المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الرابع الحكمة في تقييد الرجل كونه ذكرا - شرح حديث ابن عباس في الفرائض

[عبد المحسن بن محمد المنيف]

الفصل: ‌المبحث الرابع الحكمة في تقييد الرجل كونه ذكرا

‌المبحث الرابع الحكمة في تقييد الرجل كونه ذكرا

المبحث الرابع: الحكمة في تقييد الرجل بكونه ذكرا

اختلف العلماء في الحكمة في تقييد الرجل بكونه ذكرا على عدة أقوال إليك بيانها:-

القول الأول:

أنه لما كان الرجل يطلق في مقابلة المرأة، والصبي، جاءت الصفة لبيان أنه في مقابلة المرأة. وممن ذكر ذلك الشيخ زكريا الأنصاري، والشيخ منصور البهوتي، والشيخ إبراهيم بن سيف1.

القول الثاني:

أنه قد يطلق الرجل ويراد به الشخص، مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم " من أدرك ماله بعينه عند رجل، أو إنسان قد أفلس فهو أحق به من غيره " 2، ولا فرق بين أن يجده عند رجل، أو امرأة فتقييده بالذكر ينفي هذا الاحتمال، وتخلصه للذكر دون الأنثى وهو المقصود. وممن ذكر ذلك الحافظ ابن رجب3.

1 انظر فتح العلام بشرح الإعلام بأحاديث الأحكام للشيخ زكريا الأنصاري ص499، ونهاية الهداية شرح كفاية الحفاظ1/203، 204، وكشاف القناع4/471؛ والعذب الفائض1/79.

2 أخرجه البخاري في كتاب الاستقراض باب إذا وجد ماله عند مفلس في البيع والقرض والوديعة فهو أحق به5/62، ومسلم في كتاب المساقاة باب من أدرك ما باعه عند المشتري وقد أفلس فله الرجوع منه3/1193.

3 انظر جامع العلوم والحكم3/276.

ص: 114

القول الثالث:

التنبيه على سبب استحقاقه وهو الذكورة التي هي سبب العصوبة، وسبب الترجيح في الإرث، ولهذا جعل للذكر مثل حظ الأنثيين. وممن ذكر ذلك الشيخ محمد المازري، والقاضي عياض، والنووي1.

القول الرابع:

لبيان أن الإحاطة بالميراث إنما يكون للذكر دون الإناث إجماعا، والذي يقول ترث الابنة جميع المال النصف بالميراث، والنصف بالرد إنما هو شيئان في كل واحد منهما لا يحيط بالميراث، وإنما تكون الإحاطة بالسبب الواحد، وليس ذلك إلا للذكر فلأجل هذا نبه عليه بكونه ذكرا. وممن ذكر ذلك ابن العربي2.

القول الخامس:

إنما كرر للبيان في نعته بالذكورة؛ ليعلم أن العصبة إذا كان عما أو ابن عم مثلا، وكان معه عمة أو بنت عم أنها لاترث، ولا يكون المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين. وممن ذكر ذلك الخطابي3.

القول السادس:

أنه للتأكيد، وبه قال ابن التين والصنعاني4.

القول السابع:

أنه احتراز من الخنثى؛ لأن الخنثى لا يحوز المال إذا انفرد، نقله جمع منهم

1 انظر المعلم بفوائد مسلم2/221، وإكمال المعلم بفوائد مسلم5/328، 329، وشرح صحيح مسلم للنووي11/53، وانظر فتح الباري12/13

2 انظر عارضة الأحوذي8/246، 247.

3 نقله عنه الحافظ ابن حجر في الفتح12/12.

4 انظر فتح الباري12/12، وسبل السلام3/149

ص: 115

ابن الأثير، والحافظ ابن حجر1.

القول الثامن:

أنه لبيان أن العاصب يرث صغيرا كان أو كبيرا بخلاف عادة الجاهلية إذ لا يورثون إلا الرجل الكبير. وممن نقل ذلك الشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي، والشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم2.

القول التاسع:

فقوله أولى رجل ذكر يريد القريب في النسب الذي قرابته من قبل رجل وصلب لا من قبل بطن رحم، فالأولى هنا هو ولي الميت فهو مضاف إليه في المعنى دون اللفظ، وهو في اللفظ مضاف إلى النسب وهو الصلب، فعبر عن الصلب بقوله:" أولى رجل "؛ لأن الصلب لا يكون إلا رجلا فأفاد بقوله:" لأولى رجل " نفي الميراث عن الأولى الذي هو من قبل الأم كالخال، وأفاد بقوله:" ذكر" نفي الميراث عن النساء، وإن كن من المدلين إلى الميت من قبل صلب، لأنهن إناث3. وإليه ذهب السهيلي رحمه الله وقرر في كتابه كتاب الفرائض وشرح آيات الوصية أن ما ذكره يزيل الإشكال الوارد على الحديث، ثم قال رحمه الله: وسبب الإشكال من وجهين: أحدهما أنه لما كان مخفوضا ظن نعتا لرجل، ولو كان مرفوعا لم يشكل، كأن يقال فوارثه أولى رجل ذكر. والثاني: أنه جاء بلفظ أفعل، وهذا الوزن إذا أريد به التفضيل كان بعض ما يضاف إليه كفلان أعلم إنسان فمعناه أعلم الناس فتوهم أن المراد بقوله " أولى رجل " أولى الرجال وليس كذلك، وإنما هو أولى الميت بإضافة

1 انظر النهاية في غريب الحديث2/164، وفتح الباري12/12.

2 انظر فتح المنعم ببيان ما احتيج إليه من زاد المسلم1/50، وأحكام الأحكام شرح أصول الأحكام3/230.

3 انظر كتاب الفرائض وشرح آيات الوصية ص85، 86

ص: 116

النسب وأولى صلب بإضافته كما تقول: هو أخوك أخو الرخاء لا أخو البلاء. قال: فالأولى في الحديث كالولي1.

الموازنة بين هذه الأقوال

في النظر في هذه الأقوال أجد ما يأتي:

1-

أنه ورد على القول الخامس ما ذكره الحافظ ابن حجر بقوله: وتعقب بأن هذا ظاهر من التعبير بقوله " رجل " والإشكال باق إلا أن كلامه بنحل إلى أنه للتأكيد2.

2-

أنه ورد على القول السادس ما ذكره القرطبي بما خلاصته: " قيل للتأكيد اللفظي ورد بأن العرب إنما تؤكد حيث يفيد فائدة إما تعين المعنى في النفس وإما رفع توهم المجاز، وليس ذلك موجودا هنا "3.

3-

ورد على القول التاسع ما قاله الحافظ ابن رجب حيث بقول: " وللسهيلي كلام على هذا الحديث فيه تكلف وتعسف شديد ولا طائل تحته وقد رده عليه جماعة ممن أدركناهم والله أعلم "4.

وقال الحافظ ابن حجر بعد ذكره كلام السهيلي ما نصه: " ولا يخلو من استغلاق "5.

وقال أيضا: "وقد أوردته كما وجدته ولم أحذف منه إلا أمثلة أطال بها وكلمات طويلة تبجح بها بسبب ما ظهر له من ذلك والعلم عند الله تعالى"6.

1 انظر كتاب الفرائض وشرح آيات الوصية ص86، وفتح الباري12/12.

2 فتح الباري12/12.

3 انظر المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم4/565، 566، وفتح الباري12/12.

4 جامع العلوم والحكم3/276.

5 انظر فتح الباري12/12.

6 فتح الباري 12/13.

ص: 117

4-

قلت: يرد على القول السابع ما ورد على القول الخامس؛ لأن كلمة رجل يخرج بها الخنثى، والله أعلم بالصواب.

5-

أن القول الثالث والرابع بينهما تقارب من جهة أن كلا من القولين يدل على التنبيه على سبب استحقاقه وهو كونه ذكرا؛ ولهذا فإنه إذا انفرد حاز جميع المال دون الإناث.

6-

أن القول الأول يدل على نفي أن يكون الرجل في مقابلة الصبي، وهذا هو مضمون القول الثامن.

7-

أن القول الثاني يدل على نفي أن يكون المراد بالرجل الشخص فلا تدخل المرأة في مضمون كلمة رجل.

وبهذا ظهر لي رجحان ما ذهب إليه أصحاب القول الأول والثاني والثالث والرابع. وعلى هذا تتلخص الحكمة في تقييد الرجل بكونه ذكرا في حكم ثلاث:

الحكمة الأولى: أنه لما كان الرجل يطلق في مقابلة المرأة والصبي، جاءت الصفة لبيان أنه في مقابلة المرأة وأنه لا فرق بين الصبي والبالغ، وهذا هو القول الأول وهو مضمون القول الثامن.

الحكمة الثانية: أنه قد يطلق الرجل ويراد به الشخص فيدخل في مضمونه المرأة فتقييده بالذكر ينفي هذا الاحتمال ويخلصه للذكر دون الأنثى، وهذا هو القول الثاني.

الحكمة الثالثة: التنبيه على سبب استحقاقه وهو الذكورية التي هي سبب العصوبة وسبب الترجيح في الإرث، ولهذا جعل للذكر مثل حظ الأنثيين، وأيضا التنبيه على أن الإحاطة بالميراث إنما يكون للذكر دون الإناث، وهذا هو مضمون القول الثالث والرابع. هذا ما ظهر لي، والعلم عند الله عز وجل.

ص: 118