المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب فضل السواك وخصال الفطرة - شرح رياض الصالحين لابن عثيمين - جـ ٥

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌باب فضل الوضوء

- ‌باب فضل الصلوات

- ‌باب فضل المشي إلى المساجد

- ‌باب فضل انتظار الصلاة

- ‌باب فضل صلاة الجماعة

- ‌باب الحث على حضور الجماعة في الصبح والعشاء

- ‌باب الأمر بالمحافظة على الصلوات المكتوبات والنهي الأكيد والوعيد الشديد في

- ‌باب فضل الصف الأول والأمر بإتمام الصفوف الأول وتسويتها والتراص فيها

- ‌باب فضل السنن الراتبة مع الفرائض وبيان أقلها وأكملها وما بينهما

- ‌باب تأكيد ركعتي سنة الصبح

- ‌باب استحباب الاضطجاع بعد ركعتي الفجر على جنبه الأيمن والحث عليه

- ‌باب سنة الظهر

- ‌باب سنة العصر

- ‌باب سنة المغرب بعدها وقبلها

- ‌باب سنة العشاء بعدها وقبلها

- ‌باب سنة الجمعة

- ‌باب استحباب جعل النوافل في البيت سواء الراتبة وغيرها والأمر بالتحول

- ‌باب الحث على صلاة الوتر وبيان أنه سنة مؤكدة وبيان وقته

- ‌باب فضل صلاة الضحى وبيان أقلها وأكثرها وأوسطها والحث على المحافظة

- ‌باب استحباب ركعتين بعد الوضوء

- ‌باب فضل يوم الجمعة ووجوبها والاغتسال لها والتطيب والتبكير إليها والدعاء

- ‌باب فضل قيام الليل

- ‌باب استحباب قيام رمضان وهو التراويح

- ‌باب فضل قيام ليلة القدر وبيان أرجى لياليها

- ‌باب فضل السواك وخصال الفطرة

- ‌باب تأكيد وجوب الزكاة وبيان فضلها وما يتعلق بها

- ‌باب وجوب صوم رمضان وبيان فضل الصيام وما يتعلق به

- ‌باب الجود وفعل المعروف والإكثار من الخير في شهر رمضان والزيادة

- ‌باب النهي عن تقدم رمضان بصوم بعد نصف شعبان إلا لمن

- ‌باب ما يقال عند رؤية الهلال

- ‌باب فضل السحور وتأخيره ما لم يخش طلوع الفجر

- ‌باب فضل تعجيل الفطر وما يفطر عليه وما يقوله بعد الإفطار

- ‌باب أمر الصائم بحفظ لسانه وجوارحه عن المخالفات والمشاتمة ونحوها

- ‌باب في مسائل من الصوم

- ‌باب بيان فضل صوم المحرم وشعبان والأشهر الحرم

- ‌باب فضل الصوم وغيره في العشر الأول من ذي الحجة

- ‌باب فضل صوم يوم عرفة وعاشوراء وتاسوعاء

- ‌باب استحباب صوم ستة أيام من شوال

- ‌باب استحباب صوم الاثنين والخميس

- ‌باب استحباب صوم ثلاثة أيام من كل شهر

- ‌باب فضل من فطر صائما وفضل الصائم الذي يؤكل عنده ودعاء

- ‌كتاب الاعتكاف

- ‌كتاب الحج

- ‌كتاب الجهاد

- ‌باب بيان جماعة من الشهداء في ثواب الآخرة يغسلون ويصلى عليهم

- ‌باب فضل العتق

- ‌باب فضل الإحسان إلى المملوك

- ‌باب فضل المملوك الذي يؤدي حق الله وحق مواليه

- ‌باب فضل العبادة في الهرج وهو الاختلاط والفتن ونحوها

- ‌باب فضل السماحة في البيع والشراء والأخذ والعطاء وحسن القضاء والتقاضي

- ‌كتاب حمد الله تعالى وشكره

- ‌كتاب الأذكار

- ‌باب ذكر الله تعالى قائما وقاعدا ومضطجعا ومحدثا وجنبا وحائضا إلا

- ‌باب ما يقوله عند نومه واستيقاظه

- ‌باب فضل حلق الذكر والندب إلى ملازمتها والنهي عن مفارقتها لغير

- ‌باب الذكر عند الصباح والمساء

- ‌باب ما يقوله عند النوم

الفصل: ‌باب فضل السواك وخصال الفطرة

‌باب فضل السواك وخصال الفطرة

1196 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لولا أن أشق على أمتي أو على الناس لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة متفق عليه.

1197 -

وعن حذيفة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من النوم يشوص فاه بالسواك.

متفق عليه.

الشوص: الدلك.

1198 -

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم سواكه وطهوره فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه من الليل، فيتسوك، ويتوضأ ويصلي.

رواه مسلم.

1199 -

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثرت عليكم في السواك رواه البخاري.

1200 -

وعن شريح بن هانئ قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: بأي شيء كان يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك.

رواه مسلم.

1201 -

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم

ص: 225

وطرف السواك على لسانه.

متفق عليه.

وهذا لفظ مسلم.

1202 -

وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: السواك مطهرة للفم مرضاة للرب رواه النسائي، وابن خزيمة في صحيحه بأسانيد صحيحة.

وذكر البخاري رحمه الله في صحيحه هذا الحديث تعليقا بصيغة الجزم فقال: وقالت عائشة رضي الله عنها.

[الشَّرْحُ]

قال المؤلف رحمه الله في كتابه رياض الصالحين باب فضل السواك وسنن الفطرة.

السواك هو: التسوك وهو دلك الأسنان واللثة واللسان بعود الأراك هذا السواك المعروف هو عود الأراك، ويحصل الفضل بعود الأراك أو بغيره من كل عود يشابهه، والصحيح أنه يحصل أيضا بالخرقة أو بالإصبع لكن العود أفضل، والسواك ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فيه فائدتين عظيمتين كما في حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: السواك مطهرة للفم مرضاة للرب مطهرة للفم يعني: يطهر الفم من الأوساخ والأنتان وغير ذلك مما يضر وقوله للفم يشمل كل الفم الأسنان واللثة واللسان كما في حديث أبي موسى أنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وطرف السواك على لسانه.

الفائدة الثانية: مرضاة للرب، أي أنه من أسباب رضا الله عن العبد أن يتسوك.

ص: 226

وللسواك مواضع يتأكد فيها وإلا فهو مسنون كل وقت لكن يتأكد في مواضع معينة منها إذا قام من النوم فإنه يسن له أن يستاك لحديث حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك يعني يتسوك وكذلك يؤيده حديث عائشة أنهم كانوا يعدون له سواكه ووضوءه فإذا قام تسوك وتوضأ وصلى ما شاء الله ويسن عند القيام من النوم بالليل أو بالنهار لأن الفم يتغير فيسن أن يتسوك كذلك يسن إذا دخل الإنسان بيته أول ما يدخل يتسوك لأن عائشة سئلت أي شيء يبدأ به الرسول صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته قالت السواك.

ثالثا: يتسوك عند الصلاة ذهب ليصلي فريضة أو نافلة صلاة ذات ركوع أو سجود أو صلاة جنازة فإنه يسن أن يتسوك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة يسن السواك أيضا بتأكد عند الوضوء ومحله عند المضمضة أو قبل أو بعد لكنه عند الوضوء كما جاء ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وألحق العلماء رحمهم الله ما إذا تغير فمه بأكل أو شرب لبن أو نحوه مما له دسم، فإنه يسن أن يتسوك لأنه يطهر الفم، وعلى كل حال فالسواك سنة ويتأكد في مواضع ولكنه من حيث السنية مشروع كل وقت حتى للصائم بعد الزوال فإنه كغيره يسن له أن يتسوك وأما من كره ذلك من أهل العلم فقوله لا دليل عليه والصحيح أن الصائم يتسوك أول النهار والله الموفق

ص: 227

1203 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الفطرة خمس، أو خمس من الفطرة: الختان، والاستحداد، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وقص الشارب متفق عليه الاستحداد: حلق العانة، وهو حلق الشعر الذي حول الفرج.

1204 -

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء قال الراوي: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة قال وكيع وهو أحد رواته انتقاص الماء يعني: الاستنجاء رواه مسلم.

البراجم بالباء الموحدة والجيم، وهي: عقد الأصابع وإعفاء اللحية معناه: لا يقص منها شيئا.

1205 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى متفق عليه.

[الشَّرْحُ]

ساق المؤلف رحمه الله أحاديث خصال الفطرة في باب فضل السواك وخصال الفطرة.

والفطرة يعني التي فطر الخلق على استحسانها وأنها من الخير والمراد بذلك الفطر السليمة لأن الفطر المنحرفة لا عبرة بها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه.

وذكر منها حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الفطرة خمس وفي لفظ خمس من الفطر فعلى اللفظ الأول يكون المعنى أن الفطرة هي هذه الخمس، وعلى الثاني يكون المعنى أن هذه الخمس من الفطرة وهناك أشياء أخرى غيرها من الفطرة، وهذا اللفظ أقرب إلى الواقع لأن الخمس التي ذكرت في حديث أبي هريرة يوجد شيء من الفطرة غيرها

ص: 228

فيكون الأقرب أن لفظ الحديث خمس من الفطرة.

أما على اللفظ الأول على الحصر فقد يراد بذلك الفطرة تامة وأما الأخرى فتكون من الفطرة التي هي من مكملات الفطرة.

أولا: الختان: الذي يسمى عند الناس الطهارة وهو للرجال والنساء، أما الرجال فختانهم واجب، وأما النساء فختانهن سنة وليس بواجب وذلك أن الرجل إذا لم يختن وبقيت الجلدة التي فوق الحشفة فإنه يحتقن بها البول وتكون سببا في النجاسة لأنه إذا احتقن بها البول ثم حصل ضغط عليها خرج البول الذي صار بينها وبين الحشفة فتلوثت الثياب وتنجست ثم هي أيضا عند الكبر وعندما يصل الإنسان إلى حد الزواج يكون هناك مشقة شديدة عند الجماع فلذلك كان من الفطرة أن تقص هذه الجلدة ولهذا كان كثير من الكفار الآن يختتنون لا لأجل الطهارة والنظافة لأنهم نجس لكنهم يختتنون من أجل التلذذ عند الجماع وعدم المشقة هذه واحدة.

ومتى يكون الختان يكون الختان من اليوم السابع فما بعده، وكلما كان في الصغر فهو أفضل لأن ختان الصغير لا يكون فيه إلا الألم الجسمي دون الألم القلبي أما الكبير لو ختنا من له عشر سنوات مثلا فإنه يكون فيه ألم قلبي وجسمي ثم إن نمو اللحم ونبات اللحم وسرعة البرء في الصغار أكثر لهذا قال العلماء إن الختان في زمن الصغر أفضل وهو كذلك.

الثاني الاستحداد: يعني حلق العانة والعانة هي الشعر

ص: 229

الخشن الذي ينبت حول القبل وهو من علامات البلوغ فمن الفطرة أن يحلق الإنسان هذا الشعر لأنه إذا طال فربما يتلوث بالنجاسة من أسفل أو من القبل ويحصل في ذلك وسخ وقذر ولأنه مضر وإن كان بعض الناس مثل البهائم يبقي العانة ويجعلها تزداد وتطول نسأل الله السلامة.

الثالث: قص الشارب: وهو الشعر النابت فوق الشفة العليا وحده: الشفة كل ما طال على الشفة العليا فهو شارب فهذا يحف لأن بقاءه & يكون فيه تلويث بما يخرج من الأنف من الأذى ثم عند الشرب أيضا يباشر الشعر المتلوث الماء فيقذره وربما يحمل ميكروبات مضرة وعلى كل حال فهو من السنة أهم شيء أنه من السنة والتقرب إلى الله عز وجل إذا حففته.

الرابع: قص الأظفار يعني تقليمها والمراد بذلك أظفار اليدين والرجلين ولا ينبغي أن نقص حتى يصل إلى اللحم لأن هذا يضر الإنسان وربما يحصل فيه خراج أو ما أشبه ذلك لكن نقصهما قصا معتدلا.

الخامس: نتف الإبط إذا كان فيه شعر فإنها تنتف ولا تقص ولا تحلق بل نتفها أولى لأن النتف يزيلها بالكلية ويضعف أصولها حتى لا تنبت فيما بعد وهذا أمر مطلوب شرعا.

هذه خمسة أشياء: الختان، الاستحداد، قص الشارب، تقليم الأظفار، نتف الإبط.

أما الختان فيفعل مرة واحدة وينتهي أمره، وهنا أنبه على مسألة وهي أن بعض الناس قد يولد مختونا، ليس له قلفة تجد

ص: 230

الحشفة بارزة ظاهرة من حين أن يولد وشهدنا ذلك بأعيننا فهذا لا يختن ما بقى شيء يختن من أجله أما الأربع الباقية الاستحداد، قص الشارب تقليم الأظفار، نتف الإبط، فإنها لا تترك فوق أربعين يوما لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأمته بأن لا تترك هذه الأشياء فوق أربعين يوما فلها مدة محددة لا تتجاوزها، وأحسن ما يكون في ضبط الأربعين أن تجعل وقتا معينا، مثلا تقول أول جمعة من كل شهر أقوم بعملي هذا حتى لا تنسى لأنه أحيانا ينسى الإنسان وربما يمضي أربعون يوما، وخمسون يوما وما يذكر فإذا جعلت شيئا معينا بأن تقول مثلا أول جمعة من كل شهر أزيل هذه الأشياء الأربعة علمت الوقت ولكن هذا ليس بسنة إنما هو من أجل ضبط الوقت لفعل السنة وهو أن لا تتركها فوق الأربعين يوما.

ولا يحلق الشارب بالموسى حتى إن الإمام مالك رحمه الله قال: أرى أن يؤدب من حلق شاربه لأنه يشوه الخلقة ولأنه خلاف السنة السنة حفه أو تقصيره.

وفي الإبط الأصل النتف إلا أن بعض الناس يشق عليه النتف جدا فلا بأس من استخدام الأدهان وشبيهها.

1204 -

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عشر من الفطرة قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك واستنشاق الماء وقص

ص: 231

الأظفار وغسل البراجم ونتف الإبط وحلق الحانة وانتقاص الماء قال الراوي: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة قال وكيع وهو أحد رواته انتقاص الماء يعني الاستنجاء رواه مسلم.

البراجم بالباء الموحدة والجيم وهي عقد الأصابع وإعفاء اللحية معناه لا يقص منها شيئا..

1205 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى متفق عليه.

[الشَّرْحُ]

هذه بقية خصال الفطرة، وقد سبق حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الفطرة خمس: الختان والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وذكرنا أن الأربعة التي سوى الختان لا تترك فوق أربعين يوما لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقت ذلك.

أما حديث عائشة ففيه أن الفطرة عشر خصال منها ما سبق في حديث أبي هريرة ومنها ما ذكر في حديث عائشة دون حديث أبي هريرة فمن ذلك إعفاء اللحية فإنه من الفطرة وفي حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإعفاء اللحى.

واللحية قال أهل اللغة إنها شعر الوجه واللحيين يعني: العوارض

ص: 232

وشعر الخدين فهذه كلها من اللحية وأما الشارب فقد سبق الكلام عليه وإعفاء اللحية يعني إرخاءها وإطلاقها وتركها على ما هي عليه هذا من الفطرة التي فطر الله الناس عليها وعلى استحسانها وعلى أنها من علامة الرجولة بل ومن جمال الرجولة، وعلى هذا فلا يجوز للإنسان أن يحلق لحيته فإن فعل فقد خالف طريق النبي صلى الله عليه وسلم وعصى أمره ووقع في مشابهة المشركين والمجوس لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خالفوا المجوس أو المشركين وفروا اللحى وحفوا الشوارب ولم يكن الناس يعرفون هذا يعني لم يكن المسلمون يعرفون حلق اللحية بل كان بعض الغلاة الظلمة إذا أرادوا أن يعزروا شخصا حلقوا لحيته وهذا حرام عليهم لأنه لا يجوز التعزير بمحرم لكن يقاس به أنهم كانوا يعدون حلق اللحية مثلة وتعزيرا وعذابا أما بعد أن استعمر الكفار ديار المسلمين في مصر والشام والعراق وغيرها وأدخلوا على المسلمين هذه العادة السيئة وهي حلق اللحية صار الناس لا يبالون بحلقها بل كان الذي يعفي لحيته مستنكرا من بعض البلاد الإسلامية وهذه لا شك أنها معصية للرسول صلى الله عليه وسلم ومن يعص الرسول صلى الله عليه وسلم فقد عصى الله ومن يطع الرسول صلى الله عليه وسلم فقد أطاع الله وإذا ابتلى الإنسان بأحد من أقاربه يحلق لحيته فالواجب عليه أن ينصحه ويبين له الحق أما هجره فهذا حسب المصلحة إذا كان هجره يفيد في ترك المعصية فليهجره وإن

ص: 233

كان لا يفيد أو لا يزيد الأمر إلا شدة فلا يهجره لأن الهجر دواء يستعمل حيث ينفع وإذا لم ينفع فإن الأصل تحريم هجر المؤمن لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل للمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام.

ومما زيد في هذا الحديث الاستنشاق، الاستنشاق من الفطرة لأنه تنظيف وإزالة لما في الأنف فهو طهارة والاستنشاق يكون في الوضوء ويكون في غير الوضوء كلما احتجت إلى تنظيف الأنف فاستنشق الماء ونظف أنفك وهذا يختلف باختلاف الناس من الناس من لا يحتاج إلى هذا إلا في الوضوء ومن الناس من يحتاج إليه كثيرا ومن ذلك أيضا أي من سنن الفطرة المضمضة فإنها من الفطرة لأن فيها تنظيف الفم والفم يحتاج إلى تنظيف لأنه يمر به الأكل والدهن وما أشبه ذلك فيحتاج إلى تنظيف فكانت المضمضة من خصال الفطرة.

ومن ذلك أيضا الاستنجاء وقد فسر وكيع انتقاص الماء بأنه الاستنجاء لأن الاستنجاء تنظيف وتطهير وإزالة أذى.

ومن ذلك أيضا غسل البراجم، والبراجم قال العلماء إنها مسقط الأصابع فإن مسقط الأصابع من الباطن يحتاج إلى تنظيف أكثر من

ص: 234

ظاهرها لأن ظاهرها ممسوح ما فيه شيء يحتاج إلى تنظيف أكثر.

وفي هذا الحديث دليل على أن إعفاء اللحية مع كونه مخالفة للمشركين من خصال الفطرة فيندفع بذلك شبهة من شبه وقال: إن من الكفار اليوم من يعفي لحيته أفلا يليق بنا أن نخالفهم ونحلق اللحى؟ انظر والعياذ بالله من الشيطان.

فنقول: إن إعفاءهم اللحى تبع للفطرة ونحن مأمورون بالفطرة وإذا شابهونا هم بالفطرة فإنا لا نمنعهم ولا ينفع أن نعدل عن الفطرة من أجل أنهم وافقونا فيها كما أنهم إذا وافقونا في تقليم الأظفار فإننا لا نقول نترك تقليم الأظفار بل نقلمها وهكذا بقية الفطرة إذا وافقنا فيها الكفار فإننا لا نعدل عنها والله الموفق.

ولنعلم أن الإكثار من استخدام الماء في الوضوء أو الغسل داخل في قول الله تعالى: ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ولهذا قال الفقهاء رحمهم الله يكره الإسراف ولو كان على نهر جار فكيف إذا كان على مكائن تستخرج الماء فالحاصل أن الإسراف في الوضوء وغير الوضوء من الأمور المذمومة.

ص: 235