الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المنكر وغيرهما من الشعائر الظاهرة كلها فرضت في المدينة بعد إستقرار النبي صلى الله عليه وسلم فيها وإقامة الدولة الإسلامية فيها.
وفاة النبي صلى الله عليه وسلم
…
أخذ على هذا عشر سنين وبعدها توفي صلوا الله وسلامه عليه (1)
ــ
(1)
أخذ أي النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين بعد هجرته فلما أكمل الله به الدين وأتم به النعمة على المؤمنين اختاره لجواره واللحاق بالرفيق الأعلى من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، فابتدأ به المرض صلوات الله وسلامه عليه في آخر شهر صفر وأول شهر ربيع الأول، فخرج إلى الناس عاصباً رأسه فصعد المنبر فتشهد وكان أول ما تكلم به بعد ذلك أن استغفر للشهداء الذين قتلوا في أحد ثم قال:"إن عبداً من عباد الله خيره الله بين الدنيا وبين ما عند الله" ففهمها أبو بكر رضي الله عنه فبكى وقال: بأبي وأمي نفديك بآبائنا وأمهاتنا، وأبنائنا، وأنفسنا، وأموالنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم "على رسلك يا أبا بكر" ثم قال:"إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر ولكنت متخذاً خليلاً غير ربي لأتخذت ابا بكر ولكن خلة الإسلام ومودته"(1) وأمر أبا بكر أن يصلي بالناس ولما كان يوم الاثنين الثاني عشر أو الثالث عشر من شهر ربيع الأول من السنة الحادية عشر من الهجرة أختاره الله لجواره فلما نزل به جعل يدخل يده في ماء عنده ويمسح وجهه ويقوله: "لا إله إلا الله إن للموت سكرات" ثم شخص بصره نحو السماء وقال: "اللهم في الرفيق الأعلى"(2) . فتوفي ذلك اليوم فاضطرب الناس لذلك وحق لهم أن يضطربوا، حتى جاء أبو بكر رضي الله عنه فصعد المنبر فحمد الله
(1) أخرجه البخاري، كتاب المساجد، باب: الخوخة والممر في المسجد.
(2)
أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب: مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته.
وَدِينُهُ بَاقٍ، وَهَذَا دِينُهُ، لا خَيْرَ إِلا دَلَّ الأُمَّةَ عَلَيْهِ، وَلا شَرَّ إِلا حَذَّرَهَا منه، والخير الذي دل عَلَيْهِ: التَّوْحِيدُ، وَجَمِيعُ مَا يُحِبُّهُ اللهُ وَيَرْضَاهُ، والشر الذي حذر منه: الشرك وجميع ما يكرهه اللهُ وَيَأْبَاهُ. بَعَثَهُ اللهُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً (1)، وأفترض الله طَاعَتَهُ عَلَى جَمِيعِ الثَّقَلَيْنِ: الْجِنِّ وَالإِنْسِ، وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} (2)[سورة الأعراف، الآية: 158] .
ــ
واثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ثم قرأ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [سورة آل عمران، الآية: 144] ، {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [سورة الزمر، الآية: 30] فاشتد بكاء الناس وعرفوا أنه قد مات فغسل صلوات الله وسلامه عليه في ثيابه تكريماً له، ثم كفن بثلاث أثواب أي لفائف بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة، وصلى الناس عليه إرسالاً بدون إمام، ثم دفن ليلة الأربعاء بعد أن تمت مبايعة الخليفة من بعده فعليه من ربه افضل الصلاة وأتم التسلم.
(1)
بعثه الله أي أرسله، إلى الناس كافة أي جميعاً.
(2)
في هذه الآية دليل على أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس جميعاً وأن الذي أرسله له ملك السماوات والأرض، ومن بيده الإحياء والإمانة، وأنه سبحانه هو المتوحد بالألوهية كما هو متوحد في الربوبية، ثم أمر سبحانه وتعالى في آخر الآية أن نؤمن بهذا الرسول النبي الأمي وأن نتبعه وأن ذلك سبب للهداية العلمية والعملية، هداية الإرشاد، وهداية
وأكمل اللهُ بِهِ الدِّينَ، وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} (1)[سورة المائدة، الآية: 5] .
التوفيق فهو عليه الصلاة والسلام رسول إلى جميع الثقلين وهم الإنس والجن وسموا بذلك لكثرة عددهم.
(1)
أي أن دينه عليه الصلاة والسلام باق إلى يوم القيامة فما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وقد بين للامة جميع ما تحتاجه في جميع شئونها حتى قال أبو ذر رضي الله عنه: "ما ترك النبي صلى الله عليه وسلم طائراً يقلب جناحية في السماء إلا ذكر لنا منه علماً"(1) وقال رجل من المشركين لسلمان الفارسي رضي الله عنه علمكم نبيكم حتى الخراة – آداب قضاء الحاجة – قال: "نعم لقد نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول أو نستنجى بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجى باليمين، أو أن نستنجى برجيع أو عظم"(2) فالنبي صلى الله عليه وسلم بين كل الدين إما بقوله، وإما بفعله، وإما بإقراره ابتداء أو جواباً عن سؤال، وأعظم ما بين عليه الصلاة والسلام التوحيد.
وبين كل ما أمر به فهو خير للأمة في معادها ومعاشها، وكل ما نهى عنه فهو شر للأمة في معاشها ومعادها، وما يجهله بعض الناس ويدعيه من ضيق في الأمر والنهي فإنما ذلك لخلل البصيرة وقلة الصبر وضعف الدين، وإلا فإن القاعدة العامة أن الله لم يجعل علينا في الدين من حرج وأن الدين كله يسر وسهولة قال الله تعالى:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [سورة البقرة، الآية: 185]، وقال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ
ــ
(1)
أخرجه الإمام أحمد 5/163.
(2)
أخرجه مسلم، كتاب الطهارة، باب: الإستطابة.