المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر ما وقع من الأمور العجيبة في حياة إسرائيل فمن ذلك قصة يوسف بن راحيل - البداية والنهاية - ط السعادة - جـ ١

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الأول]

- ‌كلمة الناشر

- ‌[خطبة الكتاب]

- ‌سبب تأليف الكتاب والطريقة التي اتبعها المؤلف فيه

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِيمَا وَرَدَ فِي صِفَةِ خَلْقِ الْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ

- ‌وَأَمَّا الْكُرْسِيُّ

- ‌ذِكْرِ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ

- ‌باب ما ورد في خلق السموات والأرض وما بينهما

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي سَبْعِ أَرَضِينَ

- ‌فَصْلٌ فِي الْبِحَارِ وَالْأَنْهَارِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌باب ذكر ما يتعلق بخلق السموات وما فيهن مِنَ الْآيَاتِ

- ‌الْكَلَامِ عَلَى الْمَجَرَّةِ وَقَوْسِ قُزَحٍ

- ‌بَابُ ذِكْرِ خَلْقِ الْمَلَائِكَةِ وَصِفَاتِهِمْ عليهم السلام

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ ذِكْرِ خَلْقِ الْجَانِّ وَقِصَّةِ الشَّيْطَانِ

- ‌ذكر آدم عليه السلام

- ‌بَابُ مَا وَرَدَ فِي خَلْقِ آدَمَ عليه السلام

- ‌ذكر احتجاج آدم وموسى عليهما السلام

- ‌ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي خَلْقِ آدَمَ عليه السلام

- ‌ذِكْرُ قِصَّةِ ابْنَيْ آدَمَ قَابِيلَ وَهَابِيلَ

- ‌ذِكْرُ وَفَاةِ آدَمَ وَوَصِيَّتِهِ إِلَى ابنه شيث عليه السلام

- ‌ذِكْرُ إِدْرِيسَ عليه السلام

- ‌قصة نوح عليه السلام

- ‌ذِكْرُ شيء من أخبار نوح نفسه عليه السلام

- ‌ذِكْرُ صَوْمِهِ عليه السلام

- ‌ذكر حجه عليه السلام

- ‌ذكر وصيته لولده عليه السلام

- ‌قِصَّةُ هُودٍ عليه السلام

- ‌قِصَّةُ صالح عليه السلام نبي ثمود

- ‌ذِكْرُ مُرُورِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِوَادِي الْحِجْرِ مِنْ أَرْضِ ثَمُودَ عَامَ تَبُوكَ

- ‌قصة إبراهيم الخليل عليه السلام

- ‌ذِكْرُ مُنَاظَرَةِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ مَعَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُنَازِعَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ في الْعَظَمَةِ وَرِدَاءِ الْكِبْرِيَاءِ فَادَّعَى الرُّبُوبِيَّةَ وَهُوَ أَحَدُ الْعَبِيدِ الضُّعَفَاءِ

- ‌ذكر هجرة الخليل عليه السلام الى بلاد الشام ودخوله الديار المصرية واستقراره في الأرض المقدسة

- ‌ذِكْرُ مَوْلِدِ إسماعيل عليه السلام مِنْ هَاجَرَ

- ‌ذِكْرُ مُهَاجَرَةِ إبراهيم بِابْنِهِ إِسْمَاعِيلَ وَأُمِّهِ هَاجَرَ إِلَى جِبَالِ فَارَانَ وَهِيَ أَرْضُ مَكَّةَ وَبِنَائِهِ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ

- ‌ قِصَّةِ الذَّبِيحِ

- ‌ذِكْرُ مولد إسحاق عليه السلام

- ‌ذكر بناية الْبَيْتِ الْعَتِيقِ

- ‌ذِكْرُ ثَنَاءِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ الكريم على عبده وخليله إبراهيم

- ‌ذِكْرُ قَصْرِهِ فِي الْجَنَّةِ

- ‌ذِكْرُ صِفَةِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام

- ‌ذِكْرُ وَفَاةِ إِبْرَاهِيمَ الخليل وَمَا قِيلَ فِي عُمُرِهِ

- ‌ذِكْرُ أَوْلَادِ إِبْرَاهِيمَ الخليل

- ‌قصة قوم لوط

- ‌قصة مدين قوم شعيب عليه السلام

- ‌بَابُ ذِكْرِ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ عليه الصلاة والتسليم

- ‌ذِكْرُ إِسْمَاعِيلَ عليه السلام

- ‌ذِكْرُ إِسْحَاقَ بن إبراهيم الكريم بن الكريم عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالتَّسْلِيمُ

- ‌ذِكْرُ مَا وَقَعَ مِنَ الْأُمُورِ الْعَجِيبَةِ فِي حياة إسرائيل فمن ذلك قصة يوسف بن رَاحِيلَ

- ‌قصة أَيُّوبَ عليه السلام

- ‌ قِصَّةَ ذِي الْكِفْلِ

- ‌باب ذكر أمم اهلكوا بعامة

- ‌قِصَّةُ قَوْمِ يس وَهُمْ [1] أَصْحَابُ الْقَرْيَةِ أصحاب ياسين

- ‌قصة يونس عليه السلام

- ‌ذِكْرُ فَضْلِ يُونُسَ عليه السلام

- ‌ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم

- ‌فَصْلٌ

- ‌ذِكْرُ هَلَاكِ فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ

- ‌فَصْلٌ فِيمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ هَلَاكِ فِرْعَوْنَ

- ‌فَصْلٌ فِي دُخُولِ بَنِي إِسْرَائِيلَ التِّيهَ وَمَا جَرَى لَهُمْ فِيهِ مِنَ الْأُمُورِ الْعَجِيبَةِ

- ‌سؤال الرؤية

- ‌قِصَّةُ عِبَادَتِهِمُ الْعِجْلَ فِي غَيْبَةِ كَلِيمِ اللَّهِ عنهم

- ‌ذِكْرُ حَدِيثٍ آخَرَ بِمَعْنَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ

- ‌قِصَّةُ بَقَرَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ

- ‌قصة موسى والخضر عليهما السلام

- ‌ذِكْرُ الْحَدِيثِ الْمُلَقَّبِ بِحَدِيثِ الْفُتُونِ الْمُتَضَمِّنِ قِصَّةَ مُوسَى مَبْسُوطَةً مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا

- ‌ذِكْرُ بِنَاءِ قُبَّةِ الزَّمَانِ

- ‌قِصَّةُ قَارُونَ مَعَ مُوسَى عليه السلام

- ‌باب ذِكْرُ فَضَائِلِ مُوسَى عليه السلام وَشَمَائِلِهِ وَصِفَاتِهِ ووفائه

- ‌ذكر حجته عليه السلام الى البيت العتيق

- ‌ذِكْرُ وَفَاتِهِ عليه السلام

- ‌ذِكْرُ نُبُوَّةِ يُوشَعَ وَقِيَامِهِ بِأَعْبَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بعد موسى وهارون عليهما السلام

- ‌ذكر قصتي الخضر والياس عليهما السلام

- ‌أَمَّا الْخَضِرُ

- ‌واما إِلْيَاسُ عليه السلام

الفصل: ‌ذكر ما وقع من الأمور العجيبة في حياة إسرائيل فمن ذلك قصة يوسف بن راحيل

السَّلَامُ وَهُوَ مَكَانُ الصَّخْرَةِ الَّتِي أَعْلَمَهَا بِوَضْعِ الدُّهْنِ عَلَيْهَا قَبْلَ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا وَذَكَرَ أَهْلُ الْكِتَابِ هُنَا قِصَّةَ دِينَا بِنْتِ يعقوب بنت ليا وما كان من أمرها مع شخيم بن جمور الَّذِي قَهَرَهَا عَلَى نَفْسِهَا وَأَدْخَلَهَا مَنْزِلَهُ ثُمَّ خطبها عن أبيها وإخوتها فقال إخوتها إِلَّا أَنْ تَخْتَتِنُوا كُلُّكُمْ فَنُصَاهِرَكُمْ وَتُصَاهِرُونَا فَإِنَّا لَا نُصَاهِرُ قَوْمًا غُلْفًا فَأَجَابُوهُمْ إِلَى ذَلِكَ وَاخْتَتَنُوا كُلُّهُمْ فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ وَاشْتَدَّ وَجَعُهُمْ مِنْ أَلَمِ الْخِتَانِ مَالَ عَلَيْهِمْ بَنُو يعقوب فقتلوهم عن آخرهم وقتلوا شخيما وأباه جمور لِقَبِيحِ مَا صَنَعُوا إِلَيْهِمْ مُضَافًا إِلَى كُفْرِهِمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَهُ مِنْ أَصْنَامِهِمْ فَلِهَذَا قَتَلَهُمْ بنو يعقوب وأخذوا أموالهم غنيمة ثُمَّ حَمَلَتْ رَاحِيلُ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَهُوَ بِنْيَامِينُ إِلَّا أَنَّهَا جَهَدَتْ فِي طَلْقِهَا بِهِ جَهْدًا شَدِيدًا وَمَاتَتْ عَقِيبَهُ فَدَفَنَهَا يَعْقُوبُ فِي أَفَرَاثٍ وَهِيَ بَيْتُ لَحْمٍ وَصَنَعَ يَعْقُوبُ عَلَى قَبْرِهَا حَجَرًا وَهِيَ الْحِجَارَةُ الْمَعْرُوفَةُ بِقَبْرِ رَاحِيلَ إِلَى الْيَوْمِ وَكَانَ أَوْلَادُ يَعْقُوبَ الذُّكُورُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا فَمِنْ لَيَا رُوبِيلُ وَشَمْعَونُ وَلَاوِي وَيَهُوذَا وايساخر وزايلون وَمِنْ رَاحِيلَ يُوسُفُ وَبِنْيَامِينُ وَمِنْ أَمَةِ رَاحِيلَ دان ونفتالى وَمِنْ أَمَةِ لَيَا جَادٌ وَأَشِيرُ عليهم السلام وَجَاءَ يَعْقُوبُ إِلَى أَبِيهِ إِسْحَاقَ فَأَقَامَ عِنْدَهُ بِقَرْيَةِ حَبْرُونَ الَّتِي فِي أَرْضِ كَنْعَانَ حَيْثُ كَانَ يَسْكُنُ إِبْرَاهِيمُ ثُمَّ مَرِضَ إِسْحَاقُ وَمَاتَ عَنْ مِائَةٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً وَدَفَنَهُ ابْنَاهُ الْعِيصُ وَيَعْقُوبُ مَعَ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ فِي الْمَغَارَةِ التي اشتراها كما قدمنا

‌ذِكْرُ مَا وَقَعَ مِنَ الْأُمُورِ الْعَجِيبَةِ فِي حياة إسرائيل فمن ذلك قصة يوسف بن رَاحِيلَ

وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل فِي شَأْنِهِ وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ لِيُتَدَبَّرَ مَا فِيهَا مِنَ الْحِكَمِ وَالْمَوَاعِظِ وَالْآدَابِ وَالْأَمْرِ الْحَكِيمِ. أَعُوذُ باللَّه مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ. نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ من قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ) 12: 0- 3 قَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ فِي أَوَّلِ تفسير سورة البقرة فمن أراد تحقيقه فلينظره ثَمَّ وَتَكَلَّمْنَا عَلَى هَذِهِ السُّورَةِ مُسْتَقْصًى فِي مَوْضِعِهَا مِنَ التَّفْسِيرِ وَنَحْنُ نَذْكُرُ هَاهُنَا نُبَذًا مِمَّا هُنَاكَ عَلَى وَجْهِ الْإِيجَازِ وَالنَّجَازِ وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنَّهُ تَعَالَى يَمْدَحُ كِتَابَهُ الْعَظِيمَ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ الْكَرِيمِ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ فَصِيحٍ بَيِّنٍ وَاضِحٍ جَلِيٍّ يَفْهَمُهُ كُلُّ عَاقِلٍ ذَكِيٍّ زَكِيٍّ فَهُوَ أَشْرَفُ كِتَابٍ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ أَنْزَلَهُ أَشْرَفُ الْمَلَائِكَةِ عَلَى أَشْرَفِ الْخَلْقِ فِي أَشْرَفِ زَمَانٍ وَمَكَانٍ. بِأَفْصَحِ لُغَةٍ وَأَظْهَرِ بَيَانٍ. فَإِنْ كَانَ السِّيَاقُ فِي الْأَخْبَارِ الْمَاضِيَةِ أَوِ الْآتِيَةِ ذَكَرَ أَحْسَنَهَا وَأَبْيَنَهَا وَأَظْهَرَ الْحَقَّ مِمَّا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ ودمغ الباطل وزيفه

ص: 197

وَرَدَّهُ وَإِنْ كَانَ فِي الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي فَأَعْدَلُ الشَّرَائِعِ وَأَوْضَحُ الْمَنَاهِجِ وَأَبْيَنُ حُكْمًا وَأَعْدَلُ حَكَمًا فَهُوَ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلًا 6: 115. يَعْنِي صِدْقًا فِي الْأَخْبَارِ عَدْلًا فِي الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ من قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ 12: 3 أَيْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ فِيهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى الله تَصِيرُ الْأُمُورُ 42: 52- 53. وَقَالَ تَعَالَى كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ مَا قَدْ سَبَقَ. وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً. مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً. خالِدِينَ فِيهِ وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلًا 20: 99- 101. يَعْنِي مَنْ أَعْرَضَ عَنْ هَذَا الْقُرْآنِ وَاتَّبَعَ غَيْرَهُ مِنَ الْكُتُبِ فَإِنَّهُ يَنَالُهُ هَذَا الْوَعِيدُ كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ فِي الْمُسْنَدِ وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا مَنِ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ حدثنا هشام أنبأنا خالد عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقَرَأَهُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فغضب وقال أتتهوكون فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً لَا تَسْأَلُوهُمْ عن شيء فيخبرونكم بحق فتكذبونه أو بباطل فتصدقونه وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي) إِسْنَادٌ صَحِيحٌ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَمْرٍو فِيهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَصْبَحَ فِيكُمْ مُوسَى ثُمَّ اتَّبَعْتُمُوهُ وَتَرَكْتُمُونِي لَضَلَلْتُمْ) إِنَّكُمْ حَظِّي مِنَ الْأُمَمِ وَأَنَا حَظُّكُمْ مِنَ النَّبِيِّينَ) وَقَدْ أَوْرَدْتُ طُرُقَ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَلْفَاظَهُ فِي أَوَّلِ سُورَةِ يُوسُفَ. وَفِي بَعْضِهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ (أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ أُوتِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَخَوَاتِيمَهُ وَاخْتُصِرَ لِي اخْتِصَارًا وَلَقَدْ أَتَيْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً فَلَا تَتَهَوَّكُوا وَلَا يَغُرَّنَّكُمُ الْمُتَهَوِّكُونَ. ثُمَّ أَمَرَ بِتِلْكَ الصَّحِيفَةِ فَمُحِيَتْ حَرْفًا حَرْفًا (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ. قال يا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ. وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) 12: 4- 6 قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ يَعْقُوبَ كَانَ لَهُ مِنَ الْبَنِينَ اثْنَا عَشَرَ وَلَدًا ذَكَرًا وَسَمَّيْنَاهُمْ وَإِلَيْهِمْ تُنْسَبُ أَسْبَاطُ بَنِي إِسْرَائِيلَ كُلُّهُمْ وَكَانَ أَشْرَفُهُمْ وَأَجَلُّهُمْ وَأَعْظَمُهُمْ يُوسُفَ عليه السلام وَقَدْ ذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ نَبِيٌّ غَيْرُهُ وَبَاقِي إِخْوَتِهِ لَمْ يُوحَ إِلَيْهِمْ. وَظَاهِرُ مَا ذُكِرَ مِنْ فِعَالِهِمْ وَمَقَالِهِمْ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَمَنِ اسْتَدَلَّ عَلَى نُبُوَّتِهِمْ بِقَوْلِهِ (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ) 2: 136 وَزَعَمَ أَنَّ هَؤُلَاءِ هُمُ الْأَسْبَاطُ فَلَيْسَ اسْتِدْلَالُهُ بقوى

ص: 198

لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَسْبَاطِ شُعُوبُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمَا كَانَ يُوجَدُ فِيهِمْ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمُ الْوَحْيُ مِنَ السَّمَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ أَنَّ يُوسُفَ عليه السلام هُوَ الْمُخْتَصُّ مِنْ بَيْنِ إِخْوَتِهِ بِالرِّسَالَةِ وَالنُّبُوَّةِ أَنَّهُ نَصَّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ إِخْوَتِهِ سِوَاهُ فَدَلَّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَيُسْتَأْنَسُ لِهَذَا بِمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ (حَدَّثَنَا) عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال الكريم بن الكريم ابن الكريم بن الْكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ «انفرد به البخاري» فرواه عن عبد الله ابن مُحَمَّدٍ وَعَبْدَةَ عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ بِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا طُرُقَهُ فِي قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هَاهُنَا وللَّه الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ وَغَيْرُهُمْ رَأَى يُوسُفُ عليه السلام وَهُوَ صَغِيرٌ قَبْلَ أَنْ يَحْتَلِمَ كَأَنَّ (أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً) 12: 4 وَهُمْ إِشَارَةٌ إِلَى بقية اخوته (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) 12: 4 وهما عِبَارَةٌ عَنْ أَبَوَيْهِ قَدْ سَجَدُوا لَهُ فَهَالَهُ ذَلِكَ فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ قَصَّهَا عَلَى أَبِيهِ فَعَرَفَ أَبُوهُ أَنَّهُ سَيَنَالُ مَنْزِلَةً عَالِيَةً وَرِفْعَةً عَظِيمَةً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِحَيْثُ يَخْضَعُ لَهُ أَبَوَاهُ وَإِخْوَتُهُ فِيهَا فَأَمَرَهُ بِكِتْمَانِهَا وَأَنْ لَا يَقُصَّهَا عَلَى إِخْوَتِهِ كَيْلَا يَحْسُدُوهُ وَيَبْغُوا لَهُ الْغَوَائِلَ وَيَكِيدُوهُ بِأَنْوَاعِ الْحِيَلِ وَالْمَكْرِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَلِهَذَا جَاءَ فِي بَعْضِ الْآثَارِ (اسْتَعِينُوا عَلَى قَضَاءِ حَوَائِجِكُمْ بِكِتْمَانِهَا فَإِنَّ كُلَّ ذِي نِعْمَةٍ مَحْسُودٌ)، وَعِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّهُ قَصَّهَا عَلَى أَبِيهِ وَإِخْوَتِهِ مَعًا وَهُوَ غَلَطٌ منهم (وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ) 12: 6 أَيْ وَكَمَا أَرَاكَ هَذِهِ الرُّؤْيَا الْعَظِيمَةَ فَإِذَا كتمتها (يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ) 12: 6 أَيْ يَخُصُّكَ بِأَنْوَاعِ اللُّطْفِ وَالرَّحْمَةِ (وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) 12: 6 أَيْ يُفَهِّمُكَ مِنْ مَعَانِي الْكَلَامِ وَتَعْبِيرِ الْمَنَامِ ما لا يفهمه غيرك (وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) 12: 6 أي بالوحي إليك (وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ) 12: 6 أَيْ بِسَبَبِكَ وَيَحْصُلُ لَهُمْ بِكَ خَيْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ (كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ) 12: 6 أَيْ يُنْعِمُ عَلَيْكَ وَيُحْسِنُ إِلَيْكَ بِالنُّبُوَّةِ كَمَا أَعْطَاهَا أَبَاكَ يَعْقُوبَ وَجَدَّكَ إِسْحَاقَ وَوَالِدَ جَدِّكَ إبراهيم الخليل (إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ 12: 6 كَمَا قَالَ تَعَالَى اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ 6: 124 لهذا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا سُئِلَ أَيُّ النَّاسِ أَكْرَمُ قَالَ (يُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ ابْنُ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ) وَقَدْ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرَيْهِمَا وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدَيْهِمَا مِنْ حَدِيثِ الْحَكَمِ بْنِ ظَهِيرٍ وَقَدْ ضَعَّفَهُ الْأَئِمَّةُ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ (أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ يُقَالُ لَهُ بُسْتَانَةُ الْيَهُودِيُّ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الْكَوَاكِبِ الَّتِي رَآهَا يُوسُفُ أَنَّهَا سَاجِدَةٌ لَهُ مَا أَسْمَاؤُهَا. قَالَ فَسَكَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يُجِبْهُ بِشَيْءٍ وَنَزَلَ جِبْرِيلُ عليه السلام بِأَسْمَائِهَا قَالَ فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ هَلْ أَنْتَ مُؤْمِنٌ إِنْ أَخْبَرْتُكَ بِأَسْمَائِهَا قَالَ نعم فقال هي جريان [1] والطارق.

والديال وذو الكتفان. وقابس. ووثاب. وعمردان [2] والفيلق. والمصبح. والضروح. وذو الفرع.

[1] في نسخه حرثان

[2]

وفي نسخه عمودان

ص: 199

وَالضِّيَاءُ. وَالنُّورُ) فَقَالَ الْيَهُودِيُّ إِي وَاللَّهِ إِنَّهَا لَأَسْمَاؤُهَا. وَعِنْدَ أَبِي يَعْلَى فَلَمَّا قَصَّهَا عَلَى أَبِيهِ قَالَ هَذَا أَمْرٌ مُشَتَّتٌ يَجْمَعُهُ اللَّهُ وَالشَّمْسُ أَبُوهُ وَالْقَمَرُ أُمُّهُ. (لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ. إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ. اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ. قَالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ في غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) 12: 7- 10 ينبه تعالى على ما في هذه القصة من الآيات والحكم والدلالات والمواعظ والبينات. ثم ذكر حسد إخوة يوسف له على محبة أبيه له ولأخيه يعنون شقيقه لأمه بنيامين أكثر منهم وهم عصبة أي جماعة يقولون فكنا نحن أحق بالمحبة من هذين (إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) 12: 8 أَيْ بِتَقْدِيمِهِ حُبَّهُمَا عَلَيْنَا ثُمَّ اشْتَوَرُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ فِي قَتْلِ يُوسُفَ أَوْ إِبْعَادِهِ إِلَى أَرْضٍ لَا يَرْجِعُ مِنْهَا لِيَخْلُوَ لَهُمْ وَجْهُ أبيهم أَيْ لِتَتَمَحَّضَ مَحَبَّتُهُ لَهُمْ وَتَتَوَفَّرَ عَلَيْهِمْ وَأَضْمَرُوا التوبة بعد ذلك فلما تمالئوا عَلَى ذَلِكَ وَتَوَافَقُوا عَلَيْهِ (قَالَ قائِلٌ مِنْهُمْ) 12: 10 قَالَ مُجَاهِدٌ هُوَ شَمْعُونُ وَقَالَ السُّدِّيُّ هُوَ يهودا وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ هُوَ أَكْبَرُهُمْ روبيل (لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ في غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ) 12: 10 أَيِ الْمَارَّةِ مِنَ الْمُسَافِرِينَ (إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) 12: 10 مَا تَقُولُونَ لَا مَحَالَةَ فَلْيَكُنْ هَذَا الَّذِي أَقُولُ لَكُمْ فَهُوَ أَقْرَبُ حَالًا مِنْ قَتْلِهِ أَوْ نَفْيِهِ وَتَغْرِيبِهِ فَأَجْمَعُوا رَأْيَهُمْ عَلَى هَذَا فَعِنْدَ ذَلِكَ (قالُوا يَا أَبانا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ. قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ. قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ) 12: 11- 14 طَلَبُوا مِنْ أَبِيهِمْ أَنْ يُرْسِلُ مَعَهُمْ أَخَاهُمْ يُوسُفَ وَأَظْهَرُوا لَهُ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَرْعَى مَعَهُمْ وَأَنْ يَلْعَبَ وَيَنْبَسِطَ وَقَدْ أَضْمَرُوا لَهُ مَا اللَّهُ بِهِ عَلِيمٌ فَأَجَابَهُمُ الشَّيْخُ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيمِ. يَا بَنِيَّ يَشُقُّ عَلَيَّ أَنْ أُفَارِقَهُ سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ وَمَعَ هَذَا أَخْشَى أَنْ تَشْتَغِلُوا فِي لَعِبِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ فِيهِ فَيَأْتِيَ الذِّئْبُ فَيَأْكُلَهُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ عَنْهُ لِصِغَرِهِ وَغَفْلَتِكُمْ عَنْهُ. (قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ) 12: 14 أَيْ لَئِنْ عَدَا عَلَيْهِ الذِّئْبُ فَأَكَلَهُ مِنْ بَيْنِنَا أَوِ اشْتَغَلْنَا عَنْهُ حَتَّى وَقَعَ هَذَا ونحن جماعة إنا إذا لخاسرون أَيْ عَاجِزُونَ هَالِكُونَ.

وَعِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّهُ أَرْسَلَهُ وَرَاءَهُمْ يَتْبَعُهُمْ فَضَلَّ عَنِ الطَّرِيقِ حَتَّى أَرْشَدَهُ رَجُلٌ إِلَيْهِمْ. وَهَذَا أَيْضًا مِنْ غَلَطِهِمْ وَخَطَئِهِمْ فِي التَّعْرِيبِ فَإِنَّ يَعْقُوبَ عليه السلام كَانَ أَحْرَصَ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَبْعَثَهُ مَعَهُمْ فَكَيْفَ يَبْعَثُهُ وَحْدَهُ (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ في غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ قالُوا يَا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ. وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ. وَالله الْمُسْتَعانُ عَلى مَا تَصِفُونَ) 12: 15- 18 لَمْ يَزَالُوا بِأَبِيهِمْ حَتَّى بَعَثَهُ مَعَهُمْ فَمَا كَانَ إِلَّا أَنْ غَابُوا عَنْ

ص: 200

عَيْنَيْهِ فَجَعَلُوا يَشْتُمُونَهُ وَيُهِينُونَهُ بِالْفَعَالِ وَالْمَقَالِ وَأَجْمَعُوا على إلقائه في غيابت الْجُبِّ أَيْ فِي قَعْرِهِ عَلَى رَاعُوفَتِهِ وَهِيَ الصَّخْرَةُ الَّتِي تَكُونُ فِي وَسَطِهِ يَقِفُ عَلَيْهَا المائح وهو الّذي ينزل ليملى الدِّلَاءَ إِذَا قَلَّ الْمَاءُ وَالَّذِي يَرْفَعُهَا بِالْحَبْلِ يُسَمَّى الْمَاتِحَ فَلَمَّا أَلْقَوْهُ فِيهِ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ لَكَ مِنْ فَرَجٍ وَمَخْرَجٍ مِنْ هَذِهِ الشِّدَّةِ الَّتِي أَنْتَ فِيهَا وَلَتُخْبِرَنَّ إِخْوَتَكَ بِصَنِيعِهِمْ هَذَا فِي حَالٍ أَنْتَ فِيهَا عَزِيزٌ وَهُمْ مُحْتَاجُونَ إِلَيْكَ خَائِفُونَ مِنْكَ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ 12: 15.

قال مجاهد وقتادة وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ 12: 15 بِإِيحَاءِ اللَّهِ إِلَيْهِ ذَلِكَ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ 12: 15 أَيْ لَتُخْبِرَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا فِي حَالٍ لَا يَعْرِفُونَكَ فِيهَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ فَلَمَّا وَضَعُوهُ فِيهِ وَرَجَعُوا عَنْهُ أَخَذُوا قَمِيصَهُ فَلَطَّخُوهُ بِشَيْءٍ مِنْ دَمٍ وَرَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ عِشَاءً وَهُمْ يَبْكُونَ أَيْ عَلَى أَخِيهِمْ. وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ لَا يَغُرَنَّكَ بُكَاءُ الْمُتَظَلِّمِ فَرُبَّ ظَالِمٍ وَهُوَ بَاكٍ وَذَكَرَ بُكَاءَ إِخْوَةِ يُوسُفَ وَقَدْ جَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ أَيْ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ لِيَكُونَ أَمْشَى لِغَدْرِهِمْ لَا لِعُذْرِهِمْ (قالُوا يَا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا) 12: 17 أي ثيابنا (فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ) 12: 17 أَيْ فِي غَيْبَتِنَا عَنْهُ فِي اسْتِبَاقِنَا وَقَوْلُهُمْ (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ) 12: 17 أَيْ وَمَا أَنْتَ بِمُصَدِّقٍ لَنَا فِي الَّذِي أَخْبَرْنَاكَ مِنْ أَكْلِ الذِّئْبِ لَهُ وَلَوْ كُنَّا غَيْرَ مُتَّهَمِينَ عِنْدَكَ فَكَيْفَ وَأَنْتَ تَتَّهِمُنَا فِي هَذَا فَإِنَّكَ خَشِيتَ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَضَمِنَّا لَكَ أَنْ لَا يَأْكُلَهُ لِكَثْرَتِنَا حَوْلَهُ فَصِرْنَا غَيْرَ مُصَدَّقِينَ عِنْدَكَ فَمَعْذُورٌ أَنْتَ فِي عَدَمِ تصديقك لنا والحالة هذه. (وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) 12: 18 أَيْ مَكْذُوبٍ مُفْتَعَلٍ لِأَنَّهُمْ عَمَدُوا إِلَى سَخْلَةٍ ذَبَحُوهَا فَأَخَذُوا مِنْ دَمِهَا فَوَضَعُوهُ عَلَى قَمِيصِهِ لِيُوهِمُوا أَنَّهُ أَكَلَهُ الذِّئْبُ قَالُوا وَنَسُوا أَنْ يَخْرِقُوهُ وَآفَةُ الْكَذِبِ النِّسْيَانُ وَلَمَّا ظَهَرَتْ عَلَيْهِمْ عَلَائِمُ الرِّيبَةِ لَمْ يَرُجْ صَنِيعُهُمْ عَلَى أَبِيهِمْ فَإِنَّهُ كَانَ يَفْهَمُ عَدَاوَتَهُمْ لَهُ وَحَسَدَهُمْ إِيَّاهُ عَلَى مَحَبَّتِهِ لَهُ مِنْ بَيْنِهِمْ أَكْثَرَ مِنْهُمْ لِمَا كَانَ يَتَوَسَّمُ فِيهِ مِنَ الْجَلَالَةِ وَالْمَهَابَةِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ فِي صِغَرِهِ لِمَا يُرِيدُ اللَّهَ أَنْ يَخُصَّهُ بِهِ مِنْ نُبُوَّتِهِ وَلِمَا رَاوَدُوهُ عَنْ أَخْذِهِ فَبِمُجَرَّدِ مَا أَخَذُوهُ أَعْدَمُوهُ وَغَيَّبُوهُ عَنْ عَيْنَيْهِ جَاءُوا وَهُمْ يَتَبَاكَوْنَ وَعَلَى ما تمالئوا عَلَيْهِ يَتَوَاطَئُونَ وَلِهَذَا (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَالله الْمُسْتَعانُ عَلى مَا تَصِفُونَ) 12: 18 وَعِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّ رُوبِيلَ أَشَارَ بِوَضْعِهِ فِي الْجُبِّ لِيَأْخُذَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ وَيَرُدَّهُ إِلَى أَبِيهِ فَغَافَلُوهُ وَبَاعُوهُ لِتِلْكَ الْقَافِلَةِ. فلما جاء روبيل من آخر النار لِيُخْرِجَ يُوسُفَ لَمْ يَجِدْهُ فَصَاحَ وَشَقَّ ثِيَابَهُ وَعَمَدَ أُولَئِكَ إِلَى جَدْيٍ فَذَبَحُوهُ وَلَطَّخُوا مِنْ دَمِهِ جُبَّةَ يُوسُفَ. فَلَمَّا عَلِمَ يَعْقُوبُ شَقَّ ثِيَابَهُ وَلَبِسَ مِئْزَرًا أَسْوَدَ وَحَزِنَ عَلَى ابْنِهِ أَيَّامًا كَثِيرَةً. وَهَذِهِ الرَّكَاكَةُ جَاءَتْ مِنْ خَطَئِهِمْ فِي التَّعْبِيرِ وَالتَّصْوِيرِ. (وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ. قال يا بُشْرى هَذَا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً وَالله عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ.

وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ. وَقال الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً. وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ من تَأْوِيلِ

ص: 201

الْأَحادِيثِ. وَالله غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ. وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) 12: 19- 22. يخبر تعالى عن قصة يوسف حين وضع في الجب أنه جلس ينتظر فرج الله ولطفه به وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ 12: 19 أَيْ مُسَافِرُونَ قَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ كَانَتْ بِضَاعَتُهُمْ مِنَ الْفُسْتُقِ وَالصَّنَوْبَرِ وَالْبُطْمِ قَاصِدِينَ دِيَارَ مِصْرَ مِنَ الشَّامِ فَأَرْسَلُوا بَعْضَهُمْ لِيَسْتَقُوا مِنْ ذَلِكَ الْبِئْرِ فَلَمَّا أَدْلَى أَحَدُهُمْ دَلْوَهُ تَعَلَّقَ فِيهِ يُوسُفُ فَلَمَّا رَآهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ (قَالَ يَا بُشْرى) 12: 19 أَيْ يَا بِشَارَتِي (هَذَا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً) 12: 19 أي أوهموا أنه معهم غلام مِنْ جُمْلَةِ مَتْجَرِهِمْ (وَالله عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ) 12: 19 أَيْ هُوَ عَالِمٌ بِمَا تَمَالَأَ عَلَيْهِ إِخْوَتُهُ وَبِمَا يُسِرُّهُ وَاجِدُوهُ مِنْ أَنَّهُ بِضَاعَةٌ لَهُمْ وَمَعَ هَذَا لَا يُغَيِّرُهُ تَعَالَى لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ الْعَظِيمَةِ وَالْقَدَرِ السَّابِقِ والرحمة بأهل مِصْرَ بِمَا يُجْرِي اللَّهُ عَلَى يَدَيْ هَذَا الْغُلَامِ الَّذِي يَدْخُلُهَا فِي صُورَةِ أَسِيرٍ رَقِيقٍ ثُمَّ بَعْدَ هَذَا يُمَلِّكُهُ أَزِمَّةِ الْأُمُورِ وَيَنْفَعُهُمُ اللَّهُ بِهِ فِي دُنْيَاهُمْ وَأُخْرَاهُمْ بِمَا لَا يُحَدُّ وَلَا يُوصَفُ. وَلَمَّا اسْتَشْعَرَ إِخْوَةُ يُوسُفَ بِأَخْذِ السَّيَّارَةِ لَهُ لَحِقُوهُمْ وَقَالُوا هَذَا غُلَامُنَا أَبِقَ مِنَّا فَاشْتَرَوْهُ مِنْهُمْ بِثَمَنٍ بَخْسٍ أَيْ قَلِيلٍ نَزْرٍ وَقِيلَ هُوَ الزَّيْفُ (دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ من الزَّاهِدِينَ) 12: 20. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَنَوْفٌ الْبِكَالِيُّ وَالسُّدِّيُّ وَقَتَادَةُ وَعَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ بَاعُوهُ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا اقْتَسَمُوهَا دِرْهَمَيْنِ دِرْهَمَيْنِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ درهما. وقال عكرمة ومحمد ابن إِسْحَاقَ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا فاللَّه أَعْلَمُ (وَقال الَّذِي اشْتَراهُ من مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ) 12: 21 أَيْ أَحْسِنِي إِلَيْهِ (عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) 12: 21 وَهَذَا مِنْ لُطْفِ اللَّهِ بِهِ وَرَحْمَتِهِ وَإِحْسَانِهِ إِلَيْهِ بِمَا يُرِيدُ أَنْ يُؤَهِّلَهُ لَهُ وَيُعْطِيَهُ مِنْ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. قَالُوا وَكَانَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ عَزِيزَهَا وَهُوَ الْوَزِيرُ بِهَا الَّذِي الْخَزَائِنُ مُسَلَّمَةٌ إِلَيْهِ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَاسْمُهُ أَطْفِيرُ [1] بْنُ رُوحِيبَ قَالَ وَكَانَ مَلِكُ مِصْرَ يَوْمَئِذٍ الرَّيَّانَ بْنَ الْوَلِيدِ رَجُلٌ مِنَ الْعَمَالِيقِ قَالَ وَاسْمُ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ رَاعِيلُ بنت رعاييل [2] . وَقَالَ غَيْرُهُ كَانَ اسْمُهَا زَلِيخَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَقَبُهَا. وَقِيلَ فَكَا بِنْتُ يَنُوسَ رَوَاهُ الثَّعْلَبِيُّ عَنْ أَبِي هِشَامٍ [3] الرِّفَاعِيِّ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ اسْمُ الَّذِي بَاعَهُ بِمِصْرَ يَعْنِي الَّذِي جَلَبَهُ إِلَيْهَا مَالِكَ ابن ذعر بن نويب بْنِ عَفْقَا [4] بْنِ مِدْيَانَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ فاللَّه أَعْلَمُ.

وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ أَفْرَسُ النَّاسِ ثَلَاثَةٌ عَزِيزُ مِصْرَ حِينَ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ وَالْمَرْأَةُ الَّتِي قَالَتْ لِأَبِيهَا عَنْ مُوسَى (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ من اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) 28: 26 وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ حِينَ اسْتَخْلَفَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنهما.

ثُمَّ قِيلَ اشْتَرَاهُ الْعَزِيزُ بِعِشْرِينَ دِينَارًا. وَقِيلَ بِوَزْنِهِ مِسْكًا وَوَزْنِهِ حَرِيرًا وَوَزْنِهِ وَرِقًا. فاللَّه أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ في الْأَرْضِ) 12: 21 أَيْ وَكَمَا قَيَّضْنَا هَذَا الْعَزِيزَ وَامْرَأَتَهُ يُحْسِنَانِ اليه ويعتنيان

[1] في نسخة قطفير

[2]

في نسخة رعابيل

[3]

في نسخة ابن هشام

[4]

في نسخة بن عنقاء

ص: 202

بِهِ مَكَّنَّا لَهُ فِي أَرْضِ مِصْرَ (وَلِنُعَلِّمَهُ من تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) 12: 21 أَيْ فَهْمِهَا. وَتَعْبِيرُ الرُّؤْيَا مِنْ ذَلِكَ (وَالله غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ) 12: 21 أَيْ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا فَإِنَّهُ يُقَيِّضُ لَهُ أَسْبَابًا وَأُمُورًا لَا يَهْتَدِي إِلَيْهَا الْعِبَادُ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ. وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ 12: 21- 22. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا كُلَّهُ كَانَ وَهُوَ قَبْلَ بُلُوغِ الْأَشُدِّ. وَهُوَ حَدُّ الْأَرْبَعِينَ الَّذِي يُوحِي اللَّهُ فِيهِ إِلَى عِبَادِهِ النَّبِيِّينَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي مُدَّةِ الْعُمُرِ الَّذِي هُوَ بُلُوغُ الْأَشُدِّ فَقَالَ مَالِكٌ وَرَبِيعَةُ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَالشَّعْبِيُّ هُوَ الْحُلُمُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَقَالَ الضَّحَّاكُ عِشْرُونَ سَنَةً وَقَالَ عِكْرِمَةُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً. وَقَالَ السُّدِّيُّ ثَلَاثُونَ سَنَةً. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً. وَقَالَ الْحَسَنُ أَرْبَعُونَ سَنَةً. وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً 46: 15. (وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ. وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ.

وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ وَاسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ مَا جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ. قَالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ. وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ. فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ من الْخاطِئِينَ) 12: 23- 29. يَذْكُرُ تَعَالَى مَا كَانَ مِنْ مُرَاوَدَةِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ لِيُوسُفَ عليه السلام عَنْ نَفْسِهِ وَطَلَبِهَا مِنْهُ مَا لَا يَلِيقُ بِحَالِهِ وَمَقَامِهِ وَهِيَ فِي غَايَةِ الْجَمَالِ وَالْمَالِ وَالْمَنْصِبِ وَالشَّبَابِ وَكَيْفَ غَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ عَلَيْهَا وَعَلَيْهِ وَتَهَيَّأَتْ لَهُ وَتَصَنَّعَتْ وَلَبِسَتْ أَحْسَنَ ثِيَابِهَا وَأَفْخَرَ لِبَاسِهَا وَهِيَ مَعَ هَذَا كُلِّهِ امْرَأَةُ الْوَزِيرِ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَبِنْتُ أُخْتِ الْمَلِكِ [1] الرَّيَّانِ بْنِ الْوَلِيدِ صَاحِبِ مِصْرَ. وَهَذَا كُلُّهُ مَعَ أَنَّ يُوسُفَ عليه السلام شَابٌّ بَدِيعُ الْجَمَالِ وَالْبَهَاءِ إِلَّا أَنَّهُ نَبِيٌّ مِنْ سُلَالَةِ الْأَنْبِيَاءِ فَعَصَمَهُ رَبُّهُ عَنِ الفحشاء. وحماه عن مَكْرِ النِّسَاءِ. فَهُوَ سَيِّدُ السَّادَةِ النُّجَبَاءِ السَّبْعَةِ الْأَتْقِيَاءِ. الْمَذْكُورِينَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ خَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ. فِي قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ إِمَامٌ عَادِلٌ.

وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ. وَرَجُلٌ مُعَلَّقٌ قَلْبُهُ بِالْمَسْجِدِ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى يَعُودَ إِلَيْهِ.

وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ. وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ. وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ) وَالْمَقْصُودُ أَنَّهَا دَعَتْهُ إِلَيْهَا وَحَرَصَتْ عَلَى ذَلِكَ أَشَدَّ الْحِرْصِ فَقَالَ (مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي) 12: 23 يعنى زوجها

[1] في النسختين الموجودتين بالمكتبة المصرية أخ الملك

ص: 203

صَاحِبَ الْمَنْزِلِ سَيِّدِي (أَحْسَنَ مَثْوايَ) 12: 23 أَيْ أَحْسَنَ إِلَيَّ وَأَكْرَمَ مُقَامِي عِنْدَهُ (إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) 12: 23 وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى قَوْلِهِ (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) 12: 24 بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَمَقْنَعٌ فِي التَّفْسِيرِ وَأَكْثَرُ أَقْوَالِ الْمُفَسِّرِينَ هَاهُنَا مُتَلَقًّى مِنْ كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَالْإِعْرَاضُ عَنْهُ أَوْلَى بِنَا وَالَّذِي يَجِبُ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَصَمَهُ وَبَرَّأَهُ وَنَزَّهَهُ عَنِ الْفَاحِشَةِ وَحَمَاهُ عَنْهَا وَصَانَهُ مِنْهَا وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ. وَاسْتَبَقَا الْبابَ 12: 24- 25 أَيْ هَرَبَ مِنْهَا طَالِبًا إِلَى الْبَابِ لِيَخْرُجَ مِنْهُ فِرَارًا مِنْهَا فَاتَّبَعَتْهُ فِي أَثَرِهِ (وَأَلْفَيا) 12: 25 أَيْ وَجَدَا (سَيِّدَها) 12: 25 أَيْ زَوْجَهَا لَدَى الْبَابِ فبدرته بِالْكَلَامِ وَحَرَّضَتْهُ عَلَيْهِ (قالَتْ مَا جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ) 12: 25.

اتَّهَمَتْهُ وَهِيَ الْمُتَّهَمَةُ وَبَرَّأَتْ عِرْضَهَا وَنَزَّهَتْ سَاحَتَهَا فَلِهَذَا قَالَ يُوسُفُ عليه السلام (هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي) 12: 26 احْتَاجَ إِلَى أَنْ يَقُولَ الْحَقَّ عِنْدَ الْحَاجَةِ (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها) 12: 26 قِيلَ كَانَ صَغِيرًا فِي الْمَهْدِ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهِلَالِ بْنِ يَسَافٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ. وَرَوَى فِيهِ حَدِيثًا مَرْفُوعًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَوَقَفَهُ غَيْرُهُ عَنْهُ وَقِيلَ كَانَ رَجُلًا قَرِيبًا إِلَى أَطْفِيرَ بَعْلِهَا. وَقِيلَ قَرِيبًا إِلَيْهَا وَمِمَّنْ قَالَ إِنَّهُ كَانَ رَجُلًا ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ فَقَالَ (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ) 12: 26 أَيْ لِأَنَّهُ يَكُونُ قَدْ رَاوَدَهَا فَدَافَعَتْهُ حَتَّى قَدَّتْ مُقَدَّمَ قَمِيصِهِ (وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ من الصَّادِقِينَ) 12: 27 أَيْ لِأَنَّهُ يَكُونُ قَدْ هَرَبَ مِنْهَا فَاتَّبَعَتْهُ وَتَعَلَّقَتْ فِيهِ فَانْشَقَّ قَمِيصُهُ لِذَلِكَ وَكَذَلِكَ كَانَ.

وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ 12: 28 أَيْ هَذَا الَّذِي جَرَى مِنْ مَكْرِكُنَّ أَنْتِ رَاوَدْتِهِ عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ اتَّهَمْتِهِ بِالْبَاطِلِ ثُمَّ ضرب بَعْلُهَا عَنْ هَذَا صَفْحًا فَقَالَ (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا) 12: 29 أَيْ لَا تَذْكُرُهُ لِأَحَدٍ لِأَنَّ كِتْمَانَ مِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ هُوَ الْأَلْيَقُ وَالْأَحْسَنُ وَأَمَرَهَا بِالِاسْتِغْفَارِ لِذَنْبِهَا الَّذِي صَدَرَ مِنْهَا وَالتَّوْبَةِ إِلَى رَبِّهَا فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا تَابَ إِلَى اللَّهِ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ. وَأهْلُ مِصْرَ وَإِنْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ إِلَّا أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي يَغْفِرُ الذُّنُوبَ وَيُؤَاخِذُ بِهَا هُوَ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَلِهَذَا قَالَ لَهَا بَعْلُهَا وَعَذَرَهَا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ لِأَنَّهَا رَأَتْ مَا لَا صَبْرَ لَهَا عَلَى مِثْلِهِ إِلَّا أنه عفيف نزيه بريء العرض سليم الناحية فقال (اسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ. وَقال نِسْوَةٌ في الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ. فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ. فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ. قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ. قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ. فَاسْتَجابَ

ص: 204

لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) 12: 29- 34 يَذْكُرُ تَعَالَى مَا كَانَ مِنْ قِبَلِ نِسَاءِ المدينة مِنْ نِسَاءِ الْأُمَرَاءِ وَبَنَاتِ الْكُبَرَاءِ فِي الطَّعْنِ عَلَى امْرَأَةِ الْعَزِيزِ وَعَيْبِهَا وَالتَّشْنِيعِ عَلَيْهَا فِي مراودتها فتاها وحبها الشديد له تعنين وَهُوَ لَا يُسَاوِي هَذَا لِأَنَّهُ مَوْلًى مِنَ الْمَوَالِي وَلَيْسَ مِثْلُهُ أَهْلًا لِهَذَا وَلِهَذَا قُلْنَ (إِنَّا لَنَراها في ضَلالٍ مُبِينٍ) 12: 30 أَيْ فِي وَضْعِهَا الشَّيْءَ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ) 12: 31 أَيْ بِتَشْنِيعِهِنَّ عَلَيْهَا وَالتَّنَقُّصِ لَهَا وَالْإِشَارَةِ إِلَيْهَا بِالْعَيْبِ وَالْمَذَمَّةِ بِحُبِّ مَوْلَاهَا وَعِشْقِ فَتَاهَا فَأَظْهَرْنَ ذَمًّا وَهِيَ مَعْذُورَةٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَلِهَذَا أَحَبَّتْ أَنْ تَبْسُطَ عُذْرَهَا عِنْدَهُنَّ وَتُبَيِّنَ أَنَّ هَذَا الْفَتَى لَيْسَ كَمَا حَسِبْنَ وَلَا مِنْ قَبِيلِ مَا لَدَيْهِنَّ. فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ فَجَمَعَتْهُنَّ فِي مَنْزِلِهَا. وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ ضِيَافَةَ مِثْلِهِنَّ وَأَحْضَرَتْ فِي جُمْلَةِ ذَلِكَ شَيْئًا مِمَّا يُقْطَعُ بِالسَّكَاكِينِ كَالْأُتْرُجِّ ونحوه وأتت كل واحدة منهن سكينا وَكَانَتْ قَدْ هَيَّأَتْ يُوسُفَ عليه السلام وَأَلْبَسَتْهُ أَحْسَنَ الثِّيَابِ وَهُوَ فِي غَايَةِ طَرَاوَةِ الشَّبَابِ وَأَمَرَتْهُ بِالْخُرُوجِ عَلَيْهِنَّ بِهَذِهِ الْحَالَةِ. فَخَرَجَ وَهُوَ أَحْسَنُ مِنَ الْبَدْرِ لَا مَحَالَةَ (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ) 12: 31 أَيْ أَعْظَمْنَهُ وَأَجْلَلْنَهُ وَهِبْنَهُ وَمَا ظَنَنَّ أَنْ يَكُونَ مِثْلُ هَذَا فِي بَنِي آدَمَ وَبَهَرَهُنَّ حُسْنُهُ حَتَّى اشْتَغَلْنَ عَنْ أَنْفُسِهِنَّ وَجَعَلْنَ يَحْزُزْنَ فِي أَيْدِيهِنَّ بِتِلْكَ السَّكَاكِينِ وَلَا يَشْعُرْنَ بِالْجِرَاحِ (وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) 12: 31. وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ (فَمَرَرْتُ بِيُوسُفَ وَإِذَا هُوَ قَدْ أُعْطِيَ شَطْرَ الْحُسْنِ) قَالَ السُّهَيْلِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ عَلَى النِّصْفِ مِنْ حُسْنِ آدَمَ عليه السلام لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ فَكَانَ فِي غَايَةِ نِهَايَاتِ الْحُسْنِ الْبَشَرِيِّ وَلِهَذَا يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ عَلَى طُولِ آدَمَ وَحُسْنِهِ وَيُوسُفُ كَانَ عَلَى النِّصْفِ مِنْ حُسْنِ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا أَحْسَنُ مِنْهُمَا كَمَا أَنَّهُ لَمْ تَكُنْ أُنْثَى بَعْدَ حَوَّاءَ أَشَبْهَ بِهَا مِنْ سَارَةَ امْرَأَةِ الْخَلِيلِ عليه السلام.

قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَكَانَ وَجْهُ يُوسُفَ مِثْلَ الْبَرْقِ وَكَانَ إِذَا أَتَتْهُ امْرَأَةٌ لِحَاجَةٍ غَطَّى وَجْهَهُ وَقَالَ غَيْرُهُ كَانَ فِي الْغَالِبِ مُبَرْقَعًا لِئَلَّا يَرَاهُ النَّاسُ وَلِهَذَا لَمَّا قَامَ عَذَرَ امْرَأَةَ الْعَزِيزِ فِي مَحَبَّتِهَا لِهَذَا الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ وَجَرَى لَهُنَّ وَعَلَيْهِنَّ مَا جَرَى مِنْ تَقْطِيعِ أَيْدِيهِنَّ بِجِرَاحِ السَّكَاكِينِ وَمَا رَكِبَهُنَّ مِنَ الْمَهَابَةِ وَالدَّهَشِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ وَمُعَايَنَتِهِ (قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) 12: 32 ثم مدحته بالعصمة التَّامَّةِ فَقَالَتْ (وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ) 12: 32 أَيِ امْتَنَعَ (وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً من الصَّاغِرِينَ) 12: 32 وَكَانَ بَقِيَّةُ النِّسَاءِ حَرَّضْنَهُ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِسَيِّدَتِهِ فَأَبَى أَشَدَّ الْإِبَاءِ. وَنَأَى لِأَنَّهُ مِنْ سُلَالَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَدَعَا فَقَالَ فِي دُعَائِهِ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ من الْجاهِلِينَ) 12: 33 يَعْنِي إِنْ وَكَلْتَنِي إِلَى نَفْسِي فَلَيْسَ لِي مِنْ نَفْسِي إِلَّا الْعَجْزُ وَالضَّعْفُ وَلَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ فَأَنَا ضَعِيفٌ إِلَّا مَا قَوَّيْتَنِي وَعَصَمْتَنِي وحفظتني وحطني بِحَوْلِكَ وَقُوَّتِكَ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ 12: 34- 35

ص: 205

حَتَّى حِينٍ. وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ. قَالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً. وَقال الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ. قَالَ لَا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ. وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ. يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ. مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ. يَا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ 12: 35- 41. يَذْكُرُ تَعَالَى عَنِ الْعَزِيزِ وَامْرَأَتِهِ أَنَّهُمْ بَدَا لَهُمْ أَيْ ظَهَرَ لَهُمْ مِنَ الرَّأْيِ بَعْدَ مَا عَلِمُوا بَرَاءَةَ يُوسُفَ أَنْ يَسْجُنُوهُ إِلَى وَقْتٍ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَقَلَّ لِكَلَامِ النَّاسِ فِي تلك القضية وأحمد لِأَمْرِهَا وَلِيُظْهِرُوا أَنَّهُ رَاوَدَهَا عَنْ نَفْسِهَا فَسُجِنَ بِسَبَبِهَا فَسَجَنُوهُ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا. وَكَانَ هَذَا مِمَّا قَدَّرَ اللَّهُ لَهُ وَمِنْ جُمْلَةِ مَا عَصَمَهُ بِهِ فَإِنَّهُ أَبْعَدُ لَهُ عَنْ مُعَاشَرَتِهِمْ وَمُخَالَطَتِهِمْ وَمِنْ هَاهُنَا اسْتَنْبَطَ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ مَا حَكَاهُ عَنْهُمُ الشَّافِعِيُّ أَنَّ مِنَ الْعِصْمَةِ أَنْ لَا تجد قال الله وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ 12: 36 قِيلَ كَانَ أَحَدُهُمَا سَاقِيَ الْمَلِكِ وَاسْمُهُ فِيمَا قِيلَ بَنُو. وَالْآخَرُ خَبَّازَهُ يَعْنِي الَّذِي يَلِي طَعَامَهُ وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ لَهُ التُّرْكُ (الْجَاشَنْكِيرُ) وَاسْمُهُ فِيمَا قِيلَ مَجْلَثُ كَانَ الْمَلِكُ قَدِ اتَّهَمَهُمَا فِي بَعْضِ الْأُمُورِ فَسَجَنَهُمَا فَلَمَّا رَأَيَا يُوسُفَ فِي السِّجْنِ أَعْجَبَهُمَا سَمْتُهُ وَهَدْيُهُ وَدَلُّهُ وَطَرِيقَتُهُ وَقَوْلُهُ وَفِعْلُهُ وَكَثْرَةُ عِبَادَتِهِ رَبَّهُ وَإِحْسَانُهُ إِلَى خَلْقِهِ فَرَأَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رُؤْيَا تُنَاسِبُهُ قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ رَأَيَا فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ أَمَّا السَّاقِي فَرَأَى كَأَنَّ ثَلَاثَ قُضْبَانٍ من حبلة وقد أَوْرَقَتْ وَأَيْنَعَتْ عَنَاقِيدُ الْعِنَبِ فَأَخَذَهَا فَاعْتَصَرَهَا فِي كَأْسِ الْمَلِكِ وَسَقَاهُ وَرَأَى الْخَبَّازُ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ سِلَالٍ مِنْ خُبْزٍ وَضَوَارِي الطُّيُورِ تَأْكُلُ مِنَ السَّلِّ الْأَعْلَى فَقَصَّاهَا عَلَيْهِ وَطَلَبَا مِنْهُ أَنْ يَعْبُرَهُمَا لَهُمَا وَقَالَا (إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) 12: 36 فأخبرهما أنه عليم بتعبيرها خبير بأمرها وَ (قَالَ لَا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما) 12: 37 قِيلَ مَعْنَاهُ مَهْمَا رَأَيْتُمَا مِنْ حُلْمٍ فَإِنِّي أعبره لكم قَبْلَ وُقُوعِهِ فَيَكُونُ كَمَا أَقُولُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ إِنِّي أُخْبِرُكُمَا بِمَا يَأْتِيكُمَا مِنَ الطَّعَامِ قَبْلَ مَجِيئِهِ حُلْوًا أَوْ حَامِضًا كَمَا قَالَ عِيسَى (وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ) 3: 49 وَقَالَ لَهُمَا إِنَّ هَذَا مِنْ تَعْلِيمِ اللَّهِ إِيَّايَ لِأَنِّي مُؤْمِنٌ بِهِ مُوَحِّدٌ لَهُ مُتَّبِعٌ مِلَّةَ آبَائِي الْكِرَامِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ (مَا كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذلِكَ من فَضْلِ الله عَلَيْنا) 12: 38 أي بأن هدانا لهذا (وَعَلَى النَّاسِ) 12: 38 أَيْ بِأَنْ أَمَرَنَا أَنْ نَدْعُوَهُمْ إِلَيْهِ وَنُرْشِدَهُمْ وَنَدُلَّهُمْ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي فِطَرِهِمْ مَرْكُوزٌ وَفِي جِبِلَّتِهِمْ مَغْرُوزٌ (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ) 12: 38 ثُمَّ دَعَاهُمْ إِلَى التَّوْحِيدِ وَذَمَّ عِبَادَةَ مَا سوى الله عز وجل وصغر أمر الأوثان وحقرها وضعف أمرها فقال (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ

ص: 206

الْواحِدُ الْقَهَّارُ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) 12: 39- 40 أَيْ هُوَ الْمُتَصَرِّفُ فِي خَلْقِهِ الْفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ الَّذِي يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَيُضِلُّ مَنْ يشاء (أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) 12: 40 أي وحده لا شريك له و (ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) 12: 40 أَيِ الْمُسْتَقِيمُ وَالصِّرَاطُ الْقَوِيمُ (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) 12: 40 أَيْ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ إِلَيْهِ مَعَ وُضُوحِهِ وَظُهُورِهِ وَكَانَتْ دَعْوَتُهُ لَهُمَا فِي هَذِهِ الْحَالِ فِي غَايَةِ الْكَمَالِ لِأَنَّ نُفُوسَهُمَا مُعَظِّمَةٌ لَهُ مُنْبَعِثَةٌ عَلَى تَلَقِّي مَا يَقُولُ بِالْقَبُولِ فَنَاسَبَ أَنْ يَدْعُوَهُمَا إِلَى مَا هُوَ الْأَنْفَعُ لَهُمَا مِمَّا سَأَلَا عَنْهُ وَطَلَبَا مِنْهُ ثُمَّ لَمَّا قَامَ بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَأَرْشَدَ إِلَى مَا أَرْشَدَ إِلَيْهِ قَالَ (يَا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً) 12: 41 قَالُوا وَهُوَ السَّاقِي (وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ من رَأْسِهِ) 12: 41 قَالُوا وَهُوَ الْخَبَّازُ (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ) 12: 41 أَيْ وَقَعَ هَذَا لَا مَحَالَةَ وَوَجَبَ كَوْنُهُ على حَالَةٍ وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ (الرُّؤْيَا عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ مَا لَمْ تُعَبَّرْ فَإِذَا عُبِّرَتْ وقعت) .

وقد روى عن بن مَسْعُودٍ وَمُجَاهِدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ (أَنَّهُمَا قَالَا لَمْ نَرَ شَيْئًا) فَقَالَ لهما (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ. وَقال لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ في السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) 12: 41- 42. يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّ يُوسُفَ عليه السلام قَالَ للذي ظنه ناجيا منهما وهو الساقي (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) 12: 42 يَعْنِي اذْكُرْ أَمْرِي وَمَا أَنَا فِيهِ مِنَ السَّجْنِ بِغَيْرِ جُرْمٍ عِنْدَ الْمَلِكِ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ السَّعْيِ فِي الْأَسْبَابِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ التَّوَكُّلَ عَلَى رَبِّ الْأَرْبَابِ. وَقَوْلُهُ (فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) 12: 42 أَيْ فَأَنْسَى النَّاجِيَ مِنْهُمَا الشَّيْطَانُ. أَنْ يَذْكُرَ مَا وَصَّاهُ بِهِ يُوسُفُ عليه السلام قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ وَهُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ مَنْصُوصُ أَهْلِ الْكِتَابِ (فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) 12: 42 وَالْبِضْعُ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إِلَى التِّسْعِ وَقِيلَ إِلَى السَّبْعِ وَقِيلَ إِلَى الْخَمْسِ وَقِيلَ مَا دون العشرة. حكاها الثعلبي ويقال يضع نِسْوَةٍ وَبِضْعَةُ رِجَالٍ وَمَنَعَ الْفَرَّاءُ اسْتِعْمَالَ الْبِضْعِ فِيمَا دُونَ الْعَشْرِ قَالَ وَإِنَّمَا يُقَالُ نَيِّفٌ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ 12: 42 وقال تعالى في بِضْعَ سِنِينَ 12: 42 وَهَذَا رَدٌّ لِقَوْلِهِ قَالَ الْفَرَّاءُ وَيُقَالُ بِضْعَةَ عَشَرَ وَبِضْعَةٌ وَعِشْرُونَ إِلَى التِّسْعِينَ وَلَا يُقَالُ بِضْعٌ وَمِائَةٌ وَبِضْعٌ وَأَلْفٌ وَخَالَفَ الْجَوْهَرِيُّ فِيمَا زَادَ عَلَى بِضْعَةَ عَشَرَ فَمَنَعَ أَنْ يُقَالَ بِضْعَةٌ وَعِشْرُونَ إِلَى تِسْعِينَ وَفِي الصَّحِيحِ (الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ) وَفِي رِوَايَةٍ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً أَعْلَاهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ وَمَنْ قَالَ إِنَّ الضَّمِيرَ في قوله (فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) 12: 42 عَائِدٌ عَلَى يُوسُفَ فَقَدْ ضَعُفَ مَا قَالَهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ وَالْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ضَعِيفٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ تَفَرَّدَ بِإِسْنَادِهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ الْخُوزِيُّ [1] الْمَكِّيُّ وَهُوَ متروك. ومرسل الحسن وقتادة لا يقبل ولا هاهنا بطريق الأولى والأحرى والله أعلم.

[1] في نسخة خوذى وفي أخرى خورى والصواب الخوزي

ص: 207

فَأَمَّا قَوْلُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ ذِكْرُ السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ لَبِثَ يُوسُفُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ الْحُبَابِ الْجُمَحِيُّ ثنا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ ثنا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَحِمَ اللَّهُ يُوسُفَ لَوْلَا الْكَلِمَةُ الَّتِي قَالَهَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ 12: 42 مَا لَبِثَ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ وَرَحِمَ اللَّهُ لُوطًا إِنْ كَانَ لَيَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ قَالَ فَمَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا بَعْدَهُ إِلَّا فِي ثَرْوَةٍ مِنْ قَوْمِهِ. فَإِنَّهُ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ لَهُ أَشْيَاءُ يَنْفَرِدُ بِهَا وَفِيهَا نَكَارَةٌ وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ مِنْ أَنْكَرِهَا وَأَشَدِّهَا. وَالَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ يَشْهَدُ بِغَلَطِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (وَقال الْمَلِكُ إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ. يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي في رُءْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ. قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ. وَقال الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ. يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ. قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ. ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ. ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) 12: 43- 49 هذا كان من جملة أسباب خروج يوسف عليه السلام من السجن على وجه الاحترام والاكرام وذلك أن ملك مصر وهو الريان بن الوليد بن ثروان بن اراشه [1] بن فاران بن عمرو بْنِ عِمْلَاقِ بْنِ لَاوَذَ بْنِ سَامِ بْنِ نوح رأى هذه الرؤيا. قال أهل الكتاب رأى كأنه على حافة نهر وكأنه قد خرج منه سبع بقرات سمان فجعلن يرتعن في روضة هناك فخرجت سبع هزال ضعاف من ذلك النهر فرتعن معهن ثم ملن عليهنّ فاكلنهن فاستيقظ مذعورا. ثم نام فرأى سبع سنبلات خضر في قصبة واحدة وإذا سبع أخر دقاق يابسات فأكلنهن فاستيقظ مذعورا. فلما قصها على ملئه وقومه لم يكن فيهم من يحسن تعبيرها بل (قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ) 12: 44 أَيْ أَخْلَاطُ أَحْلَامٍ مِنَ اللَّيْلِ لَعَلَّهَا لَا تَعْبِيرَ لَهَا وَمَعَ هَذَا فَلَا خِبْرَةَ لَنَا بِذَلِكَ وَلِهَذَا قَالُوا (وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ) 12: 44 فَعِنْدَ ذَلِكَ تَذَكَّرَ النَّاجِي مِنْهُمَا الَّذِي وَصَّاهُ يوسف بأن يذكره عند ربه فنسيه إِلَى حِينِهِ هَذَا. وَذَلِكَ عَنْ تَقْدِيرِ اللَّهِ عز وجل وَلَهُ الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ فَلَمَّا سَمِعَ رُؤْيَا الْمَلِكِ وَرَأَى عَجْزَ النَّاسِ عَنْ تَعْبِيرِهَا تَذَكَّرَ أَمْرَ يُوسُفَ وَمَا كَانَ أَوْصَاهُ بِهِ مِنَ التَّذْكَارِ. وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى وَقال الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ 12: 45 أي تذكر (بَعْدَ أُمَّةٍ) 12: 45 أَيْ بَعْدَ مُدَّةٍ مِنَ الزَّمَانِ وَهُوَ بِضْعُ سِنِينَ وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ كَمَا حُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ وَالضَّحَّاكِ (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) 12: 45 أَيْ بَعْدَ نِسْيَانٍ وَقَرَأَهَا مُجَاهِدٌ (بَعْدَ أُمَّةٍ) 12: 45 بِإِسْكَانِ الْمِيمِ وَهُوَ النِّسْيَانُ أَيْضًا يُقَالُ أَمِهَ الرَّجُلُ يَأْمَهُ أَمَهًا وَأَمْهًا إِذَا نَسِيَ قَالَ الشَّاعِرُ.

[1] في النسخة الحلبية ابن اراثية

ص: 208

أَمِهْتُ وَكُنْتُ لَا أَنْسَى حَدِيثًا

كَذَاكَ الدَّهْرُ يزرى بِالْعَقُولِ

فَقَالَ لِقَوْمِهِ وَلِلْمَلِكِ (أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ) 12: 45 أَيْ فَأَرْسِلُونِي إِلَى يُوسُفَ فَجَاءَهُ فَقَالَ (يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ) 12: 46 وَعِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّ الْمَلِكَ لَمَّا ذَكَرَهُ له الساقي اسْتَدْعَاهُ إِلَى حَضْرَتِهِ وَقَصَّ عَلَيْهِ مَا رَآهُ فَفَسَّرَهُ لَهُ وَهَذَا غَلَطٌ وَالصَّوَابُ مَا قَصَّهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الْقُرْآنِ لَا مَا عَرَّبَهُ هؤلاء الجهلة الثيران من قراى وَرُبَّانٍ. فَبَذَلَ يُوسُفُ عليه السلام مَا عِنْدَهُ مِنَ الْعِلْمِ بِلَا تَأَخُّرٍ وَلَا شَرْطٍ وَلَا طَلَبَ الْخُرُوجَ سَرِيعًا بَلْ أَجَابَهُمْ إِلَى مَا سَأَلُوا وَعَبَّرَ لَهُمْ مَا كَانَ مِنْ مَنَامِ الْمَلِكِ الدَّالِّ عَلَى وُقُوعِ سَبْعِ سِنِينَ مِنَ الْخِصْبِ وَيَعْقُبُهَا سَبْعٌ جُدْبٌ. (ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ) 12: 49 يَعْنِي يَأْتِيهِمُ الْغَيْثُ وَالْخِصْبُ وَالرَّفَاهِيَةُ (وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) 12: 49 يَعْنِي مَا كَانُوا يَعْصِرُونَهُ مِنَ الْأَقْصَابِ وَالْأَعْنَابِ وَالزَّيْتُونِ وَالسِّمْسِمِ وَغَيْرِهَا فَعَبَّرَ لَهُمْ. وَعَلَى الْخَيْرِ دَلَّهُمْ وَأَرْشَدَهُمْ إِلَى مَا يَعْتَمِدُونَهُ فِي حَالَتَيْ خِصْبِهِمْ وَجَدْبِهِمْ وَمَا يَفْعَلُونَهُ مِنِ ادِّخَارِ حُبُوبِ سِنِيِّ الْخِصْبِ فِي السَّبْعِ الْأُوَلِ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا مَا يُرْصَدُ بِسَبَبِ الْأَكْلِ وَمِنْ تَقْلِيلِ الْبَذْرِ فِي سِنِيِّ الْجَدْبِ فِي السَّبْعِ الثَّانِيَةِ إِذِ الْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ الْبَذْرَ مِنَ الْحَقْلِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ الْعِلْمِ وَكَمَالِ الرَّأْيِ وَالْفَهْمِ.

(وَقال الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ مَا بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ. قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ. ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) 12: 50- 53. لَمَّا أَحَاطَ الْمَلِكُ عِلْمًا بِكَمَالِ عِلْمِ يُوسُفَ عليه الصلاة والسلام وَتَمَامِ عَقْلِهِ وَرَأْيِهِ السَّدِيدِ وَفَهْمِهِ أَمَرَ بِإِحْضَارِهِ إِلَى حَضْرَتِهِ لِيَكُونَ مِنْ جُمْلَةِ خَاصَّتِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ بِذَلِكَ أَحَبَّ أَنْ لَا يَخْرُجَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنَّهُ حُبِسَ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا وَأَنَّهُ بَرِيءُ السَّاحَةِ مِمَّا نَسَبُوهُ إِلَيْهِ بُهْتَانًا (قَالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ 12: 50 يعنى الملك (فَسْئَلْهُ مَا بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ) 12: 50 قِيلَ مَعْنَاهُ إِنَّ سَيِّدِي الْعَزِيزَ يَعْلَمُ بَرَاءَتِي مِمَّا نُسِبَ إِلَيَّ أَيْ فَمُرِ الْمَلِكَ فَلْيَسْأَلْهُنَّ كَيْفَ كَانَ امْتِنَاعِي الشَّدِيدُ عِنْدَ مُرَاوَدَتِهِنَّ إِيَّايَ وَحَثِّهِنَّ لِي عَلَى الْأَمْرِ الَّذِي لَيْسَ بِرَشِيدٍ ولا سديد. فلما سئلن عن ذلك أعرفن بما وقع من الْأَمْرِ وَمَا كَانَ مِنْهُ مِنَ الْأَمْرِ الْحَمِيدِ (وقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ) 12: 51 فعند ذلك (قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ) 12: 51 وهي زليخا (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ) 12: 51 أَيْ ظَهَرَ وَتَبَيَّنَ وَوَضَحَ وَالْحَقُّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ (أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) 12: 51 أي فيما يقوله من انه بريء وَأَنَّهُ لَمْ يُرَاوِدْنِي وَأَنَّهُ حُبِسَ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا وَزُورًا وَبُهْتَانًا.

وَقَوْلُهُ (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ) 12: 52 قِيلَ إِنَّهُ مِنْ كَلَامِ يُوسُفَ أَيْ إِنَّمَا

ص: 209

طَلَبْتُ تَحْقِيقَ هَذَا لِيَعْلَمَ الْعَزِيزُ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِظَهْرِ الْغَيْبِ. وَقِيلَ إِنَّهُ مِنْ تَمَامِ كَلَامِ زَلِيخَا أَيْ إِنَّمَا اعْتَرَفْتُ بِهَذَا لِيَعْلَمَ زَوْجِي أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وإنما كان مراده لَمْ يَقَعْ مَعَهَا فِعْلُ فَاحِشَةٍ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي نَصَرَهُ طَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَغَيْرِهِمْ وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ سِوَى الْأَوَّلِ. (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) 12: 53 قِيلَ إِنَّهُ مِنْ كَلَامِ يُوسُفَ وَقِيلَ مِنْ كَلَامِ زَلِيخَا وَهُوَ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ. وَكَوْنُهُ مِنْ تَمَامِ كَلَامِ زَلِيخَا أَظْهَرُ وَأَنْسَبُ وَأَقْوَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ (وَقال الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ. قَالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ. وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ. وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) 12: 54- 57. لما ظهر للملك براءة عرضه ونزاهة ساحته عما كانوا أظهروا عنه مما نسبوه اليه (قال الْمَلِكُ ائْتُونِي به أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي) 12: 54 أَيْ أَجْعَلْهُ مِنْ خَاصَّتِي وَمِنْ أَكَابِرِ دَوْلَتِي وَمِنْ أَعْيَانِ حَاشِيَتِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ وَسَمِعَ مَقَالَهُ وَتَبَيَّنَ حَالَهُ (قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ) 12: 54 أَيْ ذُو مَكَانَةٍ وَأَمَانَةٍ (قَالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) 12: 55 طَلَبَ أَنْ يُوَلِّيَهُ النَّظَرَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَهْرَاءِ لِمَا يَتَوَقَّعُ مِنْ حُصُولِ الْخَلَلِ فِيمَا بَعْدَ مُضِيِّ سَبْعِ سِنِيِّ الْخِصْبِ لِيَنْظُرَ فِيهَا بِمَا يُرْضِي اللَّهَ فِي خَلْقِهِ مِنَ الِاحْتِيَاطِ لَهُمْ وَالرِّفْقِ بِهِمْ وَأَخْبَرَ الْمَلِكَ أَنَّهُ حَفِيظٌ أَيْ قَوِيٌّ عَلَى حِفْظِ مَا لَدَيْهِ أَمِينٌ عَلَيْهِ عَلِيمٌ بِضَبْطِ الْأَشْيَاءِ وَمَصَالِحِ الْأَهْرَاءِ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ طَلَبِ الْوِلَايَةِ لِمَنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الْأَمَانَةَ وَالْكَفَاءَةَ وَعِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ أن فرعون عظيم يُوسُفَ عليه السلام جِدًّا وَسَلَّطَهُ عَلَى جَمِيعِ أَرْضِ مِصْرَ وَأَلْبَسَهُ خَاتَمَهُ وَأَلْبَسَهُ الْحَرِيرَ وَطَوَّقَهُ الذَّهَبَ وَحَمَلَهُ عَلَى مَرْكَبِهِ الثَّانِي وَنُودِيَ بَيْنَ يديه أنت رب وَمُسَلَّطٌ وَقَالَ لَهُ لَسْتُ أَعْظَمَ مِنْكَ إِلَّا بِالْكُرْسِيِّ. قَالُوا وَكَانَ يُوسُفُ إِذْ ذَاكَ ابْنَ ثَلَاثِينَ سَنَةً وَزَوْجُهُ امْرَأَةً عَظِيمَةَ الشَّأْنِ.

وَحَكَى الثَّعْلَبِيُّ أَنَّهُ عَزَلَ قِطْفِيرَ عَنْ وَظِيفَتِهِ وَوَلَّاهَا يُوسُفَ. وَقِيلَ إِنَّهُ لَمَّا مَاتَ زَوَّجَهُ امْرَأَتَهُ زَلِيخَا فَوَجَدَهَا عَذْرَاءَ لِأَنَّ زَوْجَهَا كَانَ لَا يَأْتِي النِّسَاءَ فَوَلَدَتْ لِيُوسُفَ عليه السلام رَجُلَيْنِ وهما أفرايم وَمَنْشَا قَالَ وَاسْتَوْثَقَ لِيُوسُفَ مُلْكُ مِصْرَ وَعَمِلَ فِيهِمْ بِالْعَدْلِ فَأَحَبَّهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ.

وَحُكِيَ أَنَّ يُوسُفَ كَانَ يَوْمَ دَخَلَ عَلَى الْمَلِكِ عُمُرُهُ ثَلَاثِينَ سَنَةً وَأَنَّ الْمَلِكَ خَاطَبَهُ بِسَبْعِينَ لُغَةً وَكُلُّ ذَلِكَ يُجَاوِبُهُ بِكُلِّ لُغَةٍ مِنْهَا فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ مَعَ حَدَاثَةِ سِنِّهِ فاللَّه أَعْلَمُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ) 12: 56 أَيْ بَعْدَ السَّجْنِ وَالضِّيقِ وَالْحَصْرِ صَارَ مُطْلَقَ الرِّكَابِ بِدِيَارِ مِصْرَ (يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ) 12: 56 أَيْ أَيْنَ شَاءَ حَلَّ مِنْهَا مُكْرَمًا مَحْسُودًا مُعَظَّمًا (نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) 12: 56 أَيْ هَذَا كُلُّهُ مِنْ جَزَاءِ اللَّهِ وَثَوَابِهِ لِلْمُؤْمِنِ مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي آخِرَتِهِ مِنَ الْخَيْرِ الْجَزِيلِ وَالثَّوَابِ الْجَمِيلِ. وَلِهَذَا قَالَ (وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) 12: 57 وَيُقَالُ إِنَّ أَطْفِيرَ زَوْجَ

ص: 210

زَلِيخَا كَانَ قَدْ مَاتَ فَوَلَّاهُ الْمَلِكُ مَكَانَهُ وَزَوَّجَهُ امْرَأَتَهُ زَلِيخَا فَكَانَ وَزِيرَ صِدْقٍ.

وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ صَاحِبَ مِصْرَ الْوَلِيدَ بْنَ الرَّيَّانِ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْ يُوسُفَ عليه السلام فاللَّه أَعْلَمُ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ

وَرَاءَ مضيق الخوف متسع الأمن

وأول مفروح به غاية الْحُزْنِ

فَلَا تَيْأَسَنْ فاللَّه مَلَّكَ يُوسُفًا

خَزَائِنَهُ بَعْدَ الْخَلَاصِ مِنَ السِّجْنِ

(وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ. وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ. فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ. قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ. وَقال لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) 12: 58- 62 يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ قُدُومِ إِخْوَةِ يُوسُفَ عليه السلام إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ يَمْتَارُونَ طَعَامًا وَذَلِكَ بَعْدَ إِتْيَانِ سِنِيِّ الْجَدْبِ وَعُمُومِهَا عَلَى سَائِرِ الْبِلَادِ وَالْعِبَادِ. وَكَانَ يُوسُفُ عليه السلام إِذْ ذَاكَ الْحَاكِمَ فِي أُمُورِ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ دِينًا وَدُنْيَا. فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ عَرَفَهُمْ وَلَمْ يَعْرِفُوهُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِمْ مَا صَارَ إِلَيْهِ يُوسُفُ عليه السلام مِنَ الْمَكَانَةِ وَالْعَظَمَةِ فَلِهَذَا عَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ وَعِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّهُمْ لَمَّا قَدِمُوا عَلَيْهِ سَجَدُوا لَهُ فَعَرَفَهُمْ وَأَرَادَ أَنْ لَا يَعْرِفُوهُ فَأَغْلَظَ لَهُمْ فِي الْقَوْلِ وَقَالَ أَنْتُمْ جَوَاسِيسُ جِئْتُمْ لِتَأْخُذُوا خَبَرَ بِلَادِي. فَقَالُوا مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّمَا جِئْنَا نَمْتَارُ لِقَوْمِنَا مِنَ الْجَهْدِ وَالْجُوعِ الَّذِي أَصَابَنَا وَنَحْنُ بَنُو أَبٍ وَاحِدٍ مِنْ كَنْعَانَ وَنَحْنُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا ذَهَبَ مِنَّا وَاحِدٌ وَصَغِيرُنَا عِنْدَ أَبِينَا فَقَالَ لَا بُدَّ أَنْ أَسْتَعْلِمَ أَمْرَكُمْ وَعِنْدَهُمْ أَنَّهُ حَبَسَهُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ أَخْرَجَهُمْ وَاحْتَبَسَ شَمْعُونَ عِنْدَهُ لِيَأْتُوهُ بِالْأَخِ الْآخَرِ. وَفِي بعض هذا انظر. قال الله تعالى فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ 12: 70 أَيْ أَعْطَاهُمْ مِنَ الْمِيرَةِ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُ فِي إِعْطَاءِ كُلِّ إِنْسَانٍ حِمْلَ بِعِيرٍ لَا يَزِيدُهُ عَلَيْهِ (قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ من أَبِيكُمْ) 12: 59 وَكَانَ قَدْ سَأَلَهُمْ عَنْ حَالِهِمْ وَكَمْ هُمْ فَقَالُوا كُنَّا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا فَذَهَبَ مِنَّا وَاحِدٌ وَبَقِيَ شَقِيقُهُ عِنْدَ أَبِينَا فَقَالَ إِذَا قَدِمْتُمْ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَأْتُونِي بِهِ مَعَكُمْ (أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) 12: 59 أَيْ قَدْ أَحْسَنْتُ نُزُلَكُمْ وَقِرَاكُمْ فَرَغَّبَهُمْ لِيَأْتُوهُ بِهِ ثُمَّ رَهَّبَهُمْ إِنْ لَمْ يَأْتُوهُ بِهِ قَالَ (فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ) 12: 60 أَيْ فَلَسْتُ أُعْطِيكُمْ مِيرَةً وَلَا أَقْرَبُكُمْ بِالْكُلِّيَّةِ عَكْسُ مَا أَسْدَى إِلَيْهِمْ أَوَّلًا فَاجْتَهَدَ فِي إِحْضَارِهِ مَعَهُمْ لِيَبُلَّ شَوْقَهُ مِنْهُ بِالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ (قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ) 12: 61 أَيْ سَنَجْتَهِدُ فِي مَجِيئِهِ مَعَنَا وَإِتْيَانِهِ إِلَيْكَ بكل ممكن (وَإِنَّا لَفاعِلُونَ) 12: 61 أَيْ وَإِنَّا لَقَادِرُونَ عَلَى تَحْصِيلِهِ. ثُمَّ أَمَرَ فِتْيَانَهُ أَنْ يَضَعُوا بِضَاعَتَهُمْ وَهِيَ مَا جَاءُوا بِهِ يَتَعَوَّضُونَ بِهِ عَنِ الْمِيرَةِ فِي أَمْتِعَتِهِمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ بِهَا (لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) 12: 62 قِيلَ أَرَادَ أَنْ يَرُدُّوهَا إِذَا وَجَدُوهَا فِي بِلَادِهِمْ. وَقِيلَ خَشِيَ أَنْ لَا يَكُونَ عِنْدَهُمْ مَا يَرْجِعُونَ بِهِ مَرَّةً ثَانِيَةً. وَقِيلَ تَذَمَّمَ أن يأخذ منهم عوضا عن الميرة.

ص: 211

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي بِضَاعَتِهِمْ عَلَى أَقْوَالٍ سَيَأْتِي ذِكْرُهَا وَعِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّهَا كَانَتْ صُرَرًا مِنْ وَرِقٍ وَهُوَ أَشْبَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يَا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ. قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ. وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ. قالُوا يَا أَبانا مَا نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا وَنَمِيرُ أَهْلَنا وَنَحْفَظُ أَخانا وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ. قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ. فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ. وَقال يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ. وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) 12: 63- 68 يَذْكُرُ تَعَالَى مَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ بَعْدَ رُجُوعِهِمْ إِلَى أَبِيهِمْ وَقَوْلِهِمْ لَهُ (مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ) 12: 63 أَيْ بَعْدَ عَامِنَا هَذَا إِنْ لَمْ تُرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا فَإِنْ أَرْسَلْتَهُ مَعَنَا لَمْ يُمْنَعْ مِنَّا (وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي) 12: 65 أَيْ أَيَّ شَيْءٍ نُرِيدُ وَقَدْ رُدَّتْ إِلَيْنَا بضاعتنا (وَنَمِيرُ أَهْلَنا) 12: 65 أَيْ نَمْتَارُ لَهُمْ وَنَأْتِيهِمْ بِمَا يُصْلِحُهُمْ فِي سنتهم ومحلهم (وَنَحْفَظُ أَخانا وَنَزْدادُ) 12: 65 بِسَبَبِهِ (كَيْلَ بَعِيرٍ) 12: 65 قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ 12: 65 أَيْ فِي مُقَابَلَةِ ذَهَابِ وَلَدِهِ الْآخَرِ وَكَانَ يَعْقُوبُ عليه السلام أَضَنَّ شَيْءٍ بِوَلَدِهِ بِنْيَامِينَ لِأَنَّهُ كَانَ يَشُمُّ فِيهِ رَائِحَةَ أَخِيهِ وَيَتَسَلَّى بِهِ عَنْهُ وَيَتَعَوَّضُ بِسَبَبِهِ مِنْهُ فَلِهَذَا قَالَ (لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ) 12: 66 أَيْ إِلَّا أَنْ تُغْلَبُوا كُلُّكُمْ عَنِ الْإِتْيَانِ بِهِ (فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ) 12: 66 أَكَّدَ الْمَوَاثِيقَ وَقَرَّرَ الْعُهُودَ وَاحْتَاطَ لِنَفْسِهِ فِي وَلَدِهِ وَلَنْ يُغْنِيَ حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ.

وَلَوْلَا حَاجَتُهُ وَحَاجَةُ قَوْمِهِ إِلَى الْمِيرَةِ لَمَا بَعَثَ الْوَلَدَ الْعَزِيزَ وَلَكِنَّ الْأَقْدَارَ لَهَا أَحْكَامٌ وَالرَّبُّ تَعَالَى يُقَدِّرُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا يُرِيدُ وَيَحْكُمُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ. ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَدْخُلُوا الْمَدِينَةَ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَلَكِنْ لِيَدْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ. قِيلَ أَرَادَ أَنْ لَا يُصِيبَهُمْ أَحَدٌ بِالْعَيْنِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَشْكَالًا حَسَنَةً وَصُوَرًا بَدِيعَةً قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وَالضَّحَّاكُ وَقِيلَ أَرَادَ أَنْ يَتَفَرَّقُوا لَعَلَّهُمْ يجدون خبرا ليوسف أو يحدثون عنه بأثر. قَالَهُ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ. وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَلِهَذَا قَالَ (وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ) 12: 67 وَقَالَ تَعَالَى وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ 12: 68 وَعِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّهُ بَعَثَ مَعَهُمْ هَدِيَّةً إِلَى الْعَزِيزِ مِنَ الْفُسْتُقِ وَاللَّوْزِ وَالصَّنَوْبَرِ وَالْبُطْمِ والعسل وأخذوا الدراهم الأولى وعوضا آخَرَ (وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ. فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ

ص: 212

لَسارِقُونَ. قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ. قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ.

قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ. قالُوا فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ. فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ مَا كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ. قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَالله أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ. قالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ قَالَ مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ) 12: 69- 79 يَذْكُرُ تَعَالَى مَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ حِينَ دَخَلُوا بِأَخِيهِمْ بِنْيَامِينَ عَلَى شَقِيقِهِ يُوسُفَ وَإِيوَائِهِ إِلَيْهِ وَإِخْبَارِهِ لَهُ سِرًّا عَنْهُمْ بِأَنَّهُ أَخُوهُ وَأَمْرِهِ بِكَتْمِ ذَلِكَ عَنْهُمْ وَسَلَّاهُ عَمَّا كَانَ مِنْهُمْ مِنَ الْإِسَاءَةِ إِلَيْهِ ثُمَّ احْتَالَ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُمْ وَتَرْكِهِ إِيَّاهُ عِنْدَهُ دُونَهُمْ فَأَمَرَ فِتْيَانَهُ بِوَضْعِ سِقَايَتِهِ. وَهِيَ الَّتِي كَانَ يَشْرَبُ بها ويكيل بها للناس الطعام عن غرته فِي مَتَاعِ بِنْيَامِينَ. ثُمَّ أَعْلَمَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَدْ سَرَقُوا صُوَاعَ الْمَلِكِ وَوَعَدَهُمْ جِعَالَةً عَلَى رَدِّهِ حِمْلَ بَعِيرٍ وَضَمِنَهُ الْمُنَادِي لَهُمْ فَأَقْبَلُوا عَلَى مَنِ اتَّهَمَهُمْ بِذَلِكَ فَأَنَّبُوهُ وَهَجَّنُوهُ فِيمَا قَالَهُ لهم و (قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنا لِنُفْسِدَ في الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ) 12: 73 يَقُولُونَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ مِنَّا خِلَافَ مَا رَمَيْتُمُونَا بِهِ مِنَ السَّرِقَةِ (قالُوا فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ. قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) 12: 74- 75. وَهَذِهِ كَانَتْ شَرِيعَتَهُمْ أَنَّ السَّارِقَ يُدْفَعُ إِلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَلِهَذَا قَالُوا (كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) 12: 75. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها من وِعاءِ أَخِيهِ) 12: 76 لِيَكُونَ ذَلِكَ أَبْعَدَ لِلتُّهْمَةِ وَأَبْلَغَ فِي الْحِيلَةِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ مَا كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ 12: 76 أَيْ لَوْلَا اعْتِرَافُهُمْ بِأَنَّ جَزَاءَهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ لَمَا كَانَ يَقْدِرُ يُوسُفُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُمْ فِي سِيَاسَةِ مَلِكِ مِصْرَ (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ من نَشاءُ) 12: 76 أَيْ فِي الْعِلْمِ (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) 12: 76 وَذَلِكَ لِأَنَّ يُوسُفَ كَانَ أَعْلَمَ مِنْهُمْ وَأَتَمَّ رَأْيًا وَأَقْوَى عَزْمًا وَحَزْمًا وَإِنَّمَا فَعَلَ مَا فَعَلَ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ لَهُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ مَصْلَحَةٌ عَظِيمَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ قُدُومِ أَبِيهِ وَقَوْمِهِ عَلَيْهِ وَوُفُودِهِمْ إِلَيْهِ فَلَمَّا عَايَنُوا اسْتِخْرَاجَ الصُّوَاعِ مِنْ حِمْلِ بِنْيَامِينَ (قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ من قَبْلُ) 12: 77 يَعْنُونَ يُوسُفَ قِيلَ كَانَ قَدْ سَرَقَ صَنَمَ جَدِّهِ أَبِي أُمِّهِ فَكَسَرَهُ. وَقِيلَ كَانَتْ عَمَّتُهُ قَدْ عَلَّقَتْ عَلَيْهِ بَيْنَ ثِيَابِهِ وَهُوَ صَغِيرٌ مِنْطَقَةً كَانَتْ لِإِسْحَاقَ ثُمَّ اسْتَخْرَجُوهَا مِنْ بَيْنِ ثِيَابِهِ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ بِمَا صَنَعَتْ وَإِنَّمَا أَرَادَتْ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهَا وَفِي حَضَانَتِهَا لِمَحَبَّتِهَا لَهُ. وَقِيلَ كَانَ يَأْخُذُ الطَّعَامَ مِنَ الْبَيْتِ فَيُطْعِمُهُ الْفُقَرَاءَ. وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ فَلِهَذَا (قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ في نَفْسِهِ) 12: 77 وَهِيَ كَلِمَتُهُ بَعْدَهَا وَقَوْلُهُ (أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَالله أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ) 12: 77 أَجَابَهُمْ سِرًّا لَا جَهْرًا حِلْمًا وَكَرَمًا وَصَفْحًا وَعَفْوًا فَدَخَلُوا مَعَهُ فِي التَّرَقُّقِ وَالتَّعَطُّفِ فَقَالُوا (يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً

ص: 213

شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ قَالَ مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ) 12: 78- 79 أَيْ إِنْ أَطْلَقْنَا الْمُتَّهَمَ وَأَخَذْنَا الْبَرِيءَ. هَذَا مَا لَا نَفْعَلُهُ وَلَا نَسْمَحُ بِهِ وَإِنَّمَا نَأْخُذُ مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ.

وَعِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّ يُوسُفَ تَعَرَّفَ إِلَيْهِمْ حِينَئِذٍ وَهَذَا مما غلطوا فيه ولم يفهموه جدا (فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ وَمن قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ. ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ. وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ. قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ. وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقال يَا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ من الْهالِكِينَ. قال إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ. يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) 12: 80- 87 يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْهُمْ أَنَّهُمْ لَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْ أَخْذِهِ مِنْهُ خَلَصُوا يَتَنَاجَوْنَ فِيمَا بَيْنَهُمْ قَالَ كَبِيرُهُمْ وَهُوَ رُوبِيلُ (أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ 12: 80

لَتَأْتُنَّنِي به إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ 12: 66) لَقَدْ أَخْلَفْتُمْ عَهْدَهُ وَفَرَّطْتُمْ فِيهِ كَمَا فَرَّطْتُمْ فِي أَخِيهِ يُوسُفَ مِنْ قَبْلِهِ فَلَمْ يَبْقَ لِي وَجْهٌ أُقَابِلُهُ بِهِ (فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ) 12: 80 أَيْ لَا أَزَالُ مُقِيمًا هَاهُنَا (حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي) 12: 80 فِي الْقُدُومِ عَلَيْهِ (أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي) 12: 80 بِأَنْ يُقَدِّرَنِي عَلَى رَدِّ أَخِي إِلَى أَبِي (وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ. ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ) 12: 80- 81 أَيْ أَخْبِرُوهُ بِمَا رَأَيْتُمْ مِنَ الْأَمْرِ فِي لظاهر الْمُشَاهَدَةِ (وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ. وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها) 12: 81- 82 أَيْ فَإِنَّ هَذَا الَّذِي أَخْبَرْنَاكَ بِهِ مِنْ أَخْذِهِمْ أَخَانَا لِأَنَّهُ سَرَقَ أَمْرٌ اشْتَهَرَ بِمِصْرَ وَعَلِمَهُ الْعِيرُ الَّتِي كُنَّا نَحْنُ وَهُمْ هُنَاكَ (وَإِنَّا لَصادِقُونَ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) 12: 82- 83 أَيْ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرْتُمْ لَمْ يَسْرِقْ فإنه ليس سجية لَهُ وَلَا خُلُقَهُ وَإِنَّمَا سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أمرا فصبر جميل قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ لَمَّا كَانَ التَّفْرِيطُ مِنْهُمْ فِي بِنْيَامِينَ مُتَرَتِّبًا عَلَى صَنِيعِهِمْ فِي يُوسُفَ قَالَ لَهُمْ مَا قَالَ وَهَذَا كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ إِنَّ مِنْ جَزَاءِ السَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ بَعْدَهَا ثُمَّ قَالَ (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً) 12: 83 يَعْنِي يُوسُفَ وَبِنْيَامِينَ وَرُوبِيلَ (إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ) 12: 83 أَيْ بِحَالِي وَمَا أَنَا فِيهِ مِنْ فِرَاقِ الْأَحِبَّةِ (الْحَكِيمُ) 12: 83 فِيمَا يُقَدِّرُهُ وَيَفْعَلُهُ وَلَهُ الْحِكْمَةُ البالغة والحجة القاطعة (وَتَوَلَّى عَنْهُمْ) 12: 84 أَيْ أَعْرَضَ عَنْ بَنِيهِ (وَقال يَا أَسَفى عَلى يُوسُفَ) 12: 84 ذَكَّرَهُ حُزْنُهُ الْجَدِيدُ بِالْحُزْنِ الْقَدِيمِ وَحَرَّكَ مَا كَانَ كَامِنًا كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ.

نَقِّلْ فُؤَادَكَ حَيْثُ شِئْتَ مِنَ الْهَوَى

مَا الْحُبُّ إلا للحبيب الأول

ص: 214

وَقَالَ آخَرُ

لَقَدْ لَامَنِي عِنْدَ الْقُبُورِ عَلَى الْبُكَا

رَفِيقِي لِتَذْرَافِ الدُّمُوعِ السَّوَافِكِ

فَقَالَ أَتَبْكِي كُلَّ قَبْرٍ رَأَيْتَهُ

لِقَبْرٍ ثَوَى بَيْنَ اللِّوَى فَالدَّكَادِكِ

فَقُلْتُ لَهُ إِنَّ الْأَسَى يَبْعَثُ الْأَسَى

فَدَعْنِي فَهَذَا كُلُّهُ قَبْرُ مَالِكِ

وَقَوْلُهُ (وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ من الْحُزْنِ) 12: 84 أي من كثرة البكاء (فَهُوَ كَظِيمٌ) 12: 84 أي مكظم مِنْ كَثْرَةِ حُزْنِهِ وَأَسَفِهِ وَشَوْقِهِ إِلَى يُوسُفَ فلما رأى بنوه ما يقاسيه من الوجد وَأَلَمِ الْفِرَاقِ (قالُوا) 12: 85 لَهُ عَلَى وَجْهِ الرَّحْمَةِ له والرأفة به والحرص عليه (تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ من الْهالِكِينَ) 12: 85 يقولون لا تزال تتذكره حتى تنحل جَسَدُكَ وَتَضْعُفَ قُوَّتُكَ فَلَوْ رَفَقْتَ بِنَفْسِكَ كَانَ أولى بك (قال إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ) 12: 86 يَقُولُ لِبَنِيهِ لَسْتُ أَشْكُو إِلَيْكُمْ وَلَا إِلَى أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ مَا أَنَا فِيهِ إِنَّمَا أَشْكُو إِلَى اللَّهِ عز وجل وَأَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ سَيَجْعَلُ لِي مِمَّا أَنَا فِيهِ فَرَجًا وَمَخْرَجًا وَأَعْلَمُ أَنَّ رُؤْيَا يُوسُفَ لَا بُدَّ أَنْ تَقَعَ وَلَا بُدَّ أَنْ أَسْجُدَ لَهُ أَنَا وَأَنْتُمْ حَسَبَ مَا رَأَى وَلِهَذَا قَالَ (وَأَعْلَمُ من الله ما لا تَعْلَمُونَ) 12: 86 ثُمَّ قَالَ لَهُمْ مُحَرِّضًا عَلَى تَطَلُّبِ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَأَنْ يَبْحَثُوا عَنْ أَمْرِهِمَا. (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ الله إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) 12: 87 أَيْ لَا تَيْأَسُوا مِنَ الْفَرَجِ بَعْدَ الشِّدَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ وَفَرَجِهِ وَمَا يُقَدِّرُهُ مِنَ الْمَخْرَجِ فِي الْمَضَايِقِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ. قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ. قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ. قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ الله عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ. قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ. اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ) 12: 88- 93 يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ رُجُوعِ إِخْوَةِ يُوسُفَ إِلَيْهِ وَقُدُومِهِمْ عَلَيْهِ وَرَغْبَتِهِمْ فِيمَا لَدَيْهِ مِنَ الْمِيرَةِ وَالصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ بِرَدِّ أَخِيهِمْ بِنْيَامِينَ إِلَيْهِمْ (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ) 12: 88 أَيْ مِنَ الْجَدْبِ وَضِيقِ الْحَالِ وَكَثْرَةِ الْعِيَالِ (وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ) 12: 88 أَيْ ضَعِيفَةٍ لَا يُقْبَلُ مِثْلُهَا مِنَّا إِلَّا أَنْ يُتَجَاوَزَ عَنَّا. قِيلَ كَانَتْ دَرَاهِمَ رَدِيئَةً. وَقِيلَ قَلِيلَةً وَقِيلَ حَبَّ الصَّنَوْبَرِ وَحَبَّ الْبُطْمِ وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَتْ خَلَقَ الْغَرَائِرِ وَالْحِبَالِ وَنَحْوَ ذَلِكَ (فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ الله يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ) 12: 88 قِيلَ بِقَبُولِهَا قَالَهُ السُّدِّيُّ. وَقِيلَ بِرَدِّ أَخِينَا إِلَيْنَا قَالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ. وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ إِنَّمَا حُرِّمَتِ الصَّدَقَةُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَنَزَعَ بِهَذِهِ الْآيَةِ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ. فَلَمَّا رَأَى مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْحَالِ وَمَا جَاءُوا بِهِ مِمَّا لَمْ يَبْقَ عِنْدَهُمْ سِوَاهُ مِنْ ضَعِيفِ الْمَالِ تَعَرَّفَ إِلَيْهِمْ وَعَطَفَ عَلَيْهِمْ قَائِلًا لَهُمْ عَنْ أمر ربه وربهم.

ص: 215

وَقَدْ حَسَرَ لَهُمْ عَنْ جَبِينِهِ الشَّرِيفِ وَمَا يَحْوِيهِ مِنَ الْخَالِ فِيهِ الَّذِي يَعْرِفُونَ (هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ. قالُوا) 12: 89- 90 وَتَعَجَّبُوا كُلَّ الْعَجَبِ وَقَدْ تَرَدَّدُوا إِلَيْهِ مِرَارًا عَدِيدَةً وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَ أَنَّهُ هُوَ (أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي) 12: 90 يَعْنِي أَنَا يُوسُفُ الَّذِي صَنَعْتُمْ مَعَهُ مَا صَنَعْتُمْ وَسَلَفَ مِنْ أَمْرِكُمْ فِيهِ مَا فَرَّطْتُمْ وقوله (وَهذا أَخِي) 12: 90 تَأْكِيدٌ لِمَا قَالَ وَتَنْبِيهٌ عَلَى مَا كَانُوا أضمروا لهما من الحسد وعملوا فِي أَمْرِهِمَا مِنَ الِاحْتِيَالِ وَلِهَذَا قَالَ (قَدْ من الله عَلَيْنا) 12: 90 أَيْ بِإِحْسَانِهِ إِلَيْنَا وَصَدَقَتِهِ عَلَيْنَا وَإِيوَائِهِ لَنَا وَشَدِّهِ مَعَاقِدَ عِزِّنَا وَذَلِكَ بِمَا أَسْلَفْنَا مِنْ طاعة ربنا وَصَبْرِنَا عَلَى مَا كَانَ مِنْكُمْ إِلَيْنَا وَطَاعَتِنَا وَبِرِّنَا لِأَبِينَا وَمَحَبَّتِهِ الشَّدِيدَةِ لَنَا وَشَفَقَتِهِ عَلَيْنَا (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ. قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ الله عَلَيْنا) 12: 90- 91 أَيْ فَضَّلَكَ وَأَعْطَاكَ مَا لَمْ يُعْطِنَا (وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ) 12: 91. أَيْ فِيمَا أَسْدَيْنَا إِلَيْكَ وَهَا نَحْنُ بَيْنَ يديك (قال لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) 12: 92 أي لست أعاقبكم عَلَى مَا كَانَ مِنْكُمْ بَعْدَ يَوْمِكُمْ هَذَا ثم ذادهم على ذلك فقال (الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) 12: 92.

وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى قَوْلِهِ لَا تثريب عليكم وابتدأ بقوله اليوم يغفر الله لكم فَقَوْلُهُ ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِأَنْ يَذْهَبُوا بِقَمِيصِهِ وَهُوَ الَّذِي يَلِي جَسَدَهُ فَيَضَعُوهُ عَلَى عَيْنَيْ أَبِيهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إِلَيْهِ بَصَرُهُ بَعْدَ مَا كَانَ ذَهَبَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَهَذَا مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ وَدَلَائِلِ النُّبُوَّاتِ وَأَكْبَرِ الْمُعْجِزَاتِ ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَحَمَّلُوا بِأَهْلِهِمْ أَجْمَعِينَ إِلَى دِيَارِ مِصْرَ إِلَى الْخَيْرِ وَالدَّعَةِ وَجَمْعِ الشَّمْلِ بَعْدَ الْفُرْقَةِ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ وَأَعْلَى الْأُمُورِ (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ. قالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ. فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً. قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ. قالُوا يَا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ. قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) 12: 94- 98 قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنْبَأَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي سِنَانٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ سمعت ابن عباس يقول فلما فصلت العير قَالَ لَمَّا خَرَجَتِ الْعِيرُ هَاجَتْ رِيحٌ فَجَاءَتْ يعقوب بريح قميص يوسف (قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ) 12: 94 قَالَ فَوَجَدَ رِيحَهُ مِنْ مَسِيرَةِ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ. وكذا رواه الثوري وشعبة وغيرهم عَنْ أَبِي سِنَانٍ بِهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَابْنُ جُرَيْجٍ الْمَكِّيُّ كَانَ بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ ثَمَانِينَ فَرْسَخًا وَكَانَ لَهُ مُنْذُ فَارَقَهُ ثَمَانُونَ سَنَةً وقوله (لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ) 12: 94 أَيْ تَقُولُونَ إِنَّمَا قُلْتَ هَذَا مِنَ الْفَنَدِ وَهُوَ الْخَرَفُ وَكِبَرُ السِّنِّ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ تُفَنِّدُونِ تُسَفِّهُونِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ أَيْضًا وَالْحَسَنُ تُهَرِّمُونِ (قالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ) 12: 95 قَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ قَالُوا لَهُ كَلِمَةً غَلِيظَةً. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً 12: 96 أَيْ بِمُجَرَّدِ مَا جَاءَ أَلْقَى الْقَمِيصَ عَلَى وَجْهِ يَعْقُوبَ فَرَجَعَ مِنْ فَوْرِهِ بَصِيرًا بَعْدَ مَا كَانَ ضَرِيرًا وَقَالَ لِبَنِيهِ عِنْدَ ذَلِكَ (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا

ص: 216

تَعْلَمُونَ) 12: 96 أَيْ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ سَيَجْمَعُ شَمْلِي بِيُوسُفَ وَسَتَقَرُّ عَيْنِي بِهِ وَسَيُرِينِي فِيهِ وَمِنْهُ مَا يَسُرُّنِي فَعِنْدَ ذَلِكَ (قالُوا يَا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ) 12: 97. طلبوا منه أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَهُمُ اللَّهَ عز وجل عَمَّا كَانُوا فَعَلُوا وَنَالُوا مِنْهُ وَمِنِ ابْنِهِ وَمَا كَانُوا عَزَمُوا عَلَيْهِ. وَلَمَّا كَانَ مِنْ نِيَّتِهِمُ التَّوْبَةُ قَبْلَ الْفِعْلِ وَفَّقَهُمُ اللَّهُ لِلِاسْتِغْفَارِ عِنْدَ وُقُوعِ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَأَجَابَهُمْ أَبُوهُمْ إِلَى مَا سَأَلُوا وَمَا عَلَيْهِ عَوَّلُوا قَائِلًا (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) 12: 98.

قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَإِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ وَعَمْرُو بْنُ قَيْسٍ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَغَيْرُهُمْ أَرْجَأَهُمْ إِلَى وَقْتِ السَّحَرِ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سحق يذكر عن محارب ابن دثار قال كان عمر يَأْتِي الْمَسْجِدَ فَسَمِعَ إِنْسَانًا يَقُولُ (اللَّهمّ دَعَوْتَنِي فَأَجَبْتُ وَأَمَرْتَنِي فَأَطَعْتُ وَهَذَا السَّحَرُ فَاغْفِرْ لِي) قَالَ فَاسْتَمَعَ الصَّوْتَ فَإِذَا هُوَ مِنْ دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَسَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّ يَعْقُوبَ أَخَّرَ بَنِيهِ إِلَى السَّحَرِ بِقَوْلِهِ (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) 12: 98 وقد قال الله تعالى وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ 3: 17 وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَأَتُوبَ عَلَيْهِ هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُعْطِيَهُ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ) وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ (أَنَّ يَعْقُوبَ أَرْجَأَ بَنِيهِ إِلَى لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ) قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى. ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَيُّوبَ الدِّمَشْقِيُّ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ أَنْبَأَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ وَعِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) 12: 98 يَقُولُ حَتَّى تَأْتِيَ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَخِي يَعْقُوبَ لِبَنِيهِ. وَهَذَا غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

وَفِي رَفْعِهِ نَظَرٌ وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه. (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقال ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقال يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ. رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) 12: 99- 101 هَذَا إِخْبَارٌ عَنْ حَالِ اجْتِمَاعِ الْمُتَحَابِّينَ بَعْدَ الْفُرْقَةِ الطَّوِيلَةِ الَّتِي قِيلَ إِنَّهَا ثَمَانُونَ سَنَةً وقيل ثلاث وَثَمَانُونَ سَنَةً وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنِ الْحَسَنِ. وَقِيلَ خَمْسٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً قَالَهُ قَتَادَةُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ ابن إِسْحَاقَ ذَكَرُوا أَنَّهُ غَابَ عَنْهُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً قَالَ وَأَهْلُ الْكِتَابِ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ غَابَ عنه أربعين سنة وظاهر سباق الْقِصَّةِ يُرْشِدُ إِلَى تَحْدِيدِ الْمُدَّةِ تَقْرِيبًا فَإِنَّ الْمَرْأَةَ رَاوَدَتْهُ وَهُوَ شَابٌّ ابْنُ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً فِيمَا قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ فَامْتَنَعَ فَكَانَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ وَهِيَ سَبْعٌ عِنْدَ عِكْرِمَةَ وَغَيْرِهِ. ثُمَّ أُخْرِجَ فَكَانَتْ سَنَوَاتُ الْخِصْبِ السَّبْعُ ثُمَّ لَمَّا أَمْحَلَ النَّاسُ فِي السَّبْعِ البواقي جاء إخوتهم يمتارون في السَّنَةَ الْأُولَى وَحْدَهُمْ وَفِي الثَّانِيَةِ وَمَعَهُمْ أَخُوهُ بِنْيَامِينُ. وَفِي الثَّالِثَةِ تَعَرَّفَ إِلَيْهِمْ وَأَمَرَهُمْ بِإِحْضَارِ أَهْلِهِمْ أَجْمَعِينَ فَجَاءُوا كُلُّهُمْ (فَلَمَّا دَخَلُوا

ص: 217

عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ) 12: 99 اجْتَمَعَ بِهِمَا خُصُوصًا وَحْدَهُمَا دُونَ إِخْوَتِهِ (وَقال ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ الله آمِنِينَ) 12: 99 قِيلَ هَذَا مِنَ الْمُقَدَّمِ وَالْمُؤَخَّرِ تَقْدِيرُهُ ادْخُلُوا مِصْرَ وَآوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ. وَضَعَّفَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَهُوَ مَعْذُورٌ قِيلَ تَلَقَّاهُمَا وَآوَاهُمَا فِي مَنْزِلِ الْخِيَامِ. ثُمَّ لَمَّا اقْتَرَبُوا مِنْ بَابِ مِصْرَ (قَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ) 12: 99 قَالَهُ السُّدِّيُّ. وَلَوْ قِيلَ إِنَّ الْأَمْرَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى هَذَا أَيْضًا وَأَنَّهُ ضُمِّنَ قَوْلُهُ أدخلوا مغنى اسْكُنُوا مِصْرَ أَوْ أَقِيمُوا بِهَا (إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ) 12: 99 لَكَانَ صَحِيحًا مَلِيحًا أَيْضًا وَعِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّ يَعْقُوبَ لَمَّا وَصَلَ إِلَى أَرْضِ جَاشِرَ وَهِيَ أَرْضُ بُلْبَيْسَ خَرَجَ يُوسُفُ لِتَلَقِّيهِ وَكَانَ يَعْقُوبُ قَدْ بَعَثَ ابْنَهُ يَهُوذَا بَيْنَ يَدَيْهِ مُبَشِّرًا بِقُدُومِهِ وَعِنْدَهُمْ أَنَّ الْمَلِكَ أَطْلَقَ لَهُمْ أَرْضَ جَاشِرَ يَكُونُونَ فِيهَا وَيُقِيمُونَ بِهَا بِنَعَمِهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ وَقَدْ ذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهُ لَمَّا أَزِفَ قُدُومُ نَبِيِّ اللَّهِ يَعْقُوبَ وَهُوَ إِسْرَائِيلُ أَرَادَ يُوسُفُ أَنْ يَخْرُجَ لِتَلَقِّيهِ فَرَكِبَ مَعَهُ الْمَلِكُ وَجُنُودُهُ خِدْمَةً لِيُوسُفَ وَتَعْظِيمًا لِنَبِيِّ اللَّهِ إِسْرَائِيلَ وَأَنَّهُ دَعَا لِلْمَلِكِ وَأَنَّ اللَّهَ رَفَعَ عَنْ أَهْلِ مِصْرَ بَقِيَّةَ سِنِيِّ الْجَدْبِ بِبَرَكَةِ قُدُومِهِ إِلَيْهِمْ فاللَّه أَعْلَمُ وَكَانَ جُمْلَةُ مَنْ قَدِمَ مَعَ يَعْقُوبَ مِنْ بَنِيهِ وَأَوْلَادِهِمْ فِيمَا قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ثَلَاثَةً وَسِتِّينَ إِنْسَانًا وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ كَانُوا ثَلَاثَةً وَثَمَانِينَ إِنْسَانًا. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ مَسْرُوقٍ دَخَلُوا وَهُمْ ثَلَاثُمِائَةٍ وَتِسْعُونَ إِنْسَانًا: قَالُوا وَخَرَجُوا مَعَ مُوسَى وَهُمْ أَزْيَدُ مِنْ سِتِّمِائَةِ أَلْفِ مُقَاتِلٍ وَفِي نَصِّ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّهُمْ كَانُوا سَبْعِينَ نَفْسًا وَسَمَّوْهُمْ.

قَالَ الله تعالى وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ 12: 100 قِيلَ كَانَتْ أُمُّهُ قَدْ مَاتَتْ كَمَا هُوَ عِنْدَ عُلَمَاءِ التَّوْرَاةِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ فَأَحْيَاهَا اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ كَانَتْ خَالَتُهُ لَيَا وَالْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ وَآخَرُونَ بَلْ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَقْتَضِي بَقَاءَ حَيَاةِ أُمِّهِ إِلَى يَوْمِئِذٍ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَى نَقْلِ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا خَالَفَهُ وَهَذَا قَوِيٌّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَرَفَعَهُمَا عَلَى الْعَرْشِ أَيْ أَجْلَسَهُمَا مَعَهُ على سريره (وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً) 12: 100 أَيْ سَجَدَ لَهُ الْأَبَوَانِ وَالْإِخْوَةُ الْأَحَدَ عَشَرَ تَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا وَكَانَ هَذَا مَشْرُوعًا لَهُمْ وَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ مَعْمُولًا بِهِ فِي سَائِرِ الشَّرَائِعِ حَتَّى حُرِّمَ فِي مِلَّتِنَا. (وَقال يَا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ من قَبْلُ) 12: 100 أَيْ هَذَا تَعْبِيرُ مَا كُنْتُ قَصَصْتُهُ عَلَيْكَ مِنْ رُؤْيَتِي الْأَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حِينَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ وَأَمَرْتَنِي بِكِتْمَانِهَا وَوَعَدْتَنِي مَا وَعَدْتِنِي عِنْدَ ذَلِكَ (قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ) 12: 100 أَيْ بَعْدَ الْهَمِّ وَالضِّيقِ جَعَلَنِي حَاكِمًا نَافِذَ الْكَلِمَةِ فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ حَيْثُ شِئْتُ (وَجاءَ بِكُمْ من الْبَدْوِ) 12: 100 أَيِ الْبَادِيَةِ وَكَانُوا يَسْكُنُونَ أَرْضَ الْعَرَبَاتِ مِنْ بِلَادِ الْخَلِيلِ (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) 12: 100 أَيْ فِيمَا كَانَ مِنْهُمْ إِلَيَّ مِنَ الْأَمْرِ الَّذِي تَقَدَّمَ وَسَبَقَ ذِكْرُهُ ثُمَّ قَالَ (إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ) 12: 100 أَيْ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا هَيَّأَ أَسْبَابَهُ وَيَسَّرَهَا وَسَهَّلَهَا مِنْ وُجُوهٍ لَا يَهْتَدِي إِلَيْهَا الْعِبَادُ بَلْ يُقَدِّرُهَا وَيُيَسِّرُهَا بِلَطِيفِ صُنْعِهِ وَعَظِيمِ قُدْرَتِهِ (إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ) 12: 100 أَيْ بِجَمِيعِ الْأُمُورِ (الْحَكِيمُ) 12: 100 فِي خَلْقِهِ وَشَرْعِهِ وقدره.

ص: 218

وَعِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّ يُوسُفَ بَاعَ أَهْلَ مِصْرَ وَغَيْرَهُمْ مِنَ الطَّعَامِ الَّذِي كَانَ تَحْتَ يَدِهِ- بِأَمْوَالِهِمْ كُلِّهَا مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْعَقَارِ وَالْأَثَاثِ وَمَا يَمْلِكُونَهُ كُلَّهُ حَتَّى بَاعَهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ فَصَارُوا أَرِقَّاءَ ثُمَّ أَطْلَقَ لَهُمْ أَرْضَهُمْ وَأَعْتَقَ رِقَابَهُمْ عَلَى أَنْ يَعْمَلُوا وَيَكُونُ خُمْسُ مَا يَشْتَغِلُونَ مِنْ زَرْعِهِمْ وَثِمَارِهِمْ لِلْمَلِكِ فَصَارَتْ سُنَّةَ أَهْلِ مِصْرَ بَعْدَهُ.

وَحَكَى الثَّعْلَبِيُّ أَنَّهُ كَانَ لَا يَشْبَعُ فِي تِلْكَ السِّنِينَ حَتَّى لَا يَنْسَى الْجِيعَانَ وَأَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ يَأْكُلُ أَكْلَةً وَاحِدَةً نِصْفَ النَّهَارِ قَالَ فَمِنْ ثَمَّ اقْتَدَى به الملوك في ذلك قلت وكان أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه لَا يُشْبِعُ بَطْنَهُ عَامَ الرَّمَادَةِ حَتَّى ذَهَبَ الْجَدْبُ وَأَتَى الْخِصْبُ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَعْرَابِ لِعُمَرَ بَعْدَ مَا ذَهَبَ عَامُ الرَّمَادَةِ (لَقَدِ انْجَلَتْ عَنْكَ وَإِنَّكَ لَابْنُ حُرَّةٍ) . ثُمَّ لَمَّا رَأَى يُوسُفُ عليه السلام نِعْمَتَهُ قَدْ تَمَّتْ وَشَمْلَهُ قَدِ اجْتَمَعَ عَرَفَ أن هذه الدار لا يقربها قَرَارٍ وَأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ فِيهَا وَمَنْ عَلَيْهَا فَانٍ. وَمَا بَعْدَ التَّمَامِ إِلَّا النُّقْصَانُ فَعِنْدَ ذَلِكَ أَثْنَى عَلَى رَبِّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ وَاعْتَرَفَ لَهُ بِعَظِيمِ إِحْسَانِهِ وَفَضْلِهِ. وَسَأَلَ مِنْهُ وَهُوَ خَيْرُ الْمَسْئُولِينَ أَنْ يَتَوَفَّاهُ أَي حِينَ يَتَوَفَّاهُ عَلَى الْإِسْلَامِ.

وَأَنْ يُلْحِقَهُ بِعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ. وَهَكَذَا كَمَا يُقَالُ فِي الدُّعَاءِ (اللَّهمّ أَحْيِنَا مُسْلِمِينَ وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ) أَيْ حِينَ تَتَوَفَّانَا وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ سَأَلَ ذَلِكَ عِنْدَ احْتِضَارِهِ عليه السلام كَمَا سَأَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ احْتِضَارِهِ أَنْ يَرْفَعَ رُوحَهُ إِلَى الْمَلَأِ الْأَعْلَى وَالرُّفَقَاءِ الصَّالِحِينَ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ كَمَا قَالَ (اللَّهمّ فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى ثَلَاثًا ثُمَّ قَضَى) وَيَحْتَمِلُ أَنَّ يُوسُفَ عليه السلام سَأَلَ الوفاة على الإسلام منجزا في صحة بدنه وسلامته وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ سَائِغًا فِي مِلَّتِهِمْ وَشِرْعَتِهِمْ كَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ مَا تَمَنَّى نَبِيٌّ قَطُّ الْمَوْتَ قَبْلَ يُوسُفَ. فَأَمَّا فِي شَرِيعَتِنَا فَقَدْ نُهِيَ عَنِ الدُّعَاءِ بِالْمَوْتِ إِلَّا عِنْدَ الْفِتَنِ كَمَا فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ فِي الدُّعَاءِ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَدُ (وَإِذَا أَرَدْتَ بِقَوْمٍ فِتْنَةً فَتَوَفَّنَا إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونِينَ) وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ (ابْنَ آدَمَ الْمَوْتُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْفِتْنَةِ) وَقَالَتْ مَرْيَمُ عليها السلام (يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا) 19: 23 وَتَمَنَّى الْمَوْتَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لَمَّا تَفَاقَمَتِ الْأُمُورُ وَعَظُمَتِ الْفِتَنُ وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ وَكَثُرَ الْقِيلُ وَالْقَالُ وَتَمَنَّى ذَلِكَ الْبُخَارِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ صَاحِبُ الصَّحِيحِ لَمَّا اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْحَالُ وَلَقِيَ مِنْ مُخَالِفِيهِ الْأَهْوَالَ.

فَأَمَّا فِي حَالِ الرَّفَاهِيَةِ فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ إِمَّا مُحْسِنًا فَيَزْدَادُ وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ وَلَكِنْ لِيَقُلِ اللَّهمّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي) وَالْمُرَادُ بِالضُّرِّ هَاهُنَا مَا يَخُصُّ الْعَبْدَ فِي بَدَنِهِ مِنْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ لَا فِي دِينِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ يُوسُفَ عليه السلام سَأَلَ ذَلِكَ إِمَّا عِنْدَ احْتِضَارِهِ أَوْ إِذَا كان ذلك أن يكون كذلك.

ص: 219