الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: الأحكام الراجحة من الحديث
خصصت هذا المطلب في ذكر الأحكام المستنبطة من الحديث، والتي ترجح فيها عند أهل التحقيق من العلماء ما تضمنه هذا الحديث وإليك بيانها:
الحكم الأول: سقوط الإخوة الأشقاء في المسألة المشركة1. والمسألة المشركة ما توفر فيها أربعة أركان:
1-
أن يكون فيها زوج
2-
أن يكون فيها ذات سدس من أم أو جدة.
3-
أن يكون فيها جمع من الإخوة لأم اثنان فأكثر.
4-
أن يكون فيها أخ شقيق فأكثر ذكور فقط أو ذكور وإناث2.
ووجه الاستدلال بهذا الحديث هو أنه إذا أخذ الزوج النصف والأم أو الجدة السدس والإخوة لأم الثلث فقد استكملت فروض المسألة ولم يبق شيء للعصبة، والإخوة الأشقاء عصبة فيسقطون3، وإلى هذا ذهب الحنفية4 والحنابلة5. واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة بن قيم الجوزية6.
واستدلوا أيضا بقوله تعالى {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ
1 الشرح الكبير على المقنع4/31، والعذب الفائض1/102.
2 انظر: الفوائد الشنشورية ص126، والعذب الفائض1/101.
3 انظر: العذب الفائض1/102، والتحقيقات المرضية ص128.
4 انظر: الاختيار 5/127؛ ومجمع الأنهر 2/756.
5 انظر: الواضح في شرح مختصر الخرقي 3/268-269؛ والروض المربع في شرح زاد المستقنع 2/255.
6 انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية31/338 -342، وإعلام الموقعين1/355-357.
فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُث} 1.
وجه الاستدلال بهذه الآية أن المراد بالإخوة في هذه الآية الإخوة لأم2 فمن شرك بينهم فلم يعط كل واحد منهما السدس، وهو مخالف لظاهر القرآن، ويلزم منه مخالفة ظاهر الآية الأخرى وهي قوله تعالى {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} 3 يراد بالإخوة في هذه الآية الإخوة الأشقاء، أو الإخوة لأب4، وهم يسوون بين ذكرهم وأنثاهم؛ حيث يعطون الأخ الشقيق مثل الأخت الشقيقة مساواة مع الأخ لأم والأخت لأم باعتبار أن أمهم واحدة 5.
القول الثاني: إن الإخوة الأشقاء يشتركون مع الإخوة لأم في الثلث وإليه ذهب المالكية6 والشافعية7.
وقد استدلوا على ذلك بما يأتي:
1 سورة النساء الآية 12
2 قد أجمع العلماء على ذلك وممن حكى الإجماع ابن المنذر في كتابه الإجماع ص82، والموفق ابن قدامة في المغني9/7، وابن قيم الجوزية في إعلام الموقعين1/355، وسبط المارديني في شرحه على الفصول المهمة لوحة 11، 12.
3 سورة النساء الآية 176
4 وقد أجمع العلماء على ذلك وممن حكى الإجماع ابن المنذر في كتابه الإجماع ص82؛ والموفق بن قدامة في المغني9/16، 17، والشيخ عبد الله الشنشوري في الفوائد الشنشورية ص77، والشيخ عثمان بن أحمد بن سعيد بن قائد النجدي في شرحه على المنظومة اللامية في الفرائض ص96، 97.
5 انظر المغني9/25؛ والشرح الكبير على المقنع4/31؛ وفتح القريب المجيب 1/60.
6 انظر الإشراف على مسائل الخلاف2/333؛ والشرح الكبير على مختصر خليل4/415.
7 انظر التلخيص في الفرائض1/153، 154، والمهذب 2/31.
الدليل الأول: أنها فريضة جمعت ولد الأبوين وولد الأم وهم من أهل الميراث فإذا ورث ولد الأم ورث ولد الأبوين، كما لو لم يكن فيها زوج1.
الدليل الثاني: أن الإرث موضوع على تقديم الأقوى على الأضعف وأدنى أحوال الأقوى مشاركته للأضعف، فليس في أصول الميراث سقوط الأقوى بالأضعف، وولد الأب والأم أقوى من ولد الأم لمساواتهم لهم في إدلائهم بالأم وزيادتهم بالأب فإذا لم يزدهم الأب قوة لم يضعفهم وأسوأ الأحوال أن يكون وجوده كعدمه2.
والجواب عن الدليل الأول: أنه قياس مع الفارق؛ وذلك أنه إذا لم يكن فيها زوج يبقى لهم باق فيأخذونه، وأما في هذه فقد استغرقت فروض المسألة، فلا يستحقون شيئا.
والجواب عن الدليل الثاني: أن هذا الكلام استحسان، لكنه استحسان يخالف الكتاب والميزان؛ فإنه ظلم للإخوة من الأم حيث يؤخذ حقهم ويعطاه لغيرهم3. وقد قال العلامة ابن قيم الجوزية ما نصه: "فإن قيل الأب إن لم ينفعهم لم يضرهم، قيل: بل قد يضرهم كما ينفعهم؛ فإن ولد الأم لو كان واحدا وولد الأبوين مائة وفضل نصف سدس انفرد ولد الأم بالسدس واشترك ولد الأبوين في نصف السدس فهلا قبلتم قولهم ههنا: هب أن أبانا كان حمارا؟ وهلا قدرتم الأب معدوما فخرجتم عن القياس كما خرجتم عن النص؟ وإذا جاز أن ينقصهم الأب جاز أن يحرمهم، وأيضا فالقرابة المتصلة الملتئمة من الذكر والأنثى لا تفرق أحكامه، هذه قاعدة النسب في الفرائض وغيرها، فالأخ من
1 انظر فتح القريب المجيب1/61، والعذب الفائض1/102.
2 انظر فتح القريب المجيب1/61، والعذب الفائض1/102.
3 انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية31/342؛ وإعلام الموقعين1/357.
الأبوين لا نجعله كأخ من أب وأخ من أم فنعطيه السدس فرضا بقرابة الأم والباقي تعصيبا بقرابة الأب1.
الحكم الثاني: أن الجد يحجب الإخوة الأشقاء أو لأب حجب حرمان2.
وجه الاستدلال بهذا الحديث على هذا الحكم أن الجد أولى من الإخوة الأشقاء أو لأب بدليل المعنى والحكم.
أما المعنى فإن له قرابة إيلاد وبعضية كالأب. وأما الحكم فإن الفروض إذا ازدحمت سقط الأخ دونه ولا يسقطه أحد إلا الأب، والأخ والأخوات يسقطون بثلاثة3 وهم الابن وابن الابن والأب.
وإلى هذا القول ذهب الإمام أبو حنيفة 4 وهو المفتى به عند الحنفية5، والإمام أحمد في رواية اختارها جمع من أصحاب مذهبه منهم الآجري، وأبو حفص العكبري، وأبو حفص البرمكي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه العلامة ابن قيم الجوزية، وابن قاضي الجبل، والشيخ على بن سليمان المرداوي، وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، وأولاده، وأحفاده، وهو المفتى به في البلاد السعودية في الوقت الحاضر6، واختاره من الشافعية المزني، وابن سريج،
1 إعلام الموقعين1/356.
2 انظر شرح ابن بطال على صحيح البخاري8/353، والمغني9/66؛ والشرح الكبير على المقنع4/5.
3 انظر المغني9/66، والشرح الكبير على المقنع4/5.
4 انظر الاختيار5/101.
5 انظر شرح خلاصة الفرائض ص26
6 انظر المغني9/66، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية31/342،343، وإعلام الموقعين1/378، والإنصاف7/305، 306، والدرر السنية في الأجوبة النجدية5/302، وفتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ9/252، والسبيل في معرفة الدليل2/83، 84، والفوائد الجلية ص 21، 22
وابن اللبان1. وإليه ذهب ابن جرير الطبري، وإسحاق بن راهويه، وأبوثور، والظاهرية2.
واستدلوا أيضا: أن الجد أب فيحجب الإخوة الأشقاء أو لأب ودليل كونه أبا قوله تعالى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} 3، وقول يوسف:{وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ} 4. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا " 5.
القول الثاني: أن الإخوة الأشقاء أو لأب يرثون مع الجد، وإليه ذهب المالكية6، والشافعية7، والإمام أحمد في الصحيح من مذهبه8، وأبو يوسف، ومحمد بن الحسن الشيباني9.
واستدلوا على ذلك بما يأتي:
الدليل الأول: هذا الحديث.
ووجه الاستدلال منه أن الأخ أولى؛ لأنه أقرب إلىالميت بدليل أنه
1 انظر التلخيص في الفرائض1/184، 185.
2 انظر التلخيص في الفرائض1/184، 185، والشرح الكبير على المقنع4/5، والمحلى10/364-375، والعذب الفائض1/106.
3 سورة الحج الآية 78
4 سورة يوسف الآية 38
5 أخرجه البخاري في كتاب الجهاد باب التحريض على الرمي6/91، وابن ماجه في كتاب الجهاد باب الرمي في سبيل الله2/941، والإمام أحمد في مسنده4/50
6 انظر الكافي لابن عبد البر2/1059، 1060، والقوانين الفقهية ص257.
7 انظر الأم2/81، ونهاية الهداية1/352، 353.
8 انظر شرح الزركشي على مختصر الخرقي3/28، والإنصاف7/305.
9 انظر مجمع الأنهر2/757، والدر المختار شرح تنوير الأبصار6/781.
ينفرد بالولاء لقربه1.
الدليل الثاني: أن الأخ يعصب أخته كالابن بخلاف الجد فكان أقوى2.
الدليل الثالث: أن فرع الأخ وهو ابن الأخ يسقط فرع الجد وهو العم وقوة الفرع تدل على قوة الأصل3.
والجواب عن الدليل الأول: ما قاله ابن قيم الجوزية حيث يقول: " فإن كان الأخ أولى رجل ذكر فهو أحق بالباقي، وإن كانا سواء في الأولوية وجب اشتراكهما فيه، وإن كان الجد أولى -وهو الحق الذي لا ريب فيه- فهو أولى به، وإذا كان الجد أولى رجل ذكر وجب أن ينفرد بالباقي بالنص "4.
والجواب عن الدليل الثاني: ما قاله الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله: " ليس تعصيب كل من الابن والأخ لأخته هو علة إرثه حتى يوجب عدم سقوطه؛ بل موجب إرث كل منهما هو البنوة في الأول والأخوة في الثاني، والله أعلم " 5
والجواب عن الدليل الثالث: أن هذا التعليل غير وجيه؛ وذلك أن الأب فرع للجد وهو يحجب الإخوة وقد قال العلامة ابن قيم الجوزية ما نصه: " أن نسبة ابن الأخ إلى الأخ كنسبة أب الجد إلى الجد، فإذا قال الأخ: أنا أرث مع الجد؛ لأني ابن أب الميت والجد أبو أبيه فكلانا في القرب إليه سواء، صاح ابن الأخ مع أب الجد وقال: أنا ابن ابن أب الميت فكيف حرمتوني مع أبي أبي أبيه ودرجتنا واحدة؟ وكيف سمعتم قول أبي مع الجد ولم تسمعوا قولي مع أبي الجد؟
1 انظر شرح صحيح البخاري لابن بطال8/353.
2 انظر العذب الفائض1/107.
3 انظر العذب الفائض1/107.
4 إعلام الموقعين1/382.
5 التحقيقات المرضية في المباحث الفرضية ص140.
فإن قيل: أبو الجد جد وإن علا، وليس ابن الأخ أخا. قيل: فهذا حجة عليكم؛ لأنه إذا كان أبو الأب أبا وأبو الجد جدا فما للإخوة ميراث مع الأب بحال. فإن قلتم: نحن نجعل أبا الجد جدا، ولا نجعل أبا الأب أبا. قيل: هكذا فعلتم وفرقتم بين المتماثلين وتناقضتم أبين تناقض وجعلتموه أبا في موضع وأخرجتموه عن الأبوة في موضع "1.
الحكم الثالث: القول بالرد2.
ووجه الاستدلال بهذا الحديث على هذا الحكم ما قاله الشيخ عبد الرحمن ابن ناصر السعدي في أثناء شرحه لهذا الحديث: " وكذلك يدل على أنه إذا لم يوجد إلا أصحاب الفروض، ولم يوجد عاصب فإنه يرد عليهم على قدر فروضهم كما تعال عليهم؛ لأن من حكمة فرض الفروض وتقديرها أن تبقى البقية للعاصب، فإذا لم يوجد رد على المستحقين لعدم المزاحم "3.
وإليه ذهب الحنفية4، والحنابلة5، وكذا الشافعية بشرط عدم انتظام بيت المال6، ومتأخرو المالكية بشرط عدم انتظام بيت المال7.
1 إعلام الموقعين1/375.
2 الرد في اللغة له معان منها الانصراف والرجوع. انظر مختار الصحاح ص239. والرد في الاصطلاح: صرف الباقي عن الفروض على ذوي الفروض النسبية بقدر فروضهم عند عدم عصبة مستغرقة. انظر شرح خلاصة الفرائض ص58.
3 انظر بهجة قلوب الأبرار ص129.
4 انظر شرح السراجية ص 11 وشرح خلاصة الفرائض ص58.
5 انظر شرح الزركشي على مختصر الخرقي3/19، والإنصاف7/317.
6 انظر الفصول المهمة في علم مواريث الأمة ص57، والفوائد الشنشورية مع حاشية الباجوري عليها ص217.
7 انظر فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب مالك2/373.
واستدلوا أيضا بقوله تعالى {وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّه} 1.
ووجه الاستدلال: أن أصحاب الرد قد ترجحوا بالقرب إلى الميت فيكونون أولى من بيت المال؛ لأنه لسائر المسلمين وذوو القربى أقوى من الأجانب عملا بالنص2.
القول الثاني: القول بعدم الرد وهو أن الفاضل عن ذوي الفروض لبيت المال وإليه ذهب المالكية3، والشافعية إذا انتظم بيت مال المسلمين4.
واستدلوا على ذلك بما يأتي:
الدليل الأول: إن الله تعالى قال في الأخت {فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَك} 5، ومن رد عليها جعل لها الكل6.
الدليل الثاني: أنها ذات فرض مسمى فلا تزاد عليه كالزوج7.
والجواب عن الدليل الأول: أن هذا الدليل لا ينفي أن يكون لها زيادة عليه بسبب آخر كقوله تعالى {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} 8 لا ينفي أن يكون للأب السدس وما فضل عن البنت بجهة التعصيب، وقوله {وَلكمَ
1 سورة الأنفال الآية 75
2 انظر الشرح الكبير على المقنع4/37
3 انظر مواهب الجليل6/413-415.
4 انظر الفصول المهمة في علم ميراث الأمة ص57، والفوائد الشنشورية مع حاشية الباجوري عليها ص 127.
5 سورة النساء الآية 176
6 انظر الشرح الكبير على المقنع4/37.
7 انظر الشرح الكبير على المقنع4/37.
8 سورة النساء الآية 11