الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا «1» فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ بِيَاءِ الْغَيْبَةِ، وَجَعَلَ الْفَاعِلَ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ وَمُلَخَّصُهُ أَنَّهُ لَيْسَ هَذَا مِنَ الضَّمَائِرِ الَّتِي يُفَسِّرُهَا مَا بَعْدَهَا فَلَا يَتَقَدَّرُ لَا يَحْسَبَنَّهُمْ إِذْ لَا يَجُوزُ ظَنَّهُ زَيْدٌ قَائِمًا عَلَى تَقْدِيرِ رَفْعِ زَيْدٍ بِظَنَّهُ.
وَمَأْواهُمُ النَّارُ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: عَطَفَ عَلَى لَا تَحْسَبَنَّ كَأَنَّهُ قِيلَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا يَفُوتُونَ اللَّهَ وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَالْمُرَادُ بِهِمُ الْمُقْسِمُونَ جَهْدَ أَيْمَانِهِمُ انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ النظام لَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَمَأْواهُمُ مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ بَلْ هُمْ مَقْهُورُونَ وَمَأْواهُمُ النَّارُ انْتَهَى. وَاسْتُبْعِدَ الْعَطْفُ مِنْ حَيْثُ إِنَّ لَا تَحْسَبَنَّ نَهْيٌ وَمَأْواهُمُ النَّارُ جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ فَلَمْ يُنَاسِبْ عِنْدَهُ أَنْ يَعْطِفَ الْجُمْلَةَ الْخَبَرِيَّةَ عَلَى جُمْلَةِ النَّهْيِ لِتَبَايُنِهِمَا وَهَذَا مَذْهَبُ قَوْمٍ. وَلَمَّا أَحَسَّ الزَّمَخْشَرِيُّ بِهَذَا قَالَ: كَأَنَّهُ قِيلَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا يَفُوتُونَ اللَّهَ فَتَأَوَّلَ جُمْلَةَ النَّهْيِ بِجُمْلَةٍ خَبَرِيَّةٍ حَتَّى تَقَعَ الْمُنَاسَبَةُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ بَلْ يَجُوزُ عَطْفُ الْجُمَلِ عَلَى اخْتِلَافِهَا بَعْضًا عَلَى بَعْضٍ وَإِنْ لَمْ تَتَّحِدْ فِي النَّوْعِيَّةِ وَهُوَ مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ.
[سورة النور (24) : الآيات 58 الى 61]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59) وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَاّتِي لَا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60) لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61)
(1) سورة آل عمران: 3/ 188.
رُوِيَ أَنْ عُمَرَ بَعَثَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غُلَامًا مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ مُدْلِجٌ، وَكَانَ نَائِمًا فَدَقَّ عَلَيْهِ الْبَابَ وَدَخَلَ، فَاسْتَيْقَظَ وَجَلَسَ فَانْكَشَفَ مِنْهُ شَيْءٌ فَقَالَ عُمَرُ: وَدِدْتُ أَنَّ اللَّهَ نَهَى أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا عَنِ الدُّخُولِ عَلَيْنَا فِي هَذِهِ السَّاعَاتِ إِلَّا بِإِذْنٍ. ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى الرَّسُولِ فَوَجَدَ هَذِهِ الْآيَةَ قَدْ نَزَلَتْ فَخَرَّ سَاجِدًا.
وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي مَرْثَدٍ قِيلَ: دَخَلَ عَلَيْهَا غُلَامٌ لَهَا كَبِيرٌ فِي وَقْتٍ كَرِهَتْ دُخُولَهُ، فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إِنَّ خَدَمَنَا وَغِلْمَانَنَا يَدْخُلُونَ عَلَيْنَا حَالًا نَكْرَهُهَا.
لِيَسْتَأْذِنْكُمُ أَمْرٌ وَالظَّاهِرُ حَمْلُهُ عَلَى الْوُجُوبِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى النَّدْبِ. وَقِيلَ: بِنَسْخِ ذَلِكَ إِذْ صَارَ لِلْبُيُوتِ أَبْوَابٌ رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الْمُسَيَّبِ وَالظَّاهِرُ عُمُومُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فِي الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَآخَرُونَ، الْعَبِيدُ دُونَ الْإِمَاءِ. وَقَالَ السُّلَمِيُّ: الْإِمَاءُ دُونَ الْعَبِيدِ. وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ عَامٌّ فِي الأطفال عبيد كَانُوا أَوْ أَحْرَارًا. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَأَبُو عُمَرَ وَفِي رِوَايَةِ وَطَلْحَةُ الْحُلُمَ بِسُكُونِ اللَّامِ وَهِيَ لُغَةٌ تَمِيمٍ. وَقِيلَ مِنْكُمْ أَيْ مِنَ الْأَحْرَارِ ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إِنَاثًا. وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ثَلَاثَ اسْتِئْذَانَاتٍ لِأَنَّكَ إِذَا ضَرَبْتَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إِلَّا ثَلَاثَ ضَرَبَاتٍ وَيُؤَيِّدُهُ
قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ»
وَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ مَعْنَى ثَلاثَ مَرَّاتٍ ثَلَاثُ أَوْقَاتٍ وَجَعَلُوا مَا بَعْدَهُ مِنْ ذِكْرِ تِلْكَ الْأَوْقَاتِ تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ وَلَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ بَلْ تَبْقَى ثَلاثَ مَرَّاتٍ عَلَى مَدْلُولِهَا.
مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْقِيَامِ مِنَ الْمَضَاجِعِ وَطَرْحِ مَا يَنَامُ فِيهِ مِنَ الثِّيَابِ وَلُبْسِ ثِيَابِ الْيَقَظَةِ وَقَدْ يَنْكَشِفُ النَّائِمُ. وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ لِأَنَّهُ وَقْتُ وَضْعِ الثِّيَابِ لِلْقَائِلَةِ لِأَنَّ النَّهَارَ إِذْ ذَاكَ يَشْتَدُّ حَرُّهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. ومِنْ فِي مِنَ الظَّهِيرَةِ قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: لِبَيَانِ الْجِنْسِ أَيْ حِينَ ذَلِكَ هُوَ الظَّهِيرَةُ، قَالَ: أَوْ بِمَعْنَى مِنْ أَجْلِ
حر الظهيرة وحِينَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَوْضِعِ مِنْ قَبْلِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ لِأَنَّهُ وَقْتُ التَّجَرُّدِ مِنْ ثِيَابِ الْيَقَظَةِ وَالِالْتِحَافِ بِثِيَابِ النَّوْمِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ سَمَّى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَوْرَةً لِأَنَّ النَّاسَ يَخْتَلُّ تَسَتُّرُهُمْ وَتَحَفُّظُهُمْ فِيهَا، وَالْعَوْرَةُ الْخَلَلُ وَمِنْهُ أَعْوَرَ الْفَارِسُ وَأَعْوَرَ الْمَكَانُ، وَالْأَعْوَرُ الْمُخْتَلُّ الْعَيْنِ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ ثَلاثَ بِالنَّصْبِ قَالُوا: بَدَلٌ مِنْ ثَلاثُ عَوْراتٍ وَقَدَّرَهُ الْحَوْفِيُّ وَالزَّمَخْشَرِيُّ وَأَبُو الْبَقَاءِ أَوْقَاتَ ثَلاثُ عَوْراتٍ وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: إِنَّمَا يَصِحُّ يَعْنِي الْبَدَلَ بِتَقْدِيرِ أَوْقَاتِ عَوْراتٍ فَحُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ مقامه. وَقَرَأَ بَاقِي السَّبْعَةِ بِالرَّفْعِ أَيْ هُنَّ ثَلاثُ عَوْراتٍ وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ عَوْراتٍ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا لُغَةُ هُذَيْلِ بْنِ مُدْرِكَةَ وَبَنِي تَمِيمٍ وَعَلَى رَفْعِ ثَلاثَ.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يَكُونُ لَيْسَ عَلَيْكُمْ الْجُمْلَةَ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ عَلَى الْوَصْفِ وَالْمَعْنَى هُنَّ ثَلاثُ عَوْراتٍ مَخْصُوصَةٌ بِالِاسْتِئْذَانِ، وَإِذَا نَصَبْتَ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَحَلٌّ وَكَانَ كَلَامًا مُقَرِّرًا لِلْأَمْرِ بِالِاسْتِئْذَانِ فِي تِلْكَ الْأَحْوَالِ خَاصَّةً.
بَعْدَهُنَّ أَيْ بَعْدَ اسْتِئْذَانِهِمْ فِيهِنَّ حُذِفَ الْفَاعِلُ وَحَرْفُ الْجَرِّ بِفِي بَعْدَ اسْتِئْذَانِهِنَّ ثُمَّ حُذِفَ الْمَصْدَرُ وَقِيلَ لَيْسَ عَلَى الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ وَمَنْ لَمْ يَبْلُغِ الْحُلُمَ فِي الدُّخُولِ عَلَيْكُمْ بِغَيْرِ اسْتِئْذَانٍ جُناحٌ بَعْدَ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثِ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ يمضون ويجيؤون وَهُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ هُمْ طَوَّافُونَ أَيِ الْمَمَالِيكُ وَالصِّغَارُ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ أَيْ يَدْخُلُونَ عَلَيْكُمْ فِي الْمَنَازِلِ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً بِغَيْرِ إِذْنٍ إِلَّا فِي تِلْكَ الْأَوْقَاتِ.
وَجَوَّزُوا فِي بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً وَخَبَرًا لَكِنَّ الْجَرَّ قَدَّرُوهُ طَائِفٌ عَلَى بَعْضٍ وَهُوَ كَوْنٌ مَخْصُوصٌ فَلَا يَجُوزُ حَذْفُهُ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَحُذِفَ لِأَنَّ طَوَّافُونَ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَأَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ يَطُوفُ بَعْضُكُمْ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ بَعْضُكُمْ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ طَوَّافُونَ ولا يَصِحُّ لِأَنَّهُ إِنْ أَرَادَ بَدَلًا مِنْ طَوَّافُونَ نَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ التَّقْدِيرُ هُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ وَهَذَا مَعْنًى لَا يَصِحُّ. وَإِنْ جَعَلْتَهُ بَدَلًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي طَوَّافُونَ فَلَا يَصِحُّ أَيْضًا إِنْ قُدِّرَ الضَّمِيرُ ضَمِيرَ غَيْبَةٍ لِتَقْدِيرِ الْمُبْتَدَأِ هُمْ لِأَنَّهُ يَصِيرُ التَّقْدِيرُ هُمْ يَطُوفُ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ وَهُوَ لَا يَصِحُّ. فَإِنْ جَعَلْتَ التَّقْدِيرَ أَنْتُمْ يَطُوفُ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ فَيَدْفَعُهُ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْكُمْ بَدَلٌ عَلَى أَنَّهُمْ هُمُ الْمَطُوفُ عَلَيْهِمْ، وَأَنْتُمْ طَوَّافُونَ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ طَائِفُونَ فَتَعَارَضَا. وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ طَوَّافِينَ بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ الْحَسَنُ: إِذَا بَاتَ الرَّجُلُ خَادِمُهُ مَعَهُ فَلَا اسْتِئْذَانَ عَلَيْهِ وَلَا فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ.
وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ أَيْ مِنْ أَوْلَادِكُمْ وَأَقْرِبَائِكُمْ فَلْيَسْتَأْذِنُوا أَيْ فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ فَإِنَّهُمْ قَبْلَ الْبُلُوغِ كَانُوا يَسْتَأْذِنُونَ فِي ثَلَاثِ الْأَوْقَاتِ. كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يَعْنِي الْبَالِغِينَ. وَقِيلَ: الْكِبَارُ مِنْ أَوْلَادِ الرَّجُلِ وَأَقْرِبَائِهِ. وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الِابْنَ وَالْأَخَ الْبَالِغَيْنِ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي ذَلِكَ وَتَكَلَّمُوا هُنَا فِيمَا بِهِ الْبُلُوغُ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ تُذْكَرُ فِي الْفِقْهِ. كَذَلِكَ الْإِشَارَةُ إِلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنَ اسْتِئْذَانِ الْمَمَالِيكِ وَغَيْرِ الْبُلَّغِ.
وَلَمَّا أَمَرَ تَعَالَى النِّسَاءَ بِالتَّحَفُّظِ مِنَ الرِّجَالِ وَمِنَ الْأَطْفَالِ غَيْرِ الْبُلَّغِ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي هِيَ مَظِنَّةُ كَشْفِ عَوْرَتِهِنَّ اسْتُثْنِيَ الْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي كَبُرْنَ وَقَعَدْنَ عَنِ الْمَيْلِ إِلَيْهِنَّ وَالِافْتِتَانِ بِهِنَّ فَقَالَ وَالْقَواعِدُ وَهُوَ جَمْعُ قَاعِدٍ مِنْ صِفَاتِ الْإِنَاثِ. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ:
امْرَأَةٌ قَاعِدٌ قَعَدَتْ عَنِ الْحَيْضِ. وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: سُمِّينَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُنَّ بَعْدَ الْكِبَرِ يُكْثِرْنَ الْقُعُودَ. وَقَالَ رَبِيعَةُ لِقُعُودِهِنَّ عَنِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهِنَّ فَأَيِسْنَ وَلَمْ يَبْقَ لَهُنَّ طَمَعٌ فِي الْأَزْوَاجِ.
وَقِيلَ قَعَدْنَ عَنِ الحيض والحبل. وثِيابَهُنَّ الْجِلْبَابُ وَالرِّدَاءُ وَالْقِنَاعُ الَّذِي فَوْقَ الْخِمَارِ وَالْمُلَاءُ الَّذِي فَوْقَ الثِّيَابِ أَوِ الْخُمُرُ أَوِ الرِّدَاءُ وَالْخِمَارُ أَقْوَالٌ، وَيُقَالُ لِلْمَرْأَةِ إِذَا كَبُرَتْ امْرَأَةٌ وَاضِعٌ أَيْ وَضَعَتْ خِمَارَهَا. غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ أَيْ غَيْرَ مُتَظَاهِرَاتٍ بِالزِّينَةِ لِيُنْظَرَ إِلَيْهِنَّ، وَحَقِيقَةُ التَّبَرُّجِ إِظْهَارُ مَا يَجِبُ إِخْفَاؤُهُ أَوْ غَيْرُ قَاصِدَاتِ التَّبَرُّجِ بِالْوَضْعِ، وَرُبَّ عَجُوزٍ يَبْدُو مِنْهَا الْحِرْصُ عَلَى أَنْ يَظْهَرَ بِهَا جَمَالٌ.
وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ عَنْ وَضْعِ الثِّيَابِ وَيَتَسَتَّرْنَ كَالشَّبَابِ أَفْضَلُ لَهُنَّ. وَاللَّهُ سَمِيعٌ لِمَا يَقُولُ كُلُّ قَائِلٍ عَلِيمٌ بِالْمَقَاصِدِ. وَفِي ذِكْرِ هَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ تَوَعُّدٌ وَتَحْذِيرٌ.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمَّا نَزَلَ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ «1» تَحَرَّجَ الْمُسْلِمُونَ عَنْ مُوَاكَلَةِ الْأَعْمَى لِأَنَّهُ لَا يُبْصِرُ مَوْضِعَ الطَّعَامِ الطَّيِّبِ، وَالْأَعْرَجِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ الْمُزَاحَمَةَ عَلَى الطَّعَامِ، وَالْمَرِيضِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ اسْتِيفَاءَ الطَّعَامِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ قِيلَ: وَتَحَرَّجُوا عَنْ أَكْلِ طَعَامِ الْقَرَابَاتِ فَنَزَلَتْ مُبِيحَةً جَمِيعَ هَذِهِ الْمَطَاعِمِ وَمُبَيِّنَةً أَنَّ تِلْكَ إِنَّمَا هِيَ فِي التَّعَدِّي وَالْقِمَارِ وَمَا يَأْكُلُهُ الْمُؤْمِنُ مِنْ مَالِ مَنْ يَكْرَهُ أَهْلَهُ أَوْ بِصَفْقَةٍ فَاسِدَةٍ وَنَحْوِهِ. وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ وَابْنُ الْمُسَيَّبِ كَانُوا إِذَا نَهَضُوا إِلَى الْغَزْوِ وَخَلَّفُوا أَهْلَ الْعُذْرِ فِي مَنَازِلِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ تَحَرَّجُوا مِنْ أَكْلِ مَالِ الْغَائِبِ فَنَزَلَتْ مُبِيحَةً لَهُمْ مَا تَمَسُّ إِلَيْهِ حَاجَتُهُمْ مِنْ مَالِ الْغَائِبِ إِذَا كَانَ الْغَائِبُ قَدْ بَنَى عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا ذَهَبَ بِأَهْلِ الْعُذْرِ
(1) سورة البقرة: 2/ 188.
إِلَى بَيْتِهِ فَلَمْ يَجِدْ فِيهِ شَيْئًا ذَهَبَ بِهِمْ إِلَى بُيُوتِ قَرَابَاتِهِ فَتَحَرَّجَ أَهْلُ الْأَعْذَارِ مِنْ ذَلِكَ فَنَزَلَتْ.
وَقِيلَ: كَانَتِ الْعَرَبُ وَمَنْ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ الْبَعْثِ تَجْتَنِبُ الْأَكْلَ مَعَ أَهْلِ هَذِهِ الْأَعْذَارِ فَبَعْضُهُمْ تَقَذُّرًا لِمَكَانِ جَوَلَانِ يَدِ الْأَعْمَى، وَلِانْبِسَاطِ الْجِلْسَةِ مَعَ الْأَعْرَجِ، وَلِرَائِحَةِ الْمَرِيضِ وَهِيَ أَخْلَاقٌ جَاهِلِيَّةٌ وَكِبْرٌ. فَنَزَلَتْ وَاسْتُبْعِدَ هَذَا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ هَذَا السَّبَبَ لَكَانَ التَّرْكِيبُ لَيْسَ عَلَيْكُمْ حَرَجٌ أَنْ تَأْكُلُوا مَعَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ: بِأَنَّ عَلَى في معنى أَيْ فِي مُوَاكَلَةِ الْأَعْمَى وَهَذَا بِعِيدٌ جِدًّا. وَفِي كِتَابِ الزَّهْرَاوِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَهْلَ هَذِهِ الْأَعْذَارِ تَحَرَّجُوا فِي الْأَكْلِ مَعَ النَّاسِ مِنْ أَجْلِ عُذْرِهِمْ فَنَزَلَتْ. وَعَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ كُلِّهَا يَكُونُ نَفْيُ الْحَرَجِ عَنْ أَهْلِ الْعُذْرِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي الْمَطَاعِمِ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ الْحَرَجُ الْمَنْفِيُّ عَنْ أَهْلِ الْعُذْرِ هُوَ فِي الْقُعُودِ عَنِ الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ مِمَّا رُخِّصَ لَهُمْ فِيهِ، وَالْحَرَجُ الْمَنْفِيُّ عَمَّنْ بَعْدَهُمْ فِي الْأَكْلِ مِمَّا ذُكِرَ وَهُوَ مَقْطُوعٌ مِمَّا قَبْلَهُ إِذْ مُتَعَلِّقُ الْحَرَجَيْنِ مختلف. وإن كان قَدِ اجْتَمَعَا فِي انْتِفَاءِ الْحَرَجِ. وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الظَّاهِرُ.
وَلَمْ يَذْكُرْ بُيُوتَ الْأَوْلَادِ اكْتِفَاءً بِذِكْرِ بُيُوتِكُمْ لِأَنَّ وَلَدَ الرَّجُلِ بَعْضُهُ وَحُكْمُهُ حُكْمُ نَفْسِهِ، وَبَيْتُهُ بَيْتُهُ. وَفِي الْحَدِيثِ «إِنَّ أَطْيَبَ مَا يَأْكُلُ الْمَرْءُ مِنْ كَسْبِهِ وَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ» .
وَمَعْنَى مِنْ بُيُوتِكُمْ. مِنَ الْبُيُوتِ الَّتِي فِيهَا أَزْوَاجُكُمْ وَعِيَالُكُمْ، وَالْوَلَدُ أَقْرَبُ مِنْ عَدَدٍ مِنَ الْقَرَابَاتِ فَإِذَا كَانَ سَبَبُ الرُّخْصَةِ هُوَ الْقُرَابَةَ كَانَ الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُمْ أَوْلَى. وَقَرَأَ طَلْحَةُ إِمَّهَاتِكُمْ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ. أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ وَكِيلُ الرَّجُلِ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنَ التَّمْرِ وَيَشْرَبَ مِنَ اللَّبَنِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: الْعَبْدُ لِأَنَّ مَالَهُ لَكَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ: خَزَائِنُ بُيُوتِكُمْ إِذَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِيحَهَا. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: الزَّمْنَى مَلَكُوا التَّصَرُّفَ فِي الْبُيُوتِ الَّتِي سُلِّمَتْ إِلَيْهِمْ مَفَاتِيحُهَا. وَقِيلَ: وَلِيُّ الْيَتِيمِ يَتَنَاوَلُ مِنْ مَالِهِ بِقَدْرِ مَا قَالَ تَعَالَى وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ «1» وَمَفَاتِحُهُ بِيَدِهِ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ مَلَكْتُمْ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَاللَّامِ خَفِيفَةً. وَقَرَأَ ابْنُ جُبَيْرٍ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ اللَّامِ مُشَدَّدَةً، وَالْجُمْهُورُ مَفاتِحَهُ جَمْعَ مِفْتَحٍ وَابْنُ جُبَيْرٍ مَفَاتِيحَهُ جَمْعَ مِفْتَاحٍ، وَقَتَادَةُ وَهَارُونَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو مِفْتَاحَهُ مُفْرَدًا. أَوْ صَدِيقِكُمْ قُرِئَ بِكَسْرِ الصَّادِ إِتْبَاعًا لِحَرَكَةِ الدَّالِ حَكَاهُ حُمَيْدٌ الْخَزَّازُ، قَرَنَ اللَّهُ الصَّدِيقَ بِالْقَرَابَةِ الْمَحْضَةِ. قِيلَ لِبَعْضِهِمْ: مَنْ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَخُوكَ أَمْ صَدِيقُكَ؟ فَقَالَ: لَا أُحِبُّ أَخِي إِلَّا إِذَا كَانَ صَدِيقِي. وَقَالَ مَعْمَرٌ: قُلْتُ لِقَتَادَةَ أَلَا أَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْحَبِّ؟ قَالَ: أَنْتَ لِي صَدِيقٌ فَمَا هَذَا الِاسْتِئْذَانُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
(1) سورة النساء: 4/ 6.
الصَّدِيقُ أَوْكَدُ مِنَ الْقَرَابَةِ أَلَا تَرَى اسْتِغَاثَةَ الْجَهَنَّمِيِّينَ فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ «1» وَلَمْ يَسْتَغِيثُوا بِالْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَمَعْنَى أَوْ صَدِيقِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَصْدِقَائِكُمْ، وَالصَّدِيقُ يَكُونُ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ كَالْخَلِيطِ وَالْقَطِينِ، وَقَدْ أَكَلَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَسَنِ مِنْ بَيْتِهِ وَهُوَ غَائِبٌ فَجَاءَ فَسُرَّ بِذَلِكَ وَقَالَ: هَكَذَا وَجَدْنَاهُمْ يَعْنِي كُبَرَاءَ الصَّحَابَةِ، وَكَانَ الرَّجُلُ يَدْخُلُ بَيْتَ صَدِيقِهِ فَيَأْخُذُ مِنْ كِيسِهِ فَيُعْتِقُ جَارِيَتَهُ الَّتِي مَكَّنَتْهُ مِنْ ذَلِكَ.
وَعَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ: مِنْ عِظَمِ حُرْمَةِ الصَّدِيقِ أَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ مِنَ الْأُنْسِ وَالثِّقَةِ وَالِانْبِسَاطِ وَتَرْكِ الْحِشْمَةِ بِمَنْزِلَةِ النَّفْسِ وَالْأَبِ وَالِابْنِ وَالْأَخِ.
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ: نِلْتُ مَا نِلْتُ حَتَّى الْخِلَافَةَ وَأَعْوَزَنِي صَدِيقٌ لَا أَحْتَشِمُ مِنْهُ. وَقَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ: إِذَا دَلَّ ظَاهِرُ الْحَالِ عَلَى رِضَا الْمَالِكِ قَامَ ذَلِكَ مَقَامَ الْإِذْنِ الصَّرِيحِ.
وَانْتَصَبَ جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً عَلَى الْحَالِ أَيْ مُجْتَمِعِينَ أَوْ مُتَفَرِّقِينَ. قَالَ الضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ: نَزَلَتْ فِي حَيٍّ مِنْ كِنَانَةَ تَحَرَّجُوا أَنْ يَأْكُلَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ فَرُبَّمَا قَعَدُوا لِطَعَامٍ بَيْنَ يَدَيْهِ لَا يَجِدُ مَنْ يُؤَاكِلُهُ حَتَّى يُمْسِيَ فَيُضْطَرُّ إِلَى الْأَكْلِ وَحْدَهُ. وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:
إِذَا مَا صَنَعْتِ الزَّادَ فَالْتَمِسِي لَهُ
…
أَكِيلًا فَإِنِّي لَسْتُ آكِلَهُ وَحْدِي
وَقَالَ عِكْرِمَةُ فِي قَوْمٍ مِنَ الْأَنْصَارِ: إِذَا نَزَلَ بِهِمْ ضَيْفٌ لَا يَأْكُلُونَ إِلَّا مَعَهُ. وَقِيلَ فِي قَوْمٍ:
تَحَرَّجُوا أَنْ يَأْكُلُوا جَمِيعًا مَخَافَةَ أَنْ يَزِيدَ أَحَدُهُمْ على الآخرة فِي الْأَكْلِ. وَقِيلَ أَوْ صَدِيقِكُمْ هُوَ إِذَا دَعَاكَ إِلَى وَلِيمَةٍ فَحَسْبُ.
وَقِيلَ: هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ عليه السلام «أَلَا إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ»
وَبِقَوْلِهِ عليه السلام مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «لَا يَحْلِبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ»
وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا «2» الْآيَةَ.
فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالنَّخَعِيُّ: الْمَسَاجِدُ فَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَحَدٌ قَالَ السَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ. وَقِيلَ: يَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ، ثُمَّ يَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ. وَقَالَ جَابِرٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ: الْبُيُوتُ الْمَسْكُونَةُ وَقَالُوا يَدْخُلُ فِيهَا غَيْرُ الْمَسْكُونَةِ، فَيَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: بُيُوتًا خَالِيَةً. وَقَالَ السُّدِّيُّ عَلى أَنْفُسِكُمْ عَلَى أَهْلِ دِينِكُمْ. وَقَالَ قَتَادَةُ: عَلَى أَهَالِيكُمْ فِي بُيُوتِ أَنْفُسِكُمْ. وَقِيلَ: بُيُوتُ الْكُفَّارِ
(1) سورة الشعراء: 26/ 100.
(2)
سورة النور: 24/ 27.