المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الأول: الأحكام المتفق عليها بين الأئمة الأربعة من الحديث - شرح حديث ابن عباس في الفرائض

[عبد المحسن بن محمد المنيف]

الفصل: ‌المطلب الأول: الأحكام المتفق عليها بين الأئمة الأربعة من الحديث

‌المبحث الخامس الأحكام المستنبطة من الحديث

‌مدخل

المبحث الخامس: الأحكام المستنبطة من الحديث

تقدم في المقدمة أن هذا الحديث جامع لقواعد الفرائض التي هي نصف العلم. وحيث إن كثيرا من العلماء قد استنبطوا من هذا الحديث أحكاما كثيرة في علم الفرائض، وحيث إن الأحكام المستنبطة قد تكون محل اتفاق بين الأئمة الأربعة، وبعضها محل خلاف بين العلماء رأيت تقسيمها إلى ثلاثة أقسام وجعلت كل قسم مطلبا وذلك على النحو التالي:

المطلب الأول: الأحكام المتفق عليها بين الأئمة الأربعة من الحديث.

المطلب الثاني: الأحكام الراجحة من الحديث.

المطلب الثالث: الأحكام المرجوحة من الحديث.

ص: 119

‌المطلب الأول: الأحكام المتفق عليها بين الأئمة الأربعة من الحديث

قد استنبط العلماء رحمهم الله عدة أحكام من هذا الحديث، وأذكر في هذا المطلب الأحكام التي اتفق الأئمة الأربعة عليها، وهي على النحو التالي:

الحكم الأول: إذا اجتمع ذو فرض وعصبة بدئ بذي الفرض فأخذ فرضه وما بقي للعصبة، وهذا الحكم محل إجماع بين أهل العلم، فقد قال ابن بطال:" وأجمعوا أن ما فضل من المال عن أصحاب الفرائض فهو للعصبة"1. وقال النووي: "وقد أجمع المسلمون على أن ما بقي بعد الفروض فهو للعصبات يقدم الأقرب فالأقرب"2. وحكاه أيضا الشيخ الفرضي عبد الله بن محمد

1 شرح صحيح البخاري لابن بطال8/365.

2 شرح صحيح مسلم11/53.

ص: 119

الشنشوري1.

الحكم الثاني: إذا اجتمع أكثر من عاصب يكون التعصيب للأقرب، وهذا محل إجماع بين العلماء وممن حكى الإجماع النووي2، والشارح شمس الدين عبد الرحمن بن أبي عمر بن قدامة3. وقد قال المازري في أثناء كلامه على طبقات العصبة ما نصه: " وإن اختلفوا وهم في طبقة واحدة من الطبقات التي ذكرنا، وهم مختلفون في القرب فالأقرب أولى كالإخوة مع بنيهم؛ لأنهم كلهم يتسببون بالمشاركة في الأبوة، ولكن مشاركة الإخوة أقرب من مشاركة بنيهم، وكذلك العمومة مع بنيهم، وإن تساووا في الطبقة والقرب ولأحدهم زيادة ترجيح قدم الأرجح كالأخ الشقيق مع الأخ لأب؛ فإنهما وإن استوت طبقاتهما ومشاركتهما في الأب الذي به يقع التعصيب فللشقيق زيادة ترجيح بمشاركته في الأم والرحم فكان أولى، وهكذا يجري الأمر في بنيهم، وهكذا وفي العمومة وبنيهم، وهكذا إذا كان الترجيح بمعنى مناسب لجهة التعصيب مثل ما قلناه في الأخ الشقيق مع الأخ لأب فإن الإجماع4على أن الشقيق أولى بالميراث من الأخ للأب؛ لأنهما اشتركا في الإخوة من الأب وزاد الشقيق أخوة من الأم فهي إخوة كلها فكان أخوة أقوى من أخوة؛ فلهذا قدم الشقيق باتفاق. انتهى كلام المازري رحمه الله5.

1 الفوائد الشنشورية ص104.

2 انظر شرح صحيح مسلم11/53.

3 انظر الشرح الكبير على المقنع4/28

4 ممن حكى الإجماع الموفق بن قدامة في المغني9/22،23، وقال الحافظ ابن عبد البر في الاستذكار15/415:" لا خلاف علمته بين علماء السلف والخلف من المسلمين أن الإخوة للأب والأم يحجبون الإخوة للأب عن الميراث ".

5 المعلم بفوائد صحيح مسلم2/220.

ص: 120

قلت: ومقصود المازري بطبقات العصبة هي ما اشتهر عند الفرضيين بالجهات.

وجهات العصبة على القول الراجح خمس جهات مجموعة في بيت واحد وهو:

جهاتهم بنوة أبوة

أخوة عمومة ذو النعمة1

فالمراد بالبنوة الابن وابن الابن وإن نزل بمحض الذكور. والمراد بالأبوة الأب والجد، وإن علا بمحض الذكور. والمراد بالأخوة الإخوة الأشقاء والإخوة لأب وبنوهم وإن نزلوا بمحض الذكور. والمراد بالعمومة العم الشقيق والعم لأب وأبنائهما، وإن نزلا بمحض الذكور. والمراد بذي النعمة عصبة الولاء.

فإذا اجتمع أكثر من عاصب فيقدم الأقدم جهة على ما تقدم في البيت السابق فالابن مقدم على الأخ الشقيق؛ لأنه أقدم جهة. والأخ الشقيق مقدم على العم الشقيق، لأنه أقدم جهة. فإذا اتفق العصبة في الجهة ننظر إلى الدرجة فالأرفع درجة يقدم على الأنزل درجة فالابن مقدم على ابن الابن؛ لأنه أرفع درجة، والأب مقدم على الجد؛ لأنه أرفع درجة للميت. والأخ الشقيق مقدم على ابن الأخ الشقيق؛ لأنه أرفع درجة، وهذا هو المعروف عند الفرضيين بالقرب أي قرب الدرجة. فإذا اتفق العصبة في الجهة والدرجة يقدم الأقوى، فالأخ الشقيق مقدم على الأخ لأب؛ لأنه أقوى. وابن الأخ الشقيق يقدم على ابن الأخ لأب؛ لأنه أقوى. والعم الشقيق يقدم على العم لأب وهكذا2.

وقد جمع هذه القاعدة الشيخ صالح الجعبري رحمه الله في منظومته نظم اللالئ حيث يقول:

بالجهة التقديم ثم بقربه

وبعدهما التقديم بالقوة اجعلا3

1 هذا البيت زاده بعض الفرضيين على القلائد البرهانية. انظر القلائد البرهانية ص3.

2 انظر الفوائد الجلية ص15، وتسهيل الفرائض ص58-60.

3 نظم اللالئ لوحة7

ص: 121

ومعنى كلام الناظم تقدم شرحه قريبا بالتفصيل مع التعليل وخلاصته أنك تقدم أولا الأقدم جهة، فإذا استووا في الجهة تقدم الأقرب وهو الأرفع درجة، ثم إذا استووا في الجهة والدرجة تقدم الأقوى. وبنحو هذا البيت قال الشيخ محمد البرهاني في منظومته القلائد البرهانية:

فابدأ بذي الجهة ثم الأقرب

وبعد بالقوة فاحكم تصب1

الحكم الثالث: دل عموم قوله عليه الصلاة والسلام فلأولى رجل ذكر على أن الأخ الشقيق، والأخ لأب، وابناهما، والعم الشقيق، والعم لأب، وابناهما من الورثة2، وكونهم من الورثة محل إجماع بين أهل العلم حكاه الشيخ عبد الله بن إبراهيم الخبري، والشيخ محفوظ بن أحمد الكلوذاني أبو الخطاب، والموفق بن قدامة، والشيخ العلامة يحيى النووي، والشيخ الفرضي أحمد بن محمد بن الهائم، والشيخ الفرضي عبد الله الشنشوري، والشيخ الفرضي إبراهيم بن سيف3.

الحكم الرابع: دل الحديث على أن الأب يأخذ الباقي بعد السدس لأن الأب أولى رجل بعد الابن وابنه؛ وذلك في حالة وجود فرع وارث أنثى وفضل فاضل بعد سدس الأب وبقية الفروض الموجودة في المسألة، وكذلك الجد إذا لم يوجد الأب يأخذ الباقي بعد السدس4. وهذا محل إجماع بين أهل العلم حكاه الموفق بن قدامة، والشارح عبد الرحمن بن أبي عمر بن قدامة5.

1 انظر القلائد البرهانية مع شرحها المختصر المسمى وسيلة الراغبين ص 22، 23.

2 انظر الشرح الكبير على المقنع4/3؛ وكشاف القناع4/449.

3 انظر التلخيص في علم الفرائض1/60؛ والتهذيب ص51؛ والمغني9/63؛ وروضة الطالبين6/4؛ والفصول المهمة في علم مواريث الأمة ص59؛ والفوائد الشنشورية ص65-69؛ والعذب الفائض1/42، 43.

4 انظر كشاف القناع4/451؛ والعذب الفائض1/80.

5 انظر المغني9/20؛ والشرح الكبير على المقنع4/4.

ص: 122

الحكم الخامس: دل مفهوم الحديث على أنه إذا لم يوجد صاحب فرض فالمال كله للعصبة الأقرب فالأقرب1. وقد قال الحافظ ابن حجر: " واستدل به البخاري على أن ابن الابن يحوز المال إذا لم يكن دونه ابن وعلى أن الجد يرث جميع المال إذا لم يكن دونه أب "2. وكون العاصب إذا انفرد يحوز جميع المال محل إجماع بين أهل العلم حكاه الشيخ زكريا الأنصاري، والشيخ عبد الله الشنشوري، والشيخ إبراهيم بن سيف3.

الحكم السادس: دل الحديث بمفهومه على أن العاصب يسقط لاستغراق فروض المسألة4.

لم أقف على خلاف أهل العلم في هذا الحكم إلا ما سيأتي ذكره إن شاء الله في المسألة المشركة في المطلب الثاني من هذا المبحث. وأيضا فإن الشيخ صالح بن حسن البهوتي في ألفيته في الفرائض، والشيخ إبراهيم بن سيف في شرحه لهذه الألفية لم يذكرا في هذا الحكم خلافا بين الأئمة الأربعة5.

الحكم السابع: دل الحديث على أنه لو ماتت امرأة عن زوجها وأخيها لأم وهما ابنا عمها6على أن الزوج له النصف، والأخ لأم له السدس، وما بقي بينهما على السوية.

1 انظر بهجة قلوب الأبرار لابن سعدي ص129.

2 انظر فتح الباري12/14.

3 انظر نهاية الهداية1/206؛ والفوائد الشنشورية ص104؛ والعذب الفائض1/79.

4 انظر كشاف القناع4/471.

5 انظر عمدة كل فارض ألفية الفرائض مع شرحها العذب الفائض1/79.

6 صورة المسألة أن رجلا تزوج امرأة فأتت منه بابن، ثم تزوج أخرى فأتت منه بآخر، ثم فارق الثانية فتزوجها أخوه فأتت منه ببنت فهي أخت الثاني لأمه وابنة عمه فتزوجت هذه البنت الابن الأول وهو ابن عمها، ثم ماتت عن ابني عمها الذي هو أحدهما زوج والآخر أخ لأم. انظر فتح الباري12/27.

ص: 123

وجه الاستدلال من الحديث: أنهما قد استويا فيه إذ وجد في كل واحد منهما الذكورة والتعصيب وليس أحدهما أولى من الآخر. وقد استدل البخاري في هذه المسألة بهذا الحديث على أنهما يستويان في التعصيب1. وهذا هو مذهب الأئمة الأربعة2.

وقد روي عن عمر، وعبد الله بن مسعود، وشريح، والحسن البصري، ومحمد ابن سيرين، وهو مذهب الظاهرية إلى أن الباقي للأخ الذي هو أخ لأم؛ لأنه أقرب فيدخل في عموم قوله عليه الصلاة والسلام " فهو لأولى رجل ذكر".

والجواب عنه أن هناك فرقا بين الأخ الشقيق مع الأخ لأب؛ وذلك من طريق الترجيح؛ لأن الشرط فيهما أن يكون فيه معنى مناسب لجهة التعصيب؛ لأن الشقيق شارك أخاه في جهة القرب المتعلق بالتعصيب بخلاف الصورة المذكورة3.

الحكم الثامن: دل الحديث على ثبوت العول4 في مسائل الفرائض، ووجه الاستدلال به أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بإلحاق الفرائض بأهلها ولم يخص بعضهم دون بعض 5؛ وجزم بعض العلماء أن هذه المسألة من مسائل الإجماع6.

1 انظر شرح صحيح البخاري لابن بطال8/360، 361.

2 انظر: الاختيار لتعليل المختار 5/91؛ والإشراف على مسائل الخلاف 2/332؛ والمهذب 2/31؛ والمغني 9/30-34.

3 انظر شرح صحيح البخاري لابن بطال8/360، والتلخيص في الفرائض1/157؛ وفتح الباري12/28؛ والمحلي 10/394، 395.

4 العول في اللغة له معان منها الزيادة والارتفاع، ومنها الميل.

وفي الاصطلاح: زيادة في السهام ونقص في الأنصباء. انظر المصباح المنير2/438، وعدة الباحث ص46.

5 انظر نهاية الهداية شرح كفاية الحفاظ2/50، والعذب الفائض1/163.

6 انظر المغني9/30، وفتح القريب المجيب1/39،40، والعذب الفائض1/163،164، والتحقيقات المرضية ص162،163.

ص: 124