المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب صدقة الفطر - البدر التمام شرح بلوغ المرام ت الزبن - جـ ٤

[الحسين بن محمد المغربي]

الفصل: ‌باب صدقة الفطر

‌باب صَدَقة الفِطر

إضافة الصدقة [إلى الفِطرْ (أ)]، لأن الفطر بمعنى الإفطار وهو سببها، ويدل عليه أنه قد وقع في بعض ألفاظ البخاري "زكاة الفطْر" من رمضان (1)، وقال ابن قتيبة: المراد بصدقة الفطر صدقة النفوس مأخوذة من الفِطْرة التي هي أصل الخلقة، والأول أظهر.

475 -

عن ابن عمرِ رضي الله عنه قال: "فرَضَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على العبد والحُرِّ والذَّكَرِ والأنثى والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدي قبل خروج الناس إِلى الصلاة" متفق عليه (2).

ولابن عدي والدارقطني بإسناد ضعيف (3): "اغنوهم عن الطواف في هذا اليوم"(4).

الحديث فيه دلالة على وجوب الفِطْر، فإن "فَرَضَ" عند جمهور السلف والخلف معناه أَلْزَم وأوجب، وهو غالب في استعمال الشرع لهذا المعنى، قال إسحاق بن راهويه:"هي واجبة بالإجماع"(5)، وقال بعض أهل العراق وبعض أصحاب مالك وبعض أصحاب الشافعي وداود في آخر

(أ) بحاشية الأصل.

_________

(1)

البخاري الزكاة، باب صدقة الفطر على الحر والمملوك 3: 375 ح 1511.

(2)

البخاري الزكاة، باب فرض صدقة الفطر 3: 367 ح 1503، مسلم الزكاة، باب زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير 2: 677 ح 12 - 984.

(3)

الكامل 7: 2519، الدارقطني 2: 152 - 153.

(4)

فيه نجيح بن عبد الرحمن السندي، أبو معشر مولى بني هاشم مشهور بكنيته، ضعيف:(التقريب 356).

(5)

ولفظ ابن قدامة: "هو كالإجماع من أهل العلم" 4: 281، والنووي في شرح مسلم 7:58.

ص: 349

أمره: إنها سُنَّةٌ وليسب بواجبة (1)، وقالوا: معنى "فَرَضَ" قَدّر، فلا يدل على الوجوب، ويُجَاب بأن الظاهر منه الوجوب لا سيما مع قوله: "على العبد

" إلخ، وقوله: "زكاة الفطر".

وقال أبو حنيفة: هي واجبة غير فرض بناء على التفرقة بينهما عنده، وقال إبراهيم بن عُلَيّة والأصم أن وجوبها منسوخ، واستدل لهما بما رواه النسائي وغيره عن قيس بن عُبَادة بن الصَّامت رضي الله عنه قال:"أمَرنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطرْ قبلَ أن تنزل الزكاةُ، فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا ولم ينهنا ونحن نفعله"(2)، وأجيب بأن في إسناده راويًا مجهولًا (3) كما تقدم في أول الزكاة، ولا دلالة فيه على النسخ؛ لأن قوله:"لم يأمرنا ولم ينهنا" لا يدل على ذلك، فإنه ربما ترك ذلك اعتمادًا على الأمر الأول، ولأنه قد علم أن شرعيته فريضة مستقلة لا يلزم منه نسخ ما تقدمها من الفرائض، وأيضَا فهي داخلة في عموم قوله تعالى:{وَآتُوا الزَّكَاةَ} (4) ومن جملتها زكاة الفِطرْ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم سماها كذلك، وقال الله تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} (5) فإن كثيرًا من السلف فسر التزكية بزكاة الفطر وإن كانت السورة مكية ولم يكن في مكة بفروض لا زكاة ولا غيرها فهو قد يتقدم نزول الحكم على سببه، [وقد فرض صوم رمضان بعد ما حولت الكعبة بشهر على رأس ثمانية عشر شهرًا

(1) المجموع 6: 48 المغني 4: 281 شرح مسلم 7: 58.

(2)

النسائي الزكاة، باب فرض صدقة الفطر قبل نزول الزكاة 5: 49 (ط. بيروت)، ابن ماجه الزكاة، باب صدقة الفطر 1: 585 ح 1828.

(3)

عريب بن حميد أبو عمار: ثقة (التقريب 238، الخلاصة 305، تهذيب التهذيب 7: 191) وذكر النووي في المجموع أن في سنده أبي عمار ولا يعلم حاله في الجرح والتعديل لكن وثق كما تقدم وكذلك أشار الحافظ في الفتح 3: 368.

(4)

النساء الآية 77.

(5)

الشمس الآية 14.

ص: 350

من الهجرة، وأمر في هذه السنة بزكاة الفطر، وذلك قبل أن تفْرَضَ الزكاةُ في الأموال، أخرجه ابن سعد في "الطبقات"(1)(أ).

وقوله: "صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير": انتصب الصاع على التمييز، أو بَدَل من "زكاة" بيان لها، ولم تختلف الطرق عن ابن عمر في الاقتصار على هذَيْن الشيئين إلا ما أخرجه أبو داود والنسائي من حديثه فزاد فيه:"السلت والزبيب"(2).

والسلْت بضم السين وسكون اللام بعدها تاء (ب) مثناة وهو نوع من الشعير (3)، ولكن حكم مسلم على عبد العزيز بن أبي رواد بالوهم فيه (4).

وقوله: "على العبد والحر

" إلخ: ظاهره وجوبها على من ذكر، وأن الوجوب يتعلق بالعبد نفسه، وقد جنح إلى هذا البخاري (5)، وإليه ذهب داود الظاهري (6) وقال: إنه يجب على السيد أن يُمَكِّنَ عبده من الاكتساب لها، كما يجب عليه أن يمكنه من الصلاة، وخالفه أصحابه والناس، وللشافعية وجهان (7) هل يتعلق أصل الوجوب بالعبد ويتحملها عنه السيد أو يجب ابتداءً على السيد؟، وكذلك المرأة إذا كانت مزوجة، فقال النووي وأبو حنيفة وابن المنذر: إنها تجب عليها، وقال مالك والشافعي والليث وأحمد وإسحاق أنها تجب على الزوج إلحاقًا لها بالنفقة.

(أ) بحاشية الأصل.

(ب) ساقط من جـ.

_________

(1)

الطبقات 1: 248.

(2)

أبو داود 2: 266 ح 1614، النسائي 5:39.

(3)

النهاية 2: 388.

(4)

قال مسلم في التمييز: "ذكر رواية نادرة بين خطؤها بخلاف الجماعة من الحفاظ". ثم ذكر الحديث وقال: "وسنذكر إن شاء الله من روايات أصحاب نافع بخلاف ما روى عبد الله"164.

(5)

البخاري الزكاة، باب صدقة الفطر على العبد وغيره من المسلمين 3:369.

(6)

و (7) شرح مسلم 5: 59.

ص: 351

ويرد عليهم أنهم قالوا إن أعسر وجبت عليها، وكذلك إذا كانت الزوجة أَمَة كانت على سيدها بخلاف النفقة.

وقالوا: لا يخرج عن زوجته الكافرة مع أن النفقة عليه.

وذهبت الهَادَوِيَّة إلى أن أصل الوجوب على الزوجة، وإنما تحملها الزوج فإذا أخرجت عن نفسها أجزأ أو أعسر أو تمرد وجبت عليها، قالوا: وكذلك القريب الذي يلزم نفقته، والإمام يحيى ظاهر قَوْله مثل قول مالك والشافعي، وحُجّتُهُم قوله صلى الله عليه وسلم:"أدوا صدقة الفطْر عمن تمونون" أخرجه الدارقطني والبيهقي من طريق الضحاك عن ابن عمر (1)، ورواه الدارقطني من حديث علي (2)، وإسناده ضعيف وفيه إرسال، ورواه الشافعي عن إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه مرسلًا (3).

وقوله: "والصغير والكبير": ظاهره وجوبها على هذا في مال الصغير وإلّا فعلي منْ تلزمه نفقته، وهذا قول الجمهور، وعند الهادوية وهو قول محمد بن الحسن أنها على الأب مطلقًا فإن كان الأب معسرًا [لا يمكنه التكسب](أ) والولد الصغير موسرًا أخرج عن نفسه من مال ابنه الصغير، وفي إخراجه عن ولده الصغير احتمالان، وأما عند محمد بن الحسن فهي ساقطة عن الصغير، وعن الحسن البصري وسعيد بن المسيب لا تجب الفطرة إلا على صائم، ويستدل لها بما سيأتي من حديث ابن عباس أنها طهرة للصائم.

(أ) بحاشية الأصل.

_________

(1)

الدارقطني 2: 141، البيهقي 4: 161 وقال الدارقطني: ورفعه القاسم، ليس يقوى ويصح موقوفًا. وقال البيهقي: وإسناده غير قوي.

(2)

الدارقطني 2: 140 لأنه من رواية موسى الرضي عن آبائه.

(3)

الأم 2: 53 قلت محمد بن علي بن الحسين عن النبي صلى الله عليه وسلم فروايته مرسلة انظر التقريب 9: 350.

ص: 352

وأجيب بأن ذكر التطهير خرج مخرج الغالب، ونقل ابن المنذر الاجماع على أنها لا تجب في حق الجنين (1)، قال: وكان أحمد يستحبه.

ونقل بعضُ الحنابلة عنه رواية بالإيجاب، وبه قال ابن حزم (2)، لكن قَيَّده بمائة وعشرين يومًا من يوم حمل أمه به، وظاهر الحديث أنها تجب على الفقير والغني وهو مصرح به فيما أخرجه البيهقي (3) عن ثعلبة بن عبد الله -أو عبد الله بن ثعلبة- مرفوعًا:"أدوا صاعًا من قمح عن كل إنسان ذكر أو أنثى أو صغير أو كبير أو غني أو فقير حر أو مملوك" فأما الغني فيزكيه الله، (أوأما الفقير أ) فيرد عليه أكثر مما أعطى.

وعن الحنفية -وإليه ذهب المنصور بِالله- أنها لا تجب إلا على مَنْ مَلَك نصابًا، ويحتج لذلك بقوله:"لا صدقة إلا عن ظهر غنى"(4)، وقال الشافعي (5): تجب على مَنْ مَلَك فاضلا عن قوت يومه ومن تلزمه نفقته.

وذهب الهادي والمؤيد بالله إلى أنها لا تجب إلا إذا مَلَكَ قوت عشرة أيام والفطرة فاضلة عن ذلك، قالوا: لأن العشرة الأيام قد اعتبرت في أحكام كثيرة وفي عدم اعتبارها حرج ومشقة فصَحَّ ذلك (6).

وقوله: "من المسلمين": اتفقت الرواة عن مالك من حديث ابن عمر على زيادة هذه الكلمة إلا قتيبة بن سعيد فرواه عن مالك بدونها، وقال ابن

(أ - أ) بحاشية هـ.

_________

(1)

المغني 3: 80، وعبارته لا تحكي الإجماع.

(2)

قال ابن حزم في المحلى 6: 118 تجب ولو كان جنينًا وقال في (6: 242): إنه لا يجب إلا بوقت الوجوب وقبل ذلك لا تجب.

(3)

البيهقي 4: 163.

(4)

أحمد 2: 230. ويؤيده ما أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى". (كتاب الزكاة، باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى 3: 294 ح 1426).

(5)

الأم 2: 55.

(6)

البحر 2: 198.

ص: 353

الصلاح وغيره: إن مالكًا تفرد بها، وليس كذلك فقد رواها عمر بن نافع عن أبيه، وكذا أخرجه مسلم من طريق الضحاك بن عثمان عن نافع بها (1)، وأخرجه أبو داود عن عبد الله العمري عن نافع بلفظ "على كل مسلم"(2)، وقد بسط الكلام في "فتح الباري" في اختلاف الرواة في إثباتها، فارجع إليه (3).

وزيادة التقييد بالإسلام فيها دلالة على أنها لا تجب على الكافر أَنْ يُخْرجهَا عن نفسه، وهو إجماع، وأما إذا كان الخرج عنه كافرًا والخرج مسَلمًا مثل الزوج المسلم عن الكافرة أو الأب الكافر والولد مسلم، أو كان العكس، نقل ابن النذر الإجماع على اشتراط إسلام المخرِج والمخرَج عنه، وظاهر الحديث يقضي بهذا، فإنه جَمَعَ فيه بين منْ يخرج ومن يخرج عنه، ووصفهم بالإسلإم، [وتأويل الطحاوي بأنه صفة للسادة الخرجين بعيد (أ)]، وقد روى ابن إسحاق عن نافع أنَّ ابنَ عمر كان يخرج عن أهل بيته حرِّهم وعبدهم صغيرهم وكبيرهم مسلمهم وكافرهم من الرقيق، قال ابن المنذر: وابن عمر راوي الحديث، وقد كان يخرج عن عبده الكافر، وهو أعرف بمراد الحديث (4).

وتعقب بأنه يحتمل أنه كان يخرجها تطوعًا ولا مانع منه، [وذهب الكوفيون وإسحاق وبعض السلف إلى أنه يجب على المسلم إخراجها عن عبده الكافر، ومستنده فعل ابن عمر](ب)، والحديث عام لأهل الحَضَر والبدو، وإليه ذهب الجمهور، وخالف في ذلك الزهري وربيعة والليث في

(أ) بحاشية الأصل.

(ب) بحاشية الأصل.

_________

(1)

مسلم الزكاة، باب زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير 2: 678 ح 16 - 984.

(2)

أبو داود الزكاة، باب كم يؤدى في صدقة الفطر 2: 263 - 265 ح 1611.

(3)

فتح الباري 3: 369.

(4)

فتح الباري 3: 370.

ص: 354

قولهم إن زكاة الفطر تختص بالحاضر دون البادي.

وقوله: "وأمرهم .. " إلخ: يدل على أن المبادرة بها هو الأولى، وأنه يكره تأخيرها عن الصلاة، وذهب ابن حزم (1) إلى ظاهر الحديث وأنه لا يجوز تأخيرها إلى بعد الصلاة، وأجيب عنه بقوله:"ومن أخرها فهي صدقة من الصدقات" ولا صحة للجواب.

وقوله: "فهي صدقة"! يدل على فوات زكاة الفطر وأنها قد خرجت على ماهيتها، وكذلك الجواب بقوله:"اغنوهم عن الطواف في هذا اليوم" لا يدل على ذلك إذ بملكهم لها في أول اليوم مغنٍ عن الطلب في سائر اليوم، ولزومها مؤقت إجماعًا، فذهب القاسم والهادي والناصر والمؤيد بالله وأبو حنيفة وأصحابه وأحد قولي الشافعي وعن مالك أنه منْ فجر أول شوال لقوله صلى الله عليه وسلم:"اغنوهم عن الطواف في هذا اليوم"، وذهب الثوري وأحمد وإسحاق والشافعي.

وعن مالك بل من غروب آخر يوم رمضان لقوله: "طهرة للصائم"(2) وقوله: "زكاة الفطر" فأضافها إلى الفِطْر، والفطر حصل بذلك، والأولى أن ذلك محتمل مبني على تفسير الفطر، فإن أريد به المعتاد وهو عدم الصوم فهو من الغروب، وإن أريد به الفطر الطارئ به (أ) وهو وجوب الإفطار فهو من عند طلوع الفجر.

وقال ابن دقيق العيد: إضافة الزكاة إلى الفطر لا يدل على تعيين وقت الوجوب، بل يطلب من دليل آخر (3).

[وذهب المسعودي إلى أنها لا تجب إلا بمضي الوقَتْين جميعًا أخذا

(أ)(به) ساقط من جـ.

_________

(1)

المحلى 143:6 وعلى رأيه، يخرجها وتبقى في ذمته حقًّا ويبقى حق الله في تضييعه الوقت لا يقدر على جبره إلا الاستغفار والندامة.

(2)

سيأتي في الحديث بعد القادم.

(3)

إحكام الأحكام 3: 314.

ص: 355

بالدليلين. وفائدة الخلاف فيمن ولد أو مات] (أ)، واختلف العلماء في تقديمها على يوم الفطر، فذهب القاسم والهادي وأبو طالب إلى جواز التعجيل عن البدن الموجود ولو إلى عامين كزكاة المال، وقال الشافعي: بل يجوز في رمضان لا قبله لأن لها سببين هما الصوم والإفطار، فلا يتقدمها كالنصاب والحَوْل، والجواب بأن وجود البدن كالنصاب، والمال كالحَوْل.

وذهب أحمد إلى أنها لا تتقدم على وقت وجوبها إلا ما يغتفر كيوم أو يومين إذ لا يعد تقديمًا في العادة، وهو مروي أيضًا عن ابن عمر.

وذهب الحسن بن زياد والناصر ومالك إلى أنه (ب) لا يجوز مطلقًا كالصلاة قبل الوقت ولا التأخير عنه كالصلاة.

والجواب بأن ردَّها إلى الزكاة أقرب من ردها إلى الصلاة، قال الإمام يحيى: ولإجماع السلف على جواز التقديم، [وقد أخرج ابن خزيمة عن ابن عمر أنه كان يقدم على الفطر بيومين أو ثلاثة (1)، وأخرجه الشافعي عنه، وقال: هذا حسن وأنا أستحبه، وفي قصة أبي هريرة، وإمساكه الشيطان ثلاث ليال لسرقته منها دلالة (جـ) على التقديم.

وقد أخرجه البخاري في الوكالة] (د)(2) وإن اختلفوا في مقداره.

وقوله: "أغنوهم" الحديث: أخرجه الدارقطني والبيهقي من رواية أبي معشر عن نافع عن ابن عمر، وأبو معشر ضعيف (3) وهو متأيد بما

(أ) بحاشية الأصل.

(ب) هـ: أنها.

(جـ) جـ: دليل.

(د) بحاشية الأصل.

_________

(1)

الذي في صحيح ابن خزيمة: " ..... وأن عبد الله بن عمر كان يؤدي قبل ذلك بيوم ويومَيْن".

(ابن خزيمة 4: 90 - 91 ح 2421).

(2)

البخاري الوكالة، باب إذا وكل رجلًا فترك الوكيل شيئًا .... 4: 487 ح 2311.

(3)

تقدم تخريجه.

ص: 356

أخرجه ابن سعد في "الطبقات" من حديث أبي سعيد، وقال في آخره:"أغنوهم -يعني المساكين- عن طواف هذا اليوم"(1).

476 -

وعن أبي سعيد الخُدْريِّ رضي الله عنه قال: "كنا نعطيها في زمان النبي صلى الله عليه وسلم صاعًا من طعام أو صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير أو صاعًا من زبيب" متفق عليه (2).

وفي رواية "أو صاعًا من أقط"(3) قال أبو سعيد: "أما أنا فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم" ولأبي داود: "لا أخرج أبدًا إِلا صاعًا"(4).

قوله: "كنا نعطيها" إلخ: هذا له حكم المرفوع لأضافته إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم ففيه إشعَار باطلاعه على ذلك وتقريره له في مثل هذه الصورة التي كانت توضع عنده وتجمع بأمره وتفرق بأمره، والطعام قيل المراد به هنا بعض أنواعه وهو الحنطة، فهو عام أريد به خاص بقرينة عطف ما ذكر عليه، وتعينت الحنطة لأنها أشهر أنواع الطعام وأفضلها، فلو لم تكن المرادة لذكرها عند التفصيل ذكره الخطابي (5)، وقال هو وغيره: إن لفظ الطعام يستعمل في الحنطة عند الإطلاق حتى إذا قيل: اذهب إلى سوق الطعام فهم منه القمح، وإذا غلب العرف على معنى نزل اللفظ عليه.

وقال ابن المنذر: إنما أجمل أولًا ثم فصل ثم احتج عليه باللفظ الآخر الذي روي به حديث أبي سعيد، وقد أخرجه البخاري أيضًا ولفظه: "كنا

(1) نقدم تخريجه.

(2)

البخاري الزكاة، باب صاع من زبيب 3: 372 ح 1508، مسلم الزكاة، باب زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير 2: 678 ح 17 - 985 (بنحوه).

(3)

مسلم (السابق).

(4)

أبو داود الزكاة، باب كم يؤدي في صدقة الفطر 2: 269 ح 1618.

(5)

معالم السنن 2: 267، والنقل بلفظه ص الفتح 3:373.

ص: 357

خرج صاعًا من طعام، وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر" (1).

فدل على أنَّ الحنطة غير مذكورة. وأخرج البخاري نحوه من طريق أخرى عن عياض، وقال فيه:"ولا يخرج غيره"، وقال: وفي قوله: "ولما جاء معاوية وجاء بالسمرا

" (2) دليل على أنها لم تكن قوتًا لهم قبل هذا، فدل على أنها لم تكن كثيرة ولا قوتًا فكيف يتوهم أنهم أخرجوا ما لم يكن موجودًا، انتهى كلامه.

وقد ذُكِرَتْ الحنطة في حديثه عند ابن خزيمة والحاكم في صحيحيهما بلفظ: "صاع تمر أو صاع حنطة أو صاع شعير أو صاع أقط، فقال له رجل أو مُدَّيْن من قمح؟ فقال: لا، تلك قيمة معاوية لا أقبلها ولا أعمل بها"(3)، قال ابن خزيمة: ذِكْر الحنطة وَهْم، ولا أدري ممن هو، وكذا قال أبو داود (4):"ذكر الحنطة غير محفوظ، وذكر أن معاوية بن هشام روى في هذا الحديث عن سفيان نصف صاع من بُرٍّ وهو وَهْم (5)، وأن ابن عِيَاض حدث به عن ابن عجلان عن عياض فزاد فيه: "أو صَاعٍ من دَقيق" وأنهم أنكروا عليه فتركه، قال: وذِكْر الدقيق وَهْم من ابن عيينة (6).

وقال ابن المنذر (7): لا تعلم في القمح خبرا ثابتًا عن النبي صلى الله عليه وسلم يعتمد عليه، ولم يكن البُر بالمدينة في ذلك الوقت إلا الشيء اليسير منه، فلما كَثُرَ في أيام الصحابة رأوا أنَّ نصف صاع منه يقوم مقام صاع من

(1) البخاري الزكاة، باب الصدقة قبل العيد 3: 375 ح 1510.

(2)

البخاري الزكاة، باب صاع من زبيب 3: 372 ح 1508.

(3)

ابن خزيمة 4: 90 ح 2419 الحاكم 1: 411.

(4)

سنن أبي داود 2: 269.

(5)

سننن أبي داود 2: 269 ح 1617.

(6)

سنن أبي داود 2: 269 ح 1618.

(7)

الفتح 3: 374.

ص: 358

الشعير وهم الأئمة فغير جائز أن يعدل عن قولهم إلا إلى قول مثلهم، ثم أسند عن عثمان وعلى وأبي هريرة وجابر وابن عباس وابن الزبير وأمه أسماء بنت أبي بكر بأسانيد صحيحة أنهم رأوا أن في زكاة الفِطْر نصف صاع من قمح (1) انتهى. وقد أفهمتْ عبارته دعوى الإجماع على ذلك، وقد عرفت خلاف أبي سعيد وكذلك ابن عمر، فلا إجماع في المسألة خلافًا للطحاوي، ولعل أبا سعيد اجتهد فرأى أَنَّ المقصود إخراج مقدار الصاع من تلك الأشياء أو من غيرها فلم يسوغ أن يكون المُخَّرج أقل منه وغيره وإلى أن الحنطة لما كانت قيمتها غالية وأن النصف منها يقوم مقام الكامل من غيرها اجتهد في ذلك، فاعتبر النصف بناء على التقويم ولكنه غير منضبط، لأنه يلزم أن يختلف ذلك باختلاف الأزمان، وفعل ابن عباس في البصرة وأمره بنصف صاع من تمر إلى أن أتى عليّ رضي الله عنه ورأى رخص أسعارهم قال: اجعلوها صاعًا من كل (2)، فدل على أنه كان ينظر إلى القيمة في ذلك.

[وقد أخرج الحاكم من حديث ابن عباس أو مُدَّان منْ قمح](أ)(3) والحديث فيه دلالة على أنها صاع كامل نصًّا في المذكوراتَ وقياسًا فيما عداها مما يقتات، وهو إجماع إلا في البر، وأما البرُ فذهب جماعة من الصحابة والتابعين والفقهاء إلى أنه مِثْل غيره، وذهب جَمَاعة من الصحابة والتابعين والفقهاء إلى أنها نصف صاع، وقد عرفت ما فيه كفاية،

(أ) بحاشية على الأصل.

_________

(1)

الفتح 3: 374.

(2)

النسائي الزكاة، باب الحنطة 5: 52 - 53 (ط. بيروت).

(3)

من حديث أبي سعيد وليس لابن عباس حديث عند الحاكم بهذا اللفظ وانظر الفتح 3: 374، والحاكم 1:411.

ص: 359

ويجزئ الدقيق عند زيد بن علي والهادي والحنفية لعموم قوله: "صاعًا من شعير" ونحوه فإنه يصدق عليه ذلك، وذهب الناصر والشافعي إلى أنه لا يجزئ إلا تقويمًا إذ الأمر إنما هو بأصله، وأيضًا فالدقيق ينقص، وأجيب بأنه قد أمر صلى الله عليه وسلم بالدقيق كما تقدم، وأجيب بأن ابن عُيَيْنَة نُسِب إلى الوَهْم بذكره.

وقوله. "أو أقط": فيه دلالة على إجزائه، وظاهره العموم في حق مَنْ يعتاده ومنْ لا يعتاد كغيره أولًا، وجنح البخاري إلى أنه غير مجزئ مع وجدان غيره (1)، كما ذهب إليه أحمد، وحملوا الحديث على أنَّ مَنْ أخرجه كأن يعتاده ولم يجد غيره، وفيه خلاف عند الشافعية، وزعم الماوردي أنه يختص بأهل البادية، وأما الحاضر فلا يجزئ عنه بلا خلاف، وتعقبه النووي في "شرح المُهَذَّب" بأن الخلاف في الجميع (2)، واختار الإمام المهدي (3) لمذهب الهادوية أجزأ الأقط والحليب لا المخيض والسمن إلا تقويمًا.

477 -

وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: "فَرضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرَّفَث وطُعْمَة للمساكين، فَمَنْ أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات" رواه أبو داود وابن ماجه وصحه الحاكم (4).

وأخرج الحديث الدارقطني، وقد تقدم الكلام على ما يتضمنه.

(1) الفتح 3: 372.

(2)

الفتح 3: 372، 373 - المجموع 6: 71 - 72.

(3)

البحر 203:2.

(4)

أبو داود الزكاة، باب زكاة الفطر 2: 262 ح 1609، ابن ماجه الزكاة، باب صدقة الفطر 1: 585 ح 1827، الحاكم الزكاة 1: 409، الدارقطني الزكاة 1: 138 وقال: ليس فيهم مجروح.

ص: 360

وفي قوله: "طعمة للمساكين": فيه دلالة على أن مصرفها مختص بالمساكين دون سائر الأصناف الثمانية، وقد ذهب إلى هذا الهادي والقاسم وأبو طالب (1)، وفي الحقيقة أن الخارج منها إنما هو التأليف لأنهم يعتبرون في ما عدا العامل الفقر، والظاهر أن العالم يجوز أن يعطى منها لأن ذلك في مقابلة عمل لا لأجل سد الخلة، فالظاهر الإجماع عليه، وقال المنصور بالله (2): إنها كالزكاة في الثمانية، قال الإمام المهدي (3): وهو قوي لعموم قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} (4). الآية، وهي من جملتها وذِكْر البعض لا يلزم منه التخصيص، وقد ورد مثله في الزكاة في حديث معاذ:"أمرتُ أن آخذها من أغنيائكم وأردها في فقرائكم"(5).

وفي قوله: "طهرة الصائم" إلخ: دلالة على أن بعض المعاصي تكفرها الأعمال الصالحة من دون احتياج إلى تَوْبَة، وقد ورد في الحديث شطر صالح في أمور متفرقة يدل على هذا، والله أعلم.

[عدة أحاديث صدقة الفطر ستة أحاديث].

(1) البحر 203:2.

(2)

و (3) البحر 203:2.

(4)

التوبة الآية 60.

(5)

تقدم في أول حديث في باب الزكاة.

ص: 361