الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الجهاد
وقال تعالى: {كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون} وقال تعالى {انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله} وقال تعالى {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم} .
[الشَّرْحُ]
ساق المؤلف النووي رحمه الله في كتابه رياض الصالحين من آيات الجهاد منها ما سبق ومنها ما يلحق إن شاء الله فمن ذلك قوله تعالى كتب عليكم القتال وقد سبق أن القتال واجب على المسلمين أن يقاتلوا أعداء الله وأعداءهم من اليهود والنصارى والمشركين والشيوعيين وغيرهم كل من ليس بمسلم
فالواجب على المسلمين أن يقاتلوه حتى تكون كلمة الله هي العليا وذلك إما بإسلام هؤلاء وإما بأن يبذلوا الجزية عن يد وهم صاغرون نحن لا نكرههم على الإسلام لا نقول لابد أن تسلموا ولكن نقول: لابد أن يكون الإسلام هو الظاهر فإما أن تسلموا وحياكم الله وإما أن تبقوا على دينكم ولكن أعطوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون فإن أبوا لا الإسلام ولا الجزية وجب علينا قتالهم ولكن يجب قبل قتالهم أن نعد ما استطعنا من قوة لقوله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} والقوة نوعان قوة معنوية وقوة مادية حسية القوة المعنوية الإيمان الإيمان بالله والعمل الصالح قبل أن نبدأ بجهاد غيرنا قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون فالإيمان قبل الجهاد ثم بعد ذلك الإعداد بالقوة المادية ولكن مع الأسف أن المسلمين لما كان بأسهم بينهم من أزمنة متطاولة نسوا أن يعدوا هذا وهذا لا إيمان قوي ولا مادة سبقنا الكفار بالقوة المادية بالأسلحة وغيرها وتأخرنا عنهم بهذه القوة كما أننا تأخرنا عن إيماننا الذي يجب علينا تأخرا كبيرا وسار بأسنا بيننا نسأل الله السلامة والعافية.
فالقتال واجب ولكنه كغيره من الواجبات لابد من القدرة والأمة الإسلامية اليوم عاجزة لا شك عاجزة ليس عندها قوة معنوية ولا قوة مادية إذا يسقط الجواب لعدم القدرة عليه فاتقوا الله ما استطعتم
قال تعالى:} وهو كره لكم {أي القتال كره لكم ولكن الله قال} وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم {.
أول الآية خاص بماذا بالقتال وآخر الآية عام} وعسى أن تكرهوا شيئا {ولم يقل وعسى أن تكرهوا القتال ولكن قال: شيئا أي شيء يكون ربما يكره الإنسان شيئا يقع ويكون الخير فيه وربما يحب شيئا أن يقع ويكون الشر فيه وكم من شيء وقع وكرهته ثم في النهاية تجد أن الخير فيه مصداقا لقوله تعالى:} وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم {.
وهذه الآية يشبهها قوله تبارك وتعالى في النساء} فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خير كثيرا {قال: فعسى أن تكرهوا شيئا ولم يقل: فعسى أن تكرهوهن ويجعل الله فيهن خيرا كثيرا.
فهذا آمن في كل شيء قد يجري الله عز وجل بقضائه وقدره وحكمته شيئا تكرهه ثم في النهاية يكون الخير فيه والعكس ربما يجري الله عز وجل شيئا تظنه خيرا ولكنه شر عاقبته شر ولهذا ينبغي للإنسان أن يسأل الله تعالى حسن العاقبة دائما.
ثم قال:} والله يعلم وأنتم لا تعلمون {نعم الله يعلم ونحن لا نعلم لأن علم الله تعالى واسع بكل شيء عليم علم الله علم واسع للمستقبل يعلم الغيب ونحن لا نعلم يعلم كل شيء ونحن لا نعلم
بل يعلم ما توسوس به النفوس قبل أن يبدو وقبل أن يظهر ونحن لا نعلم وسأسألكم عن شيء سهل غير بعيد هل تعرفون عن روحكم شيئا الروح التي بها الحياة تعرفون عنها شيئا الجواب لا} ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا {الروح التي بين جنبيك لا تعرفها ولا تدري عنها وجملة} قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا {هذه الجملة وما أوتيتم من العلم إلا قليلا كأن فيها التوبيخ كأنه يقول: وما خفي عليكم من العلم إلا أن تعلموا هذه الروح ما أكثر العلوم التي فاتتكم والحاصل أن الله يقول:} والله يعلم وأنتم لا تعلمون {.
وقال تعالى:} انفروا خفافا وثقالا {انفروا إلى أي شيء إلى الجهاد} انفروا خفافا وثقالا {يعني انفروا حال ما يكون النفر خفيفا عليكم أو ثقيلا عليكم} انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون {أي إن كنتم من ذوي العلم فاعلموا أن ذلك خير لكم.
وقال تعالى:} إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والأنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله {انظروا لهذه الصفقة صفقة بيع تامة الشروط والأركان والوسائل: من المشتري الله والبائع المؤمنون والعوض من المؤمنين الأنفس والأموال
والعوض من الله الجنة والوثيقة وعد من الله ما هي أوراق تمزق وترمى في التوراة والإنجيل والقرآن أوثق الوثائق هذه وثيقة مكتوبة في التوراة والإنجيل والقرآن ليس هناك شيء أوثق منها وذكر التوراة والإنجيل والقرآن لأنها أوثق الكتب المنزلة على الرسل القرآن أشرفها ثم التوراة ثم الإنجيل هذه صفقة لا يمكن لها نظير كل الشروط كاملة وصفقة كبيرة عظيمة النفس والمال هو العوض من الإنسان والمعوض وهو المليك وهو الله عز وجل وهو الجنة التي قال عنها الرسول عليه الصلاة والسلام لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها موضع سوط: يعني حوالي (متر أو نحوه) خير من الدنيا وما فيها أي دنيا دنياك هذه؟ لا.
قد تكون دنياك دنيا مملؤة بالتنغيص والتنفير والعمر قصير ولكن خير من الدنيا منذ خلقت إلى يوم القيامة بما فيها من السرور والنعيم موضع السوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها.
أيهما أغلى الأنفس والأموال أم الجنة الجنة إذا البائع رابح لأنه باع النفس والمال الذي لابد من فناءه بنعيم لا يزول ومن الذي عاهد على هذا البيع الله ومن أوفى بعهده من الله من هنا استفهام بمعنى النفي يعني لا أحد أصدق وأوفى بعهده من الله وصدق الله عز وجل
(والله لا يخلف الميعاد) .
ثم قال:} فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به {يعني تستبشر النفوس بذلك وليبشر بعضكم بعضا ولهذا قال الله تعالى:} ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون {يستبشروا بهذا البيع بيع عظيم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم الجملة هذه فيها ضمير الفصل وذلك هو الفوز العظيم.
وضمير الفصل يقول العلماء يستفاد منه ثلاث فوائد: 1 - الاختصاص 2 - التوفيق 3 - التمييز بين الخبر والصفة يعني معنى ذلك هو الفوز العظيم الذي لا فوز مثله وصدق الله ورسوله ونسأل الله تعالى أن يجعلنا من هؤلاء ممن باعوا أنفسهم لله عز وجل والله الموفق.
قال تعالى:} لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما {.
يعني: لا يستوي القاعدون والمجاهدون ونفي الاستواء ظاهر لأن المجاهد قد بذل نفسه وماله لله عز وجل والقاعد خائف إلا من استثنى الله عز وجل في قوله تعالى:} غير أولي الضرر {غير الذين يتضررون إذا ذهبوا إلى الجهاد وهو ثلاثة أصناف ذكرهم الله تعالى في قوله:} ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج {وكذلك الذين لا يجدون ما ينفقون أو كانوا ضعفاء في أبدانهم لقول الله تعالى:} ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم {والثالث: من قعدوا للتفقه في الدين لقوله تعالى:} وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون {.
فهؤلاء ثلاثة أصناف: 1 - أولو الضرر والضعفاء 2 - والذين لا يجدون مالا 3 - من قعدوا ليتفقهوا في الدين.
فهؤلاء معذورون إما لوجود مصلحة في بقائهم أعلى من مصلحة الجهاد وهم الذين قعدوا للتفقه في الدين وإما لعذر لا يستطيعون معه أن يذهبوا إلى الجهاد.
وقول الله تعالى:} ولا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم {المجاهدون أفضل وفي هذه الآية نفي الاستواء بين المؤمنين وأن المؤمنين ليسوا سواء فمثل ذلك قوله تعالى:
} لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى {ونفي الاستواء في القرآن العزيز كثير} قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور {وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج} والآيات كثيرة.
وأحب أن أنبه هنا على كلمة يطلقها بعض الناس قد يريدون بها خيرا وقد يطلقها بعض الناس يريدون بها شرا وهي قولهم: إن الدين الإسلامي دين المساواة فهذا كذب على الدين الإسلامي لأن الدين الإسلامي ليس دين مساواة الدين الإسلامي دين عدل وهو إعطاء كل شخص ما يستحق فإذا استوى شخصان في الأحقية فحين إذا يتساويان فيما يترتب على هذه الأحقية أما مع الاختلاف فلا ولا يمكن أن يطلق على أن الدين الإسلامي دين مساواة أبدا بل إنه دين العدل لقول الله تعالى: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى} .
هذه الكلمة: الدين الإسلامي دين المساواة قد يطلقها بعض الناس ويريد بها شرا فمثلا يقول: لا فرق بين الذكر والأنثى الدين دين مساواة الأنثى أعطوها من الحقوق مثل ما تعطون الرجل
…
لماذا لأن الدين الإسلامي دين المساواة الاشتراكيون يقولون: الدين دين مساواة لا يمكن هذا غني جدا وهذا فقير جدا لابد أن نأخذ من مال الغني ونعطي الفقير لأن الدين دين المساواة فيريدون بهذه الكلمة شرا ولما كانت هذه الكلمة قد يراد بها خير وقد يراد
بها شر لم يوصف الدين الإسلامي بها بل يوصف بأنه دين العدل الذي أمر الله به {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} ما قال: بالمساواة ولا يمكن أن يتساوى اثنان أحدهما أعمى والثاني بصير أحدهما عالم والثاني جاهل أحدهما نافع للخلق والثاني شرير لا يمكن أن يستوون.
العدل الصحيح: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى} لهذا أحببت التنبيه عليها لأن كثيرا من الكتاب العصريين أو غيرهم يطلق هذه الكلمة ولكنه لا يتفطن لمعناها ولا يتفطن أن الدين الإسلامي لا يمكن أن يأتي بالمساواة من كل وجه مع الاختلاف أبدا لو أنه حكم بالمساواة مع وجود الفارق لكان دينا غير مستقيم فعلى المسلم ألا يسوي بين اثنين بينهما تضاد أبدا لكن إذا استووا من كل وجه صار العدل أن يعطي كل واحد منهما ما يعطي الآخر.
وعلى كل حال فهذه الكلمة ينبغي لطالب العلم أن يتفطن لها وأن يتفطن لغيرها أيضا من الكلمات التي يطلقها بعض الناس وهو لا يعلم معناها ولا يعلم مغزاها.
ومن ذلك أيضا قول بعضهم: اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكني أسألك اللطف فيه هذه كلمة عظيمة لا تجوز لا أسألك رد القضاء؟ وقد قال النبي: لا يرد القضاء إلا الدعاء الدعاء لا يرد القضاء لكن من أثر الدعاء إذا دعوت الله تعالى بكشف ضر فهذا قد كتب في الأزل في اللوح المحفوظ أن الله تعالى يرفع هذا الضر عنك بدعائك فكله مكتوب وأنت إذا قلت لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه كأنك تقول: ما يهمني ترفع
أو لا ترفع لكن الإنسان يطلب رفع كل ما نزل به فلا تقل اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه قل: اللهم إني أسألك العفو والعافية اللهم اشفني من مرضي اللهم أغنني من فقري الهم اقض عني الدين اللهم علمني ما جهلت وما أشبه ذلك أما لا أسألك رد القضاء فالله تعالى يفعل ما يشاء ولا أحد يرده لكن أنت مفتقر إلى الله أما هذا الكلام لا أصل له ولا يجوز بل قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت وهي أهون من اللهم لا أسألك رد القضاء لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت وليعزم المسألة فإن الله تعالى لا مكره له وفي لفظ فإن الله لا يتعاظمه شيء.
وأرجو منكم حين جرى التنبيه على هاتين الكلمتين الدين الإسلامي دين المساواة واللهم لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه إذا سمعتم أحدا يقول ذلك أن تنبهوه وتتعاونوا على البر والتقوى وأكثر ما في القرآن العزيز هو نفي الاستواء لم يأت ذكر الاستواء إلا في مواطن قليلة مثل قوله تعالى: {ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء}
فالمراد نفي المساواة {هل لكم} هذا الاستفهام بمعنى النفي هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء والجواب لا إذا فالمراد نفي المساواة وعلى كل حال فإني أنصح وأريد منكم إذا سمعتم أحدا يقول هذا فقل له لا ليس دين المساواة بل هو الدين العدل فهو إعطاء كل واحد ما يستحق.
والقول الآخر لا أسألك رد القضاء
…
هذا كلام لغو من يرد القضاء لكن من قضاء الله أن يرفع عنك المرض أو يرفع عنك الجهل نسأل الله تعالى أن يرزقنا الفقه في ديننا وألا يجعلنا إمعة نقول ما يقول الناس ولا ندري ما نقول والله الموفق.
وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين} والآيات & في الباب كثيرة مشهورة.
{يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم} صدر الله تعالى هذه الآيات بهذا النداء الشريف الموجه للمؤمنين من أجل إثارة هممهم وتنشيطهم على قبول ما يسمعون من كلام الله عز وجل.
{يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم} القائل هو ربنا عز وجل وهذا الاستفهام للتشويق يشوقنا جل وعلا بهذه التجارة التي يدلنا عليها ويستفاد من قوله: {هل أدلكم} أنه ليس لنا طريق إلى هذه التجارة إلا الطريق الذي شرعه الله عز وجل هو الدال على ذلك {هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم} وهذه التجارة ليست تجارة الدنيا لأن تجارة الدنيا قد تنجي من العذاب الأليم وقد تكون سببا للعذاب الأليم فالرجل الذي عنده مال لا يزكي يكون ماله عذابا عليه والعياذ بالله {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون} {ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير} .
تجارة الدنيا قد تنجي من العذاب وقد توقع في العذاب لكن هذه التجارة التي عرضها الله عز وجل علينا ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم ممن يقبلونها يقول: (تنجيكم من عذاب أليم) أي عذاب مؤلم لأنه لا
عذاب أشد ألما من عذاب النار أعاذني الله وإياكم منها.
ما هذه التجارة قال: {تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون} هذه التجارة: الإيمان بالله ورسوله وهذا يتضمن جميع شرائع الإسلام كلها لكن نص على الجهاد لأن السورة سورة الجهاد من أولها إلى آخرها كلها جهاد {إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص} ثم ذكر ما يتعلق بذلك وهنا يقول {تجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم} أي: تبذلوا جهدكم في سبيل الله ببذل المال وبذل النفس {ذلكم خير لكم} خير لكم من كل شيء {أن كنتم تعلمون} يعني إن كنتم من ذوي العلم وفي هذه الآية وأمثالها يحسن الوقوف على قوله {ذلكم خير لكم} ولا تصل لا تقل {ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون} لأنك لو وصلت لأفهمت معنى باطلا في الآية لكان المعنى: (ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون وإن كنتم لا تعلمون فليس خيرا لكم) وهذا ليس مراد الله عز وجل بل إن المعنى: ذلكم خير لكم ثم قال: إن كنتم من ذوي العلم كأنه يقول: فاعلموا ذلك إن كنتم أهلا للعلم.
هذا هو العمل فما هو الثواب {يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم} .
جنات: هي ما أعده الله عز وجل لعباده الصالحين وبالأخص المجاهدين في سبيل الله إن في الجنة مائة درجة أعدها الله عز وجل للمجاهدين في سبيله ولهذا جمع جنات تجري من تحتها الأنهار
أي من تحت قصورها وأشجارها وهي أنهار ليست كأنهار الدنيا أربعة أصناف: أنهار من ماء غير آسن يعني: لا يمكن أن يتغير بخلاف ماء الدنيا فإنه إذا بقي يتغير وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى أنهار تجري أنهار العسل فيها لم يخرج من النحل واللبن لم يخرج من ضرع بهيمة والماء لم يخرج من نبع أرض وكذلك الخمر لم يخرج من زبيب أو تمر أو شعير أو غير ذلك أنهار خلقها الله عز وجل في الجنة تجري هذه الأنهار ورد في الحديث أنها أنهار لا تحتاج إلى شق ولا إلى سد يعني ما يحتاج أن تضع له أخدودا تمنعه من التسرب يمينا وشمالا.
قال ابن القيم في النونية:
أنهارها في غير أخدود جرت
…
سبحان ممسكها عن الفيضان
جل وعلا ثم هذا النهر يأتي طوعك ذلك أن تطلب أن الماء يذهب يمينا يذهب يسارا يذهب أماما يذهب يتوقف يتوقف كما تشاء.
وقوله: {ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم} مساكن طيبة: طيبة في بنائها طيبة في غرفها طيبة في منظرها طيبة في مسكنها طيبة من كل ناحية والساكن فيها حور مقصورات في الخيام خيام من لؤلؤ مرتفعة من أحسن ما تراه بصرا قال النبي صلى الله عليه وسلم: جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وجنتان من فضة آنيتهما وما
فيهما اللبن: لبن البناء ليس من الطوب والتراب بل هو من الذهب أو من الفضة ولهذا وصفها الله بالطيب.
ثم إن من طيبها أن ساكنها لا يبغي عنها حولا..
مساكن الدنيا مهما حسنت سترى ما هو أحسن من بيتك فتقول: ليت هذا لي.
لكن في الجنة لا تبغي حولا عن مسكنك ولا انتقال كل إنسان يرى أنه هو أنعم أهل الجنة لكي لا ينكسر قلبه لو رأى من هو أفضل منه ولكن يرى أنه أنعم أهل الجنة عكس ذلك أهل النار أهل النار يرى أنه أشد أهل النار عذابا وإن كان هو أهونهم.
فهذه المساكن الطيبة في جنات عدن قال العلماء العدن بمعنى الإقامة..
ومنه المعدن في الأرض لطول إقامته بمعدنه ومكانه.
أي في جنات إقامة لا يمكن أن تزول أبد الآبدين
…
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهلها.
(ذلك الفوز العظيم) الفوز أن ينال الإنسان ما يريد وينجو مما يخاف العظيم الذي لا أعظم منه ريح ليس فوقه ريح عوض ليس فوقه عوض لهؤلاء الذين آمنوا بالله ورسوله وجاهدوا في سبيل الله أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلني وإياكم منهم ولا يحرمنا هذا الفضل بسوء أعمالنا وأن يعاملنا بعفوه إنه على كل شيء قدير.
1288 -
وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها متفق عليه.
1289 -
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أي الناس أفضل قال: مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله قال: ثم من قال: مؤمن في شعب من الشعاب يعبد الله ويدع الناس من شره متفق عليه.
1290 -
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها وموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما عليها والروحة يروحها العبد في سبيل الله تعالى أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها متفق عليه.
[الشَّرْحُ]
سبق لنا الكلام على قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم.
وبقي قوله تعالى: {وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين} {وأخرى تحبونها} يعني ولكم أخرى تحبونها..
ثم بينها بقوله: {نصر من
الله وفتح قريب وبشر المؤمنين} {نصر من الله} ينصركم الله به على أعدائكم ولا شك أن الإنسان إذا انتصر على عدوه فإن ذلك له حب عظيم لأن الله تعالى يجعل عذاب عدوه على يده كما قال تعالى: {قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم} فوائد عظيمة إذا عذب الله تعالى عدوك على يديك ولهذا قال {نصر من الله وفتح قريب} وقد حصل هذا للمؤمنين في صدر هذه الأمة فتح الله عليهم فتوحات عظيمة وغنموا غنائم كثيرة لأنهم قاموا بما يجب عليهم من الإيمان بالله والجهاد في سبيل الله عز وجل ثم قال: {وبشر المؤمنين} يعني بشر بهذه الأمور كلها من كان مؤمنا بها قائما بما يجب عليه من الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيل الله.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله أحاديث في فضل الجهاد والرباط في سبيل الله وأن الغدوة والروحة في سبيل الله أو غدوة وروحة في الرباط خير من الدنيا وما فيها وهذا فضل عظيم خير من الدنيا كلها من أولها إلى آخرها وما فيها.
وليس خيرا من دنياك التي أنت تعيشها فقط بل من الدنيا وما فيها ومن متى الدنيا من زمن لا يعلمه إلا الله وكذلك لا يدري متى تنتهي كل هذا خير من الدنيا وما فيها.
قال: وموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها ويقال في ذلك ما قيل في الأول إن الدنيا كلها من أولها إلى آخرها موضع
السوط في الجنة خير منها والغدوة والروحة في سبيل الله خير منها والرباط في سبيل الله خير منها.
وفي هذه الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل أي الرجال خير فبين أنه الرجل الذي يجاهد في سبيل الله بماله ونفسه ثم أي قال ورجل مؤمن في شعب من الشعاب يعبد الله ويدع الناس من شره يعني أنه قائم بعبادة الله كاف عن الناس ولا يريد أن ينال الناس منه شر وهذا أحد الأدلة الدالة على أن العزلة خير من الخلطة مع الناس ولكن الصحيح في هذه المسألة أن في ذلك تفصيلا من كان يخشى على دينه بالاختلاط بالناس فالأفضل له العزلة ومن لا يخشى فالأفضل أن يخالط الناس لقول النبي صلى الله عليه وسلم: المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على آذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على آذاهم.
فمثلا: إذا فسد الزمان ورأيت أن اختلاطك مع الناس لا يزيدك إلا شرا وبعدا من الله فعليك بالوحدة اعتزل قال النبي صلى الله عليه وسلم: يوشك أن يكون خير مال الرجل غنما يتبع بها شعث الجبال ومراتع القطر.
فالمسألة تختلف العزلة في زمن الفتن والشر والخوف من المعاصي خير من الخلطة أما إذا لم يكن الأمر كذلك فاختلط مع الناس وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على آذاهم وعاشرهم ربما ينفع الله بك رجلا
واحدا خير لك من حمر النعم إذا هداه الله على يديك والله الموفق.
1291 -
وعن سلمان رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات فيه أجري عليه عمله الذي كان يعمل وأجري عليه رزقه وأمن الفتان رواه مسلم.
1292 -
وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كل ميت يختم على عمله إلا المرابط في سبيل الله فإنه ينمى له عمله إلى يوم القيامة ويؤمن فتنة القبر رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
1293 -
وعن عثمان رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: رباط يوم & في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
1294 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تضمن الله لمن خرج في سبيل لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي وإيمان بي وتصديق برسلي فهو على ضامن أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى منزله الذي خرج منه بما نال من أجر
أو غنيمة والذي نفس محمد بيده ما من كلم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة كهيئته يوم كلم لونه لون الدم وريحه ريح المسك والذي نفس محمد بيده لولا أن أشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبدا ولكن لا أجد سعة فأحملهم ولا يجدون سعة ويشق عليهم أن يتخلفوا عني والذي نفس محمد بيده لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل ثم أغزو فأقتل ثم أغزو فأقتل رواه مسلم وروى البخاري بعضه.
[الشَّرْحُ]
الكلم الجرح.
هذه الأحاديث ساقها النووي رحمه الله في كتاب رياض الصالحين في بيان فضل المرابطة في سبيل الله يعني أن يرابط الإنسان على الحدود أو تجاه العدو في سبيل الله عز وجل لإعلاء كلمة الله وحفظ دين الله وحفظ المسلمين فأن هذا من أفضل الأعمال.
وقد سبق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها وفي هذه الأحاديث دليل على أن المرابط يجري عليه عمله إلى يوم القيامة وأنه يأمن فتنة القبر يعني: أن الناس إذا ماتوا ودفنوا أتاهم ملكان يسألان الرجل عن ربه ودينه ونبيه إلا من مات مرابطا في سبيل الله فإنه لا يأتيه الملكان يسألانه.
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم الحكمة من ذلك فقال: كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنه فالشهيد والمرابط كلاهما لا يأتيه الملكان في قبره فيسألانه بل يأمن ذلك وهذا فضل عظيم وأجر عظيم.
وأما حديث أبي هريرة الأخير ففيه دليل على فضيلة القتيل في سبيل الله ولهذا أقسم النبي صلى الله عليه وسلم أنه لولا أن يشق على المسلمين ما تخلف عن سرية قط ولكنه يتخلف عليه الصلاة والسلام أحيانا لأشغال المسلمين وقضاء حوائجهم وعدم المشقة عليهم وأقسم صلى الله عليه وسلم أنه يتمنى ويود أن لو قتل في سبيل الله ثم أحيي فقتل ثم أحيي فقتل فهذا يدل على فضل القتل في سبيل الله ولا شك في هذا والقرآن واضح في ذلك قال الله تعالى: ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين وهذه الحياة البرزخية لا نعلم بها وليست كحياتنا ولهذا قال تعالى: {ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون} .
حياة ما يعلم بها يعني لو فتحت عليه قبره لوجدت الإنسان ميتا لكنه عند الله حي يرزق يأكل من الجنة بكرة وعشية نسأل الله سبحانه أن يرزقنا وإياكم الشهادة في سبيله وأن يعيننا وإياكم على الجهاد في سبيله
جهاد أنفسنا جهاد أعدائنا إنه على كل شيء قدير.
1295 -
وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مكلوم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يدمي: اللون لون دم والريح ريح مسك متفق عليه.
1296 -
وعن معاذ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قاتل في سبيل الله من رجل مسلم فواق ناقة وجبت له الجنة ومن جرح جرحا في سبيل الله أو نكب نكبة فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت لونها الزعفران وريحها كالمسك رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
1297 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: مر رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يشعب فيه عيينة من ماء عذبة فأعجبته فقال: لو اعتزلت الناس فأقمت في هذا الشعب ولن أفعل حتى أستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا تفعل فإن مقام أحدكم في سبيل الله أفضل من صلاته في بيته سبعين عاما ألا تحبون أن يغفر الله لكم ويدخلكم الجنة اغزوا في سبيل الله من قاتل في سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنة رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
والفواق: ما بين الحلبتين.
1298 -
وعنه قال قيل: يا رسول الله ما يعدل الجهاد في سبيل الله قال: لا تستطيعونه فأعادوا عليه مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول: لا تستطيعون ثم قال: مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله لا يفتر: من صلاة ولا صيام حتى يرجع المجاهد في سبيل الله متفق عليه وهذا لفظ مسلم.
وفي رواية البخاري أن رجلا قال: يا رسول الله دلني على عمل يعدل الجهاد قال: لا أجده ثم قال: هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر وتصوم ولا تفطر فقال: ومن يستطيع ذلك؟
1299 -
وعنه أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من خير معاش الناس لهم رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله يطير على متنه كلما سمع هيعة أو فزعة طار على متنه يبتغي القتل أو الموت مظانه أو رجل في غنيمة أو شعفة من هذه الشعف أو بطن واد من هذه الأودية يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعبد ربه حتى يأتيه اليقين ليس من الناس إلا في خير رواه مسلم.
1300 -
وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض
رواه البخاري.
1301 -
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا وجبت له الجنة فعجب لها أبو سعيد فقال أعدها علي يا رسول الله فأعادها عليه ثم قال: وأخرى يرفع الله بها العبد مائة درجة في الجنة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض قال: وما هي يا رسول الله قال الجهاد في سبيل الله الجهاد في سبيل الله رواه مسلم.
[الشَّرْحُ]
هذه أحاديث متعددة كلها في فضل الجهاد في سبيل الله فمنها أي من فضل الجهاد في سبيل الله: أن الإنسان إذا قتل شهيدا فإنه يأتي يوم القيامة وجرحه يدمي اللون لون الدم والريح ريح المسك يشهده الأولون والآخرون من هذه الأمة وغيرها بل ويشهده الملائكة في ذلك اليوم المشهود وهذا يوجب له الرفعة في الدنيا والآخرة.
ومنها أن من قاتل (فواق ناقة) وهو ما بين الحلبتين فإنه تجب له الجنة فإذا شهد الصف ولو بهذا المقدار يقاتل في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا فإنها تجب له الجنة.
ومنها أن الخارج للجهاد في سبيل الله له مثل أجر الصائم القائم من حين أن يخرج إلى أن يرجع والصائم القائم من حين أن يخرج المجاهد إلى أن
يرجع هو الذي يساويه في الأجر عند الله عز وجل ولكن ذلك لا يستطاع كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم وقاله الصحابة له ومنها أن الله أعد للمجاهدين في سبيله مائة درجة في الجنة كل درجة بينها وبين الأخرى مثل ما بين السماء والأرض أعدها الله للمجاهدين في سبيله.
فهذه الأحاديث وأمثالها وهي كثيرة جدا تدل على فضل الجهاد في سبيل الله والجهاد في سبيل الله يكون بالمال ويكون بالنفس ولكنه بالنفس أفضل وأعظم أجرا لأن كل هذه الأحاديث التي سمعناها كلها فيمن جاهد بنفسه ومن جاهد بماله فهو على خير وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا أي كتب له أجر الغازي ومن خلفه في أهله في خير فقد غزا فنسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المجاهدين في سبيله ابتغاء وجه الله إنه على كل شيء قدير.
1302 -
وعن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري قال: سمعت أبي رضي الله عنه وهو & بحضرة العدو يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف فقام رجل رث الهيئة فقال: يا أبا موسى أأنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا قال نعم فرجع إلى أصحابه فقال: أقرأ عليكم السلام ثم كسر جفن سيفه فألقاه ثم مشى بسيفه إلى العدو فضرب به حتى قتل رواه مسلم.
1303 -
وعن أبي عبس عبد الرحمن بن جبير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما اغبرت قدما عبد في سبيل الله فتمسه النار رواه البخاري.
1304 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع ولا يجتمع على عبد غبار في سبيل الله ودخان جهنم رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
1305 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله رواه الترمذي وقال حديث حسن.
1306 -
وعن زيد بن خالد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا ومن خلف غازيا في أهله بخير فقد غزا متفق عليه.
1307 -
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل الصدقات ظل فسطاط في سبيل الله ومنيحة خادم في سبيل الله أو طروقه فحل في سبيل الله رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
1308 -
وعن أنس رضي الله عنه أن فتى من أسلم قال: يا رسول الله إني أريد الغزو وليس معي ما أتجهز به قال: ائت فلانا فإنه قد كان تجهز فمرض فأتاه فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئك السلام ويقول: أعطني الذي تجهزت به قال: يا فلانة أعطيه الذي كنت تجهزت به ولا تحبسين منه شيئا فوالله لا تحبسي منه شيئا فيبارك لك فيه رواه مسلم.
1309 -
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى بني لحيان فقال: لينبعث من كل رجلين أحدهما والأجر بينهما رواه مسلم.
وفي رواية له: ليخرج من كل رجلين رجل ثم قال للقاعد: أيكم خلف الخارج في أهله وماله بخير كان له مثل نصف أجر الخارج.
1310 -
وعن البراء رضي الله عنه قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل مقنع بالحديد فقال: يا رسول الله أقاتل أو أسلم فقال: أسلم ثم قاتل فأسلم ثم قاتل فقتل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عمل قليلا وأجر كثيرا متفق عليه وهذا لفظ البخاري.
1311 -
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد يتمنى أن يرجع
إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة.
وفي رواية: لما يرى من فضل الشهادة متفق عليه.
1312 -
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يغفر الله للشهيد كل شيء إلا الدين رواه مسلم.
وفي رواية له القتل في سبيل الله يكفر كل شيء إلا الدين.
1313 -
وعن أبي قتادة & رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فيهم فذكر أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال فقام رجل فقال: يا رسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفر عني خطاياي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف قلت قال: أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفر عني خطاياي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر إلا الدين فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك رواه مسلم.
[الشَّرْحُ]
هذه الأحاديث المتعددة ذكرها النووي رحمه الله في كتاب رياض الصالحين في كتاب الجهاد وفيها مسائل منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حسن التدبير في أصحابه فهذا الرجل الذي جاء إليه إني أريد الغزو وليس عندي شيء يعني يغزو به فأحاله على رجل كان قد تجهز ليغزو ولكن مرض ثم إن الرجل ذهب إلى صاحبه فأخذ جهازه وقال لامرأته: لا تتركي منه شيء فإنك لم تتركي شيء فيبارك لنا فيه فجهزه.
وفيها أي في هذه الأحاديث دليل على أن من جهز الغازي وأعطاه ما يكفي لغزوه فإنه كالذي يغزو وأن من خلف الغازي في أهله فله مثل أجره ويدل لهذا أيضا قضية بني لحيان حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يخرج منهم واحد ويبقى واحد يخلف الغازي في أهله ويكون له نصف أجره لأن النصف الثاني للغازي وفي هذه الأحاديث أيضا من فضائل الجهاد أن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف بمعنى أن من قاتل فإنه يكون قتاله سببا لدخول الجنة من أبوابها فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن في الجنة بابا يقال له باب الجهاد يدخله من يجاهد في سبيل الله.
وفي هذه الأحاديث: أن الشهادة تكفر كل شيء من الأعمال إلا الدين: يعني إلا دين الآدمي فإن الشهادة لا تكفره وذلك لأن دين الآدمي لابد من إيفائه إما في الدنيا وإما في الآخرة وفي هذا الحديث التحذير من التساهل
في الدين وأنه لا ينبغي للإنسان أن يتساهل في الدين ولا يتدين إلا عند الضرورة ما عند الحاجة لا إنما عند الضرورة القصوى لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن للرجل الذي قال زوجني فقال: أصدق المرأة قال: ليس عندي إلا إزاري قال: إزارك لا ينفعها أن أعطيتها إياه بقيت بلا إزار وأن أبقيته عليك بقيت بلا مهر التمس ولو خاتما من حديد فالتمس فلم يجد فقال: زوجتها بما معك من القرآن ولم يقل استقرض من الناس مع أنه زواج حاجة ملحة لكن لم يأذن له الرسول صلى الله عليه وسلم بل لم يرشده إلى الاستدانة لأن الدين خطير جدا وقد روى & عن النبي صلى الله عليه وسلم بسند فيه نظر: أن نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضي عنه فالأمر مهم فلا تستهن الدين الدين هم في الليل وذل في النهار فالإنسان مهما أمكنه يجب أن يتحرز من الدين وأن لا يكثر في الإنفاق لأن كثيرا من الناس تجده فقيرا ثم يريد أن ينفق على نفسه وأهله كما ينفق الأغنياء فيستلف من هذا ويستلف من هذا أو يستدين أو يرابي وهذا غلط عظيم يعني لو لم يكن لك إلا وجبة واحدة في الليل والنهار فلا تستلف اصبر وقل اللهم: أغنني قال الله تعالى: وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء & إن الله
عليم حكيم أما تهاون بعض الناس نسأل الله العافية يستدين من أجل أن يفرش كل البيت فراء حتى الدرج هذا غلط أو يستدين من أجل أن يأخذ سيارة فخمة مع أنه يكفيه سيارة مثلا بعشرين ألف يقول: لا بمائة ألف وهو فقير.
هذا من سوء التصرف ومن ضعف الدين ومن قلة المبالاة لأن الدين لا تكفره حتى الشهادة في سبيل الله لا تكفر الدين فكيف تستدين إلا عند الضرورة وأقول عند الضرورة ليس عند الحاجة يعني حتى لو & كنت محتاجا لعدة كماليات لا تستدين لا تشتري شيء ليس معك ثمنه اصبر حتى يرزقك الله ثم اشتر على قدر الحال ولهذا من الأمثال العامية الصحيحة (مد رجلك على قدر لحافك) إن مددتها أكثر تعرضت للبرد والشمس وغير ذلك.
ففيه التحذير من الدين وأنه لا ينبغي للإنسان أن يتدين.
وهنا مسألة: بعض الناس يكون عليه دين ثم يتصدق & ويقول: أحب هذه الصدقة وهذا حرام كيف تتصدق وأنت مدين أد الواجب أولا ثم التطوع ثانيا لأن الذي يتصدق ولا يوفي الدين كالذي يبني قصرا ويهدم مصرا
أنت الآن مطالب أن توفي دينك كيف تتصدق أوف ثم تصدق.
وفي هذه الأحاديث أيضا أن الجهاد بدون إسلام لا ينفع صاحبه لأن الرجل الذي استأذن من النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله أجاهد ثم أسلم أم أسلم ثم أجاهد قال: أسلم ثم جاهد فأسلم ثم جاهد وهكذا جميع الأعمال الصالحة يشترط فيها الإسلام لا يقبل الله من أحد صدقة ولا حج ولا صيام ولا أي شيء وهو غير مسلم فإذا رأينا مثلا رجل لا يصلي ولكنه كثير الصيام كثير الصدقات بشوش للناس أخلاقه طيبة لكنه لا يصلي اعلم أن كل عمل يعمله لا ينفعه يوم القيامة حتى الصيام يصوم رمضان ولا يصلي ما له صيام يحج وما يصلي ما له حج بل يحرم عليه أن يروح مكة ولا يصلي لأن الله يقول: {يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} فالإسلام شرط لكل عبادة لا تقبل أي عبادة إلا بالإسلام ولا تصح أي عبادة إلا بالإسلام والله الموفق.
1314 -
وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رجل: أين أنا يا رسول الله إن قتلت قال في الجنة فألقى تمرات كن في يده ثم قاتل حتى قتل رواه مسلم.
1315 -
وعن أنس رضي الله عنه قال: انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدر وجاء المشركون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يقدمن أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا دونه فدنا المشركون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض قال: يقول عمير بن الحمام الأنصاري رضي الله عنه: يا رسول الله جنة عرضها السماوات والأرض قال: نعم قال: بخ بخ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يحملك على قولك بخ بخ قال لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها قال: فإنك من أهلها فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة فرمى بما معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل رواه مسلم.
القرن بفتح القاف والراء هو جعبة النشاب.
1316 -
وعنه قال: جاء ناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن ابعث معنا رجالا يعلمونا القرآن والسنة فبعث إليهم سبعين رجلا من الأنصار يقال لهم: القراء فيهم خالي حرام يقرؤون القرآن ويتدارسونه بالليل يتعلمون وكانوا بالنهار يجيئون بالماء فيضعونه في المسجد & ويحتطبون فيبيعونه ويشترون به الطعام لأهل الصفة وللفقراء فبعثهم النبي صلى الله عليه وسلم فعرضوا لهم فقتلوهم قبل أن يبلغوا المكان فقالوا: اللهم بلغ عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا وأتى رجل حراما خال أنس من خلفه فطعنه برمح حتى أنفذه فقال حرام: فزت ورب الكعبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن إخوانكم قد قتلوا وإنهم قالوا اللهم
بلغ عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا متفق عليه وهذا لفظ مسلم.
1317 -
وعنه قال: غاب & عمي أنس بن النضر رضي الله عنه عن قتال بدر فقال يا رسول الله غبت & عن أول قتال قاتلت المشركين لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرين الله ما أصنع فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون فقال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني أصحابه وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء يعني المشركين ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ فقال: يا سعد بن معاذ الجنة ورب النضر إني أجد ريحها من دون أحد قال سعد فما استطعت يا رسول الله ما صنع قال أنس: فوجدنا به بضعا وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم ووجدناه قد قتل ومثل به المشركون فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه قال أنس كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه} إلى آخرها متفق عليه وقد سبق في باب المجاهدة.
1318 -
وعن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت الليلة رجلين أتياني فصعدا بي الشجرة فأدخلاني دارا هي أحسن وأفضل لم أر قط أحسن منها قالا: أما هذه الدار فدار الشهداء رواه البخاري وهو بعض من
حديث طويل فيه أنواع العلم سيأتي في باب تحريم الكذب إن شاء الله تعالى.
1319 -
وعن أنس رضي الله عنه أن أم الربيع بنت البراء وهو أم حارثة بن سراقة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ألا تحدثني عن حارثة وكان قتل يوم بدر فإن كان في الجنة صبرت وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء فقال: يا أم حارثة إنها جنان في الجنة وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى رواه البخاري.
&
1320 -
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: جيء بأبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم قد مثل به فوضع بين يديه فذهبت أكشف عن وجهه فنهاني قوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها متفق عليه.
1321 -
وعن سهل بن حنيف رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من سأل الله تعالى الشهادة بصدق بلغه منازل الشهداء وإن مات على فراشه رواه مسلم.
[الشَّرْحُ]
هذه الأحاديث في فضل الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله وأن لهم الجنة كما قال الله سبحانه وتعالى: إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن
وذكر المؤلف أحاديث كثيرة تدل على صدق الصحابة رضي الله عنهم وصدق إيمانهم يخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بما للشهداء فيدعون ما بأيديهم من الطعام ويتركونه ويتقدمون إلى الجهاد في سبيل الله ثم يقتلون فيلقون الله عز وجل راضين عنه وهو راض عنهم جل وعلا وهذا لا شك من فضائل الصحابة رضي الله عنهم التي لا يلحقهم بعدهم أحد فيها.
هذا عمير بن الحمام الأنصاري رضي الله عنه لما قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر: من قاتلهم محتسبا مقبلا غير مدبر وجبت له جنة عرضها كعرض السماء والأرض قال: يا رسول الله جنة عرضها كعرض السماء والأرض قال: نعم فأخرج تمرات من قرنه الذي يوضع فيه الطعام عادة ويأخذه المجاهد ثم جعل يأكل ثم استطال الحياة رضي الله عنه وقال: والله لأن بقيت حتى آكل هذه التمرات إنها لحياة طويلة ثم تقدم فقاتل وقتل رضي الله عنه وقد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة.
وكذلك أنس بن المضر رضي الله عنه لقي سعد بن معاذ في غزوة أحد وأخبره بأنه يجد ريح الجنة دون أحد قال ابن القيم: فهذه من الكرامات التي يكرم بها الله من يشاء من عباده أن يجد ريح الجنة وهو في الأرض والجنة في السماء لكن من أجل أن الله يثبت يقينه حتى يتيقنها وكأنها أمر محسوس عنده فقاتل حتى قتل لأنه رضي الله عنه تأخر عن غزوة بدر وسبب ذلك أن كثيرا من الصحابة لم يخرجوا في بدر لأنهم إنما خرجوا من أجل عير أبي سفيان التي جاء بها من الشام يريد بها مكة ولم يخرجوا لقتال
ولكن الله جمع بينهم وبين عدوهم من غير معاد فتخلف رضي الله عنه لأنهم لم يؤمروا بالخروج إلى الغزو وإنما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: من شاء أن يخرج معنا فليخرج فخرج من خرج وتخلف من تخلف لكنه قال رضي الله عنه: حين تخلف عن هذه الغزوة غزوة بدر لإن أشهدني الله مشهد يعني غزوا في سبيل الله ليرين الله مني ما أصنع ثم تقدم وجاهد وجالد وقاتل حتى قتل ووجدوا به بضعا وثمانين أو بضعا وتسعين ضربة في جسد واحد مما يدل على أنه قد غامر وخاض صفوف المشركين لم تعرفه إلا أخته بنانه وقال: رضي الله عنه وهو يجاهد: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني أصحابه الذين انكشفوا في غزوة أحد وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء يعني المشركين.
فهذه القصص وأمثالها تدل دلالة واضحة على أن الله اختار لنبيه صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق وأنه مصداق قوله صلى الله عليه وسلم خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم
…
نسأل الله أن يبلغنا وإياكم منازل الشهداء وأن يجمع بيننا وبينهم في جنات النعيم.
1322 -
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من طلب الشهادة صادقا أعطيها ولو لم تصبه رواه مسلم.
1323 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يجد الشهيد من مس القتل إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
1324 -
وعن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي لقي فيها العدو انتظر حتى مالت الشمس ثم قام في الناس فقال: أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف ثم قال: اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم متفق عليه.
1325 -
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثنتان لا تردان أو قلما تردان الدعاء عند النداء وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضا رواه أبو داود بإسناد صحيح.
1326 -
وعن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا قال اللهم أنت عضدي ونصيري بك أجول وبك أصول وبك أقاتل رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن.
1327 -
وعن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خاف قوما قال: اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم رواه أبو داود بإسناد & صحيح.
1328 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة متفق عليه.
1329 -
وعن عروة البارقي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر والمغنم متفق عليه.
1330 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من احتبس فرسا في سبيل الله إيمانا بالله وتصديقا بوعده فإن شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة رواه البخاري.
1331 -
وعن أبي مسعود رضي الله عنه قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بناقة مخطومة فقال: هذه في سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة رواه مسلم.
1332 -
وعن أبي حماد ويقال: أبو سعاد ويقال: أبو أسد ويقال: أبو عامر ويقال: أبو عمرو ويقال: أبو الأسود ويقال أبو عبس عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي رواه مسلم.
[الشَّرْحُ]
هذه الأحاديث ساقها النووي في رياض الصالحين بعضها في بيان فضيلة الشهداء وقد سبقت أحاديث كثيرة في هذا الموضوع وبعضها في فضل المشاركة في الجهاد بالراحلة والسهم.
فأما الأول فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان إذا استشهد في سبيل الله فإن ما يصيبه من القتل يكون كالقرصة يعني كقرصة النملة أو الذرة أو ما أشبه ذلك لأن الله تعالى يسهل عليه القتل كما أنه يسهل عليه خروج الروح لأن الروح تبشر برضوان من الله عز وجل وبالجنة فيسهل عليها الخروج كما في غيرها من الأموات.
ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم بين حينما خطب الناس بين الحكم في قوله: لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاثبتوا فإن الجنة تحت ظلال السيوف والشاهد من هذا الحديث قوله: الجنة تحت ظلال السيوف.
ومنها أي من فضائل الجهاد في سبيل الله عز وجل أن الإنسان الذي
يشارك براحلة يكتب له بذلك أجرها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة والمراد بالخيل: خيل الجهاد لأنه فسر هذا الخير بقوله: الأجر والمغنم وهذا إنما يكون في خيل الجهاد فخيل الجهاد في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ويحتمل أن يكون الحديث عاما أي الخيل كلها سواء كانت ممن يجاهد عليه أم لا للعموم ومنها أيضا أن رجلا جاء بناقة مخطومة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هذه يا رسول الله في سبيل الله فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن الله أعد له يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة لأن الله تعالى يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة.
ومنها أي من الجهاد في سبيل الله المساعدة في السهام: الرمي ولهذا خطب النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال في قوله تعالى: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي ألا أن القوة الرمي والرمي في كل وقت بحسبه ففي عهد الرسول صلى الله عليه وسلم يكون الرمي بالقوس بالسهام وفي وقتنا الآن يكون الرمي بالقنابل والصواريخ وما أشبهه لأن كل رمي بحسب الوقت الذي يكون فيه الإنسان نسأل الله أن يجعلنا من المجاهدين في سبيله بالمال والنفس إنه على كل شيء قدير.
1333 -
وعنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ستفتح عليكم أرضون ويكفيكم الله فلا يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه رواه مسلم.
1334 -
وعنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من علم الرمي ثم تركه فليس منا أو فقد عصى رواه مسلم.
1335 -
وعنه رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يدخل بالسهم ثلاثة نفر الجنة: صانعه يحتسب في صنعته الخير والرامي به ومنبله وارموا واركبوا وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا ومن ترك الرمي بعدما علمه رغبة عنه فإنها نعمة تركها أو قال كفرها رواه أبو داود.
1336 -
وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم على نفر ينتضلون فقال: ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا رواه البخاري.
1337 -
وعن عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من رمى بسهم في سبيل الله فهو له عدل محررة رواه أبو داود والترمذي وقالا: حديث حسن صحيح.
1338 -
وعن أبي يحيى خريم بن فاتك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنفق نفقة في سبيل الله كتب له سبعمائة ضعف رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
1339 -
وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا
متفق عليه.
1340 -
وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من صام يوما في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقا كما بين السماء والأرض رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
1341 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بغزو مات على شعبة من النفاق رواه مسلم.
1342 -
وعن جابر رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة & فقال: إن بالمدينة لرجالا ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم حبسهم المرض.
وفي رواية: حبسهم العذر وفي رواية إلا شركوكم في الأجر رواه البخاري من رواية أنس ورواه مسلم من رواية جابر واللفظ له.
1343 -
وعن أبي موسى رضي الله عنه أن أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله الرجل يقاتل للمغنم والرجل يقاتل ليذكر والرجل يقاتل ليرى مكانه وفي رواية: يقاتل شجاعة ويقاتل حمية وفي رواية: ويقاتل غضبا فمن في سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله متفق عليه.
[الشَّرْحُ]
هذه الأحاديث في بيان أمور في الجهاد في سبيل الله منها الرمي وقد سبق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ألا إن القوة الرمي كررها ثلاثا.
وفي الأحاديث التي ساقها المؤلف في هذا الباب حث على تعلم الرمي وعلى أن من ترك الرمي بعد أن من الله تعالى عليه به فإنها نعمة كفرها وفي بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم تبرأ منه.
وفي بعض الأحاديث أيضا إنها ستفتح عليكم أرضون وسيكفيكم الله فلا يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه.
ففي هذه الأحاديث وأشباهها حث على تعلم الرمي وعلى أن الإنسان ينبغي له أن يتعلم كيف يرمي ولو بالأسلحة الخفيفة لأنه لا يدري ماذا يحدث له حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز العوض في المسابقة في الرمي يعني مثلا رمي اثنان بالبندقية أو شبهها من السلاح ويجعلون بينهما عوضا من يرمي منهم يأخذه
هذا أيضا لا بأس به وجائز لما في ذلك من الحث على تعلم الرمي وفي هذه الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اركبوا وارموا وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا لأن الرمي يدركه الإنسان الراكب والراجل أما الركوب فلا يدركه إلا من ركب ولهذا كان الرمي أحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من الركوب.
وفي هذه الأحاديث أيضا دليل على فضيلة الصيام في الجهاد في سبيل الله وأن الإنسان إذا صام يوما في سبيل الله باعد الله بين وجهه وبين النار سبعين خريفا يعني سبعين سنة وفي هذه الأحاديث دليل على وجوب إخلاص النية لله فإن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل زورا ويقاتل غضبا يعني عصبية لقومه فمن في سبيل الله قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله.
1344 -
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من غازية أو سرية تغزو فتغنم وتسلم إلا كانوا قد تعجلوا ثلثي أجورهم وما من غازية أو سرية تخفق وتصاب إلا تم لهم أجورهم رواه مسلم.
1345 -
وعن أبي أمامة رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله ائذن لي في السياحة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله عز وجل رواه
أبو داود بإسناد جيد.
1346 -
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قفلة كغزوة رواه أبو داود بإسناد جيد.
القفلة الرجوع والمراد: الرجوع من الغزو بعد فراغه ومعناه: أنه يثاب في رجوعه بعد فراغه من الغزو.
1347 -
وعن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك تلقاه الناس فتلقيته مع الصبيان على ثنية الوداع رواه أبو داود بإسناد صحيح بهذا اللفظ ورواه البخاري قال: ذهبنا نتلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الصبيان إلى ثنية الوداع.
1348 -
وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من لم يغز أو يجهز غازيا أو يخلف غازيا في أهله بخير أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة رواه أبو داود بإسناد صحيح.
1349 -
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم رواه أبو داود بإسناد صحيح.
1350 -
وعن أبي عمرو ويقال: أبي حكيم النعمان بن مقرن رضي الله عنه قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم يقاتل من أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس وتهب الرياح وينزل النصر رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح.
1351 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تتمنوا لقاء العدو فإذا لقيتموهم فاصبروا متفق عليه.
1352 -
وعنه وعن جابر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الحرب خدعة متفق عليه.
[الشَّرْحُ]
هذه الأحاديث هي بقية أحاديث باب الجهاد المنقولة في كتاب رياض الصالحين وفيها الحث على الغزو وأن الإنسان إذا لم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو ولم يخلف غازيا في أهله وماله فإنه تصيبه قارعة قبل يوم القيامة وهذه القارعة ربما تفسر بما سبق في الحديث من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق وفيها أيضا الحث على جهاد المشركين بالمال والنفس واللسان بالمال: أي يبذل الإنسان مالا يساعد به المجاهدين أو يشتري به سلاحا أو غير ذلك
والنفس أن يخرج بنفسه يقاتل واللسان أن يهجوهم [أي المشركين] بالقصائد والأشعار لأن هجو المشركين يؤثر عليهم ويكون ذكرى سيئة في حقهم إلا ما شاء الله مثلا إلى الآن ونحن نسمع هجاء حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وغيرهم للمشركين.
وفي هذه الأحاديث التي ذكرها المؤلف رحمه الله فضيلة الجهاد في سبيل الله وأنه من أفضل الأعمال وقد مرت الأحاديث الكثيرة في هذا المعنى وأطال المؤلف رحمه الله في نقل الأحاديث في ذلك لأن باب الجهاد من أهم أبواب الدين حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ذروة سنامه أي ذروة سنام الإسلام الجهاد في سبيل الله لما فيه من إعلاء كلمة الله ونصر الإسلام والمسلمين وغير ذلك من المصالح العظيمة والله الموفق.