الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
المطلب الأول: شرح بعض الألفاظ الواردة في عنوان البحث مع الإشارة إلى حدود البحث
…
المبحث الأول
وفيه مطلبان:
المطلب الأول:
شرح بعض الألفاظ الواردة في
عنوان البحث مع الإشارة إلى حدود البحث
1-
البركة: محركة، هي النماء والزيادة والسعادة1. وبنحو هذا اللفظ قال ابن منظور2، وقال الزجاج: " (تبارك) : تفاعل من البركة، ومعنى البركة: الكثرة في كل ذي خير3. وقال ابن كثير: تبارك، تفاعل من البركة المستقرة الثابتة الدائمة4".
وقال ابن الأثير: قوله صلى الله عليه وسلم: "وبارك على محمد وعلى آل محمد"5، أي أثبت له وأدم ما أعطيته من التشريف والكرامة، وهو من (بَرَك البعير) إذا أناخ في موضع فلزمه. قال: وتطلق البركة - أيضًا - على الزيادة والأصل
1 القاموس المحيط (ب ر ك)(3/293) .
2 لسان العرب (ب ر ك)(10/395-396) ، وانظر أيضًا الجامع لأحكام القرآن (4/147) .
3 الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (13/1) تفسير الآية الأولى من سورة الفرقان.
4 تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/411) .
5 يشير هنا إلى الحديث الذي رواه غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم في سؤالهم النبي صلى الله عليه وسلم كيف يصلون عليه؟ فقال: "قولوا اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد
…
"، أخرجه البخاري، كتاب الأنبياء، باب 10 (6/407-408) . وكتاب الدعوات، باب الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم (11/152) . ومسلم، كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي (1/305-306) .
الأول1.
وقال النووي: عند قوله تعالى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} 2، قيل: معناه ثبت الخير عنده، وقيل: تعالى إلى، والبركة العلو والنماء
…
وأصله من البروك وهو الثبوت. ومنه بِركة الماء، وبَرْكة البعير3.
وقد أكَّد الحافظ ابن حجر ما ذكره ابن الأثير والنووي فقال عند قوله "وبارك على محمد": المراد بالبركة هنا: الزيادة من الخير، والكرامة
…
وقيل المراد: إثبات ذلك واستمراره من قولهم بركت الإبل أي ثبتت على الأرض، وبه سميت بركة الماء، بكسر أوله لإقامة الماء فيها، والحاصل أن المطلوب أن يعطوا من الخير أوفاه، وأن يثبت ذلك ويستمر دائمًا4.
مما سبق يتضح أن البركة هي النماء والزيادة من الخير، مع ثبوت هذا الخير واستقراره ودوامه واستمراره عند صاحبه، والله أعلم.
ومن الجدير بالذكر - هنا - أن البركة ليس بالضرورة أن تكون دائمًا مقصورة على الشيء الكثير فقط، بل قد تكون في الشيء القليل كما تكون في الشيء الكثير. وهذا ما أشار إليه الحافظ ابن حجر عند حديث حكيم بن حزام5 الذي جاء فيه: "ومن أخذه - يعني المال - بإشراف نفس لم يبارك فيه، كالذي يأكل ولا يشبع
…
".
قال الحافظ: فيه ضرب المثل لما لا يعقله السامع من الأمثلة، لأن الغالب من الناس لا يعرف البركة إلا في الشيء الكثير فبين بالمثال المذكور أن البركة هي
1 النهاية في غريب الحديث (1/120) .
2 سورة المؤمنون: من الآية رقم (14) .
3 تهذيب الأسماء واللغات، (القسم الثاني ص 26) .
4 فتح الباري (11/162-163) .
5 يأتي تخريجه.
خلق من خلق الله تعالى، وضرب لهم المثل بما يعهدون1.
ومن المهم أن يعلم أيضًا أن البركة قد تكون جلية، وقد تكون خفية، كما قد تكون مثوبة أخروية. فالبركة الجلية: هو ما يشاهد كثيرًا بالعادة من كثرة الخير وسوق الرزق للإنسان، ونمائه عند صاحبه وما يرافق ذلك من توفيق، وتيسير في الحصول على الرزق، ونحوه.
والبركة الخفية: قد تكون بدفع المضرات والجوائح والآفات عن الرزق، وعدم تعرض الإنسان للحوادث المرورية مثلاً أو الأمراض الخطيرة، ونحوه مما يأتي على جانب كبير من رزقه، وقد ذكروا بأن الغنم أو الأنعام إذا أنتجت الإناث فهذا من البركة الخفية لأنها تنمو وتتضاعف، وإذا أنتجت الخراف أو الذكور فهذا من المحق الخفي. والله أعلم2.
وأما البركة الأخروية وهو النماء ومضاعفة الأجر في الأعمال الصالحة فهذا واضح ويلحظ ذلك في كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية. لكن مقصود البحث هو إظهار البركة بقسميها الجلي والخفي دون البركة الأخروية مما اقتضى ذكر التنبيه المثبت في آخر هذا البحث، في (ص83) .
2 -
الرزق: الرزق بالكسر، ما ينتفع به كالمرتَزق، والمطر، والجمع أرزاق، وبالفتح، المصدر الحقيقي3.
وقال ابن منظور: الرَّزق بفتح الراء هو المصدر الحقيقي، والرِّزق بالكسر هو الاسم، ويجوز أن يوضع موضع المصدر، قال: والرزق معروف، والأرزاق
1 فتح الباري (3/337) .
2 قد ألمح لشيءمن هذا المعنى كل من النووي في (شرح مسلم) 16/141، والمباركفوري في (تحفة الأحوذي) 6/177، والمناوي في (فيض القدير) 5/503.
3 القاموس المحيط (ر ز ق) 3/235.
نوعان: ظاهرة للأبدان كالأقوات، وباطنة للقلوب والنفوس كالمعارف والعلوم1.
وقال الجرجاني: "الرزق اسم لما يسوقه الله إلى الحيوان فيأكله، فيكون متناولاً للحلال والحرام. وعند المعتزلة: عبارة عن مملوك يأكله المالك، فعلى هذا لا يكون الحرام رزقًا2 ".
لكن قال القرطبي: "الرزق، حقيقته ما يتغذى به الحي، ويكون فيه بقاء روحه ونماء جسده، ولا يجوز أن يكون الرزق بمعنى الملك، لأن البهائم ترزق وليست يصح وصفها بأنها مالكة لعلفها3 ".
وقال في موضع آخر - عند قوله تعالى -: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} 4: رزقناهم: أي أعطيناهم، والرزق، العطاء، وهو - عند أهل السنة - ما صح الانتفاع به حلالاً كان أو حرامًا5.
قلت: والرِّزق المعنون به هذا البحث، والمستعمل في كل جزئياته إنما هو الرزق الحلال، إذ لا يمكن تصور حصول البركة في الرزق الحرام، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فلئن كان الرزق يشمل - أيضًا - العطايا والمنافع الظاهرة والعطايا الباطنة كما مر، فإن المعوَّل عليه - هنا في هذا البحث - إنما هو الرزق الظاهر، وهو ما يكون بمعنى المال، إذ بين الرزق والمال عموم وخصوص من وجه فكل مال رزق، وليس كل رزق مالاً، لكن يستعمل أحدهما محل الآخر كثيرًا، ولا إشكال في ذلك، وباستقراء الأحاديث الواردة في هذا البحث وما
1 لسان العرب (ر ز ق) 10/115 بتصرف، وانظر أيضًا: النهاية في غريب الحديث (2/219) .
2 التعريفات (ص 147) .
3 الجامع لأحكام القرآن (9/10) .
4 سورة البقرة: من الآية رقم (3) .
5 لجامع لأحكام القرآن (1/177) .
جاء فيها من ذكر البركة، فهي تستعمل مقرونة باللفظين، بل هي مستعملة مقرونة بالرزق أكثر من غيرها، وغالبًا ما يكون الرزق هنا بمعنى المال، وهذا ما دفعني إلى ذكر الرزق في العنوان بدلاً من المال، وإن كان الأمران جائزين، وإذا كان ذلك كذلك فالمال هو: ما ملكته من جميع الأشياء، والجمع أموال، كما قال ابن منظور1.
وقال ابن الأثير: "المال في الأصل ما يملك من الذهب والفضة، ثم أطلق على كل ما يقتنى ويملك من الأعيان، وأكثر ما يطلق المال عند العرب على الإبل؛ لأنها كانت أكثر أموالهم، ثم قال: وقد تكرر ذكر المال على اختلاف مسمياته في الحديث ويفرق فيها بالقرائن2 ".
وقال عبد السلام العبادي: "المال ما كان له قيمة مادية بين الناس وجاز شرعًا الانتفاع به في حال السعة والاختيار "3.
3 -
في ضوء الكتاب والسنة: أي من خلال هدايتهما وما تضمنته نصوصهما من معانٍ يسترشد بها، وما تضفيه تلك النصوص من ظلال عامة، إذ ليس المقصود في هذا البحث استقصاء جميع النصوص المتعلقة بهذا الموضوع، كما أنه لم يكن بالإمكان حصر جميع الأسباب الجالبة للبركة في الرزق واستيعابها على وجه الدقة في مثل هذا البحث، وإن كنت قد أتيت على ذكر معظم الأحاديث التي ذكرت البركة وأسبابها، كما أنني قد حاولت التأصيل لمعظم الأسباب التي تستجلب بها البركة في الأرزاق، وذلك من خلال نصوص الأصلين الأصيلين: القرآن، والسنة، وهدايتها، والله الهادي إلى سواء السبيل.
1 لسان العرب (م ول) 11/635.
2 لنهاية في غريب الحديث (4/373) .
3 الملكية في الشريعة الإسلامية - القسم الأول (ص 179) .