الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْإِعْلَامِ بِحَالِهِنَّ. وَقَالَ مَكِّيٌّ: لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ آيَةٌ أَكْثَرُ ضَمَائِرَ مِنْ هَذِهِ، جَمَعَتْ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ ضَمِيرًا لِلْمُؤْمِنَاتِ مِنْ مَخْفُوضٍ وَمَرْفُوعٍ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ إِظْهَارِ صَوْتِ الْحُلِيِّ بَعْدَ مَا نَهَى عَنْ إِظْهَارِ الْحُلِيِّ عُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ إِظْهَارِ مَوَاقِعِ الْحُلِيِّ أَبْلَغُ.
وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَمَّا سَبَقَتْ أَوَامِرُ مِنْهُ تَعَالَى وَمَنَاهٍ، وَكَانَ الْإِنْسَانُ لَا يَكَادُ يَقْدِرُ عَلَى مُرَاعَاتِهَا دَائِمًا وَإِنْ ضَبَطَ نَفْسَهُ وَاجْتَهَدَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْصِيرٍ أَمَرَ بِالتَّوْبَةِ وَبِتَرَجِّي الْفَلَّاحِ إِذَا تَابُوا. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ تُوبُوا مِمَّا كُنْتُمْ تَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَعَلَّكُمْ تَسْعَدُونَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَقَرَأَ ابن عامر أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ ويا أَيُّهُ السَّاحِرُ يَا أَيُّهُ الثَّقَلَانِ بِضَمِّ الْهَاءِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهَا كَانَتْ مَفْتُوحَةً لِوُقُوعِهَا قَبْلَ الْأَلِفِ، فَلَمَّا سَقَطَتِ الْأَلِفُ بِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ اتَّبَعَتْ حَرَكَتُهَا حَرَكَةَ مَا قَبْلَهَا وضمها الَّتِي لِلتَّنْبِيهِ بَعْدَ أَيٍّ لُغَةٌ لِبَنِي مَالِكٍ رَهْطِ شقيق ابن سَلَمَةَ، وَوَقَفَ بَعْضُهُمْ بِسُكُونِ الْهَاءِ لِأَنَّهَا كُتِبَتْ فِي الْمُصْحَفِ بِلَا أَلِفٍ بَعْدَهَا ووقف بعضهم بالألف.
[سورة النور (24) : الآيات 32 الى 34]
وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (32) وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (34)
لَمَّا تَقَدَّمَتْ أَوَامِرُ وَنَوَاهٍ فِي غَضِّ الْبَصَرِ وَحِفْظِ الْفَرْجِ وَإِخْفَاءِ الزِّينَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَكَانَ الْمُوجِبُ لِلطُّمُوحِ مِنَ الرِّجَالِ إِلَى النِّسَاءِ وَمِنَ النِّسَاءِ إِلَى الرِّجَالِ هُوَ عَدَمَ التَّزَوُّجِ غَالِبًا لِأَنَّ فِي تَكَالِيفِ النِّكَاحِ وَمَا يَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ مَا يَشْغَلُ أَمَرَ تَعَالَى بِإِنْكَاحِ الْأَيَامَى، وَهُمُ الَّذِينَ لَا أَزْوَاجَ لَهُمْ مِنَ الصِّنْفَيْنِ حَتَّى يَشْتَغِلَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَا يَلْزَمُهُ، فَلَا يَلْتَفِتُ إِلَى غَيْرِهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَمْرَ فِي قَوْلِهِ وَأَنْكِحُوا لِلْوُجُوبِ، وَبِهِ قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ، وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ
عَلَى أَنَّهُ هُنَا لِلنَّدْبِ وَلَمْ يَخْلُ عَصْرٌ مِنَ الْأَعْصَارِ مِنْ وُجُودِ الْأَيامى وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ وَلَا أَمَرَ الْأَوْلِيَاءَ بِالنِّكَاحِ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الْأَيامى وَالْيَتَامَى أَصْلُهُمَا أَيَائِمُ وَيَتَائِمُ فَقُلِبَا انْتَهَى. وَفِي التَّحْرِيرِ قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَأَيَامَى مَقْلُوبُ أَيَائِمَ، وَغَيْرُهُ مِنَ النَّحْوِيِّينَ ذَكَرَ أَنَّ أَيِّمًا وَيَتِيمًا جُمِعَا عَلَى أَيَامَى وَيَتَامَى شُذُوذًا يُحْفَظُ وَوَزْنُهُ فَعَالَى، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ سِيبَوَيْهِ. قَالَ سِيبَوَيْهِ فِي أَوَاخِرِ هَذَا بَابُ تَكْسِيرِكَ مَا كَانَ مِنَ الصِّفَاتِ. وَقَالُوا: وَجٍ وَوَجْيَا كَمَا قَالُوا: زَمِنٌ وَزَمْنَى فَأَجْرَوْهُ عَلَى الْمَعْنَى كَمَا قَالُوا: يَتِيمُ وَيَتَامَى وَأَيِّمٌ وَأَيَامَى فَأَجْرَوْهُ مَجْرَى رَجَاعَى انْتَهَى.
وَتَقَدَّمَ فِي الْمُفْرَدَاتِ الْأَيِّمُ مَنْ لَا زَوْجَ لَهُ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى. وَفِي شَرْحِ كِتَابِ سِيبَوَيْهِ لِأَبِي بَكْرٍ الْخَفَّافِ: الْأَيِّمُ الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا، وَأَصْلُهُ فِي الَّتِي كَانَتْ مُتَزَوِّجَةً فَفَقَدَتْ زَوْجَهَا بَرُزْءٍ طَرَأَ عَلَيْهَا فَهُوَ مِنَ الْبَلَايَا، ثُمَّ قِيلَ فِي الْبِكْرِ مَجَازًا لِأَنَّهَا لَا زَوْجَ لَهَا انْتَهَى.
مِنْكُمْ خِطَابٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، أَمَرَ تَعَالَى بِإِنْكَاحِ مَنْ تَأَيَّمَ مِنَ الْأَحْرَارِ وَالْحَرَائِرِ وَمَنْ فِيهِ صَلَاحٌ مِنَ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ، وَانْدَرَجَ الْمُؤَنَّثُ فِي الْمُذَكَّرِ فِي قَوْلِهِ وَالصَّالِحِينَ وَخَصَّ الصَّالِحِينَ لِيُحَصِّنَ لَهُمْ دِينَهُمْ وَيَحْفَظَ عَلَيْهِمْ صَلَاحَهُمْ، وَلِأَنَّ الصَّالِحِينَ مِنَ الْأَرِقَّاءِ هُمُ الَّذِينَ يُشْفِقُ مَوَالِيهِمْ عَلَيْهِمْ وَيُنْزِلُونَهُمْ مَنْزِلَةَ الْأَوْلَادِ فِي الْأَثَرَةِ وَالْمَوَدَّةِ، فَكَانُوا مَظِنَّةً لِلِاهْتِمَامِ بِشَأْنِهِمْ وَتَقَبُّلِ الْوَصِيَّةِ فِيهِمْ، وَالْمُفْسِدُونَ مِنْهُمْ حَالُهُمْ عِنْدَ مَوَالِيهِمْ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ.
وَقِيلَ: مَعْنَى وَالصَّالِحِينَ أَيْ لِلنِّكَاحِ وَالْقِيَامِ بِحُقُوقِهِ. وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ مِنْ عَبِيدِكُمْ بِالْيَاءِ مَكَانَ الْأَلِفِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْمَمَالِيكِ.
وإِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هَذَا مَشْرُوطٌ بِالْمَشِيئَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ:
وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ «1» . وَاللَّهُ واسِعٌ أَيْ ذُو غِنًى وَسَعَةٍ، يَبْسُطُ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ عَلِيمٌ بِحَاجَاتِ النَّاسِ، فَيَجْرِي عَلَيْهِمْ مَا قُدِّرَ مِنَ الرِّزْقِ.
وَلْيَسْتَعْفِفِ أَيْ لِيَجْتَهِدْ فِي الْعِفَّةِ وَصَوْنِ النَّفْسِ وَهُوَ اسْتَفْعَلَ بِمَعْنَى طَلَبَ الْعِفَّةَ مِنْ نَفْسِهِ وَحَمَلَهَا عَلَيْهَا، وَجَاءَ الْفَكُّ عَلَى لُغَةِ الْحِجَازِ وَلَا يُعْلَمُ أَحَدٌ قرأ وليستعف بِالْإِدْغَامِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكاحاً. قِيلَ النِّكَاحُ هُنَا اسْمُ مَا يُمْهَرُ وَيُنْفَقُ فِي الزَّوَاجِ كَاللِّحَافِ وَاللِّبَاسِ لِمَا يُلْتَحَفُ بِهِ وَيُلْبَسُ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَالْمَأْمُورُ بِالِاسْتِعْفَافِ هُوَ مَنْ عَدِمَ الْمَالَ الَّذِي يَتَزَوَّجُ بِهِ وَيَقُومُ بِمَصَالِحِ الزَّوْجِيَّةِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَمْرُ نَدْبٍ لِقَوْلِهِ قَبْلُ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ.
(1) سورة التوبة: 9/ 28.
وَمَعْنَى لَا يَجِدُونَ نِكاحاً أَيْ لَا يَتَمَكَّنُونَ مِنَ الْوُصُولِ إِلَيْهِ، فَالْمَعْنَى أَنَّهُ أَمَرَ بِالِاسْتِعْفَافِ كُلَّ مَنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ النِّكَاحُ وَلَا يَجِدُهُ بِأَيِّ وَجْهِ تَعَذُّرٍ، ثُمَّ أَغْلَبُ الْمَوَانِعِ عَنِ النكاح عدم المال وحَتَّى يُغْنِيَهُمُ تَرْجِئَةٌ لِلْمُسْتَعْفِفِينَ وَتَقْدِمَةٌ لِلْوَعْدِ بِالتَّفَضُّلِ عَلَيْهِمْ، فَالْمَعْنَى لِيَكُونَ انْتِظَارُ ذَلِكَ وَتَأْمِيلُهُ لُطْفًا فِي اسْتِعْفَافِهِمْ وَرَبْطًا عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَمَا أَحْسَنَ مَا تَرَتَّبَتْ هَذِهِ الْأَوَامِرُ حَيْثُ أَمَرَ أَوَّلًا بِمَا يَعْصِمُ عَنِ الْفِتْنَةِ وَيُبْعِدُ عَنْ مُوَاقَعَةِ الْمَعْصِيَةِ وَهُوَ غَضُّ الْبَصَرِ، ثُمَّ بِالنِّكَاحِ الَّذِي يُحَصَّنُ بِهِ الدِّينُ وَيَقَعُ بِهِ الِاسْتِغْنَاءُ بِالْحَلَالِ عَنِ الْحَرَامِ، ثُمَّ بِالْحَمْلِ عَلَى النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ وَعَزْفِهَا عَنِ الطُّمُوحِ إِلَى الشَّهْوَةِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنِ النِّكَاحِ إِلَى أَنْ يُرْزَقَ الْقُدْرَةَ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَهُوَ مِنْ كَلَامِ الزَّمَخْشَرِيِّ وَهُوَ حَسَنٌ، وَلَمَّا بَعَثَ السَّيِّدَ عَلَى تَزْوِيجِ الصَّالِحِينَ مِنَ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ رَغَّبَهُمْ فِي أَنْ يُكَاتِبُوهُمْ إِذَا طَلَبُوا ذَلِكَ لِيَصِيرُوا أَحْرَارًا فَيَتَصَرَّفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ.
وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ أَيِ الْمُكَاتَبَةَ كَالْعِتَابِ وَالْمُعَاتَبَةِ. مِمَّا مَلَكَتْ يَعُمُّ المماليك الذكور والإناث. والَّذِينَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً وَخَبَرُهُ الْجُمْلَةُ، وَالْفَاءُ دَخَلَتْ فِي الْخَبَرِ لِمَا تَضَمَّنَ الْمَوْصُولُ مِنْ مَعْنَى اسْمِ الشَّرْطِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا كَمَا تَقُولُ: زَيْدًا فَاضْرِبْهُ لِأَنَّهُ يَجُوزَ أَنْ تَقُولَ زَيْدًا فَاضْرِبْ، وَزَيْدًا اضْرِبْ، فَإِذَا دَخَلَتِ الْفَاءُ كَانَ التَّقْدِيرُ بِنِيَّةِ فَاضْرِبْ زَيْدًا فَالْفَاءُ فِي جَوَابِ أَمْرٍ مَحْذُوفٍ، وَهَذَا يُوَضَّحُ فِي النَّحْوِ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: وَسُمِّيَ هَذَا الْعَقْدُ مُكَاتَبَةً لِمَا يُكْتَبُ لِلْعَبْدِ عَلَى السَّيِّدِ مِنَ الْعِتْقِ إِذَا أَدَّى مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ مِنَ الْمَالِ، وَمَا يُكْتَبُ لِلسَّيِّدِ عَلَى الْعَبْدِ مِنَ النُّجُومِ الَّتِي يُؤَدِّيهَا، وَالظَّاهِرُ وُجُوبُ الْمُكَاتَبَةِ لِقَوْلِهِ فَكاتِبُوهُمْ وَهَذَا مَذْهَبُ عَطَاءٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ والضحاك وَابْنِ سِيرِينَ وَدَاوُدَ، وَظَاهِرُ قَوْلِ عُمَرَ لِأَنَّهُ قَالَ لِأَنَسٍ حِينَ سَأَلَ سِيرِينُ الْكِتَابَةَ فَتَلَكَّأَ أَنَسٌ كَاتَبَهُ، أَوْ لَأَضْرِبَنَّكَ بِالدِّرَّةِ، وَذَهَبَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ أَمْرُ نَدْبٍ وَصِيغَتُهَا كَاتَبْتُكَ عَلَى كَذَا، وَيُعَيِّنُ مَا كَاتَبَهُ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُ الْأَمْرِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَنْجِيمٌ وَلَا حُلُولٌ بَلْ يَكُونُ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا وَمُنَجَّمًا وَغَيْرَ مُنَجَّمٍ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَنْجُمٍ. وَقَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ: يَجُوزُ عَلَى نَجْمٍ وَاحِدٍ. وَقَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مِنْدَادَ: إِذَا كَاتَبَ عَلَى مَالٍ مُعَجَّلٍ كَانَ عِتْقًا عَلَى مَالٍ وَلَمْ تَكُنْ كِتَابَةً، وَأَجَازَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ الْكِتَابَةَ الْحَالِيَّةَ وَسَمَّاهَا قِطَاعَةً. وَالْخَيْرُ الْمَالِ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ وَالضَّحَّاكُ، أَوِ الْحِيلَةُ الَّتِي تَقْتَضِي الْكَسْبَ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَوِ الدِّينُ قَالَهُ الْحَسَنُ، أَوْ إِقَامَةُ الصَّلَاةِ قَالَهُ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ، أَوِ الصِّدْقُ وَالْوَفَاءُ وَالْأَمَانَةُ قَالَهُ الْحَسَنُ
وَإِبْرَاهِيمُ أَوْ إِرَادَةُ خَيْرٍ بِالْكِتَابَةِ قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْأَمَانَةُ وَالْقُوَّةُ عَلَى الْكَسْبِ وَالَّذِي يَظْهَرُ مِنَ الِاسْتِعْمَالِ أَنَّهُ الدِّينُ يَقُولُ: فُلَانٌ فِيهِ خَيْرٌ فَلَا يَتَبَادَرُ إِلَى الذِّهْنِ إِلَّا الصَّلَاحُ، وَالْأَمْرُ بِالْكِتَابَةِ مُقَيَّدٌ بِهَذَا الشَّرْطِ، فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ فِيهِ خَيْرًا لَمْ تَكُنِ الْكِتَابَةُ مَطْلُوبَةً بِقَوْلِهِ فَكاتِبُوهُمْ وَالظَّاهِرُ فِي وَآتُوهُمْ أَنَّهُ أَمْرٌ لِلْمُكَاتِبِينَ وَكَذَا قَالَ الْمُفَسِّرُونَ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ، وَاخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ عَلَى الْوُجُوبِ أَوْ عَلَى النَّدْبِ؟ وَاسْتَحْسَنَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَالْحَسَنُ أَنْ يَكُونَ ثُلُثَ الْكِتَابَةِ وَعَلِيٌّ رُبْعَهَا، وقتادة عُشْرَهَا. وَقَالَ عُمَرُ: مِنْ أَوَّلِ نُجُومِهِ مُبَادَرَةً إِلَى الْخَيْرِ. وَقَالَ مَالِكٌ: مِنْ آخِرِ نَجْمٍ. وَقَالَ بُرَيْدَةُ وَالْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ وَعِكْرِمَةُ وَالْكَلْبِيُّ وَالْمُقَاتِلَانِ: أَمَرَ النَّاسَ جَمِيعًا بِمُوَاسَاةِ الْمَكَاتَبِ وَإِعَانَتِهِ. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: الْخِطَابُ لِوُلَاةِ الْأُمُورِ أَنْ يُعْطُوا الْمُكَاتَبِينَ مِنْ مَالِ الصَّدَقَةِ حَقَّهُمْ وَهُوَ الَّذِي تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ وَفِي الرِّقابِ.
وَقَالَ صَاحِبُ النَّظْمِ: لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْإِيتَاءِ الْحَطَّ لَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْعِبَارَةُ الْعَرَبِيَّةُ ضَعُوا عَنْهُمْ أَوْ قَاصُّوهُمْ، فَلَمَّا قَالَ وَآتُوهُمْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِنَ الزَّكَاةِ إِذْ هِيَ مُنَاوَلَةٌ وَإِعْطَاءٌ، وَيُؤَكِّدُهُ أَنَّهُ أَمْرٌ بِإِعْطَاءٍ وَمَا أُطْلِقَ عَلَيْهِ الْإِعْطَاءُ كَانَ سَبِيلَهُ الصَّدَقَةُ. وَقَوْلُهُ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ هُوَ مَا ثَبَتَ مِلْكُهُ لِلْمَالِكِ أَمَرَ بِإِخْرَاجِ بَعْضِهِ، وَمَالُ الْكِتَابَةِ لَيْسَ بَدَيْنٍ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ عَلَى عَبْدِهِ، وَالْمَوْلَى لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ صَحِيحٌ، وَأَيْضًا مَا آتَاهُ اللَّهُ هُوَ الَّذِي يَحْصُلُ فِي يَدِهِ وَيَمْلِكُهُ وَمَا يُسْقِطُهُ عَقِيبَ الْعَقْدِ لَا يَحْصُلُ لَهُ عَلَيْهِ مِلْكٌ فَلَا يَسْتَحِقُّ الصِّفَةَ بِأَنَّهُ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاهُ.
وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ
فِي صَحِيحٍ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ جارية لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ يُقَالُ لَهَا مُسَيْكَةُ وَأُخْرَى يُقَالُ لَهَا أُمَيْمَةُ كَانَ يُكْرِهُهُمَا عَلَى الزِّنَا، فَشَكَيَا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَزَلَتْ.
وَقِيلَ: كَانَتْ لَهُ سِتٌّ مُعَاذَةُ وَمُسَيْكَةُ وَأُمَيْمَةُ وَعَمْرَةُ وَأَرْوَى وَقُتَيْلَةُ جَاءَتْهُ إِحْدَاهُنَّ ذَاتَ يَوْمٍ بِدِينَارٍ وَأُخْرَى بِبُرْدٍ، فَقَالَ لَهُمَا ارْجِعَا فَازْنِيَا، فَقَالَتَا: وَاللَّهِ لَا نَفْعَلُ ذَلِكَ وَقَدْ جَاءَنَا اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ وَحَرَّمَ الزِّنَا، فَأَتَتَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَشَكَتَا فَنَزَلَتْ
وَالْفَتَاةُ الْمَمْلُوكَةُ وَهَذَا خِطَابٌ لِلْجَمِيعِ، وَيُؤَكِّدُ أَنْ يَكُونَ وَآتُوهُمْ خِطَابًا لِلْجَمِيعِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الزِّنَا مَشْرُوطٌ بِإِرَادَةِ التَّعَفُّفِ مِنْهُنَّ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْإِكْرَاهُ إِلَّا مَعَ إِرَادَةِ التَّحَصُّنِ، أَمَّا إِذَا كَانَتْ مُرِيدَةً لِلزِّنَا فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ الْإِكْرَاهُ. وَكَلِمَةُ إِنْ وَإِيثَارُهَا عَلَى إِذَا إِيذَانٌ بِأَنَّ الْمُسَافِحَاتِ كُنَّ يَفْعَلْنَ ذَلِكَ بِرَغْبَةٍ وَطَوَاعِيَةٍ مِنْهُنَّ، وَأَنَّ مَا وُجِدَ مِنْ مُعَاذَةَ وَمُسَيْكَةَ مِنْ خَبَرِ الشَّاذِّ النَّادِرِ. وَقَدْ
ذَهَبَ هَذَا النَّظَرُ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنْ أَرَدْنَ رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِهِ وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَهَذَا فِيهِ بُعْدٌ وَفَصْلٌ كَثِيرٌ، وَأَيْضًا فَالْأَيَامَى يَشْمَلُ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ، فَكَانَ لَوْ أُرِيدَ هَذَا الْمَعْنَى لَكَانَ التَّرْكِيبُ: إِنْ أَرَادُوا تَحَصُّنًا فَيُغَلَّبُ الْمُذَكَّرُ عَلَى الْمُؤَنَّثِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا الشَّرْطُ مُلْغًى. وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ: هَذَا شَرْطٌ فِي الظَّاهِرِ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ كَقَوْلِهِ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَمَعَ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْلَمْ خَيْرًا صَحَّتِ الْكِتَابَةُ.
وَقَالَ ابْنُ عِيسَى: جَاءَ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ لِتَفْحِيشِ الْإِكْرَاهِ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ: لِأَنَّهَا نَزَلَتْ عَلَى سَبَبٍ فَوَقَعَ النَّهْيُ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ انتهى. وعَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا هُوَ مَا يَكْسِبْنَهُ بِالزِّنَا. وَقَوْلُهُ فَإِنَّ اللَّهَ جَوَابٌ لِلشَّرْطِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ التَّقْدِيرَ غَفُورٌ رَحِيمٌ لَهُمْ لِيَكُونَ جَوَابُ الشَّرْطِ فِيهِ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى مِنَ الَّذِينَ هُوَ اسْمُ الشَّرْطِ، وَيَكُونَ ذَلِكَ مَشْرُوطًا بِالتَّوْبَةِ.
وَلَمَّا غَفَلَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَابْنُ عَطِيَّةَ وَأَبُو الْبَقَاءِ عَنْ هَذَا الْحُكْمِ قَدَّرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ لَهُنَّ أَيْ لِلْمُكْرَهَاتِ، فَعَرِيَتْ جُمْلَةُ جَوَابِ الشَّرْطِ مِنْ ضَمِيرٍ يَعُودُ عَلَى اسم الشَّرْطِ. وَقَدْ ضَعَّفَ مَا قُلْنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ فَقَالَ: فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ لَهُنَّ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ يُزِيلُ الْإِثْمَ وَالْعُقُوبَةَ مِنَ الْمُكْرَهِ فِيمَا فَعَلَ، وَالثَّانِي: فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ لِلْمُكْرَهِ بِشَرْطِ التَّوْبَةِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ عَلَى التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ لَا حَاجَةَ لِهَذَا الْإِضْمَارِ.
وَعَلَى الثَّانِي يُحْتَاجُ إِلَيْهِ انْتَهَى. وَكَلَامُهُمْ كَلَامُ مَنْ لَمْ يُمْعِنِ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ.
فَإِنْ قُلْتَ: قَوْلُهُ إِكْراهِهِنَّ مَصْدَرٌ أُضِيفَ إِلَى الْمَفْعُولِ وَالْفَاعِلُ مَعَ الْمَصْدَرِ مَحْذُوفٌ، وَالْمَحْذُوفُ كَالْمَلْفُوظِ وَالتَّقْدِيرُ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِمْ إِيَّاهُنَّ وَالرَّبْطُ يَحْصُلُ بِهَذَا الْمَحْذُوفِ الْمُقَدَّرِ فَلْتُجِزِ الْمَسْأَلَةَ قُلْتُ: لَمْ يَعُدُّوا فِي الرَّوَابِطِ الْفَاعِلَ الْمَحْذُوفَ، تَقُولُ:
هِنْدٌ عَجِبْتُ مَنْ ضَرْبِهَا زَيْدًا فَتَجُوزُ الْمَسْأَلَةُ، وَلَوْ قُلْتَ هِنْدٌ عَجِبْتُ مِنْ ضَرْبٍ زَيْدًا لَمْ تَجُزْ.
وَلَمَّا قَدَّرَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي أحد تقدير أنه لهن أورد سؤالا فَإِنْ قُلْتَ: لَا حَاجَةَ إِلَى تَعْلِيقِ الْمَغْفِرَةِ بِهِنَّ لِأَنَّ الْمُكْرَهَةَ عَلَى الزِّنَا بِخِلَافِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ فِي أَنَّهَا غَيْرُ آثِمَةٍ قُلْتُ: لَعَلَّ الْإِكْرَاهَ كَانَ دُونَ مَا اعْتَبَرَتْهُ الشَّرِيعَةُ مِنْ إِكْرَاهٍ بِقَتْلٍ أَوْ بِمَا يُخَافُ مِنْهُ التَّلَفُ أَوْ ذَهَابُ الْعُضْوِ مِنْ ضَرْبٍ عَنِيفٍ وَغَيْرِهِ حَتَّى يَسْلَمَ مِنَ الْإِثْمِ، وَرُبَّمَا قَصَّرَتْ عَنِ الْحَدِّ الَّذِي تُعْذَرُ فِيهِ فَتَكُونُ آثِمَةً انْتَهَى. وَهَذَا السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ مَبْنِيَّانِ عَلَى تَقْدِيرِ لَهُنَّ.
وَقَرَأَ مُبَيِّناتٍ بِفَتْحِ الْيَاءِ الْحَرَمِيَّانِ وَأَبُو عَمْرٍو وَأَبُو بَكْرٍ أَيْ بَيَّنَ اللَّهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَأَوْضَحَ آيَاتٍ تَضَمَّنَتْ أَحْكَامًا وَحُدُودًا وَفَرَائِضَ، فَتِلْكَ الْآيَاتُ هِيَ الْمُبَيَّنَةُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مُبَيِّنًا فِيهَا ثُمَّ اتَّسَعَ فَيَكُونُ الْمُبَيِّنُ فِي الْحَقِيقَةِ غَيْرَهَا. وَهِيَ ظَرْفٌ لِلْمُبِينِ. وَقَرَأَ