الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الجنائز
الجنائز بفتح الجيم جمع جَنازة بالفتح والكسر، (أقال ابن قتيبة: الكسر أفصح أ) مشتقة من جنز إذا ستر، ذكره ابن فارس وغيره، والمضارع (ب) يجنز بكسر النون ويقال للميت جنازة بالفتح، وبالكسر للنعش إذا كان عليه ميت، ويقال عكسه، ذكره صاحب المطالع (1).
402 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أكْثِروا مِنْ ذِكْر هَاذمِ اللَّذَّات، الموت"(2). رواه الترمذي والنسائي (صححه ابن حبان)(جـ)، وأخرجه أحمد وابن ماجه (د) والحاكم وابن السكن وابن طاهر كلهم عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة وأعله الدارقطني بالإرسال (3).
(أ - أ) بهامش هـ.
(ب) في جـ: فالمضارع.
(جـ) بهامش الأصل.
(د) زاد في ب: وصححه ابن حبان.
_________
(1)
القاموس 2/ 176، النهاية 1/ 306، مشارق الأنوار 1/ 156.
(2)
الترمذي، الزهد، باب ما جاء في ذكر الموت 4/ 553 ح 2307، النسائي، الجنائز، كثرة ذكر الموت 4/ 504، ابن حبان (موارد)، الزهد، باب ذكر الموت 634 ح 2559، أحمد 2/ 293، ابن ماجه الزهد، باب ذكر الموت والاستعداد 2/ 1422 ح 4258، الحاكم، الرقاق 4/ 321.
(3)
علل الدارقطني، قلت: الحديث علته ما ذكره الدارقطني، روي عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعًا وعن أبي سلمة مرسلًا وهو الصحيح وقال ابن الجوزي: هذا حديث لا يثبت ومداره على محمد بن عمرو الليثي قال يحيى بن معين: ما زال الناس يتقون حديثه. العلل 2/ 401، قال ابن الملقن في البدر بعد أن ساق كلام ابن الجوزي: ولا يتابع عليه بل هو حديث حسن كما قاله الترمذي، وصحيح كما قاله ابن حبان والحاكم وابن طاهر وهم أعلم منه وأجل، قلت: وكلامه على محمد بن عمرو فيه نظر ومحمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي. نعم وثقه ابن حبان وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، اختلف ابن معين فيه قال: كانوا =
وفي الباب عن أنس عند البزار (1) بزيادة، وصححه ابن السكن. وقال أبو حاتم في العلل (2): لا أصل له، وعن عمر ذكره ابن (3) طاهر في تخريج أحاديث الشهاب، وفيه من لا يعرف، وهو (أ) في الحلية (4)(ب) في ترجمة مالك، وذكره البغوي (5) عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه مرسلًا.
وقوله: "هاذم" ذكر (جـ) السهيلي (6) في الروض أن الرواية فيه بالذال المعجمة. قال في البدر (7): ليس إلا، ومعناه القاطع، وأما بالمهملة فمعناه المزيل للشيء، وليس ذلك مرادًا هنا، هذا كلامه، وهو محتمل (د) الصحة كما لا يخفى.
وفي الحديث دلالة على أنه ينبغي للإنسان أن لا يخلي عن ذكره (هـ) أعظم المواعظ وهو الموت. وقد نبه على فائدة ذلك في تمام الحديث وهو
(أ) في جـ: وهي.
(ب) زاد في جـ: لأبي نعيم.
(جـ) في جـ: ذكره.
(د) في جـ: يحتمل.
(هـ) في جـ: ذكر.
_________
= يتقون حديثه، وقال: ثقة، قال أبو حاتم: صالح الحديث، قال الذهبي: حسن الحديث، قال ابن حجر: صدوق له أوهام. الميزان 3/ 173، التقريب 313. البدر 4/ 224.
(1)
كشف الأستار 4/ 240 ح 3623.
(2)
العلل 1/ 132 ح 1883.
(3)
لم أقف عليه في تخريج مسند الشهاب في ذكر حديث عمر بتخريج القضاعي 1/ 391 - 393 وفيه عن ابن عمر ح 671.
(4)
الحلية 6/ 355 والذي لا يعرف عبد الملك بن يزيد قال الذهبي: لا يدرى من هو. الميزان 2/ 666، وله علة أخرى أن سعيدًا لم يلق عمر رضي الله عنه.
(5)
شرح السنة 5/ 260.
(6)
الروض الأنف 5/ 460.
(7)
البدر 4/ 224.
قوله: "فإنكم لا تذكرونه في كثير إلا قلله ولا قليل إلا كثره"(1)، وفي رواية الديلمي عن أبي هريرة:"أكثروا ذكر الموت فما من عبد أكثر ذكره إلا أحيا الله قلبه وهون عليه الموت"، وفي لفظ ابن حبان والبيهقي في شعب الإيمان (2)"أكْثِروا ذكْرَ هَاذمِ اللذاتِ، فإنّه مَا ذَكَرهُ عبد قَطُّ وَهُو في ضِيق إلَّا وَسَّعَه عَليه، ولَا ذَكرهَ وَهوَ (أ)، في سَعَةٍ إلّا ضيَّقَه"(3)، وفي حديث أنس عند ابن لال في مكارم الأخلاق:"أكثرُوا ذكْرَ المَوْتِ، فإنّ ذلك تَمحْيصٌ للذّنوب وتَزْهيدٌ في الدنيا"(4) الموت: القيامة، وعند البزار (5):"أكثروا ذكرَ هَاذِمِ اللَّذات، فإنه مَا ذَكَره أحدٌ في ضيقٍ منَ العيش إلَّا وسَّعه عَلْيه، ولا في سعة إلَّا ضَيَّقَه"، وعند ابن أَبي الدنيا (6):"أكثِروا ذكْرَ المَوْت، فإنه يَمْحو الذنوبَ ويزهد في الدُّنيا فإنْ ذَكَرتموهُ عند الغَني هَدمه وإن ذَكرتموه عند الفَقْرِ أرضاكم بِعيشِكُم".
403 -
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يتمنين أحَدُكمُ الموتَ لِضُرٍّ يَنْزِلُ بِه، فإِنْ كانَ لا بُدَّ مَتَمَنِّيًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ
(أ) ساقطة من جـ.
_________
(1)
ليست في حديث أبي هريرة هذه الزيادة إنما هي من حديث ابن عمر أوردها في الشهاب 1/ 392 ح 671. قال صاحب الإرواء: ورجاله موثقون غير القاسم هذا -أي أبي عامر- وعزاه في مجمع الزوائد إلى الطبراني في الأوسط وقال: حديثه حسن 10/ 309.
(2)
شعب الإيمان 3/ 374.
(3)
ابن حبان (موارد) 634 ح 2562.
(4)
و (6) قال في المقاصد: وفي لفظ لأنس عند ابن أبي الدنيا في الموت، ضعيف جدا "أكثروا من ذكر الموت فإنه يمحص الذنوب ويزهد في الدنيا" المقاصد 75.
(5)
كشف الأستار 4/ 240 ح 3623.
أحْيني مَا كَانَت الحياةُ خَيْرًا لِي، وتوفني مَا كَانت الوفاةُ خَيْرًا لِي". متفق عليه (1).
في الحديث دلالة على النهي عن تمني الموت لأجل الضر النازل من مرض أو محنة من عدو أو فاقة أو نحو ذلك من مشاق الدنيا، لما في ذلك من الجزع، وعدم الصبر على القضاء وفيه إظهار عدم الرضى، وظاهر التقييد بقوله:"لضر نزل به"، وأما إذا كان المتمني لغير ذلك فليس بداخل في النهي بأن يخاف على نفسه الفتنة في الدين أو محبة إدراك فضيلة كتمني الشهادة كما وقع مثل ذلك من عبد الله بن رواحة وغيره من السلف وكما في قصة مريم عليها السلام، وقولها:{يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا} (2)، فإن التمني منها -صلوات الله وسلامه عليها- إنما هو لمثل هذا الأمر الخوف مِن كفر من كفَر وشقاوة من شقي بسببها (أ).
وقوله: "فإن كان لا بد متمنيًا"(ب)، يعني أنه إذا ضاق ذرعه وعظم جزعه حتى عظم عليه مجاهدة نفسه بالتصبير لها فليقل: اللهم إلخ .. وفي (جـ) هذا القول رجوع إلى التفويض لأمر الله سبحانه وسؤاله له ما كان
(أ) هـ: بسبها.
(ب) زاد في جـ: إلخ.
(جـ) ساقطة من جـ.
_________
(1)
مسلم، بلفظ "نزل" بدل "ينزل"
…
"وتوفني إذا كانت .. " كتاب الذكر والدعاء، باب تمني كراهة الموت لضر نزل به، 4/ 2064 ح 10 - 2680، البخاري، بلفظ "نزل" وزيادة "للموت" بعد "متمنيًا .. " الدعوات، باب الدعاء بالموت والحياة 11/ 150 ح 6349، أبو داود، بمعناه الجنائز، باب في كراهيته على الموت 3/ 480 ح 3108، الترمذي: الجنائز، باب ما جاء في النهي عن التمني للموت 3/ 302 ح 971، النسائي: كتاب الجنائز، باب تمني الموت 4/ 3. ابن ماجه، الزهد، باب ذكر الموت والاستعداد له 2/ 1425 ح 4265، أحمد 3/ 104.
(2)
الآية 23 من سورة مريم.
أحمد عاقبة لدينه ودنياه من الموت والحياة والأفضل هو الصبر، وكان هذا رخصة في حقه والظاهر أن النهي للتحريم إذا كان ذلك لعدم الرضى بالقضاء. والله أعلم.
404 -
وعن بريدة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المؤمن يموتُ بعَرَق الجَبينِ". رواه الثلاثة وصححه ابن حبان (1).
وأخرجه أحمد وابن ماجه والروياني ومالك والباورديّ (أ) وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان والضياء المقدسي، وأخرجه من حديث ابن مسعود الطبراني في الأوسط (2).
قوله: "بعرق"، بفتح العين والراء المهملتين، وفيه وجهان أحدهما ما يكابده من شدة السياق التي يعرق دونها جبينه أي يشدد عليه تمحيصًا لبقية ذنوبه. والثاني أنه كناية عن كد المؤمن في طلب الحلال، وتضييقه على نفسه بالصوم والصلاة حتى يلقى الله تعالى فيكون الجار والمجرور في محل النصب على الحال، (والمعنى على الأول أن حالة الموت وخروج
(أ) في الأصل، هـ: البارودي.
_________
(1)
الترمذي، الجنائز، باب ما جاء أن المؤمن يموت بعرق الجبين 3/ 310 - 311 ح 981، النسائي، الجنائز، باب علامة موت المؤمن 4/ 6، ابن ماجه، الجنائز، باب ما جاء في المؤمن يؤجر بالنزع 1/ 467 ح 1452، وعزاه صاحب البلوغ إلى أبي داود ولم أقف عليه في أبي داود فلعله ذهل في ذلك. راجع تحفة الأشراف 2/ 88، ابن حبان (موارد) بلفظ:"يموت المؤمن"، 186 ح 730، أحمد 5/ 357 ولفظه (موت المؤمن)، أبو نعيم في الحلية 9/ 223، وقال: غريب من قتادة لم يروه عنه إلا المثنى بن سعيد الضبعي، تاريخ بغداد 2/ 408، والحاكم، الجنائز 1/ 361. وللحديث في أكثر طرقه عن قتادة عن عبد الله بن بريدة عن أبيه وأعله البعض أنه لم يسمع ولكن تابعه كهمس عند النسائي وهو ثقة. التقريب 287.
(2)
مجمع الزوائد، وعزاه إلى الطبراني الكبير والأوسط قال: رجاله ثقات رجال الصحيح 2/ 325.
الروح شديدة عليه، فهو صفة لكيفية الموت وشدته على المؤمن) (أ)، والمعنى على الثاني أنه يدركه الموت في حال كونه على هذه الحال الشديدة التي يعرق منها الجبين فهو صفة للحال الذي يفاجئه الموت عليها (1) والله أعلم.
405 -
وعن أبي سعيد رضي الله عنه وأبي هريرة رضي الله عنه قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقنوا موتاكم: لا إِله إِلا الله". رواه مسلم (2) والأربعة، وهذا لفظ مسلم، وفي لفظ أبي داود زيادة قول:"لَا إله إلا الله"، وأخرجه ابن (3) حبان بزيادة:"فمن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة يومًا من الدهر وإن أصابه ما أصابه قبل ذلك"، وعزاه ابن الجوزي في جامع المسانيد إلى البخاري وغلط في ذلك، والمحب الطبري جعله من المتفق عليه، وليس كذلك. وأخرجه أبو القاسم القشيري في أماليه من طريق ابن سيرين عن أبي هريرة مرفوعًا بلفظ:"إذا ثقلت مرضاكم فلا تُملُّوهم قول لا إله إلا الله، ولكن لقنوهم فإنه لم يختم به لمنافق قط"، وقال: غريب، وفيه محمد بن الفضل بن عطية (4) وهو متروك، وفي الباب
(أ) بهامش الأصل.
_________
(1)
وذكر أبو عبد الله القرطبي في كتابه "التذكرة" بعض المعاني، وأبو الفضل العراقي كذلك. انظر زهر الربى 4/ 6.
(2)
مسلم، الجنائز، باب تلقين الموتى لا إله إلا الله 2/ 631 ح 1 - 916، أبو داود، بزيادة لفظ (قول)، الجنائز، باب في التلقين 3/ 487 ح 3117، الترمذي، الجنائز، باب ما جاء في تلقين المريض عند الموت والدعاء له عنده 3/ 306 ح 976، النسائي، الجنائز، باب تلقين الميت 4/ 5، ابن ماجه الجنائز، باب ما جاء في تلقين الميت لا إله إلا الله 1/ 464 ح 1445، أحمد 3/ 3.
(3)
من حديث أبي هريرة 184 ح 719.
(4)
مر في ح 324.
عن عائشة أخرجه النسائي (1) بلفظ: "هلكاكم" بدل "موتاكم"، وعن عبد الله بن جعفر بلفظ:"لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين" قالوا: يا رسول الله كيف للأحياء؟ قال: "أجود وأجود" رواه ابن ماجه (2)، وعن جابر في الدعاء (3) للطبراني والضعفاء للعقيلي وعن عروة بن مسعود الثقفي رواه العقيلي (4) بإسناد ضعيف، ثم قال: روي في الباب أحاديث (أصحاح من غير واحد من الصحابة ورواه ابن أبي الدنيا عن حذيفة بلفظ: "لقنوا موتاكم أ) لا إله إلا الله فإنها تهدم ما قبلها من الخطايا"، وروي فيه أيضًا عن عمر وعثمان وابن مسعود وأنس وغيرهم وعن ابن عباس (5) وابن مسعود (6) رواهما الطبراني وروي فيه أيضًا من حديث (7) عطاء بن السائب عن أبيه عن جده بلفظ: "من لقن عند الموت شهادة أن لا إله إلا الله دخل الجنة" (8).
(أ - أ) بهامش هـ.
_________
(1)
النسائي 4/ 5.
(2)
ابن ماجه 1/ 464 ح 1446.
(3)
الدعاء ل 134 أ، الضعفاء 3/ 72 - 73.
(4)
الضعفاء 1/ 65 وبقية كلامه: وإنما أنكرنا هذا الإسناد.
(5)
الطبراني الكبير 12/ 254 ح 13024 قال الهيثمي ورجاله ثقات إلا أن ابن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس، قلت: مر في ح 353.
(6)
الطبراني الكبير 10/ 233 ح 10417 قال الهيثمي: إسناده حسن.
(7)
مجمع الزوائد، وعزاه إلى الطبراني الكبير، وقال: عطاء فيه كلام لاختلاطه 2/ 323 قلت: مر في ح 381.
(8)
حكى الإمام ابن الملقن في البدر حكاية غريبة لهذا الحديث بسنده إلى أبي جعفر التستري يقول: (حضرنا أبا زرعة وهو في السياق وعند أبي حاتم محمد بن مسلم والمنذر بن شاذان وجماعة من العلماء فذكروا أحاديث التلقين، وقوله عليه السلام "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله" فاستحيوا من أبي زرعة وهابوا أن يلقنوه فقالوا: تعالوا نذكر الحديث فقال محمد بن سلم ثنا الضحاك بن مخلد عن عبد الحميد بن جعفر عن صالح ولم يجاوز، وقال المنذر: ثنا بندار ثنا أبو عاصم عن صالح ولم يجاوز، والباقون سكتوا قال أبو زرعة وهو في السياق؛ ثنا بندار ثنا =
قوله: "لقنوا موتاكم"، المراد بالتلقين هو تذكيره هذا اللفظ الجليل، والمراد بالموتى من حضره الموت وأشرف عليه تسمية له بما يصير إليه مع قرب المصير إليه والحِكمة في التلقين ليقولها فيكون آخر كلامه ليدركه فضيلة قوله: صلى الله عليه وسلم "مَنْ كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة"(1)، والأمر بهذا التلقين للندب، كذا ذكر (أ) العلماء وأجمعوا على هذا التلقين، وكرهوا الإكثار عليه، والموالاة لئلا يضجر وتضيق حاله ويشتد كربه فيكره ذلك بقلبه ويتكلم بما لا يليق، قالوا: وإذا تكلم مرة أخرى فيعاد التعريض له ليكون آخر كلامه.
وفي الحديث دلالة على أنه يندب الحضور عند المحتضر لتذكيره وتأنيسه وإغماض عينيه والقيام بحقوقه، وهذا مجمع عليه.
406 -
وعن معقل بن يسار رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اقرءوا علَى موتاكُم يَس". رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان وأخرجه ابن ماجه والحاكم (2)، وأعله ابن القطان بالاضطراب (3) وبالوقف
(أ) في جـ: ذكره.
_________
= أبو عاصم ثنا عبد الحميد بن جعفر عن صالح بن أبي غريب عن كثير بن مرة عن معاذ بن جبل: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة". وتوفي. البدر 4/ 225 - 226.
(1)
أبو داود، 3/ 486 ح 3116، الحاكم 1/ 351 صححه الحاكم ووافقه الذهبي، أحمد بلفظ:"وجبت له الجنة" 5/ 233، وفيه صالح بن أبي غريب مقبول 150. ويشهد له حدبث الباب عن أبي هريرة وفيه:"من كان آخر كلامه لا إله إلا الله عند الموت دخل الجنة"، ابن حبان (موارد) 7 ح 719.
(2)
أبو داود، بلفظ "اقرءوا يس على موتاكم" الجنائز، باب القراءة عند الميت 3/ 489 ح 3121 النسائي، في عمل اليوم والليلة ح 1074 ابن ماجه، الجنائز، باب ما جاء فيما يقال عند المريض إذا حضر 1/ 465 ح 1448، ولفظه:"اقرءوها على موتاكم" وعند أحمد 5/ 26، الحاكم 1/ 565، ابن حبان، (الموارد) بلفظ المتن 184 ح 720، البيهقي، ولفظه:"اقرؤوها عند موتاكم"، الجنائز، باب ما يستحب من قراءته عنده 3/ 383، ابن أبي شيبة 4/ 74، والنسائي وابن حبان (موارد) أسقط ما بين أبي عثمان ومعقل وهو والد أبي عثمان وهي أحد علل الحديث.
(3)
التلخيص 2/ 110.
وبجهالة حال أبي عثمان وأبيه راويه عن معقل بن يسار، ونقل أبو بكر بن العربي عن الدارقطني أنه قال: هذا حديث ضعيف، الإسناد، مجهول المتن ولا يصح في الباب حديث، وقال أحمد في مسنده (1): حدثنا صفوان قال: كانت المشيخة يقولون: إذا قرأت يعني: يس عند الميت خفف عنه بها، وأسنده صاحب الفردوس عن أبي الدرداء وأبي ذر قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من ميت يموت فيقرأ عنده يس إلا هون الله عليه"، وفي الباب عن أبي ذر (أ) أخرجه أبو الشيخ في فضائل القرآن، وأخرج أبو بكر المروزي في كتاب الجنائز عن أبي الشعثاء صاحب ابن عباس أنه يستحب قراءة سورة الرعد (2)، وزاد فإن ذلك تخفيف عن الميت، وفيه أيضًا عن الشعبي قال: كانت الأنصار يستحبون أن يقرءوا عند الميت سورة البقرة، وأخرج المستغفري في فضائل القرآن أثر أبي الشعثاء (3).
وقوله: "فاقرءوا على موتاكم"، أراد به من حضرته الوفاة كذا ذكر (ب) ابن حبان (4) في صحيحه، فقال: أراد به من حضرته المنية، لا أن الميت (جـ) يقرأ عليه كذلك. ورده المحب الطبري في الأحكام وغيره. وقال: إن قراءة يس تنفع المحتضر والميت ..
407 -
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة، وقد شَقَّ بصرُه، فأغْمضهُ، ثم قال: "إِنّ الرُّوحَ إِذا
(أ) زاد في جـ: و.
(ب) في جـ، هـ: ذكره.
(جـ) في جـ: الميتة لان.
_________
(1)
أحمد 4/ 105.
(2)
ابن أبي شيبة 3/ 237.
(3)
ابن أبي شبة 3/ 236، التلخيص 2/ 111.
(4)
ابن حبان (الإحسان) 5/ 3.
قُبِضَ تَبِعَه البصرُ، فَضَجَّ ناس من أهله فقال: لا تدعوا علَى أنْفُسِكُم إِلّا بخيرٍ، فإِنّ الملائكة تؤمّنُ علَى ما تَقُولُونَ، ثم قال: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأبِي سلمة، وارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي المهديين، وأفْسحْ له في قبرِه ونوِّر لَه فِيه، واخلفه في عَقبه". رواه مسلم (1).
قوله: "وقد شق بصره" بفتح الشين المعجمة مبني للمعلوم بلا خلاف وبصره مرفوع فاعل شق هكذا ضبط الحديث، قال النووي (2): وهو المشهور، قال وضبطه بعضهم بالفتح وهو صحيح أيضًا، قال صاحب الأفعال: يقال: شق بصر الميت، ومعناه شخص و (أ) قال ابن السكيت في الإصلاح والجوهري حكاية عن ابن السكيت: يقال شق بصر الميت ولا يقال: شق الميت بصره، وهو الذي حضره الموت، وصار ينظر إلى الشيء لا يرتد إليه طرفه (3).
وقوله: "فاغمضه"، دليل على استحباب إغماض الميت وأجمع المسلمون (4) على ذلك قالوا: والحكمة فيه أن لا يقبح منظره لو ترك إغماضه.
وقوله: "تبعه البصر"، معناه إذا خرج الروح من الجسد تبعه البصر
(أ) الواو ساقطة من جـ.
_________
(1)
مسلم، بلفظ:(يؤمنون) كتاب الجنائز، باب في إغماض الميت والدعاء له إذا حضر 2/ 634 ح 7 - 920. أبو داود. نحوه الجنائز، باب تغميض الميت 3/ 487 ح 3118، الترمذي، مختصرًا، الجنائز، باب ما جاء في تلقين المريض عند الموت والدعاء له عنده 3/ 307 ح 977، النسائي مختصرًا الجنائز كثرة ذكر الموت 4/ 5، ابن ماجه، مختصرًا، الجنائز، باب ما جاء في تغميض الميت 1/ 467 ح 1454، أحمد مختصرًا 6/ 291.
(2)
شرح مسلم 2/ 584 وقال في المجموع: برفع الراء باتفاق الحفاظ وأهل الضبط 5/ 107.
(3)
الصحاح 4/ 1503.
(4)
شرح مسلم 2/ 584 وحكى النووي الإجماع.
ناظرًا أين يذهب وفي الروح لغتان: التذكير والتأنيث.
وهذا الحديث دليل للتذكير، وفيه دليل لقول من قال: إن الروح أجسام لطيفة متحللة في البدن وتذهب الحياة من الجسد بذهابها، وليس عرضًا كما قاله آخرون (ولا دمًا كما قاله آخرون، وفيه كلام متشعب للمتكلمين قال (أ) القاضي عياض: وفيه أن الموت ليس نافيا (ب) وإعدام تام، وإنما هو انتقال وتغير حال وإعدام للجسد دون الروح إلا ما استثنى من عَجْبِ الذَّنَبِ، قال: وفيه حجة لمن يقول: الروح والنفس بمعنى (1)) (جـ).
وقوله: "ثم قال اللهم اغفر" إلخ فيه استحباب الدعاء للميت عند موته ولأهله وورثته بأمور الآخرة والدنيا، وفيه دلالة على المذهب المختار من إثبات حالة (2) الميت في القبر من تنعيم أو تعذيب.
408 -
وعن عائشة رضي الله عنها: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفِّيَ سُجِّيَ ببُرد حِبَرَةٍ". متفق عليه (3).
وعنها: أن أَبا بكر الصديق رضي الله عنه قَبَّلَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بعدَ موته. رواه البخاري (4).
(أ) زاد في جـ:
و (ب) هـ: بإفناء.
(جـ) بهامش الأصل.
_________
(1)
انظر كتاب الروح للإمام ابن القيم فإنه تكلم على هذا ولين مذاهب المتكلمين والقول الفصل في ذلك.
(2)
الإيمان بعذاب القبر ونعيمه ثابت بالسنة الصحيحة فلا مجال للاختيار في ذلك وإن كان بعض الفرق أنكرت ذلك.
(3)
البخاري، بلفظه، اللباس، باب البرود والحبرة والشملة، 1/ 276 ح 5814، مسلم، الجنائز، باب تسجية الميت 2/ 651 ح 48 - 942، أبو داود، الجنائز، باب في الكفن 3/ 506 ح 3149.
(4)
البخاري، المغازي، باب مرض النبي ووفاته 8/ 146 ح 4455، النسائي، الجنائز، تقبيل الميت 4/ 10، ابن ماجه، الجنائز، باب ما جاء في تقبيل الميت 1/ 468 ح 1457، أحمد 6/ 55.
قوله: "سجي": أي غُطي، "البرد"(1) يجوز إضافته إلى الحبرة ووصفه بها والحبرة ما كان له أعلام، وهي أحب اللباس كانت إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وقولها: إنه قبل النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته، فيه دلالة على أنه يجوز تقبيل الميت، وفي دخوله بعد التسجية، فيه مناسبة أيضًا لما قالوا. وهو مروي عن النخعي، ينبغي أن لا يطلع عليه إلا الغاسل له ومن يليه لئلا يطلع على ما يكره الاطلاع عليه من حال الميت.
409 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن (أ) النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نَفْسُ المؤمنِ مُعلَّقةٌ بِدَيْنِهِ حتى يُقْضَى عَنْه". رواه أحمد والترمذي وحسنه (2).
في الحديث دلالة على الاهتمام بقضاء الدين، وأن الميت لا يخلو عن الامتحان به حتى يقضي عنه، وظاهره: ولو أوصى. والله أعلم.
410 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذي سقَط عن راحِلَتِهِ، أو قال: وقَصَتْه فمات: "اغْسلُوه بماءٍ وسدرٍ،
(أ) في هـ: أن.
_________
(1)
البرد: نوع من الثياب معروف، والبردة الشملة المخططة وقيل: كساء أسود مربع فيه صور تلبسه الأعراب. النهاية 1/ 116، والحبير من البرود ما كان موشيًا مخططًا.
(2)
أحمد 2/ 440، الترمذي، الجنائز، باب ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يعفى عنه" 3/ 389 ح 1078، ابن ماجه، الصدقات، باب التشديد في الدين 2/ 806 ح 2413، ابن حبان، بلفظ:"معلقة ما كان عليه دين"، باب ما جاء في الدين 282 ح 1159، الحاكم 2/ 26، 27، الدارمي، بلفظ ابن حبان، باب ما جاء في التشديد في الدين 2/ 262، شرح السنة باب التشديد 8/ 202 وقال: سنده حسن، البيهقي، كتاب التفليس، باب حلول الدين على الميت 6/ 49 حلية الأولياء 9/ 15، الطبراني الصغير، بلفظ ابن حبان، ترجمة يوسف بن يزيد 2/ 133. وسنده صحيح.
وكفنوه في ثَوْبَيْن". متفق عليه (1).
لفظ البخاري قال: بينما رجل واقف بعرفة إذ وقع عن راحلته فوقصته أو قال: فأوقصته. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اغْسلُوه بماء وسدر، وكفِّنوه في ثَوْبين ولا تحنطوه ولا تخَمِّروا رأَسَه فإنه يبْعثُ يومَ القيامة مُلبيًا"(2) وله ألفاظ أخر ولم يقع في البخاري التردد في سقط أو قال: وَقصته في جميع ألفاظه، وإنما الشك في وقصته أو أوقصته، وفي لفظ (3):"أقصعته أو أقعصته"، وفي لفظ (4): قال أيوب: "فوقصته" وقال عمرو: "فأقصعته".
قوله: "وقصته": الوقص (5) كسر العنق، وفاعل وقصته ضمير يعود إلى مصدر أسقطته وهو السقطة مؤنث، ويجوز أن يعود إلى الراحلة (6) فإن كانت الراحلة أصابته بعد سقوطه فالإسناد إليها حقيقة، وإلى السقطة مجاز وإن لم يكن كذلك، كان الأمر بالعكس ووقصته هو المعروف عند أهل اللغة وأوقص شاذ، وأما أقصعته (أ) فهو من القصع (ب) الذي هو
(أ) زاد في جـ: بتقديم.
(ب) في جـ: القطع.
_________
(1)
البخاري، الجنائز، باب الكفن في ثوبين 3/ 135 - 136 ح 1265، مسلم، الحج، باب ما يفعل بالمحرم إذا مات 2/ 865 ح 94 - 1206 م، أبو داود، بلفظ كفنوه في ثوبين وقدمها على اغسلوه، الجنائز، باب المحرم يموت كيف يصنع به 3/ 560 ح 3238، الترمذي، بلفظ ثوبيه، الحج، باب ما جاء في المحرم يموت في إحرامه 3/ 286 ح 951، النسائي، الحج، في كم يكفن المحرم إذا مات 5/ 154، ابن ماجه، بلفظ "ثوبيه" المناسك، باب المحرم يموت 2/ 103 ح 3084.
(2)
3/ 135 - 136 ح 1265.
(3)
البخاري 3/ 136 ح 1266.
(4)
البخاري 3/ 137 ح 1268.
(5)
النهاية 5/ 214.
(6)
في بعض طرق الحديث: "أن رَجُلًا وقصه بعيره" 2/ 137 ح 1267.
الهشم مع قصع (أ) القملة إذا هشمها (1)، وقيل: هو خاص بكسر العظم فيكون مستعارًا هنا لكسر العنق، إن لم يكن الكسر لها كسرًا للعظم وإلا فحقيقة، وأما أقعصته بتقديم العين على الصاد فهو القتل في الحال ومنه قعاص الغنم، وهو موتها.
وقوله: "اغسلوه بماء وسدر" فيه دلالة على وجوب غسل الميت، وأن الماء والسدر كاف في مطلق الغسل، ولم يذكر في هذا اللفظ ترك الحنوط وهو ثابت في رواية للبخاري (ب) (2) لهذا الحديث بلفظ:"ولا تحنطوه، ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث ملبيًا" فيه دلالة على أن حكم الإحرام باق في حقه بدليل ترك الطيب وتخمير الرأس والتعليل بأنه يبعث ملبيًا، والخلاف في ذلك للحنفية، وبعض المالكية (3) فقالوا: إنه ينقطع حكم الإحرام بالموت، والحديث ورد في قضية معينة (شهادة له) (جـ) بأن (د) حجته مقبولة حتى بعث ملبيا وإلا فلو كان لأجل بقاء الإحرام لقال بعد قوله: إنه يبعث ملبيا لأنه محرم.
وأيضًا فإنه سبحانه وتعالى يقول: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إلا مَا سَعَى (39)} (4)، وقد انقطع سعيه وعمله بموته، لقوله صلى الله عليه وسلم إِذَا مَاتَ الإِنسان
(أ) في جـ: قطع.
(ب) في جـ: البخاري.
(جـ) بهامش الأصل.
(د) في جـ: أنه.
_________
(1)
النهاية 4/ 72 - 73.
(2)
البخاري 3/ 137 ح 1268.
(3)
عمدة القاري 8/ 51، بداية المجتهد 1/ 232، المنتقى 2/ 10.
(4)
الآية 39 من سورة النجم.
انْقَطَعَ عَمَلُه إِلّا من ثَلاث .. ". الحديث (1)، وليس هذا منها.
وأجيب عن ذلك:
بأنه حُكْم تعبدي ورد النص به، وكونه في قضية معينة لا يمنع الإلحاق (أ) بعد إظهار التعليل، وهو كونه يبعث ملبيًا، وبعثه ملبيًا ملازم للإحرام إذ التلبية بن خواصه والإحرام موجود في غيره من سائر من مات محرمًا فيكون حكمة حكمه في البعث ملبيًا.
وأما كونه شهادة بأن حجته مقبولة فذاك غير مسلم، إذ الإحرام ونحوه من الأفعال المتعلقة بالإنسان المفضية إلى تحصيل الفضيلة نظرًا إلى ظاهر الاتصاف بها وكونها مشروطة بالقبول أمر آخر غير الحكم التكليفي بدليل قوله صلى الله عليه وسلم:"زملوهم بدمائهم وكلومهم فإنهم يبعثون"(2) الحديث، وهذا بالنظر إلى ظاهر الأسباب، وإلا فليس كل شهيد له هذه الفضيلة كما ذلك واضح، واستدل بعضهم بأنه لو كان إحرامه باقيًا لوجب أن تكمل له المناسك، ولا قائل به، وأجيب بأن ذلك ورد على خلاف الأصل، فيقتصر به على مورد النص، وقد يجاب عنه بأن ذلك ملتزم وهو صحة التكميل، ولكنه يشترط الوصية، ولعله لم يوص كما هو ظاهر القصة، وأما الداودي فاعتذر عن مالك بأنه لم يبلغه هذا الحديث.
وقوله: "وكفنوه في ثوبين"، ظاهر هذا اللفظ: عدم لزوم تكفين المحرم في ثيابه التي مات بها، ولكن البخاري أورد الحديث في الحج
(1) مسلم 3/ 1255 ح 14 - 1631، وأبو داود 3/ 300 ح 2880.
(2)
أحمد 5/ 431، النسائي 4/ 64.
بلفظ: "في ثوبيه"(1)، و (أ) للنسائي (2)"في ثوبيه اللذين أحرم فيهما"، والظاهر أنه لا قائل (ب) بتعيين ثياب المحرم، ولعله يفرق بينه وبين الشهيد أن في ثياب الشهيد أثر الدم فتركت (جـ) عليه بخلاف المحرم، و (د) قال المحب الطبري: إنما لم يزده ثوبًا ثالثا تكرمة له كما في الشهيد، (وفيه دلالة على أن الكفن من رأس المال لعدم استفصاله صلى الله عليه وسلم هل عليه دين يستغرق ماله أم لا)(هـ).
وفي تمام الحديث، وهو "أنه يبعث ملبيًا" دلالة على أن من شرع في عمل طاعة ثم حال بينه وبين إتمامها الموت رجي له أن يكتبه الله تعالى في الآخرة من أهل ذلك العمل.
411 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "لما أرادُوا غَسْلَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالوا: والله مَا نَدْرِي نُجَرِّدُ رسولَ صلى الله عليه وسلم كما نجَرِّدُ مَوتَانَا أمْ لَا". الحديث رواه أحمد وأبو داود (3).
(أ) الواو ساقطة من هـ.
(ب) في جـ: لا يقابل.
(جـ) في جـ: فترك.
(د) الواو ساقطة من هـ.
(هـ) بهامش الأصل.
_________
(1)
البخاري 4/ 63 - 64 ح 1849.
(2)
النسائي 4/ 32.
(3)
أحمد 6/ 267، أبو داود، الجنائز، باب في ستر الميت عند غسله 3/ 502 ح 3141، الحاكم 3/ 59، ابن حبان -الموارد- باب في مرض سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفاته ودفنه 529 ح 2156، البيهقي، الجنائز، باب ما يستحب من غسل الميت في قميص 3/ 87، ابن الجارود، كتاب الجنائز 183 - 184 ح 517، وفيه محمد بن إسحاق وقد عنعنه ولكنه صرح بالسماع هنا وقد مر في ح 242.
تمام الحديث: "فلمَّا اخْتلفُوا ألقَى اللهُ عليْهم النَّومَ، ثم كلمهم مُكَلِّمٌ مِنْ نَاحِية البيت لَا يْدرونَ مَنْ هُوَ، اغْسِلُوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم وعَلَيْه ثِيابُه".
وفي رواية لابن حبان: (وكان)(أ)"الذي أجلسه في حجره عليُّ بن أبي طالب (1) رضي الله عنه".
وروى الحاكم: عن عبد الله بن الحارث قال: "غسّلَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم على وعلَى يد عليٍّ خِرقةٌ فَغسلَه، فأدْخَلَ يَده تحتَ القميصِ فَغَسلَه، والقميص عليه". وروي ذَلك الشافعي (2) عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه، وفي هذه القصة علم من أعلامِ النبوة ودلالة على أنه صلى الله عليه وسلم ليس كغيره من الموتى فِي التلبُّس بالنجاسةِ وإلا لتَنَجَّس القميصُ صلى الله عليه وسلم (ب).
412 -
وعن أم عطية رضي الله عنها قالت (جـ): دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نغَسّلُ ابنته، فقال:"اغْسلْنَها ثلاثًا، أو خمسًا، أو أكثرَ مِن ذلك، إِن رَأيْتُنَّ ذلكَ بماء وسدْر، واجْعَلْنَ في الأخيرة كَافُورًا، أو شيئًا من كَافوُرٍ (فإِذا فَرَغْتُنَّ فآذنَّني) (د)، فلمَّا فرغنا آذَنَّاهُ، فألْقى إِليْنَا حَقْوَه، فقال (هـ) أشْعِرْنَهَا إِياهُ"(3). متفق عليه.
(أ) في الأصل وهـ: فكان، ولفظ ابن حبان بالواو.
(ب) ساقطة من هـ.
(جـ) في هـ: قال.
(د) بهامش الأصل.
(هـ) في جـ: وقال.
_________
(1)
ابن حبان (الموارد) 529 ح 2156.
(2)
الأم 1/ 234.
(3)
مسلم، اللفظ له وفي مسلم ومخطوطة البلوغ "الآخرة" بدل "الأخيرة"، كتاب الجنائز، =
وفي رواية: "أبْدَأنَ بميامِنهَا ومواضعَ الوُضُوء منها"(1).
وفي لفظ البخاري: "فَضفرْنَا شَعْرَهَا ثَلاثَةَ قرُونٍ، فَألْقيْناهُ خَلْفَهَا"(2).
قوله: ونحن نغسل ابنته، ظاهره أنه دخل وقد شرعن في الغسل، وفي رواية للبخاري حين توفيت ابنته، وفي رواية للنسائي بلفظ: فأرسل إلينا فقال: اغسلنها، ويجمع بين الروايات (أنه) دخل حين شرع النسوة في الغسل ولا ينافي الإرسال لهن وأما لفظ:"حين توفيت" فهو غير مناف للروايتين جميعًا، والبنت لم يقع في البخاري تسميتها، وقد سماها مسلم (3) بلفظ: لما ماتت زينب (أ) وهي زوج أبي العاص بن الربيع والدة أمامة، وحكى الطبري (4) في الذيل أن وفاتها كانت سنة ثمان، ولكنه جزم الداودي بأن البنت المذكورة إنما هي أم كلثوم زوج عثمان، وقد أخرج مثل ذلك ابن ماجه (5) عن أبي بكر بن أبي شيبة بلفظ: دخل علينا،
(أ) زاد في هـ: بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
_________
= باب في غسل الميت 2/ 646 - 647 ح 36 - 939 البلوغ لـ 34، البخاري بلفظ "أعطانا" بدل "ألقى": كتاب الجنائز، باب ما يستحب أن يغسل وترًا 3/ 125 ح 1253، أبو داود، نحوه الجنائز، باب كيف غسل الميت 3/ 503 ح 3142، الترمذي، نحوه الجنائز، باب ما في غسل الميت 3/ 315 ح 990، النسائي، بلفظه الجنائز غسل الميت بالحميم 4/ 24، ابن ماجه، بلفظه وزاد "ابنته أم كلثوم"، الجنائز، باب ما جاء في غسل الميت 1/ 468 ح 1458.
(1)
البخاري 1/ 269 ح 167.
(2)
البخاري 3/ 134 ح 1263 بلفظ: "وألقيناها".
(3)
مسلم 2/ 648 ح 40 - 939.
(4)
الفتح 3/ 128.
(5)
ابن ماجه 1/ 468 ح 1458.
ونحن نغسل ابنته أم كلثوم وإسناده على شرط الشيخين، وقد أيد (بروايات) (أ) فمنها لابن بشكوال من طريق الأوزاعي عن محمد بن سيرين عن أم عطية قالت: كنت فيمن غسل أم كلثوم، وروى الدولابي (1) في الذرية الطاهرة بإسناده: أن أم عطية كانت ممن غسل أم كلثوم، ويمكن الجمع بأن أم عطية حضرتهما جميعًا لأنها كانت غاسلة (2) الميتات، وحضر (ب) معها في الغسل غيرها، قال المصنف (3) -رحمه الله تعالى- منهن: أسماء بنت عميس، رواه في الذرية الطاهرة (4)، قالت: ومعنا صفية بنت عبد المطلب، وروي أبو داود (5) من حديث ليلى بنت قانف بقاف ونون. قالت: كنت ممن غسلها وروى الطبراني من حديث أم سليم أنها ممن حضر.
وقوله: "اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر" إلخ، ظاهر الأمر بالغسل ثلاثًا إلخ أنه يجب ذلك العدد والظاهر الإجماع من العلماء على إجزاء الغسلة الواحدة المستكملة لجميع البدن كما هو المشهور فلعله يحمل الأمر
(أ) في جـ: روايات.
(ب) في جـ: وحضره.
_________
(1)
الذرية الطاهرة 60 ح 84.
(2)
روى ابن حجر في الفتح أن ابن عبد البر جزم في ترجمتها بأنها كانت غاسلة الميتات وليس ذلك في ترجمتها في الاستيعاب إنما قال: شهدت غسل ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكت ذلك وأتقنت، وحديثها أصل في غسل الميت. وكان جماعة من الصحابة وعلماء التابعين بالبصرة يأخذون عنها غسل الميت، الفتح 3/ 128، الاستيعاب 3/ 256.
(3)
الفتح 3/ 128.
(4)
الذرية الطاهرة 60 ح 83.
(5)
أبو داود 3/ 509، 510 ح 3157.
على الندب، وأما وجوب أصل الغسل (أفهو معلوم بدليل آخر، فإن (ب) غسل ابنته كان بعد ثمان من الهجرة، وقد علم وجوب (ب) أصل الغسل أ) فلا يرد الإشكال بأنه يلزم في اللفظ الجمع بين الحقيقة والمجاز، وقد روي عن الكوفيين (1) وأهل الظاهر والمزني إيجاب الثلاث، وقالوا: إن خرج منه شيء بعد ذلك يغسل موضعه، ولا يعاد غسل الميت، وهو مخالف لظاهر (د) الحديث، وأخرج عبد الرزاق (2) عن الحسن قال: يغسل ثلاثًا، فإن خرج منه شيء غسل ما خرج، ولم يزد على الثلاث.
وقوله: "أو خمسًا"، أو هنا للترتيب لا للتخيير، قال النووي (3) معناه: اغسلنها وترًا وليكن ثلاثًا، والواجب واحدة فقط، والثلاث مندوب، ولا تشرع الزيادة على الثلاث إذا لم يحتج إلى ذلك، وهو حيث لم يخرج (هـ) من فرجه بول أو غائط قبل التكفين فإن احتجتن (و) إلى زيادة فخمسًا.
وقوله: "أو أكثر من ذلك" هو بكسر الكاف من ذلك إذ الخطاب لمؤنث ظاهره إطلاق الأكثر وقد فسر في روايات فقوله: (ز) أو "سبعًا" بدل
(أ - أ) بالهامش في ب.
(ب) في جـ: وأن.
(جـ) في هـ: الوجوب.
(د) بالهامش في هـ.
(هـ) زاد في جـ: شيء.
(و) في هـ: احتجن.
(ز) في هـ: بقوله.
_________
(1)
شرح فتح القدير 2/ 105، وفي الهداية قال: يغسل وترًا 2/ 107 - 108.
(2)
المصنف 3/ 404 ح 6096.
(3)
شرح مسلم 2/ 600.
"أو أكثر من ذلك" وبه قال أحمد (1): وكره الزيادة على السبع، وقال ابن (2) عبد البر: لا أعلم أحدًا قال بمجاوزة (أ) السبع، قال (3) عن ابن سيرين فرأينا (ب) أن أكثر من ذلك سبع، وقال الماوردي (4): إن الزيادة على السبع سرف، وقال ابن المنذر: بلغني أن جسد الميت يسترخي بالماء فلا أحب الزيادة على ذلك، ولكنه مشكل بما وقع في رواية لأبي داود (5) بقوله:"أو سبعًا أو أكثر من ذلك" فإن ظاهر هذه الرواية وجوب ما زاد على السبع إذا احتيج إلى ذلك.
وقوله: "إِن رأيتن" ذلك تفويض إلى اجتهادهن بحسب الحاجة لا التشهي، وقال ابن المنذر حكاية عن بعضهم: يحتمل أن يرجع (جـ) الشرط إلى الأعداد المذكورة، ويحتمل أن يكون معناه: إن رأيتن أن تفعلن ذلك وإلا فالأنقى يكفى (د).
وقوله: "بماء وسدر"، فيه دلالة على أن الماء لا يضره ما اختلط به
(أ) في هـ: لمجاوزة.
(ب) في ب: قريبًا.
(جـ) زاد في هـ: إلى.
(د) بالهامش في جـ.
_________
(1)
المغني 2/ 461.
(2)
شرح مسلم 2/ 600.
(3)
المغني 2/ 461.
(4)
الفتح 3/ 129.
(5)
أبو داود 3/ 505 ح 3146، البخاري 3/ 132 ح 1259، مسلم 2/ 647 ح 39 - 939 م قال ابن حجر في الفتح 3/ 129 (أو أكثر من ذلك) لم أر في شيء من الروايات بعد قوله. سبعًا التعبير بأكثر من ذلك إلا في رواية لأبي داود، وأورد البخاري رواية رقم ح 1259 في جـ 3 ص 133. (أو أكثر من ذلك).
من المغيرات الطاهرة مما لم يسلب اسم الماء المطلق، وهذا مبني على أن غسل الميت للتطهير، وأن السدر يوضع مع الماء كما هو ظاهر الحديث، وأما إذا كان صفته أن يطلى جسد الميت بالسدر، ثم يغسل بعد ذلك بالماء القراح فلا يرد عليه شيء قالوا: والفائدة في السدر أنه يلين جسد الميت.
و (أ) قوله: واجعلن في الأخيرة كافورًا أو شيئًا من كافور، هو شك من الراوي في أي اللفظتين واللفظ الأول هو في معنى الثاني لكونه نكرة فهو يصدق بأقل شيء وقد وقع في رواية للبخاري (1)(ب) بالجزم بالشق الأول و (جـ) ظاهره أنه يجعل الكافور أيضًا في الماء، ولا يضر الماء تغيره به، وبه قال الجمهور، وقال النخعي والكوفيون (2): إنما يجعل الكافور في الحنوط بعد انتهاء الغسل والتجفيف، وهو خلاف الظاهر، قيل: والحكمة في الكافور أنه يطيب رائحة الموضع لأجل من حضر من الملائكة، وخاصيته في تصليب جسد الميت، وطرد الهوام عنه (د) وردع ما يتحلل من الفضلات، ومنع إسراع الفساد إليه، وهو أقوى الروائح الطيبة في ذلك، والظاهر أنه لا يقوم غيره مقامه في مجموع هذه الخاصية، فإن عدم فعل غيره إحراز البعض ما يفعل له.
وقوله: "فآذنني"، أي أعلمنني.
(أ) الواو ساقطة من جـ.
(ب) في جـ: البخاري.
(جـ) الواو ساقطة من هـ.
(د) في جـ: منه.
_________
(1)
3/ 133 ح 1261.
(2)
الهداية 2/ 110، الفتح 3/ 129.
وقوله: "فلما فرغنا" بصيغة المتكلم، وقد وقع للأصيلي (1) فلما فرغن (أ) بضمير الغائبات.
وقوله: "فأعطانا حقوه" بفتح المهملة، ويجوز الكسر لغة (ب) هذيل بعدها قاف ساكنة والمراد به (جـ) الإزار هنا مجاز، تسمية للحال باسم المحل إذ معناه الحقيقي معقد الإزار.
وقولة: "أشعرنها إِياه" أي اجعلنه شعارها، والشعار هو الثوب الذي يلي الجسد، والغرض مباشرة جسدها لما باشر جسده الكريم من غير فاصل، وفيه دلالة على التبرك بآثار الصالحين (2)، وإن كان بين الآثار وأثره (د) بون بعيد، وفيه دلالة على جواز تكفين المرأة بثوب الرجل.
وقوله: "ابدأن" من البداية والميامن مراد بها ما يلي الجانب الأيمن أعم من أعضاء الوضوء وغيرها.
وقوله: "ومواضع الوضوء" المراد به أن يقدم في غسل الميت غسل أعضاء الوضوء منه (هـ) كما يندب ذلك للمغتسل، وفي هذا رد على أبي قلابة حيث قال: يبدأ بالرأس ثم باللحية، والمناسبة بتقديم أعضاء الوضوء ليكون على الميت أثر تجديد سمية (و) المؤمنين في ظهور أثر الغرة والتحجيل.
(أ) في جـ: فرغ.
(ب) في جـ: بلغة.
(جـ) في جـ: بها.
(د) زاد في هـ: صلى الله عليه وسلم.
(هـ) ساقطة من: هـ.
(و) في جـ: تسمية.
_________
(1)
الفتح 3/ 129.
(2)
قال شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز: إن التبرك بآثار الصالحين غير جائز.
وظاهر قوله: "ومواضع الوضوء" أنه يستكمل الأعضاء ومن جملتها المضمضة والاستنشاق (1)، وفيه رد على الحنفية حيث قالوا: لا يستحب ذلك حتى وضوؤه غير مستحب عندهم، والظاهر أنه إذا غسلت هذه الأعضاء على هيئة الوضوء لا يعاد غسلها مع غسل سائر البدن كما هو ظاهر الحديث.
وقوله: "فضفرنا شعرها ثلاثة قرون"، ظاهر السياق أن الضفر لم يكن بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه من البعيد أن يفعل ذلك بغير تعريف لها، مع تعليم النبي صلى الله عليه وسلم كيفية الغسل.
(قال المصنف (2) وقد رواه سعيد بن منصور بلفظ الأمر قالت: قال: (أ)"اغْسلْنَها وِتْرًا"، واجعلن شعرها ضفائر"، وفي صحيح ابن حبان (3) "اغْسِلنَهَا ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا واجعلن لها ثلاثة قرون") (ب)، والقرون المراد بها هنا الضفائر (وقال ابن القاسم: لا أعرف الظفر (جـ)، بل يلف، وعن الأوزاعي والحنفية (4): يرسل شعر المرأة خلفها وعلى وجهها مفرقًا، والحجة عليهم ما عرفت) (د).
(أ) ساقطة من جـ.
(ب) بهامش الأصل.
(جـ) في جـ: الضفائر.
(د) بهامش الأصل.
_________
(1)
كلام الشارح فيه نظر من حيث المضمضة واستحباب الوضوء عند الغسل وذلك لأن صاحب الهداية قال ووضوؤه من غير مضمضمة واستنشاق لأن الوضوء سنة الاغتسال غير أن إخراج الماء متغذر فيتركان، فالظاهر أن الوضوء مستحب عندهم 2/ 107 - 108 وحكى ابن قدامة أنه لا يدخل الماء فاه ولا منخريه في قول أكثر أهل العلم، المغني 2/ 458.
(2)
الفتح 2/ 134.
(3)
ابن حبان (الإحسان) 5/ 15 ح 3021.
(4)
المغني 2/ 472، الهداية 2/ 110.
والقرن هو الجانب وقد صرح في بعض ألفاظ البخاري ناصيتها وقرنيها فقوله (أ) في الرواية الأخرى: "ثلاثة قرون" من تغليب القرنين على الناحية فسمي ذلك ثلاثة قرون، والظفر هذا بعد نقض شعر الرأس وغسله، ثم ظفره من بعد، وهو مصرح به في البخاري (1) وقوله وألقيناه (ب) خلفها، فيه دلالة على جعل الضفائر خلف المرأة وقد أغرب ابن دقيق العيد (2) حيث قال: وزاد بعض الشافعية أن يجعل الثلاثة القرون خلف ظهرها، وأورد فيه حديثًا غريبًا، ولم يتنبه على أن ذلك في البخاري، وقد توبع راويها عليها.
قال المصنف (3) رحمه الله في الفتح: وفي حديث أم عطية من الفوائد: تعليم الإمام من لا علم له بالأمر الذي يقع وتفويضه إليه إذا كان أهلًا لذلك بعد أن ينبهه على علة الحكم.
قال: واستدل به على أن الغسل من غسل الميت ليس بواجب لأنه لم يعلم أم عطية بذلك، وفيه نظر لاحتمال أن يكون شرع بعد هذه الوقعة.
وقال الخطابي (4): لا أعلم أحد، قال بوجوبه، وكأنه ما درى أن الشافعي علق القول به على صحة الحديث، والخلاف فيه ثابت عند المالكية (5)، وصار إليه بعض الشافعية (6) أيضًا.
(أ) في جـ: بقوله.
(ب) في جـ: وألقياه.
_________
(1)
البخاري 3/ 134 ح 1263.
(2)
إحكام الأحكام 2/ 243.
(3)
الفتح 2/ 134.
(4)
معالم السنن 4/ 305.
(5)
عارضة الأحوذي 4/ 211.
(6)
المجموع 5/ 138 - 139.
وقال ابن بريدة: الظاهر أنه مستحب (أ) والحكمة فيه تتعلق (ب) بالميت، لأن الغاسل إذا علم أنه سيغتسل لم يتحفظ من شيء يصيبه من أثر الغسل، فيبالغ في تنظيف الميت، وهو مطمئن (ب)، ويحتمل أن يتعلق بالغاسل ليكون عند فراغه على يقين من طهارة جسده، والعلة أن يكون أصابه من رشاش ونحوه، انتهى.
413 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كُفِّنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيضٍ سُحُوليّة من كُرْسُفٍ، ليس فيها قميص ولا عِمامة". متفق عليه (1).
قوله: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب، فيه دلالة على شرعية الثلاثة الأثواب، وأنها أفضل، إذ لا يختار لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ما هو الأفضل، قال الترمذي (2): وتكفينه صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض أصبح ما ورد في كفنه، وقد أخرج أبو داود (3):"أنه كفن في ثوبين وبرد حبرة" من حديث جابر
(أ) في جـ: يستحب.
(ب) في هـ: تعلق.
(جـ) في جـ: يطهر.
_________
(1)
البخاري، نحوه، الجنائز، باب الثياب البيض للكفن 3/ 135 ح 1264، مسلم، واللفظ له، كتاب الجنائز، باب في كفن الميت 2/ 649 ح 45 - 941، أبو داود، نحوه الجنائز، باب في الكفن 3/ 506 ح 3150، الترمذي، نحوه، الجنائز، باب ما جاء في كفن النبي صلى الله عليه وسلم 3/ 321 ح 996، النسائي، نحوه الجنائز كفن النبي صلى الله عليه وسلم 4/ 30، ابن ماجه، نحوه، الجنائز، باب ما جاء في كفن النبي صلى الله عليه وسلم 1/ 472 ح 1469.
(2)
السنن 3/ 322.
(3)
لم أقف على حديث جابر بهذا اللفظ وإنما حديث جابر الذي ساقه بلفظ "إذا توفي أحدكم فوجد شيئًا فليكفن في ثوب حبرة"، أبو داود 3/ 506 ح 3150، وإسناده حسن لأن فيه:
إبراهيم بن عقيل بن معقل الصنعاني، صدوق. التقريب 22، وأبوه عقيل بن معقل بن منبه الصنعاني، صدوق، التقريب 242، إسماعيل بن عبد الكريم بن معقل بن منبه الصنعاني، صدوق. التقريب 34.
وإسناده حسن، ولكنه معارض بما أخرجه مسلم والترمذي من حديث عائشة (1) أنهم نزعوها عنه، وأخرج عبد الرزاق (2) أنه لف في برد حبرة جفف فيه ثم نزع عنه. (أوذهب الحنفية (3) إلى أنه الأفضل (ب) احتجاجًا بما روى، وقد عرفت الجواب عنه أ). وقد أخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبزار (4) عن عليّ: أنه كفن في سبعة أثواب، وهو من رواية عبد الله بن محمد بن عقيل (5) عن ابن الحنفية عن علي، وابن عقيل سئ الحفظ يصلح حديثه للمتابعات، وأما إذا انفرد فلا (يحسن)(ب)، وأما إذا خالف فلا يقبل (6).
قال المصنف (7) رحمه الله: وقد روى الحاكم (8) من حديث أيوب عن نافع عن ابن عمر ما يعضد رواية ابن عقيل، وقد ذهب إلى هذا
(أ- أ) بهامش هـ.
(ب) في جـ: أفضل.
(جـ) بهامش الأصل وفي جـ: يتحسن.
_________
(1)
مسلم 2/ 649 ح 45 - 941، أبو داو 2/ 507 ح 3152، والترمذي 3/ 321 ح 996، ولفظ أبي داود والترمذي قالت: قد أتي بالبرد ولكنهم ردوه ولم يكفنوه فيه، ولفظ مسلم: أما الحلة إنما شبه على الناس فيها أنها اشتريت له ليكفن فيها فتركت الحلة وكفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية.
(2)
المصنف 3/ 422 ح 6173.
(3)
الهداية 2/ 113 - 114 واحتجوا بحديث عائشة ولكنهم وجهوه فقالوا: لأنه أكثر ما يلبسه عادة في حياته فكذلك بعد مماته، ولم يذكروا آخره "ليس فيها قميص ولا عمامة".
(4)
ابن أبي شيبة 3/ 262، أحمد 1/ 94، مجمع الزوائد عزاه إلى البزار وقال: إسناده حسن 3/ 23.
(5)
مر في ح 114.
(6)
قال ابن حجر تكملة لهذا الكلام: وقد خالف هو رواية نفسه فروى عن جابر أنه صلى الله عليه وسلم كفن في ثوب نمرة. التلخيص 2/ 115.
(7)
التلخيص 2/ 115.
(8)
الحاكم، بحثت في الجنائز ولم أقف عليه.
الهادي (1) فقال: إن الكفن المشروع ينتهي إلى سبعة محتجًا بهذا ولكنه إن صح عن علي فالمرجع إليه لأنه المباشر لتكفين النبي صلى الله عليه وسلم ولا لمعارضة (أ) له أيضًا من حديث (ب) عائشة إذ يجوز أن تكون عائشة اطلعت على الثلاثة السحولية، ثم زيد عليها بعد ذلك من غير أن تطلع عليه، وقد ردت عائشة (2) على من قال: إنه (جـ) كفن في برد حبرة فقالت: قد أتي بالبرد ولكنهم ردوه، وعلى من قال: إن من جملة أكفانه حلة فقالت، إنما اشتبه على الناس وإنما اشتريت ليكفن فيها فتركت (3)، والحلة ثوبان.
واعلم أن الواجب من الكفن أن يستر جميع جسد الميت، فإن قصر عن ستر الجميع، قدم الصورة فما فاض على ذلك ستر به من ناحية الرأس، وجعل على الرجلين حشيش كفعله صلى الله عليه وسلم في عمه (4) حمزة. ومصعب بن عمير (5) رضي الله عنهما، فإن أريد الزيادة على الكفن الواحد فالمندوب أن يكون وترًا، ويجوز التكفين باثنين كما أمر به صلى الله عليه وسلم في حق المحرم، ويحتمل الاقتصار عليهما، بأن يكون لعدم غيرهما، أو لكونهما ثوبي إحرامه، والثلاثة أفضل، كما روي في كفنه صلى الله عليه وسلم والثلاثة
(أ) في جـ: ولا معارض.
(ب) في جـ: طريق.
(جـ) ساقطة من جـ.
_________
(1)
البحر 2/ 107.
(2)
النسائي 4/ 30.
(3)
مسلم 2/ 649 - 650 ح 45 - 941.
(4)
الترمذي 3/ 335 - 336 ح 1016.
(5)
البخاري 3/ 142 ح 1276.
الأكفان هي: مئزر ودرجان، (وفي طبقات ابن سعد (1) عن الشعبي إزار ورداء ولفافة) (أ) ولا عمامة فيها (ب) اتفاقًا، ولا قميص فيها كما روت عائشة، وذهب إلى هذا الهادي (2) والشافعي، وقال زيد بن علي والمؤيد وأبو حنيفة: بل قميص غير مخيط لرواية زيد بن علي في كفنه صلى الله عليه وسلم إنه كُفن في ثلاثة أثواب قميص غير مخيط، وإزار يبلغ من سرته إلى ركبتيه، ولفافة لف بها من قرنه إلى قدمه، فإن زيد على ذلك فالخمسة مستحبة أيضًا عند الهادي، لأمره صلى الله عليه وسلم بتكفين ابنته، وهي قميص وعمامة وثلاثة دروج، وللمرأة: إزار وخمار وثلاثة دروج لتكفين ابنته صلى الله عليه وسلم.
وقال الهادي في المنتخب: بل قميص ومئزر وثلاثة دروج، وقال الإمام يحيى والمؤيد: لا استحباب في الخمسة وإنما أمر بها صلى الله عليه وسلم بيانًا للجواز، (جـ) قال الإمام الهدي: والظاهر خلافه، وإلا لزم فيما زاد على الواحد أن يكون بيانًا للجواز، و (د) قال الإمام يحيى: وأما السبعة فغير مشروعة إجماعًا، وفي جوازها خلاف، قال هو وغيره، ويكره للسرف (هـ)، وإذا لم يؤثر. قال الإمام المهدي: وهو قوي (3) انتهى.
(أ) بهامش الأصل.
(ب) ساقطة من جـ، في هـ: فيهما.
(جـ) زاد في جـ: و.
(د) الواو ساقطة من جـ.
(هـ) في جـ: السرف.
_________
(1)
طبقات ابن سعد 2/ 285.
(2)
البحر 2/ 107.
(3)
البحر 2/ 107.
وقد عرفت الرواية في تكفينه صلى الله عليه وسلم وكيفية السبعة، قميص وعمامة ومئزر وأربعة دروج إذ لا تكرار إلا فيها، وفي حق المرأة خمار عوض العمامة وتكفين الخنثى كالمرأة.
وقوله: "بيض"، فيه دلالة على استحباب التكفين في الأبيض، وسيأتي الأمر به وسيأتي الخلاف للحنفية، فإنهم قالوا: يستحب أن يكون فيها ثوب حبرة. لما روي في تكفينه صلى الله عليه وسلم وقد عرفت الجواب عنه، أو (أ) لأنها كانت أحب اللباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخرجه الشيخان (1)، (ولما أخرجه أبو داود (2) من حديث جابر (ب) بإسناد حسن:"إذا توفي أحدكم فوجد شيئًا، فليكفن في ثوب حبرة") (جـ)، ولا معارضة لذلك بالأمر الذي سيأتي، إذ يجوز (د) أن يقال: إنها من الثياب البيض؛ لأنه الغالب فيها، فإنها ثوب أبيض فيه خطوط.
وقوله: سحولية بضم المهملتين، وآخره لام نسبة إلى سحول (هـ) قرية باليمن (3) قال الأزهري: بالفتح المدينة، وبالضم الثياب، وقيل النسب (و)
(أ) في جـ: و.
(ب) زاد في جـ: وسيأتي.
(جـ) بهامش الأصل.
(د) في جـ: ويجوز.
(هـ) في جـ: السحول.
(و) في هـ: النسبة.
_________
(1)
البخاري 10/ 276 ح 5812.
(2)
أبو داود 3/ 506 ح 3150، ومر في أول شرح الحديث.
(3)
مراصد الاطلاع 2/ 696.
إلى القرية بالضم وأما بالفتح فنسبة إلى القصار لأنه يسحل الثياب أي ينقيها (1).
وقوله: من كرسف بضم الكاف والمهملة بينهما راء ساكنة، هو القطن، ووقع في رواية البيهقي:(2)"سحولية جدد".
وقوله: ليس (أ) فيها قميص ولا عمامة. حجة لمن قال: لا يجعل في الثلاثة قميص، والقائلون بالقميص (ب) في الثلاثة أجابوا عن ذلك بوجوه، المراد نفي وجود الأمرين معًا لا القميص وحده، أو أن الثلاثة خارجة عن القميص والعمامة، فالمعنى أن (جـ) الثلاثة هي مما عداهما وإن كانا موجودين وهذا بعيد جدًّا، أو ليس فيها قميص جديد مجتلب للتكفين وأما قميصه الملبوس فهو موجود أو ليس فيها القميص الذي غسل فيه (د) أو ليس فيها مكفوف الأطراف، ولا يخفى بعد هذه الوجوه والأولى أن يقال: إن التكفين بالقميص وعدمه كلاهما سواء مستحبان (3)، "فإن النبي صلى الله عليه وسلم كفن عبد الله بن أبي المنافق في قميصه" أخرجه البخاري (4) وهو لا يفعل صلى الله عليه وسلم إلا
(أ) زاد في جـ: و.
(ب) في جـ: في القميص.
(جـ) ساقطة من جـ.
(د) في جـ: به.
_________
(1)
النهاية 2/ 347.
(2)
سنن البيهقي 2/ 399.
(3)
لكن يرد عليه كلام عبد الله بن أبي بكر في صحيح مسلم "أنه صلى الله عليه وسلم اشترى له حلة ليكفن فيها" وفيها قال عبد الله: لو رضيها الله عز وجل لنبيه لكفنه فيها فباعها وتصدق بثمنها.
(4)
البخاري 3/ 138 ح 1269.
ما هو أحسن (أ) لا سيما في مثل هذا الحال، ولذا بوب البخاري (1) للأمرين جميعًا وظاهر لباس النبي صلى الله عليه وسلم قميصه أن قميص الميت كقميص الحي مكفوفًا مزرورًا، وقد استحب هذا محمد بن سيرين (2)، أخرجه البيهقي في الخلافيات وفي هذا رد على من قال: إنه لا يسوغ القميص إلا إذا كان أطرافه غير مكفوفة، (ب والله أعلم ب).
414 -
وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: "لما تُوفِّي عبدُ الله بن أُبَيّ جاء ابنُهُ إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أَعِطِني قميصك أكفنه فيه فأعْطاه". متفق عليه (3).
فيه دلالة على أن القميص المكفوف مشروع التكفين فيه وظاهر هذا أنه طلب من النبي صلى الله عليه وسلم ذلك قبل أن يكفن، وفي حديث جابر أخرجه البخاري (4) أيضًا "أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بعد ما دفن عبد الله بن أبي فأخرجه (ب) من حفرته ووضعه على ركبتيه فنفث في فيه من ريقه وألبسه قميصه" أن ذلك من بعد وقد جمع بينهما أن معنى قوله:"فأعطاه" في حديث ابن
(أ) في جـ: يحسن.
(ب- ب) ساقطة من هـ.
(جـ) في جـ وهـ: فأخرج.
_________
(1)
البخاري 3/ 138.
(2)
فتح الباري 3/ 139.
(3)
البخاري، مع بعض الحذف، الجنائز، باب الكفن في القميص الذي يكفن أو لا يكفن ومن كفن بغير قميص 3/ 138 ح 1269، مسلم صفات المنافقين وأحكامه 4/ 142 ح 3/ 2774.
(4)
البخاري 3/ 138 ح 1270.
عمر أي أجابه إلى ما سأل عدة له فأطلق عليها اسم العطية لما آل إليه ليحقق صدق الوعد، وفي قول جابر بعدما دفن أي دليل في حفرته أو أن المراد في حديث جابر الواقع بعد إخراجه من حفرته هو النفث وأما القميص فقد كان ألبس، والجمع بينهما لا يدل على وقوعهما معا وفي مثل هذه القصة أعطى النبي صلى الله عليه وسلم قميصه لتكفين عبد الله بن أبي أعظم دلالة على تحقيق ما وصفه الله تعالى من الخلق الكريم، وسجاحة (أ) أخلاقه وتلطفه وبره بالخلق أجمعين صلى الله عليه وسلم (ب) ما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون.
415 -
وعن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (ب) قال "البَسوا مِن ثِياِبكم البَيَاضَ فإِنَّها مِنْ (د) خير ثيابكم وكفنوا فيها مَوْتاكم". رواه الخمسة إلا النسائي، وصححه الترمذي (1).
الحديث هذا لم يخرجه البخاري وكأنه لم يثبت على شرطه وإنما أورد في هذا حديث عائشة في تكفينه صلى الله عليه وسلم الذي قد مر ولهذا الحديث شاهد
(أ) في جـ: وسماحة.
(ب) زاد في جـ: عدد.
(جـ) زاد في جـ: أنه.
(د) ساقطة من جـ.
_________
(1)
أحمد 6/ 267 وله تتمة، أبو داود، الطب، باب في الأمر بالكحل 4/ 209 - 210 ح 3878 وله تتمة، الترمذي، الجنائز، باب ما يستحب من الأكفان 3/ 319 - 320 ح 994، ابن ماجه، نحوه، الجنائز، باب ما جاء فيما يستحب من الكفن 1/ 473 ح 1472، ابن حبان (موارد) اللباس، باب في الثوب البيض 348 ح 1439، الحاكم، نحوه الجنائز 1/ 354. الحلية 4/ 378، شرح السنة 12/ 18. مصنف عبد الرزاق 3/ 429 ح 6200.
قوي من حديث سمرة بن جندب أخرجوه وإسناده صحيح (1).
في الحديث دلالة على استحباب أن يكون الكفن بالثياب البيض، وقد عرفت فيما تقدم خلاف الحنفية في استحباب الحبرة، والجواب عنه تقدم، وما أخرجه ابن عدي من حديث ابن عباس "أنه صلى الله عليه وسلم كفن في قطيفة حمراء"(2)، ففي إسناده قيس بن الربيع، وهو ضعيف (3)، وكأنه اشتبه عليه بحديث "جعل في قبره قطيفة حمراء"(4) فإنه روي بالإسناد المذكور بعينه (أ) كذا ذكر المصنف في التلخيص (5).
416 -
وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا كَفَّنَ أحَدُكمْ أخاهُ فَلْيحْسِّنْ كفَنَه". رواه مسلم (6).
(أ) زاد في جـ: و.
_________
(1)
الترمذي 5/ 117 ح 2810، ابن ماجه 2/ 1181 ح 3567، أحمد 5/ 20 - 21، النسائي 4/ 29، الحاكم 4/ 185. قلت: اختلف في وصله وإرساله قال الحاكم: إسناده صحيح ولم يخرجاه لأن سفيان بن عيينة وإسماعيل بن علية أرسلاه عن أيوب. وقال ابن أبي حاتم: لم يتابع معمر على توصيل هذا الحديث وإنما يرويه عن أي قلابة عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. العلل 1/ 369 ح 1093.
(2)
الكامل 6/ 2068 في ترجمة قيس بن الربيع.
(3)
مر في ح 235 وفيه أيضًا، محمد بن مصعب القرفساوي، قال أبو حاتم: ليس بالقوي وقال النسائي: ضعيف، وساق الذهبي في الميزان رواية لهذا الحديث وقال كذا قال - بلفظ كفن بدل دفن- وهذا باطل وكأنها دفن تصحيف كفن. الميزان 4/ 42. الكامل 6/ 2269.
(4)
أخرج مسلم عن ابن عباس جعل "في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قطفة حمراء" 2/ 665 ح 91 - 967.
(5)
التلخيص 2/ 115.
(6)
مسلم، الجنائز، باب في تحسين كفن الميت 2/ 651 ح 49 - 943، أبو داود، الجنائز، باب في الكفن 3/ 505، 605 ح 3148، النسائي، بلفظ (إذا ولى)، الجنائز الأمر بتحسين الكفن 4/ 28.
وعنه: "كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يجمع الرَّجُليْنِ من قَتلَى أحُدٍ في ثوبٍ واحد ثم يقول: "أيّهمْ أكثرُ أخْذًا للقرآن فيقدِّمه في اللَّحدِ، وَلمْ يُغَسَّلوَا ولَمْ يُصلَّ عليْهم". رواه البخاري (1).
في الأمر بإحسان الكفن دلالة على اختيار ما كان أحسن في الذات وفي صفة الثوب، وفي كيفية وضع الثياب على الميت. فأما حسن الذات فينبغي أن يكون على وجه لا يعد من المغالاة كما سيأتي النهي عنها وأما صفة الثوب فقد بين ذلك حديث ابن العباس المتقدم قبل هذا، وأما كيفية التكفين، فإذا وضع على الكيفية التي مرت فهو من إحسان الكفن، وقد ورد في الباب أحاديث منها ما أخرجه الديلمي عن جابر قوله صلى الله عليه وسلم:"أحْسنُوا كَفَنَ موْتَاكُمْ فإنهمْ يَتَبَاهونَ ويَتَزَاورونَ بِها في قبورِهم"(2) وأخرج أيضًا من حديث أم سلمة قوله صلى الله عليه وسلم: "أحسنوا الكفن ولا تؤذوا موتاكم بعويل ولا بتزكية ولا بتأخير وصية، ولا بقطيعة، وعجلوا بقضاء دينه واعدلوا عن جيران السوء وإذا حفرتم فأعمقوا وأوسعوا"(3).
وقوله: "في ثوب واحد" فيه دلالة على أنه يجوز مثل ذلك عند
(1) البخاري، ولفظه:"يجمع بين الرجلين .. فإذا أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد وقال: أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة وأمر بدفنهم في دمائهم ولم يغسلوا .... " 3/ 209 ح 1343، أبو داود، الجنائز، باب في الشهيد يغسل 3/ 501 ح 3138، الجنائز، باب ما جاء في ترك الصلاة على الشهيد 3/ 354 ح 1036، ابن ماجه، الجنائز، باب ما جاء في الصلاة على الشهداء ودفنهم 1/ 485 ح 1514، أحمد 5/ 431.
(2)
و (3) اللآليء المصنوعة 2/ 235، تنزيه الشريعة 2/ 373، جمع الجوامع ح 705 - 703 وأخرجه ابن عدي في الكامل من حديث أبي هريرة وفيه سلمان بن أرقم قال عنه أحمد: ليس بشيء، لا يروى عنه الحديث 3/ 1100 - 1105، وأخرج عبد الرزاق عن ابن سيرين قال: كان يقال 3/ 431.
الضرورة، وهو إما (أ) يجمعهما في ثوب أو يقطع (ب) الثوب الواحد بينهما، والظاهر أن الأول لم يقل به أحد من العلماء أنه يجوز مثل ذلك على وجه تلتقي بشرتا الميتين حتى إن جماعة من شراح الحديث تأولوا الثوب بالقبر، وقالوا: هو مجاز عن القبر بجامع الستر وهو مدفوع بما في تمام الحديث من قول جابر: فكفن أبي وعمي في نمرة واحدة، فهذا صريح بأن الثوب في معناه الحقيقي ويدفع أيضًا الاعتراض بأن هذا من المكاتعة المنهي عنها، فإن (جـ) المكاتعة إنما تنهى عنها لمظنة الشهوة في الحي، وهي منتفية في الميت، إلا أن الظاهر أن الاحتمال الثاني أولى فإن في تقطيع الثوب بينهما وتقديم ستر العورة وأينما بلغ فيما (د) زاد عليها غنية، كما فعل في حمزة رضي الله عنه.
وقوله: "أيهم أكثر أخذًا" إلخ، فيه دلالة على استحباب تقديم من كثر حفظه للقرآن لكونه أفضل، (ويقاس أيضًا (هـ) سائر جهات الفضل عليه، وفيه دلالة على جواز (و) جمع جماعة في قبر للضرورة) (ز) وقد صرح (ح) البخاري (1) بالجمع بين الرجلين، وبوب في الرجلين والثلاثة
(أ) في هـ: ما.
(ب) في جـ: أو يقطع.
(جـ) في هـ: بأن.
(د) في جـ: فما.
(هـ، و) ساقطة من جـ.
(ز) بهامش الأصل.
(ح) في هـ: وضرح، وفي جـ: خرج.
_________
(1)
البخاري، باب دفن الرجلين والثلاثة في قبر 3/ 211 ح 1345. وورد ذكر الثلاثة في هذه القصة عن أنس عند الترمذي 3/ 335 ح 1016.
وكأنه لم يكن على شرطه ذكر الثلاثة، وقد وقع في رواية عبد الرزاق (1): وكان يدفن الرجلين والثلاثة في قبر واحد، وروى مثله أصحاب السنن (2)، قالوا: ويحجز بين الاثنين بتراب أو نحوه وكذا المرأتين، وأما الرجل والمرأة فروى عبد الرزاق عن واثلة بن الأسقع "أنه كان يدفن بالرجل (أ) والمرأة في القبر الواحد، فيقدم الرجل، وتجعل المرأة وراءه (3)، وكأنه كان يجعل بينهما حائلًا من تراب لا سيما إذا كانا أجنبيين. والله أعلم (ب).
وفي قوله: "ولم يغسلوا ولم يصل عليهم" فيه دلالة على أنه لا يغسل الشهيد، وقد ذهب إلى هذا أبو طالب (4) وتحصيله لمذهب الهادي، وقال: إن جرح في المعركة بما يقتله يقينًا أو قتل في المصر ظلمًا أو مدافعًا عن نفس أو مال أو غرق لهرب أو نحوه فإنه لا يغسل، وذهب إلى ذلك الشافعي ومالك وأبو حنيفة (5) وصاحباه إلى أنه لا يغسل الشهيد، وفي مذهب الشافعي (6) تفصيل في ذلك فقالوا: الشهيد هو من مات في قتال الكفار بسببه أي بسبب القتال، أو وجد قتيلًا عند انكشاف الحرب ولم
(أ) في هـ: الرجل.
(ب) بهامش الأصل.
_________
(1)
عبد الرزاق 3/ 474 - 475 ح 6379.
(2)
من حديث هشام بن عامر الأنصاري. أبو داود 3/ 547 ح 3215، الترمذي 4/ 213 ح 1713، النسائي 4/ 66.
(3)
عبد الرزاق 3/ 474 ح 6378.
(4)
البحر 2/ 93.
(5)
المغني 2/ 528. المجموع 5/ 211. البحر 2/ 93. بداية المجتهد 1/ 226 - 227. الهداية 2/ 142.
(6)
المجموع 5/ 211.
يعلم سبب موته، سواء كان عليه أثر (أ) أم لم يكن، وخالف القفال في هذا الطرف وهو أنه إذا لم يدر أقتل أو مات حتف أنفه، فليس بشهيد (ب)، قالوا: فإن مات بعد انقضائه وقطع بموته من تلك الجراحة، وبقي فيه بعد انقضاء الحرب حياة مستقرة أو في قتال البغاة فغير شهيد في الأظهر، أما في الأولى فلأنه عاش بعد انقضاء الحرب فأشبه ما لو مات حتف أنفه، وأما في الثانية فلأنه قتيل مسلم فأشبه ما لو قتله في غير القتال، والثاني أنه شهيد فيهما، أما في الأولى فلأنه مات بجرح وجد فيه فأشبه ما لو مات قبل انقضائه، وأما في الثانية فكان (ب) لقتول في معترك الكفار. انتهى تفصيلهم، وفي مذهب الحنفية تفصيل غير هذا، فقالوا (د): الشهيد من قتله المشركون سواء كان قتل مباشرة أو تسبيبًا (هـ) بحديد أو غيره بعد أن يكون القتل منسوبًا إليهم، وذلك بأن يشاهد قتله أو يكون فيه جراحه أو خروج دم من موضع غير معتاد (و) لخروجه كالعين والأذن، أو قتله أهل البغي وقطاع الطريق وسواء كان قتله بالمباشرة أو التسبيب (1) وأما إذا نفر فرس المسلم من دابة العدو من غير تنفير منهم أو من رايات العدو أو المسلمون إذا ألقو أنفسهم في الخندق (ز) أو في السور هربًا من الكفار حتي ماتوا لم يكونوا شهداء، وهذا أصله محمد بن الحسن (ح) الشيباني وقال
(أ) زاد في جـ: دم.
(ب) في هـ: شهيد.
(جـ) في هـ: فكالمقتول.
(د) في جـ: قالوا.
(هـ) في جـ: تسببا.
(و) زادت هـ: لجروحه.
(ز) في جـ: بالخندق.
(ح) في جـ: حسن.
_________
(1)
الهداية 2/ 142 - 145.
أبو يوسف (1): بل يكون شهيدًا وإن لم ينسب إليهم، كما إذا نقب الجدار فسقط عليه أو سقط عن دابته في الحمل عليهم فإنه يكون شهيدًا، ولو انفلتت دابة المشرك وليس عليها، ولا لها سائق ولا قائد فأوطأت مسلمًا في القتال فقتلته غسل عند أبي حنيفة ومحمد لأن قتله غير مضاف إلى العدو، ولا يغسل عند أبي يوسف لأنه صار قتيلًا في قتال أهل (أ) الحرب.
وحجة القائلين بأنه (ب) لا يغسل واضحة، وهو عدم غسله صلى الله عليه وسلم لقتلى أحد، ولأن الشهيد حي عند ربه بنص الكتاب العزيز، ولذلك سمي شهيدًا لأنه حي عند الله حاضر، وقد قيل في التسمية غير هذا وهو أن الملائكة يشهدون موته فهو فعيل بمعنى مفعول أو أنه مشهود له بالجنة (جـ) لأنه صبر لنصرة دين الله حتى قتل، والخلاف في ذلك لابن المسيّب (2) حكاه عنه ابن المنذر قال: لأن كل ميت نجس فيجب غسله. وبه قال الحسن البصري (3) ورواه ابن أبي شيبة (4) عنهما، وحكى أيضًا عن ابن سريج من الشافعية (5).
وقوله: "ولم يصل عليهم" في رواية للبخاري (د) بفتح اللام (6) على
(أ) ساقطة من هـ.
(ب) في جـ: أنه.
(جـ) في جـ: في الجنة.
(د) في جـ: البخاري.
_________
(1)
شرح العناية علي الهداية 2/ 143.
(2)
و (3) المغني 2: 528 - 529.
(4)
ابن أبي شيبة 3/ 253، ولفظهما "ما مات ميت إلا أجنب".
(5)
المجموع 4/ 211. الفتح 3/ 213.
(6)
البخاري 3/ 209 ح 1343 قال ابن حجر: وهو مضبوط في طريقنا بفتح اللام وهو اللائق بقوله بعد ذلك: ولم يغسلوا. الفتح 3/ 210، وسيأتي من وجه آخر عن الليث بلفظ:"ولم يصل عليهم ولم يغسلهم" 3/ 212 ح 1347.
صيغة المجهول والمعنى: أنه لم يفعل ذلك بنفسه، ولا أمر غيره بذلك، وفي رواية أخرى له بكسر اللام على صيغة المعلوم فيه دلالة على أنه لا يصلي على شهيد كما لا يغسل، وقد ذهب إلى هذا الشافعي ومالك وأحمد وإسحاق (1) لأنه صلى الله عليه وسلم لم يصل على شهداء أحد، كما أخرجه البخاري.
وأخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وطوله والحاكم عن أنس بن مالك (2)، وقد أعله البخاري (3) وقال: إنه غلط، فيه أسامة بن زيد فقال: عن الزهري عن أنس حكاه الترمذي، (ولأن الصلاة دعاء واستغفار للميت والشهيد حي مغفور له لما ثبت "أن السيف محاء للذنوب" (4)، فهو مستغن عن الدعاء له) (أ)، وذهب غيرهم إلى أن الشهيد يصلى عليه، واحتجوا على ذلك بجملة أحاديث فمنها (ب) ما أخرجه الحاكم (5) من حديث جابر
(أ) بهامش الأصل.
(ب) في جـ: منها.
_________
(1)
المغني 2/ 529. المجموع 5/ 213.
(2)
أبو داود 3/ 498 ح 3135، الترمذي 3/ 335 ح 1016، الحاكم 1/ 365.
(3)
قال الترمذي: وقد خولف أسامة بن زيد في رواية هذا الحديث فروى الليث بن سعد عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر بن عبد الله بن زيد. وروى معمر عن الزهري عن عبد الله بن ثعلبة عن جابر، ولا نعلم أحدكم ذكره عن الزهري عن أنس إلا أسامة بن زيد، وسألت محمدا عن هذا الحديث؟ فقال: حديث الليث عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر أصح. سنن الترمذي 3/ 336.
(4)
أخرجه البيهقي بلفظ "محاء للخطايا" من حديث عقبة السلمي 9/ 164، وأخرجه ابن حبان (موارد) 388 ح 1614 من حديثه كذلك وعزاه في مجمع الزوائد إلى الطبراني وقال: رجاله ثقات 5/ 291، وأخرج العقيلي من حديث أنس بلفظ "لا يمر السيف بذنب إلا محاه" وقال: وقد روي بغير هذا بإسناد لين، وعن ابن مسعود "القتل في سبيل الله يكفر الذنوب كلها" رواه الطبراني ورجاله ثقات. مجمع الزوائد 5/ 292 - 293.
(5)
الحاكم 3/ 199.
"أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على حمزة بعد أن فقده فأخبره رجل أنه رآه عند شجيرات" وفي إسناده أبو حماد (1) الحنفي وهو متروك، وأخرج النسائي (2) عن شداد بن الهاد "أن رجلًا من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه"، وفي الحديث "أنه استشهد فصلى عليه صلى الله عليه وسلم" وأخرج البخاري (3) وغيره (عن عقبة بن عامر أنه صلى الله عليه وسلم)(أ) صلى على قتلى أحد بعد ثمان سنين، وفي رواية ابن حبان (4) "ثم دخل بيته ولم يخرج حتى قبضه الله" وروى ابن إسحاق (5) من حديث ابن عباس قال:"أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمزة فسجي ببردة ثم صلى عليه وكبر سبع تكبيرات ثم أتى بالقتلى فيوضعون إلى حمزة فيصلي عليهم وعليه معهم حتى صلى عليه ثنتين وسبعين صلاة"، وفي إسناده مبهم، قال السهيلي (6): إن كان الذي (ب) أبهمه ابن إسحاق هو الحسن بن عمارة فهو ضعيف (7)، وإلا فهو مجهول لا (جـ) حجة فيه، انتهى.
(أ) في الأصل تقديم وتأخير وأشار إليه.
(ب) ساقطة من جـ.
(جـ) في جـ: فلا.
_________
(1)
مفضل بن صدقة أبو حماد الكوفي، قال النسائي: متروك وقال يحيى: ليس بشيء. الميزان 4/ 68. تاريخ ابن معين 2/ 582 وفيه عبد الله بن محمد بن عقيل. مر في ح 114.
(2)
النسائي 4/ 49.
(3)
البخاري 7/ 348 ح 4042، مسلم 4/ 1795 ح 30 - 2296.
(4)
ساقطة من جـ.
(5)
سيرة ابن هشام 3/ 53.
(6)
الروض الأنف 2/ 142.
(7)
قال الزيلعي: هو الحسن بن عمارة كما رواه الإمام أبو قرة موسى بن طارق في سننه. نصب الراية 2/ 311، الحسن بن عمارة البجلي قاضي بغداد، قال مسلم والدارقطني وأبو حاتم: متروك، مر في ح 112.
وأخرج أبو داود في المراسيل (1) عن أبي مالك الغطفاني "أنه صلى على قتلى أحد عشرة عشرة في كل عشرة حمزة حتى صلى عليه سبعين صلاة" ورجاله ثقات، وقد أعله الشافعي (2) بأنه متدافع لأن الشهداء كانوا سبعين فإذا أتى بهم عشرة عشرة يكون قد صلى سبع صلوات فكيف تكون سبعين قال: وإن أراد التكبير فتكون ثمانية وعشرين تكبيرة لا سبعين، وأجيب بأن المراد أنه صلى الله عليه وسلم صلى على سبعين نفسًا وحمزة معهم كلهم، قال أبو نعيم الأصبهاني: يحتمل أن يكون حديث أنه صلى على أهل أحد بعد ثمان سنين ناسخًا لحديث جابر، وأجاب المانعون للصلاة بأن حديث ترك الصلاة أصح من الإثبات، وقد أطنب الشافعي في الرد، فقال في الأم:(3) جاءت الأخبار كأنها عيان من وجوه متواترة إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يصل على قتلى أحد، وما روي أنه صلى وكبر على حمزة سبعين تكبيرة لا يصح، وقد كان (أ) ينبغي لمن عارض هذه الأحاديث الصحيحة أن يستحى على نفسه، وحديث عقبة بن عامر وقع في نفس الحديث أن ذلك كان بعد ثمان سنين، يعني والخالف يقول: لا يصلى على القبر إذا طالت المدة، قال: فكأنه صلى الله عليه وسلم دعا لهم واستغفر لهم حين علم قرب أجله، ودعا لهم بذلك، ولا يدل ذلك على نسخ الحكم الثابت. انتهى.
واعلم أن الخلاف في منع الصلاة الأظهر أنه على جهة الحتم (4) وفيه
(أ) في جـ: قال.
_________
(1)
المراسيل 179 ح 391.
(2)
الأم 1/ 237.
(3)
الأم 1/ 237.
(4)
عند الشافعية ومالك ورواية عن أحمد. المغني 2/ 528 - 529. المجموع 5/ 213. الفتح 3/ 210.
وجه أن ذلك على جهة الاستحباب، وهو المنقول عن الحنابلة (1)، قال بعض الحنابلة (2) عن أحمد: الصلاة على الشهيد أجود، وإن لم يصلوا عليه أجزأ.
واعلم أن الشهيد الذي لا يصلى عليه عند الشافعية (3) هو شامل للمرأة والرجل الصغير والكبير، الحر والعبد، وهو خلاف ما عند الهادوية في الغسل فقالوا: لا يثبت الحكم إلا لشهيد مكلف ذكر حر، وكأنهم نظروا إلى أن الدليل إنما ورد في حق شهداء (أ) أحد وهم بهذه الصفة، ومن عدا المتصف بالصفة فالجهاد في حقه غير واجب فلا يقاس عليهم لوجود الفارق، وهو وجوب القتال وشرعيته، وعدم ذلك (وبعضهم قال: يغسل العبد، ولا تغسل المرأة، وبعضهم قال: تغسل المرأة والعبد إذا احتيج إليهما في الجهاد) (ب) والله أعلم.
417 -
وعن علي رضي الله عنه (جـ) -: "سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تغَالُوا في الكَفَن فإِنّه يُسْلَبُ سَريعًا". رواه أبو داود (4).
(أ) في جـ: شهيد.
(ب) بهامش الأصل.
(جـ) زاد في هـ وجـ: قال.
_________
(1)
المغني 2/ 529.
(2)
صرح بذلك في رواية المروزي عنه: المغني 2/ 529.
(3)
استثنى أبو حنيفة الصبي وقال: لا ذنب. المجموع 5/ 215 - 216.
(4)
أبو داود، بلفظ (يسلبه سلبًا) الجنائز، باب كراهية المغالاة في الكفن 3/ 508 ح 3154، البيهقي، الجنائز، باب من كره إن ترك القصد فيه. 3/ 403. شرح السنة 5/ 316.
الحديث من رواية الشعبي عن علي، وفي إسناده عمرو بن (هاشم)(أ)(1) الجنبي مختلف فيه، وفيه انقطاع بين الشعبي (2) وعلي لأن الدارقطني قال: إنه لم يسمع منه (ب) سوى حديث واحد.
في الحديث دلالة على المنع من المغالاة، وهي (جـ) مأخوذة من الغلاء وهو (د) زيادة ثمن الكفن وذلك إنما يكون لرفعته وعظم الجودة، وقد عرفت الجمع بين هذا وبين الأمر بإحسان الكفن. والله أعلم.
418 -
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: "لَوْ مِتِّ قَبْلِي لَغَسَّلْتُكِ" الحديث رواه أحمد وابن ماجه وصححه ابن حبان (3).
(أ) في النسخ: هشام وصححناها إلى هاشم، انظر الترجمة.
(ب) في جـ: عنه.
(جـ) ساقطة من جـ.
(د) في جـ: وهي.
_________
(1)
عمرو بن هاشم، أبو مالك الجنبي الكوفي لين الحديث قال مسلم: ضعيف، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال البخاري: فيه نظر، وقال أحمد: صدوق لم يكن صاحب حديث، قال في التقريب: لين الحديث. التقريب 263. الميزان 3/ 290.
(2)
عامر بن شراحيل الشعبي ثقة إمام فاضل فقيه. تهذيب الكمال 2/ 642. تهذيب التهذيب 5/ 65، سير أعلام النبلاء 4/ 294.
(3)
أحمد، وفيه قصة وفي آخره ما ضرك لو .. فغسلتك، ابن ماجه، نحو أحمد، الجنائز باب ما جاء في غسل الرجل امرأته وغسل المرأة زوجها 1/ 470 ح 1465، الدارمي 1/ 36 - 37، البيهقي، الجنائز، باب الرجل يغسل امرأته إذا ماتت 3/ 396، الدارقطني، الجنائز، باب التسليم في الجنازة واحد والتكبير أربعا وخمسا 2/ 74، أعله البيهقي بابن إسحاق، وقد مر في ح 242، تابعه صالح بن كيسان عند أحمد 6/ 144، والنسائي في الكبرى كما في التحفة 12/ 52 ح 16504، قال الألباني: وصرح بالتحديث ابن إسحاق في السيرة 4/ 292 فأمن التدليس.
ملاحظة: قال الحافظ في التلخيص: إن قوله: "لغسلتك" باللام تحريف والذي في الكتب المذكورة "فغسلتك" بالفاء وهو الصواب 2/ 114. قلت: هو كما قال: إنها بالفاء وأورده باللام في متن البلوغ فليتنبه.
فيه دلالة على أن للرجل أن يغسل (أ) زوجته، وهو قول الجمهور، والخلاف في ذلك لأبي حنيفة وأصحابه (1)، فقالوا: لا يغسلها بخلاف العكس لارتفاع النكاح ولا عدة عليه. والحديث يرد عليهم.
419 -
عن أسماء بنت عميس رضي الله عنها: "أن فاطمة رضي الله عنها أوْصَتْ أنْ يغَسِّلَهَا علي رضي الله عنه". رواه الدارقطني (2).
هذا مثل الأول، وأما غسل المرأة زوجها فكذلك ويحتج عليه بقول عائشة (3):"لو استقبلنا من أمرنا ما اسْتدبرنا ما غَسّلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم غير نسائه". أخرجه أبو داود وصححه الحاكم (ووصية أبي بكر لزوجته أسماء بنت عميس أن تغسله (4) واستعانت بعبد الرحمن بن عوف لضعفها عن
(أ) في جـ: الرجل يغسل.
_________
(1)
العناية 2/ 111، وهي رواية عن أحمد وقال: لأن الموت فرقة تبيح أختها وأربعا صواها فحرمت النظر واللمس والطلاق. المغني 2/ 524.
(2)
الدارقطني، بلفظ "أن يغسلها علي وأسماء فغسلاها"، باب الصلاة على القبر 2/ 79، الحاكم: بلفظ "غسلت أنا وعلي" معرفة الصحابة 3/ 163 - 164، البيهقي، الجنائز، باب الرجل يغسل امرأته إذا ماتت 3/ 396 - 397، الحدبث من طريق الدارقطني وغيره. أم عون أم جعفر بنت محمد بن جعفر بن أبي طالب مقبولة، التقريب 476 قلت: ذكر ابن الملقن والحافظ متابعات لهذا الحديث لكنها تقف على أم عون وهي أم جعفر ونحن نريد المتابعة لها وقال الحافظ: إن أحمد وابن المنذر احتجا بهذا الحديث وفي هذا دليل على صحته عندهما، وفي كلام الحافظ نظر: فإن ابن الجوزي في تحقيقه قال: ورواه هبة الله الطبري عن أسماء أن عليا غسل فاطمة، قالت أسماء: وأعنته أنا عليها، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة فصار كالإجماع، ثم قال: فإن قيل هذا الحديث أنكره أحمد. البدر 2/ 267، فابن الجوزي أثبت أن أحمد أنكر هذا الحديث، والذي يظهر لي أن هذا الحديث ضعيف فإن مداره على أم جعفر، وذكر الحفاظ المتابعات تقف عند أم جعفر (أم عون) ونحن نريد المتابعة لها، والله أعلم. وبالله النوفيق. ولكن للحديث شواهد، منها حديث عائشة "لو مت قبلي" ولو استقبلت من أمري ما استدبرت"، ووصية أبي بكر أن تغسله أسماء، وغيره.
(3)
أبو داود 3/ 502 ح 3141. الحاكم 3/ 59، ابن ماجه 1/ 470 ح 1464. أحمد 6/ 267، البيهقي 3/ 398.
(4)
البيهقي 3/ 397 وقال: وهذا الحديث الموصول وإن كان رواية محمد بن عمر الواقدي صاحب التاريخ والمغازي فليس بالقوي وله شواهد مراسيل.
ذلك. رواه البيهقي، ولم يذكر أحد ذلك (أ) وقد قال بهذا الجمهور، والخلاف في ذلك للإمام أحمد (1) فقال: لا تغسله لبطلان النكاح بينهما والجواب عنه ما ذكر.
420 -
وعن بريدة "في قصة الغَامدية التي أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم برَجْمها في الزنا قال: ثم (ب) أمرَ بها فَصُلِّي عليها ودُفِنَتْ". رواه مَسلم (2).
في الحديث دلالة على أن المقتول بحد يصلى عليه ولم يصرح في الرواية أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي صلى عليها (3)، ولعله أمر غيره، ولذلك قال مالك (4) وغيره: إن الإمام يجتنب الصلاة على مقتول في حد، وإن الفضلاء لا يصلون على الفساق زجرًا لهم وعن الزهري (5) لا يصلى على المرجوم، ويصلى على المقتول في قصاص، وقال أبو حنيفة (6): لا يصلى
(أ) بهامش الأصل.
(ب) ساقطة من جـ.
_________
(1)
هل للمرأة أن تغسل زوجها؟ حكى ابن المنذر الإجماع على أن المرأة تغسل زوجها وقال أحمد: ليس فيه اختلاف بين الناس، وحكى النووي أن صاحب الشامل نقل رواية عن أحمد أنها ليس لها غسله، قال: فإن ثبتت عنه فهو مجموح بالإجماع قبله، وقول أحمد واضح فيما نقلته عنه. والله أعلم. المغني 2/ 523. المجموع 5/ 110.
(2)
مسلم، الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنا 3/ 1323 - 1324 ح 23 - 1695، أبو داود ولفظه "فصلى عليها"، الحدود، باب المرأة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمها من جهينة 4/ 587 ح 4440.
(3)
روى مسلم من حديث عمران بن حصين 3/ 1323 ح 24 - 1996. ثم أمر بها فرجمت ثم صلى عليها، فقال له عمر: تصلي عليها يا نبي الله وقد زنت؟
(4)
الكافي 1/ 280.
(5)
المصنف 3/ 535 ح 6613.
(6)
الهداية 2/ 145.
على محارب ولا على (أ) قتلى الفئة الباغية وقال قتادة (1): لا يصلى على ولد الزنا وعن الحسن (2): لا يصلى على النفساء تموت من زنا ولا على ولدها، وقال القاضي أبو بكر بن العربي: مذهب العلماء كافة الصلاة على كل مسلم ومحدود ومرجوم وقاتل نفسه وولد الزنا. والله أعلم.
421 -
وعن جابر بن سمرة قال: "أُتِي النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ بِمشَاقِصَ فلَمْ يُصَلِّ عليه"، رواه مسلم (3).
في الحديث دلالة على أن من قتل نفسه فإنه لا يصلى عليه، وهذا نص، وهو حجة لقول من (ب) قال: لا يصلى على الفاسق لأنه من أهل النار، وقد ذهب إلى هذا عمر بن عبد العزيز (4) والأوزاعي، وقال الحسن والنخعي وقتادة ومالك والشافعي وأبو حنيفة وجماهير العلماء (5) إنه يصلى عليه، وأجابوا عن هذا الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل عليه بنفسه زجرًا للناس عن مثلة فعله، وصلت عليه الصحابة وهذا كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على من مات وعليه دين في أول الأمر وأمرهم بالصلاة على صاحبهم.
(أ) ساقطة من جـ.
(ب) في جـ: لمن.
_________
(1)
المصنف 3/ 534 ح 6613.
(2)
في مصنف عبد الرزاق أن الحسن قال: نصلي على ولد الزنا 3/ 533 - 534 ح 6611.
(3)
مسلم، الجنائز، باب ترك الصلاة على القاتل نفسه 2/ 672 ح 107 - 978، الترمذي، الجنائز، باب ما جاء فيمن قتل نفسه 3/ 380 ح 1068، ابن ماجه، الجنائز، باب في الصلاة على أهل القبلة 1/ 488 ح 1526، النسائي، الجنائز، ترك الصلاة على من قتل نفسه 4/ 53.
(4)
المغني 2/ 556.
(5)
المجموع 5/ 217 وقال الإمام أحمد: لا يصلي الإمام على من قتل نفسه ويصلي عليه سائر الناس. المغني 2/ 556.
والمشاقص جمع مِشقص بكسر الميم وفتح القاف (1).
422 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه "في قصة المرأة التي كانت تَقُمُّ المسجدَ، فسأل عنها النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: دُلُّوني على قَبْرها، فَدَلُّوة فصلَّى عليها". متفق عليه وزاد مسلم: ثم قال: "إِنّ هذه القبورَ مَملوءةٌ ظُلْمَةً على أهلِهَا وإِنَّ الله يُنَورُها لَهُمْ بِصَلاتِي علَيْهم"(2).
قوله: "في قصة المرأة" جزم المصنف -رحمه الله تعالى- أن القصة هذه مع امرأة وفي البخاري (3) أن رجلًا أسود أو امرأة سوداء، الشك من ثابت في الرواية، وصرح البخاري (4) عنه في رواية قال: ولا أراه إلا امرأة، وجزم ابن خزيمة من طريق أخري عن أبي هريرة فقال: امرأة سوداء، ورواه أيضًا البيهقي (5) بإسناد حسن وسماها أم محجن، وأفاد أن الذي أجاب النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن سؤاله عنها هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه وذكر ابن منده في الصحابة خرقاء اسم امرأة سوداء كانت تقم المسجد وقع ذكرها في حديث حماد بن زيد عن ثابت عن أنس وذكرها ابن حبان في
(1) المشقص: نصل السهم إذا كان طويلا غير عريض، فإن كان عريضًا فهو المقبلة. النهاية 2/ 490.
(2)
البخاري، الصلاة، باب كنس المسجد والتقاط الخرق والقذى والعيدان 1/ 552، 553 ح 458، مسلم، الجنائز، باب الصلاة على القبر 2/ 659 ح 71 - 956، أبو داود، الجنائز، باب الصلاة على القبر 3/ 541 ح 3203، ابن ماجه، الجنائز، باب ما جاء في الصلاة علي القبر 1/ 489 ح 1527، أحمد 2/ 388.
(3)
البخاري 1/ 552 - 553 ح 458.
(4)
البخاري 1/ 554 ح 460.
(5)
البيهقي، من طريق بريدة 4/ 48.
الصحابة بدون ذكر السند فإن كان محفوظًا فهذا اسمها وكنيتها أم محجن (1).
وقوله: (أ)"تقم" بقاف مضمومة أي تجمع القمامة وهي الكناسة، وفي البخاري بدل قوله "فسأل عنها النبيّ صلى الله عليه وسلم" فقال:"ما فعل ذلك الإنسان؟ فقالوا مات يا رسول الله، قال (ب): أفلا أذنتموني؟ فقالوا: إنه كان كذا وكذا، قال (جـ): فحقروا شأنه، قال: فدلوني على قبره، فأتى قبره، فصلى عليه"(2)، ولم يخرج البخاري زيادة مسلم لأنها مدرجة في هذا الإسناد، وهي من مراسيل ثابت، بين ذلك غير واحد من أصحاب حماد بن زيد.
قال المصنف (3) رحمه الله: وقد أوضحت ذلك بدلائل في كتاب بيان المدرج.
قال البيهقي (4): يغلب على الظن أن هذه الزيادة من مراسيل ثابت كما قال أحمد.
(أ) في جـ: وبقوله.
(ب، جـ) في جـ: فقال.
_________
(1)
الفتح 1/ 553.
(2)
البخاري 3/ 204 - 205 ح 1337.
(3)
الفتح 1/ 553.
(4)
سنن البيهقي 4/ 47 ولفظه الذي يغلب على القلب أن تكون هذه الزيادة في غير رواية أبي رافع عن أبي هريرة فإما أن تكون عن ثابت عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مرسلة كما رواه أحمد بن عبدة ومن تابعه أو عن ثابت عن أنس عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم كما رواه خالد بن خداش وقد رواه غير حماد عن ثابت عن أبي رافع ولم يثبتها.
والحديث فيه دلالة على أن الصلاة تصح بعد الدفن للميت، وظاهره ولو قد وقعت الصلاة، إلا أن هذا يمكن الأخذ منه أنه حيث صلى من ليس أولى بالصلاة، مع إمكان صلاة الأولى، كما في صلاة النبيِّ صلى الله عليه وسلم لا سيما مع قوله صلى الله عليه وسلم:"لا يصلي أحد على موتاكم ما دمت فيكم"(1) إلا أنه يعكر عليه صلاته صلى الله عليه وسلم على البراء بن معرور (2) مع أنه مات، والنبي صلى الله عليه وسلم في مكة قبل الهجرة، وكان بعد موته بشهر، وقد ذهب إلى صحة الصلاة بعد الدفن: الناصر والنخعي والشافعي وأحمد وأبو حنيفة ومالك وابن سيرين إلا أن كلامهم حيث لم يكن قد صلي عليه (3) قالوا: لأنها فرض فلا تسقط بالدفن، ولما ورد، وظاهر مذهب الشافعي مطلقا سواء (أ) قد صلى عليه أم لا في أن الصلاة مشروعة لأنه صلى الله عليه وسلم لما أتى القبر المذكور صفهم خلفه وكبر عليه أربعًا.
قال ابن حبان (4) في ترك إنكاره صلى الله عليه وسلم (ب) على من صلى معه على القبر بيان جواز ذلك لغيره، وأنه ليس من خصائصه، وتعقب بأن الذي يقع
(أ) زاد في هـ: كان.
(ب) زاد في جـ: الصلاة.
_________
(1)
لم أقف عليه بهذا اللفظ وقد أورده بهذا اللفظ صاحب البحر، أخو زيد، وكان أكبر منه 2/ 116 وبنحوه أخرجه النسائي وأحمد وابن ماجه من حديث رزيد بن ثابت وفيه لفظ النَّسائيّ "لا يموت فيكم ميت ما دمت بين أظهركم إلا أذنتموني فإن صلاتي له رحمة" النَّسائي 4/ 70، ابن ماجه 1/ 489 ح 1528 أحمد 4/ 388، وسنده صحيح.
(2)
الحاكم 1/ 353 - 354، البيهقي 3/ 384، وهو من رواية يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه، وعبد الله بن أبي قتادة تابعي. التقريب 185 فالرواية مرسلة.
(3)
وقال أبو حنيفة ومالك ولا تعاد الصلاة على الميت إلا للولي إذا كان غائبًا ولا يصلى على القبر إلا كذلك. المغني 2/ 511.
(4)
ابن حبان (الإحسان) 5/ 35 - 36.
بالتبعية لا ينتهض (أ) دليلًا، وفي المدة التي شرع فيها الصلاة بعد الدفن (ب) أربعة أوجه ذكرها في المهذب (1)، قيل: إلى شهر كصلاته صلى الله عليه وسلم على أم سعد (2) وعلى البراء، وقيل: إلى أن يبلى الميت، لأنه إذا بلي لم يبق ما يصلى عليه، وقيل: يصلى عليه من كان من أهل الصلاة عند موته لا من ولد أو بلغ بعد ذلك، وقيل: يصلى عليه أبدا لأن القصد الدعاء وهو جائز في كل وقت (3)، وقال أبو طالب (4): وهو تحصيله لمذهب الهادي أنه لا صلاة بعد الدفن لقوله صلى الله عليه وسلم: لا صلاة إلىبها (5) ويجاب عنه بأن هذا لا يقوى على معارضة الأحاديث الله من صلاته صلى الله عليه وسلم فمنها ما مر، ومنها صلاته على الغلام الأنصاري لما دفن ليلا، ولم يشعر صلى الله عليه وسلم بموته أخرجه في الصحيحين، وأنه صلى عليه في البارحة، وفي الدارقطني بعد ما دفن بثلاث ليال (6)، وفي الطبراني بليلتين، وقد أخرج هذه القصة من حديث ابن عباس، قال: وصلى معهم، وفي الباب عن أنس أخرجه البزار وفي الموطأ (7) عن سهل نحو حديث أبي هريرة، وعند أحمد والنَّسائي من
(أ) في جـ وهـ: لا ينهض.
(ب) زاد في جـ: فيه.
_________
(1)
ذكر النووي في شرح المهذب ستة أوجه 5/ 197.
(2)
الترمذي 3/ 356 ح 1038، وهو من مراسيل سعيد بن المسيب.
(3)
حكى النووي في المجموع ضعف هذا القول عند الشافعية 5/ 197.
(4)
البحر 2/ 117.
(5)
حكى في البحر تحصيل مذهب أبي طالب وقال: لقوله في الخبر: لا صلاة، وفي تخريج أحاديث البحر لابن بهران ساق الحديث من رواية علي وفيه:"إنني لم أدرك الصلاة أفأصلي على القبر؟ قال: لا"، وعزاه إلى الشفاء ولم أقف على معنى في هذا في كتب السنة.
(6)
الدارقطني 2/ 78.
(7)
الموطأ 157.
حديث زيد (1) بن ثابت نحوه، وعن أبي سعيد (2) عن ابن ماجه، وفيه ابن لهيعة (3)، وعن عقبة بن عامر عند البخاري (4) وعن عمران بن الحصين عند الطبراني في الأوسط، وعنده أيضًا عن ابن عمر وعن عمر وابن عوف وعن عبد الله بن عامر (5) بن ربيعة عند النَّسائي، وما احتج به منقوض بالصلاة (على)(أ) الميت قبل الدفن، ومتأول أيضًا بأن المراد استقبال الميت فيما عدا صلاة الجنازة كما نهى من (ب) الصلاة على القبر والله أعلم.
وفي الحديث دلالة على ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من مكارم الأخلاق وحسن معاملته ورأفته على المؤمنين الجميع، الشريف منهم والوضيع، وأنه ينبغي للإنسان السؤال عن من قد عرفه وصحبه، وأن الدعاء وسائر القرب تنفع الميت.
423 -
وعن حذيفة رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يَنْهَى عَنِ النَّعْي" رواه أحمد والترمذي وحسنه (6).
(أ) في الأصل وهـ: إلى.
(ب) في جـ: عن.
_________
(1)
ليس من حديث زيد بل حديث يزيد النَّسائيُّ 4/ 70، أحمد 4/ 388.
(2)
ابن ماجه 1/ 490 ح 1533.
(3)
مر في ح 28.
(4)
البخاري 3/ 209 ح 1344.
(5)
ابن ماجه 1/ 189 ح 1529، وليس في النَّسائيّ، انظر تحفة الأشراف 4/ 227 - 229.
(6)
أحمد 5/ 406، الترمذي، الجنائز، باب ما جاء في كراهية النعي 3/ 313 ح 986، ابن ماجه، الجنائز، باب ما جاء في النهي عن النعي 1/ 474 ح 1476، البيهقي 4/ 74، الحديث مداره على: حبيب بن سليم العبسي الكوفي، مقبول. التقريب 63. الجرح والتعديل 3/ 102. التهذيب 2/ 185، وحسن الحديث ابن حجر في الفتح لأن له متابعًا كما هو تعريف المقبول عنده وهو ما يظهر لي 3/ 117.
قوله: "كان ينهى عن النعي"(1) وهو فعيل يراد به المصدر هنا، وقد يقال على الميت نعي وفيه دلالة على تحريم النعي، لأن النهي ظاهر فيه، والمراد به ما كان الجاهلية تصنعه، كانوا يرسلون من يعلن بخبر موت الميت على أبواب الدور والأسواق، قال سعيد بن منصور (2): أخبرنا ابن عُليَّة عن ابن عون قال: قلت لإبراهيم: أكانوا يكرهون النعي؟ (أ) قال: نعم. قال ابن عون: كانوا إذا توفي الرجل ركب رجل دابته ثم صالح في الناس أنعي فلانًا، وبه - (ب أي الإسناد ب) - إلى ابن عون قال: قال (جـ) ابن سيرين (3): لا أعلم بأسًا أن يؤذن الرجل صديقه وحميمه، وحاصله: أن محض الإعلام بذلك لا يكره، فإن زاد على ذلك فلا، وقد كان بعض السلف شدد في ذلك حتى كان حذيفة إذا مات له الميت يقول:"لا تؤذنوا به أحدًا إني أخاف أن يكون نعيا، إني سمعت (د) رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذني هاتين ينهى عن النعي". أخرجه الترمذي وابن ماجه. قال ابن العربي (4): يؤخذ من مجموع الأحاديث ثلاث حالات: الأولى: إعلام الأصحاب وأهل الصلاح، فهذا سنة. الثانية: دعوة الجمع الكبير
(أ) زاد في جـ: يعني الصحابة.
(ب- ب)، (جـ) ساقطة من جـ، هـ.
(د) زاد في جـ: من.
_________
(1)
نعى الميت ينعاه نعيا ونعيا إذا أذاع موته وأخبر به وإذا ندبه 5/ 85.
(2)
الفتح 3/ 117.
(3)
في المصنف نحوه عن إبراهيم 3/ 390.
(4)
نقلها من الفتح 3/ 117 وانظر عارضة الأحوذي.
للمفاخرة، فهذا يكره. الثالثة: الإعلام بنوع آخر كالنياحة ونحو ذلك فهذا يحرم.
424 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه "أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَعَى النَّجَاشِيَّ في اليوم الذي مَاتَ فيه، وخرج بهم إِلى المصلى فَصَفَّ بهم وكبَّر عليه أربعًا". متفق عليه (1).
النجاشي (2) بفتح النون وتخفيف الجيم وبعد الألف شين معجمة ثم ياء كياء النسب مشددة وقيل: مخففة، ورجحه الصنعاني، وهو علم لمن ملك الحبشة، وحكى المطرزي تشديد الجيم عن بعضهم، وهو خطأ، (واسمه أصْحَمة (3) بفتح الهمزة وسكون الصاد المهملة وفتح الحاء المهملة، وقع هكذا في رواية المستملي (4) للبخاري وقال يزيد عن سليم أصحمة (أ)، وتابعه عبد الصمد وقال المصنف (4) -رحمه الله تعالى-: وهكذا وقع في جميع الطرق التي اتصلت لنا من البخاري، يعني: أصحمة بتقديم الحاء على الميم وقع في مصنف ابن أبي شيبة (5) عن يزيد: صحمة بغير ألف
(أ) في هـ: أصمحة.
_________
(1)
مسلم، الجنائز، باب في التكبير على الجنازة 2/ 656 ح 62 - 951، البخاري، وزاد "أربع تكبيرات"، الجنائز، باب الرجل ينعى إلى أهل الميت بنفسه 3/ 116 ح 1245، أبو داود، نحوه الجنائز، باب في الصلاة على المسلم يموت في بلاد الشرك 3/ 541 ح 3204.
(2)
اسمه أصحمة بن أبجر النجاشي، ملك الحبشة معدود في الصحابة وكان ممن حسن إسلامه ولم يهاجر، نعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:"صلوا على أخيكم" تابعي من وجه، صحابيّ من وجه آخر، قلت: ساق الذهبي قصة تملكه لبلد الحبشة. نقلًا عن ابن إسحاق وهي تدل على عقله وله قصة مع وفد قريش في الصحابة الذين آواهم، توفي في رجب سنة تسع. سير أعلام النبلاء 1/ 428 - 443، الإصابة 1/ 177.
(3)
أصحمة بالعربية، عطية، السير 1/ 443 - الإصابة 1/ 177.
(4)
الفتح 3/ 203.
(5)
في مصنف ابن أبي شيبة بالألف 3/ 363.
بالمهملتين وسكون الحاء (1)، وحكى الإسماعيليّ أن في رواية عبد الصمد أنه أصخمة (1) بخاء معجمة وإثبات الألف. قال: وهو (أ) غلط، وحكى (2) الكرمانيّ أصحبة بالباء الموحدة عن بعض النسخ) (ب).
وقوله: "في اليوم الذي مات فيه". هذا علم من أعلام النبوة ومعجزة واضحة، لبعد ما بين المدينة والحبشة (جـ).
وقوله: " (د) خرج بهم إلى (هـ) المصلى"، يحتمل أنه يريد مصلى العيد ويحتمل أن (و) يريد موضعًا معدًا لصلاة (ز) الجنازة ببقيع الغرقد غير مصلى العيد، والأول أظهر وفي خروجه إلى (ح) المصلى احتج به الحنفية على كراهة (صلاة)(ط) الجنازة في المسجد، ولا يصح الاحتجاج به لأنه لم يكن فيه صيغة نهي، ولأن الذي كرهوه إنما هو دخول الميت إلى المسجد، والظاهر أنه إنما خرج قصد، لتكثير الجمع الذين يصلون عليه، ولإشاعة كونه مات على الإسلام.
(أ) في جـ: وهذا.
(ب) بهامش الأصل.
(جـ) في جـ: قدم الحبشة علي المدينة، وقد أشار إلى التقديم والتأخير.
(د) زاد في جـ و.
(هـ) ساقطة من هـ.
(و) في جـ: وهو يحتمل أنه.
(ز) في جـ: للصلاة.
(ح) ساقطة من جـ.
(ط) ساقطة من الأصل.
_________
(1)
الفتح 3/ 203.
(2)
الكرماني 7/ 115.
وقوله: "فصف بهم" في رواية عن جابر ذكرها البخاري (1) تعليقًا ووصلها النَّسائي (2) أنه كان في الصف الثاني.
وفيه دلالة على أن تكثير الصفوف في الجماعة على الجنازة مشروع وإن أمكن الصف الواحد كما في القضاء.
وفي هذه القصة دلالة على شرعية صلاة الجنازة على الغائب مطلقًا، وقد قال بذلك الشافعي وأحمد وجمهور السلف (3)، حتى قال ابن حزم (4): لم يأت عن أحد من الصحابة منعه، وذهب إلي منع الصلاة على الغائب العترة وأبو حنيفة وأصحابه (5) ومالك مطلقًا، وعن بعض أهل العلم: يجوز في اليوم الذي يموت (أ) فيه الميت أو ما قرب منه، لا إذا طالت المدة، وحكاه ابن عبد البر، وقال ابن حبان (6): إنما يجوز ذلك إذا كان الميت في جهة القبلة، قال المحب الطبري: لم أر ذلك لغيره ووجه التفصيل في القولين جميعًا الجمود على قصة النجاشي (ب)، واحتج في البحر للمانعين مطلقًا بقوله صلى الله عليه وسلم:"لا يصلي أحد على موتاكم ما دمت فيكم"(7) وقال (جـ):
(أ) في جـ: مات.
(ب) في جـ: البخاري.
(جـ) في جـ: قالوا.
_________
(1)
البخاري 3/ 186.
(2)
النسائي 4/ 57.
(3)
المجموع 5/ 200، المغني 2/ 512.
(4)
المحلى 5/ 169 - قلت بل حكى الإجماع منهم.
(5)
عمدة القاري 8/ 21، البحر 2/ 117، ورواية عن أحمد، المغني 2/ 512.
(6)
ابن حبان (الإحسان) 5/ 39 - 40.
(7)
انظر الفتح 3/ 187 - 188.
فلو أجيزت على الغائب لم يصل عنه غيره صلى الله عليه وسلم يعني أنه لم يصل على أحد من الغائبين غير النجاشي، فلو كانت تصح على الغائب لصلى على غيره من الغائبين. يعني: والمراد أن ذلك خاص في قصة النجاشي، والجواب عنه بأن هذه الحكاية مثبتة للصلاة على الغائب، وغاية الأمر أنه لم يرو غيرها بأن لكونه لم يجمع بهم إلا فيها، ويحتمل أنه كان يصلي منفردًا أو أن ذلك في حق من قد صلي عليه إنما هو على وجه الندب لسقوط الواجب ومن أين أن غير النجاشي من الغائبين لم يكن قد صلى عليهم، وخص النبيّ صلى الله عليه وسلم بإظهار هذه (أ) الشرعية في هذه القصة تعظيمًا وتنويهًا لشأنه.
والحديث محمول في نهي الغير عن الصلاة على الميت في حق من كان حاضرا في المدينة كما هو الظاهر المتبادر، وبعض المانعين قال: إنه كشف للنبي صلى الله عليه وسلم حتى رآه فيكون حاضرًا عنده ويكفي المؤتمين حضوره بين يدي الإمام، وقد روى هذا الواحدي في أسباب النزول (1) عن ابن عباس بغير، إسناد، ولابن حبان (2) من حديث عمران بن حصين: فقاموا وصفوا خلفه وهم لا يظنون إلا أن جنازة بين يديه، أخرجه من طريق الأوزاعي، ولأبي عوانة (ب) من طريق أبان وغيره، فصلينا خلفه ونحن لا نرى إلا أن الجنازة قدامنا. ويجاب عنه بأن هذا على جهة التظنن، وهو لا يدفع
(أ) في جـ: بهذه.
(ب) زاد في جـ: أنه.
_________
(1)
أسباب النزول عند قوله تعالى: " {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ
…
} [آل عمران: 199] ولفظه: قال جابر ابن عبد الله وأنس وابن عباس وقتادة: نزلت في النجاشي، وذلك لما مات نعاه جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي مات فيه .. "وفيه فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البقيع وكشف له في المدينة إلى أرض الحبشة فأبصر سرير النجاشي، وصلى عليه وكبر أربع تكبيرات".
(2)
ابن حبان (الإحسان) 5/ 40 ح 392.
ما هو الظاهر المحسوس، وقد ورد مثل هذه القصة في حق معاوية بن معاوية الليثي، مات بالمدينة، والنبي صلى الله عليه وسلم في تبوك. فأخبره جبريل، فصلى عليه، أخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب (1) وأخرج أيضًا من حديث أبي أمامة الباهلي (2) مثل هذه القصة في حق معاوية بن مقرن و (أ) أخرج أيضًا عن أنس في ترجمة معاوية بن معاوية المزني، ثم قال بعد ذلك: أسانيد هذه الأحاديث ليست بالقوية، ولو أنها في الأحكام لم يكن في شيء منها حجة، ومعاوية بن مقرن المزني وإخوته النعمان وسويد ومعقل وسائرهم كانوا سبعة معروفين في الصحابة مذكورين في كبارهم وأما معاوية بن معاوية فلا أعرفه بغير ما ذكر في هذه الترجمة (3).
وقال المصنف (4) رحمه الله في الفتح: وقد ذكرت في ترجمة الصحابة أن خبر معاوية بن معاوية الليثي قوي بالنظر إلى مجموع طرقه (5).
وقوله "وكبر عليه أربعًا"، فيه دلالة (ب) على شرعية التكبير على هذا العدد وهو مذهب الجمهور من العلماء وسيأتي مزيد كلام على هذه المسألة.
(أ) الواو ساقطة من جـ.
(ب) زاد في جـ: ليس.
_________
(1)
الاستيعاب 10/ 151 - 156.
(2)
الطبراني في الكبير 8/ 136 - 137 ح 7537، وفيه بقية وقد دلس، مر في ح 12، والبيهقي في دلائل النبوة 5/ 245.
(3)
الاستيعاب 10/ 156.
(4)
الفتح 3/ 188.
(5)
قلت: الطرق التي أوردها كلها إما ضعيفة أو مرسلة، لا تثبت بها حجة هذا الحديث، انظر طرقها في الإصابة 9/ 238 - 239 في ترجمة معاوية بن معاوية المزني الليثي.
425 -
وعن ابن عباس رضي الله عنه (أ): سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَا مِن رجلٍ يموت يموت فيقومُ على جنَازته أربعون رجلًا لا يُشْركون بالله شيئًا، إِلا شفعهم الله فيه". رواه مسلم (1).
في الحديث دلالة على فضيلة تكثير الجماعة على الميت وأن شفاعة المؤمن نافعة مقبولة عند الله تعالى. (وفي رواية: "ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون كلهم مائة (يشفعون)(ب) له (جـ) إلا شفعوا فيه " (2)) (د). وفي رواية: "ثلاثة صفوف" (3)، رواه أصحاب السنن. قال القاضي: قيل هذه الأحاديث خرجت أجوبة لسائلين سألوا عن ذلك فأجاب كل واحد عن سؤاله. هذا كلام القاضي (4)، ويحتمل أن يكون أخبر بقبول شفاعة كل واحد من هذه الأعداد، ولا تنافي بينها (هـ)، إذ مفهوم (و) العدد مطرح به مع وجود النص فحينئذ جميع الأحاديث معمول بها وتحصل الشفاعة بأقلها (5)، والله أعلم.
(أ) زاد في جـ: قال.
(ب) في الأصل: فيشفعون.
(جـ) له: ساقط من هـ.
(د) بهامش الأصل.
(هـ) في هـ: بينهما.
(و) في جـ: مفهومة.
_________
(1)
مسلم، الجنائز، باب من صلى عليه أربعون شفعوا فيه 2/ 655 ح 59 - 948، أبو داود، نحوه، الجنائز، باب فضل الصلاة على الجنائز وتشييعها 3/ 517 ح 1370، ابن ماجه، نحوه، الجنائز، باب ما جاء فيمن صلى عليه جماعة من المسلمين 1/ 477 ح 1489، البيهقي، الجمعة، باب ما يستدل به على أن عدد الأربعين لا تأثير له فيما يقصد به الجماعة 3/ 181، شرح السنة 5/ 381.
(2)
مسلم 2/ 654 ح 58 - 947، الترمذي 3/ 348 ح 1029، أحمد 6/ 97، النسائي 4/ 62 كلهم من رواية عائشة.
(3)
ومن رواية مالك بن هبيرة: الترمذي 3/ 347 ح 1028، أبو داود 3/ 514 - 515 ح 3166، ابن ماجه 1/ 478، أحمد 4/ 30.
(4)
و (5) شرح مسلم 2/ 613.
426 -
وعن سمرة بن جندب قال: "صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة ماتت في نِفاسِها فقام وسَطَها". متفق عليه (1).
قوله "على امرأة ماتت في نفاسها"، يحتمل قوله "في نفاسها" أنها ماتت مدة النفاس أو أنها ماتت بسبب النفاس، فيحتمل على (أ) الأخير أنها ماتت من (ب) النفاس، وقد خرج الجنين، أو ماتت، والجنين في بطنها لما (جـ) يخرج، وقد وقع في بعض طرق الحديث أنها ماتت وهي حامل فيكون مفسرًا لما أبهم في هذه الرواية، ووصف كونها نفاسًا لا مدخل له في الحكم المذكور من القيام (د) وسطها، وإن كان ابن رشيد حكى عن ابن المرابط أن ذلك لينال جنينها حظًّا من استقبال النبيِّ صلى الله عليه وسلم بناء على أنها ماتت حاملًا (2).
وفيه دلالة على أنَّ النفاس وإن كان لها حكم الشهادة، والشهيد لا يصلى عليه فهي يصلى عليها لأن لها حكم الشهادة في أحكام الآخرة فقط.
وقوله "فقام وسطها"، فيه دلالة على أن ذلك المقام مشروع ولكن
(أ) ساقطة من جـ.
(ب) في جـ: في.
(جـ) في هـ: لم.
(د) زاد في جـ: في.
_________
(1)
البخاري، بلفظ "فقام عليها وسطها"، الجنائز، باب أين يقوم من المرأة والرجل 3/ 201 ح 1332، مسلم نحوه، الجنائز، باب أين يقوم الإمام من الميت للصلاة عليه 2/ 664 ح 87 - 964، أبو داود نحوه، الجنائز، باب أين يقوم الإمام من الميت إذا صلى عليه 3/ 536 ح 3195، الترمذي نحوه، الجنائز، باب ما جاء أين يقوم الإمام من الرجل والمرأة 3/ 352 ح 103، النسائي نحوه، الجنائز، الصلاة على الجنازة قائمًا 4/ 57، ابن ماجه، الجنائز، باب ما جاء في أين يقوم الإمام إذا صلى على الجنازة 1/ 479 ح 1493.
(2)
الفتح 3/ 201.
هذا على جهة الاستحباب، وأما الوجوب، فالواجب استقبال جزء من الميت رجلًا كان أم امرأة. واختلف العلماء في حكم الاستقبال في حق الرجل والمرأة، فذهب أبو حنيفة (1) أنهما سواء ففي رواية عنه أنه يستقبل ووسطها لهذا الحديث، وفي رواية عنه حذاء صدرها وعنه عند رأس الرجل ووسطها، وذهب الهادي (2) إلى أنه يستقبل الإمام سرة الرجل، وثدي المرأة لفعل علي (3) رضي الله عنه وهو توقيف.
قال أبو طالب (4): وهو رأي (أ) أهل البيت لا يختلفون فيه، وقال القاسم (5): صدرها وبينه وبين السرة من الرجل، إذْ روي قيامه صلى الله عليه وسلم عند وسطها (ب) ولا بد من المخالفة (جـ) بين الرجل والمرأة، وذهب الشافعي (6) إلى أنه يقف حذاء رأس الرجل وعجيزتها لما أخرجه أبو داود والترمذي (7) عن أنس بن مالك أنه صلى على رجل فقام عند رأسه وصلى على امرأة فقام عند عجيزتها، فقال (د) له العلاء بن زياد: أهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل؟ قال: نعم.
وذهب مالك (8) إلى أنه يستقبل الرأس من الرجل والمرأة من غير تفرقة.
(أ) في جـ: رواية.
(ب) في جـ: صدرها. وفي الأصل تحليق صدرها وهي عبارة سبل السلام.
(جـ) في جـ: مخالفة.
(د) في جـ: وقال.
_________
(1)
الهداية 2/ 126.
(2)
البحر 2/ 123.
(3)
لم أقف عليه في كتب السنة وعزاه ابن بهران إلى الشفاء 2/ 123.
(4)
و (5) البحر 2/ 23.
(6)
قال النووي: السنة أن يقف الإمام عند عجيزة المرأة بلا خلاف. المجموع 5/ 174 ولعله أراد المذهب لأنه ساق رأي أبي حنيفة وغيره.
(7)
أبو داود 3/ 533 ح 3194، الترمذي 3/ 352 ح 1034، وقال: حديث حسن، ابن ماجه 1/ 479 ح 1494.
(8)
ونقل العبدري عن مالك وسط الرجل ومنكبي المرأة. المجموع 5/ 175، وفي بداية المجتهد ليس عند مالك .. حد 1/ 236.
427 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "والله لقد صلَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على ابْنَيْ بَيضَاء في السجد". رواه مسلم (1).
قالت عائشة رضي الله عنها جوابًا لما أنكر عليها صلاتها علي سعد بن أبي وقاص في المسجد، فقالت: "ما أسرع ما نسي الناس، والله لقد صلى رسول الله
…
" الحديث.
ففيه (أ) دلالة على ما ذهب إليه الجمهور، ومنهم الشافعي (2) (ب) وأحمد وإسحاق أنه: لا كراهة ولا منع لصحة الصلاة في المسجد، وذهب أبو حنيفة ومالك (3) على المشهور عنه إلى أنها لا تصح في المسجد، واحتجا على ذلك بخروجه صلى الله عليه وسلم إلى المصلى في الصلاة على النجاشي، وبما (جـ) أخرجه أبو داود:"من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء له"(4)
(أ) في جـ: فيه.
(ب) في هـ: الشافعية.
(جـ) في جـ: ومما.
_________
(1)
مسلم، وفيه قصة الجنائز، باب الصلاة على الجنازة في المسجد 2/ 668 ح 101 - 973 م، أبو داود، الجنائز، باب الصلاة على الجنازة في المسجد 3/ 531 ح 3190، الترمذي، الجنائز، باب ما جاء في الصلاة على الميت في المسجد 3/ 351 ح 1033، النسائي، الجنائز، الصلاة على الجنازة في المسجد 4/ 55، ابن ماجه، الجنائز، باب ما جاء في الصلاة على الجنائز في المسجد 1/ 486 ح 1518.
(2)
المجموع 5/ 162، المغني 2/ 493، وذكر ابن قدامة إذا لم يخف تلويثه.
(3)
الهداية 2/ 128، الكافي 1/ 282، وقال ابن عبد البر: وصلى على ميت في المسجد لم يخرج، قلت: وعدم القسمة هو كراهة التنزيه، أشار إلى ذلك صاحب العناية.
(4)
أبو داود 3/ 531 ح 3191، ابن ماجه 1/ 486 ح 1517 والحديث فيه صالح مولى التوأمة مر في ح 34، وهو صدوق اختلط، وهذا الحديث من رواية ابن أبي ذئب عنه وهو قديم السماع سمع قبل الاختلاط، الكامل 4/ 1374، وقد حسن الحديث ابن القيم في الهدي النبوي وضعفه النووي. ونقل تضعيفه عن الإمام أحمد، وقال: إنه تفرد به صالح مولى التوأمة وهو ضعيف. الهدي 1/ 140، شرح مسلم 2/ 634، نصب الراية 2/ 276.
وأجيب عن ذلك بأن خروجه صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون لإظهار فضيلة المصلى عليه بتكثير الجماعة عليه، وإشاعة موته، ولما في ذلك من المعجزة الواضحة التي يغيظ بها الجاحدين، ويكبت بها الحاسدين والمنافقين، ويزيد المؤمنين بها إيمانًا، وأيضًا فإن الظاهر أن الممنوع إنما هو إدخال الميت المسجد (أ) لا مجرد الصلاة، ولم يكن في الصلاة على النجاشي ذلك، وعلة ذلك إما خشية تنجيس المسجد، أو لكون الميت نجسًا لا يطهر بالغسل، وذلك منتف، وعن الحديث بأنه ضعيف نص أحمد على ضعفه لتفرد صالح مولي التوأمة به وهو ضعيف، وبأنه (ب) في رواية النسخ المشهورة (جـ) من نسخ أبي داود:"فلا شيء عليه". وعلى رواية اللام (د) فهي قد جاءت بمعنى "على"(1) مثل قوله تعالى: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ} (2)، {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} (3)، وذهبت (هـ) الهادوية (4) إلى كراهة إدخال الميت للعلتين المذكورتين، والكراهة للتنزيه.
ويمكن الاحتجاج على طهارة الميت بحديث عائشة إذ لو كان الميت نجسًا لجنب المسجد.
وادعى بعضهم بأن (و) عمل الصحابة استمر على ترك الإنكار لإدخال
(أ) بهامش هـ.
(ب) ساقطة من جـ.
(جـ) في جـ: المشهور
(د) في جـ: الأم.
(هـ) في جـ: وذهب.
(و) في جـ: أن.
_________
(1)
ورد برواية "فلا شيء عليه" عند أبي داود وبرواية "فليس له شيء" عند ابن ماجه.
(2)
الآية 109 من سورة الإسراء.
(3)
الآية 7 من سورة الإسراء.
(4)
البحر 2/ 115.
الميت المسجد، ولأن عائشة لما ردت على المنكرين من الصحابة سلموا (أ) لها ذلك، فدل على أنها حفظت ما نسوه، وقد روى ابن أبي شيبة (1) وغيره أن عمر صلى على أبي بكر في المسجد، وأن صهيبًا صلى على عمر في المسجد (2)، زاد في رواية:"ووضعت الجنازة تجاه المنبر"، وهذا يقتضي الإجماع على جواز ذلك (3).
وأيضًا فإن في ظاهر رواية ابن عمر لصلاته صلى الله عليه وسلم على النجاشي في المصلى أن "المصلى" موضع مخصوص يصلى فيه كما كان للعيد، وقد ثبت أن ذلك المصلى يمنع منه ما يمنع من المسجد كما تقدم في اعتزال الحيض المصلى في العيد، فالظاهر ما ذهب إليه الشافعي والجمهور، وأما ردهم لحديث عائشة بأنه يجوز أن تكون جنازة سهل وسهيل خارج المسجد، وصلى النبيُّ صلى الله عليه وسلم من داخل، فهو بعيد لا سيما مع رد عائشة على من أنكر إدخالها جنازة سعد، والله أعلم.
فائدة: ابنا البيضاء اسمهما سهل (4) وسهيل (5) أبوهما وهب بن ربيعة بن هلال قرشي، كنية سهيل: أبو موسى، وقيل: أبو أمية، أسلم سهيل قديمًا وهاجر إلى الحبشة الهجرتين، وشهد بدرًا والمشاهد كلها، روى عنه
(أ) في جـ: فسلموا.
_________
(1)
ابن أبي شيبة 3/ 364.
(2)
ابن أبي شيبة 3/ 364.
(3)
حكى ابن حجر ذلك ولا يفهم من السياق بعد أن ذكر الخلاف لإجماع الذي هو عدم المخالفة بل يريد الإجماع الذي ينتفي به الحرج على من صلى في المسجد والله أعلم.
(4)
سهل بن بيضاء القرشيّ اشتهر بالنسبة إلى أمه، وأبوه وهب بن ربيعة القرشي كان ممن قام بتقفي الصحيفة التي غالت بها قريش على الرسول صلى الله عليه وسلم كان قديم الإسلام، توفي بالمدينة وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسجد. الإصابة 4/ 269، الاستيعاب 4/ 270.
(5)
وأخوه سهيل هاجر إلى الحبشة ثم هاجر إلى المدينة فجمع بين الهجرتين توفي بالمدينة وكان وفاتهما سنة تسع بعد رجوع الرسول من تبوك. تهذيب الأسماء 1/ 239، الإصابة 4/ 283، الاستيعاب 4/ 283، سير أعلام النبلاء 1/ 384.
عبد الله بن أنيس وأنس بن مالك، مات في حياة النبيِّ صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه من تبوك سنة تسع ولا عقب له.
وسهل ممن كان أظهر إسلامه بمكة وقيل: إنه كان يكتم إسلامه بمكة وخرج مع المشركين إلى بدر، فأُسِر يومئذ فشهد له عبد الله بن مسعود أنه رآه في مكة يصلي فخلى عنه، مات بالمدينة وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، وأمهما البيضاء واسمها دعد، والله أعلم.
428 -
وعن عبد الرحمن بن أبي ليلي: قال: "كان زيدُ بن أَرْقَم يكبر علَى جنَائِزنا أربعًا، وأنه كبر علَى جنَازةٍ خمسًا، فسأله فقال: كان رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يُكَبِّرها". رواه مسلم والأَربعة (1).
وعن علي رضي الله عنه "أنه كبر على سهل بن حنيْف ستًّا، وقال: إنه بَدْرِيٌّ" رواه سعيد بن منصور، وأصله في البخاري (2).
عن جابر: "كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يكبّر علَى جَنائِزنا أرْبعًا ويقرأ بفاتحة (أ) الكتابِ في التَّكْبِيرَة (ب) الأولى". رواه الشافعي بإسناد ضعيف (3).
(أ) في جـ: فاتحة.
(ب) في جـ: التكبير.
_________
(1)
مسلم، الجنائز، باب الصلاة على القبر 2/ 659 ح 72 - 957، أبو داود، الجنائز، باب التكبير على الجنازة 3/ 537 ح 3197، الترمذي، الجنائز، باب ما جاء في التكبير على الجنازة 3/ 343 ح 1023، النَّسائي، نحوه، الجنائز عدد التكبير على الجنازة 4/ 59، ابن ماجه، الجنائز، باب ما جاء فيمن كبر خمسا 1/ 482 ح 1505.
(2)
البخاري (بدون ذكر عدد التكبير) المغازي 7/ 316 ح 4004، المستدرك 3/ 409، ابن أبي شيبة 3/ 114، البيهقي 3694، التاريخ الصغير 45، وذكروا ستا. مجمع الزوائد وعزاه إلى الطبراني الكبير 3/ 34، الطبراني الكبير 6/ 71 ح 5545. قلت: ذكر هنا أن في سنن سعيد بن منصور ستا، وفي الفتح قال خمسًا 7/ 318.
(3)
الشافعي في الأم 1/ 239، المستدرك 1/ 358. وفيه إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الأنصارِي ليس بشيء، مر في ح 9، عبد الله بن محمد بن عقيل صدوق اختلط مر=
عبد الرحمن بن أبي ليلى (1): كنيته أبو عيسى، أبو ليلى اسمه: يسار ويقال: داود بن بلال الأنصاري، ويَسَار بفتح الياء تحتها نقطتان، وتخفيف السين المهملة، ولد عبد الرحمن لست سنين بقيت من خلافة عمر وقتل بدجيل، وقيل: غرق بنهر البصرة، وقيل: فقد بدير الجماجم سنة ثلاث وثمانين في وقعة ابن الأشعث وقيل سنة إحدى وثمانين، وقيل: سنة اثنتين وثمانين، حديثه في الكوفيين، سمع أباه وعلي بن أبي طالب وعثمان بن عفان وسهل بن حنيف وأبا أيوب الأنصاري وزيد بن أرقم والبراء بن عازب، وحذيفة بن اليمان وكعب (أ) بن عُجْرَة وأبا الدرداء وغيرهم، سمع منه الشعبي ومجاهد وعبد الملك بن عمير وعمرو بن مرة وابن سيرين وعمرو بن ميمون ويزيد بن أبي زياد وخلق سواهم كثير، وهم في الطبقة الأولى من تابعي الكوفيين.
وقوله في حديث علي: "على سَهْلِ بن حُنَيْف"(2) هو بالسين المهملة المفتوحة وإسكان الهاء، وحنيف بضم الحاء المهملة وفتح النون وسكون الياء وبالفاء، كنيته سهل أبو سعد، وقيل: أبو سعيد، وقيل: أبو عبد الله، وقيل: أبو الوليد، وقيل: أبو ثابت، أوسي أنصاري، شهد بدرًا وأحُدًا والمشاهد كلها، وثبت مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وصحب عليا بعد النبيِّ واستخلفه علي على المدينة ثم (ب) ولاه فارس، روى عنه ابنه أبو أمامة وعبيد
(أ) ساقطة من جـ.
(ب) في جـ: و.
_________
= في ح 114.
فائدة: حديث جابر ذكر الصنعاني 2/ 196، أنه سقط من نسخة الشارح، والذي في النسخ الموجودة لدي كلها بإثباته.
(1)
الميزان 2/ 584، التهذيب 6/ 260، تاريخ ابن معين 2/ 356، ثقات العجليّ 298.
(2)
الاستيعاب 4/ 275، الإصابة 4/ 273.
ابن السياف، مات بالكوفة سنة ثمان وثلاثين، وصلى عليه علي رضي الله عنه.
(أ) علم أنها وردت أحاديث مختلفة في عدد تكبير الجنازة، فحديث زيد بن أرقم هذا المذكور هنا في تكبير الأربع، وأخرج عنه ابن عبد البر أنه كبر على أبي شريحة الغفاري أربعًا، وأخرج الحاكم في المستدرك (1) عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه أخبره رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن السنة في الجنازة أن يكبر الإمام ثم (ب) يصلى على النبيِّ صلى الله عليه وسلم ويخلص الدعاء في التكبيرات الثلاث ثم يسلم تسليمًا خفيفًا، والسنة أن يفعل من وراءه مثله، قال الزهريّ: سمعه ابن المسيب منه فلم ينكره لمحمد بن سويد فقال: وأنا سمعت الضحاك بن قيس يحدث عن حبيب بن سلمة في صلاة صلاها على الميت مثل الذي حدثنا أبو أمامة، وروى الحاكم (2) من حديث أنس:"كبرت الملائكة على آدم أربعًا" وأخرج الحاكم (3) من حديث ابن عباس "آخر ما كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجنائز أربعًا" وقال الحاكم: ليس هذا من شرط الكتاب، ورواه البيهقي، وقال: تفرد (جـ) به
(أ) زاد في جـ: و.
(ب) في جـ:
و (جـ) في ب: انفرد.
_________
(1)
الحاكم 1/ 360، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. الأم 1/ 239، البيهقي 4/ 39، من طريق رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرجه ابن الجارود 189 ح 540، والنَّسائي 4/ 61 من طريق أبي أمامة بن سهل وهو معدود في الصحابة له رؤية ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم التقريب 31. وإسناده صحيح، وصححه ابن حجر في الفتح، وابن الملقن في التحفة، والألباني في الإرواء 3/ 204، 1/ 595، 3/ 180.
(2)
الحاكم 1/ 385، قال الذهبي: فيه مبارك بن فضالة، ليس بالحجة مر في ح 60.
(3)
الحاكم 1/ 386، الدارقطني 2/ 71 - 72، مجمع الزوائد وعزاه إلى الطبراني في الأوسط 3/ 35، البيهقي 4/ 37، قال الحاكم: لست ممن يخفى عليه أن الفرات بن السائب ليس من شرط هذا الكتاب وإنما أخرجته شاهدًا، ومر في ح 79.
النضر بن عبد الرحمن، وهو ضعيف (1). وروي هذا اللفظ من وجوه أخر كلها ضعيفة (2)، عن ابن عباس (3) من طريق محمد بن معاوية النيسابوري (4)، وقد قال فيه أحمد: روى أحاديث موضوعة هذا منها، ومن طريق محمد بن زياد الطحان (5)، وقال فيه أحمد: كان يضع الحديث، وعن ابن عمر من طريق ابن شاهين (6) وفيها زافر بن سليمان عن أبي العلاء وقد خالفه غيره (7)، ومن طريق الحارث بن أبي أسامة، وأخرج البيهقي (8) عن (أ) سعيد بن المسيب أن عمر قال: كل ذلك قد كان (ب) أربعًا أو خمسًا، فاجتمعنا على أربع، ورواه أيضًا ابن (جـ) المنذر من طريق أخرى، وروى البيهقي (9) أيضًا (د) عن أبي وائل قال: "كانوا يكبرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعًا وخمسًا وستًّا وسبعًا، فجمع عمر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر كل رجل منهم بما رأى فجمعهم عمر على أربع تكبيرات.
(أ) في جـ: و.
(ب) في هـ: ذلك قد كان، وفي جـ: كل ذلك كان.
(جـ) في جـ: عن.
(د) ساقطة من جـ.
_________
(1)
النضر بن عبد الرحمن، أبو عمر الحزاز ضعفوه جدا. المغني للذهبي 2/ 698.
(2)
التلخيص 2/ 128.
(3)
عزاه في البدر إلى علل الخلال 4/ 243.
(4)
محمد بن معاوية النيسابوري كذبه الدارقطني، المغني في الضعفاء 2/ 634.
(5)
محمد بن زياد اليشكري الميموني الطحان قال أحمد: كذاب، أعور، يضع الحديث وقال الدارقطني وأبو زرعة: كان يكذب الحديث، ميزان الاعتدال 3/ 552 - 553.
(6)
الناسخ والمنسوخ لابن الجوزي.
(7)
قال في التلخيص، ولا يثبت فيه شيء 2/ 128.
(8)
سنن البيهقي 4/ 37.
(9)
سنن البيهقي 4/ 37، مصنف عبد الرزاق 3/ 479 - 480 ح 6395.
ومن طريق إبراهيم النخعي (1): اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت ابن مسعود، فاجتمعوا على أن (أ) التكبير على الجنازة أربع، روي بسنده إلى الشعبيّ (2) صلى ابن عمر على زيد بن عمر وأمه أم كلثوم بنت علي فكبر أربعا، وخلفه ابن عباس والحسين بن علي وابن الحنفية بن علي، قال: وممن (3) روينا عنه الأربع ابن مسعود وأبو هريرة وعقبة بن عامر والبراء بن عازب وزيد بن ثابت وغيرهم، وأخرج ابن عبد البر عن علي خيثمة "كان النبي صلى الله عليه وسلم يكبر على الجنائز أربعًا وخمسًا وسبعًا وثمانيًا حتى جاء موت النجاشي، فخرج إلى المصلى وصف الناس وراءه وكبر عليه أربعا، ثم ثبت النبي صلى الله عليه وسلم على أربع حتى توفاه الله عز وجل"، وأخرج ابن أبي شيبة والطحاوي والدارقطني (4) من طريق عبد خير قال: كان على يكبر على أهل بدر ستا وعلى الصحابة خمسًا وعلى سائر المسلمين أربعًا.
وحديث جابر المذكور هنا في الأصل أخرجه الشافعي، وفي إسناده محمد بن عقيل (5)، وروى الطبراني في الأوسط (6) من طريق ابن لهيعة عن جابر مرفوعًا: "صلوا على موتاكم بالليل والنهار والصغير والكبير
(أ) ساقطة من هـ.
_________
(1)
الآثار لمحمد بن الحسن 40، مسند علي بن الجعد 1/ 429، قال الزيلعي: فيه انقطاع بين عمر وإبراهيم 2/ 268.
(2)
البيهقي 4/ 38، وفي سنن النَّسائي أن الإمام سعيد بن العاص وفي الناس ابن عمر وأبو هريرة وأبو سعيد وأبو قتادة ولم يذكر التكبير 4/ 58.
(3)
البدر 2/ 243، وذكر الخلفاء الأربعة وجملة من الصحابة يكبرون أربعًا، التلخيص 2/ 129.
(4)
ابن أبي شيبة 3/ 115، الدارقطني 2/ 73، الطحاوي 287، البيهقي 4/ 37.
(5)
في الإسناد عبد الله بن محمد بن عقيل، مر في ح 114.
(6)
مجمع الزوائد عزاه إلي الطبراني في الأوسط 3/ 35.
والدنئ والأمير أربعا" تفرد (أ) به عمرو بن هشام عن ابن (ب) لهيعة (1).
وفي الصحيحين عن ابن عباس (2) بلفظ "صلى على قبر وكبر أربعا".
وأخرج ابن ماجه (3) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على الجنازة فكبر أربعا، قال ابن أبي داود (4): ليس في الباب أصح منه.
وورد في الخمس التكبيرات ما تضمنه (جـ) الأحاديث التي مرت، فذهب إلي الاقتصار على الأربع الجمهور من السلف والخلف و (د) منهم: الفقهاء الأربعة (5) ورواية عن زيد بن علي، وذهب إلى زيادة التكبيرة الخامسة العترة جميعا كما رواه في البحر (6)، وهو منقوض بالرواية عن على رضي الله عنه (هـ) وزيد بن علي، ورواه أيضًا عن أبي ذر وزيد بن أرقم وقد عرفت حديث زيد بن أرقم أنه فعل الأمرين جميعا وظاهره التخيير والسعة في الأمر، وروي فيه أيضًا عن محمد ابن الحنفية وابن أبي ليلى، ورواه في المبسوط للحنفية عن أبي يوسف محتجين بحديث زيد بن أرقم، ولا حجة فيه كما عرفت، وبما (و) روي عن علي أنه كبر على فاطمة
(أ) في جـ: انفرد.
(ب) في جـ: أبي: وهو تصحيف.
(جـ) في جـ: ما تضمنته.
(د) الواو ساقطة من جـ.
(هـ) زاد في هـ: ورواية.
(و) في جـ: ولما.
_________
(1)
ابن لهيعة. مر في ح 28.
(2)
البخاري 3/ 186 ح 1319، مسلم 2/ 658 ح 68 - 954.
(3)
ابن ماجه 1/ 499 ح 156 وليس فيه "فكبر أربعًا"، وفي التلخيص كرواية الشارح 2/ 721.
(4)
التخليص 2/ 127.
(5)
المجموع 5/ 180، الكافي 2/ 276، المغني 2/ 485، الهداية 2/ 131 - 124.
(6)
البحر 2/ 118.
رضي الله عنها خمسًا (1)، وعن الحسن أنه كبر على أبيه رضي الله عنهما خمسًا، وعن ابن الحنفية أنه كبر على ابن عباس رضي الله عنهم خمسًا، ورواية أربع متأولة بأنها ما عدا تكبيرة الافتتاح، وهو بعيد.
(وقد روي مثل هذا التأويل عن أنس لما كبر ثلاثًا قال: أو ليس التكبير ثلاثًا؟ فقيل له: يا أبا حمزة التكبير أربع، قال: أجل غير أن واحدة هي افتتاح الصلاة (2) رواه ابن عليه مسندًا) (أ) وروي في البحر (3) عن ابن مسعود أن التكبير تسع وسبع وخمس وأربع، قال: فكبروا ما كبر الإمام، ورفعه (4) إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم وروي عن أنس وابن عباس أن التكبير ثلاث، وأجاب عن ذلك بأنه اجتهاد (ب) لهما، وقد أخرج عبد الرزاق (5) أن أنسًا انصرف ناسيا فقيل له: فعاد وصف بهم وكبر الرابعة.
ويمكن الجمع بين الروايتين بأن الراوي للثلاث لعله اختصر في الرواية أو لم يطلع على التتميم المذكور.
وأقول: لو قيل بتوسعة الأمر فيما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله لكان أولى، وهذا يفهم من حديث زيد بن أرقم. والله أعلم.
(أ) بهامش الأصل.
(ب) زاد في جـ: و.
_________
(1)
لم أقف على شيء في هذا، ولكن ابن بهران عزاه إلى الشفاء وأصول الأحكام 2/ 118.
(2)
أخرجه سعيد بن منصور، تغليق التعليق 2/ 481.
(3)
البحر 2/ 119.
(4)
مجمع الزوائد، وعزاه إلى الطبراني في الأوسط 2/ 35 قال: وفيه عطاء بن السائب وهو حسن الحديث، قلت: اختلط فيفرق بين ما قبل الاختلاط وبعده. مر في ح 381.
(5)
المصنف 4/ 486 ح 6417.
429 -
وعن طلحة بن عبد الله قال: "صلَّيتُ خلفَ ابن عباس رضي الله عنه على جنازة فقرأ فاتحة الكتاب، فقالَ: لتَعلَمُوا أنَّها سُنّةٌ". رواه البخاري (1)، وَأخرجه ابن خزيمة في صحيحه والنَّسائي جميعًا بلفظ: فأخذت بيده فسألته عن ذلك فقال: نعم يا ابن أخي إنه حق وسنة، وللحاكم بلفظ:"فسألته، فقلت: يقرأ (أ) فقال: نعم إنه حق وسنة". وأخرج الترمذي بلفظ: فقال: إنه من السنة أو من تمام السنة.
وأخرج النَّسائي (2) أيضًا من طريق أخرى بلفظ: فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة وجهر حتى أسمعنا، فلما فرغ أخذت بيده، فسألته فقال: سنة وحق.
وللحاكم من طريق ابن عجلان، أنه سمع سعيد بن أبي سعيد يقول: صلى ابن عباس على جنازة فجهر بالحمد ثم قال: إنما جهرت لتعلموا أنها (ب) سنة (3).
وأخرج الحاكم (4) أيضًا من طريق شرحبيل بن [سعد](جـ) عن ابن
(أ) في جـ: فقرأ.
(ب) في جـ: بأنها.
(جـ) في النسخ سعيد والتصحيح من الحاكم، انظر ترجمة شرحبيل.
_________
(1)
البخاري، بلفظ "بفاتحة الكتاب قال: الجنائز، باب قراءة فاتحة الكتاب على الجنازة 3/ 23 ح 1335، أبو داود، نحوه، باب ما يقرأ على الجنازة 3/ 537 ح 3198، الترمذي، الجنائز، باب ما جاء في القراءة على الجنازة بفاتحة الكتاب 3/ 346 ح 1027، النَّسائي نحوه، الجنائز، باب الدعاء 4/ 61، أحمد 4/ 367.
(2)
النسائي 4/ 61.
(3)
الحاكم 1/ 358.
(4)
الحاكم 1/ 359.
عباس أنه صلَّى على جنازة بالأبواء فكبر ثم قرأ الفاتحة رافعًا صوته، ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: اللهم عبدك وابن عبدك، أصبح فقيرًا إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه، إنّ كان زاكيًا فزكه، وإن كان مخطئًا فاغفر له، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده، ثم كبر ثلاث تكبيرات (أ) ثم انصرف فقال: أيها الناس: إني لم أقرأ عليها جهرًا إلا لتعلموا أنها سنة، ثم قال الحاكم: شرحبيل لم يحتج به الشيخان، وإنما أخرجه لأنه مفسر للطريق المتقدمة (ب) انتهى. وشرحبيل (1) مختلف في توثيقه، وقد روى الترمذي (2) عن ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب" قال: ولا يصح هذا، والصحيح عن ابن عباس، قوله من السنة، ولكنه في حكم المرفوع عند المحققين من أهل الأصول، وقد تقدم رفع القراءة من حديث جابر.
وروى ابن ماجه (3) من حديث أم شريك قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب، وفي إسناده ضعف (4) يسير.
(أ) في هـ: تكبيرات ثلاث.
(ب) في جـ: المتقدم.
_________
(1)
شرحبيل بن سعد أبو سعيد المدني، مولى الأنصار، صدوق اختلط، قال الدارقطني: ضعيف يعتبر به، قال أبو زرعة، مديني فيه لين، وثقة ابن معين وضعفه. تهذيب الكمال 2/ 576، التقريب 144، الكواكب النيرات 472.
(2)
الترمذي 3/ 346 ح 1027.
(3)
ابن ماجه 1/ 479 ح 1496.
(4)
في إسناده شهر بن حوشب، مر في ح 24.
والحديث يدل على مشروعية قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة بل على الوجوب، فإن (أ) في قول ابن عباس: من السنة، يدل على الوجوب إذ السنة المراد بها الطريقة المألوفة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في وقوعها في غير الواجب إنما هو في عرف الفقهاء.
وقوله: "حق" أي ثابت يؤكد ذلك، وأما حديث أم شريك فظاهر في الوجوب، إذ قولها: أمرنا حقيقة في الوجوب، وقد ذهب إلى وجوبها الشافعي (1) وأحمد وغيرهما من السلف والخلف، وذهب أبو حنيفة وأصحابه ومالك وجماعة الكوفيين إلى عدم مشروعية (2) القراءة، قالوا: لقول ابن مسعود (3): لم يؤقت رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة في صلاة الجنازة، بل قال: كبر إذا كبر الإمام واختر من أطيب الكلام ما شئت. رواه في الانتصار (4)، وذهب الهادي (5) والقاسم والمؤيد إلى أن القراءة سنة، قالوا: لقول ابن عباس: سنة، وقد عرفت الجواب عنه، وأيضًا فإنهم متفقون على أنها صلاة، وصحة حديث:"لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب"(6) فهي مندرجة تحت ذلك العموم، وإخراجها يحتاج إلى دليل، وأما حديث ابن
(أ) في جـ: وأن.
_________
(1)
المغني 2/ 485. المجموع 5/ 182.
(2)
المغني 2/ 485. المجموع 5/ 182.
(3)
الهداية 1/ 92. وقالوا: يكبر ويحمد الله عقب ذلك، وقال صاحب شرح فتح القدير: لا يقرأ الفاتحة إلا أن ينوي الثناء لأنها لم تثبت. وقوله: لم تثبت مردود بالنصوص الثابتة. الكافي 1/ 276.
(4)
كذا في تخريج ابن بهران لأحاديث البحر 2/ 120، وعند البزار عن ابن مسعود لا وقت ولا عدد في الصلاة على الجنازة، مجمع الزوائد 3/ 34.
(5)
البحر 120/ 2.
(6)
تقدم تخريجه في ح 213.
مسعود إذا ثبت (1)، فهو نَافٍ، وما تقدم مثبت، والمثبت أولى كما عرفت.
وفي حديث شرحبيل دلالة على صحة الجمع بين القراءة (2) والدعاء وقد ذهب إلى هذا الهادي والقاسم، وذهب (أ) الشافعي وأحمد (3) وإسحاق وداود ومن الصحابة ابن الزبير أنه لا يجمع بين القراءة والدعاء، وإنما يقرأ الفاتحة حتما بعد التكبيرة الأولى، ثم يكبر ويصلى على النبيِّ صلى الله عليه وسلم حتما لقوله:"لا صلاة لمن لم (ب) يصلّ على نبيه"(4)، ثم يدعو، ثم يكبر، ثم يدعو للميت حتما لقوله صلى الله عليه وسلم:"فأخلصوا له الدعاء"(5) والله أعلم.
430 -
وعن عَوف بن مالك رضي الله عنه قال: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت من دعائه: اللهم اغفر له، وارحمه، وعافه، واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارًا خيرًا من داره، وأهلا خيرًا من أهله، وأدخله الجنة وقهِ فتنة القبر،
(أ) في جـ: ومذهب.
(ب) في جـ: لا.
_________
(1)
قلت: كان موقف المؤلف عدم الاطمئنان إلى أحاديث الانتصار، لأنه لم يكتف بتخريجه بل علق الحكم على ثبوته، والله أعلم.
(2)
البحر 2/ 120.
(3)
هذه صفة الصلاة عند الإمام أحمد والشافعي. المغني 2/ 485 - 487، المجموع 5/ 182 - 188.
(4)
أورده صاحب البحر ولم يخرجه ابن بهران في تخريج أحاديثه 2/ 121.
(5)
أبو داود 3/ 538 ح 3199، ابن ماجه 1/ 48 ح 1497، ابن حبان (موارد) 192 ح 754، والحديث فيه ابن إسحاق، وصرح بالسماع عند ابن حبان.
وعذاب النار". رواه مسلم (1).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذا صلَّى على جنازة يقول: اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإِسلام ومن توفيته منا فتوفه على الإِيمان، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده". (2) رواه مسلم والأربعة.
وعنه: أن النبيَّ (أ) صلى الله عليه وسلم قال: "إذا صليتُم على الميت فأخلصوا له الدعاءَ" رواه أبو داود، وصححه ابن حبان (2).
(أ) في جـ: أنه.
_________
(1)
مسلم بلفظه إلا أنه قال: "واعفه من عذاب القبر" وفي الرواية الأخرى عند مسلم آخره "وقه فتنة القبر وعذاب النار"، الجنائز، باب الدعاء للميت في الصلاة 2/ 662 - 663 ح 85 - 963، النَّسائي، نحوه، الجنائز الدعاء 4/ 60، ابن ماجه، نحوه الجنائز، باب ما جاء في الدعاء في الصلاة على الجنائز 1/ 481 ح 1500، الترمذي مختصرًا، الجنائز، باب ما يقول في الصلاة على الميت 3/ 45 ح 1025، أحمد نحوه 6/ 23.
(2)
أبو داود، نحوه، الجنائز، باب الدعاء للميت 3/ 539 ح 3201، الترمذي، بلفظه، ولم يأت بجملة (اللهم لا تحرمنا .. إلخ) الجنائز، باب ما يقول في الصلاة على الميت 3/ 344 ح 1024، ابن ماجه، الجنائز، باب ما جاء في الدعاء في الصلاة على الجنازة 1/ 480 ح 1498، النسائي في اليوم والليلة، أحمد 2/ 368، ابن حبان 192 ح 757، الحاكم 1/ 358، البيهقي 4/ 41، وهذا الحديث ليس في مسلم كما أشار صاحب البلوغ. وخرجه في التلخيص ولم يذكر مسلمًا وكذلك ابن الملقن في البدر، الحديث اختلف في وصله وإرساله وذكر ابن أبي حاتم في العلل أنه قال: سألت أبي عن حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: الحفاظ لا يذكرون أبا هريرة إنما يقولون: أبو سلمة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مرسلًا. العلل 1/ 354 ح 1047 وقال في موضع آخر: لا يقول أبو هريرة ولا يوصله بذكر أبي هريرة إلا غير متقن والصحيح مرسل، العلل 1/ 357 ح 1058، وقال الترمذي: قال البخاري: أصح هذه الروايات رواية أبي إبراهيم الأشهلي عن أبيه مرفوعًا، قلت: وهي عند الترمذي وأحمد والنسائي في اليوم والليلة. التلخيص 2/ 130، البدر 4/ 245، علل ابن أبي حاتم 10/ 357، 1/ 354 ح 1058، 1047، وللحديث شاهد من حديث عائشة عند =
قوله: "فحفظت من دعائه" يحتمل أنه مسألة فأخبره بما دعا، فلا ينافي ما صرح به الفقهاء من أنه يندب الإسرار به، وبعضهم فَصَّل فقال: يسر في النهار ويجهر في الليل، ويحتمل أنه جهر بذلك ليعلمهم الدعاء كما فعل ابن عباس، ويحتمل أن يقال بتوسعة الأمر وأنه يسوغ الجهر والإسرار، ولعل هذا أولى.
واعلم أنه لا يتعين في الدعاء لفظ مخصوص، وقد نبه عليه في قوله (أ): فأخلصوا (ب) له (جـ) الدعاء، واتباع ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم -أولى، وأصح الوارد حديث (د) عوف بن مالك (1) وكذا حديث أبي هريرة، قال الحاكم أبو عبد الله (2): حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم، وقد وقع في ألفاظ الوارد بعض اختلاف، ففي رواية (3) لمسلم:"وقه فتنة القبر وعذاب القبر"، وكذا وقع في رواية أبي داود (4)" فأحيه على الإيمان وتوفه على الإسلام"، والمشهور في معظم كتب الحديث كما في الأصل، وفي سنن أبي داود (5) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في الصلاة على
(أ) في جـ: بقوله.
(ب) في هـ: وأخلصوا.
(جـ) زاد في جـ: في.
(د) زاد في جـ: ابن.
_________
= الحاكم 1/ 358 - 359 ومن حديث أبي قتادة عند أحمد والبيهقي 5/ 299، 4/ 40 ومن حديث ابن عباس عند الطبراني في الكبير قال الهيثمي: إسناده حسن. مجمع الزوائد 3/ 33.
(1)
مر تخريجه في الحديث ح 439.
(2)
الحاكم 1/ 359.
(3)
مسلم 2/ 663 ح 86 - 963 م.
(4)
أبو داود 3/ 539 ح 3201.
(5)
أبو داود 3/ 538 - 539 ح 3200، والبيهقي 4/ 42، ومصنف ابن أبي شيبة 3/ 292 وفي سنده علي بن سماح. قال الحافظ في التقريب: مقبول 246 وله متابع عند عبد الرزاق 3/ 487.
الجنازة: "اللهم أنت ربها، وأنت خلقتها، وأنت هديتها للإسلام وأنت قبضت روحها، وأنت أعلم بسرها وعلانيتها، جئنا شفعاء له فاغفر له".
وفي سنن أبي داود (1) وابن ماجه عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل من المسلمين، فسمعته يقول: اللهم إن فلان ابن فلان في ذمتك، وحبل جوارك، فقه فتنة القبر (أ) وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحمد، اللهم فأغفر له، وارحمه، فإنك أنت الغفور الرحيم". واختار الشافعي (2) -رحمه الله تعالى- من مجموع هذه الأحاديث وغيرها فقال: يقول: اللهم هذا عبدك وابن عبدك خرج من روح الدنيا وسعتها، ومحبوبها وأحباؤه (ب) فيها إلى ظلمة القبر، وما هو لاقيه، كان يشهد أن لا إله إلا أنت وأن محمدًا عبدك ورسولك، وأنت أعلم به، اللهم (جـ) نزل بك وأنت خير منزول به، وأصبح فقيرًا إلى رحمتك، وأنت غني عن عذابه، وقد جئناك راغبين إليك شفعاء له، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه، وإن كان مسيئًا فتجاوز عنه، ولقه برحمتك ورضاك، وقه فتنة القبر وعذابه، وأفسح له في قبره، وجاف الأرض عن جنبيه، ولقه برحمتك (د) الأمن من عذابك حتى تبعثه
(أ) زاد في جـ: وعذاب القبر.
(ب) في هـ: وأحبائه.
(جـ) زاد في جـ: إنه.
(د) ساقطة من جـ.
_________
(1)
أبو داود 3/ 540 ح 3202، ابن ماجه 1/ 480 ح 1499، أحمد 3/ 491، وابن حبان (موارد) 193 ح 758 قلت: وسنده صحيح.
(2)
الأم 1/ 251 - 252.
إلى جنتك برحمتك (أ) يا أرحم الراحمين، هذا نص الشافعي في مختصر (1) المزني، وبعد التكبيرة الرابعة لا يجب فيها ذكر عنده ولكن يستحب ما نص عليه في كتاب (2) البويطي قال: ويقول بعد الرابعة: اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده. وقال أبو علي بن (ب) أبي (3) هريرة من أصحاب الشافعي: كان المتقدمون يقولون في الرابعة: اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. قال (4): وليس ذلك محكيًا عن الشافعي. قال النووي (5) في الأذكار: ويحتج للدعاء في الرابعة بما رويناه في السنن الكبير للبيهقي عن عبد الله بن (6) أبي أوفى رضي الله عنه أنه كبر على جنازة ابنة له أربع تكبيرات، فقام (ب) بعد الرابعة بقدر ما بين التكبيرتين يستغفر لها ويدعو، ثم قال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع هذا"، وفي رواية كبر أربعًا فسكت (د) ساعة حتى ظننت أنه سيكبر خمسًا ثم سلم عن يمينه وعن شماله، فلما انصرف قلنا له: ما هذا؟ فقال: إني لا أزيدكم على ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع، وهكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم
(أ) مثبتة بالهامش في جـ.
(ب) في جـ: عن.
(جـ) زاد في جـ: فقال.
(د) في جـ: ثم سكت.
_________
(1)
وهو في الأم، باب التكبير على الجنائز 1/ 251.
(2)
المهذب مع المجموع 5/ 177.
(3)
المجموع 5/ 189.
(4)
صاحب الحاوي من الشافعية فإنه ساقه بعد كلام علي انظر المرجع السابق.
(5)
الأذكار 144.
(6)
البيهقي 4/ 42، أحمد 4/ 383، ابن ماجه 1/ 482 ح 1503 وفي إسناده إبراهيم بن مسلم الهجري الكوفي، أبو إسحاق، لين الحديث. التقريب 23 المغني في الضعفاء 1/ 26.
قال الحاكم أبو عبد الله: هذا حديث (1) صحيح. انتهى، وعند الهادي (2) والقاسم -رحمة الله عليهما- يندب (أ) الجمع بين القراءة والذكر فيكبر الأولى ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، ثم يقرأ الفاتحة، ثم يكبر الثانية فيقول: اللهم صل على محمد عبدك ورسولك وخيرتك من خلقك وعلى آل بيته الطيبين الأطهار، الصادقين الأبرار الذين أذهب الله عنهم الرجس، وطهرهم تطهيرًا. كما صليت على إبراهيم و (ب) آل إبراهيم إنك حميد مجيد، ثم يقرأ الإخلاص، ثم يكبر الثالثة فيقول: اللهم صل على ملائكتك المقربين، اللهم شرف بنيانهم وعظم أمرهم، اللهم صل على أنبيائك المرسلين اللهم أحسن (جـ) جزاءهم، وارفع عندك درجاتهم، اللهم شفع محمدًا في أمته واجعلنا ممن تشفعه فيه، اللهم اجعلنا في زمرته، وأدخلنا في شفاعته، واجعل مأوانا الجنة، ثم يقرأ سورة العلق ثم يكبر الرابعة فيقول: سبحان من سبحت له السماوات والأرضون، سبحان ربنا الأعلى، سبحانه وتعالى، اللهم هذا عبدك وابن عبديك، وقد صار إليك، وقد أتيناك مستشفعين له سائلين له المغفرة فاغفر له ذنوبه وتجاوز عن سيئاته وألحقه بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم اللهم وسع
(أ) في جـ: فيندب.
(ب) زاد في جـ: على.
(جـ) في جـ: حسن.
_________
(1)
الحاكم 1/ 360. قال الذهبي، ضعفوا إبراهيم.
(2)
البحر 2/ 120.
عليه قبره وأفسح (أ) له أمره، وأذقه عفوك ورحمتك، يا أكرم الأكرمين (ب)، اللهم ارزقنا حسن الاستعداد لمثل يومه ولا تفتنا بعده واجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك (جـ)، ثم يكبر الخامسة ثم يسلم (1).
قال الهادي (2): وإذا اضطر المصلي بالصلاة على فاسق لعنه فيها، وإذا صلي علي ملتبس الحال قال في الدعاء: اللهم إن كان محسنًا فزده إحسانا (د)، وإن كان مسيئا فأنت (هـ) أولى بالعفو عنه.
وإن كان الميت طفلا صغيرًا قال (و) اللهم اجعله لنا، ولوالديه ذخرًا وسلفًا وفرطًا وأجرًا.
431 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أسرعوا بالجنازة، فإِن تكن صالحة تقدمونها إِليه، وإِن تك (ز) سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم". متفق عليه (3).
(أ) في جـ: وفسح.
(ب) في جـ: يا أرحم الراحمين، وفي هـ: يا أرحم كرم الأكرمين.
(جـ) في جـ: لقائك.
(د) في جـ: فزد في إحسانه.
(هـ) في جـ: أنت.
(و) ساقطة من جـ.
(ز) في الأصل وهـ: يكن.
_________
(1)
البحر 2/ 120 - 121.
(2)
البحر 1/ 121، واللعن لا ينبغي بل يدعو له بالمغفرة والرضوان فقد أفضى إلى ما قدم.
(3)
البخاري، بلفظ (تك)، الجنائز، باب السرعة في الجنائز 18293، 183 ح 1315، مسلم، بلفظ:(عليه وإن تكن غير ذلك)، الجنائز، باب الإسراع بالجنازة 2/ 651 ح 50 - 944، أبو داود، الجنائز، باب الإسراع بالجنازة 3/ 523 ح 3181، الترمذي، الجنائز، باب ما جاء في الإسراع بالجنازة 3/ 335 ح 1015، النَّسائي. الجنائز، باب السرعة بالجنازة 4/ 34، ابن ماجه، الجنائز، باب ما جاء في شهود الجنائز 1/ 474 ح 1477.
قوله: "أسرعوا بالجنازة"(أ)، يحتمل الإسراع بتجهيزها ولا يناسبه قوله "فإن تكن .. " إلخ ويحتمل الإسراع عند الحمل لها، وهو الأنسب، إلا أن الوجه الأول يناسبه حديث ابن عمر:"إذا مات أحدكم فلا تحبسوه، وأسرعوا به إلى قبره"(1)، أخرجه الطبراني بإسناد حسن، وحديث حصين بن وحوج مرفوعًا:"لا ينبغي لجيفة مسلم أن تبقى بين ظهراني أهلها" أخرجه أبو داود (2) إلا أنه لا تنافي بين الأمر (ب) بالشيئين، وإن كان أحدهما أخص، والأمر هنا للندب بلا خلاف بين العلماء (3) إلا ابن حزم (4) فقال بوجوبه، والمراد بالإسراع هنا المشي الشديد، وهو دون الخبب، كذا قالت (جـ) الحنفية (5)، وعن الشافعي (6) المراد به ما فوق المشي المعتاد، والحاصل، أنه يستحب الإسراع بحيث لا ينتهى إلى شدة يخاف معها حدوث مفسدة بالميت أو مشقة على الحامل (د).
والضمير في قوله: "فإن تكن صالحة"(عائد)(هـ) إلى الجثة المحمولة،
(أ) زاد في جـ: و.
(ب) في جـ: الأخذ.
(جـ) في هـ: قاله.
(د) بهامش الأصل.
(هـ) في جـ: عائدة.
_________
(1)
بهذا اللفظ في الفتح والذي في الطبراني الكبير (من مات بكرة فلا يقيلن إلا في قبره ومن مات عشية فلا يبيتن إلا في قبره) مجمع الزوائد 3/ 20، وقال الهيثمي: فيه الحكم بن ظهير وهو متروك.
(2)
أبو داود 3/ 510 ح 3159 وفيه قصة.
(3)
حكى ذلك ابن قدامة في المغني 2/ 472.
(4)
المحلى 5/ 154.
(5)
الهداية 2/ 135، وحكى النووي مثله عن الشافعي والأصحاب، المجموع 5/ 222.
(6)
الفتح 3/ 184.
إذا كانت الجنازة مرادًا بها النعش، وإن كانت مرادًا بها الميت فالضمير إليها، وهو الظاهر لعدم الحاجة إلى ارتكاب التجوز في الخير، وخير خبر مبتدأ محذوف أي فهو خير، أو مبتدأ محذوف الخبر، أي فلها (أ) خير.
و (ب) قوله: "تقدمونها إليه"، وفي رواية:"تقدمونه (1) إليها"، فعلى الوجه الأول الظاهر عود ضمير (جـ) تقدمونها إلى الجنازة، والضمير في إليه إلى الخير، ويحتمل أن يكون الضمير المؤنث عائدًا إلى الخير بتأويل الحسنة، فتطابق الروايتان حينئذ (2).
والحديت فيه دلالة على شرعية المسارعة إلى تجهيز الميت ودفنه وهو مخصوص بمن لم يتحقق موتهم، كالمفلوج والمطعون والمسبوق (د) فينبغي التثبت في أمرهم وعدم الإسراع، ويتركوا حتى يمضي يومًا وليلة (3)، ويتحقق موتهم، ويؤخذ من الحديث ترك مصاحبة أهل البطالة وغير الصالحين.
432 -
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ شَهِدَ الجِنَازَةَ حتى يُصلَّى عليها فلَه قِيراطٌ ومَنْ شَهِدَها حتى تُدْفَنَ فلَهُ قِيرَاطان". قيل: وما القيراطان؟ قال: "مثلُ الجبلَيْن العظِيميْن". متفق
(أ) في جـ: فيها.
(ب) الواو ساقطة من جـ.
(جـ) في هـ وجـ: الضمير.
(د) في جـ: والمسكوت.
_________
(1)
البيهقي 4/ 4.
(2)
قال: ويمشي بالجنازة على أسرع سجية مشي لا الإسراع الذي يشق على ضعفة من يتبعها إلا أن يخاف تغيرها أو انبجاسها فيعجلونها. الأم 1/ 241.
(3)
قال الشيخ عبد العزيز بن باز في تعليقه على الفتح: الأولى عدم التحديد، بل ورجع إلى العلامات الدالة على الموت فمتى وجد ما يدل على ذلك اكتفى منها، الفتح 3/ 184.
عليه (1).
ولمسلم: "حتى توضع في اللَّحد"(2).
وللبخاري: "من تبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا، وكان معه حتى يصلى عليها ويفرغ من دفنها فإنه يرجع بقيراطين، كل قيراط مثل (أ) أحد"(3).
قوله: "من شهد الجنازة"، المراد بالشهود هو الحضور معها، وظاهر الحضور معها من ابتداء الخروج بها، وهذا مصرح به في رواية لمسلم (4) بلفظ:"من خرج مع جنازة من بيتها، ثم تبعها حتى تدفن كان له قيراطان من أجر، كل قيراط مثل أحد ومن صلى عليها ثم رجع كان له (ب) قيراط".
وقوله: "حتى يصلى عليها"، لفظ عليها ثابت في رواية (5) الكشميهنيّ للبخاري، وهو كذلك عند مسلم (6)، وللبيهقي (7) أيضًا بإسناده
(أ) زاد في جـ: جبل.
(ب) ساقطة من جـ.
_________
(1)
مسلم، الجنائز، باب فضل الصلاة على الجنازة واتباعها 2/ 652 ح 52 - 945، البخاري، بلفظ: "حتى يصلى
…
ومن شهد حتى" الجنائز، باب من انتظر حتى تدفن 3/ 196 ح 1325، أبو داود، نحوه، الجنائز، باب فضل الصلاة على الجنائز 3/ 515، 516 ح 3168، الترمذي، نحوه، الجنائز، باب ما جاء في فضل الصلاة على الجنازة 3/ 358 ح 1040، النسائي، نحوه، الجنائز، باب ثواب من صلى على جنازة 4/ 93، ابن ماجه، بلفظ البخاري، الجنائز، باب في ثواب من صلى على جنازة، ومن انتظر دفنها 1/ 491 ح 1539.
(2)
مسلم 2/ 652 ح 52 - 945.
(3)
الإيمان بلفظ: "فإنه رجع من الأجر واتباع الجنائز من الإيمان" 1/ 108 ح 47.
(4)
مسلم 2/ 654 ح 56 - 945 م.
(5)
لفظ الكشميهني "عليه" وليس "عليها" الفتح 2/ 196 - 197.
(6)
2/ 652 ح 52، 945.
(7)
البيهقي 3/ 412.
عن أحمد بن شبيب شيخ البخاري، وفي سائر الرواية للبخاري بحذف "عليها" وفتح اللام في "يصلى"، ووقع في رواية البعض بكسر اللام والظاهر أن هذه تفسر إطلاق صيغة المجهول، وأنه لا يستحق الأجر من شهد ولم يصل، وإن صلى غيره أو صلى ولم يتبع.
قال المصنف (1) -رحمه الله تعالى-: والذي يظهر لي أنه يحصل الأجر لمن صلى وإن لم يتبع لأن ذلك وسيلة إلى الصلاة، لكن يكون قيراط من صلى فقط دون قيراط من شيع مثلًا وصلى، ويدل عليه ما علقه البخاري (2) عن زيد بن ثابت:"إذا صليت فقد (قضيت) (أ) الذي عليك. ووصله (ب سعيد بن (3) منصور من طريق عروة عنه بلفظ: "إذا صليت على جنازة فقد قضيت ما عليك" ووصله ب) ابن أبي (4) شيبة من هذا الوجه بلفظ: "إذا صليتم على الجنازة فقد قضيتم ما عليكم، فخلوا بينها وبين أهلها"، وكذا أخرجه عبد الرزاق (5) بلفظ الإفراد ومعناه: فقد قضيت حق الميت، فإن أردت الاتباع فلك زيادة أجر، وعلق البخاري (6) قول حميد بن هلال: ما علمنا على الجنازة إذنًا، ولكن من صلى ثم رجع فله قيراط، ولم يرو هذا موصولًا، وفي هذا رد على ما ذهب إليه مالك (7)
(أ) في الأصل وهـ: وصليت.
(ب- ب) بالهامش في هـ.
_________
(1)
الفتح 3/ 197.
(2)
باب فضل اتباع الجنائز 3/ 192.
(3)
تغليق التعليق 2/ 481، والفتح 3/ 193.
(4)
ابن أبي شيبة 3/ 310.
(5)
عبد الرزاق 3/ 514 ح 6526.
(6)
3/ 192، وقال الحافظ في الفتح والتغليق: لم أره موصولًا. الفتح 3/ 193. التغليق 2/ 48.
(7)
الفتح 3/ 193.
كما حكي عنه أنه لا ينصرف التابع للجنازة حتى يستأذن أهل الميت، محتجًا بما أخرجه عبد الرزاق (1) من طريق عمرو بن شعيب عن أبي هريرة قال: أميران وليسا بأميرين: الرجل يكون مع الجنازة يصلي عليها فليس له أن يرجع حتى يستأذن وليها (أ)
…
الحديث، وهو منقطع موقوف، وروى عبد الرزاق (2) مثله من قول إبراهيم، وأخرجه ابن أبي (3) شيبة عن المسور مِنْ فعْلِه أيضًا، وقد ورد مثله مرفوعًا من حديث جابر، أخرجه البزار بإسناد فيه مقال، وأخرجه العقيلي (4) في الضعفاء من حديث أبي هريرة مرفوعًا بإسناد ضعيف، وروى أحمد من طريق عبد الله بن هرمز عن أبي هريرة مرفوعًا "من تبع جنازة فحمل وحَثَا في قبرها وقعد حتى يؤذن له رجع بقيراطين"، وإسناده (5) ضعيف، والذي عليه معظم أهل الفتوى أنه لا يحتاج إلى إذن.
وقوله: "فله قيراط ": القيراط بكسر القاف، قال الجوهري (6): أصله قراط بتشديد الراء لأن جمعه قراريط، فأبدل من أحد حرفي المضعف ياء، وقال: والقيراط نصف دانق، والدانق سدس درهم، فعلى هذا القيراط
(أ) في جـ: أهلها.
_________
(1، 2) المصنف 3/ 514 ح 5623.
(3)
ابن أبي شيبة 3/ 310، عبد الرزاق 3/ 513 ح 5622.
(4)
أخرجه العقيلي بلفظ: (أميران وليسا بأميرين، الرجل يتبع الجنازة فلا ينصرف حتى يستأذن ..)، وهو ضعيف لأن فيه: عمرو بن عبد الجبار السنجاري، روى مناكير كلها غير محفوظة، الضعفاء 3/ 287، الميزان 3/ 271.
(5)
أحمد 2/ 321، فيه ابن لهيعة مر في 162 ح 28.
(6)
الصحاح 3/ 1151.
جزء من اثني عشر جزءًا من الدرهم (أ). وأما صاحب النهاية (1) فقال: القيراط جزء من أجزاء الدينار، وهو نصف عشره في أكثر البلاد، وفي الشام جزء من أربعة وعشرين جزءًا، ونقل ابن الجوزي (2) عن ابن عقيل أنه كان يقول: القيراط نصف سدس درهم أو نصف عشر دينار. وذكر القيراط هنا على جهة التمثيل بما يعرف من أحوال تقدير الموزونات، ولما كان وزن الأعمال في الآخرة بما لا يعلم حقيقته (ب) إلا الله تعالى، ولم يمكن (جـ) تعريفنا ذلك إلا بتشبيهه ما (د) نعرفه من أحوال المقادير فشبه بالقيراط، وكان القيراط حقيرًا قدره فنبه على تعظيم الأمر بقوله في رواية:"أصغرهما مثل أحد"، وكان جبل أحد من أعظم جبال المدينة المشرفة ومن الجبال المحبوبة إليهم، فشبه به، فعرف من ذلك تعظيم الأمر وأن مقدار الثواب والزلفى في الآخرة لا طريق لنا إلى معرفتهما (هـ) بحقيقته كما قال تعالى:{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} (3) وقال تعالى: {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} (4).
(أ) في هـ: الدراهم.
(ب) في جـ: بما لا يعلمه حقيقة.
(جـ) في هـ: يكن.
(د) في هـ: بتشبيه بما، وفي جـ: بتشبيهه لما.
(هـ) في جـ: معرفتها، وفي هـ: معرفته.
_________
(1)
4/ 41 - 42.
(2)
الفتح 3/ 194.
(3)
الآية 17 من سورة السجدة.
(4)
الآية 25 من سورة البقرة.
وقوله: "حتى يدفن"، ظاهره وقوع مطلق الدفن، وإن لم يفرغ من جميع الأعمال وفي رواية مسلم (1):"حتى يوضع في اللَّحْدِ"، ظاهره مثل هذا، ولكنه في الرواية الأخرى لمسلم (2):"حتى يفرغ من دفنها"، ففيها تفسير لما أطلق في غيرها.
وقوله: "قيل وما القيراطان؟ " لم يبين في هذه الرواية القائل من هو؟ وقد بين (أ) القائل (ب) أبو عوانة (3) من طريق أبي مزاحم عن أبي هريرة، ولفظه: قلت: يا رسول الله، وما القيراط؟ ووقع عند مسلم (4) أيضًا أن أبا حازم أيضًا سأل أبا هريرة عن ذلك.
وقوله: "مثل الجبلين العظيمين"، قد بين عِظَم الجبل بتشبيهه في الرواية الأخيرة بأحُدٍ، كأنها رواية بالمعنى، ووقع في رواية النَّسائي (5) "فله قيراطان من الأجر كل واحد منهما أعظم من أحد". وفي رواية لمسلم (6):"أصغرهما مثل أحد" وفي رواية ابن ماجه (7) عن أبَي بن كَعْب: القيرَاط أعظم من أحُدٍ. هذا كأنه أشار إلى الجبل عند ذكر الحديث، وعند ابن
(أ) في جـ: ذكر.
(ب) زاد في هـ: من هو.
_________
(1)
مسلم 2/ 652، 653 ح 52 - 945.
(2)
في رواية عبد الأعلى "حتى يفرغ من دفنها" 2/ 652، 653 ح 952 م.
(3)
ساقط من الأصل.
(4)
لمسلم 2/ 653 ح 54 - 945 م.
(5)
النسائي 4/ 63.
(6)
2/ 653 ح 53 - 945 م.
(7)
ابن ماجه 1/ 492 ح 1541 وفي سنده حجاج بن أرطاة. مر في 442 ح 112.
عدي عن (1) واثلة: "كتب له قيراطان من أجر أخفهما في يوم القيامة ميزانه أثقل من جبل أحد".
والحديث من فوائده الترغيب في شهود الميت، والقيام بأمره، والحض على الاجتماع له، والتنبيه على عظيم فضل الله وتكريمه للمسلم في تكثير ثواب من يتولاه بعد موته، وفيه تقدير الأعمال بالميزان، وهو إما تقريب للأفهام وإما على حقيقته.
واعلم أن ظاهر قوله: "فله قيراطان" يقضي بأن أحدهما هو الذي كان لمن انصرف قبل الدفن، وأن المنتظر للدفن يزاد له قيراط مع ذلك القيراط الأول، وهذا هو المفهوم من سائر الروايات، وإن كان بعض القدماء جزم بأن القيراطين من غير القيراط الأول وحكاه ابن الزين عن القاضي أبي الوليد.
فائدة: رَوَى هذا الحديث اثنا عشر صحابيًّا، وهم عائشة وأبو هريرة وحديثهما في البخاري (2) وثوبان عند مسلم (3) والبراء وعبد الله بن مغفل عند النَّسائيِّ (4)، وأبو سعيد عند أحمد (5)، وابن مسعود عند أبي عوانة، وأسانيد هؤلاء صحاح، وأُبي بن كعب عند ابن ماجه (6)، وابن عباس عند البيهقي في الشعب وأنس عند الطبراني (7) في الأوسط وواثلة ابن
(1) الكامل 6/ 2327، أخرجه في ترجمة معروف بن عبد الله الخياط الدمشقي أبي الخطاب.
(2)
البخاري 3/ 192 ح 1324 - 1323.
(3)
مسلم 2/ 954 ح 57 - 946.
(4)
النَّسائيُّ من حديث البراء 4/ 44، وابن المغفل 4/ 45.
(5)
أحمد 3/ 85.
(6)
ابن ماجه 1/ 492 ح 1541.
(7)
مجمع الزوائد 3/ 30.
الأسقع عند ابن عدي (1) وحفصة عند حميد بن زنجويه في فضائل الأعمال وفي كل من أسانيد هؤلاء الخمسة ضعف.
433 -
وعن سالم عن أبيه "أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وهُم (أ) يَمْشُونَ أمَامَ الجنازَة". رواه الخمسة، وصححه ابن حبان، وأعله النَّسائي وطائفة بالإرسال (2).
هو أبو عبد الله، ويقال: أبو عمرو، سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشيّ العدوي المدني أحد فقهاء المدينة، من سادات التابعين وعلمائهم وثقاتهم. روى عن أبيه وغيره، (ب) روى عنه الزهريّ ونافع، مات سنة ست ومائة.
الحديث أخرجه الخمسة وابن حبان والبيهقي من حديث ابن عيينة عن الزهريّ عن سالم عن أبيه به (جـ)، قال أحمد: إنما هو عن الزهريّ مرسل، وحديث سالم إنما هو موقوف على ابن عمر من فعله، وحديث ابن عيينة وهم. قال الترمذي (3): أهل الحديث يرون المرسل أصح، قاله ابن
(أ) ساقطة من جـ.
(ب) زاد في جـ: و.
(جـ) ساقطة من جـ.
_________
(1)
الكامل 6/ 2327.
(2)
أحمد 2/ 8، أبو داود، الجنائز، باب المشي أمام الجناز 3/ 522 ح 3179، الترمذي، الجنائز، ما جاء في المشي أمام الجنازة 3/ 329 ح 1007، النسائي، الجنائز، مكان الماشي من الجناز 4/ 46، ابن ماجه، الجنائز، باب ما جاء في المشي أمام الجنازة 1/ 475 ح 1482، البيهقي 4/ 23، الدارقطني، الجنائز، باب المشي أمام الجنازة 2/ 70، ابن حبان، الجنائز، المشي مع الجناز 194 ح 765، الحديث روي بزيادة "عثمان" عند النسائي وابن حبان والبيهقي والشافعي والحديث أعل بالإرسال وقد أبدى الشارح ذلك.
(3)
سنن الترمذي 3/ 330، بلفظ "أهل الحديث كلهم".
المبارك. قال: وروى معمر ويونس ومالك عن الزهريّ: "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يمشي أمام الجنازة"(1)، قال الزهريّ: وأخبرني سالم أن أباه كان يمشي أمام الجنازة (2)، وكذا أخرجه (أ) أحمد (3) عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر من فعله، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يمشون أمامها، وقال عبد الله بن أحمد: قال أبي ما معناه: القائل -وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الزهريّ، وأخرجه (4) ابن حبان في صحيحه عن الزهريّ عن سالم أن عبد الله بن عمر كان يمشي بين يديها، وأبو بكر وعمر (ب) وعثمان، قال الزهريّ وكذلك السنة، وقد ذكر الدارقطني (5) في "العلل" اختلافا كبيرا فيه عن الزهريّ، قال: والصحيح قول من قال: عن الزهريّ عن سالم عن أبيه أنه كان يمشي، قال: وقد مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر، واختار البيهقي (6) ترجيح الموصول لأنه من رواية ابن عيينة وهو ثقة حافظ، وعن علي بن (7) المديني قال: قلت لابن عيينة: يا أبا محمد خالفك الناس في هذا الحديث، فقال: استيقن الزهريّ حديثه مرارا، لست أحصيه، يعِيده ويُبْديه من فيه عن سالم عن أبيه.
(أ) في هـ: أخرج.
(ب) ساقطة من جـ.
_________
(1)
البدر 4/ 234. التلخيص 2/ 118.
(2)
المصنف 3/ 445 ح 6259.
(3)
أحمد 2/ 8، 37، 140.
(4)
ابن حبان 194 ح 765 (موارد).
(5)
علل الدارقطني 4/ 11.
(6)
سنن البيهقي 4/ 23.
(7)
البدر 4/ 234، التلخيص 118 - 119.
قال المصنف (1) رحمه الله: وهذا لا ينفي عنه الوهم لأنه ضبط أنه سمعه منه عن سالم عن أبيه، والأمر كذلك إلا أن فيه إدراجًا، ولعل الزهريّ أدمجه إذ حدث به ابن عيينة، وفصله (أ) لغيره، وقد أوضحته في المدرج بأتم من هذا، وجزم أيضًا بصحته (ب) ابن المنذر وابن حزم (2)، وقد ر وي عن يونس عن الزهريّ عن أنس مثله، أخرجه الترمذي (3) وقال: سألت عنه البخاري، وقال: هذا خطأ أخطأ فيه محمد بن بكر.
والحديث فيه دلالة على أن المشي أمام الجنازة أفضل لأنه الذي ورد (جـ) من فعله صلى الله عليه وسلم وفعل الشيخين من بعده، وقد ذهب إليه الجمهور (4) والشافعي وذهب أنس (5) بن مالك إلى أنه يمشي بين يديها، وخلفها وعن يمينها وعن شمالها علقه البخاري (6) وقد وصله عبد الوهاب بن عطاء (7) الخفاف في كتاب الجنائز.
قال المصنف (8) رحمه الله: ورويناه عاليا في رباعيات أبي بكر الشافعي وأخرجه ابن أبي شيبة (9) موصولا وكذا عبد الرزاق، وظاهر (د) أثر
(أ) في جـ وهـ: ووصله.
(ب) في جـ: لصحته.
(جـ) زاد في جـ: فيه.
(د) في هـ: فظاهر.
_________
(1)
التلخيص 2/ 119.
(2)
المحلى 5/ 165.
(3)
الترمذي 3/ 316 ح 1010، وابن ماجه 1/ 475 ح 1483.
(4)
المجموع 5/ 227.
(5)
البخاري 3/ 182، باب السرعة بالجنازة.
(6)
البخاري 3/ 182، باب السرعة بالجنازة.
(7)
الفتح 3/ 183، تغليق التعليق 2/ 475.
(8)
الفتح 3/ 183، ورواه بالسند العالي في تغليق التعليق 2/ 475.
(9)
ابن أبي شيبة 3/ 278، المصنف 3/ 445 ح 6261.
أنس التوسعة في الأمر على المشيعين، وعدم التزامهم جهة معينة، وذلك لما علم من تفاوت أحوالهم في المشي، وقضية الإسراع بالجنائز أن لا يلزموا بمكان واحد يمشون فيه لئلا يشق على بعضهم، وذهب العترة (1) وأبو حنيفة وأصحابه إلى أن المشي خلفها أفضل لما رواه محمد بن طاوس عن أبيه أنه قال:"مَا مَشَى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى ماتَ إلَّا خَلْفَ الجِنَازة"(2) وروى سعيد بن منصور وغيره من طريق عبد الرحمن بن أبزى عن علي قال: المشي خلفها أفضل من المشي أمامها كفضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ (3). إسناده حسن (4) وهو موقوف له حكم المرفوع، لكن حكى الأثرم عن أحمد أنه تكلم في إسناده وذهب الثَّوريُّ إلى أن الماشي حيث يشاء، والراكب خلفها لما أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن حبان والحاكم من حديث المُغيرة (5) بن شعبة مرفوعًا: الراكب خلف الجنازة والماشي حيث شاء منها.
(1) شرح العناية على الهداية 2/ 135.
(2)
المصنف 3/ 445 ح 6262، وقال الحافظ: مرسل صحيح.
(3)
المصنف 3/ 447 - 448 ح 6267، الكامل 6/ 2440، 2441.
(4)
لكن ذكره ابن عدي في ترجمة مطرح بن يزيد الكناني أبو المهلب وقال يحيى بن معين: ضعيف. وقال ابن عدي: والضعف على روايته بيَّن 4/ 2440 - 2441، تهذيب التهذيب 10/ 171، وقال ابن الجوزي: عبيد الله بن زجر وعلي بن يزيد والقاسم كلهم ضعفاء فإذا اجتمع هؤلاء في حديث فهو مما عملته أيديهم. العلل المتناهية 2/ 417 ح 1502.
(5)
أبو داود 3/ 522، 523 ح 3180، الترمذي 3/ 349 - 350 ح 1031، النَّسائي 4/ 45، ابن ماجه 1/ 475 ح 1481، ابن حبان (موارد) 195 ح 765، الحاكم 1/ 355 وقال: على شرط البخاري. ووافقه الذهبي.
وعن النخعي (1): إن كان في الجنازة نساء مشى أمامها وإلا فخلفها. والله أعلم.
434 -
وعن أم عطية قالت: "نُهِينا عن اتِّباع الجنَائِز، ولَمْ يُعْزَم عَلَينا". متفق عليه (2).
قوله: "نهينا" بعدم ذكر الفاعل، ذهب الشيخان وجمهور المحدثين وجمهور أهل الأصول إلى أن قول الصحابي: أمرنا بكذا أو (أ) نهينا عن كذا له حكم المرفوع، إذ الظاهر من ذلك أن الآمر والناهي هو النبي صلى الله عليه وسلم وفي هذا المحل بخصوصه متعين ذلك إذ قد أخرجه البخاري (3) في باب الحيض عنها:"نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم" وهذا من أم عطية مرسل لعدم سماعها ذلك من النبيِّ صلى الله عليه وسلم لما رواه الطبراني (4) عنها قالت: "لما دخل النبيُّ صلى الله عليه وسلم المدينة جمع النساء في بيت، ثم بعث إلينا عمر فقال: إن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إليكن بعثني (ب) لأبَايِعكن علَى أن لا تَسْرِقْنَ .. " الحديث. وفي آخره: "وأمرنا
(أ) في جـ: و.
(ب) في هـ: بعثني إليكن.
_________
(1)
الفتح 3/ 183.
(2)
البخاري، الجنائز، باب اتباع النساء الجنائز 3/ 144 ح 1278، مسلم، الجنائز، باب نهي النساء عن اتباع الجنائز 2/ 646 ح 34 - 938، أبو داود، الجنائز، باب اتباع النساء الجنائز 3/ 515 ح 3167، ابن ماجه، الجنائز، باب ما جاء في اتباع النساء الجنائز 1/ 502 ح 1577.
(3)
البخاري، بلفظ (كنا ننهى عن اتباع الجنائز) 1/ 413 ح 313.
(4)
الطبراني الكبير 25/ 45 ح 85.
أن (أ) نخرج في العيدين العواتق ونهانا أن نخرج في جنازة"، وظاهر هذا النهي أنها فهمت منه الكراهة دون التحريم، وله قال جمهور أهل العلم، وقال به (1) مالك وأهل المدينة، وقال المهلب: في حديث أم عطية دلالة على أن النهي من النبي صلى الله عليه وسلم على درجات، ويدل على الجواز ما أخرجه ابن أبي (2) شيبة عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في جنازة فرأى عمر امرأة فصاح بها. فقال: "دعها يا عمر" .. الحديث وأخرجه ابن (3) ماجه والنسائي من طريق ابن أبي شيبة. وأخرجاه من طريق أخرى، ورجالها ثقات، وتأوله الداودي (4) وقال: نهينا عن اتباع الجنائز أي (ب) إلى المقابر ولم يعزم علينا أي أن لا (جـ) نأتي أهل الميت فنعزيهم ونترحم على ميتهم من غير أن نتبع جنازته. انتهى. وفي آخر هذا التفصيل من سياق هذا الحديث بعد، وإن كان مثل هذا في حديث عبد الله بن عمر (5): أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى فاطمة مقبلة، فقال: "من أين جئت؟ "
(أ) في جـ: أن لا.
(ب) ساقطة من هـ.
(جـ) ساقطة من هـ.
_________
(1)
لفظ الفتح: مال مالك وأهل المدينة إلى الجواز. الفتح 3/ 145. وفي المجموع كرهه مالك للشابة وحكى العبدري عن مالك أنه يكره إلا أن يكون الميت ولدها أو والدها أو زوجها. المجموع 5/ 224.
(2)
ابن أبي شيبة 3/ 85.
(3)
ابن ماجه 1/ 505 ح 1587، النسائي 4/ 16.
(4)
الفتح 3/ 145.
(5)
أحمد 2/ 169، الحاكم 1/ 373، وفي سنده ربيعة بن سيف بن مانع ضعفه النسائي، قال الحافظ: صدوق له مناكير. التقريب 101. المغني في الضعفاء 1/ 230.
فقالت: ترحمت على أهل هذا الميت بميتهم، فقال:"و (أ) لعلك بلغت معهم الكُدَى"، قالت لا .. الحديث، وفي (آخر الحديث)(ب) الوعيد على ذلك، أخرجه أحمد والحاكم وغيرهما فأنكر عليه، بلوغ الكدَى، وهو بضم الكاف وتخفيف (المهملة) وبالمقصورة (جـ) وهي القابر، ولم ينكر عليها التعزية. وقال المحب الطبري: يحتمل أن يكون المراد بقولها: ولم يعْزم علينا (د). أي كما عزم على الرجال بترغيبهم في اتباعها بحصول (هـ) القيراط، ونحو ذلك، والأول أظهر.
435 -
وعن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأيتُمُ الجِنازةَ فَقُومُوا، فَمَنْ تَبِعَهَا فَلا يَجلِسُ حتّى توضع". متفق عليه (1). الحديث فيه دلالة علي الأمر بالقيام للجنازة إذا مرت بالمكلف، وإن لم يكن قاصدًا لتشييعها، وظاهره العموم لجنازة المؤمن وغيره، وقد أخرج البخاري (2) قيامه صلى الله عليه وسلم لجنازة يهودي مرت به، وتعليله ذلك بالموت (و) فزع (3)،
(أ) الواو ساقطة من جـ.
(ب) في هـ: آخره.
(جـ) في جـ: الدال المقصورة، ولفظ "المهملة" بهامش الأصل.
(د) في جـ: عليها.
(هـ) في جـ: لحصول.
(و) في هـ: بأن الموت.
_________
(1)
مسلم، بلفظه، الجنائز، باب القيام للجنازة 2/ 660 ح 77 - 959، البخاري، بلفظ فلا يقعد، الجنائز، من تبع جنازة فلا يقعد حتى توضع عن مناكب الرجال فإن قعد أمر بالقيام 3/ 178 ح 1310، النَّسائي، بلفظ البخاري، الجنائز، باب الأمر بالقيام للجنازة 4/ 36، الترمذي، الجنائز، باب ما جاء في القيام للجنازة 3/ 360 - 361 ح 1042 بلفظ (فلا يقعدن)، أبو داود، بلفظ "إذا تبعتم الجنازة فلا تجلسوا حتى توضع" الجنائز، باب القيام للجنازة 3/ 518 ح 3173، أحمد 3/ 41 بلفظ "يقعد".
(2)
البخاري 3/ 179، 180 ح 1312.
(3)
مسلم 2/ 660 ح 78 - 960.
وفي رواية: "أليست نفسًا" وأخرج الحاكم (1) قوله: "إنما قمنا للملائكة"، وأخرج أحمد والحاكم (2) وابن حبان:"إنما يقومون إعظامًا للذي يقبض النفوس"، وفي لفظ ابن حبان:"إعظامًا للذي يقبض الأرواح"(3)، وهذا لا ينافي التعليل الأول بأن الموت فزع، فإن تعظيم القائمين بأمر الموت إعظام للموت.
وقد اختلف العلماء في القيام للجنازة فذهب الشافعي (4) وغيره إلى أنه غير واجب، وقال: هذا الأمر إما أنْ يكون منسوخًا أو أنه قام لعلة، وأيهما كان فقد ثبت أنه تركه بعد فعله، والحجة في الآخر من أمره والقعود أحب إلى. انتهى. وأشار بالترك إلى حديث على رضي الله عنه:"أنه صلى الله عليه وسلم قامَ للجنازة ثم قعد". أخرجه مسلم (5)، قال البيضاوي (6): وهذا محتمل (أ) أن يكون قام للجنازة ثم قعد بعد أن جَاوزتهُ وبَعُدَت عنه، ويحتمل أن يكون المراد أنه كان يقوم في وقت ثم ترك القيام أصلًا، فيكون الترك قرينة على أن الأمر للندب فلا يحمل (ب) على النسخ.
(أ) في جـ: يحتمل.
(ب) في جـ: ولا يحمل.
_________
(1)
الحاكم بلفظ (قمت) 1/ 357، 18217.
(2)
أحمد 2/ 168، الحاكم 1/ 357.
(3)
ابن حبان (الموار) 195 ح 770.
(4)
الأم 1/ 247.
(5)
مسلم 2/ 661 ح 82 - 962.
(6)
الفتح 3/ 181.
وقد يتأيد احتمال النسخ (أبما رواه البيهقي (1) في حديث علي: أنه أشار إلى قوم قاموا أن يجلسوا، ثم حدثهم أ) فالحديث (ب). قال عياض (2): ذهب جمع من السلف إلى أن الأمر بالقيام منسوخ بحديث علي، وتعقبه النووي (3) بأن النسخ لا يصار إليه إلا إذا تعذر الجمع، وهو هنا ممكن، قال: والمختار أنه مستحب، وبه قال المتولي. انتهى.
وأما حديث عبادة بن الصامت قال (ب): "كان النبي صلى الله عليه وسلم يقومُ لِجنَازَة فمرَّ به حبر من اليهود فقال: هكذا نفعل. فقال: اجلسوا وخالفوهم"(4) أخرجه أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي وابن ماجه والبزار والبيهقي، فلا يعارض هذا الحديث الصحيح، فهو ضعيف، في إسناده بشر بن رافع (5) وهو ليس بالقوي، وقال البزار: تفرد به بشر، وهو بين الحديث، وذهب ابن حبيب وابن الماجشون (6) من المالكية إلى أن جلوسه لبيان الجواز، فمن جلس (د) في سعة، ومن قام فله أجر.
(أ - أ) ساقطة من هـ.
(ب) في هـ وجـ: بالحديث.
(جـ) في جـ: فقال.
(د) زادت هـ: فهو.
_________
(1)
سنن البيهقي 4/ 27.
(2)
شرح مسلم 2/ 621.
(3)
شرح مسلم 2/ 621 - 623.
(4)
أبو داود 3/ 520 ح 3176، الترمذي 3/ 340 ح 1020، ابن ماجه 1/ 493 ح 1545، البيهقي 4/ 28.
(5)
بشر بن رافع الحارثي، أبو الأسباط، النجراني، ضعيف الحديث، قال النسائي: ضعيف.
قال أبو حاتم والدارقطني: منكر الحديث، الضعفاء للعقيلي 1/ 140، النقريب 44، الميزان 1/ 317.
(6)
الفتح 3/ 179.
و (أ) قوله: "ومن (ب) تبعها فلا يجلس حتى توضع"، في هذه الرواية إطلاق الوضع، وقد روي هذا الحديث من حديث عامر (1) بن ربيعة، ووقع الاختلاف على سهيل بن أبي صالح في روايته، فرواه الثوري بلفظ:"حتى توضع بالأرض"(جـ) ورواه أبو (د) معاوية عن سهيل قال فيه: "حتى توضع في اللحد". قال أبو داود: وسفيان الثوري أحفظ من أبي معاوية (2)، وجنح (3) البخاري إلى ترجيح رواية أبي سفيان، فبوب عليه: باب من تبع جنازة فلا يقعد حتى توضع عن مناكب الرجال، فإن قعد أمر بالقيام، وقد اختلف العلماء الفقهاء (4) في ذلك فقال أكثر الصحابة والتابعين باستحبابه كما نقله ابن المنذر، وهو قول الأوزاعي وإسحاق وأحمد ومحمد بن الحسن ورواه البيهقي من طريق ابن حازم الأشجعي عن أبي هريرة وغيرهما: أن القائم مثل الحامل في الأجر. قال الشعبيّ والنخعي: يكره القعود قبل أن توضع، وقال بعض السلف: يجب القيام، واحتج له برواية سعيد عن أبي هريرة وأبي سعيد. قال:"ما رأينا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم شهد جنازة قط فجلس حتى توضع". أخرجه النسائي (5).
(أ) الواو ساقطة من جـ.
(ب) في جـ: فمن.
(جـ) في جـ: في الأرض.
(د) ساقطة من جـ.
_________
(1)
البخاري 3/ 178 ح 1308، مسلم 2/ 659 ح 73 - 958، أبو داود 3/ 518 ح 3173.
(2)
أبو داود 3/ 519.
(3)
البخاري 3/ 178.
(4)
ساق الخلاف الحافظ في الفتح ونقله منه.
(5)
النسائي 4/ 36.
436 -
وعن أبي إسحاق: "أنّ عبدَ الله بن يزيدَ (أ) أدخَلَ الميِّتَ مِنْ قبل رِجْلي الْقَبْرِ، وقال: هذا مِنَ السُّنَّة". أخرجه أبو داود (1).
هو أبو إسحاق عمرو بن (ب) عبد الله السَّبيعي، بفتح السين المهملة وكسر الباء الموحدة وبالعين المهملة، الهمدانيّ، الكوفي، رأى عليا وابن عباس وأسامة بن زيد وابن عمر وسمع البراء بن عازب وزيد بن أرقم، روى عنه منصور والأعمش وشعبة والثوري، وهو تابعي مشهور كثير الرواية، ولد لسنتين من خلافة عثمان ومات سنة تسع وعشرين ومائة، وقيل: سنة سبع وعشرين (2).
الحديث فيه دلالة على أن المشروع سل الميت من مؤخر القبر، بأن يوضع رأس الميت في ناحية مؤخر القبر، وهو محل الرجل، ولذلك قال:"من قبل رجلي القبر" أي موضع الرجلين فأطلق الحال على المحل، وقد ذهب إلى هذا الهادي (3) والناصر والمؤيد والشافعي وأحمد، لهذا، ولما روي عن علي رضي الله عنه قال: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة رجل من ولد عبد المطلب فأمر بالسرير فوضع من قبل رجلي اللحد أمر به
(أ) في جـ: بن زيد.
(ب) ساقطة من جـ.
_________
(1)
أبو داود، الجنائز، باب في الميت يدخل من قبل رجليه 3/ 545 ح 3211، قلت: والحديث رجاله ثقات وسنده صحيح، وأبو إسحاق السبيعي، وإن كان اختلط، فرواية شعبة عنه قبل الاختلاط كما نص على ذلك الحافظ في هدي السارى 431، البيهقي 4/ 54، ابن أبي شيبة 3/ 130.
(2)
التهذيب 8/ 63، الكاشف 2/ 334، الكواكب النيرات 341.
(3)
المغني 2/ 496، المجموع 5/ 245، البحر 2/ 129.
فسُل سلا، ثم قال صلى الله عليه وسلم:"ضعوه في حفرته لجنبه الأيمن مستقبل القبلة، وقولوا بالله وعلى ملة رسول الله (أ) لا تكبوه لوجهه ولا تلقوه لقفاه، ثم قولوا: اللهمّ لقنه حجته، وأصعدَ (ب) بروحه، ولقه منك رضْوانًا"(1)، وقد روى الشافعي (2) عن الثقة مرفوعًا إلى ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم سُل مِنْ قبَلِ رأُسه"، وكذا في شرح الهداية من حديث ابن عمر، [وقال أبو حنيفة (3): بل من جهة القبلة معرضًا، إذ هو أيسر والجواب عنه أن إيثارَ السنة أوْلى] (ب).
437 -
وعن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: "إِذا وَضَعتُم مَوْتاكم في القبور فقولوا: بسم الله، وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم". أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه ابن حبان وأعله الدارقطني بالوقف (4).
(أ) زاد في جـ: و.
(ب) في هـ: صعد.
(جـ) في نسخة الأصل: قدم ما بين القوسين على جملة: وقد روى الشافعي
…
إلخ وقد أشار إلى ذلك.
_________
(1)
عزاه ابن بهران إلى الشفا 2/ 129.
(2)
الأم 1/ 242.
(3)
الهداية 2/ 137، قلت: وذكر الحافظ في التلخيص وابن الملقن في البدر أدلة الشافعية وذكر الحافظ الزيلعي أدلة الأحناف وقد قال الإمام ابن قدامة في المغني: إن كان الأسهل عليهم أخذه من قبل القبلة، أو من رأس القبر فلا حرج فيه، لأن استحباب أخذه من رجلي القبر.
إنما كان طلبا للسهولة عليهم والرفق بهم، فإن كان الأسهل غيره كان مستحبا، قال أحمد رحمه الله: كل لا بأس به. المغني 2/ 497.
(4)
أحمد 2/ 27، 40، 41، 59، 127، 128، أبو داود، الجنائز، باب في الدعاء للميت إذا وضع في قبره 3/ 546 ح 3213، النسائي، في عمل اليوم والليلة، ما يقول إذا وضع الميت في اللحد 586 ح 1088، ابن ماجه، الجنائز باب ما جاء في إدخال الميت القبر 2/ 495، 494 ح 1550، ابن حبان، الجنائز، باب ما جاء في دفن الميت 195 ح 772، 773، الحاكم 1/ 366، وقال: صحيح، وقال الذهبي: على شرطهما =
الحديث رجع الدارقطني وقبله النسائي وقفه على ابن عمر، وقد رواه ابن حبان من حديث قتادة مرفوعًا، وقد أخرجه من حديث بن عمر ابن ماجه بإسناد (1) ضعيف وعن عبد الرحمن بن العلاء (أ) بن اللجلاج عن أبيه قال: قال: قال لي اللجلاج: يا بني إذا مت فألحدني، فإذا وضعتني في لحدي، فقل: بسم الله، وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم شن (ب) عليَّ التراب شنًّا، ثم اقرأ عند رأسي بفاتحة البقرة وخاتمتها، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك (2). وأخرج الطبراني من (جـ) حديث البياض رفعه، الميت إذا وضح في قبره فليقل الذين يضعونه حين يوضع في اللحد بسم الله وبالله، وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه الحاكم (3)، وأخرج عن أبي (4) أمامة أيضًا
(أ) ساقطة من جـ.
(ب) في جـ: تشن.
(جـ) في جـ: في.
_________
= ووقفه شيبة، البيهقي 4/ 55، ابن السني، في اليوم والليلة، باب ما يقول إذا وضع الميت في قبره 219 ح 589، والمنتقى لابن الجارود، كتاب الجنائز 192 ح 548، مصنف ابن أبي شيبة 3/ 329.
(1)
رواه ابن ماجه من طريقين وكلاهما ضعيفان:
أ) ليث بن أبي سليم، ضعيف. مر في 235 ح 46.
ب) الطريق الثاني فيه حجاج بن أرطاة، مدلس وقد عنعنه. مر في 442 ح 112 وقد أخرجه من حديث ابن عمر أيضًا ح 1553 من طريق حماد بن عبد الرحمن الكلبي، أبو عبد الرحمن، القنسريني، ضعيف التقريب 82.
(2)
الطبراني الكبير 19/ 220، 221 ح 491، قال الهيثمي: رجاله موثقون. المجمع 3/ 44.
(3)
الحاكم 1/ 366.
(4)
الحاكم، في التفسير 2/ 379، البيهقي 4/ 55.
والبيهقي وسنده ضعيف (1)، ولفظه: لما وضعت أم كلثوم بنت رسول الله في القبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} بسم الله، وفي سبيل الله، وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم" واستحسن الشافعي (2) رحمه الله أن يقول الذين يدخلون الميت القبر: إللهم سلَّمه إليك الأشحاء من ولده وأهله وقرابته وإخوانه وفارق ما كان يحب قُربه وجرج من سعة الدنيا والحياة إلى ظلمة القبر وضيقه ونزلَ بكَ وأنتَ خير منزولٍ به فإنْ عاقَبْتَه فَبذنبه، وإنْ عفوْت عنه فأنت أهلُ العفوِ، وأنتَ غَني عن عذَابه، وهو فقير إلى رحمتك، اللهم اشْكُر حسنته واغْفر سيئَتَه، وأَعِذْهُ من عذاب القبْر، واجْمع له برحمتكَ (أ) الغابرِينَ، وارْفَعْهُ في عليينَ، وعُد علَيه بفَضل رحمتِك يا أرحمَ الراحمين.
438 -
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كَسْر عَظْمِ المَيِّتِ كَكَسْرِه حَيًّا". رواه أبو داود بإسناد على شرط مسلم (3)
(أ) في جـ: من رحمتك.
_________
(1)
قلت: وفيه عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد الألهاني عن القاسم بن عبد الرحمن، عبيد الله بن زحر العمري، مولاهم، صدوق، يخطئ التقريب 224، علي بن يزيد الألهاني، ضعيف، مر في 166 ح 29، القاسم بن عبد الرحمن الدمشقي، صدوق يرسل كثيرًا. التقريب 279، وهؤلاء الثلاثة تقدم فيهم قول ابن الجوزي: إذا اجتمعوا، أنه مما عملته أيديهم. العلل 2/ 417.
(2)
الأم 1/ 246.
(3)
أبو داود، الجنائز، باب في الحفار بحد لعظم هل ينسكب ذلك المكان 3/ 543 - 544 ح 3207، ابن ماجه، الجنائز، باب في النهي عن كسر عظام الميت 1/ 96 ح 1616، أحمد 6/ 58، ابن حبان (موارد) باب فيمن آذى ميتا 196 ح 776، البيهقي 4/ 58، شرح السنة 5/ 393، تاريخ الخطيب 3/ 189، 13/ 120 والحديث على شرط مسلم فيه: سعد بن سعيد بن قيس الأنصاري، أخو يحيى بن سعيد صدوق سيء الحفظ، أخرج له مسلم، التقريب، 118 قلت: وله متابع، فالحديث صحيح.
وزاد ابن ماجه من حديث أم سلمة: "في الإثْم"(1) فيه دلالة على وجوب احترام الميت كما يحترم الحي. وفي زيادة قوله: "من الإثم" رافع (أ) لما يفهم من عموم التشبيه من وجوب الضمان، وأن ذلك الحكم إنما هو لأجل ما يتضمن من إهانة الميت وعدم المبالاة به، فاستحق الإثم دون الضمان، والله أعلم.
439 -
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: "الحدوا لي لحدًا، وانصبوا على اللبن نصبًا كما صنع برسولِ (ب) الله صلى الله عليه وسلم". رواه (2) مسلم وللبيهقي (3) عن جابر نحوه وزاد: "ورفع قبره على الأض قدر شبر". وصحه ابن حبان. ولمسلم عنه: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه"(4).
حديث سعد قاله لما قيل له: ألا نتخذ لك شيئًا كأنه الصندوق من الخشب؟ فقال: بل اصنعوا. فذكره.
وحديث جابر أخرجه البيهقي من حديث جعفر بن محمد عن أبيه عنه (جـ) وفيه "ورفع قبره
…
" لخ.
(أ) في هـ: رفع.
(ب) في جـ: رسول.
(جـ) ساقطة من جـ.
_________
(1)
ابن ماجه 1/ 516 ح 1617.
(2)
مسلم، الجنائز، باب في اللحد ونصب اللبن على الميت 2/ 665 ح 90 - 966، النسائي، (ولم يذكر اللبن) الجنائز، اللحد والشق 4/ 66، ابن ماجه، الجنائز، باب ما جاء في استحباب اللحد 1/ 496 ح 1556، أحمد 1/ 169.
(3)
البيهقي، الجنائز، باب لا يزاد في القبر على أكثر من ترابه 3/ 410، ابن حبان، نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم باب في مرضه ووفاته ودفنه 530 ح 2160، الموارد.
(4)
مسلم 2/ 667 ح 94 - 970، أبو داود 1/ 552 ح 3225، الترمذي 1/ 368 ح 1052، النسائي 4/ 71، ابن ماجه 1/ 498 ح 1562، أحمد 3/ 295، وزادوا سوى مسلم وأحمد "أن يكتب عليه".
وقوله: "الحدوا" هو بوصل الهمزة وفتح الحاء، ويجوز القطع وكسر الحاء يقال: لحد يلحد كذهب يذهب، وألحد يلحد إذا حفر اللحد، واللحد بفتح اللام وضمها وهو الحفر تحت الجانب القبلي من القبر. وقوله:"كما صنع برسول الله (أ) صلى الله عليه وسلم" فيه دلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم ألحد له، وقد ورد أيضًا من حديث ابن عمر عند أحمد (1)، وفيه عبد الله (2) العمرى، وعند ابن أبي شيبة (3) من طريق مالك وزيادة (ب) ولأبي بكر وعمر، ومن حديث جابر عند ابن شاهين في الناسخ، ومن حديث بريدة عند ابن عدي (4) في الكامل، ومن حديث أنس (5) عند أحمد وابن ماجه، وإسناده حسن، أنه كان بالمدينة رجلان، رجل يلحد ورجل يشق، فبعث الصحابة في طلبهما، وقالوا: أيهما جاء أولًا عمل عمله لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فجاء الذي يلحد فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومثله من حديث ابن عباس (6) عند أحمد والترمذي، وبيَّن أن الذي كان يضرح هو أبو عبيدة وأن (جـ) الذي كان يلحد هو أبو طلحة الأنصاري، وفي إسناده ضعف، وفي حديثه
(أ) في جـ: الرسول.
(ب) في جـ: وزياد.
(جـ) ساقطة من: جـ.
_________
(1)
أحمد (الفتح الرباني) 21/ 256.
(2)
مر في 618 ح 162.
(3)
ابن أبي شيبة 3/ 323 من طريق أبي خالد الأحمر عن حجاج عن نافع عن ابن عمر.
(4)
الكامل 5/ 1788.
(5)
ابن ماجه 1/ 496 ح 1557، أحمد (الفتح الرباني) 21/ 256، وحسن إسناده لأن فيه مبارك بن فضالة صدوق يدلس وصرح بالسماع هنا.
(6)
الترمذي 3/ 363 ح 104. مسند أحمد بترتيب شاكر 4/ 104 - 105 ح 2357.
أيضًا أن أبا عبيدة كان يضرح لأهل مكة وأبو طلحة (أ) يلحد لأهل المدينة، والضرح هو الشق في وسط القبر، وقد روي من حديث عائشة أيضًا قبل مثل حديث (1) أنس عند ابن ماجه، وإسناده ضعيف (2).
وفيه دلالة على أن اللحد أفضل إلا إذا دعت إليه الحاجة كأن يكون في الأرض رخاوة فلا بأس بالشق. [أو كان عدد اللبن التي نُصبت عليه في قبره تسع لبنات كذا ذكره السهيلي](3)(ب).
وقوله: "ورفع قبره على الأرض قدر شبر" أخرجه (4) البيهقي وابن حبان من حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر، ورواه البيهقي (5) من وجه آخر مرسلًا ليس فيه جابر. وفي الباب من حديث القاسم بن محمد قال: دخلت على عائشة رضي الله عنها فقلت: يا أماه، اكشفي لي عن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، فكشفت عن ثلاثة قبور لا مشرفة، ولا لاطية مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء أخرجه أبو داود (6) والحاكم. وزاد: ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمًا، وأبو بكر رأسه بين كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر
(أ) زاد في جـ: كان.
(ب) بهامش الأصل وساقطة من جـ.
_________
(1)
ابن ماجه 1/ 497 ح 1558.
(2)
لأن فيه عبيد بن الطفيل المقرئ، مجهول. التقريب 229.
(3)
الروض الأنف 7/ 595.
(4)
البيهقي 4/ 3، ابن حبان -الموارد- 530 - 2160.
(5)
البيهقي 4/ 4.
(6)
أبو داود 3/ 549 ح 3220، الحاكم 1/ 369 - 370.
رأسه عند رجل (أ) رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرج أبو داود (1) في المراسيل من حديث صالح بن أبي صالح قال: رأيت قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم شبرا أو نحو شبر. ولا يعارض هذا ما (ب) أخرجه البخاري (2) من حديث سفيان التمار: أنه رأى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم مسنمًا أي مرتفعًا بأن يجعل كهيئة السنام، ورواه ابن أبي شيبة (3)، وزاد: وكذا قبر أبي بكر وقبر عمر، لإمكان الجمع بما قال البيهقي (4): إنه كان أولًا سطحًا كما قال القاسم ثم لما سقط الجدار في زمن الوليد بن عبد الملك أصلح فجعل مسنمًا.
فائدة: روي أنه صلى الله عليه وسلم دَفَنه عليّ والعباسُ وأسامةُ وغسَّلوه. كذلك أخرجه أبو داود من حديث الشعبيّ قال: وحدثني مرحب أنهم أدخلوا معهم عبد الرحمن بن عوف كأني أنظر إليهم أربعة، وفي رواية البيهقي (5) عن علي رضي الله عنه أربعة: علي والعباس والفضل وصالح، وهو شقران، وفي رواية ابن حبان في صحيحه عن ابن عباس: العباس وعلي والفضل وسوّى لحدَه رجلٌ من الأنصار، وهو الذي سوى لحودَ الأنصار يوم بدرٍ (6). وفي رواية ابن ماجه (7) والبيهقي من حديث ابن عباس، علي والفضل وقثم
(أ) في ب: رجلي.
(ب) في جـ: بما.
_________
(1)
المراسيل 178 ح 381.
(2)
البخاري 3/ 255 ح 1390.
(3)
ابن أبي شيبة 3/ 134.
(4)
البيهقي 4/ 4.
(5)
البيهقي 4/ 4.
(6)
ابن حبان (موارد) 530 ح 2161.
(7)
ابن ماجه 1/ 52 - 521 ح 1628.
وشقران، ونزل معهم خَوْلي، ويجمع بين الروايات بأن كل واحد روى ما رأى، فمن نقص أراد به أول الأمر ومن زاد أراد به آخر الأمر.
وكان وفاته صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين (1) عند أن زاغت الشمس لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول، ودفن يوم الثلاثاء، كما أخرجه مالك في الموطأ (2)، وقال جماعة: ليلة الأربعاء.
وقوله: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنْ يُجَصصَ القبرُ .. " إلخ، التجصيص هو التقصيص بالقاف، والقصة (3) بفتح القاف والصاد المهملة المشددة، والحديث فيه دلالة على النهي عن التجصيص للقبر والبناء عليه (أ) والقعود عليه، وهذا مذهب جمهور (ب) العلماء ومنهم الشافعي (4)، إلا أنهم حملوا
(أ) في جـ: على التنزيه، والنهي عن.
(ب) ساقطة من جـ.
_________
(1)
قال السهيلي: واتفقوا أنه توفي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، قالوا كلهم في ربيع الأول، غير أنهم قالوا، أو قال أكثرهم: في الثاني عمر من ربيع الأول، ولا يصح أن يكون توفي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين إلا في الثاني من الشهر أو الثالث عشر أو الرابع عشر أو الخامس عشر لاجتماع المسلمين على أن وقفة عرفة في حجة الوداع كانت يوم الجمعة، وهي التاسع من ذي الحجة، فدخل ذو الحجة يوم الخميس، وكان المحرم إما الجمعة وإما السبت، فإن كان الجمعة فقد كان صفر إما السبت وإما الأحد، كان كان السبت فقد كان ربيع الأحد أو الاثنين فكيفما دارت الحال على هذا الحساب، فلم يكن الثاني عشر من ربيع الأول يوم الاثنين بوجه، وذكر الطبري عن ابن الكلبي وأبي مخنف: توفي في الثاني من ربيع الأول، وهذا القول وإن كان خلاف قول الجمهور، فإنه لا يبعد إن كانت الأشهر التي قبله كلها كانت من تسع وعشرين فندرت، فإنه صحيح، ولم أر أحدا يفطن له، وقد رأيتم للخوارزمي أنه توفي عليه السلام في أول يوم من ربيع الأول، وهذا أقرب للقياس مما ذكره الطبري عن ابن الكلبي وأبي مخنف. انتهى.
(2)
الموطأ 159 ح 27 قال ابن عبد البر: لا أعلمه يروى على هذا النسق بوجه من الوجوه غير بلاغ مالك هذا، ولكنه صحيح من وجوه مختلفة، تجريد التمهيد 255.
(3)
القصة هي الجص. النهاية 4/ 71.
(4)
ذكر الإمام ابن قدامة هذه المسائل كلها بلفظ (يكره) 2/ 507. وكذلك الإمام النووي ولم =
النهي عن التجصيص والبناء، على التنزيه، والنهي عن القعود على التحريم، وفيه جمع بين الحقيقة والمجازه وحمل مالك (1) القعود هنا على قضاء الحدث وهو مردود بالرواية الأخرى في قوله:"لا تجلسوا على القبور": رواها مسلم (2)، وكذا قوله:"لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير من أن يجلس على قبر"(3) فهذا ظاهر في الجلوس ولا يكنى بالجلوس عن قضاء الحاجة كما يكنى بالقعود، ويقاس على الجلوس الاستناد إليه والاتكاء عليه، والعلة في ذلك هو احترام قبر المسلم.
والتجصيص للقبر مكروه صرح بذلك أصحاب الشافعي (4) وغيرهم، وأما البناء على القبر فإن كان في مقبرة مسبلة، وشغلت العمارة فوق ما يشغل محل الدفن فلا كلام في تحريم ذلك، وإن لم تشغل أو كان في الملك أو المباح فقال الإمام (5) يحيى: إنه لا بأس بذلك. وباتخاذ القباب على الفضلاء لإجماع المسلمين (6) على وضع ذلك، وقال الشافعي في الأم (7): رأيت الأئمة بمكة يأمرون بهدم ما يبنى، وقال أيضًا (8): أكره أن يعظم
= يتعرض لمسألة القعود 5/ 250، وذكر مسألة القعود 5/ 268 بلفظ (يكره) وقال: إن عبارة الشافعي وجمهور الأصحاب في الطرق كلها أنه يكره الجلوس، وأرادوا به كراهة التنزيه وقال بعض الشافعية بالتحريم.
(1)
المنتقى 2/ 24.
(2)
مسلم 2/ 668 ح 97 - 972.
(3)
مسلم 2/ 667 ح 96 - 971.
(4)
المجموع 5/ 250.
(5)
البحر 2/ 132.
(6)
وأي إجماع على ذلك، قلت: بل لا يجوز ويحرم ذلك، وهذه وسيلة من وسائل الشرك، فإن أول الأمر التذكير للاقتداء بهم، ثم آل الأمر إلى عبادة، وما كان وسيلة إلى محرم فهو حرام.
(7)
الأم 1/ 246.
(8)
الأم 1/ 246.
مخلوق حتى يجعل قبره مسجدًا مخافة الفتنةِ، وفي الباب أحاديث عن أبي هريرة (1) أن (أ) النبي صلى الله عليه وسلم قال:"قاتلَ الله اليهود اتخذوا قبورِ أنْبيائهم مساجد" متفق عليه، وعن ابن عباس (2) رضي الله عنه قال:"لعَنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبورِ والمتخذين عليها المساجدَ والسُّرج". رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وفي لفظ للترمذي (3) (ب):"نهي أن تجصص القبور، وأن يكتب عليها، وأن يبنى عليها وأن توطأ"، وفي لفظ للنسائي (4):"نهى أن يبنى على القبر أو يزاد عليه أو يجصص أو يكتب عليه"، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه: "لعن الله اليهود والنصاري اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". لولا ذلك أبرز قبره غير أنه خشي أو خشى أن يتخذ مسجدا. أخرجه (5) البخاري. وظاهر هذه الأخبار المقترنة باللعن والتشبيه بالوثن في قوله: "لا تتخذوا قبري وثنًا يعبد من دون الله"، التحريم للعمارة والتزيين (جـ) والتجصيص ووضع الصندوق المزخرف ووضع الستائر على القبر وعلى سمائه، والتمسح (د) بجدار القبر، وأن ذلك قد يفضي مع بعد العهد وفشو الجهل إلى ما كان عليه الأم السابقة من عبادة الأوثان، فكان (هـ) في المنع من ذلك بالكلية قطع لهذه
(أ) في جـ: بأن.
(ب) في جـ: الترمذي.
(جـ) في جـ: والتزين.
(د) في جـ: والتسمح.
(هـ) في هـ: وكان.
_________
(1)
البخاري 1/ 532 ح 437، مسلم 1/ 376 ح 20 - 530.
(2)
أبو داود 3/ 558 ح 3236، الترمذي 2/ 136 ح 320، النسائي 4/ 77.
(3)
الترمذي من حديث جابر 3/ 368 ح 1052، وأخرجه مسلم 2/ 667 ح 94 - 970.
(4)
النسائي 4/ 71.
(5)
البخاري 3/ 255 ح 1390، مسلم 1/ 376 ح 19 - 529.
الذريعة المفضية إلى الفساد، وهو المناسب للحكم المعتبر في شرع الأحكام، من جلب المصالح ودفع المفاسد سواء كانت بنفسها، أو باعتبار ما تفضي إليه، والله أعلم.
440 -
وعن عامر بن ربيعة: "أن النبي، صلى الله عليه وسلم صلّى على عثمانَ بن مظعون وأتى القبر فحثى عليه ثلاث حثيات وهو قائم". رواه الدارقطني (1) وأخرجه البزار أيضًا ولفظه: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم حين دفن عثمان بن مظعون صلّى عليه، وكبر عليه أربعًا، وحثى على قبره بيديه ثلاث حثيات من التراب وهو قائم عند رأسه (2) "، وزاد البزار:"فأمر فرش عليه الماء"، وقد روي الشافعي (3) من حديث إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه مرسلًا، وروى أبو داود في المراسيل (4): أن النبي صلى الله عليه وسلم "حثى في (أ) قبر ثلاثًا"، وهو من طريق أبي المنذر قال أبو حاتم (5) فيه: هو مجهول، وقد ورد في الحثْي على القبر أيضًا عن أبي أمامة قال: توفي رجل فلم يصب له حسنة إلّا ثلاث حَثيات حثَاها على قبر فغفرت (ب) له ذنوبه (6)، وروى أبو
(أ) في جـ: على.
(ب) في جـ: حثات حتى على قبر فغفر.
_________
(1)
الدارقطني، نحوه الجنائز، باب حثي التراب على الميت 2/ 76 ح 1.
(2)
البزار، باب رش الماء على القبر 1/ 396 - 397 ح 843، والحديث فيه:
1 -
القاسم بن عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المدني، متروك، قال أحمد: كان يكذب. الضعفاء للعقيلي 3/ 472. التقريب 271. تاريخ ابن معين 2/ 2481 - عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب المدني، ضعيف مر في 108 ح 13، فالحديث بهذا السند ضعيف ولكن أورد الشارح له شواهد.
(3)
الأم 1/ 245.
(4)
المراسيل 178 ح 380.
(5)
أبو حاتم في المراسيل 194، وقال ابن الملقن في البدر: إنه في المراسيل 4/ 255.
(6)
سنن البيهقي 3/ 410.
الشيخ في مكارم الأخلاق عن أبي هريرة مرفوعًا: "مَنْ حَثَى عَلَى مُسلم احتِسابًا كتبَ له بكلِّ ثَراةٍ حسنة"(1)، إسناده ضعيف، وروى ابن ماجه من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حثى من قبل الرأس ثلاثا (2) " وقال أبو حاتم في العلل (3): هذا حديث باطل.
في الحديث دلالة على شرعية الحثي على القبر وهو يكون باليدين جميعًا، ويستحب أن يقول عند ذلك: منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ذكره أصحاب الشافعي (4). وروي عن علي (5) رضي الله عنه أنه يقول: "اللهم إيمانًا بكَ وتصديقا برسلك، وإيقانًا ببَعْثك، هذَا ما وعد الله ورسولُهُ وصدق الله ورسوله".
441 -
وعن عثمان رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إِذَا فَرغَ مِن دَفْنِ المَيَّت، وقَفَ عليه، وقال: استغفروا لأخيكم، وسَلوُا (أ) له التثبيت فإِنه الآن يسأل". رواه أبو داود وصحه الحاكم (6).
(أ) في جـ: واسألوا.
_________
(1)
ولفظه "من حثا على مسلم أو مسلمة احتسابا".كنز العمال، وعزاه إلى أبي الشيخ 15/ 607، 608 ح 42411.
(2)
ابن ماجه 1/ 499 ح 1565.
(3)
لم أقف عليه، في العلل، في الجنائز.
(4)
ذكره النووي في المجموع عن القاضي حسين، والمتولي 5/ 244، واستدل له بحديث أبي أمامة ومر أنه ضعيف، فلا يصح الاحتجاج به والعمل بموجبه.
(5)
لم أقف عليه، وفي تخريج ابن بهران، عزاه إلى الشفاء 2/ 130.
(6)
أبو داود، الجنائز، باب الاستغفار عند القبر للميت في وقت الانصراف 3/ 550 ح 3221، الحاكم 1/ 370 وصح إسناده، ووافقه الذهبي، البيهقي 4/ 56. والحديث: عبد الله بن بحير بن ريسان أبو وائل، وثقه ابن معين واضطرب فيه ابن حبان وكذلك اضطرب فبه الذهبي، ساق ذلك ابن الملقن في البدر. ولم يتبين في أمره وقال النووي: سنده جيد، وحسنه الترمذي، التقريب 168، المغني 1/ 332، البدر 4/ 259، المجموع 5/ 244.
في الحديث دلالة على أن الميت ينفعه الاستغفار والدعاء (أ) له، وأنه ينتفع بما فعله (ب) الحي له، وأن له في القبر حياة يدرك بها ما يفعله الحي، وقد ورد بهذا أحاديث صحيحة.
وقوله: "وسلوا (جـ) له التثبيت فإنه الآن يسأل"، فيه دلالة على ثبوت سؤال منكر ونكير (د) في القبر، وقد وردت به صحاح الأحاديث، واتفقت على قدر مشترك، وإن اختلف في تفصيل السؤال والجواب وأخرجه البخاري في عدة مواضع في كتابه بأسانيد متعددة، فمنها من (هـ) حديث أنس (1) أنه حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن العَبْدَ إذا وضِعَ في قَبْره، وتولَّى عنْه أصحَابه إنه ليسْمع قَرع نعَالِهم" زاد مسلم (2): "إذا انصرفوا أتاه (و) مَلَكَان" زاد ابن حبان والترمذي (3) من حديث أبي هريرة "أزرقَان أسْوَدَان، يقال لأحدهما: المنْكر والآخر النكير" زاد الطبراني (4) في الأوسط: "أعينهما (ز) مثل قدور النحاس، وأنيابهما مثل صياصي البقر (5) وأصواتهما مثل الرعدِ"، زاد عبد الرزاق (6):"يحفران بأنيابهما ويطآن في أشْعَارهما، معهما مرزبة لو اجْتَمَعَ عليْها أهْل أمتي لم يُقِلُّوها"، وزادَ ابن الجوَزي في
(أ) مكررة في هـ.
(ب) في جـ يفعله.
(جـ) في جـ: واسألوا.
(د) فيها تقديم وتأخير بـ (جـ)، وأشار إلى ذلك.
(هـ) ساقطة من جـ.
(و) في جـ: أتى.
(ز) في جـ: عينهما.
_________
(1)
البخاري 3/ 232 ح 1374.
(2)
مسلم 4/ 2200 ح 70 - 2870 بلفظ "يأتيه".
(3)
الترمذي 3/ 383 ح 1071 وابن حبان (موارد) 197 ح 780.
(4)
مجمع الزوئد 3/ 54.
(5)
صياصي البقر: قرونها، واحدتها صيصية بالتخفيف، النهاية 3/ 67.
(6)
3/ 582 ح 6738، وهو مرسل من حديث عمرو بن دينار.
الموضوعات (1): "أن فيهم درومان وهو كبيرهم، وذكر بعض الفقهاء (2) أن اسم اللذين يسألان المُذْنب مُنْكرٌ ونَكِيرٌ، وأن اسم اللَّذين لا يَسْألان المُطِيع بشْرٌ وبَشيرٌ فيُقْعدانه"، زاد البخاري في حديث البراء "فتُعادُ رُوحُه في جَسده"(3)، وزادَ ابن حبان (4):"فإذا كان مؤمنًا كانت الصلاة عند رأسه، والزكاة عند (أ) يمينه، والصوم عن شماله، وفعل المعروف من قبل رجليه، فيقال: له اجْلسْ فيجْلسُ، وقد مُثلتْ لهُ الشمس عند الغروبِ"(ب) زاد ابن ماجه: "فيجلسُ وَيمسحُ عَيْنيه، ويقول: دعُوني أصَلي فيقولان: مَا كُنت تقول في هذا الرَّجل لمحمدٍ" زاد أبو داود (5): "ما كنت تَعبد؟ فإن الله هدَاهُ قالَ: كنت أعبد الله، فيقال له: ما كنت تقول (جـ) في هذا الرجل؟ ولأحمد من حديث عائشة (6): مَا هذَا الرجل الذي كان فِيكُم؟ (فأمَّا المُؤمنُ فيقول: أشْهدُ أنهُ عَبْدُ الله وَرَسُولُه"(د) ولأحمد من حديث أبي سعيد (7): "فإنْ كان مؤمنا قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده
(أ) في جـ: عن.
(ب) زاد في جـ: و.
(جـ) بهامش هـ.
(د) بهامش الأصل.
_________
(1)
الموضوعات 3/ 234 - 235، بلفظ سيدهم دومان.
(2)
الفتح 3/ 237.
(3)
الزيادة ليست عند البخاري من حديث البراء وإنما عند أبي داود 5/ 114 - 116 ح 4753، أحمد 4/ 287.
(4)
ابن حبان (موارد) 197 ح 781 من حديث أبي هريرة.
(5)
أبو داود 5/ 112 - 113 ح 4751 من حديث أنس.
(6)
أحمد 6/ 139 ولفظه: "محمد رسول الله جاءنا بالبينات".
(7)
أحمد 3/ 3، 4.
ورسوله، فيُقَالُ له: صدقت، فلا يُسألُ عنْ شيءٍ غيرَها". وفي حديث أسماء (1) بنت أبي بكر عند البخاري:"فأما المُؤمنُ أو المُوقِنُ فيقول: محمدٌ رسولُ الله جاءنا بالبيِّنات والهُدَى فأجبنا، وآمنا، واتبَعناه، فيقالُ له. نم صَالحا" وفي حديث أبي (2) سعيد عند سعيد بن منصور" فيقال له: نم نومة عَرُوسٍ، فيكون في أحلى نَوْمة نَامَها أحدٌ حتى يبعث" وللترمذي (3) في حديث أبي هريرة: "ويقال له: نم فينامُ نوْمةَ العَروُس الذي لا يُوقِظُه إلَّا أحبُّ أهْله حتى يبعَثَهُ الله مِنْ مَضْجعِهِ ذَلكَ" ولابن ماجه، وابن حبان من حديث أبي هريرة (4) وأحمد من حديث عائشة (5):"ويقال له: على اليقين كُنْتَ، وعليْه متَّ، وعليه تبْعَثُ إنْ شاءَ الله، فيقال له: انظر إلى مَقْعَدكَ من النار قد (أ) أبْدَلَكَ الله مَقْعَدًا منَ الجنة فَيَرَاهما جَميعًا" وفي رواية أَبي داود: (6)"فيقال له: هذا بيتكَ كان في النارِ، ولكِن اللَّه عز وجل عَصَمِكِ ورحمَكَ، فأبْدلَكَ به بيتًا في الجنةِ، فيقول: دعُوني حتى أذهبَ فأبشر أهْلي، فيقال له: اسِكن". وفي حديث أبي سعيد عند أحمد (7): "كان هذا منزِلَكَ لوْ كَفَرت بِرِبكَ". ولابن ماجه كان حديث أبي هريرة (8) بإسناد
(أ) في جـ: و.
_________
(1)
البخاري 1/ 182 ح 86.
(2)
الفتح 3/ 236.
(3)
الترمذي 3/ 383 ح 1071.
(4)
ابن ماجه 2/ 1426 ح 4268 ولفظ ابن حبان (موارد): "على ذلك حييت" 197 - 198 ح 1781.
(5)
6/ 139 نحوه.
(6)
أبو داود بلفظ: "هذا بيتك كان لك في النار" من حديث أنس 5/ 112 - 113 ح 4751.
(7)
أحمد 3/ 3، 4.
(8)
ابن ماجه بمعناه 21/ 1426 ح 4268.
صحِيح: "فيقال له: هلْ رأيتَ الله؟ فيقول: مَا ينبَغي لأحد أنْ يرَى الله، فَتُفْرج له فُرْجَةً قبَلَ النارِ فينظر إليها يحطم بعضها بعضًا، فيقول: انْظر إلى مَا وَقاكَ الله". وللبخاري عن (1) أبي هريرة رضي الله عنه: "لا يدخل الجنةَ أحدٌ إلا أري مَقْعَدَه مِنَ النارِ لوْ أساءَ ليَزْدَادَ شكْرًا"، وذكر عكسه قال قتادة (2) وذكر لنا أنه يُفْسحُ له في قِبره. زادَ (3) مسلم من طريق شيبان عن قتادة:"سبعون ذراعًا ويُملأ عليه خضِرًا إلى يومِ يبعثُون". وفي حديث أبي سعيد عند أحمَد (4): "وَيُفْسَحُ لهُ في قبره". ومن حديث أبي هريرة عند الترمذي وابن حبان (5) فيُفْسَحُ له في قبرِه سبعون ذراعًا زاد ابن حبان "في سبعين ذاراعًا"، وزاد من وجه آخر عن أبي هريرة (6):"ويرحب له في قبره سبعون ذراعًا، وينور له كالقمر ليلة البدرِ" وفي حديث البراء (7) الطويل: "فيُنادي مناد (أ) من السماء: أنْ صدق عبدي، فأفرشوه من الجنة، وافْتَحُوا له بابًا في الجنة، وألْبسُوهُ من الجنة قال: فيأتيه من رُوحها وطيبها، ويفسح له فيها مد بصَره" زَاد ابن حبان (8) من وجه آخر عن أبي هريرة "فيزداد غِبْطَةً وسرورًا، فَيعادُ الجلد إلى ما بدئ منه، ويُجعلُ روحه في نسيمِ طائرٍ
(أ) في جـ: فنادى مناديًا.
_________
(1)
البخاري 11/ 418.
(2)
ذكرها البخاري معلقة 3/ 232، وهي عند مسلم.
(3)
مسلم 4/ 2200 ح 70 - 2870.
(4)
أحمد 3/ 3، 4.
(5)
الترمذي 3/ 383 ح 1071، ابن حبان (موارد) 197 ح 780.
(6)
ابن حبان (موارد) 198 - 199 ح 782.
(7)
أبو داود 5/ 114 - 155 ح 4753.
(8)
ابن حبان (موارد) 1971 - 198 ح 781.
تعلق في شَجرِ الجنة، وأما المنافق والكافرُ (أ) " وفي رواية للبخاري (1): وأما الكافر، أو المنافق بالشك. وفي رواية أبي داود:"إن الكافرَ إذا وضع"، وكذا لابن حبان (2) من حديث أبي هريرة، وكذا في حديث البراء (3) الطويل، وفي حديث أبي سعيد (4) عند أحمد:"وإن كان كافرًا، أو منافقًا" بالشك. وله من حديث أسماء (5): "فإن كان فاجرًا أو كافرًا". وفي الصحيحين (6) من حديثها: "وأما المنافق والمرتاب". ومن حديث جابر عن عبد الرزاق وحديث أبي هريرة عند الترمذي (7): "وأما المنافق". وفي حديث عائشة عند أحمد وأبي هريرة (8) عند ابن ماجه (ب): "وأما الرجل السوء"، وللطبراني من حديث أبي هريرة (9)"وإن كان من أهل الشك"، فاختلفت هذه الروايات، وهي مجتمعة على أن كلا من الكافر والمنافق يسأل. وفيه رد على من زعم أن السؤال إنما يقع على من يدعى الإيمان إن (جـ) محقا وإنْ
(أ) الواو ساقطة من جـ.
(ب) في جـ: ابن حبان.
(جـ) زاد في جـ: هو.
_________
(1)
البخاري 3/ 232 ح 1374.
(2)
ابن حبان (موارد) 197 - 198 ح 781.
(3)
أبو داود 5/ 114 - 115 ح 4753.
(4)
أحمد 3/ 3، 4.
(5)
أحمد 6/ 352 - 353.
(6)
البخاري 2/ 182 ح 86، مسلم 2/ 624 ح 11 - 905.
(7)
الترمذي 3/ 383 ح 1071.
(8)
ابن ماجه 2/ 1426 ح 4268.
(9)
مجمع الزوائد وعزاه إلى الطبراني في الأوسط 3/ 54.
مبطلًا ومستندهم في ذلك ما رواه عبد الرزاق (1) من طريق عبيد بن عمير أحد كبار التابعين -قال: إنما يفتن رجلان- مؤمن ومنافق، وأما الكافر فلا يسأل عن محمد ولا يعرفه، وهو موقوف، والأحاديث الماضية على أن الكافر يسأل مرفوعة مع كثرة طرقها الصحيحة، فهي أولى بالقبول، وجزم الحكيم الترمذي (2) بأن الكافر يسأل، واختلف في الطفل غير الخير، فجزم القرطبي في التذكرة (3) بأنه يسأل، وهو منقول عن الحنفية، وجزم غير واحد من الشافعية بأنه لا يسأل، ولذلك (أ) قالوا: لا يستحب أن يلقن (4)، واختلف أيضًا في النبي صلى الله عليه وسلم هل يسأل؟، وأما الملك فلا نعرف أن أحدًا قال: إنه يسأل، والذي يظهر أنه لا يسأل؛ لأن السؤال إنما يكون لمن يفتن، قال ابن عبد البر (5): الآثار تدل على أن الفتنة لمن كان من أهل القبلة، ورد عليه ابن القيم في كتاب الروح (6) بقوله تعالى:{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} (7) الآية، وفي حديث أنس (8) في البخاري"
(أ) في جـ: ولذا.
_________
(1)
عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قال عبد الله بن عمر 3/ 590 ح 6757 وليس فيه عبيد بن عمير.
(2)
نوادر الأصول 323 - 324.
(3)
التذكرة 2/ 515.
(4)
المجموع 5/ 258.
(5)
قال ابن عبد البر: الفتنة في القبر لا تكون إلا لمؤمن أو منافق كان منسوبا إلى أهل القبلة ودينه الإسلام بظاهر الشهادة.
(6)
قال ابن القيم: القرآن والسنة تدل على خلاف هذا القول وأن السؤال للكافر والمسلم قال تعالى
…
الروح 123 - 124.
(7)
الآية 27 من سورة إبراهيم.
(8)
البخاري 3/ 232، 233 ح 1374.
"وأما المنافق والكافرُ" بواو العطف وفي حديث أبي سعيد (1): "فإن كان مؤمنًا" فذكره (أ) وفيه: "وإن كان كافرًا"، وفي حديث البراء "وإن الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا" فذكره فيه "فيأتيه منكر ونكير .. " الحديث، أخرجه (2) أحمد:"فيقول: لا أدري"، وفي حديث البراء (3) زيادة:"فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولون له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدري"، وهو أتم الأحاديث سياقا (4).
"كنت أقول ما يقول الناس"، وفي حديث أسماء (5):"سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته". وكذا في أكثر الأحاديث. "فيقال: لا دريت ولا تليت"(6)، ومعنى تليت: تلوت مِنْ تلوت القرآن فأبدلت الواو ياء تباعًا (ب)، والمعنى: لا فهمت ولا اتبعت من يفهم، ووقع عند أحمد (7) من حديث أبي سعيد:"لا دريث ولا اهتديت" وفي مرسل عبيد بن عمير عند عبد الرزاق (8): "لا دريت ولا أفلحت، ويضرب بمطارق من حديد ضربة"،
(أ) في جـ: فذكر.
(ب) في جـ: تبعا.
_________
(1)
أحمد 3/ 3، 4.
(2)
أحمد 4/ 287.
(3)
أبو داود 5/ 114 - 116 ح 4753.
(4)
أبو داود 5/ 114 - 116 ح 4753.
(5)
البخاري 1/ 182 ح 86.
(6)
نقل المؤلف هذا الكلام من الفتح وهذا من حديث أنس عند البخاري 3/ 232، 233 ح 1374.
(7)
أحمد 3/ 3، 4 بلفظ:"لا دريت ولا تليت ولا اهتديت".
(8)
عبد الرزاق 3/ 590 - 591 ح 6758.
وقع في رواية للبخاري (1) بلفظ الإفراد، ويمكن الجمع بأنه عبر عن المفرد بالجمع، إيْذانًا بأن كلا من أجزائِها مطرقة من المطارق، مبالغة. وفي حديث (2) البراء زيادة:"لو ضُرِب بها جَبَلٌ لصار تُرابًا، فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين". وفي حديث (أ) البراء (3): "يسمعها ما بين المشرق والمغرب"، وفي حديث أبي سعيد (4) عند أحمد:"يسمعه خلق الله كلهم غير الثقَلين"، وظاهر هذا شمول الحيوان والجماد، إلا أنه ورد في حديث أبي هريرة (5) عند البزار (ب):"يسمعه كل دابة إلا الثقلين" ففيه التقييد لما أطلق ويسمى الجن والإنس بالثقل لثقلهم على الأرض، والحكمة في عدم إسماعهما: إخفاء الله أحوال الآخرة عن المكلفين إلا من شاء إبقاء عليهم ولسر (جـ) التكليف.
واعلم أنه (د) قد وردت أحاديث تدل على اختصاص هذه الأمة بالمسألة، وأن أم الأنبياء المتقدمين لا يكون لهم هذا الامتحان، وهو ما في حديث زيد بن ثابت أن هذه (هـ) تبتلى في قبورها، أخرجه مسلم (6)، ومثله عند
(أ) في جـ: رواية.
(ب) في جـ: البراء.
(جـ) في جـ: وليس.
(د) في هـ: أن، وفي جـ: إنها.
(هـ) ساقطة من جـ.
_________
(1)
البخاري 3/ 205 ح 1338.
(2)
أبو داود 5/ 114 - 116 ح 4753.
(3)
البخاري 3/ 532، 233 ح 1374.
(4)
أحمد 3/ 3، 4.
(5)
مجمع الزائد 4/ 52، 53.
(6)
مسلم 4/ 2199 ح 67 - 2867.
أحمد (1) من حديث أبي سعيد ومن حديث عائشة (2): "و (أ) أما فتْنَة القبر، فبي يفْتَنون، وعنِّي يسألون" وجزم بهذا الحكيم الترمذي (3) وقَال: السر فيه أن الأم السالفة كانت تأتيهم الرسل، فإن أطاعوا فذاك، وإن أبوا (ب) اعتزلوهم، وعوجلوا بالعذاب، فلما أرسل الله محمدًا رحمة للعالمين أمسك عنهم العذاب وقبل الإسلام ممن أظهره سواء أخلصه أم لا، فلما ماتوا قيَّض الله لهم فتَّانَي القبور لتستخرج سرهم بالسؤال، وليميز الله الخبيث من الطيب ويثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين. وجنح ابن القيم (4) إلى عموم المسألة، وقال: ليس في الأحاديث ما يدل على الاختصاص، وإنما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بكيفية (جـ) امتحانهم لا باختصاصهم، قال: والذي يظهر أن كل نبي مع أمته كذلك، فيعذب كفارهم في قبورهم بعد سؤالهم كما يعذبون في الآخرة بعد سؤالهم وإقامة الحجة عليهم وحكى في مسألة الأطفال (5) احتمالا، والظاهر أن ذلك لايمتنع في حق الخير (د) دون غيره وقد
(أ) ساقطة من جـ.
(ب) بهامش هـ.
(جـ) في هـ: بكفيه.
(د) في هـ: المميز وهو الأولى للسياق.
_________
(1)
أحمد 3/ 3.
(2)
أحمد 6/ 139 - 140.
(3)
نوادر الأصول 323.
(4)
الروح 123، 124.
(5)
ذكر في مسألة الأطفال قولين: (أ) يمتحنون ويسألون لأنه يصلي عليهم ويدعو لهم ويسأل الله الوقاية من عذاب القبر. (ب) لا يمتحنون. ورجع ابن القيم أنهم لا يسألون وقال في أحاديث الدعاء، لا ريب أن في القبر هموم وحسرات ما قد يسري أثره إلى الطفل، يشرع للمصلي عليه أن يسأل الله له أن يقيه العذاب. الروح 130، 131.
خالف في إثبات المسألة في القبر بعض العلماء، وقال: إنه يلزم من ذلك الحياة في القبر، فيكون الإنسان قد أحيي ثلاث مرات، وأميت ثلاث مرات، وهو خلاف قوله تعالى:{قَالُوا (أ) رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} (1) والجواب: بأن (ب) الحياة في القبر ليست حياة مستقرة تقوم فيها الروح بالبدن بالتصرف والتدبير ويحتاج فيها إلى ما يحتاج إليه الحي فلم يعد حينئذ، وأريد بما في الآية الحياة المعتد بها الكاملة المقصودة، وهذه إنما قصدت لمجرد الامتحان، (كما أحيي خلق لكثير (جـ) من الأنبياء لمساءلتهم لهم عن أشياء ثم عادوا موتى) (د).
وفي الحديث الذي ذكرناه (هـ) في كيفية المسألة دلالة على إثبات عذاب القبر فهذا (و) في حق الكافر وحديث: "وما يعذبان في كبير"(2) يدل أيضًا علي تعذيب من شاء الله تعالى ذلك في حقه من الموحدين، وقد ثبت ذلك في أحاديث كثيرة، منها عن أبي هريرة وابن عباس وأبي أيوب وسعد وزيد بن الأرقم وأم خالد في الصحيحين أو أحدهما، وعن جابر عند ابن ماجه وأبي سعيد عند ابن مردويه، وعمر وعبد الرحمن وعبد الله بن عمرو عند أبي داود، وابن مسعود عند الطحاوي، وأبي بكرة عند النسائي،
(أ) ساقطة من جـ.
(ب) في جـ: أن.
(جـ) في هـ: كثير، وفي جـ: كثير لكثير.
(د) بهامش الأصل.
(هـ) في جـ: ذكرنا.
(و) عليها آثار كشط في جـ.
_________
(1)
الآية 11 من سورة غافر.
(2)
البخاري 3/ 242 ح 1378.
وأسماء بنت زيد عند النسائي أيضًا و (أ) أم ميسرة عند ابن أبي شيبة وغيرهم.
442 -
وعن ضمرة بن حبيب -أحد التابعين- قال: "كانوا يَسْتَحِبّونَ إِذَا سُوِّيَ علَى الميت قبرُه، وانْصرف الناسُ عنه، أنْ يُقالُ عندَ قبرِه: يا فلان قلْ: لَا إِله إِلَّا الله، ثلاث مرات. يا فلانُ قُلْ: ربِّيَ الله، ودِيني الإِسلام، ونَبِيِّيَ مُحمَّدٌ". رواه سعيد بن منصور موقوفًا.
وللطبراني نحوه من حديث أبي أمامة مرفوعًا موصولًا (1).
ضمرة بن حبيب الحمْصِيّ (ب) تابعي ثقة، روي عن شداد بن أوس وأبي أمامة وجماعة.
قوله: كانوا يستحبون، ظاهره أن المستحب لذلك الصحابة الذين أدرك عصرهم وأن ذلك سُنة مألوفة غير متحتمة، بل مختار موسع في تركه (2).
وحديث أبي أمامة رواه سعيد الأزدي وقد بيض له أبو حاتم، ولكن له شواهد ولفظه: قال أبو أمامة: إذا أنا مت فاصنعوا بي كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصنع بموتانا، أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إذا مات أحدُ من إخوانكم فسويتم التراب على قبره، فليقم أحدكم على رأس قبره، ثم ليقل: يا فلان ابن فلانة فإنه يسمعه، ولا يجيب، ثم يقول: يا فلان ابن فلانة، فإنه يستوي قاعدًا، ثم يقول: يا فلان ابن فلانة فإنه يقول: أرشدنا يرحمك الله، ولكن لا تشعرون، فليقل: اذكر ما خرجت عليه من
(أ) الواو ساقطة من هـ.
(ب) في ب: الحصمي، وهو تصحيف.
_________
(1)
مجمع الزوائد وعزاه إلى الطبراني في الكبير 3/ 45.
(2)
التهذيب 4/ 459، ثقات العجلي 232، تاريخ ابن معين 2/ 274.
الدنيا، شهادة أن لا (أ) إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، وأنك رضيت بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًّا، وبالقرآن إمامًا، فإن منكرًا ونكيرًا يأخذ كل واحد منهما بيد صاحبه، ويقول: انطلق بنا، ما يقعدنا عند من قد لقن حجته؟ فقال رجل: يا رسول الله! فإن لم يعرف أمه؟ قال (ب) ينسبه إلى أمه حواء (جـ يا فلان ابن حواء جـ)" وهذا الحديث إسناده صالح، وقد قواه (1) الضياء في أحكامه وأخرجه عبد العزيز من الحنابلة في الشافعي، وهو أيضًا متأيد بحديث عثمان الذي، فإن قوله: "سلوا (د) له التثبيت"، إشارة إلى هذا المعنى، وأخرج (هـ) أيضًا الطبراني (2) من حديث الحكم بن الحارث السلمي أنه قال لهم: إذا دفنتموني، ورششتم على قبري الماء فقوموا على قبري واستقبلوا القبلة وادعوا لي، وقد تقدم في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بعد الدفن (3)، أنه قام إلى (و) جانب القبر، ثم قال: "اللهم جاف الأرض عن جنبيها، وصعد روحها، ولقها منك رضوانًا".
وفي صحيح مسلم (4) أن عمرو بن العاص قال لهم: إذا دفنتموني
(أ) ساقطة من جـ.
(ب) في جـ: فقال.
(جـ- جـ) ساقط من جـ.
(د) في جـ: فاسألوا.
(هـ) في جـ: وأخرجه.
(و) في جـ: على.
_________
(1)
التلخيص 2/ 143، البدر 4/ 260.
(2)
الطبراني 3/ 241 ح 3171.
(3)
ابن ماجه 1/ 495 ح 1553، وفيه حماد بن عبد الرحمن، ضعيف في 1384 ح 437.
(4)
مسلم 1/ 112 ح 192 - 121.
أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها حتى أستأنس بكم، وأعلم ماذا أراجع رسل (أ) ربي.
و (ب) قال الأثرم: قلت لأحمد: هذا الذي يصنعونه إذا دفن (ب) الميت، يقف الرجل ويقول (د): يا فلان ابن فلانة .. قال (هـ): ما رأيت أحدًا يفعله إلا أهل الشام حين مات أبو المغيرة يروي فيه عن أبي بكر بن أبي مريم عن أشياخهم أنهم كانوا يفعلونه، وكان إسماعيل بن عياش يشير (و) إلى حديث أبي أمامة (1)، وقد ذهب إلى العمل بهذا أصحاب الشافعي (2)، فصرح في عجالة المنهاج بقوله: ويسن أن يقف جماعة بعد دفنه عند قبره ساعة يسألون له التثبيت للاتباع ويستحب تلقينه عند دفنه أيضًا.
والظاهر أن الوقوف مجمع على شرعيته، والتلقين فيه خلاف.
443 -
وعن بُريدة بن الحصيب الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نَهيتُكم عن زيارة القبور، فَزُوروها". رواه مسلم (3).
(أ) في هـ: رسول.
(ب) الواو ساقطة من جـ.
(جـ): دفنتم.
(د) في جـ: فيقول.
(هـ) ساقطة من جـ.
(و) في هـ: مشيرا.
_________
(1)
انظر التلخيص 2/ 142 - 143.
(2)
المجموع 5/ 257.
(3)
مسلم، الجنائز، باب استئذان النبي صلى الله عليه وسلم رب عز وجل في زيارة قبر أمه 2/ 672 ح 106 - 977، أبو داود، وزاد "فإن في زيارتها تذكرة"، الجنائز، باب في زيارة القبور 3/ 558 ح 2235، الترمذي، بلفظ: "قد كنت نهيتكم
…
" الجنائز، باب ما جاء في الرخصة في زيارة القبور 3/ 370 ح 1054، النسائي، الجنائز، زيارة القبور 4/ 73، أحمد 5/ 350.
زاد الترمذي: "فإِنَّها تُذَكِّرُ الآخرة".
زاد ابن ماجه من حديث ابن مسعود: "وتزهد في الدنيا"(1).
وفي الباب أيضًا عن أبي هريرة (2) رواه مسلم بلفظ: "اسْتأذنتُ ربي أنْ أزورَ قبر أمِّي فأذن لي، فزورُوا القبُورَ، فإنها تُذَكِّرُكُم الموت". ورواه الحاكم وابن ماجه مختصرًا وعن ابن مسعود رواه ابن ماجه، والحاكم، وعن أبي سعيد (3) رواه الشافعي وأحمد، والحاكم ولفظه "فإنها عبرة"، ولفظ الحاكم:"كُنت نَهيْتكم عن زيارة القبور، ثم بدا لي أنها ترق القلب، وتُدمِعُ العينَ، وتُذَكِّر الآخرة فزُورُوها، ولا تقولوا: هُجْرًا"، وعن علي بن أبي طالب رواه أحمد (4)، وعن عائشة:"أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في زيارة القبور" رواه ابن ماجه (5).
الحديث فيه دلالة على استحباب زيارة القبور للرجال، لأن الخطاب لهم، والظاهر أنه مجمع عليه (6)، وأن الأمر ليس للوجوب، وهذا الحديث من الأحاديث التي جمعت بين الناسخ والمنسوخ، وفي قصة زيارته صلى الله عليه وسلم
(1) ابن ماجه، الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور 1/ 501 ح 1571، الحاكم 1/ 375 وفيه: أيوب بن هانئ مختلف فيه، وثقه ابن حبان، ضعفه ابن معين، قال ابن عدي: لا أعرفه ذكره الذهبي في المغني قال ابن حجر: صدوق قيم، لين، التقريب 42، المغني 1/ 98، الكامل 1/ 351، تهذيب التهذبب 1/ 405، الميزان 1/ 294، ولأيوب بن هانئ متابع فإنه تابعه جابر بن يزيد، وهو ضعيف رافضي، ولكن ليس فيه تزهد في الدنيا، أحمد 1/ 452، التقريب 53، لكن له شاهد من حديث بريدة وحديث أبي هريرة.
(2)
مسلم 2/ 672 ح 105 - 976 م، ابن ماجه 1/ 500 ح 1569، الحاكم 1/ 375.
(3)
مسند الشافعي 361، أحمد 3/ 63، الحاكم 1/ 374 - 375.
(4)
أحمد (الفتح الرباني) 8/ 157.
(5)
ابن ماجه 1/ 50 ح 1570.
(6)
حكى النووي استحبابه لكافة أهل العلماء، ونقل عن العبدري الإجماع. المجموع 5/ 267.
لقبر أمه دلالة على تأكيد (أ) زيارة الوالدين في الحياة وبعد الوفاة، ولو كانا كافرين، وأن ذلك من المصاحبة لهما في الدنيا معروفًا، ولذلك منع (ب) الاستغفار لهما.
وفي قوله: "فإنها (جـ) تذكر الآخرة" إشعار بأن الحكمة في شرعية الزيارة إنما هو الاعتبار والاستبصار بمثل من خلا قبله.
وقوله: "وتزهد في الدنيا كذلك"، فإن من علم بحقيقة الأمر استقرب مفاجأة الرحلة عن الدنيا فرفضها، ولم يطمئن إلى شيء من زينتها ومتاعها الحقير.
444 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لَعَنَ زائرات القُبور". أخرجه الترمذي، وصححه ابن حبان، وأخرجه أحمد وابن ماجه (1).
وفي الباب أيضًا من حديث حسان (2) رواه أحمد وابن ماجه (د والحاكم، ومن (هـ) حديث ابن عباس (3) رواه أحمد وأصحاب السنن والبزار وابن حبان د) والحاكم.
(أ) في جـ: تأكيد.
(ب) زادت هـ: من.
(جـ) في جـ: إنها.
(د- د) بهامش جـ.
(هـ) في هـ: والحاكم من بدون الواو.
_________
(1)
الترمذي بلفظ: "زوارات"، الجنائز، باب ما جاء في كراهية زيارة القبور للنساء 3/ 371 ح 1056، ابن حبان (موارد)، الجنائز، باب زيارة القبور 200 ح 789، ابن ماجه بلفظ:"زوارات"، الجنائز، باب ما جاء في النهي عن زيارة النساء القبور 1/ 502 ح 1576، أحمد 2/ 337، الطيالسي 311 ح 2358، البيهقي 4/ 78، وفيه عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، صدوق يخطئ، قال أبو حاتم: صالح الحديث. التقريب 254، الميزان 3/ 201، ولكن للحديث شواهد أورد بعضها الشارح.
(2)
أحمد 3/ 242، ابن ماجه 1/ 502 ح 1574، الحاكم 1/ 374.
(3)
أبو داود 3/ 558 ح 3236، الترمذي 2/ 136 ح 320، النسائي 4/ 77، ابن ماجه 1/ 502 ح 1575، أحمد 1/ 229، والحاكم 1/ 374، ابن حبان 200 ح 788.
والحديث يدل على تحريم زيارة النساء للقبور، وفي ذلك ثلاثة أقوال: التحريم عليهن لهذا، والإباحة، والكراهة، ولعله يحمل هذا (أ) على صحة زيارتها المتعرض (ب) لفعل محرم، كمن تبرجت بالزينة، أو ناحت على القبر، أو أنه منسوخ، ويدل على ذلك ما أخرجه مسلم عن عائشة (1) قالت: كيف أقول يا رسول؟ تعني إذا زارت القبور، قال:"قولي: السلام على أهل الديار (من المؤمنين والمسلمين) (جـ) ويرحم الله المتقدمين منا والمتأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون"، وما أخرجه الحاكم (2) من حديث علي بن الحسين رضي الله عنه: أن فاطمة رضي الله عنها بنت النبي صلى الله عليه وسلم كانت تزورُ قبرَ عمها حمزة كل جمعة، فتصلي وتبكي عنده وعموم قوله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ زار قَبْرَ أبَويه أو أحدَهما في كل جمعة غفر له، وكتب برًّا" رواه البيهقي في شعب الإيمان (3) مرسلًا، وكذا الحديث الأول، "كنت نهيتكم"، فإنه كان كان الخطاب لمذكرين فهو كثير ما يغلب على الإناث بقرينة، والله أعلم.
(أ) ساقطة من جـ.
(ب) في هـ: على من صحب زيارتها التعرض.
(جـ) الأصل تقديم وتأخير، وقد أشار إلى ذلك.
_________
(1)
مسلم في حديثه الطويل 2/ 669 ح 103 - 974 م.
(2)
الحاكم 1/ 377، وقال الذهبي: هذا منكر جدا وسلمان ضعيف، سنن البيهقي 4/ 78 وقال: منقطع.
(3)
رواه السيوطي في الجامع الصغير وقال: ضعيف 2/ 298، وقال العراقي في تخريج الإحياء: رواه ابن أبي الدنيا وهو معضل ومحمد بن النعمان مجهول، 4/ 418، قلت: فلا يقوم بهما حجة.
445 -
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "لَعَنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم النَّائحةَ والمسْتَمِعَةَ" أخرجه أبو داود (1).
وعن أم عطية قالت: "أخَذ علينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن لا ننوحَ" متفق عليه (2).
النوح: هو رفع الصوت بتعديد شمائل الميت ومعاظم أفعاله.
وقول أم عطية: أخذ علينا .. إلخ (أ) كان الأخذ في وقت المبايعة للإسلام.
وفي الحديث دلالة على تحريم النياحة والاستماع لها، إذ اللعن إنما يكون على فعل محرم، وفي الباب أحاديث عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَيس منا منْ ضربَ الخُدودَ، وشق الجُيوب، ودَعَا بِدعْوَى الجاهلية" متفق عليه (3). وفي أبي بردة قال: أغمى على أبي موسى، فأقْبَلت امرأته أم عبد الله تصيح برنة، ثم أفاق فقال. ألم تعلمي -وكان يحدِّثها-: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أنا بَرِيء مِمن حَلقَ وصلقَ وخَرَقَ"
(أ) زاد في هـ: و.
_________
(1)
أبو داود، الجنائز، باب في النوح 3/ 493، 494 ح 3128، أحمد 3/ 65، والبيهقي 4/ 63، الحديث في سنده محمد بن الحسن بن عطية عن أبيه عن جده محمد بن الحسن بن عطية، أبو سعد الكوفي، صدوق يخطيء. التقربب 294، الحسن بن عطية ضعفه أبو حاتم وغيره، المغني 1/ 162، عطية بن سعد بن جنادة العوفي، أبو الحسن، كان شيعيًّا ضعيف، قال ابن معين: صالح. ضعفاء العقيلي 3/ 359، تاريخ ابن معين 2/ 407، وأخرجه بلفظه الطبراني من طريق ابن عباس، قال الهيثمي: فيه الصحاح أبو عبد الله لم أجد من ذكره. مجمع الزوائد 3/ 13، وأخرجه من حديث ابن عمر 3/ 14.
(2)
مسلم بلفظ: "أخذ علينا رسول الله مع البيعة" 2/ 645 ح 31 - 936، البخاري بلفظ:"أخذ علينا النبي صلى الله عليه وسلم عند البيعة" 3/ 176 ح 1306، أبو داود بمعناه 3/ 493 ح 3127.
(3)
3/ 163 ح 1294، مسلم بلفظ:"أو" 1/ 99 ح 165 - 103.
متفق عليه (1). وعن أبي مالك الأشعري (2) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أربع في أمتي من الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة"(أوقال: النائحة إذا لَمْ تتبْ قَبْل موتها تُقَام يومَ القيامةِ وعليْها سِرْبَالٌ مَنْ قطِرَانٍ، ودِرْع أ) مِنْ جرب (ب أي عصب ب)، وقد عورض هذا النَّهي بما أخرجه أحمد وابن ماجه وصححه الحاكم من طريق أسامة بن زيد عن نافع عن ابن عمر (3): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بنساء بني عبد الأشهل يبكين هلكاهن يوم أحد فقال: "لكن حمزة لا بواكي له" فجاء نساء الأنصار يبكين حمزة فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "مروهن فَلْيَنْتَقِلْنَ ولا يبكين علَى هالكٍ بعد اليوم"، وله شاهد أخرجه عبد الرزاق (4) من طريق عكرمة، وأخرج النسائي (5) عن أبي هريرة قال: مات ميت من آل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتمع النساء يبكين عليه، فقام عمر ينهاهن ويطردهن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"دعهن يا عمر فإن العين دامعة، والقلب مصاب، والعهد قريب" والميت هي زينب صرح به
(أ - أ) بهامش جـ.
(ب- ب) بهامش هـ وساقطة من جـ.
_________
(1)
البخاري بمعناه 3/ 165 ح 1296، مسلم بلفظ:"سلق" 1/ 100 ح 167 - 104 م والصلق- السلق: رفع الصوت عند المصيبة. النهاية 2/ 391.
(2)
مسلم 2/ 644 ح 29 - 934.
(3)
أحمد 2/ 40، 84، 92، ابن ماجه 1/ 507 ح 1591، الحاكم 1/ 381، البيهقي 4/ 70، مجمع الزوائد وعزاه إلى أبي يعلى 6/ 120.
(4)
عبد الرزاق 3/ 561 ح 6694.
(5)
النسائي 4/ 16، ابن ماجه 1/ 505، 506 ح 1587.
في حديث ابن عباس قال (أ): ماتت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكت النساء فجعل عمر يضربهن بسوطه، فأخره رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال:"مهلًا يا عمر" ثم قال (ب): "إيَّاكُنَّ ونَعِيقَ الشَّيطان"، ثم قال:"إنه مهما كان من العين ومن القلب فمن الله عز وجل، ومن الرحمة، وما كان من اليد ومن اللسان فمن الشيطان" رواه أحمد (1)، والنعيق في الأصل: من نعق الراعي بالغنم إذا دعاها لتعود إليه. فهذا فيه دليل على جواز البكاء، وظاهره ولو كان على جهة النياحة، وهو ظاهر في قصة حمزة رضي الله عنه ولكن فيه دلالة على الخصوص فلا معارضة، وحديث أبي هريرة منسوخ بالنهي عنه، كما في حديث عائشة (2) رضي الله عنها قالت: لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم قتل ابن حارثة وجعفر وابن رواحة جلس يعرف فيه الحزن، وأنا أنظر من صاير (جـ) الباب -يعني شق الباب- فأتاه رجل فقال: إن نساء جعفر -وذكر بكاءهن- فأمره أن ينهاهن فذهب، ثم أتاه (د) الثانية لم يطعنه (هـ فقال: إنهضنْ هـ)، فأتاه الثالثة (و) قال: والله غلبتنا يا رسول الله فزعمت أنه قال: "فأحث (ز) في أفواههن التراب"، فقلت: أرغم الله أنفك إن لم تفعل ما أمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تترك رسول الله صلى الله عليه وسلم من العناء. متفق عليه. وهذا
(أ) في هـ: قالت خطأ.
(ب) في جـ: فقال.
(جـ) في جـ: خصاص.
(د) في جـ: فزتاه.
(هـ- هـ) ساقطة من جـ.
(و) زاد في هـ: ثم.
(ز) في جـ: احث.
_________
(1)
أحمد 1/ 237 - 238.
(2)
البخاري 3/ 166 ح 1299، مسلم 2/ 644 ح 30 - 935.
في قصة موته، وهي في شهر جمادي سنة ثمان وهو متأخر، فيكون ناسخًا، ولكن موت زينب أيضًا في أول سنة ثمان، ولعله يقال: إن النهي هذا ظاهره الكراهة؛ إذ لو كان للتحريم لبادر النبي صلى الله عليه وسلم إلى إزالة (ذلك المنكر)(أ)، ولم يرخص له في الثلاث المرات، ولكن الكراهة شديدة حسمًا لذريعة (ب) إظهار الجزع، وعدم الرضا بالقضاء، والله سبحانه أعلم.
وقد أشار إلى ذلك البخاري (1) فقال: باب ما يكره من النياحة، وظاهر "مَنْ" التبعيض وأورد بعده: وقال عمر (1): دعهن يبكين على أبي سليمان -يعني خالدًا- ما لم يكن نقع أو لقلقة. والنقع: التراب على الرأس، واللقلقة: الصوت.
وأخرج أيضًا من حديث عبد الله بن عمر (2): "إن الله (جـ) لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا، وأشار إلى لسانه، أو يرحم (3)، فقوله: يعذب أو يرحم" يحتمل أنه للتنويع بمعنى يعذب ببعض ويرحم بنوع فلا يعذب به، ونقل ابن قدامة (4) عن أحمد أن بعض النياحة لا يحرم، ويزيده (د) بيانًا قوله صلى الله عليه وسلم:"ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية"، وهي النياحة بالويل ونحوه، ولا يكون منهم ذلك إلا سخطًا بالقضاء.
(أ) بالأصل تقديم وتأخير، وأشار إلى ذلك.
(ب) في هـ: للذريعة.
(جـ) كررها في جـ.
(د) في جـ: ويزيد.
_________
(1)
البخاري 3/ 160.
(2)
سنن البيهقي 4/ 71. التاريخ الصغير 1/ 46.
(3)
البخاري 3/ 175 ح 1304.
(4)
المغني 2/ 594.
446 -
وعن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الميتُ يُعذَّبُ في قَبْرِهِ بما نِيحَ عليه" متفق عليه (1).
ولهما نحوه عن المغيرة بن شعبة (2).
الحديث أخرجه أيضًا (أ) الشيخان من حديث ابن عمر (3) بلفظ: "إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه" ولمسلم أن ابن عمر قال لحفصة: أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المعول عليه يعذب في القبر" زاد ابن حبان (4): وقالت بلى، والمعول -بضم الميم وسكون العين وكسر الواو- اسم فاعل من أعول يعول: إذا رفع صوته بالبكاء، وهو العويل، ومن شدده أخطأ.
وحديث المغيرة بلفظ: "مَنْ نيحَ عليه فإنه يعَذب بمَا نيحَ عليه (ب يوم القيامة" لفظ مسلم (5). ولفظ البخاري (6): "من نيح عليه يعذب بما نيح عليه ب)، وأخرج البزار (7) من حديث عائشة عن أبي بكر: سمعت
(أ) في جـ: أيضًا أخرجه.
(ب- ب) ساقط من جـ.
_________
(1)
البخاري، الجنائز، باب ما يكره من النياحة على الميت 3/ 160 ح 1292، مسلم، الجنائز، باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه 2/ 639 ح 17 - 927 م.
(2)
البخاري 3/ 160 ح 1291، مسلم 2/ 643 - 644، ح 28 - 933.
(3)
البخاري 3/ 151 ح 1286، مسلم 2/ 642 ح 24 - 930.
(4)
مسلم 2/ 640 ح 21 - 927 م، ابن حبان، (الموارد) 189 ح 741.
(5)
مسلم 2/ 643 - 644 ح 28 - 933.
(6)
البخاري 3/ 160 ح 1291.
(7)
ولفظه بدون الباء (الحميم). قال أبو بكر: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير هذا الوجه، وعبد الحكيم بن عبد الله رجل من أهل المدينة مشهور صالح الحديث، ويعقوب بن عتبة مشهور، ومحمد بن الحسن هذا بين الحديث؛ لأنه روى أحاديث لم يتابع عليها =
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الميتُ ينْضَخ عليه بالحميم ببكاء الحي عليه"، وفي إسناده ابن زبالة (1)، قال البزار: لين الحديث وكذبه غيره.
وأخرج (أ) أحمد (2) من طريق موسى بن أبي موسى الأشعري عن أبيه مرفوعًا: "الميت يعذب ببكاء الحي إذا (ب) قالت الجماعة. واعضداه، وأناصراه وأكاسياه .. جبذ الميت وقيل له: أنت كذلك؟ " ولابن ماجه (3) نحوه، ورواه الترمذي بلفظ:"ما منْ ميت يموت فيقوم (جـ) باكيهم: في الترمذي فيقون باكيه فيقول: وَاجَبَلاهْ! واسَنَدَاه! ونحوه -إلَّا ويلزمه ملكان يلهزانه أهكذا أنت؟ "(4) ورواه الحاكم وصححه، وشاهده في الصحيحين (5) عن النعمان بن بشير قال: أغمى على عبد الله بن رواحة، فجعلت أخته تبكي وتقول: وَاجَبَلاهْ، واكذِا، واكذ فلما أفاق قال: مَا قلْتِ شيئًا إلَّا قيلَ لي: أنْتَ كذا؟ فلما مَات لم تبكِ عليه.
(أ) زاد في جـ من طريق.
(ب) في هـ: إذ.
(جـ) في جـ: فيقول.
_________
= وقد حدث عنه جماعة من أهل العلم وهو يعرف بمحمد بن حسن بن زبالة المخزومي، مسند البزار ل 23، وكشف الأستار 1/ 379.
(1)
محمد بن الحسن بن زبالة، أبو الحسن المحزومي المدني كذبوه، قال البخاري: عنده مناكير، وقال يحيى: يسرق الحديث. الضعفاء للعقيلي 4/ 58، المجروحين 2/ 274، التقريب 294.
(2)
أحمد 4/ 414.
(3)
ابن ماجه 1/ 508 ح 1594.
(4)
الترمذي 3/ 326 - 327 ح 1003، ولفظه:"واسيداه -أو نحو ذلك، إلا وكل به ملكان يلهزانه أهكذا كنت". لم أجده في المستدرك وعزاه في الكنز إلى الترمذي فقط.
(5)
البخاري 7/ 516 ح 4267 وليس في مسلم.
في الحديث دلالة على أن الميت يلحقه العذاب في القبر بسبب النياحة، وقد استشكل هذا (أالحكم جماعة من السلف والخلف حتى قال عمران بن الحصين (1) في جواب من اعترض وقال كيف يعذب ببكاء الحي؟ فقال عمران: قد قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخرجه ابن عبد البر من طريق ابن سيرين، ومعناه أنه قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجب الإيمان به، وصح عن عائشة (2) إنكار ذلك على عمر وابنه عبد الله محتجة بقوله تعالى:{وَلَا تَزر وَازِرَة وزر أخرى} (3)، وكذلك ابن عباس، وقال بعد الإنكار على ابن عمر:{وأنه هوَ أضْحَكَ وأبْكَى} (4)، وقال أبو هريرة:"تالله لئن انطلق (رجل) (ب) مجاهد في سبيل الله فاستشهد: فعمدت امرأته سفهًا وجهلا، فبكت عليه ليعذبن هذا الشهيد بذنب هذه السفيهة"؟ (5) فتأول هذا الحديث جماعة بتأويلات أولها: قال البخاري (6) قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يُعذبُ الميتُ ببعض بكاء أهله عليه. إذا كان النَّوْح من سنته (ب) لقول الله تعالى: {قوا أنْفسَكم وأهلِيكم نَارًا} (7) وقال
(أ) في جـ: لهذا.
(ب) في الأصل: نجل.
(جـ) في جـ: سبته.
_________
(1)
النسائي 4/ 14 - 15، وزاد "وكذبت أنت".
(2)
البخاري 3/ 151 - 152 ح 1288.
(3)
الآية 164 من سورة الأنعام.
(4)
الآية 43 من سورة النجم.
(5)
زوائد أبي يعلى 427 ح 431 قال: صاحب لم يسمع من بكر وبكر لم يسمع من أبي هريرة فالحكاية مرسلة.
(6)
البخاري 3/ 150.
(7)
الآية 6 من سورة التحريم.
النبي صلى الله عليه وسلم: "كلكْم رِاع مَسئولٌ عن رعيته"(1) فإذا لم يكن من سنته فهو كما قالت عائشة: {ولا تزرُ وازِرَة وزرَ أخرى} (2) وهو كقوله تعالى: {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ} (3) ثم اسْتَشْهدَ يقول النبِي (أ) صلى الله عليه وسلم: "لا تقتل نفس ظلما إلَّا كان على ابن آدم الأول كفل (ب) منْ دمها، وذلك أنه أول من سن القتلَ (4). انتهى. وأراد البخاري إثباتَ أن الإنسان قد يعذب بفعل (جـ) غيره إذا كان له فيه تسبيب فمن أثبات فهو ناظر إلى التسبيب، ومن نفى فمراده حيث لم يكن منه تسبيب، فمراده فيما نحن فيه أن الميت إذا كان من عادته النياحة بأن يكون آمرًا لغيره بأن يفعل ذلك أو فاهمًا من الغير أنه يفعل ذلك ولم ينهه فقد تسبب في ذلك، وهو تأويل حسن.
ثانيها: أن المعنى أنه يعذب مقارنًا لابتداء بكاء أهله عليه، وذلك عقيب دفنه وهذا في حق من يستحق العذاب، وهو تأويل عائشة، أن الحديث ورد في حق يهودية وأخرج مسلم (5) من حديث عائشة: إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه ليعذب بمعصيته أو بذنبه، كان أهله ليبكون عليه الآن"، فالأول مبني على أن الحديث ورد في شخص معين، والثاني في سبب (د) معين، وفي رواية ابن عباس عن عائشة "إن الله ليزيد الكافر عذابًا ببكاء
(أ) في هـ: واستشهد بقول تعالى النبي صلى الله عليه وسلم وفي جـ: بقوله صلى الله عليه وسلم.
(ب) زاد في هـ منها.
(جـ) في ب: بذنب.
(د) في جـ: بسبب.
_________
(1)
البخاري 2/ 38 ح 893.
(2)
الآية 164 من سورة الأنعام.
(3)
الآية 18 من سورة فاطر.
(4)
البخاري 6/ 463 ح 3335.
(5)
مسلم "بخطيئته" بدل "معصيته" 2/ 643 ح 26 - 933.
أهله عليه"، والإشكال وارد أيضًا على هذه الرواية ولا يصح الجواب، بأن البكاء لا يكون سببًا في ابتداء العذاب، ويكون سببًا في زيادته إذ لا فرق بينهما من حيث إنه عذب بذنب غيره والآية واردة عليه.
ثالثها: بأنه متأول بما إذا أوصى أهله بذلك وهو أخص من جواب البخاري وقد قال به المزني وإبراهيم الحربي وجماعة من الشافعية وغيرهم حتى قال أبو الليث (1) السمرقندي: إنه قول عامة أهل العلم، وكذا نقله النووي (2)(أ) عن الجمهور، قالوا: وكان معروفًا للقدماء الوصية به حتى قال طرفة بن العبد:
إذا مت فانعيني بما أنا أهله
…
وشُقي على الجيب يا ابنة (ب) معبد (3)
ويعترض هذا بأن التعذيب يكون لأجل الوصية كان لم يبكوا عليه، وظاهر الحديث أنه لا يكون التعذيب إلا عند الامتثال، ويجاب عنه بأنه ليس في الحديث حصر وإنما ذكر حالة الامتثال التي هي أغلب أحوال الوصية.
رابعًا: أنه يلحقه العذاب إذا لم ينه أهله ويزجرهم عن البكاء وهو قول داود وطائفة، وذهب إليه ابن المرابط (4) قال: لأنه إذا لم يوص بترك البكاء ويزجرهم عنه وقد علم من حالهم أنهم يفعلون ذلك، فقد قصر في ترك
(أ) زاد في جـ: و.
(ب) في جـ: يا أم.
_________
(1)
الفتح 3/ 154.
(2)
شرح مسلم 2/ 589.
(3)
هذا البيت من معلقة طرفة بن العبد، والذي في المعلقة: فإن مت 93.
(4)
الفتح 3/ 155.
الإنكار فاستحق العقاب (أ) على فعله.
(ب) خامسها: أنه يعذب بالأفعال التي يناح بها لأنهم يمدحونه لرئاسته التي جاد (جـ) فيها، وشجاعته التي صرفها في غير طاعة الله، وجوده الذي لم يضعه في الحق، فأهله يبكون عليه بهذه المفاخر وهي سبب لعقابه، وذهب إلي هذا ابن حزم واستقواه (د) الإسماعيلي.
سادسها: أن المراد (د) بالتعذيب هو توبيخ الملائكة له إذا قيل: واعضداه ونحوه كما تقدم في حديث أبي موسى ومن قصة النعمان بن بشير.
سابعها: أن المراد بالتعذيب تألم الميت بما يقع، ومن قصة النعمان أهله من النياحة وغيرها، وأن ذلك يعرض على الميت، كما أخرج الطبراني من حديث أبي هريرة أن أعمال العباد تعرض على أقربائهم من موتاهم، ثم ساقه بإسناد صحيح، ويسشتهد لهذا بحديث قيلة -بفتح القاف وسكون الياء منقوطة باثنتين من أسفل- بنت مخرمة -بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة- قالت: قلت يا رسول الله قد ولدته فقاتل معك يوم الردة ثم أصابته الحمى فمات وترك عليَّ البكاء.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيغلب أحدكم أن يصاحب صويحباه في الدنيا معروفًا فإذا مات استرجع؟! فوالذي نفس محمد بيده إنَّ أحدكم ليبكي فيستعبر إليه صويحبه، فيا عباد الله لا تعذبوا موتاكم".
(أ) في جـ: العذاب.
(ب) زاد في جـ: و.
(جـ) في جـ: جاز.
(د) كرر في هـ: إلى هذا ابن حزم واستقواه.
وهذا طرف من حديث حسن الإسناد أخرجه ابن أبي خيثمة وابن أبي شيبة والطبراني وغيرهم، وأخرج أبو داود أطرافًا منه، وذهب إلى هذا أبو جعفر الطبري من المتقدمين، ورجحه ابن المرابط وعياض، ونصره ابن تيمية وجماعة من المتأخرين.
قال المصنف -رحمه الله تعالى:- ويحتمل أن يجمع بين هذه التوجيهات بأنها على اختلاف الأشخاص بأن يقال مثلًا من كانت طريقته النوح فمشي أهله على طريقته أو بالغ فأوصاهم بذلك عذب بصنيعه، ومن كان ظالمًا فذكرت أفعاله الجائرة في (أ) النياحة عذب بها، ومن كان يعرف من أهله النياحة وأهمل نهيهم عنها، فإن كان راضيًا بذلك التحق (ب) بالأول، كان كان غير راض عذب بالتوبيخ كيف أهمل النهي، ومن سلم من ذلك كله واحتاط فنهى أهله عن ذلك ثم فعلوه وخالفوه كان تعذيبه مرادًا به تألمه (جـ) لما يراه منهم من مخالفة أمره، وإقدامهم على معصية ربهم. انتهى.
وحكى الكرمانيّ (1) تفصيلًا آخر وحسنه، وهو التفرقة بين حال البرزخ وحال يوم القيامة، فيحمل قوله تعالى:{ولا تزر وازرةٌ وزْرَ أخرى} (2) على يوم القيامة. وهذا الحديث وما أشبهه على البرزخ وأن أعمال البرزخ
(أ) في جـ: من.
(ب) في هـ: ألحق.
(جـ) في جـ: تأليمه بما.
_________
(1)
الكرمانيّ 7/ 85 - 86.
(2)
الآية 164 من سورة الأنعام.
تلحق بأعمال الدنيا، وقد جرى التعذيب في (أ) الدنيا بذنب الغير، وإليه الإشارة (ب) بقوله تعالى:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} (1) فإنها دالة على جواز وقوع التعذيب بالدنيا بسبب ذنب الغير. انتهى.
وأقول: إن هذا هو الذي ينبغي ترجيحه، فإن الأحاديث الواردة في انتفاع الميت بعمل غيره في البرزخ متواترة من حيث المعنى وندب الله سبحانه وتعالى الاستغفار لمن سلف من المؤمنين:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا} " (2)(جـ) وقال نوح: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ} (3){وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} (4) وما شرع ذلك إلا لنفعه، وإلا كان عبثًا.
وأيضًا للقبر حالة يتألم بها المؤمن كما ثبت في ضمة القبر في حق سعد بن معاذ (5)، وابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم (6) وروعة نكير ومنكر، وغير ذلك مما
(أ) في جـ: با.
(ب) في جـ: أشار.
(جـ) زاد في جـ: الذين سبقونا، ومثبتة بهامش هـ. وزاد فيها: بالإيمان.
_________
(1)
الآية 25 من سورة الأنفال.
(2)
الآية 10 من سورة الحشر.
(3)
الآية 28 من سورة نوح.
(4)
الآية 7 من سورة غافر.
(5)
أحمد 6/ 55، مجمع الزوائد 3/ 46.
(6)
الطبراني في الكبير، من حديث أنس 1/ 257 ح 745 وعزاه الهيثمي في المجمع إلى الكبير والأوسط، وقال: إسناده ضعيف 3/ 47.
نسأل الله تعالى الملاطفة منها برحمته، مع قوله تعالى في مواضع كثيرة من القرآن {لا خوف عَلَيْهم ولا هم يَحْزنُونَ} (1) وفي ذلك دلالة على أن حال البرزخ يتمم للمرء ما فاته من أعمال الخير فيه، إذا كان له سبب كما في الثلاث التي لا تنقطع من عمل ابن آدم ويجوز أن يكون ما أصاب المؤمن فيه من الامتحان مكفرًا عنه من السيئات، وزيادة في الدرجات كما في حالة الأمراض والأعراض والقحط والشدائد فإن أصابها (أ) بسبب الفساد بما كسبت أيدي الناس وهي زيادة في حسنة المؤمن، والله أعلم بحقيقة الحال ونسأله التجاوز عما لا يطابق مراده من المقال.
447 -
وعن أنس رضي الله عنه قال: "شَهِدتُ بِنْتًا لِرَسولِ الله (ب) صلى الله عليه وسلم تُدفَنُ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جَالسٌ عندَ القبرُ، فرأيت عَيْنَيْهِ تَدمَعَانِ". رواه البخاري (2).
تمام الحديث: قال: فقال: "هلْ منْكم رَجُلٌ لَمْ يقَارف اللَّيلَة"، فقال أبو طلحة: أنا، قال (جـ):"فأنْزِل"، قال: فنزل في قبرِها.
البنت هي أم كلثوم (د زوج عثمان، رواه الواقدي بالإسناد (هـ)(د) الذي
(أ) في جـ: أصابتها.
(ب) في جـ: شاهدت بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(جـ) في جـ: فقال.
(د- د) بهامش جـ.
(هـ) ساقطة من الأصل وب.
_________
(1)
الآية 62 من سورة البقرة.
(2)
البخاري بلفظ: (شهدنا
…
عند القبر) وليس فيه تدفن، الجنائز، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "يعذب الميت .. " 3/ 151 ح 1285، أحمد 3/ 126 وليس فيه "تدفن".
(أفي البخاري أخرجه ابن سعد في الطبقات (1) في ترجمة أم كلثوم أ)، وكذا الدولابي في الذرية الطاهرة وكذا رواه الطبري والطحاوي (2) وأخرج (ب) البخاري في التاريخ، والحاكم (3) في المستدرك من رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أنها رقية، قال البخاري: ما أدري ما هذا؟ فإن رُقَيَّة ماتت، والنبي صلى الله عليه وسلم ببدرٍ لَمْ يشهدها، وأغرب الخطابي فقال: هذه البنت كانت لبعض بنات النبي صلى الله عليه وسلم فنسبت إليه.
الحديث فيه دلالة على جواز البكاء بعد الموت على الميت، (وحكي عن الشافعي (4) كراهته لحديث (جـ) الموطأ (5):"فإذا وجبت فلا تبكين باكية"(د يعني إذا ماتت د)، وهو محمول على الأولوية، أو المراد رفع الصوت، أو ذلك مخصوص بالنساء، لأنه قد يفضي بكاؤهن إلى النياحة المنهي عنها والله أعلم (هـ).
وفي تمام الحديث: " (وهل منكم رجل و) لم يقارف"، وهو بقاف
(أ- أ) بهامش جـ.
(ب) في جـ أخرجه.
(جـ) في جـ: كراهيته بحديث.
(د- د) ساقط من جـ.
(هـ) بهامش الأصل.
(و- و) في جـ: هل رجل منكم.
_________
(1)
طبقات ابن سعد 8/ 39.
(2)
التاريخ الصغير 11 ولفظه: ولا أدري فقط لأن رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة عثمان ماتت أيام بدر، الطحاوي 3/ 304.
(3)
المستدرك 4/ 47.
(4)
المجموع 5/ 263، المغني 2/ 545.
(5)
الموطأ من حديث جابر بن عتيك 161 ح 36، أبو داود 3/ 482 ح 3111، النسائي 4/ 12، فيه عتيك بن الحارث بن عتيك الأنصاري لم يرو عنه سوى سبطه عبد الله بن عبد الله بن جابر، تهذيب الكمال 2/ 904، التقريب 232، الميزان 3/ 30.
وفاء، زاد ابن المبارك عن فليح أراد يعني الذنب، وذكره البخاري (1) في باب من يدخل قبر المرأة تعليقًا، ووصله الإسماعيلي (2)، وكذا أخرجه أحمد عنه (3)، وقيل: معناه لم يجامع تلك الليلة، وله جزم ابن حزم (4)، وقال: معاذ الله أن يتبجح أبو طلحة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه (أ) لم يذنب تلك الليلة انتهى، ويقويه أن في رواية ثابت المذكورة بلفظ:"لا يدخل القبر أحد قارف أهله البارحة"، فتنحى عثمان، وحكي عن الطحاوي (5) أنه قال:"لم أقارف" تصحيف، والصواب "لم يقاول"، أي لم ينازع غيره الكلام، لأنهم كانوا يكرهون الحديث بعد العشاء، وتعقب بأنه تغليظ للثقة بغير مستند، وكأنه استبعد أن يقع من عثمان ذلك لحرصه على موافقة المخاطر الشريف، وأجيب عنه باحتمال أن مرض المرأة طال، واحتاج عثمان إلى المواقعة، ولم يكن مجوزًا لموتها في تلك الليلة، فإن كثيرًا من المرضى يفاجئهم الموت مع ظهور قرائن العافية، وليس في الخبر ما يدل على أنه واقع بعد الموت ولا حين احتضارها، والله أعلم بحقيقة الحال.
وفي هذا دلالة على صدق لهجة عثمان وتحريه مواقع الصدق وعلى اختيار من كان بعيدًا من اللذة لمثل هذه الأمور، وحكي عن (ب) ابن حبيب (6): أن السر في ذلك أن عثمان قد كان جامع بعض جواريه في
(أ) في جـ: أنه.
(ب) ساقطة من هـ.
_________
(1)
البخاري 3/ 208.
(2)
تغليق التعليق 2/ 484.
(3)
أحمد 3/ 126.
(4)
المحلى ولفظه: معاذ الله أن يتزكى أبو طلحة بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم بأنه لم يقارف ذنبًا 5/ 145.
(5)
الفتح 3/ 158.
(6)
الفتح 3/ 159.
تلك الليلة، فتلطف النبي صلى الله عليه وسلم في منعه من (أ) نزول القبر تأديبًا له. انتهى، ولعله يقال: إن في ذلك من الحكمة (ب) لما في ذلك من عدم الوفاء بما خص (جـ) به من التكريم بزواجه السيدتين الطاهرتين المطهرتين، ومن (د) حق من خص بذلك إمحاضهما بالمودة وعدم الالتفات إلى من سواهما شكر، (هـ) منه (للنعمة)(و) وهذا ما فهمته، والله أعلم، ويدل الحديث على جواز مباشرة الأجانب للمرأة في القبر بحائل الكفن وإن لم تدع إلى ذلك ضرورة وقد صرح بذلك المنصور بالله عبد الله بن حمزة.
وفيه دلالة على الوقوف على شفير القبر عند الدفن.
448 -
وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تدفنوا موتاكم بالليل إِلا أن تضطروا". أخرجه ابن ماجه (1) وأصله في مسلم لكن قال: "زجر أن يقبر الرجل بالليل حتّى يُصلّي عليه"(2) وأخرج الحديث ابن حبان.
وفيه دلالة على كراهة الدفن ليلًا، وظاهره الإطلاق، وقد ذهب إلى
(أ) ساقطة من هـ
(ب) زاد في جـ: كما في منع علي رضي الله عنه من التزوج بابنة أبي جهل مع فاطمة.
(جـ) في جـ: لما خصا.
(د) في جـ: وفي.
(هـ) في هـ: من سواهم وشكرا.
(و) غير واضحة بالأصل.
_________
(1)
ابن ماجه، الجنائز، باب ما جاء في الأوقات التي لا يصلي فيها على الميت ولا يدفن 1/ 487 ح 1521 والحديث من رواية أبي الزبير عن جابر وهو مدلس وعنعنه. التقريب 318 لكن تشهد له رواية مسلم.
(2)
مسلم، الجنائز، باب في تحسين الكفن 2/ 651 ح 49 - 943، أبو داود، الجنائز، باب في الكفن 3/ 505 - 506 ح 3148، النسائي، الجنائز، باب الأمر بتحسين الكفن 4/ 28، أحمد 3/ 295، ابن حبان (إحسان) 5/ 41 ح 3093.
هذا الحسن البصري، وعلل بأن ملائكة (1) النهار أرأف من ملائكة الليل وروي في ذلك حديث والله أعلم بصحته.
وقوله: "إلا أنْ تُضْطروا"، وذلك كمن خاف على الميت أن يتغير جسده أو من سبع أو خاف على نفسه، وذلك يقع من أسباب كثيرة.
وحديث مسلم بالتقييد المذكور يشعر بأن العلة في النهي هو عدم الصلاة، ولفظ مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يومًا فذكر رجلًا من أصحابه قبض وكفن في كفن غير طائل وقبر ليلًا، وزجر أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه، إلا أن يضطر إنسان (أ) إلى ذلك، فظاهره أن النهي إنما هو حيث كان مظنة حصول التقصير في حق الميت من ترك (ب) الصلاة أو عدم إحسان الكفن، وفي قوله:"حتى يصلى عليه" هو بضم الياء وكسر اللام مسند إلى الضمير المستكن العائد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يفهم أنه إذا كان يحصل في ترك الميت إلى النهار كثرة المصلين أو حضور من يرجى استجابة دعائه للميت حسن تأخيره، وعلى هذا فيؤخر، ولو في النهار، ولا يعجل الدفن مع ذلك، ويدل على ذلك دفن الصحابة لأبي بكر كما أخرجه البخاري (2) عن عكانشة، لابن أبي شيبة (3) من حديث القاسم بن محمد قال: دفن أبو بكر ليلًا، ومن حديث عبيد بن السباق (4) أن عمر دفن أبا بكر بعد العشاء الآخرة، وصح أن عليًّا دفن فاطمة (5) ليلًا.
449 -
وعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال: "لما جاء بني
(أ) في جـ: الإنسان.
(ب) في جـ: بترك.
_________
(1)
لم أقف عليه.
(2)
البخاري 3/ 252 ح 1387.
(3)
و (4) و (5) ابن أبي شيبة 3/ 346.
جعفر حين قُتِلَ، قال النبي صلى الله عليه وسلم اصنَعوا لأهلِ جعفر طعامًا، فقد أتاهم ما يشغلهم". أخرجه الخمسة إلا النسائي (1).
في الحديث دلالة على شرعية إيناس أهل الميت، والقيام بما يمونهم مدة اشتغال خواطرهم، وشدة (أ) موجدتهم على ميتهم، وعلى كراهة ما يعتاد الناس من إطعام أهل الميت لغيرهم الطعام، وتحمل ثقيل (ب) الأغرام، وروي أن جابر (جـ) بن عبد الله البجلي قال: كنا نعد الاجتماع إلى (د) أهل الميت، وصنيعة (هـ) الطعام بعد دفنه من النياحة.
أخرجه أحمد وابن ماجه (2)، وكذلك (و) يحرم ما يعتاد من عقر الحيوان
(أ) في جـ: ومدة.
(ب) في جـ: ثقل.
(جـ) في جـ: جابر.
(د) في هـ: على.
(هـ) في جـ: وصناعة.
(و) في جـ: وكذا.
_________
(1)
أحمد واللفظ له 1/ 205، ابن ماجه، بلفظ "آل"، الجنائز، باب ما جاء في الطعام يبعث إلى أهل الميت 1/ 414 ح 1610، الترمذي بلفظ "فإنه قد جاءهم" الجنائز، باب ما جاء في الطعام يصنع لأهل الميت 1/ 323 ح 998 أبو داود بلفظ "آل .. فإنه قد آتاهم أو شغلهم الجنائز، باب صنعة الطعام لأهل الميت 3/ 497 ح 3132، الدارقطني، بلفظ ابن ماجه، الجنائز، باب الصلاة على القبر 2/ 78، 79 ح 11، البيهقي 4/ 61، عبد الرزاق 3/ 550، الأم، باب القول دفن الميت 1/ 247، الحاكم 1/ 372، والحديث مداره على جعفر بن خالد بن سارة المخزومي وأبيه، أما جعفر فوثقه السنن حجر في التقريب وأهمله ابن أبي حاتم وقال ابن الملقن: كسائر من يحتمل أحوالهم ووثقه الذهبي، التقريب 55، البدر 4/ 263، الكاشف 1/ 184، أما أبوه خالد بن سارة المخزومي المكي وثقه الذهبي في الكاشف وقال في الميزان: ما وثق، وقال: يكفيه أن روى عنه عطاء، وقال ابن حجر: صدوق، وذكره ابن حبان في الثقات، الكاشف 1/ 269، الميزان 1/ 630، التقريب 88، تهذيب الكمال 1/ 355.
(2)
أحمد 2/ 204، ابن ماجه 1/ 514 ح 1612.
عند القبر لورود النهي عنه أخرج (أ) أبو داود وأحمد من حديث أنس (1) رضي الله عنه أنّ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لا عَقْر في الإسلام" قال عبد الرزّاق (2): كانوا يعقرون عند القبر بقرة أو شاة، قال الخطابي (3): كان أهل الجاهلية يعقرون الإبل على قبر الرَّجل الجواد (ب) يقولون: نخازيه على فعله لأنه كان يعقرها في حياته، فيطعمها الأضياف، فنحن نعقرها عند قبره حتّى تأكلها السِّباع والطير فيكون مطعمًا بعد مماته كما كان مطعمًا في حياته. قال: ومنهم من كان يذهب في ذلك إلى أنه إذا عقرت راحلة عند قبره حشر في القيامة راكبًا، ومن لم يعقر عنده (جـ) حشر راجلًا، وكان هذا على مذهب من يرى منهم المبعث بعد الموت (4).
450 -
وعن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إِذا خرجوا إلى المقابر: السّلام على أهل الدِّيار مِنَ المؤمنين والمسلمين وإِنا إِن شاء الله بكم للاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية". رواه مسلم (5).
(أ) في جـ: أخرجه.
(ب) زاد في جـ: و.
(جـ) في جـ: عنه.
_________
(1)
أبو داود 3/ 550 - 551 ح 3222، أحمد 3/ 197، البيهقي 4/ 57، ابن حبّان (موارد) 189 ح 738.
(2)
سنن أبي داود 3/ 551.
(3)
معالم السنن 4/ 339.
(4)
قال شيخ الإسلام: أنها الذَّبح عند القبور فمنهي عنه مطلقا، قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "لا عقر في الإسلام، كانوا إذا مات لهم الميِّت نحروا جزورًا على قبره فنهى النَّبيّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وكره أبو عبد الله أكل لحمه، قال أصحابنا: وفي معنى هذا ما يفعله كثيرٌ من أهل زماننا في التصدق عند القبر بخبز ونحوه، اقتضاء الصراط 184.
(5)
مسلم، الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبر والدعاء لأهلها 2/ 671 ح 104 - 975، النَّسائيُّ وعنده زيارة الجنائز الأمر بالاستغفار للمؤمنين 4/ 77، ابن ماجة، الجنائز، باب ما جاء فيما يقال إذا دخل المقابر 1/ 494 ح 1547، أحمد وعنده زيادة 5/ 353.
هو سليمان بن بريدة الأسلمي (1)، روي عن أبيه وعمران بن حصين، وعنه علقمة وغيره مات سنة خمس عشرة ومائة، وبريدة بضم الباء الموحدة - مصغرًا.
وأخرجه مسلم (2) أيضًا من حديث عائشة بلفظ: قالت: كيف أقول يا رسول الله، تعني، في زيارة القبور؟ قال:"قولي: السّلام على أهل الديار .. إلخ" .. وفيه زيادة: "ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين (أ) وإنا إن شاء الله
…
" وفي رواية أيضًا (ب) عنها: قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما كان ليلتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من آخر اللّيل إلى البقيع، فيقول: "السّلام عليكم دار قوم مؤمنين وأتاكم ما توعدون غدًا مؤجلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللَّهُمَّ اغفر لأهل بقيع الغرقد".
في الحديث دلالة على استحباب زيارة القبور، وفي حديث عائشة (3) خصوصًا (جـ) أنه لا كراهة في حق النِّساء، وفي ذلك خلاف للعلّماء (د)، ولأصحاب الشافعي (4) ثلاثة أوجه أحدها التّحريم، لحديث "لعن الله زوارات (هـ) القبور" الّذي قد مر، والثاني يكره والثّالث يباح.
(أ) في جـ: المتقدمين منا والمتأخرين.
(ب) ساقطة من جـ.
(جـ) زاد في جـ: إلا.
(د) في جـ: العلماء.
(هـ) في هـ: زائرات.
_________
(1)
ثقات العجلي 200، التقريب 132.
(2)
مسلم 2/ 669 ح 103 - 974 م.
(3)
النَّسائي بلفظ "يخرج في آخر
…
وإنا وإياكم متواعدون غدًا أو مواكلون .. " 4/ 76.
(4)
المجموع 5/ 267 وذكر في المجموع أنّ عدم الجواز شاذ في المذهب. شرح مسلم 2/ 638.
وقوله: "السّلام" بالتعريف والتقديم على الخبر دلالة على استواء الحال (أ) في السّلام على الأحياء والأموات، وهو خلاف ما كان عليه الجاهلية من قولهم.
عليك سلام الله قيس بن عاصم
…
ورحمته ما شاء أن يترحما (1)
وقوله: "على أهل الديار" أراد أهل (ب) المقابر وتسميتها بالديار صحيح، إذ الدَّار (جـ) في اللُّغة تقع على الربع المسكون وعلى الخراب غير (د) المأهول.
وقوله "من المؤمنين والمسلمين" من عطف بعض الصفات على بعض، والموصوف واحد، وفيه من الفائدة التنبيه، على فضيلة الوصفين اللذين استوجبوا بهما المودة والدعاء، والتقييد بالمشيئة على سبيل التبرك، امتثال قول الله تعالى:{ولا تَقولَنَّ لشَيءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلكَ غَدًا إلا أن يَشَاءَ الله} (2).
وقيل: المشيئة عائدة إلى مثل تلك المنزلة التي نالوها بسبب الإيمان.
وفي سؤاله صلى الله عليه وسلم العافية دلالة على أنّ العافية هي أعظم المسائل التي تفرد بالسؤال، ويهتم بشأنها، والعافية للميت هي سلامته عن ألم العقاب، وما يخشى عليه من مناقشة الحساب.
(أ) في جـ: الحديث.
(ب) ساقطة من ب.
(جـ) في هـ: الديار.
(د) ساقطة من جـ.
_________
(1)
عبدة بن الطيب يرثي قيس بن عاصم، تاريخ الأدب العربي والعصر الإسلامي 70 عن الشعر والشعراء لابن قُتَيْبَة 2/ 705.
(2)
الآية 23، 24 من سورة الكهف.
وفي الرِّواية الأخرى من حديث عائشة في قوله: "وأتاكم ما توعدون" ظاهره مشكل فإن الواو لا تصلح أن تكون عاطفة؛ لأن ما قبلها هو السّلام وهو جملة إنشائية دعائية لا يصلح عطف الأخبار عليه، فهي حالية بتقدير "قد".
والذي وعدوا به هو الموت وما بعده.
وقوله: "غدًا مؤجلون"، لفظ مؤجلون بصيغة (أ) اسم المفعول كما هو الظّاهر وهو مرفوع خبر لمبتدأ محذوف، والمعنى:(ب) أنتم مؤجلون غدًا، والغد (جـ) هو يوم القيامة، يعني أنّ يوم القيامة لما قد أتاهم، وأن الّذي أتاهم ما (د) تقدمه من أهوال الموت وبقي التأجيل ليوم القيامة، وهي جملة حالية أيضًا حذف منه الواو الحالية لكونه قد صار في صورة المفرد (هـ) لما حذف المبتدأ، هذا ما ظهر لي في توجيهه والله أعلم.
وفي دعائه لأهل بقيع الغرقد، بالمغفرة دلالة على شرعية الدُّعاء لعموم الموتى من غير اشتراط استحقاق للدعاء (و) واستثنى من كان ظالمًا من الدُّعاء.
451 -
وعن ابن عبّاس رضي الله عنه قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور المدينة، فأقبل عليهم بوجهه، فقال:"السّلام عليكم يا أهل القبور، يغفر (ز) الله لنا ولكم، وأنتم سلَفنا ونحنُ بالأثرِ"(1). رواه التّرمذيّ وقال: حسن.
(أ) في جـ: صيغة.
(ب، جـ) زاد في جـ: و.
(د) زاد في جـ: بما.
(هـ) زاد في جـ: و.
(و) زاد في ب: والله أعلم.
(ز) في جـ: غفر.
_________
(1)
التّرمذيّ، الجنائز، باب ما يقول الرَّجل إذا دخل المقابر 3/ 369 ح 1053، الزهد لابن المبارك 171. وفيه: يحيى بن المهلب البجلي، أبو كدينة، صدوق، التقريب 379، قاموس ابن أبي ظبيان الجنبي، فيه لين، التقريب 277، قال أبو عيسى: حسن غريب.
هذا الحدّيث قد علم ما يتعلّق به ممّا قبله.
452 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَسُبُّوا الأمواتَ، فإِنّهم قد أفضوا إِلى ما قَدَّموا" رواه البخاريّ (1).
وروي التّرمذيّ عن المغيرة نحوه، لكن قال:"فتؤذوا الأحياء"(2).
الحديث فيه دلالة على تحريم سب الأموات، وظاهره العموم في حق المسلم والكافر، والظاهر أنّ ذلك مخصوص بمن عدا الكافر، وبعض المؤمنين، فأمّا الكافر فيدلُّ على ذلك ما حكاه الله سبحانه وتعالى من قصص عاد وثمود وفرعون وأضرابهم، وأما بعض المسلمين فمخصوص بما ثبت (أ) في حق من أثنى عليه شرًّا، ومن أثنى عليه خيرًا، وقال صلى الله عليه وسلم في ذلك:"أنتم شهداء الله"(3) والظاهر أنّ ذلك في حق مسلم، (وقد أخرج الحاكم (4) أنهم قالوا: كان يحب الله ورسوله ويعمل بطاعة الله، ويسعى فيها وللآخر بئس (ب) المرء كان، لقد كان فظًّا غليظًا، وهذا ظاهر أنه في حق مسلم (جـ)) (د) وقال القرطبي (5): في (هـ) الكلام على حديث "وجبت"
(أ) في جـ: بما يثبت.
(ب) في جـ: فبئس.
(جـ) في جـ: المسلم.
(د) بهامش الأصل.
(هـ) في جـ: إن.
_________
(1)
البخاريّ، الرقاب، باب سكرات الموت 11/ 362 ح 6516، النسائي، الجنائز، النهي عن سب الأموات 487 ح 1985، البيهقي 4/ 75، الدارمي، باب النّهي عن سب الأموات 1/ 239.
(2)
التّرمذيّ، البرّ والصلة، باب ما جاء في الشتم 4/ 353 ح 1982، ابن حبّان (موارد) 487 ح 1987.
(3)
البخاري 3/ 228، 229 ح 1367، مسلم 2/ 655 ح 60 - 949.
(4)
الفتح 3/ 258.
(5)
المفهم ل 208 أ.
يحتمل أجوبة:
الأوّل: أنّ الّذي كان يحدث عنه بالشر كان مستظهرًا به، فيكون من باب لا غيبة لفاسق أو كان منافقًا.
ثانيهما: يحمل النهي على ما بعد الدفن، والجواز على ما قبله ليتعظ به من يسمعه.
ثالثها: يكون النهي العام متأخرًا، فيكون ناسخًا وهذا مبني على أنّ العام المتأخر ناسخ للخاص المتقدم، وهي مسألة خلاف بين أهل الأصول.
وقال ابن رشيد (1): إن سب الكافر يحرم إذا تأذي به الحي المسلم، وهذا التقييد كما في رواية التّرمذيّ، ويحل إذا لم يحصل به الأذية، وأما المسلم فيحرم إلا إذا دعت الضّرورة كأن يكون فيه مصلحة للميت، إذا أريد تخليصه من مظلمة وقعت منه فإنّه يحسن بل يجب، ولو اقتضى ذلك سبه، وقال ابن بطّال (2): إن سب الميِّت كالغيبة، فإن كان معلنًا جاز، وإن كان مستترًا لم يجز.
وقد روي عن عائشة (3) رضي الله عنها أنها كانت تلعن يزيد بن قيس الأرجي فلما قيل لها: إنّه قد مات استغفرت، وهو قد كان أرسله إليها، علي رضي الله عنه يوم الجمل برسالة (أ) فلم ترد عليه، فبلغها أنه عاب عليها ذلك فكانت تلعنه.
(أ) في جـ: رسالة.
_________
(1)
الفتح 3/ 258 - 259.
(2)
شرح ابن بطّال: باب ما ينهى عن سب الأموات.
(3)
ذكره ابن حجر وعزاه إلى كتاب أخبار البصرة لعمر بن شبة. الفتح 3/ 259.
و (أ) قد أشار البخاري (1) إلى أنّ (ب) هو سب بعض (جـ) الأموات، بقوله (د) في التّرجمة: باب ما ينهى (هـ) من سب الأموات، فأتى بمن التي هي ظاهرة في التبعيض.
وأقول: الحكم بالعموم أولى، وهو محمول على مجرد جري السب على اللسان انتقاصًا للمسبوب، وحطأ من قدره، وترفعًا بنفسه (لغير مقصد جائز)(ر)، وما ورد في القرآن فإنّما هو للاتعاظ والتحذير، أنّ يصيب السامعين مثل ما (ز) أصاب من مضى وفي التعليل بقوله:"فإنهم قد أفضوا"؛ أي وصلوا إلى ما عملوا من خير وشر دلالة على ذلك، فإن مفهومه أنه لا فائدة في مجرد إجراء ذلك على اللسان، والاشتغال بما لا يغني كمن فضول الكلام، وما فعل لمقصد صحيح فهو بخلاف ذلك.
فائدة: اختلف العلماء في وصول ثواب قراءة القرآن وغيرها إلى الميِّت، فالمشهور من مذهب الشافعي رحمه الله (ح وجماعة من أصحابه ح) إلى (ط أنه لا يصل، وذهب أحمد بن حنبل (2) وجماعة من العلماء ومن أصحاب الشّافعيّ ط) إلى أنه يصل كذا ذكره النووي في الأذكار.
(أ) ساقطة من جـ.
(ب) زادت هـ: المنهي عنه إنّما.
(جـ) في جـ: بعض سب.
(د) في جـ: لقوله.
(هـ) زاد في جـ: عنه.
(و) بهامش الأصل.
(ز) في جـ: من.
(ح - ح) بهامش هـ.
(ط - ط) ساقطة من جـ.
_________
(1)
البخاريّ 3/ 258.
(2)
المغني 2/ 567 - 568.
وفي رمز الحقائق شرح الكنز أنّ للإنسان أنّ يجعل ثواب عمله لغيره صلاة كان أو صوما أو حجًّا أو صدقة أو قراءة القرآن أو ذكر (أ) إلى غير ذلك من جميع أنواع البرّ، وكذلك يصل إلى الميِّت وينفعه عند أهل السنة.
وقالت المعتزلة: ليس له ذلك، ولا يصل إليه، لقوله تعالى:{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إلا مَا سَعَى} (1).
وقال مالك والشّافعيّ (2): يجوز ذلك في الصَّدقة والعبادة المالية وفي الحج، ولا يجوز في غيره من الطاعات كالصلاة والصوم وقراءة القرآن وغيره، ولنا ما روي: أنّ رجلًا سأل النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله إنّه كان لي أبوان أبرهما في حال حياتهما، فكيف لي ببرهما بعد موتهما؟ فقال النَّبيّ صلى الله عليه وسلم:"إن من البرّ بعد البرّ أنّ تصلّي لهما مع صلاتك، وأن تصوم لهما مع صيامك" رواه الدارقطني (3) وما رواه معقل بن يسار أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اقرءوا على موتاكم سورة يس"(4) رواه أبو داود، وحديث تضحيته عن نفسه بكبش وعن أمته بكبش متفق عليه (5).
وفي هذا إشارة منه صلى الله عليه وسلم إلى أنّ الإنسان ينفعه (ب) عمل غيره، والآية منسوخة بقوله تعالى:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ} (6) الآية.
(أ) كذا والحكم الإعرابي يقتضي ذكرا.
(ب) في هـ: يتبعه.
_________
(1)
الآية 39 من سورة النجم.
(2)
المغني 2/ 659.
(3)
تاريخ واسط 188 مرسلًا، تاريخ بغداد 3/ 363.
(4)
مر في ح 406.
(5)
سيأتي في باب الأضاحي.
(6)
الآية 21 من سورة الطور.
وقيل: الإنسان أريد به الكافر، وأما المؤمن فله ما سعى آخره وقيل:(أ) ليس له من طريق العدل، وله من طريق الفضل، وقيل: اللام بمعنى على كما في قوله تعالى: {وَلَهُمْ اللَّعَنَةُ} (1) أي: وعليهم. انتهى كلامه. قال النووي في الأذكار (2): و (ب) الاختيار أنّ يقول القارئ بعد قراءته: اللَّهُمَّ أوصل ثواب ما قرأته إلى فلان انتهى. و (جـ) قال ابن الصلاح: أنها إهداء (د) القرآن للميت ففيه خلاف بين الفقهاء، والذي عليه عمل أكثر النَّاس تجويز ذلك وينبغي أنّ يقول إذا أراد ذلك: اللَّهُمَّ أوصل ثواب ما قرأته لفلان ولمن يريد، فيجعله دعاء، ولا يختلف في ذلك القريب والبعيد، وفي شرح المنهاج لابن البجوي: إلى الميِّت عندنا ثواب القراءة على المشهور و (هـ) المختار الوصول إذا سأل الله تعالى إيصال ثواب قراءته للميت، وينبغي الجزم به لأنه دعاء، فإذا جاز الدُّعاء للميت بما ليس للداعي فلأن يجوز بما هو له أولى، ويبقى الأمر فيه موقوفًا علي استجابة (و) الدُّعاء، وهذا المعنى لا يختص بالقراءة بل يجري في سائر الأعمال، والظاهر أنّ الدُّعاء متفق عليه أنه ينفع الميِّت والحي، القريب والبعيد، بوصية وغيرها، وعلى ذلك أحاديث كثيرة، بل كان أفضل الدُّعاء أنّ
(أ) زاد في جـ: و.
(ب) الواو ساقطة من جـ.
(جـ) الواو ساقطة من هـ.
(د) في جـ: هذا، وهو تصحيف.
(هـ) ساقطة من جـ.
(و) في هـ: استحبابه.
_________
(1)
الآية 52 من سورة غافر.
(2)
الأذكار 150.
يدعو لأخيه بظهر الغيب، وأما سائر أنواع القرب فقد دلت على أكثرها أحاديث صحيحة، وظاهرها من دون وصية بل صريح في بعضها كحديث أم سعد (1) وسقايته عنها وكحديث (أ) المحرم عن أخيه شبرمة، ولم يستفصل صلى الله عليه وسلم: وهل قد حج شبرمة؟ وهل أوصى؟ وهل هو ميت؟. وفي الإعتاق وقراءة القرآن، وفي ذلك الكثير الطيب ويقاس ما (ب) لم يردّ فيه نصّ على ما ورد، إذ الجامع موجود ولا وجه للاقتصار، والله سبحانه أعلم.
(جـ عدة أحاديث كتاب الجنائز أحد وسبعون حديثًا جـ).
(أ) في جـ: وحديث.
(ب) في جـ: فيما.
(جـ - جـ) لفظ جـ: تم كتاب الجنائز وعدة أحاديثه أحد وسبعون حديثًا.
_________
(1)
البخاريّ 12/ 330 ح 6959.