المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثالث الأحكام المرجوحة من الحديث - شرح حديث ابن عباس في الفرائض

[عبد المحسن بن محمد المنيف]

الفصل: ‌المطلب الثالث الأحكام المرجوحة من الحديث

نصف ما ترك أزواجكم} 1لم ينف أن يكون للزوج ما فضل إذا كان ابن عم أو مولى، وكذلك الأخ من الأم إذا كان ابن عم، والبنت وغيرها من ذوي الفروض إذا كانت معتقة كذا هاهنا تستحق النصف بالفرض والباقي بالرد2.

والجواب عن الدليل الثاني: أنه قياس مع الفارق؛ لأن أصحاب الفروض من ذوي الأرحام بخلاف الزوج؛ أو الزوجة؛ فليسا من ذوي الأرحام3.

1 سورة النساء الآية 12

2 انظر الشرح الكبير على المقنع4/37.

3 انظر الشرح الكبير على المفنع4/37.

ص: 133

‌المطلب الثالث الأحكام المرجوحة من الحديث

المطلب الثالث خصصت هذا المطلب في ذكر الأحكام المستنبطة من الحديث

والتي لم يترجح فيها عند أهل التحقيق من العلماء ما تضمنه هذا الحديث وإليك بيانها:

الحكم الأول: أن نصيب الأم في مسألتي العمريتين الثلث كاملا وما بقي للأب4، وهاتان المسألتان أركانها ثلاثة:

1-

أن يكون في أحدهما زوج وفي الأخرى زوجة.

2-

أن يكون فيهما أمٌّ.

3-

أن يكون فيهما أب5.

ووجه الاستدلال بهذا الحديث على هذا الحكم أن الله عز وجل قال {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} 6 فأعطى الأم الثلث فمقتضى إلحاق

4 انظر الشرح الكبير علىالمقنع4/12.

5 انظر العذب الفائض1/55

6 سورة النساء الآية 11

ص: 133

الفرائض بأهلها هو إعطاء الأم الثلث كاملا وما بقي يكون للعصبة، وهو الأب في هاتين المسألتين فيكون له ما فضل عن نصيب أحد الزوجين والأم1. وإليه ذهب ابن عباس2والظاهرية3.

القول الثاني: أن الأم لها في المسألتين ثلث الباقي، وإليه ذهب الأئمة الأربعة4.

واستدلوا على ذلك بما يأتي:

الدليل الأول: أن كل ذكر وأنثى يأخذان المال أثلاثا يجب أن يأخذا الباقي بعد فرض أحد الزوجين كذلك كالأخ والأخت لغير أم5.

الدليل الثاني: أن الأصل أنه إذا اجتمع ذكر وأنثى من درجة واحدة؛ أن يكون للذكر مثل ضعف ما للأنثى فلو جعل لها الثلث مع الزوج لفضلت على الأب، ومع الزوجة لم يفضل عليها بالتضعيف6.

الدليل الثالث: أن الله سبحانه وتعالى إنما أعطاها الثلث كاملا إذا انفرد الأبوان بالميراث، فإن قوله سبحانه {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} 7

1 انظر الشرح الكبير على المقنع4/12

2 انظر مصنف عبد الرزاق10/253؛ والتلخيص في الفرائض1/161؛ والتهذيب في الفرائض ص198.

3 انظر المحلى9/260.

4 انظر فتح القريب المجيب1/19؛ والعذب الفائض1/55؛ والتهذيب في الفرائض ص198؛ ومجمع الأنهر2/750، 751؛ والقوانين الفقهية ص256، 257.

5 انظر العذب الفائض1/55.

6 انظر العذب الفائض1/55.

7 سورة النساء آية 11

ص: 134

شرط أن في استحقاق الثلث عدم الولد، وتفردهما بميراثه1، وفي مسألتي الغراوين لم ينفردا فيأخذ أحد الزوجين فرضه، ومابقي يكون للأم ثلثه وللأب الباقي، فدل على أن نصيب الأم ثلث الباقي.

والجواب عن الاستدلال بالحديث من وجهين: الوجه الأول: العصوبة لم تتمحض في الأب2. والوجه الثاني: أن الأم لا تستحق الثلث كاملا إلا بشرطين: عدم الولد، أو الجمع من الإخوة، والشرط الثاني: التفرد، وفي مسألتي الغرواين معهما أحد الزوجين فكان نصيب الأم ثلث ما بقي والباقي للأب تعصيبا.

الحكم الثاني: أن الولد المنفي باللعان عصبته عصبة أمه.

ووجه الاستدلال من هذا الحديث لهذا الحكم أن الرسول عليه الصلاة والسلام أعطى الباقي لأولى رجل ذكر، وأولى الرجال للولد المنفي باللعان أقارب أمه3. وإليه ذهب الحنابلة4.

القول الثاني: أن الباقي بعد فرض الأم يكون لها بالرد، وإليه ذهب الحنفية5.

واستدلوا على ذلك بقوله تعالى {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} 6.

وجه الاستدلال: أن الأم أقرب الأرحام إليه، فتأخذ الباقي بالرد.

1 إعلام الموقعين1/358.

2 انظر العذب الفائض1/55.

3 انظر الشرح الكبير على المقنع4/14.

4 انظر الإنصاف7/308، 309.

5 انظر تبيين الحقائق6/241.

6 سورة الأنفال الآية 75

ص: 135

القول الثالث: أن الباقي بعد فرض الأم لبيت مال المسلمين، وإليه ذهب المالكية1، والشافعية2.

وقد استدلوا على ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام: " وألحق الولد بالمرأة"3.

ووجه الاستدلال أن الرسول عليه الصلاة والسلام لما ألحقه بها قطع نسبه من أبيه، فصار كمن لا أب له من أولاد العي الذين لم يختلف أن المسلمين عصبتهم؛ إذ لا تكون العصبة من قبل الأم وإنما تكون من قبل الأب4.

قلت: القول الثاني والثالث مبنيان على القول بالرد من عدمه فمن قال بالرد قال الباقي للأم بالرد، ومن قال بعدم الرد قال الباقي لبيت مال المسلمين. وقد سبق في الحكم الثالث من المطلب الثاني أن الراجح هو القول بالرد، وعلى هذا يكون الراجح هنا هو أن الباقي يرد على الأم. والله أعلم بالصواب.

والجواب عن الاستدلال بهذا الحديث على هذه المسألة بأنه معلوم أن العصبات من قبل الآباء، ومن أدلى بمن لا تعصيب له لم يكن له تعصيب5.

الحكم الثالث: أن الأخوات الشقيقات، أو الأخوات لأب لسن عصبة مع البنات أو بنات الابن6.

1 انظر عيون المجالس2/1083.

2 انظر اللؤلؤة السنية حاشية على الفوائد الشنشورية لوحة 42، وما ذكرته هنا على اعتبار أن بيت مال المسلمين من أسباب الإرث. والراجح عند الشافعية تقييده بأن يكون بيت مال المسلمين منتظما. وذهب إليه متأخرو المالكية / انظر: الفوائد الشنشورية ص53؛ وفتح العلي المالك في الفتوى على مذهب مالك 2/373.

3 أخرجه البخاري في كتاب الطلاق باب يلحق الولد بالملاعنة من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما9/460، ومسلم في كتاب اللعان 2/1132، 1133.

4 انظر شرح صحيح البخاري لابن بطال8/366.

5 انظر شرح صحيح البخاري لابن بطال8/366، 367.

6 انظر شرح النووي على صحيح مسلم11/54.

ص: 136

ووجه الاستدلال بهذا الحديث على هذا الحكم هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعطى الباقي لأولى رجل ذكر، فيستنبط من مفهومه أن الأخوات الشقيقات، أو لأب لسن من العصبة مع البنات أو بنات الابن1. وإلى هذا ذهب ابن عباس رضى الله عنهما 2والظاهرية3.

القول الثاني: أن الأخوات الشقيقات أو لأب مع البنات أو بنات الابن عصبة، وإليه ذهب الأئمة الأربعة4.

واستدلوا على ذلك بما يأتي:

الدليل الأول: حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وفيه:" لأقضين بقضاء النبي صلى الله عليه وسلم للبنت النصف، ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين، وللأخت ما بقي "5.

وجه الاستدلال: أن الحديث نص صريح على أن الأخت الشقيقة أو لأب تأخذ ما بقي بعد فرض البنت، أو بنت الابن، أو بعد فرضهما.

الدليل الثاني: أن الأخت تكون عصبة بغيرها وهو أخوها، فلا يمتنع أن تكون عصبة مع البنت6.

1 انظر فقه المواريث2/19.

2 انظر مصنف عبد الرزاق10/255.

3 انظر المحلى10/319.

4 انظر شرح السراجية ص26، 27، والضياء على الدرة البيضاء ص27، وفتح القريب المجيب1/31، والدرة المضيئة شرح الفارضية ص20، 21.

5 أخرجه البخاري في كتاب الفرائض باب ميراث الأخوات مع البنات عصبة12/17، وأبوداود في كتاب الفرائض باب ما جاء في ميراث الصلب3/312، 313، والترمذي في أبواب الفرائض باب ما جاء في ميراث ابنة الابن مع ابنة الصلب4/415، وابن ماجه في كتاب الفرائض باب فرائض الصلب2/909.

6 انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية31/349.

ص: 137

والجواب عن الاستدلال بهذا الحديث: أن الاستدلال بهذا الحديث على أن الأخوات لسن عصبة مع البنات من طريق المفهوم، وأقصى درجاته أن يكون له عموم، فيخص بالحديث الدال على أن الأخت الشقيقة أو لأب، تأخذ الباقي بعد البنت أو بنت الابن1.

الحكم الرابع: أن الباقي بعد الفروض المقدرة يكون لأبناء الأبناء دون بنات الأبناء.

ووجه الاستدلال بهذا الحديث على هذا الحكم هو ظاهر هذا الحديث حيث جعل الباقي لأولى رجل ذكر، فخص الباقي بالذكر، فلا شيء لبنات الابن 2، وإليه ذهب ابن مسعود 3.

القول الثاني: أن الباقي للذكر مثل حظ الأنثيين، وإليه ذهب الأئمة الأربعة4.

وقد استدلوا على ذلك بما يأتي:

الدليل الأول: قال الله تعالى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} 5.

وجه الاستدلال: أن بنات الابن يقع عليهن اسم الأولاد، فيشاركن أبناء الأبناء للذكر مثل حظ الأنثيين6.

الدليل الثاني: أن العلماء أجمعوا أن بني البنين كالبنين عند عدم البنين إذا

1 انظر إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام4/16.

2 انظر شرح صحيح البخاري لابن بطال8/349، 350.

3 انظر التهذيب في الفرائض ص206.

4 انظر التهذيب في الفرائض ص206؛ وشرح خلاصة الفرائض ص39، 40؛ وفتح القريب المجيب1/22؛ والضياء على الدرة البيضاء ص27.

5 سورة النساء الآية 11

6 انظر شرح صحيح البخاري لابن بطال8/350.

ص: 138

استووا في القدر ذكرهم كذكرهم، وأنثاهم كأنثاهم1.

والجواب عن الاستدلال بهذا الحديث: أن هذه المسألة مخصوصة من عموم قوله عليه الصلاة والسلام " فلأولى رجل ذكر "2.

الحكم الخامس: أن ذوي الأرحام3لا يرثون.

ووجه الاستدلال بهذا الحديث على هذا الحكم أنه لم يجعل حق الميراث لمن لم يذكر في القرآن إلا لأقرب الذكور، وهذا الحكم يختص بالعصبات دون ذوي الأرحام فإن من ورث ذوي الأرحام، ورث ذكورهم وإناثهم4. وإليه القول الثاني: توريث ذوي الأرحام وإليه ذهب: الحنفية7، والحنابلة8، وكذا الشافعية إذا لم ينتظم بيت مال المسلمين9، ومتأخرو المالكية10.

1 ممن حكى الإجماع ابن بطال في شرحه لصحيح البخاري8/350.

2 انظر فتح الباري12/16.

3 قال الزركشي في شرحه على مختصر الخرقي3/35، 36 "ذوي الأرحام في أصل الوضع اللغوي والشرعي كل من انتسب إلى الميت بقرابة سواء ذلك القرابة من قبل الأب، أو من قبل الأم إلى أن قال " وذووا الأرحام في العرف الاصطلاحي هنا: كل قرابة ليس بذي فرض ولا عصبة ".

4 انظر جامع العلوم والحكم3/275، 276.

5 انظر مواهب الجليل6/413-415.

6 انظر الفوائد الشنشورية ص217.

7 انظر شرح السراجية ص11

8 انظر شرح الزركشي على مختصر الخرقي3/36.

9 انظر الفوائد الشنشورية ص217.

10 انظر فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب مالك3/373.

ص: 139

واستدلوا على ذلك بما يأتي:

الدليل الأول: قال الله تعالى: {وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} 1.

وجه الاستدلال: أن الآية الكريمة عامة، فيدخل فيها توريث ذوي الأرحام، فهم أولى من بيت مال المسلمين.

الدليل الثاني: عن عمر رضي الله أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " الخال وارث من لا وارث له "2.

الدليل الثالث: حديث المقدام عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الخال وارث من لا وارث له يعقل عنه ويرثه "3.

1 سورة الأنفال الآية 75.

2 أخرجه الترمذي في أبواب الفرائض باب ما جاء في ميراث الخال4/421، وابن ماجه في كتاب الفرائض باب ذوي الأرحام 2/914، والإمام أحمد في المسند1/28.

وقال الشيخ أحمد شاكر في شرحه على المسند1/237 " إسناده صحيح " وصححه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في إرواء الغليل6/137.

3 أخرجه أبوداود في كتاب الفرائض باب في ميراث ذوي الأرحام3/320، والنسائي في السنن الكبرى باب في كتاب الفرائض باب ذكر اختلاف الناقلين لخبر المقدام بن معدي كرب4/76، 77، وابن ماجه في كتاب الفرائض باب ذوي الأرحام2/914، والإمام أحمد في مسنده4/131، وابن حبان الإحسان 7/611، والحاكم4/344 وأبوداود الطيالسي منحه المعبود 1/284، وابن الجارو ص322، والدارقطني4/85، والطحاوي في شرح معاني الآثار4/397،398، والبيهقي في السنن الكبرى6/214، وسعيد ابن منصور في سننه1/50، وقواه ابن قيم الجوزية في تهذيب مختصر السنن4/17، وصححه الألباني في إرواء الغليل6/137-141.

ص: 140

والجواب عن الاستدلال بهذا الحديث: أن هذا الحديث دل على توريث العصبات لا على نفي توريث غيرهم، وتوريث ذوي الأرحام مأخوذ من أدلة أخرى؛ فيكون ذلك زيادة على ما دل عليه حديث ابن عباس رضي الله عنهما1

1 انظر جامع العلوم والحكم3/276.

ص: 141