المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الأذكار /0L2 باب فضل الذكر والحث عليه قال الله تعالى {ولذكر - شرح رياض الصالحين لابن عثيمين - جـ ٥

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌باب فضل الوضوء

- ‌باب فضل الصلوات

- ‌باب فضل المشي إلى المساجد

- ‌باب فضل انتظار الصلاة

- ‌باب فضل صلاة الجماعة

- ‌باب الحث على حضور الجماعة في الصبح والعشاء

- ‌باب الأمر بالمحافظة على الصلوات المكتوبات والنهي الأكيد والوعيد الشديد في

- ‌باب فضل الصف الأول والأمر بإتمام الصفوف الأول وتسويتها والتراص فيها

- ‌باب فضل السنن الراتبة مع الفرائض وبيان أقلها وأكملها وما بينهما

- ‌باب تأكيد ركعتي سنة الصبح

- ‌باب استحباب الاضطجاع بعد ركعتي الفجر على جنبه الأيمن والحث عليه

- ‌باب سنة الظهر

- ‌باب سنة العصر

- ‌باب سنة المغرب بعدها وقبلها

- ‌باب سنة العشاء بعدها وقبلها

- ‌باب سنة الجمعة

- ‌باب استحباب جعل النوافل في البيت سواء الراتبة وغيرها والأمر بالتحول

- ‌باب الحث على صلاة الوتر وبيان أنه سنة مؤكدة وبيان وقته

- ‌باب فضل صلاة الضحى وبيان أقلها وأكثرها وأوسطها والحث على المحافظة

- ‌باب استحباب ركعتين بعد الوضوء

- ‌باب فضل يوم الجمعة ووجوبها والاغتسال لها والتطيب والتبكير إليها والدعاء

- ‌باب فضل قيام الليل

- ‌باب استحباب قيام رمضان وهو التراويح

- ‌باب فضل قيام ليلة القدر وبيان أرجى لياليها

- ‌باب فضل السواك وخصال الفطرة

- ‌باب تأكيد وجوب الزكاة وبيان فضلها وما يتعلق بها

- ‌باب وجوب صوم رمضان وبيان فضل الصيام وما يتعلق به

- ‌باب الجود وفعل المعروف والإكثار من الخير في شهر رمضان والزيادة

- ‌باب النهي عن تقدم رمضان بصوم بعد نصف شعبان إلا لمن

- ‌باب ما يقال عند رؤية الهلال

- ‌باب فضل السحور وتأخيره ما لم يخش طلوع الفجر

- ‌باب فضل تعجيل الفطر وما يفطر عليه وما يقوله بعد الإفطار

- ‌باب أمر الصائم بحفظ لسانه وجوارحه عن المخالفات والمشاتمة ونحوها

- ‌باب في مسائل من الصوم

- ‌باب بيان فضل صوم المحرم وشعبان والأشهر الحرم

- ‌باب فضل الصوم وغيره في العشر الأول من ذي الحجة

- ‌باب فضل صوم يوم عرفة وعاشوراء وتاسوعاء

- ‌باب استحباب صوم ستة أيام من شوال

- ‌باب استحباب صوم الاثنين والخميس

- ‌باب استحباب صوم ثلاثة أيام من كل شهر

- ‌باب فضل من فطر صائما وفضل الصائم الذي يؤكل عنده ودعاء

- ‌كتاب الاعتكاف

- ‌كتاب الحج

- ‌كتاب الجهاد

- ‌باب بيان جماعة من الشهداء في ثواب الآخرة يغسلون ويصلى عليهم

- ‌باب فضل العتق

- ‌باب فضل الإحسان إلى المملوك

- ‌باب فضل المملوك الذي يؤدي حق الله وحق مواليه

- ‌باب فضل العبادة في الهرج وهو الاختلاط والفتن ونحوها

- ‌باب فضل السماحة في البيع والشراء والأخذ والعطاء وحسن القضاء والتقاضي

- ‌كتاب حمد الله تعالى وشكره

- ‌كتاب الأذكار

- ‌باب ذكر الله تعالى قائما وقاعدا ومضطجعا ومحدثا وجنبا وحائضا إلا

- ‌باب ما يقوله عند نومه واستيقاظه

- ‌باب فضل حلق الذكر والندب إلى ملازمتها والنهي عن مفارقتها لغير

- ‌باب الذكر عند الصباح والمساء

- ‌باب ما يقوله عند النوم

الفصل: ‌ ‌كتاب الأذكار /0L2 باب فضل الذكر والحث عليه قال الله تعالى {ولذكر

‌كتاب الأذكار

/0L2 باب فضل الذكر والحث عليه

قال الله تعالى {ولذكر الله أكبر} وقال تعالى {فاذكروني أذكركم} وقال تعالى {واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين} وقال تعالى {واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون} .

وقال تعالى {إن المسلمين والمسلمات} إلى قوله تعالى {والذاكرين الله كثيرا والذكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما} وقال تعالى {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا} والآيات في الباب كثيرة معلومة.

[الشَّرْحُ]

قال المؤلف رحمه الله تعالى في كتابه رياض الصالحين كتاب الأذكار.

الأذكار جمع ذكر والمراد بذلك ذكر الله عز وجل ثم ذكر باب فضل الذكر والحث عليه وذكر آيات متعددة وليعلم أن ذكر الله تعالى يكون بالقلب ويكون باللسان ويكون بالجوارح أما القلب فهو التفكر ذكر الله تعالى بالقلب أن يتفكر الإنسان في أسماء الله وصفاته وأحكامه وأفعاله وآياته وأما الذكر باللسان فظاهر ويشمل كل قول يقرب إلى الله عز وجل من التهليل والتسبيح والتكبير وقراءة القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقراءة السنة وقراءة العلم

ص: 483

كل قول يقرب إلى الله فهو ذكر لله عز وجل.

وأما ذكر الله بالأفعال فهو ذكر الله بالجوارح فهو كل فعل يقرب إلى الله كالقيام في الصلاة والركوع والسجود والقعود وغير ذلك لكن يطلق عرفا على ذكر الله تعالى التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل وذكر المؤلف رحمه الله في ذلك آيات منها قول الله تعالى يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثير وسبحوه بكرة وأصيلا فخاطب الله المؤمنين وأمرهم أن يذكروا الله تعالى ذكرا كثيرا في كل وقت وفي كل حال وفي كل مكان اذكر الله ذكرا كثيرا {وسبحوه بكرة وأصيلا} أي قولوا سبحان الله في البكور والأصيل يعني في أول النهار وآخر النهار ويحتمل أن يراد بالنهار كله وفي الليل كله وقال الله تعالى {واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون} وهذا ذكره الله عز وجل في سياق لقاء العدو فقال تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون} فذكر الله تعالى من أسباب الثبات والفلاح والفلاح كلمة جامعة يراد بها حصول المطلوب والنجاة من المرهوب وقال الله تعالى {اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر} قيل المعنى ولما فيها من ذكر الله أكبر وقيل المعنى ذكر الله عموما أكبر وهو أن الإنسان إذا صلى كان ذلك سببا لحياة قلبه وذكره لله عز وجل كثيرا وقال تعالى في وصف الخلق من عباده {إن المسلمين والمسلمات

ص: 484

والمؤمنين والمؤمنات} إلى قوله {والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما} وقال تعالى {فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون} والآيات في هذا كثيرة كلها تدل على فضيلة الذكر والحث عليه وقد أثنى الله تعالى على الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم وبين أنهم هم أصحاب العقول فقال تعالى {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار} فالمهم أن نحث أنفسنا وإياكم على إدامة ذكر الله وهو لا يكلف باللسان واللسان لا يعجز ولا يتعب بل يبقي دائما لا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله والله أكبر ما تعب فهو سهل ولله الحمد وأجره عظيم جعلني الله وإياكم من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات إنه على كل شيء قدير.

1408 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم متفق عليه.

1409 -

وعنه رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن أقول سبحان الله

ص: 485

والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس رواه مسلم.

1410 -

وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه وقال من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر متفق عليه.

[الشَّرْحُ]

هذه الأحاديث الثلاثة عن أبي هريرة رضي الله عنه كلها تدل على فضل الذكر الأول قال النبي صلى الله عليه وسلم كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم كلمتان وهما أيضا ثقيلتان في الميزان إذا كان يوم القيامة ووزنت الأعمال ووضعت هاتان الكلمتان في

ص: 486

الميزان ثقلتا به والثالث حبيبتان إلى الرحمن وهذا أعظم الثوابين أن الله تعالى يحبهما وإذا أحب الله العمل أحب العامل به فهاتان الكلمتان من أسباب محبة الله للعبد ما معنى سبحان الله وبحمده المعنى أنك تنزه الله تعالى عن كل عيب ونقص وأنه الكامل من كل وجه جل وعلا مقرونا هذا التسبيح بالحمد الدال على كمال إفضاله وإحسانه إلى خلقه جل وعلا وتمام حكمته وعلمه وغير ذلك من كمالاته.

سبحان الله العظيم يعني ذي العظمة والجلال فلا شيء أعظم من الله سلطانا ولا أعظم قدرا ولا أعظم حكمة ولا أعظم علما فهو عظيم بذاته وعظيم بصفاته جل وعلا سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم فيا عبد الله أدم هاتين الكلمتين قلهما دائما لأنهما ثقيلتان في الميزان وحبيبتان إلى الرحمن وهما لا يضرانك في شيء خفيفتان على اللسان سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم فينبغي للإنسان أن يقولهما ويكثر منهما.

ثم ذكر الحديث الثاني عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أربع كلمات أحب إلي مما طلعت عليه الشمس يعني أحب علي من كل الدنيا وهما أيضا كلمات خفيفة سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر الناس الآن يسافرون ويقطعون الفيافي والصحاري والمهالك والمفاوز من أجل أن يربحوا شيئا قليلا من الدنيا قد يتمتعون به وقد

ص: 487

يحرمون إياه وهذه الأعمال العظيمة يتعاجز الإنسان عنها لأن الشيطان يكسله ويخذله ويثبطه عنها وإلا فهي كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إلي الإنسان مما طلعت عليه الشمس وإذا فرضنا أن عندك ملك الدنيا كلها كل الدنيا عندك ملكها ما طلعت عليه الشمس وغربت ثم مت ماذا تستفيد لا تستفيد شيئا لكن سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر هي الباقيات الصالحات قال الله تعالى المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا فينبغي لنا أن نغتنم الفرصة بهذه الأعمال الصالحة.

أما الحديث الثالث والرابع فهو من قال في يومه مائة مرة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير حصل له هذه الفضائل الخمسة.

أولا: كان كمن أعتق عشر رقاب وثانيا كتبت له مائة حسنة وحطت عنه مائة خطيئة وكانت له حرزا من الشيطان ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا من عمل أكثر مما عمل.

خمس فضائل إذا قلت لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وهذه مائة مرة وهذه سهلة يمكن وأنت تنتظر صلاة الفجر بعد أن تأتي للمسجد تقولها في طريقك أو بعد طلوع الفجر تقولها تنتفع بها وهذا أيضا من الأمور التي ينبغي للإنسان أن يداوم عليها وينبغي أن يقولها في أول النهار لتكون حرزا له من الشيطان.

ص: 488

أما سبحان الله وبحمده فمن قالها مائة مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر وهذه سبحان الله وبحمده تقولها في آخر النهار لأجل أن تحط عنك خطايا النهار فانتهز الفرصة يا أخي انتهز الفرصة العمر يمضي ولا يرجع ما مضى من عمرك فلن يرجع إليك وهذه الأعمال أعمال خفيفة مفيدة ثوابها جزيل وعملها قليل نسأل الله أن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته.

1411 -

وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل متفق عليه.

1412 -

وعن أبي ذر رضي الله عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أخبرك بأحب الكلام إلى الله إن أحب الكلام إلى الله سبحان الله وبحمده رواه مسلم.

1413 -

وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماوات والأرض رواه مسلم.

ص: 489

1414 -

وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال علمني كلاما أقوله قال قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله رب العالمين ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم قال فهؤلاء لربي فما لي قال قل اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني رواه مسلم.

1415 -

وعن ثوبان رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثا وقال اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام قيل للأوزاعي وهو أحد رواة الحديث كيف الاستغفار قال تقول أستغفر الله أستغفر الله رواه مسلم.

[الشَّرْحُ]

هذه الأحاديث ساقها المؤلف رحمه الله في باب فضل الذكر وقد سبق لنا شيء من هذه الأحاديث فمنها أي من الأحاديث التي ساقها أن من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل يعني كان الذي أعتق أربع رقاب من أشرف الناس نسبا وهم بنو إسماعيل لأن أشرف الناس نسبا هم العرب وهم بنو إسماعيل وأما

ص: 490

العجم فلهم أباء آخرون ولكن ذرية إسماعيل هم العرب فمن قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفس وهذا دليل على فضل هذا الذكر.

وكذلك أيضا قال النبي صلى الله عليه وسلم أحب الكلام إلى الله سبحان الله وبحمده وقد سبق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم.

وكذلك حديث ثوبان لكنه ذكر مقيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا انصرف من صلاته قال استغفر الله يعني استغفر ثلاثا قال استغفر الله استغفر الله استغفر الله اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام وإنما يستغفر الإنسان إذا فرغ من صلاته من أجل ما يكون فيها من خلل ونقص ويقول اللهم أنت السلام يعني اللهم إني أتوسل إليك بهذا الاسم الكريم من أسمائك أن تسلم لي صلاتي حتى تكون تكفرة للسيئات ورفعة للدرجات والله الموفق.

1416 -

وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من الصلاة وسلم قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد متفق عليه.

ص: 491

1417 -

وعن عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما أنه كان يقول دبر كل صلاة حين يسلم لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا حول ولا قوة إلا بالله لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون قال ابن الزبير وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهلل بهن دبر كل صلاة مكتوبة رواه مسلم.

[الشَّرْحُ]

هذان الحديثان في بيان الأذكار المقيدة لأن الأذكار تنقسم إلى قسمين مطلقة ومقيدة منها مقيد بالوضوء ومنها ما هو مقيد بالصلاة فهذان الحديثان مقيدان بالصلاة حديث المغيرة بن شعبة وحديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما.

أما حديث المغيرة فقد أخبر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا سلم من صلاته لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ومعنى لا إله إلا الله يعني لا معبود حق إلا الله فلا معبود في الكائنات يستحق أن يعبد إلا الله عز وجل أما الأصنام التي تعبد من دون الله فليست مستحقة للعبادة حتى وإن سماها عابدوها آلهة فإنها ليست آلهة بل هي كما قال الله تعالى ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان

ص: 492

فالمعبود حقا هو الله عز وجل.

وقوله وحده لا شريك له هذا من باب التأكيد تأكيد وحدانيته جل وعلا وأنه لا مشارك له في ألوهيته له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير له الملك المطلق العام الشامل الواسع ملك السماوات والأرض وما بينهما ملك الآدميين والحيوانات والأشجار والبحار والأنهار والملائكة والشمس والقمر كل هذه ملك لله عز وجل ما علمنا وما لم نعلم له الملك كله يتصرف فيه كما يشاء وعلى ما تقتضيه حكمته جل وعلا.

وله الحمد يعني الكمال المطلق على كل حال فهو جل وعلا محمود على كل حال في السراء وفي الضراء أما في السراء فيحمد الإنسان ربه حمد شكر وأما في الضراء فيحمد الإنسان ربه حمد تفويض لأن الشيء الذي يضر الإنسان قد لا يتبين له وجه مصلحته فيه ولكن الله تعالى أعلم فيحمد الله تعالى على كل حال وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه ما يسره قال الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وإذا أتاه ما لا يسره قال الحمد لله على كل حال.

وأما ما يقوله بعض الناس الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه فهذه كلمة خاطئة لم ترد ومعناها غير صحيح وإنما يقال الحمد لله على كل حال.

اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد هذا أيضا تفويض إلى الله عز وجل بأنه لا مانع لما أعطى فما أعطاك الله لا أحد يمنعه وما منعك لا أحد يعطيك إياه ولهذا قال ولا معطي لما منعت فإذا آمنا بهذا فممن نسأل العطاء من الله إذا آمنا بأنه لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع إذا لا نسأل العطاء إلا من الله عز وجل ونعلم أنه لو أعطانا فلان شيئا فالذي قدر

ص: 493

ذلك هو الله والذي صيره حتى يعطينا هو الله وما هو إلا مجرد سبب لكن نحن مأمورون بأن نشكر من صنع إلينا معروفا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم من صنع إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه لكن نعلم أن الذي يسر لنا هذا العطاء وصير لنا هذا المعطي هو الله عز وجل.

اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد الجد يعني الحظ والغنى يعني الإنسان المحظوظ الذي له حظ وعنده مال وعنده أولاد وعنده زوجات وعنده كل ما يشتهي من الدنيا فإن هذا لا ينفعه من الله لا يمنع ذا الجد منك الجد الجد فاعل يعني أن الجد هو الحظ والغنى ما يمنع من الله عز وجل لأن الله تعالى له ملك السماوات والأرض وكم من إنسان تراه مسرورا في أهله وعنده المال والبنون وجميع ما يناله من الدنيا ولا ينفعه شيء من الله يصاب بمرض ولا يقدر أن يرفعه عنه إلا الله عز وجل يصاب به غم وهم وقلق لا ينفعه إلا الله عز وجل.

وهذا كله في التفويض إلى الله إذا ينبغي لنا إذا سلم الإنسان واستغفر ثلاثا وقال اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام أن يذكر الله تعالى بهذا الذكر.

ص: 494

والترتيب بين الأذكار ليس بواجب يعني لو قدمت بعضها على بعض فلا بأس لكن الأفضل أن تبدأ بالاستغفار ثلاثا واللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ثم تذكر الله تعالى بالأذكار الواردة وسيأتي الكلام إن شاء الله عن حديث عبد الله بن الزبير.

1418 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ولهم فضل من أموال يحجون ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون فقال ألا أعلمكم شيئا تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم & قالوا بلى يا رسول الله قال تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين قال أبو صالح الراوي عن أبي هريرة لم سئل عن كيفية ذكرهن قال يقول سبحان الله والحمد لله والله أكبر حتى يكون منهن كلهن ثلاثا وثلاثين متفق عليه.

وزاد مسلم في روايته فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

ص: 495

الدثور جمع دثر بفتح الدال وإسكان الثاء المثلثة وهو المال الكثير.

[الشَّرْحُ]

هذا من الأحاديث الدالة على فضيلة الذكر المخصوص المقيد بعمل وقد سبق لنا أن الأذكار منها مطلق ومقيد وهذا منها حديث أبي هريرة أن فقراء المهاجرين جاءوا يشتكون إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقولون إن أهل الأموال سبقونا إنهم يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ولهم فضل من الأموال يعني زيادة يتصدقون بها ويحجون ويعتمرون ويجاهدون فدلهم النبي صلى الله عليه وسلم على أمر قال ألا أخبركم بشيء إذا فعلتموه لم يزدكم من لحقكم وتسبقون به من بعدكم قالوا بلى يا رسول الله قال تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين يعني تقولون سبحان الله والحمد لله والله أكبر ثلاثا وثلاثين مرة فهذه تسع وتسعون ثم إنهم فعلوا ذلك ولكن سمع الأغنياء بهذا ففعلوا مثله فتساووا معهم في هذا الذكر فرجع الفقراء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا يا رسول الله سمع إخواننا أهل الأموال بما صنعنا فصنعوا مثله وكأنهم يريدون شيئا آخر يختصون به فقال ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

ففي هذا الحديث من الفوائد: أولا حرص الصحابة رضي الله عنهم على التسابق إلى الخير وأن كل واحد منهم يحب أن يسبق غيره.

ومنها من فوائد هذا الحديث أن هذا الذكر سبحان الله والحمد لله والله أكبر

ص: 496

ثلاثا وثلاثين مشروع خلف الصلوات وقد ورد في حديث آخر أنه تكمل المائة بقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.

وهذه صفة من صفات الذكر بعد الصلاة.

ومن صفات الذكر بعد الصلاة أن تقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمسا وعشرين فيكون الجميع مائة ومن صفاته أيضا أن تقول سبحان الله ثلاثا وثلاثين والحمد لله ثلاثا وثلاثين والله أكبر أربع وثلاثين فهذه مائة.

ومن صفاته أن تقول سبحان الله عشر مرات والحمد لله عشر مرات والله أكبر عشر مرات تفعل هذا مرة وهذا مرة لأن الكل ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ومن فوائد الحديث سعة صدر النبي صلى الله عليه وسلم على المراجعة والمناقشة لأنه عليه الصلاة والسلام يريد الحق أينما كان والحق معه لكن يطيب قلوب الناس ويبين لهم.

ومنها من فوائد الحديث أن الله سبحانه وتعالى إذا من على أحد بفضل فإنما هو فضله يؤتيه من يشاء ولن يجور بهذا الفضل على أحد فإذا أغنى هذا وأفقر هذا فهو فضله يؤتيه من يشاء وليس هذا بجور بل ذلك فضله يؤتيه من يشاء وكذلك أيضا من رزقه الله علما ولم يرزق الآخر فهذا من فضله فالفضل بيد الله عز وجل يؤتيه من يشاء.

ومن فوائد هذا الحديث أيضا أن الأغنياء من الصحابة كالفقراء

ص: 497

حريصون على فعل الخير والتسابق فيه ولهذا صنعوا مثل ما صنع الفقراء فصاروا يسبحون ويحمدون ويكبرون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين والله الموفق.

1421 -

وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ دبر الصلوات بهؤلاء الكلمات اللهم إني أعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من أن أرد إلى أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا وأعوذ بك من فتنة القبر رواه البخاري

1422 -

وعن معاذ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده وقال يا معاذ والله إني لأحبك فقال أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول اللهم أعنى على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك رواه أبو داود بإسناد صحيح.

[الشَّرْحُ]

هذه من الأذكار التي تقال دبر الصلاة الحديث الأول عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ بهذه الكلمات دبر كل صلاة اللهم إني أعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الجبن وأعوذ بك من أن أرد إلى أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا وأعوذ بك من فتنة

ص: 498

القبر.

وكذلك حديث معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول دبر كل صلاة اللهم أعني على ذكرك وعلى شكرك وعلى حسن عبادتك فكلمة دبر القاعدة فيها أنه إذا كان المذكور أذكارا فإنه يكون بعد السلام وإذا كان المذكور دعاء فإنه يكون قبل السلام لأن ما قبل السلام وبعد التشهد هو دبر الصلاة وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية دبر الشيء من الشيء كما يقال دبر الحيوان المؤخرة.

وعلى هذا فيكون حديث سعد بن أبي وقاص وحديث معاذ بن جبل يكون هذا الدعاء قبل أن تسلم إذا انتهيت من التشهد ومن قولك أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال تقول اللهم إني أعوذ بك من البخل والجبن وأعوذ بك من أن أرد إلى أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا وأعوذ بك من فتنة القبر هذه خمسة أشياء تستعيذ بالله منهن: الأول البخل وهو الشح بالمال.

الثاني الجبن وهو الشح بالنفس فالبخل أن يمنع الإنسان ما يجب عليه بذله من ماله من زكاة أو نفقات أو إكرام ضيف أو غير ذلك وأما الجبن فأن يشح الإنسان بنفسه لا يقدم في جهاد يخشى أن يقتل ولا يتكلم بكلام حق يخشى أن يسجن وما أشبه ذلك فهذا جبن.

وأما أعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر أرذل يعني أرداه وأنقصه وذلك على وجهين: الوجه الأول أن يحدث للإنسان حادث فيختل به عقله فيهذي فيرد

ص: 499

إلى أرذل العمر ويصير كالصبي كما يوجد هذا في الحوادث يوجد أحد يصاب بحادث فيختل مخه ثم يكون كالصغير أو أن يكون ذلك عن كبر وهو الوجه الثاني لأن الإنسان كلما كبر إذا استوى وبلغ أربعين سنة بدأ يأخذ في النقص ولكن الناس يختلفون أحد ينقص كثيرا وأحد ينقص قليلا قليلا لكنه لابد أن ينقص إذا بلغ الأربعين فقد استوى وكمل والشيء إذا استوى وكمل أخذ في النقص.

فمن الناس من يرد إلى أرذل العمر في قواه الحسية وقواه العقلية فيضعف بدنه ويحتاج إلى من يحمله ويوضئه ويوجهه وما أشبه ذلك أو عقليا بحيث يهذي ولا يدري ما يقول فالرد إلى أرذل العمر يشمل هذا وهذا ما كان بحادث وما كان بسبب تقادم السن به ثم إن الإنسان إذا وصل إلى هذه الحال نسأل الله أن يعيذنا وإياكم منها فإن أهله يملونه أهله الذين هم أشفق الناس به يتعبون منه ويملونه وربما يتركونه في مكان تتكفل به الحكومة مثلا وهذا لا شك أن الإنسان لا يرضاه ولا يرضى لنفسه أن يصل إلى هذا الحد وتسقط أيضا عنه الصلاة ويسقط عنه الصوم وتسقط عنه الواجبات لأنه وصل إلى حد يرتفع عنه التكليف.

وأعوذ بك من فتنة الدنيا وما أعظم فتنة الدنيا وما أكثر المفتونين في الدنيا لاسيما في عصرنا هذا وعصرنا هذا هو عصر الفتنة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم والله ما الفقر أخشى عليكم وإنما أخشى أن تفتح عليكم الدنيا فتنافسوها كما تنافسها من قبلكم فتهلككم كما أهلكتهم وهذا هو

ص: 500

الواقع في الوقت الحاضر فتحت علينا الدنيا من كل جانب من كل شيء من كل وجه منازل كقصور الملوك ومراكب كمراكب الملوك وملابس ومطاعم ومشارب فتحت فصار الناس الآن ليس لهم هم إلا البطون والفروج فتنوا بالدنيا نسأل الله العافية.

ففتنة الدنيا عظيمة يجب على الإنسان أن ينتبه لها ولهذا قال الله عز وجل إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور وأعوذ بك من فتنة القبر أو من عذاب القبر وفتنة القبر أيضا فتنة عظيمة إذا دفن الميت وانصرف عنه أصحابه حتى أنه ليسمع قرع نعالهم منصرفين عنه أتاه ملكان يسألانه عن ربه ودينه ونبيه إن كان مؤمنا خالصا أجاب بالصواب وقال ربي الله ونبي محمد وديني الإسلام وإن كان مرائيا أو منافقا أعاذنا الله وإياكم من ذلك قال هاها لا أدري هاها لا أدري فيضرب بمرزبة من حديد المرزبة من الحديد قالوا مثل المطرقة وقد ورد في بعض الأحاديث أنه لو اجتمع عليها أهل منى ما أقلوها من عظمتها نسأل الله العافية فيصيح صيحة يسمعها كل شيء يسمعها كل شيء إلا الثقلين يعني الإنس والجن وهذه من رحمة الله أن الله تعالى لا يسمعنا عذاب القبر لأننا إذا سمعنا الناس يعذبون في قبورهم ما طاب لنا

ص: 501

عيش ولتنكدنا إن كان قريبا لنا تنكدنا من وجهين: من قرابته ومن هذه الأصوات المزعجة.

وإن كان غير قريب أيضا انزعجنا منه ففتنة القبر فتنة عظيمة نسأل الله أن يعيذنا وإياكم منها هذه أشياء كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمها أصحابه خمسة أشياء اللهم إني أعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الجبن وأعوذ بك من أن أرد إلى أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا وأعوذ بك من عذاب القبر أو من فتنة القبر.

أما حديث معاذ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال له إني أحبك وأقسم قال والله إني لأحبك وهذه منقبة عظيمة لمعاذ بن جبل رضي الله عنه أن نبينا صلى الله عليه وسلم أقسم أنه يحبه والمحب لا يدخر لحبيبه إلا ما هو خير له وإنما قال هذا له لأجل أن يكون مستعدا لما يلقى إليه لأنه يلقيه إليه من محب ثم قال له لا تدعن أن تقول دبر كل صلاة مكتوبة اللهم أعني على ذكرك وعلى شكرك وعلى حسن عبادتك ودبر كل صلاة يعني في آخر الصلاة قبل السلام هكذا جاء في بعض الروايات أنه يقولها قبل السلام وهو حق وكما ذكرنا أن المقيد بالدبر أي دبر الصلاة إن كان دعاء فهو قبل التسليم وإن كان ذكرا فهو بعد التسليم ويدل لهذه القاعدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث ابن مسعود في التشهد لما ذكره قال ثم ليتخير من الدعاء ما شاء أو ما أحب أو أعجبه إليه أما الذكر فقال الله تعالى {فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم} أعني على ذكرك يعني كل قول يقرب إلى

ص: 502

الله كل شيء يقرب إلى الله كل تفكير يقرب إلى الله فهو من ذكر الله وشكرك أي شكر النعم واندفاع النقم فكم من نعمة لله علينا وكم من نقمة اندفعت عنا فنشكر الله على ذلك ونسأل الله أن يعيننا عليه وعلى حسن عبادتك وحسن العبادة يكون بأمرين بالإخلاص لله عز وجل كل ما قوي الإخلاص كان أحسن وبالمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والله الموفق.

1423 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع يقول اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال رواه مسلم.

1424 -

وعن علي رضي الله عنه قال كان رسول الله إذا قام إلى الصلاة يكون من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت رواه مسلم.

[الشَّرْحُ]

ذكر المؤلف رحمه الله هذين الحديثين فيما يتعوذ به ويذكر الله به في الصلوات ففي الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال

ص: 503

إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع وفي لفظ التشهد الأخير يقول اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال.

هذه أربعة أمور أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن نستعيذ بالله منها إذا فرغنا من التشهد يعني قبل التسليم أعوذ بالله من عذاب جهنم وهي النار فتتعوذ بالله من عذابها وهذا يشمل ما عملت من سوء تسأل الله أن يعفو عنك منه وما لم تعمل من السوء تسأل الله أن يجنبك إياه ومن عذاب القبر لأن القبر فيه عذاب عذاب دائم للكافرين وعذاب قد ينقطع للعاصين وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مر بقبرين فقال إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستبرأ من البول وأما الأخر فكان يمشي بالنميمة ومن فتنة المحيا والممات فتنة المحيا ما يفتتن به الإنسان في حياته وتدور على شيئين إما جهل وشبهة وعدم معرفة بالحق فيشتبه عليه الحق بالباطل فيقع في الباطل فيهلك وإما شهوة أي هوى بحيث يعلم الإنسان الحق لكنه لا يريده وإنما يريد الباطل وأما فتنة الممات فقيل إنها فتنة القبر وهي سؤال الملكين للإنسان إذا دفن عن ربه ودينه ونبيه وقيل فتنة الممات هي ما يكون عند موت

ص: 504

الإنسان وذلك أن أشد ما يكون الشيطان حرصا على إغواء بني آدم عند موتهم يأتي للإنسان عند موته ويوسوس له ويشككه وربما يأمره بأن يكفر بالله عز وجل فهذه الفتنة من أعظم الفتن وأما فتنة المسيح الدجال فالمسيح الدجال هو من يبعثه الله عز وجل عند قيام الساعة رجل خبيث كاذب مكتوب بين عينيه كافر يقرؤوه المؤمن الكاتب وغير الكاتب ويفتن الله تعالى الناس به لأنه يمكن له في الأرض بعض الشيء يبقي في الأرض أربعين يوما اليوم الأول طوله طول السنة الكاملة والثاني طول الشهر والثالث طوله أسبوع والرابع كسائر الأيام.

يدعو الناس إلى أن يكفروا بالله وأن يشركوا به يقول أنا ربكم ومعه جنة ونار لكنها جنة فيما يرى الناس ونار فيما يرى الناس وإلا فحقيقة حنته أنها نار وحقيقة ناره أنها جنة كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيغتر الناس به ويفتتن به ما شاء الله أن يفتتن وفتنته عظيمة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما في الدنيا فتنة أعظم من خلق آدم إلى قيام الساعة مثل فتنة المسيح الدجال وما من نبي إلا وأنذر به قومه ولهذا خصه من بين فتنة المحيا بأن فتنته عظيمة نسأل الله أن يعيذنا وإياكم منها

ص: 505

وهذه الأربع يذكرها الإنسان قبل أن يسلم واختلف العلماء رحمهم الله هل هذا واجب أو سنة فأكثر العلماء على أنه سنة وأن الإنسان لو تركه لم تبطل صلاته وقال بعض أهل العلم إنه واجب إنه يجب على الإنسان أن يستعيذ بالله من هذه الأربع قبل أن يسلم وأنه لو ترك ذلك فصلاته باطلة وعليه أن يعيدها وقد أمر طاووس وهو أحد كبار التابعين ابنه حين لم يقرأ هذه التعويذات الأربع أمره أن يعيد صلاته فينبغي للإنسان ألا يدعها أن يحرص عليها لما فيها من الخير الكثير ولئلا يؤدي بصلاته إلى أنها تكون باطلة عند بعض أهل العلم والله الموفق.

1425 -

وعن عائشة رضي الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي متفق عليه.

1426 -

وعنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده سبوح قدوس رب الملائكة والروح رواه مسلم.

1427 -

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فأما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم رواه مسلم.

ص: 506

[الشَّرْحُ]

هذه أذكار في أحوال معينة فمنها ما نقله المؤلف رحمه الله عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي وهذا بعد أن أنزل الله عليه إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توبا وهذه السورة هي أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله نعاه إلى نفسه بأنه إذا جاء نصر الله وتم الفتح فقد قرب أجله كما فهم ذلك ابن عباس رضي الله عنهما فإن ابن عباس رضي الله عنهما كان صغير السن وكان عمر رضي الله عنه يحضره مع مجالس الرجال وكبار القوم فقال بعضهم لماذا يحضر عمر ابن عباس ويترك أبناءه فأراد أن يبين لهم رضي الله عنه فضل ابن عباس فقال لهم يوما من الأيام ما تقولون في قوله تعالى {إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توبا} ما معنى هذه السورة قالوا معناها أنه إذا جاء الفتح فسبح بحمد ربك واستغفره فقال ما تقول يا ابن عباس قال أقول هذا أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله أعطاه علامة وهي الفتح والنصر إذا جاءت فقد قرب أجله فقال ما فهمت منها إلا ما فهمت فالحاصل أن هذه الآية أمر الله نبيه أن يسبح بحمد ربه ويستغفره

ص: 507

وكان صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك يكثر أن يقول في ركوعه وهو كذلك في سجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي ومعنى هذا أنك تثني على الله عز وجل بكمال صفاته وانتفاء صفات النقص عنه وتسأله المغفرة.

أما حديثها الثاني فقالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده سبوح قدوس رب الملائكة والروح يعني أنت سبوح قدوس وهذه مبالغة في التنزيه وأنه جل وعلا سبوح قدوس رب الملائكة وهم جند الله عز وجل عالم لا نشاهدهم وأما الروح فهو جبريل وهو أفضل الملائكة فينبغي للإنسان أن يكثر في ركوعه وسجوده من قوله سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يقول كذلك في ركوعه وسجوده سبوح قدوس رب الملائكة والروح.

أما حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال أما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء وهذا طرف من حديث أوله ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا فأما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم أي حري أن يستجاب لكم لأن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد والركوع لا يجوز لأحد أن يقرأ القرآن وهو راكع ولا يجوز أن يقرأ القرآن وهو ساجد لكن له أن يدعو بالدعاء الذي يوافق القرآن مثل أن يقول مثلا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين

ص: 508

لكن أما أن يقرأ القرآن فهذا حرام عليه أن يقرأ وهو راكع أو يقرأ وهو ساجد الركوع له التعظيم يعظم ربه سبحان ربي العظيم سبحان الملك القدوس وما أشبه ذلك السجود يقول سبحان ربي الأعلى سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي ويدعو ويكثر من الدعاء فقمن أن يستجاب له أي حري أن يستجاب له وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه.

1428 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء رواه مسلم.

1429 -

وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله وأوله وآخره وعلانيته وسره رواه مسلم.

[الشَّرْحُ]

هذان الحديثان في بيان دعاء وأذكار مخصوصة ذكرها المؤلف رحمه الله في باب فضل الدعاء فمنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد وذلك لأن الإنسان إذا سجد فإنه يضع أشرف ما به من الأعضاء في أماكن وضع الأقدام التي توطأ بالأقدام وكذلك أيضا يضع أعلى ما في جسده حذاء أدنى ما في جسده يعني أن وجهه أعلى ما في جسده وقدميه أدنى ما في

ص: 509

جسده فيضعهما في مستوى واحد تواضعا لله عز وجل ولهذا كان أقرب ما يكون من ربه وهو ساجد وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيما سبق بالإكثار من الدعاء في حال السجود فيجتمع في ذلك الهيئة والمقال تواضعا لله عز وجل ولهذا يقول الإنسان في سجوده سبحان ربي الأعلى إشارة إلى أنه جل وعلا وهو العلي الأعلى في ذاته وفي صفاته وأن الإنسان هو السافل النازل بالنسبة لجلال الله تعالى وعظمته.

أما الحديث الثاني فهو فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في صلاته اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله علانيته وسره وأوله وآخره وهذا من باب التبسط في الدعاء والتوسع فيه لأن الدعاء عبادة فكل ما كرره الإنسان ازداد عبادة لله عز وجل ثم إنه في تكراره هذا يستحضر الذنوب كلها السر والعلانية وكذلك ما أخفاه وكذلك دقه وجله وهذا هو الحكمة في أن النبي صلى الله عليه وسلم فصل بعد الإجمال فينبغي للإنسان أن يحرص على الأدعية الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنها أجمع الدعاء وأنفع الدعاء وفقنا الله وإياكم لما فيه الخير والصلاح.

1430 -

وعن عائشة رضي الله عنها قالت افتقدت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فتحسست فإذا هو راكع أو ساجد يقول سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت وفي رواية فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ

ص: 510

بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك رواه مسلم.

1431 -

وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أيعجز أحدكم أن يكسب في كل يوم ألف حسنة فسأله سائل من جلسائه كيف يكسب ألف حسنة قال يسبح مائة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة أو يحط عنه ألف خطيئة رواه مسلم.

قال الحميدي كذا هو في كتاب مسلم أو يحط قال البرقاني ورواه شعبة وأبو عوانة ويحيى القطان عن موسى الذي رواه مسلم من جهته فقالوا ويحط بغير ألف.

[الشَّرْحُ]

هذان الحديثان في بيان الذكر وفضله الحديث الأول عن عائشة رضي الله عنها أنها افتقدت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فخرجت تتحسس عنه لأنها رضي الله عنها هي أحب نسائه إليه وهي تحبه أيضا فتخشى أن يكون حصل عليه شيء فذهبت تتحسس فوجدته صلى الله عليه وسلم في المسجد وهو ساجد يدعو الله تبارك وتعالى بهذا الدعاء قالت ووقعت يدي على بطون قدميه وهو ساجد واستدل العلماء بذلك على أن الساجد ينبغي له أن يضم قدميه بعضهما إلى بعض ولا يفرقهما لأنه لا يمكن أن تقع اليد الواحدة على

ص: 511

قدمين متفرقتين وكذلك هو أيضا في صحيح ابن خزيمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضم رجليه في السجود.

أما الركبتان فهما على طبيعتهما لا يفرقهما ولا يضمهما على طبيعتهما كان من دعائه عليه الصلاة والسلام اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله عز وجل بالأعمال الصالحة عن الأعمال السيئة لأن الأعمال السيئة توجب الغضب والسخط والأعمال الصالحة توجب الرضا والشيء إنما يداوي بضده فالسخط ضده الرضا فيستعيذ بالرضا من السخط وبمعافاتك من عقوبتك يعني أستعيذ بمعافاتك من الذنوب وآثارها وعقوباتها من عقوبتك على الذنوب وهذا يتضمن سؤال المغفرة وأعوذ بك منك وهذا أشمل وأعم أنه يتعوذ بالله من الله عز وجل وذلك لأنه لا منجى ولا ملجأ من الله إلا إليه لا أحد ينجيك من عذاب الله إلا الله عز وجل فتستعيذ بالله من الله سبحانه وتعالى أي تستعيذ به من عقوبته وغير ذلك مما يقدره فدل ذلك على ما ذكرنا من انضمام القدمين في السجود ودل هذا على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي أحيانا النافلة في المسجد مع أن الأفضل أن تكون في البيت كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة لكنه عليه الصلاة والسلام أحيانا يصلي

ص: 512

النافلة في المسجد وفيه أيضا دليل على محبة عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا غرابة فإنه عليه الصلاة والسلام كانت هي أحب نسائه اللاتي عنده ولا يساميها أحد اللهم إلا خديجة رضي الله عنها فإن خديجة هي أول نسائه صلى الله عليه وسلم ولم يتزوج عليها أحد حتى ماتت وكان يذكرها دائما أي يذكر خديجة لكن عائشة رضي الله عنها هي أحب نساءه الموجودات في عهد عائشة.

ومن فوائد هذا الحديث أن الإنسان يستعيذ بصفات الله عز وجل من ضدها بالرضا من السخط وبالمعافاة من العقوبة وأنه لا ملجأ له من الله إلا إليه فيستعيذ بالله منه تبارك وتعالى والله الموفق.

1433 -

وعن أم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فقال مازلت على الحال التي فارقتك عليها قالت نعم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضاء نفسه وزنة عرشه

ص: 513

ومداد كلماته رواه مسلم.

وفي رواية له سبحان الله عدد خلقه سبحان الله رضاء نفسه سبحان الله زنة عرشه سبحان الله مداد كلماته.

وفي رواية الترمذي ألا أعلمك كلمات تقولينها سبحان الله عدد خلقه سبحان الله عدد خلقه سبحان الله عدد خلقه سبحان الله رضا نفسه سبحان الله رضا نفسه سبحان الله رضا نفسه سبحان الله زنة عرشه سبحان الله زنة عرشه سبحان الله زنة عرشه سبحان الله مداد كلماته سبحان الله مداد كلماته سبحان الله مداد كلماته.

[الشَّرْحُ]

هذه الأحاديث من الأحاديث التي فيها بيان فضيلة نوع من أنواع الذكر وهو ما روته أم المؤمنين جويرية بنت الحارث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خرج من عندها الفجر ثم رجع إليها ضحا وهي تسبح وتهلل فبين لها صلى الله عليه وسلم أنه قال بعدها كلمات تزن ما قالت منذ الفجر أو منذ الصبح سبحان الله وبحمده عدد خلقه ثلاث مرات سبحان الله وبحمده رضا نفسه ثلاث مرات سبحان الله وبحمده زنة عرشه ثلاث مرات سبحان الله وبحمده مداد كلماته ثلاث مرات.

ص: 514

أما سبحان الله وبحمده عدد خلقه فمعناه أنك تسبح الله عز وجل وتحمده عدد مخلوقاته ومخلوقات الله عز وجل لا يحصيها إلا الله كما قال الله تعالى وما يعلم جنود ربك إلا هو.

وأما سبحان الله وبحمده زنة عرشه وزنة عرشه لا يعلم ثقلها إلا الله سبحانه وتعالى لأن العرش أكبر المخلوقات التي نعلمها فإن النبي صلى الله عليه وسلم يروى عنه أنه قال إن السماوات السبع والأرضين السبع في الكرسي كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على هذه الحلقة إذا فهو مخلوق عظيم لا يعلم قدره إلا الله عز وجل.

وأما سبحان الله وبحمده رضا نفسه فيعني أنك تسبح الله وتحمده حمدا يرضى به الله عز وجل وأي حمد يرضى به الله إلا وهو أفضل الحمد وأكمله.

وأما سبحان الله وبحمده مداد كلماته والمداد ما يكتب به الشيء وكلمات الله تعالى لا يقارن بها شيء قال الله تعالى {ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم} وقال تعالى {قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا} فكلمات الله تعالى لا نهاية لها

ص: 515

فالمهم أنه ينبغي لنا أن نحافظ على هذا الذكر.

سبحان الله وبحمده عدد خلقه (ثلاث مرات) سبحان الله وبحمده رضا نفسه (ثلاث مرات) سبحان الله وبحمده زنة عرشه (ثلاث مرات) سبحان الله وبحمده مداد كلماته (ثلاث مرات) فيكون الجميع اثنتي عشرة مرة.

1434 -

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحي والميت رواه البخاري.

ورواه مسلم فقال مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت

1435 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يقول الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم متفق عليه.

1436 -

وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبق المفردون قالوا وما المفردون يا رسول الله قال الذاكرون الله كثيرا والذكرات رواه مسلم.

ص: 516

روي المفردون بتشديد الراء وتخفيفها والمشهور الذي قاله الجمهور التشديد.

[الشَّرْحُ]

هذه أحاديث في فضل ذكر الله عز وجل أما الحديث الأول فقد قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الذي يذكر الله والذي لا يذكر الله كمثل الحي والميت وذلك لأن الذي يذكر الله تعالى قد أحيا الله قلبه بذكره وشرح له صدره فكان كالحي وأما الذي لا يذكر الله فإنه لا يطمئن قلبه والعياذ بالله ولا ينشرح صدره للإسلام فهو كمثل الميت وهذا مثل ينبغي للإنسان أن يعتبر به وأن يعلم أنه كلما غفل عن ذكر الله عز وجل فإنه يقسو قلبه وربما يموت قلبه والعياذ بالله.

وأما الحديثان الأخيران ففيهما أيضا دليل على فضيلة الذكر وهو أن الإنسان إذا ذكر الله عز وجل في نفسه ذكره الله في نفسه وإن ذكره في ملأ ذكره الله في ملأ خير منهم يعني إذا ذكرت ربك في نفسك إما أن تنطق بلسانك سرا ولا يسمعك أحد أو تذكر الله في قلبك فإن الله تعالى يذكرك في نفسه وإذا ذكرته في ملأ أي عند جماعة فإن الله تعالى يذكرك في ملأ خير منهم أي في ملأ من الملائكة يذكرك عندهم ويعلي ذكرك ويثني عليك جل وعلا ففي هذا دليل على فضيلة الذكر وأن الإنسان إذا ذكر الله عند ملأ كان هذا أفضل مما إذا ذكره في نفسه إلا أن يخاف الإنسان على نفسه الرياء فإن خاف الرياء فلا يجهر ولكن لا يكون في قلبه وساوس بأن يقول إذا

ص: 517

ذكرت الله جهرا فهذا رياء فلا أذكر الله فليدع هذه الوساوس ويذكر الله تعالى عند الناس وفي نفسه حتى يذكره الله عز وجل كما ذكر ربه.

وأما حديث أبي هريرة الثالث فهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال سبق المفردون قالوا وما المفردون قال الذاكرون الله كثيرا والذاكرات فهذا دليل على أن الذاكرين الله كثيرا لهم السبق على غيرهم لأنهم عملوا أكثر من غيرهم فكانوا أسبق إلى الخير والله الموفق.

1437 -

وعن جابر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أفضل الذكر لا إله إلا الله رواه الترمذي وقال حديث حسن.

1438 -

وعن عبد الله بن بسر رضي الله عنه أن رجلا قال يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت علي فأخبرني بشيء أتشبث به قال لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله رواه الترمذي وقال حديث حسن.

1439 -

وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من قال سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة رواه الترمذي وقال حديث حسن.

ص: 518

1440 -

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقيت إبراهيم صلى الله عليه وسلم ليلة أسري بي فقال يا محمد أقرئ أمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها قيعان وأن غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر رواه الترمذي وقال حديث حسن.

1441 -

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا بلى قال ذكر الله تعالى رواه الترمذي قال الحاكم أبو عبد الله إسناده صحيح.

[الشَّرْحُ]

هذه الأحاديث التي ساقها المؤلف رحمه الله في كتابه (رياض الصالحين) كلها في مجموعها تدل على فضيلة الذكر كما سبق ولكن في بعضها ما فيه ضعف فمنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له رجل إن شرائع الإسلام قد كثرت علي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لا يزال لسانك رطبا بذكر الله عز وجل هذا الحديث فيه ضعف لكن إن صح فالمعنى أن هذا الرجل كثرت عليه النوافل أما الفرائض فلا يغني

ص: 519

عنها قول لا إله إلا الله ولا غيره الفرائض لابد منها أما النوافل إذا شق على الإنسان بعضها فالذكر قد يسد ما يحصل به الخلل ومنها أيضا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال أفضل الذكر لا إله إلا الله ولا شك أن هذه الكلمة كلمة عظيمة فهي التي يدخل بها الإنسان في دين الإسلام فهي مفتاح الإسلام كما جاء في الحديث أن مفتاح الجنة هو لا إله إلا الله ومنها أيضا فضيلة سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وأن هذه غراس الجنة يعني أن الإنسان إذا قالها يغرس له في الجنة غرسا في كل كلمة ومنها أن ذكر الله عز وجل من أفضل الأعمال وأوفاها وأحبها إلى الله عز وجل بل هو من أسباب الثبات عند اللقاء كما قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون مثل هذه الأحاديث كلها تدل على فضيلة الذكر وأنه ينبغي للإنسان أن يكثر من ذكر الله وقد مر علينا قول النبي صلى الله عليه وسلم كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم والله الموفق.

1442 -

وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبح به فقال ألا أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا أو أفضل فقال سبحان الله عدد ما خلق في السماء وسبحان الله

ص: 520

عدد ما خلق في الأرض سبحان الله عدد ما بين ذلك وسبحان الله عدد ما هو خالق والله أكبر مثل ذلك والحمد لله مثل ذلك ولا إله إلا الله مثل ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك رواه الترمذي وقال حديث حسن.

1443 -

وعن أبي موسى رضي الله عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة فقلت بلى يا رسول الله قال لا حول ولا قوة إلا بالله متفق عليه.

[الشَّرْحُ]

هذان الحديثان في بيان فضل الذكر وقد سبقت أحاديث كثيرة كلها تدل على فضل الذكر فحديث سعد بن أبي وقاص في دخول النبي صلى الله عليه وسلم على المرأة وبين يديها حصى أو نوى تسبح به فقال ألا أخبرك بما هو أفضل من ذلك فذكر لها تسبيحا سبق نظيره أو قريب منه قوله صلى الله عليه وسلم سبحان الله وبحمده عدد خلقه (ثلاث مرات) سبحان الله وبحمده زنة عرشه (ثلاث مرات) سبحان الله وبحمده رضا نفسه (ثلاث مرات) سبحان الله وبحمده مداد كلماته (ثلاث مرات) هذه اثنتا عشرة مرة فيها خير كثير وسبق بيان شرح ذلك.

أما حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة والاستفهام هنا للتشويق يعني يشوقه

ص: 521

الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن يستمع إلى ما يقول قلت بلى يا رسول الله قال لا حول ولا قوة إلا بالله لأن هذه الكلمة فيها التبرء من الحول والقوة إلا بالله عز وجل فالإنسان ليس له حول وليس له قوة فلا يتحول من حال إلى حال ولا يقوى على ذلك إلا بالله عز وجل فهي كلمة استعانة إذا أعياك الشيء وعجزت عنه قل لا حول ولا قوة إلا بالله فإن الله تعالى يعينك عليه وليست هذه الكلمة كلمة استرجاع كما يفعله كثير من الناس إذا قيل له حصلت المصيبة الفلانية قال لا حول ولا قوة إلا بالله ولكن كلمة الاسترجاع أن تقول إنا لله وإنا إليه راجعون أما هذه فهي كلمة استعانة إذا أردت أن يعينك الله على شيء فقل لا حول ولا قوة إلا بالله وكما مر عليكم في سورة الكهف قصة صاحبي الجنتين قال له صاحبه ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله لكان هذا خيرا لك وأبقى لجنتك ولكنه دخلها وقال {ما أظن أن تبيد هذه أبدا وما أظن الساعة قائمة} فأعجب بها وأنكر قيام الساعة فأرسل الله عليها حسبانا من السماء فأصبحت صعيدا زلقا فالمهم أن كلمة لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة تقولها أيها الإنسان عندما يعييك الشيء ويثقلك وتعجز عنه قل لا حول ولا قوة إلا بالله ييسر الله لك الأمر والله الموفق.

ص: 522