الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب فضل الوضوء
قال الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم} إلى قوله تعالى {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون} .
[الشَّرْحُ]
قال النووي رحمه الله في كتابه (رياض الصالحين) باب فضل الوضوء.
الوضوء في اللغة العربية مأخوذ من الوضاءة وهي الحسن والنظافة.
وأما في الشرع فهو تطهير الأعضاء الأربعة على صفة مخصوصة.
والأعضاء الأربعة هي الوجه واليدان والرأس والرجلان والوضوء من نعمة الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة حيث أمرهم به ورتب عليه الثواب الذي سيذكر في هذا الباب إن شاء الله قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة الآية.
{يا أيها الذين آمنوا} إذا سمعت الله يقول {يا أيها الذين آمنوا} فانتبه وارعها سمعك فإما خير تؤمر به وإما شر تنهى عنه وإما خبر صادق تنتفع به
{إذا قمتم إلى الصلاة} أي إذا أردتم القيام إلى الصلاة فريضة أو نافلة {فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق} {فاغسلوا وجوهكم} ولم يذكر الله تعالى غسل الكفين لأنه سنة وليس بواجب والوجه من الأذن إلى الأذن عرضا ومن منحني الجبهة إلى أسفل اللحية طولا ويدخل فيه المضمضة في الفم والاستنشاق في الأنف {وأيديكم إلى المرافق} والمرفق هو المفصل الذي بين الذراع والعضد وهو داخل في الغسل لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غسل يديه شرع في العضد {وامسحوا برؤوسكم} الرأس يمسح ولا يجب غسله وهذا من رحمة الله عز وجل بعباده لأن الرأس فيه شعر فلو فرض غسله لكان فيه مشقة على الناس ولجرى الماء على الثياب وللحق الناس مشقة في أيام الشتاء ولكن من رحمة الله أن الرأس يمسح ولا يغسل ومن الرأس الأذنان يمسحان أيضا لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسح بأذنيه {وأرجلكم إلى الكعبين} يعني واغسلوا أرجلكم إلى الكعبين والكعبان هما العظمان الناتئان أسفل الساق وهما داخلتان في الغسل هذه أربع أعضاء وهذه هي أعضاء الوضوء ثم قال عز وجل {وإن كنتم جنبا فاطهروا} وفي الآية الثانية
{فاغتسلوا} يعني إذا كان الإنسان عليه جنابة وجب عليه أن يطهر جميع بدنه من رأسه إلى أخمص قدميه ومنه المضمضة والاستنشاق فالمضمضة والاستنشاق واجبتان في الوضوء وكذلك الغسل.
والجنب هو الذي حصلت عليه جنابة والجنابة إما إنزال المني بشهوة وإما جماع وإن لم ينزل فإذا جامع الإنسان زوجته وجب عليه أن يغتسل سواء أنزل أم لم ينزل وإذا أنزل وجب عليه غسل سواء جامع أو لم يجامع حتى لو فكر وأنزل وجب عليه الغسل {وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا} يعني أن الإنسان إذا وجب عليه الوضوء أو الغسل ولم يجد ماء أو كان مريضا يتضرر باستعمال الماء فإنه يتيمم يضرب الأرض بكفيه ويمسح وجهه وكفيه {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج} يعني فيما فرض علينا لم يرد أن يحرجنا ويلحق بنا المشقة بل هو أرحم بنا من أنفسنا وأولادنا وأمهاتنا والدليل على أنه أرحم بنا من أنفسنا قوله تعالى {ولا تقتلوا أنفسكم} يوصيك ألا تقتل نفسك هو أرحم بك من نفسك فهو لا يريد منا بهذا الفرض أن يشق علينا أو يلحقنا الحرج ولكن يريد ليطهركم هذا الذي أراده الله منا بالوضوء والغسل أن يطهر ظواهرنا بالماء وبواطننا بالتوحيد ولهذا يسن إذا فرغت من الوضوء أن تتشهد تقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن
محمدا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين {وليتم نعمته عليكم} وذلك بهذا الوضوء الذي يحصل به تكفير السيئات ورفعة الدرجات فإن من توضأ وأسبغ الوضوء ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء وقوله {ولعلكم تشكرون} أي لأجل أن تشكروا الله عز وجل على نعمه & فالواجب على المرء أن يشكر الله على نعمه لأن نعم الله لا تحصى ولاسيما النعم الدينية لأن بها سعادة الدنيا والآخرة.
والشكر هو القيام بطاعة الله بامتثال أمره واجتناب نهيه باللسان والأركان والقلوب نسأل الله أن يرزقنا وإياكم شكر نعمته وحسن عبادته إنه على كل شيء قدير.
1024 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل متفق عليه.
1025 -
وعنه قال سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء رواه مسلم.
1026 -
وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره رواه مسلم.
[الشَّرْحُ]
هذه الأحاديث ذكرها النووي رحمه الله في كتابه رياض الصالحين في باب فضل الوضوء حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل يعني أن هذه الأمة أمة محمد صلى الله عليه وسلم تدعى يوم القيامة غرا محجلين.
الغرة بياض الوجه والتحجيل بياض الأطراف أطراف اليدين وأطراف الرجلين يعني أن هذه المواضع تكون نورا يتلألأ يوم القيامة لهذه الأمة وهذه خاصة بنا ولله الحمد كما قال النبي صلى الله عليه وسلم سيما ليست لغيركم يعني علامة تتبين بها أمة محمد في هذا اليوم المشهود
وهذا دليل على فضل الوضوء وأن أعضاء الوضوء تأتي بيضاء يوم القيامة تلوح من النور يقول فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل هذه الجملة ليست من كلام النبي صلى الله عليه وسلم بل هي من كلام أبي هريرة رضي الله عنه وليست بصحيحة من جهة الحكم الشرعي لأن ظاهرها أن الإنسان يمكنه أن يطيل غرته يعني يطيل وجهه وهذا غير ممكن فالوجه محدد من الأذن إلى الأذن ومن منحنى الجبهة إلى أسفل اللحية وهذا مما يدل على أن هذه الجملة من كلام أبي هريرة رضي الله عنه قالها اجتهادا كما أشار إلى ذلك ابن القيم في النونية قال
وأبو هريرة قال ذا من كيسه
…
فغدا يميزه أولو العرفان
وإطالة الغرات ليس بممكن
…
أيضا وهذا واضح التبيان
لكن على كل حال ما فرضه الله علينا أن نغسل الوجوه والأيدي إلى المرافق والأرجل إلى الكعبين هذا هو منتهى الوضوء وكفى فخرا أن يأتي الناس يوم القيامة وهذه المواضع تتلألأ نورا من أجسادهم من أثر الوضوء ففي هذا دليل على فضيلة الوضوء وعلى إثبات البعث وأن الأمم يوم القيامة يأتي كل أمة تدعى إلى كتابها هل صدقت كتابها أم لم تصدق؟ وأما الحديث الثاني حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء الحلية يوم القيامة
يحلى بها الرجال والنساء يلبس الرجال والنساء حلية من ذهب وفضة ولؤلؤ وحلوا أساور من فضة {يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا} فهم يحلون بهذه الأنواع الثلاثة يلبس الرجل والمرأة في الجنة حليا من هذه الأنواع الثلاثة ذهب وفضة ولؤلؤ ولابد أن تكون مرصوفة على وجه يحصل به الجمال أكثر وأكثر لأن التحلي بكل نوع من هذا لا شك أنه يكسب الإنسان جمالا فإذا رصف بعضها إلى بعض ورتبت ترتيبا حسنا أعطت جمالا أكثر فيوم القيامة تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء إذن كل الذراع يكون حلية مملوءا حلية من ذهب وفضة ولؤلؤ وهذا يدل على فضيلة الوضوء حيث تكون مواضعه يوم القيامة يحلى بها الإنسان في الجنة جعلني الله وإياكم من أهلها وأما الحديث الثالث حديث عثمان رضي الله عنه ففيه أن من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه تخرج خطاياه من هذا الوضوء حتى من تحت أظفاره وعلى هذا فالوضوء يكون سببا لكفارة الخطايا حتى من أدق مكان وهو ما تحت الأظفار وهذه الأحاديث وأمثالها تدل على أن الوضوء من أفضل العبادات وأنه عبادة ينبغي للإنسان أن ينوي به التقرب إلى الله عز وجل يعني أن يستحضر وهو يتوضأ أنه يتقرب إلى الله كما أنه إذا صلى يستشعر أنه يتقرب إلى الله كذلك وهو يتوضأ ويستشعر بأنه يمتثل أمر الله في قوله {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم} ويستشعر أيضا أنه متبع لرسول الله صلى الله عليه وسلم في وضوئه وكذلك أيضا يستحضر
أنه يريد الثواب وأنه يثاب على هذا العمل حتى يتقنه ويحسنه والله الموفق
1027 -
وعنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ مثل وضوئي هذا ثم قال من توضأ هكذا غفر له ما تقدم من ذنبه وكانت صلاته ومشيته إلى المسجد نافلة رواه مسلم
1028 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقيا من الذنوب رواه مسلم
[الشَّرْحُ]
هذه الأحاديث التي ذكرها المؤلف رحمه الله في باب: بيان فضل الوضوء منها حديث عثمان رضي الله عنه أنه توضأ فغسل كفيه ثلاثا وتمضمض واستنشق ثلاثا بثلاث غرفات وغسل وجهه ثلاثا وغسل يديه إلى المرفقين ثلاثا ومسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر ومسح أذنيه وغسل رجليه ثلاثا إلى الكعبين
قال النبي صلى الله عليه وسلم: من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث بهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه وهذا شيء يسير ولله الحمد أن الإنسان يعمل هذا العمل ثم يغفر ما تقدم من ذنبه وأخذ العلماء من ذلك أنه يستحب لمن أسبغ الوضوء أن يصلي ركعتين وتسمى سنة الوضوء سواء في الصباح أو المساء في الليل أو النهار بعد الفجر أو بعد العصر لأنها سنة لها سبب فإذا توضأ الإنسان نحو وضوء الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يصلي ركعتي يغفر له ما تقدم من ذنبه وفي الحديث قال وكان مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة يعني: زائد على مغفرة الذنوب وليس معنى نافلة يعني صلاة تطوع قد تكون صلاة فريضة ولكن نافلة يعني زائدا على مغفرة الذنوب لأن ذنوبه غفرت بوضوئه وصلاته الأولى فيكون مشيه للمسجد وصلاته ولو فريضة نافلة أي زيادة على مغفرة الذنوب لأن النفل في اللغة معناه الزيادة كما قال الله تعالى ومن الليل فتهجد به نافلة لك ثم ذكر المؤلف رحمه الله حديث أبي هريرة في أن الوضوء تخرج به الخطايا إذا غسلت وجهك خرجت خطايا وجهك مع الماء أو مع آخر قطر الماء أو هنا للشك من الراوي وعلى كل حال فإن
الإنسان إذا غسل وجهه خرجت خطايا وجهه وإذا غسل يديه خرجت خطايا يديه التي كان قد بطش بها وإذا غسل رجليه خرجت خطايا رجليه حتى يخرج نقيا من الذنوب ولله الحمد فهذا دليل على فضيلة الوضوء ولكن من منا يستحضر هذا الفضل فهل يكتب هذا الفضل للإنسان سواء أستحضره أم لا؟ الظاهر إن شاء الله أنه يكتب له سواء أستحضر أو لم يستحضر لكن إذا استحضر فهو أكمل لأنه إذا استحضر هذا احتسب الأجر على الله عز وجل وأيقن أنه سيجازي ويكافأ على هذا العمل جزاء وفاقا بخلاف ما إذا توضأ وهو غافل لكننا نرجو من الله سبحانه وتعالى أن يكتب هذا الأجر حتى من الإنسان الغافل الذي يتوضأ على سبيل إبراء ذمته والله الموفق
1029 -
وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى المقبرة فقال السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون وددت أنا قد رأينا إخواننا قالوا أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال أنتم أصحابي وإخواننا الذين لم يأتوا بعد قالوا كيف تعرف من لم يأتوا بعد من أمتك يا رسول الله؟ فقال رأيت لو أن رجلا له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دهم بهم ألا يعرف خيله قالوا بلى يا رسول الله قال فإنهم يأتون غرا محجلين من الوضوء وأنا فرطهم على الحوض رواه مسلم
[الشَّرْحُ]
هذا الحديث الذي أورده النووي رحمه الله في كتابه (رياض الصالحين) باب فضل الوضوء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى المقبرة فقال السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون كان النبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمر نهي عن زيارة القبور لأن الناس حديثو عهد بشرك فخشي أن تتعلق قلوبهم بالقبور وتفتتن بها فنهى عن الزيارة ثم لما استقر الإيمان في قلوبهم أمرهم بالزيارة فقال كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر الموت وفي رواية تذكر الآخرة فأمر بزيارتها وبين الحكمة العظيمة من هذه الزيارة وأنها تذكر الإنسان الذي على ظهر الأرض أنه اليوم على ظهرها وغدا في بطنها ولا يدري متى يكون هذا؟ قد يصبح الإنسان على ظهر الأرض ويمسي في بطنها وقد يمسي على ظهر الأرض ويصبح في بطنها فكان في زيارة المقابر تذكير بالموت والآخرة لأن الإنسان يمر بالمقبرة فإذا فكر يرى أباه عمه زوجته أخاه وما أشبه ذلك أمس كانوا معه يأكلون ويشربون ويتنعمون والآن هم مرتهنون بأعمالهم في القبور يتذكر العام الماضي في مثل هذا الوقت وهم معنا فرحين بالدنيا مغتبطين بها والآن غادروها وصاروا مرتهنين بأعمالهم من يعمل خيرا يلقه ومن يعمل سوءا يلقه فهي تذكر
الآخرة تذكر الموت حقا أخرجوا إلى المقابر انظروا هؤلاء لا يحصيهم إلا الله عز وجل أو لا يحصون إلا بمشقة كانوا بالأمس معنا والآن هم في بطن الأرض ولا تدري فلعلك ضجيعهم في مدة يسيرة فهي تذكر الموت كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا كان يخرج هو بنفسه إلى البقيع يزور أهل البقيع ويسلم عليهم صلى الله عليه وسلم ويدعو لهم السلام عليكم دار قوم مؤمنين يعني يا أهل دار قوم مؤمنين والظاهر والله أعلم أنه يسلم عليهم ويسمعونه إذ لا فائدة من خطاب لا يسمعه المخاطب لكنهم لا يستجيبون لأنهم في قبورهم فيسلم عليهم السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون وصدق النبي صلى الله عليه وسلم ما من حي إلا سيلحق الميت بمشيئة الله عز وجل يقول وإنا إن شاء الله بكم للاحقون واختلف العلماء رحمهم الله لماذا قال: وإنا إن شاء الله بكم لاحقون وهو أمر معلوم متيقن والصحيح أنه لا إشكال في هذا فإن معنى التعليق هنا أننا إذا لحقنا بكم نلحق بمشيئة الله متى شاء لحقنا بكم لأن الأمر أمره والملك ملكه هو الذي يدبر عز وجل ما شاء فيمن شاء أليس الله يقول لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين مع أنهم سيدخلونه لأن الله أكد الدخول بالقسم واللام ونون التوكيد ولا شك في أنهم سيدخلونه ولهذا لما جرى الصلح في الحديبية على أن الرسول سيرجع ولا يكمل عمرته قال له عمر ألست
تحدثنا أننا ندخل البيت ونطوف به قال بلى لكن هل حددت لك هذا العام وإنك آتيه ومطوف به فالحاصل أن كلمة إن شاء الله هنا ليس معناها التعليق الذي يكون الإنسان فيه مترددا بين حصول الشيء وعدمه بل معنى التعليق أن لحوقنا بكم ليس باختيارنا ولكنه بمشيئة الله عز وجل ثم قال صلى الله عليه وسلم وددت أنا لقينا إخواننا تمنى أن يلقى إخوانه صلى الله عليه وسلم اللهم اجعلني وإياكم منهم قالوا يا رسول الله ألسنا إخوانك قال أنتم أصحابي أخص من الإخوان الصاحب أخ وزيادة والأخ أخ بلا مصاحبة قال أنتم أصحابي يعني فأنتم أخص منهم وهم الصحابة إخوان للرسول صلى الله عليه وسلم وأصحاب له أما من جاءوا بعدهم من المؤمنين فهم إخوانه وليسوا أصحابه وددت أنا لقينا إخواننا قالوا أولسنا إخوانك يا رسول الله قال أنتم أصحابي لكن إخواني قوم يأتون بعدي يؤمنون بي ولم يروني اللهم لك الحمد اللهم ثبتنا على ذلك يؤمنون بالرسول صلى الله عليه وسلم وأنه رسول الله حقا وهم لا يرونه لكنهم مثل الذين يرونه قالوا يا رسول الله كيف تعرفهم يعني وأنت لم تدركهم فضرب مثلا برجل له خيل غر غر يعني فيها بياض في رأسها
ومحجلة بياض في أرجلها مع خيل دهم يعني سود ليس فيها أي غرة هل يشتبه عليه هذا بهذا؟ قالوا لا قال فإنكم تأتون يوم القيامة غرا محجلين يعني من أثر الوضوء ففي هذا دليل على فضيلة الوضوء وأن هذه الأمة يأتون يوم القيامة وهم غر محجلون من أثر الوضوء غر يعني بيض الوجوه محجلون يعني بيض الأرجل والأيدي وهذا البياض بياض نور وإضاءة يعرفهم الناس يوم القيامة في هذا اليوم المشهود العظيم تعرف أمة هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بهذه السيما والعلامة التي ليست لغيرهم أسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يحشرني وإياكم على هذا الوجه وأن يجعلنا من أمته ظاهرا وباطنا إنه على كل شيء قدير
1030 -
وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا بلى يا رسول الله قال إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط رواه مسلم
1031 -
وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله الطهور شطر الإيمان رواه مسلم وقد سبق بطوله في باب الصبر
وفي الباب حديث عمرو بن عبسة رضي الله عنه السابق في آخر باب الرجاء وهو حديث عظيم مشتمل على جمل من الخيرات
1032 -
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ أو فيسبغ الوضوء ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء رواه مسلم وزاد الترمذي اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين
[الشَّرْحُ]
هذه الأحاديث في بيان فضل الوضوء وقد سبق حديث في هذا المعنى وتكلمنا على زيارة القبور التي ذكرها المؤلف رحمه الله وبينا أن فيها فائدة عظيمة وهي تذكير الإنسان الموت أو الآخرة وليعلم أن زيارة القبور لا تحل للنساء فلا يجوز للمرأة أن تزور المقبرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج ولأن المرأة ضعيفة لا تتحمل فربما تنوح وتبكي وتلطم ولأن المقابر في
الغالب تكون خالية من الناس فيخشى إذا خرجت المرأة إليها أن يتبعها السفهاء من الناس ويحصل بذلك المحذور والفتنة لهذا لعن النبي صلى الله عليه وسلم زائرات القبور أما إذا مرت المرأة بالمقبرة من غير أن تخرج لقصد الزيارة فلا بأس أن تقف وتسلم وتدعو كما يدعو الرجل يعني هناك فرق بين القصد وعدم القصد ثم ليعلم أيضا أن أصحاب القبور مهما بلغوا من العمل الصالح والتقى لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ولا يملكون لغيرهم أيضا نفعا ولا ضرا ولهذا هم يدعى لهم ولا يدعو هم يدعى لهم كما سبق أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لهم ولكنهم لا يدعون لأنهم لا يفيدون وقد قال الله عز وجل ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين وقال تعالى {والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير} أما ما ذكره رحمه الله من الأحاديث الباقية فهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ألا أنبئكم أو أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات وإنما ساق الحديث وشك على سبيل الاستفهام من أجل أن ينتبه السامع لما يلقي إليه لأن الأمر مهم فقال ألا أنبئكم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات قالوا بلى يا رسول الله قال إسباغ الوضوء على المكارة وكثرة الخطا إلى
المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط إسباغ الوضوء على المكاره يعني أن الإنسان يتوضأ وضوءه على كره منه إما لكونه فيه حمى ينفر من الماء فيتوضأ على كره وإما أن يكون الجو باردا وليس عنده ما يسخن به الماء فيتوضأ على كره وإما أن يكون هناك أمطار تحول بينه وبين الوصول لمكان الوضوء فيتوضأ على كره المهم أنه يتوضأ على كره ومشقة لكن بدون ضرر أما مع الضرر فلا يتوضأ بل يتيمم هذا مما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ولكن هذا لا يعني أن الإنسان يشق على نفسه ويذهب يتوضأ بالبارد ويترك الساخن أو يكون عنده ما يسخن به الماء ويقول لا أريد أن أتوضأ بالماء البارد لأنال هذا الأجر فهذا غير مشروع لأن الله يقول {ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم} ورأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا واقفا في الشمس قال ما هذا قالوا نذر أن يقف في الشمس فنهاه عن ذلك وأمره أن يستظل فالإنسان ليس مأمورا ولا مندوبا في أن يفعل ما يشق عليه ويضره بل كلما سهلت عليه العبادة فهو أفضل لكن إذا كان لابد من الأذى والكره فإنه يؤجر على ذلك لأنه بغير اختياره
كذلك كثرة الخطا إلى المساجد فيه دليل على أن الجماعة تكون في المسجد ولا تكون في البيت وأن الإنسان إذا كثرت خطاه إلى المساجد يرفع الله له به الدرجات ويمحو عنه الخطايا وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الرجل إذا توضأ في بيته فأسبغ الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفع الله له بها درجة وحط عنه بها خطيئة وهذه نعمة عظيمة فإذا وصل المسجد وصلى لم تزل الملائكة تصلي عليه مادام في مصلاه تقول اللهم صل عليه اللهم اغفر له اللهم ارحمه ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة وكثرة الخطا معناه أن يأتي الإنسان للمسجد ولو من بعد وليس المعنى أن يتقصد الطريق البعيد أو أن يقارب الخطا هذا غير مشروع بل يمشي على عادته ولا يتقصد البعد يعني مثلا لو كان بينه وبين المسجد طريق قريب وآخر بعيد لا يترك القريب لكن إذا كان بعيدا ولابد أن يمشي إلى المسجد فإن كثرة الخطا إلى المساجد مما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات وأما انتظار الصلاة بعد الصلاة بمعنى أن الإنسان إذا فرغ من هذه الصلاة يتشوق إلى الصلاة الأخرى
وهكذا يكون قلبه معلقا بالمساجد كلما فرغ من صلاة فهو ينتظر الصلاة الأخرى هذا أيضا مما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات قال فذلكم الرباط فذلكم الرباط يعني المرابطة على الخير وهو داخل في قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون} ثم ذكر المؤلف حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الطهور شطر الإيمان يشمل طهور الماء التيمم طهارة القلب من الشرك والشك والغل والحقد على المسلمين وغير ذلك مما يجب التطهر منه فهو يشمل الطهارة الحسية والمعنوية شطر الإيمان نصفه والنصف الثاني هو التحلي بالأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة لأن كل شيء لا يتم إلا بتنقيته من الشوائب وتكميله بالفضائل فالتكميل بالفضائل نصف والتنقية من الرذائل نصف آخر ولهذا قال الطهور سطر الإيمان وأما شطره الثاني فهو التكميل بالأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة ثم ذكر المؤلف آخر ما ختم به الباب حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن الرجل إذا أسبغ الوضوء ثم قال اشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فإنه تفتح له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء وزاد الترمذي رحمه الله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين هذه الأحاديث في فضل الوضوء
والمؤلف لم يستوعب كل ما ورد في هذا الباب من فضائل لكن لو لم يكن من فضائله إلا حديث واحد لكفى به دعوة إلى الوضوء وإحسانه وفق الله الجميع لما فيه الخير والصلاح
/0L2 باب فضل الأذان
1033 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أنة يستهموا عليه لاستهموا عليه ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا متفق عليه الاستهام الاقتراع والتهجير التبكير إلى الصلاة
[الشَّرْحُ]
قال المؤلف رحمه الله تعالى في كتابه (رياض الصالحين) باب الأذان يعني في فضله وما ورد فيه والأذان هو الإعلام بالصلاة أي بدخول وقتها إن كانت مما يقدم أو بفعلها إن كانت مما يؤخر هذا هو الأذان يعني ينادي الإنسان فيعلم الناس أن الوقت قد دخل في صلاة المغرب والفجر والعصر والظهر إلا أن يبردوا بها وكذلك في العشاء إذا أخروها فالأذان كذلك يؤخر وإلا فإنه يؤذن عند دخول الوقت لقول النبي صلى الله عليه وسلم إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم والأذان المشروع هو الذي يؤذن للصلوات الخمس وفرض في السنة الثانية من الهجرة بعد أن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى
المدينة شرع الأذان واختلف الصحابة حين تشاوروا كيف يعلم بدخول وقت الصلاة؟ فقال بعضهم نوقد نارا عظيمة يعرف الناس أن الوقت قد دخل وقال بعضهم بل نضرب بالناقوس الناقوس الذي يشبع الجرس وهو الذي ينادي به النصارى لصلواتهم وقال آخرون بل ننفخ بالبوق كما يفعل اليهود وكل هذا كرهه النبي صلى الله عليه وسلم هرع رجل من الصحابة وهو عبد الله بن زيد رأى رجلا في المنام وفي يده ناقوس قال له أتبيع هذا؟ قال وماذا تصنع به قال أعلم به للصلاة قال أفلا أدلك على خير من ذلك قال بلى فقرأ عليه الأذان وقرأ عليه الإقامة فلما أصبح غدا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بالخبر فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن هذا رؤيا حق ثم علمه بلال فأذن به بهذا الأذان المعروف ولما كان في زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه وكثر الناس جعل أذانا أولا للجمعة قبل الأذان الثاني الذي هو عند حضور الإمام فكان في يوم الجمعة أذانان وفي رمضان أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالا أن يؤذن في آخر الليل إذا قرب وقت السحور وقال إن بلالا يؤذن بليل ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر فصار عندنا الفجر لها أذان أول
ولكن ليست لها بل لأجل الإعلان أن وقت السحور قد حل والجمعة لها أذان أول من سنة عثمان رضي الله عنه وهو أحد الخلفاء الراشدين الذين أمرنا باتباع سنتهم قال بعض المتحذلقين الذين يدعون أنهم سلفيون سنيون إن أذان الجمعة الأول لا نقبله لأنه بدعة لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهذا القول منهم قدح للنبي صلى الله عليه وسلم وقدح بالخلفاء الراشدين وقدح بالصحابة رضي الله عنهم وهؤلاء المساكين وصلوا إلى هذا الحد من حيث لا يعلمون أما كونه قدحا بالرسول صلى الله عليه وسلم فلأن النبي قال عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي وبإجماع المسلمين أن عثمان رضي الله عنه من الخلفاء الراشدين وأما كونه قدح بالخلفاء الراشدين فهو قدح بعثمان رضي الله عنه وهو منهم والقادح في واحد منهم قادح في الجميع كما أن المكذب للرسول الواحد مكذب بجميع الرسل وأما كونه قدحا في الصحابة فلأن الصحابة لم ينكروا على عثمان رضي الله عنه مع أنه لو أخطأ لأنكروا عليه كما أنكروا عليه الإتمام في (منى) في الحج لكن في أذان الجمعة الأول لم ينكروا عليه فهل هؤلاء المتحذلقون المخالفون أعلم بشريعة الله ومقاصدها من الصحابة؟
لكن صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إن آخر هذه الأمة يلعن أولها آخرها والعياذ بالله ويقدح فيهم فالأذان الأول للجمعة أذان شرعي بإشارة النبي صلى الله عليه وسلم وسنة أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه وبإجماع الصحابة الإجماع السكوتي ولا عذر لأحد وقطع الله لسان من يعترض على خلفاء هذه الأمة الراشدين وعلى الصحابة قد يقول قائل لماذا لم يشرعه الرسول صلى الله عليه وسلم والجمعة موجودة في عهده؟ والجواب أن السبب هو أن الناس في عهد عثمان كثروا واتسعت المدينة واحتاجوا إلى أذان ينبههم يكون قبل الأذان الأخير الذي يكون عند مجيء الإمام فكان من الحكمة أن يؤذن وعثمان رضي الله عنه بني على أساس فهاهو النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بلالا أن يؤذن بآخر الليل لا لأن الصلاة حلت ولكن ليوقظ النائم ويرجع القائم فهو مقصد شرعي ولا إشكال في شرعية أذان الجمعة الأول إذا فالأذان الأول ليوم الجمعة مشروع بسنة الخلفاء الراشدين وإيماء سيد المرسلين محمد وإجماع الصحابة الذين أدركوا هذا أما الأذان في آخر الليل فإنه مشروع بسنة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان لإيقاظ النائم وإرجاع القائم لكن هل يشرع في غير رمضان؟ نقول لعله قياسا على فعل عثمان رضي الله عنه نرى أنه لا بأس به
وهنا مسألة ثانية الصلاة خير من النوم زعم بعض المتأخرين أنها تقال في الأذان الأول الذي قبل الفجر وأخطئوا خطأ عظيما لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلالا أن يقولها في أذان الفجر قال إذا أذنت الأول في صلاة الصبح فقل الصلاة خير من النوم ومعلوم أن الأذان للصلاة لا يكون إلا بعد دخول وقتها لقول النبي صلى الله عليه وسلم إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وسمى أذانا أولا باعتبار الإقامة لأن الإقامة أذان ثان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم بين كل أذانين صلاة وجاء في صحيح مسلم رحمه الله من حديث عائشة رضي الله عنها قالت فإذا أذن للأذان الأول للفجر قام النبي صلى الله عليه وسلم حتى يأتيه المؤذن فيؤذنه لصلاة الفجر وهذا صريح في أن أذان الفجر الأول يكون بعد دخول الوقت وأما الأذان آخر الليل فليس أذانا للفجر بل هو أذان للنائمين ليقوموا وللقائمين ليرجعوا ويتسحروا إذا كان ذلك في رمضان والأذان من أفضل الأعمال وهو أفضل من الإمامة يعني أن مرتبة المؤذن في الأجر أفضل من مرتبة الإمام لأن المؤذن يعلن لتعظيم الله وتوحيد الله والشهادة للرسول بالرسالة وكذلك أيضا يدعو الناس إلى الصلاة
والفلاح في اليوم والليلة خمس مرات أو أكثر والإمام لا يحصل منه ذلك والمؤذن لا يسمع صوته شجر ولا حجر ولا مدر إلا شهد له يوم القيامة ولهذا كان الأذان مرتبته في الشرع أعلى من مرتبة الإمامة فإن قال قائل إذا كان كذلك لماذا لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يؤذن ولا الخلفاء الراشدون أجاب العلماء عن هذا بأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين كانوا مشغولين بمصالح العباد لأنهم خلفاء أئمة يدبرون أمة الأمة والأذان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ليس كالأذان في وقتنا الآن إذا أراد الإنسان أن يؤذن ليس عليه سوى أن ينظر إلى الساعة ويعرف الوقت حل أو لم يحل لكن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم يراقبون الشمس ويتابعون الظل حتى يعرفوا أن الشمس قد زالت وكذلك أيضا يراقبونها حتى يعرفوا أنها غربت ثم يراقبون الشفق ثم يراقبون الفجر ففيه صعوبة عظيمة؟ لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون لا يتولون الأذان لا لأن فضلة أقل من الإمامة ولكن لأنهم مشغولون بما هم فيه عن الأذان وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم فضيلته بأن الناس لو يعلمون ما فيه النداء ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا سبحان الله معنى هذا أن الناس لو يعلمون ما في الأذان من فضل وأجر لكانوا يقترعون أيهم الذي يؤذن بينما الناس الآن مع الأسف يتدافعون هذا يقول أذن وهذا يقول بل أذن أنت
وهكذا فينبغي عليك إذا كنت في رحلة أن تحرص أن تكون أنت المؤذن لكن معلوم أن الرحلة لها أمير سواء سفر أو نزهة فإذا نصب الأمير شخصا للأذان فليس لأحد أن يتقدم ويؤذن لأنه صار مؤذنا راتبا وكذلك إذا قال لأحدهم أنت الإمام صار هو الإمام ولا أحد يتقدم عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم لا يؤمن رجل رجلا في سلطانه إلا بإذنه وفق الله الجميع لما فيه الخير والصواب
1034 -
وعن معاوية رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة رواه مسلم
1035 -
وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه قال له إني أراك تحب الغنم والبادية فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت للصلاة فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة قال أبو سعيد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه البخاري
[الشَّرْحُ]
هذان الحديثان ساقهما المؤلف رحمه الله في (رياض الصالحين) في: باب فضل الأذان عن معاوية رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة إذا بعث الناس فإن المؤذنين يكون لهم ميزة ليست لغيرهم وهي أنهم أطول الناس أعناقا فيعرفون بذلك تنويها لفضلهم وإظهار لشرفهم لأنهم يؤذنون ويعلنون بتكبير الله عز وجل وتوحيده والشهادة لرسوله صلى الله عليه وسلم بالرسالة والدعوة إلى الصلاة وإلى الفلاح يعلنونها من الأماكن العالية ولهذا كان جزاؤهم من جنس العمل أن تعلو رءوسهم وأن تعلو وجهوههم وذلك بإطالة أعناقهم يوم القيامة وهذا يدل على أنه ينبغي للإنسان أن يحرص على أن يكون مؤذنا حتى لو كان في نزهة هو وأصحابه فإنه ينبغي أن يبادر لذلك وقد سبق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لو يعلم الناس ما في النداء ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا وكذلك من فضيلة الأذان ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما من إنس ولا جن ولا شيء يسمع صوت المؤذن إلا شهد له بذلك يوم القيامة وهذا أيضا من فضائل الأذان أن صاحبه يشهد له يوم القيامة بأنه من المؤذنين تنويها لفضله بيانا لثوابه فالحاصل أن الأذان له فضل عظيم وأنه ينبغي للإنسان أن يكون مؤذنا إلا أنه إذا كان هناك مؤذن راتب فإنه لا يحل لأحد أن يتجاوزه ويؤذن
عنه إلا إذا كان قد وكله أو ما أشبه ذلك يعني لا تظنوا أن الإنسان ينبغي له أن يبادر للمسجد ويؤذن قبل المؤذن الراتب لأن هذا عدوان عليه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه إلا بإذنه والله الموفق
1036 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين فإذا قضي النداء أقبل حتى إذا ثوب للصلاة أدبر حتى إذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول اذكر كذا واذكر كذا لما لم يذكر من قبل حتى يظل الرجل ما يدري كم صلى؟ متفق عليه التثويب الإقامة
1037 -
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة رواه مسلم
[الشَّرْحُ]
هذه الأحاديث أيضا في فضل الأذان منها حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه إذا أذن المؤذن أدبر الشيطان وله ضراط كراهة أن يسمع ذكر الله عز وجل وهذا هو معنى قوله تعالى من شر الوسواس الخناس الذي يخنس عند ذكر الله عز وجل ويختفي ويبعد لأن الشيطان أكره ما عنده عبادة الله وأبغض ما عنده من الرجال عباد الله وأحب ما يحب الشرك بالله عز وجل والمعاصي لأنه يأمر بالفحشاء {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء} فيحب من الناس أن يأتوا ما لم يأمر الله به ويكره أن يأتوا ما أمر الله عز وجل فإذا أذن المؤذن ولى وأبعد عن مكان الأذان حتى يخرج بعيدا عن البلاد لئلا يسمع الأذان فإذا انتهى الأذان أقبل حتى يغوي بني آدم فإذا أقيمت الصلاة فإنه في حال الإقامة أيضا يولي ويدبر ثم إذا فرغت الإقامة أقبل حتى يحول بين المرء وقلبه في صلاته يقول له اذكر كذا اذكر كذا اذكر كذا
…
حتى لا يطيق المصلي وهذا أمر يشهد له الواقع فإن الإنسان أحيانا ينسى أشياء فإذا دخل في الصلاة فتح الشيطان عليه باب التذكر حتى جعل يذكرها ويذكر أن رجلا جاء إلى أبي حنيفة رحمه الله وقال إنه استودع وديعة ونسيها فقال له اذهب فتوضأ فصل ركعتين وستذكرها ففعل الرجل فتوضأ ودخل في الصلاة فذكره إياها الشيطان وهذا أمر يشهد له الواقع
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث فائدتان عظيمتان 1 - بيان فضل الأذان وأنه يطرد الشياطين ولهذا استحب الكثير من العلماء إذا ولد المولود أول ما يولد أن يؤذن في أذنه حتى يطرد الشيطان عنه وبعضهم يقول: يؤذن في أذنه حتى يكون أول ما يسمع ذكر الله عز وجل وعلى كل حال فالأذان يطرد الشياطين ولكن هل إذا أذن الإنسان في غير وقت الأذان هل يطرد الشياطين؟ الله أعلم لكن ذكر الله على سبيل العموم يطرد الشياطين لأن معنى الخناس الذي يخنس عند ذكر الله عز وجل أما الحديث الثاني ففضيلته أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر إذا سمعنا المؤذن أن نقول مثل ما يقول إذا قال الله أكبر نقول الله أكبر..
إذا قال أشهد أن لا إله إلا الله نقول أشهد أن لا إله إلا الله إذا قال أشهد أن محمدا رسول الله نقول أشهد أن محمد رسول الله..
إلا حي على الصلاة حي على الفلاح فلا نقول لأننا نحن مدعوون والمؤذن داع فلا يصح أن نقول (حي على الصلاة) بعده لكننا نقول كلمة الاستعانة (لا حول ولا قوة إلا بالله) وهذه الكلمة تعني أننا عزمنا على الإجابة ولكننا نستعين بالله عز وجل ولهذا أقول إن هذه الكلمة كلمة استعانه تعين الإنسان على أموره وعلى صلاح أحواله ولهذا قال الرجل المؤمن في قصة صاحبي الجنتين قال لصاحبه {ولولا
إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله} يعني لكان خيرا لك وسلمت جنتك من التلف فهذه الكلمة كلمة عظيمة حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن قيس أبو موسى الأشعري رضي الله عنه ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة قال بلى قال لا حول ولا قوة إلا بالله فإذا قال المؤذن حي على الصلاة حي على الفلاح نقول لا حول ولا قوة إلا بالله وإذا قال في صلاة الفجر الصلاة خير من النوم نقول الصلاة خير من النوم وإذا قال الله أكبر قلنا الله أكبر وإذا قال لا إله إلا الله قلنا لا إله إلا الله ثم بعد ذلك نصلي على النبي صلى الله عليه وسلم نقول اللهم صل على محمد فإن من صلى عليه مرة واحدة صلى الله عليه بها عشرا ثم نسأل الله له الوسيلة اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد فإذا صلينا على النبي صلى الله عليه وسلم وسألنا الله له الوسيلة حلت لنا الشفاعة يعني شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم الوسيلة درجة عالية في الجنة أعلى ما يكون لا ينبغي أن تكون إلا لعبد من عباد الله قال النبي صلى الله عليه وسلم وأرجو أن أكون أنا هو وهذا الرجاء إن شاء الله تعالى سيكون محققا لأننا نعلم أن أفضل الخلق
عند الله محمد صلى الله عليه وسلم ولأن أمة محمد تدعو الله بذلك بعد كل أذان والدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد كل الأمة تقول اللهم آت محمدا الوسيلة وأمة محمد جديرة بإذن الله إذا دعت أن يؤتي محمد الوسيلة أن يقبل الله منها ولهذا قال أرجو أن كون أنا هو إذن ينبغي لنا إذا سمعنا المؤذن أن نقول مثل ما يقول حتى لو كنا نقرأ نقطع القراءة ونجيب المؤذن وإذا فرغنا نقبل على القراءة واختلف العلماء رحمهم الله فيما إذا كان الإنسان يصلي هل يتابع المؤذن فقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله نعم ولو كنت تصلي لأن الأذان ذكر لا يبطل الصلاة والنبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ولا يستثن حالا من الأحوال ولكن أكثر العلماء يقولون إذا كنت تصلي لا تجب المؤذن لأن الصلاة فيها شغل خاص بها والأذان طويل يشغلك كثيرا عنها ولكن لو عطست وأنت تصلى فقل الحمد لله ما في مانع لأنها كلمة واحدة لا تشغلك عن الصلاة أما إجابة المؤذن طويلة فلا تجب المؤذن ولكن إذا فرغت من الصلاة فأجب المؤذن لأنك سكت اشتغالا بصلاتك كذلك إذا كنت على قضاء الحاجة وأذن المؤذن فلا تجبه لأن هذا ذكر لكن إذا فرغت وخرجت من المرحاض أجب وقيل بل يجيبه بقلبه لكن هذا فيه نظر لقول الرسول صلى الله عليه وسلم فقولوا مثل ما يقول والمتابعة
بالقلب ليست قولا كذلك لو سمعت عدة مؤذنين فهل تجيب كل مؤذن؟ نقول إذا كانوا يؤذنون في صوت واحد بمعنى أن يبدأ الثاني قبل أن يتم الأول فانشغل بالأول ولا عليك بالثاني أما إذا سمعت الثاني بعد انتهاء الأول فتابعه لأنه خير وهو داخل في عموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم فقولوا مثل ما يقول لكن العلماء رحمهم الله قيدوا هذا فيما لو لم يكن قد صلى فإن كان أذن وصلى ثم بعد ذلك سمع أذانا قالوا فلا يجبه لأنه غير مدعون بهذا الأذان هو أدى ما فرض عليه فلا يحتاج أن يتابع المؤذن ولكن في هذا القول نظر لأنه مخالف لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن ولم يستثن شيئا وقولهم إنه غير مدعو بهذا الأذان نقول إنه غير مدعو به الآن لكن في المستقبل لابد أن يدعى للصلاة والأمر هنا سهل نقول أجب المؤذن ولو كنت قد صليت وأنت على خير ولا يضرك شيء والله المرفق
1038 -
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا سمعتم النداء فقولوا كما يقول المؤذن متفق عليه
1039 -
وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة رواه البخاري
1040 -
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من قال حين يسمع المؤذن أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله رضيت بالله ربا وبمحمد رسولا والإسلام دينا غفر له ذنبه رواه مسلم
1041 -
وعن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن
[الشَّرْحُ]
هذه الأحاديث بقية باب فضل الأذان ساقها النووي رحمه الله في (رياض الصالحين) منها: قول النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن ومنها من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة
والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد ومنها أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا ومنها أن الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد فأما الحديث الأول فقد سبق الكلام عليه أنه ينبغي للإنسان إذا سمع النداء أن يقول مثل ما يقول المؤذن كما بينا من قبل وأما الحديث الثاني من قال حين يسمع النداء يعني وفرغ المؤذن كما دل عليه الحديث السابق إذا فرغ المؤذن فإنك تصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم تقول اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه اللهم مقاما محمودا الذي وعدته اللهم رب هذه الدعوة التامة إنك لا تخلف الميعاد هي الدعوة إلى الصلاة والفلاح لأن ذلك من أتم ما يكون من الدعوات الصلاة القائمة يعني الصلاة التي ستقام لأن النداء إعلام بدخول وقت الصلاة آت محمدا الوسيلة والفضيلة يعني أعطه الوسيلة وهي درجة في الجنة أعلى ما يكون من درجاتها وهي للنبي صلى الله عليه وسلم والفضيلة يعني الميزة والرتبة العالية وقد حصل له ذلك وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته وقد وعده الله ذلك في قوله
ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ومن هذا المقام المحمود الشفاعة العظمى فإن الناس يوم القيامة يلحقهم من الكرب والغم ما لا يطيقون في ذلك اليوم العظيم الذي مقداره خمسون ألف سنة في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر عارية أجسادهم حافية أقدامهم شاخصة عيونهم لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه.
الشمس تدنو منهم قدر ميل ولا هناك عوج ولا أمت ولا ظل ولا بناء ولا شيء فيطلبون من يشفع لهم عند الله فيأتون آدم ثم نوحا ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى حتى تصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقوم ويشفع في هذا المقام يحمده الأولون والآخرون لأن الناس كلهم في هذا المقام فإذا تعذر الأنبياء الكرام الكبار إبراهيم وموسى وعيسى ونوح وآدم أبو البشر ثم قام هذا النبي الكريم فشفع إلى الله فهنا يحمده الأولون والآخرون وهذا من المقام المحمود الذي وعده الله عز وجل ثم إن هذا الحديث رواه البخاري إلى قوله الذي وعدته لكن قد صحت الزيادة إنك لا تخلف الميعاد فينبغي أن يقولها الإنسان لأنها صحيحة ولأن هذا دعاء المؤمنين {ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تحزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد}
فهو جل وعلا لا يخلف الميعاد لكمال صدقه وكمال قدرته جل وعلا وإخلاف الوعد إما أن يكون عن كذب من الوعد وإما أن يكون عن عجز منه والله جل وعلا أصدق القائلين وأقدر القادرين فهو سبحانه وتعالى وعد نبيه في قوله {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} وهو جل وعلا صادق في وعده قادر على تنفيذه أما من قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ورسولا فهذه تقال إذا قال المؤذن اشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله وكنت معه فقل هذا أما آخر الأحاديث ففيه الحث على الدعاء بين الأذان والإقامة وأن الدعاء بينهما حري بالإجابة فينبغي أن تنتهز هذه الفرصة لعل الله أن يستجيب لك والله الموفق