المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة النور (24) : الآيات 62 الى 64] - البحر المحيط في التفسير - ط الفكر - جـ ٨

[أبو حيان الأندلسي]

فهرس الكتاب

- ‌سورة النّور

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 1 الى 10]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 11 الى 20]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 21 الى 26]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 27 الى 31]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 32 الى 34]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 35 الى 38]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 39 الى 40]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 41 الى 46]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 47 الى 57]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 58 الى 61]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 62 الى 64]

- ‌سورة الفرقان

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 1 الى 16]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 17 الى 24]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 25 الى 34]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 35 الى 44]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 45 الى 60]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 61 الى 77]

- ‌سورة الشعراء

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 1 الى 104]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 105 الى 227]

- ‌سورة النّمل

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 1 الى 44]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 45 الى 93]

- ‌سورة القصص

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 1 الى 88]

- ‌سورة العنكبوت

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 1 الى 69]

- ‌سورة الرّوم

- ‌[سورة الروم (30) : الآيات 1 الى 60]

- ‌سورة لقمان

- ‌[سورة لقمان (31) : الآيات 1 الى 34]

- ‌سورة السّجدة

- ‌[سورة السجده (32) : الآيات 1 الى 30]

- ‌سورة الأحزاب

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 1 الى 73]

- ‌سورة سبأ

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 1 الى 54]

الفصل: ‌[سورة النور (24) : الآيات 62 الى 64]

فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً مِنْ هَذِهِ الْبُيُوتِ لِتَأْكُلُوا، فابدؤوا بِالسَّلَامِ عَلَى أَهْلِهَا الَّذِينَ هُمْ فِيهَا مِنْكُمْ دِينًا وقرابة. وتَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أَيْ ثَابِتَةً بِأَمْرِهِ مَشْرُوعَةً مِنْ لَدُنْهُ، أَوْ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ وَالتَّحِيَّةَ طَلَبٌ لِلسَّلَامَةِ وَحَيَاةٌ لِلْمُسَلَّمِ عَلَيْهِ وَوَصَفَهَا بِالْبَرَكَةِ وَالطِّيبِ لِأَنَّهَا دَعْوَةُ مُؤْمِنٍ لِمُؤْمِنٍ يُرْجَى بِهَا مِنَ الله زيادة الخير وَطِيبُ الرِّزْقِ انْتَهَى. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: مُبَارَكَةً بِالْأَجْرِ. وَقِيلَ: بُورِكَ فِيهَا بِالثَّوَابِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: فِي السَّلَامِ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَمَعَ الرَّحْمَةِ عِشْرُونَ، وَمَعَ الْبَرَكَاتِ ثَلَاثُونَ. وَانْتَصَبَ تَحِيَّةً بِقَوْلِهِ فَسَلِّمُوا لِأَنَّ مَعْنَاهُ فَحَيُّوا كَقَوْلِكَ: قَعَدْتُ جلوسا.

[سورة النور (24) : الآيات 62 الى 64]

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62) لَا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (63) أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64)

لَمَّا افْتَتَحَ السُّورَةَ بِقَوْلِهِ سُورَةٌ أَنْزَلْناها «1» وَذَكَرَ أَنْوَاعًا مِنَ الْأَوَامِرِ وَالْحُدُودِ مِمَّا أَنْزَلَهُ عَلَى الرَّسُولِ عليه السلام اخْتَتَمَهَا بِمَا يَجِبُ لَهُ عليه السلام عَلَى أُمَّتِهِ مِنَ التَّتَابُعِ وَالتَّشَايُعِ عَلَى مَا فِيهِ مَصْلَحَةُ الْإِسْلَامِ وَمِنْ طَلَبِ اسْتِئْذَانِهِ إِنْ عَرَضَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ عَارِضٌ، وَمِنْ تَوْقِيرِهِ فِي دُعَائِهِمْ إِيَّاهُ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَرَادَ عز وجل أَنْ يُرِيَهُمْ عَظِيمَ الْجِنَايَةِ فِي ذَهَابِ الذَّاهِبِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِغَيْرِ إِذْنِهِ.

إِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ فَجَعَلَ تَرْكَ ذَهَابِهِمْ حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ ثَالِثَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالْإِيمَانِ بِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، وَجَعَلَهُمَا كَالتَّسْبِيبِ لَهُ وَالنَّشَاطِ لِذِكْرِهِ. وَذَلِكَ مَعَ تَصْدِيرِ الْجُمْلَةِ بِإِنَّمَا وَارْتِفَاعُ الْمُؤْمِنِينَ مُبْتَدَأٌ وَمُخْبَرٌ عَنْهُ بِمَوْصُولٍ أَحَاطَتْ صِلَتُهُ بِذِكْرِ الْإِيمَانَيْنِ، ثُمَّ عقبه

(1) سورة النور: 24/ 1.

ص: 73

بِمَا يَزِيدُهُ تَوْكِيدًا وَتَسْدِيدًا بِحَيْثُ أَعَادَهُ عَلَى أُسْلُوبٍ آخَرَ وَهُوَ قَوْلُهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَضَمَّنَهُ شَيْئًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ جَعَلَ الِاسْتِئْذَانَ كَالْمِصْدَاقِ لِصِحَّةِ الْإِيمَانَيْنِ، وَعَرَّضَ بِحَالِ الْمَاضِينَ وتسللهم لو إذا.

وَمَعْنَى قَوْلِهِ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ وَيَأْذَنَ لَهُمْ، أَلَا تَرَاهُ كَيْفَ عَلَّقَ الْأَمْرَ بَعْدَ وُجُودِ اسْتِئْذَانِهِمْ بِمَشِيئَتِهِ وَإِذْنِهِ لِمَنِ اسْتَصْوَبَ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ، وَالْأَمْرُ الْجَامِعُ الَّذِي يُجْمَعُ لَهُ النَّاسُ، فَوُصِفَ بِالْجَمْعِ عَلَى الْمَجَازِ وَذَلِكَ نَحْوُ مُقَابَلَةِ عَدُوٍّ وَتَشَاوُرٍ فِي أَمْرِهِمْ أَوْ تَضَامٍّ لِإِرْهَابِ مُخَالِفٍ، أَوْ مَا يَنْتِجُ فِي حِلْفٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَالْأَمْرُ الَّذِي يَعُمُّ بِضَرَرِهِ أَوْ بِنَفْعِهِ وَفِي قَوْلِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ أَنَّهُ خَطْبٌ جَلِيلٌ لَا بُدَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِ مِنْ ذَوِي رَأْيٍ وَقُوَّةٍ يُظَاهِرُونَهُ عَلَيْهِ وَيُعَاوِنُونَهُ وَيَسْتَضِيءُ بِآرَائِهِمْ وَمَعَارِفِهِمْ وَتَجَارِبِهِمْ فِي كَفَاءَتِهِ، فَمُفَارَقَةُ أَحَدِهِمْ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ مِمَّا يَشُقُّ عَلَى قَلْبِهِ وَيُشَعِّثُ عَلَيْهِ رَأْيَهُ. فَمِنْ ثَمَّ غَلَّظَ عَلَيْهِمْ وَضَيَّقَ الْأَمْرَ فِي الِاسْتِئْذَانِ مَعَ الْعُذْرِ الْمَبْسُوطِ وَمَسَاسِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ وَاعْتِرَاضِ مَا يُهِمُّهُمْ ويعينهم، وَذَلِكَ قَوْلُهُ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ وَذِكْرُ الِاسْتِغْفَارِ لِلْمُسْتَأْذِنِينَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَحْسَنَ الْأَفْضَلَ أَنْ لَا يُحَدِّثُوا أَنْفُسَهُمْ بِالذَّهَابِ وَلَا يَسْتَأْذِنُوا فِيهِ.

وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ وَكَانَ قَوْمٌ يَتَسَلَّلُونَ بِغَيْرِ إِذْنٍ لِذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النَّاسُ مَعَ أَئِمَّتِهِمْ وَمُقَدَّمِيهِمْ فِي الدِّينِ وَالْعِلْمِ يُظَاهِرُونَهُمْ وَلَا يَخْذُلُونَهُمْ فِي نَازِلَةٍ مِنَ النَّوَازِلِ، وَلَا يَتَفَرَّقُونَ عَنْهُمْ، وَالْأَمْرُ فِي الْإِذْنِ مُفَوَّضٌ إِلَى الْإِمَامِ إِنْ شَاءَ أَذِنَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَأْذَنْ عَلَى حَسَبِ مَا اقْتَضَاهُ رَأْيُهُ انْتَهَى. وَهُوَ تَفْسِيرٌ حَسَنٌ وَيَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى إِمَامُ الْإِمْرَةِ إِذَا كَانَ النَّاسُ مَعَهُ مُجْتَمِعِينَ لِمُرَاعَاةِ مَصْلَحَةٍ دِينِيَّةٍ فَلَا يَذْهَبُ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنِ الْمَجْمَعِ إِلَّا بِإِذْنٍ مِنْهُ إِذْ قَدْ يَكُونُ لَهُ رَأْيٌ فِي حُضُورِ ذَلِكَ الذَّاهِبِ. وَقَالَ مَكْحُولٌ وَالزُّهْرِيُّ: الْجُمُعَةُ مِنَ الْأَمْرِ الْجَامِعِ، فَإِذَا عَرَضَ لِلْحَاضِرِ مَا يَمْنَعُهُ الْحُضُورَ مِنْ سَبْقِ رُعَافٍ فَلْيَسْتَأْذِنْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ سُوءُ الظَّنِّ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: كَانُوا يَسْتَأْذِنُونَ الْإِمَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمَّا كَثُرَ ذَلِكَ قَالَ زِيَادٌ:

مَنْ جَعَلَ يَدَهُ عَلَى أَنْفِهِ فَلْيَخْرُجْ دُونَ إِذْنٍ وَقَدْ كَانَ هَذَا بِالْمَدِينَةِ حَتَّى إِنَّ سُهَيْلَ بْنَ أَبِي صَالِحٍ رَعَفَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَاسْتَأْذَنَ الْإِمَامَ. وَقَالَ ابْنُ سَلَامٍ: هُوَ كُلُّ صَلَاةٍ فِيهَا خُطْبَةٌ كَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: فِي الْجِهَادِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الِاجْتِمَاعُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ.

قِيلَ: فِي قَوْلِهِ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ أُرِيدَ بِذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. وَقَرَأَ الْيَمَانِيُّ عَلَى أَمْرٍ جَمِيعٍ.

لَا تَجْعَلُوا خِطَابٌ لِمُعَاصِرِي الرَّسُولِ عليه السلام لَمَّا كَانَ التَّدَاعِي بِالْأَسْمَاءِ عَلَى

ص: 74

عَادَةِ الْبَدَاوَةِ، أُمِرُوا بِتَوْقِيرِ رسول الله صلى الله عليه وسلم بِأَحْسَنِ مَا يُدْعَى بِهِ نَحْوَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَلَا تَرَى إِلَى بَعْضِ جُفَاةِ مَنْ أَسْلَمَ كَانَ يَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ وَفِي قَوْلِهِ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً إِشَارَةً إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ مَعَ بَعْضِهِمُ لِبَعْضٍ إِذْ لَمْ يُؤْمَرْ بِالتَّوْقِيرِ وَالتَّعْظِيمِ فِي دُعَائِهِ عليه السلام إِلَّا مَنْ دَعَاهُ لَا مَنْ دَعَا غَيْرَهُ. وَكَانُوا يَقُولُونَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ يَا مُحَمَّدُ فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ. وَقِيلَ: نَهَاهُمْ عَنِ الْإِبْطَاءِ وَالتَّأَخُّرِ إِذَا دعاهم، واختارهم الْمُبَرِّدُ وَالْقَفَّالُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ وَهَذَا الْقَوْلُ مُوَافِقٌ لِمَسَاقِ الْآيَةِ وَنَظْمِهَا.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: إِذَا احْتَاجَ إِلَى اجْتِمَاعِكُمْ عِنْدَهُ لِأَمْرٍ فَدَعَاكُمْ فَلَا تَتَفَرَّقُوا عَنْهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَا تَقِيسُوا دُعَاءَهُ عَلَى دُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا وَرُجُوعِكُمْ عَنِ الْمَجْمَعِ بِغَيْرِ إِذْنِ الدَّاعِي انْتَهَى. وَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّا قَبْلَهُ. وَقَالَ أَيْضًا: وَيُحْتَمَلُ لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ رَبَّهُ مِثْلَ مَا يَدْعُو صَغِيرُكُمْ كَبِيرَكُمْ وَفَقِيرُكُمْ غَنِيَّكُمْ، يَسْأَلُهُ حَاجَةً فَرُبَّمَا أَجَابَهُ وَرُبَّمَا رَدَّهُ، وَإِنَّ دَعَوَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَسْمُوعَةٌ مُسْتَجَابَةٌ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّمَا هُوَ لَا تَحْسَبُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ عَلَيْكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ أَيْ دُعَاؤُهُ عَلَيْكُمْ مُجَابٌ فَاحْذَرُوهُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:

وَلَفْظُ الْآيَةِ يَدْفَعُ هَذَا الْمَعْنَى انْتَهَى.

وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَيَعْقُوبُ فِي رِوَايَةٍ نَبِيِّكُمْ بِنُونٍ مَفْتُوحَةٍ وَبَاءٍ مَكْسُورَةٍ وَيَاءٍ مُشَدَّدَةٍ بَدَلَ قَوْلِهِ بَيْنَكُمْ ظَرْفًا قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ. قَالَ صَاحِبُ اللَّوَامِحِ: وَهُوَ النَّبِيُّ عليه السلام عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الرَّسُولِ فَإِنَّمَا صَارَ بَدَلًا لِاخْتِلَافِ تَعْرِيفِهِمَا بِاللَّامِ مَعَ الْإِضَافَةِ، يَعْنِي أَنَّ الرَّسُولَ مَعْرِفَةٌ بِاللَّامِ وَنَبِيَّكُمْ مَعْرِفَةٌ بِالْإِضَافَةِ إِلَى الضَّمِيرِ فَهُوَ فِي رُتْبَةِ الْعَلَمِ، فَهُوَ أَكْثَرُ تَعْرِيفًا مِنْ ذِي اللَّامِ فَلَا يَصِحُّ النَّعْتُ بِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَشْهُورِ، لِأَنَّ النَّعْتَ يَكُونُ دُونَ الْمَنْعُوتِ أَوْ مُسَاوِيًا لَهُ فِي التَّعْرِيفِ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ اللَّوَامِحِ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِكَوْنِهِمَا مَعْرِفَتَيْنِ انْتَهَى.

وَكَأَنَّهُ مُنَاقِضٌ لِمَا قَرَّرَ مِنِ اخْتِيَارِهِ الْبَدَلَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ النَّعْتُ لِأَنَّ الرَّسُولَ قَدْ صَارَ عَلَمًا بِالْغَلَبَةِ كَالْبَيْتِ لِلْكَعْبَةِ إِذْ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ مِنْ لَفْظِ الرَّسُولِ إِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ محمد صلى الله عليه وسلم، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ تَسَاوَيَا فِي التَّعْرِيفِ. وَمَعْنَى يَتَسَلَّلُونَ يَنْصَرِفُونَ قَلِيلًا قَلِيلًا عَنِ الْجَمَاعَةِ فِي خُفْيَةٍ، وَلِوَاذُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ أَيْ هَذَا يَلُوذُ بِهَذَا وَهَذَا بِذَاكَ بِحَيْثُ يَدُورُ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ اسْتِتَارًا مِنَ الرَّسُولِ.

وَقَالَ الْحَسَنُ لِواذاً فِرَارًا مِنَ الْجِهَادِ. وَقِيلَ: فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ يَنْصَرِفُ الْمُنَافِقُونَ بِغَيْرِ إِذْنٍ وَيَسْتَأْذِنُ الْمُؤْمِنُونَ إِذَا عَرَضَتْ لَهُمْ حَاجَةٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ لوذا خِلَافًا. وَقَالَ أَيْضًا يَتَسَلَّلُونَ مِنَ الصَّفِّ فِي الْقِتَالِ وَقِيلَ: يَتَسَلَّلُونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى كِتَابِهِ

ص: 75

وَعَلَى ذِكْرِهِ. وَانْتَصَبَ لِواذاً عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ أَيْ مُتَلَاوِذِينَ، ولِواذاً مَصْدَرُ لَاوَذَ صَحَّتِ الْعَيْنُ فِي الْفِعْلِ فَصَحَّتْ فِي الْمَصْدَرِ، وَلَوْ كَانَ مَصْدَرَ لَاذَ لَكَانَ لِيَاذًا كَقَامَ قِيَامًا. وَقَرَأَ يَزِيدُ بْنُ قُطَيْبٍ لِواذاً بِفَتْحِ اللَّامِ، فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرَ لَاذَ وَلَمْ يُقْبَلْ لِأَنَّهُ لَا كَسْرَةَ قَبْلَ الْوَاوِ فَهُوَ كَطَافَ طَوَافًا. وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرَ لَاوَذَ وَكَانَتْ فَتْحَةُ اللَّامِ لِأَجْلِ فَتْحَةِ الْوَاوِ وَخَالَفَ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ تَقُولُ: خَالَفْتُ أَمْرَ زَيْدٍ وَبِإِلَى تَقُولُ: خَالَفْتُ إِلَى كَذَا فَقَوْلُهُ عَنْ أَمْرِهِ ضَمَّنَ خَالَفَ مَعْنَى صَدَّ وَأَعْرَضَ فَعَدَّاهُ بِعَنْ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: مَعْنَاهُ يَقَعُ خِلَافُهُمْ بَعْدَ أَمْرِهِ كَمَا تَقُولُ كَانَ الْمَطَرُ عن ريح وعَنْ هِيَ لِمَا عَدَا الشَّيْءَ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْأَخْفَشُ عَنْ زَائِدَةٌ أَيْ أَمْرِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْحَذَرِ لِلْوُجُوبِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَأَنْ الضَّمِيرَ فِي أَمْرِهِ عَائِدٌ عَلَى اللَّهِ. وَقِيلَ عَلَى الرَّسُولِ.

وَقُرِئَ يُخَلِّفُونَ بِالتَّشْدِيدِ أَيْ يُخَلِّفُونَ أَنْفُسَهُمْ بَعْدَ أَمْرِهِ، وَالْفِتْنَةُ الْقَتْلُ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَوْ بَلَاءٌ قَالَهُ مُجَاهِدٌ، أَوْ كُفْرٌ قَالَهُ السُّدِّيُّ وَمُقَاتِلٌ، أَوِ إِسْبَاغُ النِّعَمِ اسْتِدْرَاجًا قَالَهُ الْجَرَّاحُ، أَوْ قَسْوَةُ الْقَلْبِ عَنْ مَعْرِفَةِ الْمَعْرُوفِ وَالْمُنْكَرِ قَالَهُ الْجُنَيْدُ، أَوْ طَبْعٌ عَلَى الْقُلُوبِ قَالَهُ بَعْضُهُمْ. وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ خَرَجَتْ مَخْرَجَ التَّمْثِيلِ لَا الْحَصْرِ وَهِيَ فِي الدُّنْيَا. أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ. قِيلَ: عَذَابُ الْآخِرَةِ. وَقِيلَ: هُوَ الْقَتْلُ فِي الدُّنْيَا.

أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ هَذَا كَالدَّلَالَةِ عَلَى قُدْرَتِهِ تَعَالَى عَلَيْهِمَا وَعَلَى الْمُكَلَّفِ فِيمَا يُعَامِلُهُ بِهِ مِنَ الْمُجَازَاةِ مِنْ ثَوَابِهِ وَعِقَابِهِ. قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ أَيْ مِنْ مُخَالَفَةِ أَمْرِ اللَّهِ وَأَمْرِ رَسُولِهِ وَفِيهِ تَهْدِيدٌ وَوَعِيدٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خِطَابٌ لِلْمُنَافِقِينَ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَدْخَلَ قَدْ لِيُؤَكِّدَ عِلْمَهُ بِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْمُخَالَفَةِ عَنِ الدِّينِ وَالنِّفَاقِ، وَيَرْجِعُ تَوْكِيدُ الْعِلْمِ إِلَى تَوْكِيدِ الْوَعِيدِ وَذَلِكَ أَنَّ قَدْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى الْمُضَارِعِ كَانَتْ بِمَعْنَى رُبَّمَا، فَوَافَقَتْ رُبَّمَا فِي خُرُوجِهَا إِلَى مَعْنَى التَّنْكِيرِ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ:

فَإِنْ يُمْسِ مَهْجُورَ الْفِنَاءِ فَرُبَّمَا

أَقَامَ بِهِ بَعْدَ الْوُفُودِ وُفُودُ

وَنَحْوٌ مَنْ ذَلِكَ قَوْلُ زُهَيْرٍ:

أَخِي ثِقَةٍ لَا يُهْلِكُ الْخَمْرُ مَالَهُ

وَلَكِنَّهُ قَدْ يُهْلِكُ الْمَالَ نَائِلُهُ

انْتَهَى. وَكَوْنُ قَدْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى الْمُضَارِعِ أَفَادَتِ التَّكْثِيرَ قَوْلُ بَعْضِ النُّحَاةِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَإِنَّمَا التَّكْثِيرُ مَفْهُومٌ مِنْ سِيَاقَةِ الْكَلَامِ فِي الْمَدْحِ وَالصَّحِيحُ فِي رُبَّ أَنَّهَا لِتَقْلِيلِ الشَّيْءِ أَوْ

ص: 76

تَقْلِيلِ نَظِيرِهِ فَإِنْ فُهِمَ تَكْثِيرٌ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ رُبَّ. وَلَا قَدْ إِنَّمَا هُوَ مِنْ سِيَاقَةِ الْكَلَامِ، وَقَدْ بُيِّنَ ذَلِكَ فِي عِلْمِ النَّحْوِ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ يُرْجَعُونَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ. وَقَرَأَ ابْنُ يَعْمَرَ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَأَبُو عَمْرٍو مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ. وَالْتَفَتَ مِنْ ضَمِيرِ الْخِطَابِ فِي أَنْتُمْ إِلَى ضَمِيرِ الْغَيْبَةِ فِي يُرْجَعُونَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ خِطَابًا عَامًّا وَيَكُونَ يُرْجَعُونَ لِلْمُنَافِقِينَ.

وَالظَّاهِرُ عَطْفُ وَيَوْمَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ فَنَصْبُهُ نَصْبُ الْمَفْعُولِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيمُ وَالْعِلْمُ الظَّاهِرُ لَكُمْ أَوْ نَحْوُ هَذَا يَوْمَ فَيَكُونُ النَّصْبُ عَلَى الظَّرْفِ.

مُفْرَدَاتُ سُورَةِ الْفُرْقَانِ الْهَبَاءُ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالزَّجَّاجُ: مِثْلُ الْغُبَارِ يَدْخُلُ الْكُوَّةَ مَعَ ضَوْءِ الشَّمْسِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْهَبْوَةُ وَالْهَبَاءُ التُّرَابُ الدَّقِيقُ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ يُقَالُ مِنْهُ إِذَا ارْتَفَعَ هَبَا يَهْبُو هَبْوًا، وَأَهْبَيْتُهُ أَنَا إِهْبَاءً. وَقِيلَ: هُوَ الشَّرَرُ الطَّائِرُ مِنَ النَّارِ إِذَا أضرمت. النَّثْرُ: التَّفْرِيقُ. الْعَضُّ:

وَقْعُ الْأَسْنَانِ عَلَى الْمَعْضُوضِ بِقُوَّةٍ وَفِعْلُهُ عَلَى وَزْنِ فَعِلَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ، وَحَكَى الْكِسَائِيُّ عَضَضْتُ بِفَتْحِ عَيْنِ الْكَلِمَةِ. فُلَانٌ كِنَايَةٌ عَنْ عِلْمِ مَنْ يَعْقِلُ. الْجُمْلَةُ مِنَ الْكَلَامِ هُوَ الْمُجْتَمِعُ غَيْرُ الْمُفَرَّقِ. التَّرْتِيلُ سَرْدُ اللَّفْظِ بَعْدَ اللَّفْظِ يَتَخَلَّلُ بَيْنَهُمَا زَمَنٌ يَسِيرٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: ثَغْرٌ مُرَتَّلٌ أَيْ مُفَلَّجُ الْأَسْنَانِ. السُّبَاتُ: الرَّاحَةُ، وَمِنْهُ يَوْمُ السَّبْتِ لِمَا جَرَتِ الْعَادَةُ مِنَ الِاسْتِرَاحَةِ فِيهِ وَيُقَالُ لِلْعَلِيلِ إِذَا اسْتَرَاحَ مِنْ تَعَبِ الْعِلَّةِ مَسْبُوتٌ قَالَهُ أَبُو مُسْلِمٍ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: السُّبَاتُ الْمَوْتُ وَالْمَسْبُوتُ الْمَيِّتُ لِأَنَّهُ مَقْطُوعُ الْحَيَاةِ. مَرَجَ: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ خَلَطَ وَمَرَجَ الْأَمْرُ اخْتَلَطَ وَاضْطَرَبَ. وَقِيلَ: مَرَجَ وَأَمْرَجَ أَجْرَى، وَمَرَجَ لُغَةُ الْحِجَازِ وَأَمْرَجَ لُغَةُ نَجْدٍ. الْعَذْبُ:

الْحُلْوُ. وَالْفُرَاتُ الْبَالِغُ فِي الْحَلَاوَةِ. الْمِلْحُ: الْمَالِحُ. وَالْأُجَاجُ الْبَالِغُ فِي الْمُلُوحَةِ. وَقِيلَ:

الْمُرُّ. وَقِيلَ: الْحَارُّ. الصِّهْرُ، قَالَ الْخَلِيلُ: لَا يُقَالُ لِأَهْلِ بَيْتِ الْمَرْأَةِ إِلَّا أَصْهَارٌ، وَلِأَهْلِ بَيْتِ الرَّجُلِ إِلَّا أَخْتَانٌ، وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَجْعَلُهُمْ أَصْهَارًا كُلَّهُمْ. السِّرَاجُ: الشَّمْسُ. الْهَوْنُ:

الرِّفْقُ وَاللِّينُ. الْغُرْفَةُ: الْعُلِّيَّةُ وَكُلُّ بِنَاءٍ عَالٍ فَهُوَ غُرْفَةٌ. عباء مِنَ الْعِبْءِ وَهُوَ الثَّقِيلُ، يُقَالُ:

عَبَأْتُ الْجَيْشَ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّثْقِيلِ هَيَّأْتُهُ لِلْقِتَالِ، وَيُقَالُ: مَا عَبَأْتُ بِهِ أَيْ مَا اعْتَدَدْتُ بِهِ كَقَوْلِكَ: مَا اكْتَرَثْتُ بِهِ.

ص: 77