المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌قصة إبراهيم الخليل عليه السلام - البداية والنهاية - ط السعادة - جـ ١

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الأول]

- ‌كلمة الناشر

- ‌[خطبة الكتاب]

- ‌سبب تأليف الكتاب والطريقة التي اتبعها المؤلف فيه

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِيمَا وَرَدَ فِي صِفَةِ خَلْقِ الْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ

- ‌وَأَمَّا الْكُرْسِيُّ

- ‌ذِكْرِ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ

- ‌باب ما ورد في خلق السموات والأرض وما بينهما

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي سَبْعِ أَرَضِينَ

- ‌فَصْلٌ فِي الْبِحَارِ وَالْأَنْهَارِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌باب ذكر ما يتعلق بخلق السموات وما فيهن مِنَ الْآيَاتِ

- ‌الْكَلَامِ عَلَى الْمَجَرَّةِ وَقَوْسِ قُزَحٍ

- ‌بَابُ ذِكْرِ خَلْقِ الْمَلَائِكَةِ وَصِفَاتِهِمْ عليهم السلام

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ ذِكْرِ خَلْقِ الْجَانِّ وَقِصَّةِ الشَّيْطَانِ

- ‌ذكر آدم عليه السلام

- ‌بَابُ مَا وَرَدَ فِي خَلْقِ آدَمَ عليه السلام

- ‌ذكر احتجاج آدم وموسى عليهما السلام

- ‌ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي خَلْقِ آدَمَ عليه السلام

- ‌ذِكْرُ قِصَّةِ ابْنَيْ آدَمَ قَابِيلَ وَهَابِيلَ

- ‌ذِكْرُ وَفَاةِ آدَمَ وَوَصِيَّتِهِ إِلَى ابنه شيث عليه السلام

- ‌ذِكْرُ إِدْرِيسَ عليه السلام

- ‌قصة نوح عليه السلام

- ‌ذِكْرُ شيء من أخبار نوح نفسه عليه السلام

- ‌ذِكْرُ صَوْمِهِ عليه السلام

- ‌ذكر حجه عليه السلام

- ‌ذكر وصيته لولده عليه السلام

- ‌قِصَّةُ هُودٍ عليه السلام

- ‌قِصَّةُ صالح عليه السلام نبي ثمود

- ‌ذِكْرُ مُرُورِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِوَادِي الْحِجْرِ مِنْ أَرْضِ ثَمُودَ عَامَ تَبُوكَ

- ‌قصة إبراهيم الخليل عليه السلام

- ‌ذِكْرُ مُنَاظَرَةِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ مَعَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُنَازِعَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ في الْعَظَمَةِ وَرِدَاءِ الْكِبْرِيَاءِ فَادَّعَى الرُّبُوبِيَّةَ وَهُوَ أَحَدُ الْعَبِيدِ الضُّعَفَاءِ

- ‌ذكر هجرة الخليل عليه السلام الى بلاد الشام ودخوله الديار المصرية واستقراره في الأرض المقدسة

- ‌ذِكْرُ مَوْلِدِ إسماعيل عليه السلام مِنْ هَاجَرَ

- ‌ذِكْرُ مُهَاجَرَةِ إبراهيم بِابْنِهِ إِسْمَاعِيلَ وَأُمِّهِ هَاجَرَ إِلَى جِبَالِ فَارَانَ وَهِيَ أَرْضُ مَكَّةَ وَبِنَائِهِ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ

- ‌ قِصَّةِ الذَّبِيحِ

- ‌ذِكْرُ مولد إسحاق عليه السلام

- ‌ذكر بناية الْبَيْتِ الْعَتِيقِ

- ‌ذِكْرُ ثَنَاءِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ الكريم على عبده وخليله إبراهيم

- ‌ذِكْرُ قَصْرِهِ فِي الْجَنَّةِ

- ‌ذِكْرُ صِفَةِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام

- ‌ذِكْرُ وَفَاةِ إِبْرَاهِيمَ الخليل وَمَا قِيلَ فِي عُمُرِهِ

- ‌ذِكْرُ أَوْلَادِ إِبْرَاهِيمَ الخليل

- ‌قصة قوم لوط

- ‌قصة مدين قوم شعيب عليه السلام

- ‌بَابُ ذِكْرِ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ عليه الصلاة والتسليم

- ‌ذِكْرُ إِسْمَاعِيلَ عليه السلام

- ‌ذِكْرُ إِسْحَاقَ بن إبراهيم الكريم بن الكريم عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالتَّسْلِيمُ

- ‌ذِكْرُ مَا وَقَعَ مِنَ الْأُمُورِ الْعَجِيبَةِ فِي حياة إسرائيل فمن ذلك قصة يوسف بن رَاحِيلَ

- ‌قصة أَيُّوبَ عليه السلام

- ‌ قِصَّةَ ذِي الْكِفْلِ

- ‌باب ذكر أمم اهلكوا بعامة

- ‌قِصَّةُ قَوْمِ يس وَهُمْ [1] أَصْحَابُ الْقَرْيَةِ أصحاب ياسين

- ‌قصة يونس عليه السلام

- ‌ذِكْرُ فَضْلِ يُونُسَ عليه السلام

- ‌ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم

- ‌فَصْلٌ

- ‌ذِكْرُ هَلَاكِ فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ

- ‌فَصْلٌ فِيمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ هَلَاكِ فِرْعَوْنَ

- ‌فَصْلٌ فِي دُخُولِ بَنِي إِسْرَائِيلَ التِّيهَ وَمَا جَرَى لَهُمْ فِيهِ مِنَ الْأُمُورِ الْعَجِيبَةِ

- ‌سؤال الرؤية

- ‌قِصَّةُ عِبَادَتِهِمُ الْعِجْلَ فِي غَيْبَةِ كَلِيمِ اللَّهِ عنهم

- ‌ذِكْرُ حَدِيثٍ آخَرَ بِمَعْنَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ

- ‌قِصَّةُ بَقَرَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ

- ‌قصة موسى والخضر عليهما السلام

- ‌ذِكْرُ الْحَدِيثِ الْمُلَقَّبِ بِحَدِيثِ الْفُتُونِ الْمُتَضَمِّنِ قِصَّةَ مُوسَى مَبْسُوطَةً مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا

- ‌ذِكْرُ بِنَاءِ قُبَّةِ الزَّمَانِ

- ‌قِصَّةُ قَارُونَ مَعَ مُوسَى عليه السلام

- ‌باب ذِكْرُ فَضَائِلِ مُوسَى عليه السلام وَشَمَائِلِهِ وَصِفَاتِهِ ووفائه

- ‌ذكر حجته عليه السلام الى البيت العتيق

- ‌ذِكْرُ وَفَاتِهِ عليه السلام

- ‌ذِكْرُ نُبُوَّةِ يُوشَعَ وَقِيَامِهِ بِأَعْبَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بعد موسى وهارون عليهما السلام

- ‌ذكر قصتي الخضر والياس عليهما السلام

- ‌أَمَّا الْخَضِرُ

- ‌واما إِلْيَاسُ عليه السلام

الفصل: ‌قصة إبراهيم الخليل عليه السلام

قَبْلَكُمْ وَمَا هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا وَسَدِّدُوا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَعْبَأُ بِعَذَابِكُمْ شَيْئًا وَسَيَأْتِي قوم لا يدفعون عن أنفسهم شيئا إِسْنَادٌ حَسَنٌ وَلَمْ يُخَرِّجُوهُ. وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ قَوْمَ صَالِحٍ كَانَتْ أَعْمَارُهُمْ طَوِيلَةً فَكَانُوا يَبْنُونَ الْبُيُوتَ مِنَ الْمَدَرِ فَتَخْرَبُ قَبْلَ مَوْتِ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ فَنَحَتُوا لَهُمْ بُيُوتًا فِي الْجِبَالِ. وَذَكَرُوا أَنَّ صَالِحًا عليه السلام لَمَّا سَأَلُوهُ آيَةً فَأَخْرَجَ اللَّهُ لَهُمُ النَّاقَةَ مِنَ الصَّخْرَةِ أَمَرَهُمْ بِهَا وَبِالْوَلَدِ الَّذِي كَانَ فِي جَوْفِهَا وَحَذَّرَهُمْ بَأْسَ اللَّهِ إِنْ هُمْ نَالُوهَا بِسُوءٍ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُمْ سَيَعْقِرُونَهَا وَيَكُونُ سَبَبُ هَلَاكِهِمْ ذَلِكَ وَذَكَرَ لَهُمْ صِفَةَ عَاقِرِهَا وَأَنَّهُ أَحْمَرُ أَزْرَقُ أَصْهَبُ فَبَعَثُوا الْقَوَابِلَ فِي الْبَلَدِ مَتَى وَجَدُوا مَوْلُودًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ يَقْتُلْنَهُ فَكَانُوا عَلَى ذَلِكَ دَهْرًا طَوِيلًا وَانْقَرَضَ جِيلٌ وَأَتَى جِيلٌ آخَرُ. فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ الْأَعْصَارِ خَطَبَ رَئِيسٌ مِنْ رُؤَسَائِهِمْ عَلَى ابْنِهِ بِنْتَ آخَرَ مِثْلِهِ فِي الرئاسة فَزَوَّجَهُ فَوُلِدَ بَيْنَهُمَا عَاقِرُ النَّاقَةِ وَهُوَ قُدَارُ بْنُ سَالِفٍ فَلَمْ تَتَمَكَّنِ الْقَوَابِلُ مِنْ قَتْلِهِ لِشَرَفِ أَبَوَيْهِ وَجَدَّيْهِ فِيهِمْ فَنَشَأَ نَشْأَةً سَرِيعَةً فَكَانَ يَشِبُّ فِي الْجُمُعَةِ كَمَا يَشِبُّ غَيْرُهُ فِي شَهْرٍ حَتَّى كَانَ مِنْ أَمْرِهِ أَنْ خَرَجَ مُطَاعًا فِيهِمْ رَئِيسًا بَيْنَهُمْ فَسَوَّلَتْ لَهُ نَفْسُهُ عَقْرَ النَّاقَةِ وَاتَّبَعَهُ عَلَى ذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ وَهُمُ التِّسْعَةُ الَّذِينَ أَرَادُوا قَتْلَ صَالِحٍ عليه السلام. فَلَمَّا وَقَعَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا وَقَعَ مِنْ عَقْرِ النَّاقَةِ وَبَلَغَ ذَلِكَ صَالِحًا عليه السلام جَاءَهُمْ بَاكِيًا عَلَيْهَا فَتَلَقَّوْهُ يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ وَيَقُولُونَ إِنَّ هَذَا لَمْ يَقَعْ عَنْ مَلَأٍ مِنَّا وَإِنَّمَا فَعَلَ هَذَا هَؤُلَاءِ الْأَحْدَاثُ فِينَا. فَيُقَالُ إِنَّهُ أَمَرَهُمْ بِاسْتِدْرَاكِ سَقْبِهَا حَتَّى يُحْسِنُوا إِلَيْهِ عِوَضًا عَنْهَا فَذَهَبُوا وَرَاءَهُ فَصَعِدَ جَبَلًا هُنَاكَ فَلَمَّا تَصَاعَدُوا فِيهِ وَرَاءَهُ تَعَالَى الْجَبَلُ حَتَّى ارْتَفَعَ فَلَا يَنَالُهُ الطَّيْرُ وَبَكَى الْفَصِيلُ حَتَّى سَالَتْ دُمُوعُهُ. ثُمَّ اسْتَقْبَلَ صالحا عليه السلام ودعا ثَلَاثًا فَعِنْدَهَا قَالَ صَالِحٌ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثلاثة أيام وذلك وعد غير مكذوب وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُمْ يُصْبِحُونَ مِنْ غَدِهِمْ صُفْرًا ثُمَّ تَحْمَرُّ وُجُوهُهُمْ فِي الثَّانِي وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ تَسْوَدُّ وُجُوهُهُمْ فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ أتتهم صيحة فيها صوت كل صاعقة فأخذتهم فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ وَفِي بَعْضِ هَذَا السِّيَاقِ نَظَرٌ وَمُخَالَفَةٌ لِظَاهِرِ مَا يُفْهَمُ مِنَ الْقُرْآنِ فِي شَأْنِهِمْ وَقِصَّتِهِمْ كَمَا قَدَّمْنَا وَاللَّهُ سبحانه وتعالى أعلم بالصواب

‌قصة إبراهيم الخليل عليه السلام

هو إبراهيم بن تسارخ «250» بن ناحور «148» بن ساروغ «230» بن راعو «239» ابن فالغ «439» بن عابر «464» بن شالح «433» بن أرفخشذ «438» بن سام «600» ابن نُوحٍ عليه السلام هَذَا نَصُّ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي كِتَابِهِمْ وَقَدْ أَعْلَمْتُ عَلَى أَعْمَارِهِمْ تَحْتَ أَسْمَائِهِمْ بِالْهِنْدِيِّ كَمَا ذَكَرُوهُ مِنَ الْمُدَدِ [1] وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى عُمُرِ نُوحٍ عليه السلام فَأَغْنَى عن إعادته وحكى الحافظ

[1] تنبيه هذه الأرقام موافقة لما في التوراة وأما الأسماء فأكثرها مخالفة لما في التوراة مثلا أن

ص: 139

ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ مِنْ تَارِيخِهِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ بِشْرٍ الْكَاهِلِيِّ صَاحِبِ كِتَابِ الْمُبْتَدَأِ أَنَّ اسْمَ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ أُمَيْلَةُ ثُمَّ أَوْرَدَ عَنْهُ فِي خَبَرِ وِلَادَتِهَا لَهُ حكاية طويلة وقال الكلبي اسمها بونا بنت كربنا بن كرثى من بنى أرفخشذ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ قَالَ كَانَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام يُكْنَى أَبَا الضِّيفَانِ قَالُوا وَلَمَّا كَانَ عُمُرُ تَارَخَ خَمْسًا وَسَبْعِينَ سَنَةً وُلِدَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام وَنَاحُورُ وهاران وولد لها ران لُوطٌ وَعِنْدَهُمْ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام هُوَ الْأَوْسَطُ وَأَنَّ هَارَانَ مَاتَ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا وَهِيَ أَرْضُ الْكَلْدَانِيِّينَ يَعْنُونَ أَرْضَ بَابِلَ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَهْلِ السِّيَرِ وَالتَّوَارِيخِ وَالْأَخْبَارِ وَصَحَّحَ ذلك الحافظ ابن عساكر بعد ما رَوَى مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ عَنِ الوليد عن سعيد ابن عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ وُلِدَ إِبْرَاهِيمُ بِغُوطَةِ دِمَشْقَ فِي قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا بَرْزَةُ فِي جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ قَاسِيُونَ ثُمَّ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ وُلِدَ بِبَابِلَ. وَإِنَّمَا نُسِبَ إِلَيْهِ هَذَا الْمَقَامُ لِأَنَّهُ صَلَّى فِيهِ إِذْ جَاءَ مُعِينًا لِلُوطٍ عليه السلام. قَالُوا فَتَزَوَّجَ إِبْرَاهِيمُ سَارَةَ وَنَاحُورُ مَلْكَا ابْنَةَ هَارَانَ يَعْنُونَ بِابْنَةِ أَخِيهِ قَالُوا وَكَانَتْ سَارَةُ عَاقِرًا لَا تَلِدُ قَالُوا وَانْطَلَقَ تَارَخُ بِابْنِهِ إِبْرَاهِيمَ وَامْرَأَتِهِ سَارَةَ وَابْنِ أَخِيهِ لُوطِ بْنِ هَارَانَ فَخَرَجَ بِهِمْ مِنْ أَرْضِ الْكَلْدَانِيِّينَ إِلَى أَرْضِ الْكَنْعَانِيِّينَ فَنَزَلُوا حَرَّانَ فَمَاتَ فِيهَا تَارَخُ وَلَهُ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ سَنَةً وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُولَدْ بِحَرَّانَ وَإِنَّمَا مَوْلِدُهُ بِأَرْضِ الْكَلْدَانِيِّينَ وَهِيَ أَرْضُ بَابِلَ وَمَا وَالَاهَا ثُمَّ ارتحلوا قاصد بن أَرْضَ الْكَنْعَانِيِّينَ وَهِيَ بِلَادُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَأَقَامُوا بِحَرَّانَ وَهِيَ أَرْضُ الْكَشْدَانِيِّينَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَكَذَلِكَ أَرْضُ الْجَزِيرَةِ وَالشَّامِ أَيْضًا وَكَانُوا يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ السَّبْعَةَ. وَالَّذِينَ عَمَّرُوا مَدِينَةَ دِمَشْقَ كَانُوا عَلَى هَذَا الدِّينِ يَسْتَقْبِلُونَ الْقُطْبَ الشَّمَالِيَّ وَيَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ السَّبْعَةَ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الْفَعَالِ وَالْمَقَالِ وَلِهَذَا كَانَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ دِمَشْقَ السَّبْعَةِ الْقَدِيمَةِ هَيْكَلٌ لِكَوْكَبٍ مِنْهَا وَيَعْمَلُونَ لَهَا أَعْيَادًا وَقَرَابِينَ وَهَكَذَا كَانَ أَهْلُ حَرَّانَ يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ وَالْأَصْنَامَ وَكُلُّ مَنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ كَانُوا كُفَّارًا سِوَى إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ وَامْرَأَتِهِ وَابْنِ أَخِيهِ لُوطٍ عليهم السلام وَكَانَ الْخَلِيلُ عليه السلام هُوَ الَّذِي أَزَالَ اللَّهُ بِهِ تِلْكَ الشُّرُورَ وَأَبْطَلَ بِهِ ذَاكَ الضَّلَالَ فَإِنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى آتَاهُ رُشْدَهُ فِي صِغَرِهِ وَابْتَعَثَهُ رَسُولًا وَاتَّخَذَهُ خَلِيلًا فِي كِبَرِهِ قَالَ تَعَالَى وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا به عالِمِينَ 21: 51 أَيْ كَانَ أَهْلًا لِذَلِكَ وَقَالَ تَعَالَى وَإِبْراهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ من 29: 16- 18

[ () ] ما فيها تارح بدل تسارخ وسروج بدل ساروغ. وفالج بدل فالغ. وارفكشاد بدل أرفخشذ ورعو بدل راعو ووضعنا أرقام الأعمار بعد كل اسم

ص: 140

قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ. أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ.

قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ. إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ. وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ. فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ. إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. وَقال إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ. فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقال إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ. وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) 29: 18- 27 ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى مُنَاظَرَتَهُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَكَانَ أَوَّلُ دَعْوَتِهِ لِأَبِيهِ وَكَانَ أَبُوهُ مِمَّنْ يَعْبُدُ الْأَصْنَامَ لِأَنَّهُ أَحَقُّ النَّاسِ بِإِخْلَاصِ النَّصِيحَةِ لَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا. إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ. يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً. يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا. يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا. يَا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا. قَالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا. قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ من دُونِ الله وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا 19: 41- 48. فذكر تَعَالَى مَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِيهِ مِنَ الْمُحَاوَرَةِ وَالْمُجَادَلَةِ وَكَيْفَ دَعَا أَبَاهُ إِلَى الْحَقِّ بِأَلْطَفِ عِبَارَةٍ. وَأَحْسَنِ إِشَارَةٍ بَيَّنَ لَهُ بُطْلَانَ ما هو عليه من عبادة الأوثان الَّتِي لَا تَسْمَعُ دُعَاءَ عَابِدِهَا وَلَا تُبْصِرُ مكانه فكيف تُغْنِي عَنْهُ شَيْئًا أَوْ تَفْعَلُ بِهِ خَيْرًا مِنْ رِزْقٍ أَوْ نَصْرٍ ثُمَّ قَالَ مُنَبِّهًا عَلَى مَا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ النَّافِعِ وَإِنْ كَانَ أَصْغَرَ سِنًّا مِنْ أَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا 19: 43 أَيْ مُسْتَقِيمًا وَاضِحًا سَهْلًا حَنِيفًا يُفْضِي بِكَ إِلَى الْخَيْرِ فِي دُنْيَاكَ وَأُخْرَاكَ فَلَمَّا عَرَضَ هَذَا الرُّشْدَ عَلَيْهِ وَأَهْدَى هَذِهِ النَّصِيحَةَ إِلَيْهِ لَمْ يَقْبَلْهَا مِنْهُ وَلَا أَخَذَهَا عَنْهُ بَلْ تَهَدَّدَهُ وَتَوَعَّدَهُ قَالَ (أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ) 19: 46 قيل بالمقال وقيل بالفعال (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) 19: 46 أَيْ وَاقْطَعْنِي وَأَطِلْ هِجْرَانِي فَعِنْدَهَا قَالَ لَهُ إبراهيم (سَلامٌ عَلَيْكَ) 19: 47 أَيْ لَا يَصِلُكَ مِنِّي مَكْرُوهٌ وَلَا يَنَالُكَ مِنِّي أَذًى بَلْ أَنْتَ سَالِمٌ مِنْ نَاحِيَتِي وَزَادَهُ خَيْرًا فَقَالَ (سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا) 19: 47 قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ أَيْ لَطِيفًا يَعْنِي فِي أَنْ هَدَانِي لِعِبَادَتِهِ وَالْإِخْلَاصِ لَهُ وَلِهَذَا قَالَ (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا) 19: 48. وَقَدِ اسْتَغْفَرَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام كَمَا وَعَدَهُ فِي أَدْعِيَتِهِ. فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للَّه تَبَرَّأَ مِنْهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ

ص: 141

أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ 9: 114 وقال البخاري حدثنا إسماعيل ابن عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي أَخِي عَبْدُ الْحَمِيدِ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ القيامة وعلى وجه آزر قترة وغيرة فَيَقُولُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ لَا تَعْصِنِي فَيَقُولُ لَهُ أَبُوهُ فَالْيَوْمَ لَا أَعْصِيكَ فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ يَا رَبِّ إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنْ لَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ وَأَيُّ خِزْيٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الْأَبْعَدِ فَيَقُولُ اللَّهُ إِنِّي حَرَّمْتُ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ. ثُمَّ يُقَالُ يَا إِبْرَاهِيمُ ما تحت رجليك فينظر فإذا هو بذبح مُتَلَطِّخٍ فَيُؤْخَذُ بِقَوَائِمِهِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ هَكَذَا رَوَاهُ فِي قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ مُنْفَرِدًا وَقَالَ فِي التَّفْسِيرِ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنِ ابْنِ أبى ذؤيب عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ بِهِ. وَقَدْ رَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِنَحْوِهِ. وَفِي سِيَاقِهِ غَرَابَةٌ. وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَبْدِ الْغَافِرِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِنَحْوِهِ وَقَالَ تَعَالَى وَإِذْ قَالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ في ضَلالٍ مُبِينٍ 6: 74 هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اسْمَ أَبِي إِبْرَاهِيمَ آزَرُ وَجُمْهُورُ أَهْلِ النَّسَبِ مِنْهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى أَنَّ اسْمَ أَبِيهِ تَارَحُ وَأَهْلُ الْكِتَابِ يَقُولُونَ تَارَخُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ فَقِيلَ إِنَّهُ لُقِّبَ بِصَنَمٍ كَانَ يَعْبُدُهُ اسْمُهُ آزَرُ وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ وَالصَّوَابُ أَنَّ اسْمَهُ آزَرُ وَلَعَلَّ لَهُ اسْمَانِ عَلَمَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا لَقَبٌ وَالْآخَرُ عَلَمٌ. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُحْتَمَلٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ. فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ. فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ. فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ. إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدانِ وَلا أَخافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ. وَكَيْفَ أَخافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ. وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ من نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) 6: 75- 83. وَهَذَا الْمَقَامُ مَقَامُ مُنَاظَرَةٍ لِقَوْمِهِ وَبَيَانٌ لَهُمْ أَنَّ هَذِهِ الْأَجْرَامَ الْمُشَاهَدَةَ مِنَ الْكَوَاكِبِ النَّيِّرَةِ لَا تَصْلُحُ لِلْأُلُوهِيَّةِ وَلَا أَنْ تُعْبَدَ مَعَ اللَّهِ عز وجل لِأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ مَرْبُوبَةٌ مَصْنُوعَةٌ مُدَبَّرَةٌ مُسَخَّرَةٌ تَطْلُعُ تَارَةً وَتَأْفُلُ أُخْرَى فَتَغِيبُ عَنْ هَذَا الْعَالَمِ وَالرَّبُّ تَعَالَى لَا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ وَلَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ بَلْ هُوَ الدَّائِمُ الْبَاقِي بِلَا زَوَالٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَلَا رَبَّ سِوَاهُ فَبَيَّنَ لَهُمْ أولا عدم

ص: 142

صلاحية الكواكب. قيل هو الزهرة لذلك ثم تَرَقَّى مِنْهَا إِلَى الْقَمَرِ الَّذِي هُوَ أَضْوَأُ مِنْهَا وَأَبْهَى مِنْ حُسْنِهَا.

ثُمَّ تَرَقَّى إِلَى الشَّمْسِ الَّتِي هِيَ أَشَدُّ الْأَجْرَامِ الْمُشَاهَدَةِ ضِيَاءً وَسَنَاءً وَبَهَاءً فَبَيَّنَ أَنَّهَا مُسَخَّرَةٌ مُسَيَّرَةٌ مُقَدَّرَةٌ مَرْبُوبَةٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَمن آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ 41: 37 ولهذا قال فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً 6: 78 أَيْ طَالِعَةً (قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ. إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدانِ وَلا أَخافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً) 6: 78- 80. أَيْ لَسْتُ أُبَالِي فِي هَذِهِ الْآلِهَةِ الَّتِي تَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنَّهَا لَا تَنْفَعُ شَيْئًا وَلَا تَسْمَعُ وَلَا تَعْقِلُ بَلْ هِيَ مَرْبُوبَةٌ مُسَخَّرَةٌ كَالْكَوَاكِبِ وَنَحْوِهَا أَوْ مَصْنُوعَةٌ مَنْحُوتَةٌ مَنْجُورَةٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَوْعِظَتَهُ هَذِهِ فِي الْكَوَاكِبِ لأهل حران فإنهم كانوا يَعْبُدُونَهَا وَهَذَا يَرُدُّ قَوْلَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ قَالَ هَذَا حِينَ خَرَجَ مِنَ السَّرَبِ لَمَّا كَانَ صَغِيرًا كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى أَخْبَارٍ إِسْرَائِيلِيَّةٍ لَا يُوثَقُ بِهَا وَلَا سِيَّمَا إِذَا خَالَفَتِ الْحَقَّ وَأَمَّا أَهْلُ بَابِلَ فَكَانُوا يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ وَهُمُ الَّذِينَ نَاظَرَهُمْ فِي عِبَادَتِهَا وَكَسَرَهَا عَلَيْهِمْ وَأَهَانَهَا وَبَيَّنَ بُطْلَانَهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى وَقال إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا. ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً. وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ من ناصِرِينَ) 29: 25 وَقَالَ فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ. إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ. قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ. قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ. قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ. قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ. وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ. فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ. قالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ. قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ. قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنا يَا إِبْراهِيمُ. قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ. ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ. لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ. قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ. قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ. قُلْنا يَا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ وَأَرادُوا به كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ 21: 51- 70 وقال في سورة الشعراء وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ إِذْ قال لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ. قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ. قال هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ. قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ. قال أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ. الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ. وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ. وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ. وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ. وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ

ص: 143

رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ 26: 69- 83. وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ. إِذْ قال لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ماذا تَعْبُدُونَ. أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ. فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ. فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ. فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ. فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ. فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ. فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ. قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ. وَالله خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ. قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ. فَأَرادُوا به كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ 37: 83- 98 يُخْبِرُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِهِ عليه السلام أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَى قَوْمِهِ عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ وَحَقَّرَهَا عِنْدَهُمْ وَصَغَّرَهَا وَتَنَقَّصَهَا فَقَالَ (مَا هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ) 21: 52 أَيْ مُعْتَكِفُونَ عِنْدَهَا وَخَاضِعُونَ لَهَا قَالُوا (وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ) 21: 53 مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا صَنِيعُ الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ وَمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ الْأَنْدَادِ (قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ. أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) 21: 54 كَمَا قَالَ تَعَالَى إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ماذا تَعْبُدُونَ. أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ. فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ 37: 85- 87 قَالَ قَتَادَةُ فَمَا ظَنُّكُمْ بِهِ أَنَّهُ فَاعِلٌ بِكُمْ إِذَا لَقِيتُمُوهُ وَقَدْ عَبَدْتُمْ غَيْرَهُ وَقَالَ لَهُمْ (هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ. قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ) 26: 72- 74 سَلَّمُوا لَهُ أَنَّهَا لَا تَسْمَعُ دَاعِيًا وَلَا تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ شَيْئًا وَإِنَّمَا الْحَامِلُ لَهُمْ عَلَى عِبَادَتِهَا الِاقْتِدَاءُ بِأَسْلَافِهِمْ وَمَنْ هُوَ مِثْلُهُمْ فِي الضَّلَالِ مِنَ الْآبَاءِ الْجُهَّالِ وَلِهَذَا قَالَ لَهُمْ (أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ) 26: 75- 77 وَهَذَا بُرْهَانٌ قَاطِعٌ عَلَى بُطْلَانِ إِلَهِيَّةِ مَا ادَّعَوْهُ مِنَ الْأَصْنَامِ لِأَنَّهُ تَبَرَّأَ مِنْهَا وَتَنَقَّصَ بِهَا فَلَوْ كَانَتْ تَضُرُّ لَضَرَّتْهُ أَوْ تُؤَثِّرُ لَأَثَّرَتْ فِيهِ (قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ من اللَّاعِبِينَ) 21: 55 يقولون هذا الكلام الّذي تقوله لنا وتتنقص بِهِ آلِهَتَنَا وَتَطْعَنُ بِسَبَبِهِ فِي آبَائِنَا تَقُولُهُ مُحِقًّا جَادًّا فِيهِ أَمْ لَاعِبًا (قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ من الشَّاهِدِينَ) 21: 56 يَعْنِي بَلْ أَقُولُ لَكُمْ ذَلِكَ جَادًّا مُحِقًّا وَإِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هو ربكم ورب كل شيء فاطر السموات وَالْأَرْضِ الْخَالِقُ لَهُمَا عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَبَقَ فَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ. وَقَوْلُهُ (وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ) 21: 57 أَقْسَمَ لَيَكِيدَنَّ هَذِهِ الْأَصْنَامَ الَّتِي يَعْبُدُونَهَا بَعْدَ أَنْ تَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ إِلَى عِيدِهِمْ. قِيلَ إِنَّهُ قَالَ هَذَا خُفْيَةً فِي نَفْسِهِ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ سَمِعَهُ بَعْضُهُمْ وَكَانَ لَهُمْ عِيدٌ يَذْهَبُونَ إِلَيْهِ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً إِلَى ظَاهِرِ الْبَلَدِ فَدَعَاهُ أَبُوهُ لِيَحْضُرَهُ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ. فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ 37: 88- 89.

عَرَّضَ لَهُمْ فِي الْكَلَامِ حَتَّى تَوَصَّلَ إِلَى مَقْصُودِهِ مِنْ إِهَانَةِ أَصْنَامِهِمْ وَنُصْرَةِ دِينِ اللَّهِ الْحَقِّ فِي بُطْلَانِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ الَّتِي تَسْتَحِقُّ أَنْ تُكَسَّرَ وَأَنْ تُهَانَ غَايَةَ الْإِهَانَةِ فَلَمَّا خَرَجُوا إِلَى عِيدِهِمْ واستقر هو في بلدهم راغ إِلى آلِهَتِهِمْ 37: 91 أَيْ ذَهَبَ إِلَيْهَا مُسْرِعًا مُسْتَخْفِيًا فَوَجَدَهَا فِي بَهْوٍ عَظِيمٍ وَقَدْ وَضَعُوا بَيْنَ أَيْدِيَهَا أَنْوَاعًا مِنَ الْأَطْعِمَةِ قُرْبَانًا إِلَيْهَا (فَقَالَ) لَهَا عَلَى سَبِيلِ التَّهَكُّمِ وَالِازْدِرَاءِ (أَلا تَأْكُلُونَ. مَا لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ. فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ) 37: 91- 93 لِأَنَّهَا أَقْوَى وَأَبْطَشُ وَأَسْرَعُ وَأَقْهَرُ فَكَسَّرَهَا بِقَدُومٍ فِي يَدِهِ كَمَا قَالَ

ص: 144

تعالى فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً 21: 58 أَيْ حُطَامًا كَسَّرَهَا كُلَّهَا إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ 21: 58 قِيلَ إِنَّهُ وَضَعَ الْقَدُومَ فِي يَدِ الْكَبِيرِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ غَارَ أَنْ تُعْبَدَ مَعَهُ هَذِهِ الصِّغَارُ. فَلَمَّا رَجَعُوا مِنْ عِيدِهِمْ وَوَجَدُوا مَا حَلَّ بِمَعْبُودِهِمْ قالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ 21: 59 وَهَذَا فِيهِ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يعقلون وهو ماحل بِآلِهَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا فَلَوْ كَانَتْ آلِهَةً لَدَفَعَتْ عَنْ أَنْفُسِهَا مَنْ أَرَادَهَا بِسُوءٍ لَكِنَّهُمْ قَالُوا مِنْ جَهْلِهِمْ وَقِلَّةِ عَقْلِهِمْ وَكَثْرَةِ ضَلَالِهِمْ وَخَبَالِهِمْ مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ. قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ) 21: 59- 60 أَيْ يَذْكُرُهَا بِالْعَيْبِ وَالتَّنَقُّصِ لَهَا وَالِازْدِرَاءِ بِهَا فَهُوَ الْمُقِيمُ عَلَيْهَا وَالْكَاسِرُ لَهَا. وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْ يَذْكُرُهُمْ بِقَوْلِهِ وتاللَّه لَأَكِيدَنَّ أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين (قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ) 21: 61 أَيْ فِي الْمَلَأِ الْأَكْبَرِ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ مَقَالَتَهُ وَيَسْمَعُونَ كَلَامَهُ وَيُعَايِنُونَ مَا يَحِلُّ بِهِ مِنَ الِاقْتِصَاصِ مِنْهُ وَكَانَ هَذَا أَكْبَرَ مَقَاصِدِ الْخَلِيلِ عليه السلام أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ كُلُّهُمْ فَيُقِيمَ عَلَى جَمِيعِ عُبَّادِ الْأَصْنَامِ الْحُجَّةَ عَلَى بُطْلَانِ مَا هُمْ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ مُوسَى عليه السلام لِفِرْعَوْنَ (مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى) 20: 59 فَلَمَّا اجْتَمَعُوا وَجَاءُوا بِهِ كَمَا ذَكَرُوا (قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنا يَا إِبْراهِيمُ. قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) 21: 62- 63 قِيلَ مَعْنَاهُ هُوَ الْحَامِلُ لِي عَلَى تَكْسِيرِهَا وإنما عرض لهم في القول (فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) 21: 63 وَإِنَّمَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ هَذَا أَنْ يُبَادِرُوا إِلَى القول بأن هَذِهِ لَا تَنْطِقُ فَيَعْتَرِفُوا بِأَنَّهَا جَمَادٌ كَسَائِرِ الْجَمَادَاتِ فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ) 21: 64 أَيْ فَعَادُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْمَلَامَةِ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ 21: 64 أَيْ فِي تَرْكِهَا لَا حَافِظَ لَهَا وَلَا حارس عندها (ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ) 21: 65 قَالَ السُّدِّيُّ أَيْ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى الْفِتْنَةِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ 21: 64 أَيْ فِي عِبَادَتِهَا وَقَالَ قَتَادَةُ أَدْرَكَتِ الْقَوْمَ حَيْرَةُ سَوْءٍ أَيْ فَأَطْرَقُوا ثُمَّ قَالُوا (لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ) 21: 65 أَيْ لَقَدْ عَلِمْتَ يَا إِبْرَاهِيمُ أَنَّ هَذِهِ لَا تَنْطِقُ فَكَيْفَ تَأْمُرُنَا بِسُؤَالِهَا فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ لَهُمُ الْخَلِيلُ عليه السلام (أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ.

أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله أَفَلا تَعْقِلُونَ) 21: 66- 67 كما قال (فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ) 37: 94 قَالَ مُجَاهِدٌ يُسْرِعُونَ قَالَ (أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ) 37: 95 أَيْ كَيْفَ تَعْبُدُونَ أَصْنَامًا أَنْتُمْ تَنْحِتُونَهَا مِنَ الْخَشَبِ وَالْحِجَارَةِ وَتُصَوِّرُونَهَا وَتُشَكِّلُونَهَا كَمَا تُرِيدُونَ (وَالله خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) 37: 96 وَسَوَاءٌ كَانَتْ مَا مَصْدَرِيَّةً أَوْ بِمَعْنَى الَّذِي فَمُقْتَضَى الْكَلَامِ أَنَّكُمْ مَخْلُوقُونَ وَهَذِهِ الْأَصْنَامَ مَخْلُوقَةٌ فكيف يعبد مخلوق لمخلوق مِثْلَهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ عِبَادَتُكُمْ لَهَا بِأَوْلَى مِنْ عِبَادَتِهَا لَكُمْ وَهَذَا بَاطِلٌ فَالْآخَرُ بَاطِلٌ لِلتَّحَكُّمِ إِذْ لَيْسَتِ الْعِبَادَةُ تَصْلُحُ وَلَا تَجِبُ إِلَّا لِلْخَالِقِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ (قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ. فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ) 37: 97- 98. عَدَلُوا عَنِ الْجِدَالِ وَالْمُنَاظَرَةِ لَمَّا انْقَطَعُوا وَغُلِبُوا وَلَمْ تَبْقَ لَهُمْ حَجَّةٌ وَلَا شُبْهَةٌ إِلَى اسْتِعْمَالِ قُوَّتِهِمْ وَسُلْطَانِهِمْ لِيَنْصُرُوا مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ سَفَهِهِمْ وَطُغْيَانِهِمْ فَكَادَهُمُ الرَّبُّ جل جلاله وَأَعْلَى كَلِمَتَهُ وَدِينَهُ وَبُرْهَانَهُ كَمَا قَالَ

ص: 145

تَعَالَى قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ. قُلْنا يَا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ وَأَرادُوا به كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ 21: 68- 70. وَذَلِكَ أَنَّهُمْ شَرَعُوا يَجْمَعُونَ حَطَبًا مِنْ جَمِيعِ مَا يُمْكِنُهُمْ مِنَ الْأَمَاكِنِ فَمَكَثُوا مُدَّةً يَجْمَعُونَ لَهُ حَتَّى إِنَّ الْمَرْأَةَ مِنْهُمْ كَانَتْ إِذَا مَرِضَتْ تَنْذِرُ لَئِنْ عُوفِيَتْ لَتَحْمِلَنَّ حَطَبًا لِحَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ ثُمَّ عَمَدُوا إِلَى جَوْبَةٍ عَظِيمَةٍ فَوَضَعُوا فِيهَا ذَلِكَ الْحَطَبَ وَأَطْلَقُوا فِيهِ النَّارَ فَاضْطَرَمَتْ وتأججت والتهبت وعلالها شَرَرٌ لَمْ يُرَ مِثْلُهُ قَطُّ ثُمَّ وَضَعُوا إِبْرَاهِيمَ عليه السلام فِي كِفَّةِ مَنْجَنِيقٍ صَنَعَهُ لهم رجل من الأكراد يقال له هزن وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ صَنَعَ الْمَجَانِيقَ فَخَسَفَ اللَّهُ بِهِ الْأَرْضَ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ أَخَذُوا يُقَيِّدُونَهُ وَيُكَتِّفُونَهُ وَهُوَ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ لَكَ الْحَمْدُ وَلَكَ الْمُلْكُ لَا شَرِيكَ لَكَ فَلَمَّا وُضِعَ الْخَلِيلُ عليه السلام فِي كِفَّةِ الْمَنْجَنِيقِ مُقَيَّدًا مَكْتُوفًا ثُمَّ أَلْقَوْهُ مِنْهُ إِلَى النَّارِ قَالَ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ 3: 173 كَمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ 3: 173 قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ حِينَ قِيلَ لَهُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً. وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ 3: 173- 174 الْآيَةَ وَقَالَ أَبُو يَعْلَى حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أُلْقِيَ إِبْرَاهِيمُ فِي النَّارِ قَالَ اللَّهمّ إِنَّكَ فِي السَّمَاءِ وَاحِدٌ وَأَنَا فِي الْأَرْضِ وَاحِدٌ أَعْبُدُكَ وَذَكَرَ بَعْضُ السَّلَفِ أَنَّ جِبْرِيلَ عَرَضَ لَهُ فِي الْهَوَاءِ فَقَالَ أَلَكَ حَاجَةٌ فَقَالَ أَمَّا إِلَيْكَ فَلَا وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ جَعَلَ مَلَكُ الْمَطَرِ يَقُولُ مَتَى أُومَرُ فَأُرْسِلَ الْمَطَرَ فَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ أَسْرَعَ (قُلْنا يَا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) 21: 69 قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَيْ لَا تَضُرِّيهِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو الْعَالِيَةِ لَوْلَا أن الله قال وسلاما على إبراهيم لَأَذَى إِبْرَاهِيمَ بَرْدُهَا وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ لَمْ يَنْتَفِعْ أَهْلُ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ بِنَارٍ وَلَمْ يُحْرَقْ مِنْهُ سِوَى وَثَاقِهِ وَقَالَ الضَّحَّاكُ يُرْوَى أَنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام كَانَ مَعَهُ يَمْسَحُ الْعَرَقَ عَنْ وَجْهِهِ لَمْ يُصِبْهُ مِنْهَا شَيْءٌ غَيْرُهُ وَقَالَ السُّدِّيُّ كَانَ مَعَهُ أَيْضًا مَلَكُ الظِّلِّ. وصار إبراهيم عليه السلام في ميل الجوبة حَوْلَهُ النَّارُ وَهُوَ فِي رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْوُصُولِ إِلَيْهِ وَلَا هُوَ يَخْرُجُ إِلَيْهِمْ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ أَحْسَنُ كَلِمَةٍ قَالَهَا أَبُو إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لَمَّا رَأَى وَلَدَهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ نِعْمَ الرَّبُّ رَبُّكَ يَا إِبْرَاهِيمُ وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ أُمَّ إِبْرَاهِيمَ نَظَرَتْ إِلَى ابْنِهَا عليه السلام فَنَادَتْهُ يَا بُنَيَّ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَجِيءَ إِلَيْكَ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُنَجِّيَنِي مِنْ حَرِّ النَّارِ حَوْلَكَ. فَقَالَ نَعَمْ فَأَقْبَلَتْ إِلَيْهِ لَا يَمَسُّهَا شَيْءٌ مِنْ حَرِّ النَّارِ. فَلَمَّا وَصَلَتْ إِلَيْهِ اعْتَنَقَتْهُ وَقَبَّلَتْهُ ثُمَّ عَادَتْ وَعَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ أُخْبِرْتُ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ مَكَثَ هُنَاكَ إِمَّا أَرْبَعِينَ وَإِمَّا خَمْسِينَ يَوْمًا وَأَنَّهُ قَالَ مَا كُنْتُ أَيَّامًا وَلَيَالِيَ أَطْيَبَ عَيْشًا إِذْ كُنْتُ فِيهَا وَوَدِدْتُ أَنَّ عَيْشِي وَحَيَاتِي كُلَّهَا مِثْلُ إِذْ كُنْتُ فِيهَا صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عليه

ص: 146