ما، أو طاعة لله غير واجبة مكروه، وقال بعض العلماء إنه محرم لأن النبي صلى الله عليه وسلم، نهى عن النذر وقال:"إنه لا يأتى بخير وإنما يستخرج به من البخيل"(1) ومع ذلك فإذا نذر الإنسان طاعة لله وجب عليه فعلها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من نذر أن يطيع الله فليطعه"(2) .

والخلاصة أن النذر يطلق على العبادات المفروضة عموماً، ويطلق على النذر الخاص وهو إلزام الإنسان نفسه بشيء لله عز وجل وقد قسم العلماء النذر الخاص إلى أقسام ومحل بسطها كتب الفقه.

ص: 68

وَدَلِيلُ الصَّلاةِ، وَالزَّكَاةِ (1)، وَتَفْسِيرُ التَّوْحِيدِ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (4)[سورة البينة، الآية: 5]

ــ

المخلوقين، وأن العبادة ليست إلا لله تعالى وحده. {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [سورة الأنعام، الآيتين: 162-163] . وأن حقه صلى الله عليه وسلم، أن تنزله المنزلة التي أنزله الله تعالى أياها وهو أنه عبد الله ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه.

(1)

أي أن الصلاة والزكاة من الدين قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ} [سورة البينة، الآية: 5] . وهذه الآية عامة شاملة لجميع أنواع العبادة فلا بد أن يكون الإنسان فيها مخلصاً لله عز وجل حنيفاً متبعاً لشريعته.

(2)

هذا من باب عطف الخاص على العام، لأن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة. من العبادة ولكنه سبحانه وتعالى نص عليهما لما لهما من الأهمية فالصلاة عبادة البدن، والزكاة عبادة المال وهما قرينتان في كتاب الله عز وجل.

(3)

أي عبادة الله مخلصين له الدين حنفاء، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة.

(4)

أي دين الملة القيمة التي لا إعوجاج فيها لأنها دين الله عز وجل ودين الله مستقيم كما قال الله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [سورة الأنعام، الآية: 153] .

وهذه الآية الكريمة كما تضمنت ذكر العبادة والصلاة فقد تضمنت حقيقة التوحيد وأنه الإخلاص لله عز وجل من غير ميل إلى الشرك، فمن

ص: 76