الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَنْ ذَلِكَ لِتَكْذِيبِهِمْ بِآيَاتِنَا وَتَغَافُلِهِمْ عَنْهَا وَإِعْرَاضِهِمْ عَنِ التَّصْدِيقِ بِهَا وَالتَّفَكُّرِ فِي مَعْنَاهَا وَتَرْكِ الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهَا وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كانُوا يَعْمَلُونَ 7: 147.
قِصَّةُ عِبَادَتِهِمُ الْعِجْلَ فِي غَيْبَةِ كَلِيمِ اللَّهِ عنهم
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ. وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ. وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ. إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ. وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ 7: 148- 154 وقال تَعَالَى وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسى قَالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي قالُوا مَا أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هَذَا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي.
قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى. قَالَ يَا هارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي قال يَا بْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي قَالَ فَما خَطْبُكَ يَا سامِرِيُّ قَالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي. قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِساسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً 20: 83- 98 يَذْكُرُ تَعَالَى مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ حِينَ ذَهَبَ مُوسَى عليه السلام إِلَى مِيقَاتِ رَبِّهِ فَمَكَثَ عَلَى الطُّورِ يُنَاجِيهِ رَبُّهُ وَيَسْأَلُهُ مُوسَى عليه السلام عَنْ أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ وَهُوَ تَعَالَى يُجِيبُهُ عَنْهَا فَعَمَدَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يقال له هارون السامري فاخذ ما كان استعاره مِنَ الْحُلِيِّ فَصَاغَ مِنْهُ عِجْلًا وَأَلْقَى فِيهِ قَبْضَةً مِنَ التُّرَابِ كَانَ أَخَذَهَا مِنْ أَثَرِ فَرَسِ جِبْرِيلَ حِينَ رَآهُ يَوْمَ أَغْرَقَ اللَّهُ فرعون على يديه فلما ألقاها فيه خاركما
يَخُورُ الْعِجْلُ الْحَقِيقِيُّ. وَيُقَالُ إِنَّهُ اسْتَحَالَ عِجْلًا جَسَدًا أَيْ لَحْمًا وَدَمًا حَيًّا يَخُورُ. قَالَهُ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ وَقِيلَ بَلْ كَانَتِ الرِّيحُ إِذَا دَخَلَتْ مِنْ دُبُرِهِ خَرَجَتْ مِنْ فَمِهِ فَيَخُورُ كَمَا تَخُورُ الْبَقَرَةُ فَيَرْقُصُونَ حَوْلَهُ وَيَفْرَحُونَ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ 20: 88 أَيْ فَنَسِيَ مُوسَى رَبَّهُ عِنْدَنَا وَذَهَبَ يَتَطَلَّبُهُ وَهُوَ هَاهُنَا تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ وَصِفَاتُهُ وَتَضَاعَفَتْ آلَاؤُهُ وَعِدَاتُهُ. قال الله تعالى مبينا بُطْلَانَ مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ وَمَا عَوَّلُوا عَلَيْهِ مِنْ إِلَهِيَّةِ هَذَا الَّذِي قُصَارَاهُ أَنْ يَكُونَ حَيَوَانًا بَهِيمًا وَشَيْطَانًا رَجِيمًا أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً 20: 89 وَقَالَ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ 7: 148 فَذَكَرَ أَنَّ هَذَا الْحَيَوَانَ لَا يَتَكَلَّمُ وَلَا يَرُدُّ جَوَابًا وَلَا يَمْلِكُ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَهْدِي إِلَى رُشْدٍ اتَّخَذُوهُ وَهُمْ ظَالِمُونَ لِأَنْفُسِهِمْ عَالِمُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ بُطْلَانَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْجَهْلِ وَالضَّلَالِ وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ 7: 149 أَيْ نَدِمُوا عَلَى مَا صَنَعُوا وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ 7: 149. وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى عليه السلام إِلَيْهِمْ وَرَأَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ وَمَعَهُ الْأَلْوَاحُ الْمُتَضَمِّنَةُ التَّوْرَاةَ أَلْقَاهَا فَيُقَالُ إِنَّهُ كَسَرَهَا. وَهَكَذَا هُوَ عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَإِنَّ اللَّهَ أَبْدَلَهُ غَيْرَهَا وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ الْقُرْآنِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ أَلْقَاهَا حِينَ عَايَنَ مَا عَايَنَ. وَعِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّهُمَا كَانَا لَوْحَيْنِ وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ أَنَّهَا أَلْوَاحٌ مُتَعَدِّدَةٌ وَلَمْ يَتَأَثَّرْ بِمُجَرَّدِ الْخَبَرِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ فَأَمَرَهُ بِمُعَايَنَةِ ذَلِكَ. وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ) ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ فَعَنَّفَهُمْ وَوَبَّخَهُمْ وَهَجَّنَهُمْ فِي صَنِيعِهِمْ هَذَا الْقَبِيحِ فَاعْتَذَرُوا إِلَيْهِ بِمَا لَيْسَ بِصَحِيح قَالُوا إِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ 20: 87 تَحَرَّجُوا مِنْ تَمَلُّكِ حُلِيِّ آلِ فِرْعَوْنَ وَهُمْ أَهْلُ حَرْبٍ وَقَدْ أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِأَخْذِهِ وَأَبَاحَهُ لَهُمْ وَلَمْ يَتَحَرَّجُوا بِجَهْلِهِمْ وَقِلَّةِ عِلْمِهِمْ وَعَقْلِهِمْ مِنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ الْجَسَدِ الَّذِي لَهُ خُوَارٌ مَعَ الْوَاحِدِ الْأَحَدِ الْفَرْدِ الصَّمَدِ الْقَهَّارِ. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَخِيهِ هَارُونَ عليهما السلام قَائِلًا له يَا هارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ 20: 92- 93 أَيْ هَلَّا لَمَّا رَأَيْتَ مَا صَنَعُوا اتَّبَعْتَنِي فَأَعْلَمْتَنِي بِمَا فَعَلُوا فَقَالَ إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ 20: 94 أَيْ تَرَكْتَهُمْ وَجِئْتَنِي وَأَنْتَ قَدِ اسْتَخْلَفْتَنِي فِيهِمْ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ 7: 151 وَقَدْ كَانَ هَارُونُ عليه السلام نَهَاهُمْ عَنْ هَذَا الصَّنِيعِ الْفَظِيعِ أَشَدَّ النَّهْيِ وَزَجَرَهُمْ عَنْهُ أَتَمَّ الزَّجْرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ به 20: 90 أَيْ إِنَّمَا قَدَّرَ اللَّهُ أَمَرَ هَذَا الْعِجْلِ وَجَعَلَهُ يَخُورُ فِتْنَةً وَاخْتِبَارًا لَكُمْ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ 20: 90 أي لا هذا فَاتَّبِعُونِي 20: 90 أَيْ فِيمَا أَقُولُ لَكُمْ وَأَطِيعُوا أَمْرِي. قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى 20: 90- 91 يَشْهَدُ اللَّهُ لِهَارُونَ عليه السلام وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً 4: 79 أَنَّهُ نَهَاهُمْ وَزَجَرَهُمْ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يطيعوه ولم يتبعوه ثم أقبل موسى عَلَى السَّامِرِيِّ قَالَ فَما خَطْبُكَ يَا سامِرِيُّ 20: 95 أَيْ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ قَالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا به 20: 96 أَيْ رَأَيْتُ جِبْرَائِيلَ وَهُوَ رَاكِبٌ
فرسا فَقَبَضْتُ قَبْضَةً من أَثَرِ الرَّسُولِ 20: 96 أَيْ مِنْ أَثَرِ فَرَسِ جِبْرِيلَ. وَقَدْ ذَكَرَ بعضهم أنه رآه وكلما وَطِئَتْ بِحَوَافِرِهَا عَلَى مَوْضِعٍ اخْضَرَّ وَأَعْشَبَ فَأَخَذَ مِنْ أَثَرِ حَافِرِهَا فَلَمَّا أَلْقَاهُ فِي هَذَا الْعِجْلِ الْمَصْنُوعِ مِنَ الذَّهَبِ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ وَلِهَذَا قَالَ فَنَبَذْتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي. قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ 20: 96- 97 وَهَذَا دُعَاءٌ عَلَيْهِ بِأَنْ لَا يَمَسَّ أَحَدًا مُعَاقَبَةً لَهُ عَلَى مَسِّهِ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَسُّهُ. هَذَا مُعَاقَبَةٌ لَهُ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ تَوَعَّدَهُ فِي الْأُخْرَى فَقَالَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ 20: 97 وقرئ لَنْ نُخْلِفَهُ وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً 20: 97 قَالَ فَعَمَدَ مُوسَى عليه السلام إِلَى هَذَا العجل فحرقه بالنار كما قاله قتادة وغيره. وقيل بالبارد كَمَا قَالَهُ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ نَصُّ أَهْلِ الْكِتَابِ ثُمَّ ذَرَّاهُ فِي الْبَحْرِ وَأَمَرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَشَرِبُوا فَمَنْ كَانَ مِنْ عَابِدِيهِ عَلَّقَ عَلَى شِفَاهِهِمْ مِنْ ذَلِكَ الرَّمَادِ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَقِيلَ بَلِ اصْفَرَّتْ أَلْوَانُهُمْ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ مُوسَى أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً 20: 98 وَقَالَ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ 7: 152 وَهَكَذَا وَقَعَ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ 7: 152 مسجلة لكل صاحب بدعة الى يوم القيمة. ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ حِلْمِهِ وَرَحْمَتِهِ بِخَلْقِهِ وَإِحْسَانِهِ عَلَى عَبِيدِهِ فِي قَبُولِهِ تَوْبَةَ مَنْ تَابَ إِلَيْهِ بِتَوْبَتِهِ عَلَيْهِ فَقَالَ وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ من بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ 7: 153 لَكِنْ لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ تَوْبَةَ عَابِدِي الْعِجْلِ إِلَّا بِالْقَتْلِ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَإِذْ قَالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ 2: 54 فَيُقَالُ إِنَّهُمْ أَصْبَحُوا يَوْمًا وَقَدْ أَخَذَ مَنْ لَمْ يَعْبُدِ الْعِجْلَ فِي أَيْدِيهِمُ السُّيُوفَ وَأَلْقَى الله عليهم ضَبَابًا حَتَّى لَا يَعْرِفَ الْقَرِيبُ قَرِيبَهُ وَلَا النَّسِيبُ نَسِيبَهُ. ثُمَّ مَالُوا عَلَى عَابِدِيهِ فَقَتَلُوهُمْ وَحَصَدُوهُمْ فَيُقَالُ إِنَّهُمْ قَتَلُوا فِي صَبِيحَةٍ وَاحِدَةٍ سَبْعِينَ أَلْفًا. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ 7: 154 استدل بعضهم بقوله وفي نسختها عَلَى أَنَّهَا تَكَسَّرَتْ وَفِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ نَظَرٌ وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا تَكَسَّرَتْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي حَدِيثِ الْفُتُونِ كَمَا سَيَأْتِي أَنَّ عِبَادَتَهُمُ الْعِجْلَ كَانَتْ عَلَى أَثَرِ خُرُوجِهِمْ مِنَ الْبَحْرِ وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ لِأَنَّهُمْ حِينَ خَرَجُوا قالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ 7: 138.
وَهَكَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنَّ عِبَادَتَهُمُ الْعِجْلَ كَانَتْ قَبْلَ مَجِيئِهِمْ بِلَادَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا أُمِرُوا بِقَتْلِ مَنْ عَبَدَ الْعِجْلَ قَتَلُوا فِي أَوَّلِ يَوْمٍ ثَلَاثَةَ آلَافٍ. ثُمَّ ذَهَبَ مُوسَى يَسْتَغْفِرُ لَهُمْ فَغُفِرَ لَهُمْ بِشَرْطِ أَنْ يَدْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ. وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ. وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفي الْآخِرَةِ
إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قَالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ 7: 155- 157 ذَكَرَ السُّدِّيُّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمَا أَنَّ هَؤُلَاءِ السَّبْعِينَ كَانُوا عُلَمَاءَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمَعَهُمْ مُوسَى وَهَارُونُ وَيُوشَعُ وَنَادَابُ وَأَبِيهُو ذَهَبُوا مَعَ مُوسَى عليه السلام لِيَعْتَذِرُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي عِبَادَةِ مَنْ عَبَدَ مِنْهُمُ الْعِجْلَ وَكَانُوا قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَتَطَيَّبُوا وَيَتَطَهَّرُوا وَيَغْتَسِلُوا فَلَمَّا ذَهَبُوا مَعَهُ وَاقْتَرَبُوا مِنَ الْجَبَلِ وَعَلَيْهِ الْغَمَامُ وَعَمُودُ النُّورِ سَاطِعٌ وَصَعِدَ مُوسَى الْجَبَلَ فَذَكَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَنَّهُمْ سَمِعُوا كَلَامَ اللَّهِ وَهَذَا قَدْ وَافَقَهُمْ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَحَمَلُوا عَلَيْهِ قَوْلَهُ تَعَالَى وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ 2: 75 وَلَيْسَ هَذَا بِلَازِمٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ الله 9: 6 أَيْ مُبَلَّغًا وَهَكَذَا هَؤُلَاءِ سَمِعُوهُ مُبَلَّغًا مِنْ مُوسَى عليه السلام وَزَعَمُوا أَيْضًا أَنَّ السَّبْعِينَ رَأَوُا اللَّهَ وَهَذَا غَلَطٌ مِنْهُمْ لِأَنَّهُمْ لَمَّا سَأَلُوا الرُّؤْيَةَ أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ. ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 2: 55- 56 وَقَالَ هَاهُنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ من قَبْلُ وَإِيَّايَ 7: 155 الْآيَةَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ اخْتَارَ مُوسَى مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَبْعِينَ رَجُلًا الْخَيِّرَ فَالْخَيِّرَ. وَقَالَ انْطَلَقُوا إِلَى اللَّهِ فَتُوبُوا إِلَيْهِ مِمَّا صَنَعْتُمْ وَسَلُوهُ التَّوْبَةَ عَلَى مَنْ تَرَكْتُمْ وَرَاءَكُمْ مِنْ قَوْمِكُمْ صُومُوا وَتَطَهَّرُوا وَطَهِّرُوا ثِيَابَكُمْ فَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى طُورِ سَيْنَاءَ لِمِيقَاتٍ وَقَّتَهُ لَهُ رَبَّهُ وَكَانَ لَا يَأْتِيهِ إِلَّا بِإِذْنٍ مِنْهُ وَعِلْمٍ فَطَلَبَ مِنْهُ السَّبْعُونَ أَنْ يَسْمَعُوا كَلَامَ اللَّهِ فَقَالَ أَفْعَلُ فَلَمَّا دَنَا مُوسَى مِنَ الْجَبَلِ وَقَعَ عَلَيْهِ عَمُودُ الْغَمَامِ حَتَّى تَغَشَّى الْجَبَلَ كُلَّهُ وَدَنَا مُوسَى فَدَخَلَ فِي الْغَمَامِ وَقَالَ لِلْقَوْمِ ادْنُوا وَكَانَ مُوسَى إِذَا كَلَّمَهُ اللَّهُ وَقَعَ عَلَى جَبْهَتِهِ نُورٌ سَاطِعٌ لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنْ بَنِي آدَمَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ فَضَرَبَ دُونَهُ بِالْحِجَابِ وَدَنَا الْقَوْمُ حَتَّى إِذَا دَخَلُوا فِي الْغَمَامِ وَقَعُوا سُجُودًا فَسَمِعُوهُ وهو يكلم موسى يأمره وَيَنْهَاهُ افْعَلْ وَلَا تَفْعَلْ فَلَمَّا فَرَغَ اللَّهُ مِنْ أَمْرِهِ وَانْكَشَفَ عَنْ مُوسَى الْغَمَامَ أَقْبَلَ اليهم قالوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فاخذتهم الرجفة وهي الصاعقة فالتقت أَرْوَاحُهُمْ فَمَاتُوا جَمِيعًا فَقَامَ مُوسَى يُنَاشِدُ رَبَّهُ وَيَدْعُوهُ وَيَرْغَبُ إِلَيْهِ وَيَقُولُ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا 7: 155 أَيْ لَا تُؤَاخِذْنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ الَّذِينَ عَبَدُوا الْعِجْلَ مِنَّا فَإِنَّا بُرَآءُ مِمَّا عَمِلُوا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَابْنُ جُرَيْجٍ إِنَّمَا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَنْهَوْا قَوْمَهُمْ عَنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ وَقَوْلُهُ إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ 7: 155 أَيِ اخْتِبَارُكَ وَابْتِلَاؤُكَ وَامْتِحَانُكَ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ. يَعْنِي أَنْتَ الَّذِي قَدَّرْتَ هَذَا وَخَلَقْتَ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ الْعِجْلِ اخْتِبَارًا تَخْتَبِرُهُمْ
بِهِ كَمَا قَالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ به 20: 90 أي أختبرتم وَلِهَذَا قَالَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي من تَشاءُ 7: 155 أَيْ مَنْ شِئْتَ أَضْلَلْتَهُ بِاخْتِبَارِكَ إِيَّاهُ وَمَنْ شئت هديته لك الحكم والمشيئة ولا مَانِعَ وَلَا رَادَّ لِمَا حَكَمْتَ وَقَضَيْتَ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ 7: 155- 156 أَيْ تُبْنَا إِلَيْكَ وَرَجَعْنَا وَأَنَبْنَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَإِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ وَالضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي اللُّغَةِ. قَالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ 7: 156 أَيْ أَنَا أُعَذِّبُ مَنْ شِئْتُ بِمَا أَشَاءُ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي أَخْلُقُهَا وَأُقَدِّرُهَا وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ 7: 156 كَمًّا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ (إِنَّ الله لما فرغ من خلق السموات وَالْأَرْضِ كَتَبَ كِتَابًا فَهُوَ مَوْضُوعٌ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ 7: 156 أي فسأوحيها حَتْمًا لِمَنْ يَتَّصِفُ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ 7: 157 الْآيَةَ وَهَذَا فِيهِ تَنْوِيهٌ بِذِكْرِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وأمته من الله لِمُوسَى عليه السلام فِي جُمْلَةِ مَا نَاجَاهُ بِهِ وَأَعْلَمَهُ وَأَطْلَعَهُ عَلَيْهِ وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ وَمَا بَعْدَهَا فِي التَّفْسِيرِ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَمَقْنَعٌ وللَّه الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَقَالَ قَتَادَةُ قَالَ مُوسَى يَا رَبِّ أَجِدُّ فِي الْأَلْوَاحِ أُمَّةً خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ رَبِّ اجْعَلْهُمْ أُمَّتِي قَالَ تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ. قَالَ رَبِّ إِنِّي أَجِدُ فِي الْأَلْوَاحِ أُمَّةً هُمُ الْآخِرُونَ فِي الْخَلْقِ السَّابِقُونَ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ رَبِّ اجْعَلْهُمْ أُمَّتِي. قَالَ تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ. قَالَ رَبِّ إِنِّي أَجِدُ فِي الْأَلْوَاحِ أُمَّةً أَنَاجِيلُهُمْ فِي صدورهم يقرءونها وكان من قبلهم يقرءون كِتَابَهُمْ نَظَرًا حَتَّى إِذَا رَفَعُوهَا لَمْ يَحْفَظُوا شَيْئًا وَلَمْ يَعْرِفُوهُ وَإِنَّ اللَّهَ أَعْطَاكُمْ أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ مِنَ الْحِفْظِ شَيْئًا لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا عن الْأُمَمِ قَالَ رَبِّ اجْعَلْهُمْ أُمَّتِي قَالَ تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَجِدُ فِي الْأَلْوَاحِ أُمَّةً يُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ الْأَوَّلِ وَبِالْكِتَابِ الْآخِرِ ويقاتلون فصول الضَّلَالَةِ حَتَّى يُقَاتِلُوا الْأَعْوَرَ الْكَذَّابَ فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي. قَالَ تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ. قَالَ رَبِّ إِنِّي أَجِدُ فِي الْأَلْوَاحِ أُمَّةً صَدَقَاتُهُمْ يَأْكُلُونَهَا فِي بُطُونِهِمْ وَيُؤْجَرُونَ عَلَيْهَا وَكَانَ مَنْ قَبْلَهُمْ إِذَا تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَقُبِلَتْ مِنْهُ بَعْثَ اللَّهُ عَلَيْهَا نَارًا فَأَكْلَتْهَا وَإِنْ رُدَّتْ عَلَيْهِ تُرِكَتْ فَتَأْكُلُهَا السِّبَاعُ وَالطَّيْرُ وَإِنَّ اللَّهَ أَخَذَ صَدَقَاتِكُمْ مِنْ غَنِيِّكُمْ لِفَقِيرِكُمْ قَالَ رَبِّ فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي. قَالَ تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ. قَالَ رَبِّ فَإِنِّي أَجِدُ فِي الْأَلْوَاحِ أُمَّةً إِذَا هَمَّ أَحَدُهُمْ بِحَسَنَةٍ ثُمَّ لَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ قَالَ رَبِّ اجْعَلْهُمْ أُمَّتِي قَالَ تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَجِدُ فِي الْأَلْوَاحِ أُمَّةً هُمُ الْمُشَفَّعُونَ الْمَشْفُوعُ لَهُمْ فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي قَالَ تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ قال قَتَادَةُ فَذَكَرَ لَنَا أَنَّ مُوسَى عليه السلام نَبَذَ الْأَلْوَاحَ وَقَالَ اللَّهمّ اجْعَلْنِي مِنْ أُمَّةِ أَحْمَدَ. وَقَدْ ذَكَرَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ مَا كَانَ مِنْ مُنَاجَاةِ مُوسَى عليه السلام وَأَوْرَدُوا أَشْيَاءَ كَثِيرَةً لَا أَصْلَ لَهَا وَنَحْنُ نَذْكُرُ مَا تَيَسَّرَ ذِكْرُهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ بِعَوْنِ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ وَحُسْنِ هِدَايَتِهِ وَمَعُونَتِهِ وَتَأْيِيدِهِ.
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو حَاتِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ ذِكْرُ سُؤَالِ كَلِيمِ اللَّهِ رَبَّهُ عز وجل عَنْ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَرْفَعِهِمْ مَنْزِلَةً أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ سَعِيدٍ الطَّائِيُّ بِمَنْبَجَ حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى الْبَلْخِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا مُطَرِّفُ بْنُ طَرِيفٍ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبْجَرَ شَيْخَانِ صَالِحَانِ سَمِعْنَا الشَّعْبِيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِنَّ مُوسَى عليه السلام سَأَلَ رَبَّهُ عز وجل أَيُّ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَدْنَى مَنْزِلَةً فَقَالَ رجل يحيى بعد ما يدخل أهل الْجَنَّةَ فَيُقَالُ ادْخُلِ الْجَنَّةَ فَيَقُولُ كَيْفَ أَدْخُلُ الجنة وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا إخاذاتهم فَيُقَالُ لَهُ تَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِنَ الْجَنَّةِ مِثْلُ مَا كَانَ لِمَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا. فَيَقُولُ نَعَمْ أَيْ رَبِّ فَيُقَالُ لَكَ هَذَا وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ فَيَقُولُ أَيْ رَبِّ رَضِيتُ فَيُقَالُ لَهُ لَكَ مَعَ هَذَا مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ وَسَأَلَ رَبَّهُ أَيُّ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَرْفَعُ مَنْزِلَةً قَالَ سَأُحَدِّثُكَ عَنْهُمْ غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا فَلَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ وَمِصْدَاقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الله عز وجل فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ 32: 17 الْآيَةَ وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ عَنْ سُفْيَانَ وَهُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ بِهِ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ (فَيُقَالُ لَهُ أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلَ مُلْكِ مَلِكٍ مَنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ رَضِيتُ رَبِّ فَيَقُولُ لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ فَيَقُولُ فِي الخامسة رضيت رب فيقال هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ فَيَقُولُ رَضِيتُ رَبِّ قَالَ رَبِّ فَأَعْلَاهُمْ مَنْزِلَةً قَالَ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُ غرس كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ قَالَ وَمِصْدَاقُهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ 32: 17 وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
قَالَ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ الْمُغِيرَةِ فَلَمْ يَرْفَعْهُ وَالْمَرْفُوعُ أَصَحُّ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانِ (ذِكْرُ سُؤَالِ الْكَلِيمِ رَبَّهُ عَنْ خِصَالٍ سَبْعٍ) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن محمد بن مسلم بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ أَبَا السَّمْحِ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ حُجَيْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ (سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ عز وجل عَنْ سِتِّ خِصَالٍ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهَا لَهُ خَالِصَةٌ وَالسَّابِعَةُ لَمْ يَكُنْ مُوسَى يُحِبُّهَا. قَالَ يَا رَبِّ أَيُّ عِبَادِكَ أَتْقَى. قَالَ الَّذِي يَذْكُرُ وَلَا يَنْسَى قَالَ فَأَيُّ عِبَادِكَ أَهْدَى قَالَ الَّذِي يَتَّبِعُ الْهُدَى قَالَ فَأَيُّ عِبَادِكَ أَحْكَمُ قَالَ الَّذِي يَحْكُمُ لِلنَّاسِ كَمَا يَحْكُمُ لِنَفْسِهِ. قَالَ فَأَيُّ عِبَادِكَ أَعْلَمُ قَالَ عَالِمٌ لَا يَشْبَعُ مِنَ الْعِلْمِ يَجْمَعُ عِلْمَ النَّاسِ إِلَى عِلْمِهِ. قَالَ فَأَيُّ عِبَادِكَ أَعَزُّ. قَالَ الَّذِي إِذَا قَدَرَ غَفَرَ قَالَ فَأَيُّ عِبَادِكَ أَغْنَى قَالَ الَّذِي يَرْضَى بِمَا يُؤْتَى قَالَ فَأَيُّ عِبَادِكَ أَفْقَرُ قَالَ صَاحِبٌ مَنْقُوصٌ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (لَيْسَ الْغِنَى عَنْ ظَهْرٍ إِنَّمَا الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ) وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا جَعَلَ غِنَاهُ فِي نَفْسِهِ وَتُقَاهُ فِي قَلْبِهِ. وَإِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ شَرًّا جَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ قَوْلُهُ صَاحِبٌ مَنْقُوصٌ يُرِيدُ بِهِ مَنْقُوصَ حَالَتِهِ يَسْتَقِلُّ مَا أُوتِيَ وَيَطْلُبُ الْفَضْلَ. وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَارِيخِهِ عَنْ ابن حميد عن يعقوب التميمي عن هارون بن عبيرة عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ عز وجل فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَفِيهِ قَالَ (أَيْ رَبِّ فَأَيُّ عِبَادِكَ أَعْلَمُ قَالَ الَّذِي يَبْتَغِي عِلْمَ النَّاسِ