المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الأول: تقوى الله - عزوجل - والتقرب إليه بالطاعات - البركة في الرزق والأسباب الجالبة لها في ضوء الكتاب والسنة

[عبد الله السوالمة]

الفصل: ‌المطلب الأول: تقوى الله - عزوجل - والتقرب إليه بالطاعات

‌المبحث الثاني: الأسباب الجالبة للبركة في الرزق

‌المطلب الأول: تقوى الله - عزوجل - والتقرب إليه بالطاعات

المبحث الثّاني:

الأسباب الجالبة للبركة في الرّزق

وهو في عشرة مطالب:

المطلب الأوّل

تقوى الله عز وجل والتّقرّب إليه بالطّاعات

لقد أمر الله سبحانه عباده أن يتقوه حق التقوى، فقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} 1، ثم بيَّن سبحانه في آية أخرى أن التقوى تكون بحسب الاستطاعة ومقدور الإنسان فقال:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا} 2.

كما تكفَّل سبحانه وتعالى لمن يتقي الله فيما أمره واجتناب ما نهاه عنه بأن ينجيه من كل كرب مما ضاق على الناس، ويرزقه من حيث لا يرجو ولا يخطر بباله، ويقنعه بما رزقه، ويبارك له في رزقه، وتمثَّل هذا بقوله تعالى:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} 3.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "لا يقدر رجل على حرام ثم يدعه ليس به إلا مخافة الله إلا أبدله الله في عاجل الدنيا قبل الآخرة ما هو خير له من ذلك". علقه كل من ابن جرير4، وابن أبي حاتم5

1 سورة آل عمران: الآية رقم (102) .

2 سورة التغابن: من الآية رقم (16) .

3 سورة الطلاق: من الآيتين رقم (2-3) .

4 جامع البيان عن تأويل القرآن (9/85) .

5 تفسير القرآن العظيم (7/2330) .

ص: 261

عن ابن عباس رضي الله عنهما وعزاه السيوطي1 إلى عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، ولم أقف على من وصله، لكن جاء عند أحمد في غير موضع وبأسانيد عن أبي قتادة وأبي الدهماء رضي الله عنهما قالا: أتينا على رجل من أهل البادية فقال البدوي: أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يعلمني مما علمه الله تبارك وتعالى وقال: "إنك لن تدع شيئًا اتقاء الله جل وعز إلا أعطاك الله خيرًا منه"2، وقال الهيثمي:"رواه أحمد بأسانيد ورجاله رجال الصحيح"3.

قلت: والواقع العملي خير شاهد لمثل هذا، ومن هذا ما جاء في قصة يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز وامتناعه عن الوقوع في الحرام مع تهيئة جميع أسباب السلامة له، مخافة لله تعالى، وفي قصة الثلاثة الذين أووا إلى غار فانطبق عليهم، وأخذ كل واحد منهم يدعو الله بصالح عمله، وكان واحد منهم يحب ابنة عم له حباً شديدًا ويراودها عن نفسها مرارًا فتمتنع، ثم ألجأتها الحاجة إلى إجابته فلما أمكنته من نفسها وقعد بين رجليها، قالت له: اتق الله

فانصرف عنها وهي أحب الناس إليه

مخافة لله، ولا يخفى ما آل إليه أمر يوسف عليه السلام في الدنيا والآخرة من النعيم والكرامة والتمكين كما لا يخفى ما حصل لهذا المنصرف عن الفاحشة مع قدرته عليها مخافة لله تعالى من الفرج في الدنيا وانكشاف الشدة عنه وعن أصحابه الذين كانت لهم أعمال صالحة أيضًا4، والله أعلم.

1 الدر المنثور في التفسير بالمأثور (4/182) .

2 المسند (5/78، 79، 363) ، هذا اللفظ في الموضع الأول، ولفظه في بقية المواضع قريب منه.

3 مجمع الزوائد (10/296) .

4 انظر قصة هؤلاء الثلاثة في صحيح البخاري، كتاب البيوع، باب إذا اشترى شيئًا لغيره (4/408) ، وباب من استأجر أجيرًا (4/449) ، وكتاب أحاديث الأنبياء، باب حديث الغار (6/505-506) .

ص: 262

كما جاء عند مسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه يرفعه: "إن الكافر إذا عمل حسنة أطعم بها طعمة من الدنيا، وأما المؤمن فإن الله يدَّخر حسناته في الآخرة، ويعقبه رزقًا في الدنيا على طاعته"1.

وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالأِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} 2.

وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} 3، وقال أيضًا:{وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً} 4.

في هذه الآيات الكريمات الإشارة بأن التقوى لله عز وجل واتباع كل ما جاء على ألسنة الأنبياء والمرسلين من عمل بالأوامر واجتناب للنواهي، ومنها الأمر لأهل الكتاب باتباع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم لأن كتبهم قاضية بذلك، آمرة به، كل ذلك سبب في نزول بركات السماء من الأمطار الغزيرة وإخراج بركات الأرض، وسعة الرزق والأكل المتواصل منه مع وجود البركات فيه5.

قال القرطبي: "ونظير هذا {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} 6.

1 الصحيح، كتاب المنافقين، باب جزاء المؤمن بحسناته في الدنيا والآخرة (4/2162) .

2 سورة المائدة: الآية رقم (66) .

3 سورة الأعراف: من الآية رقم (96) .

4 سورة الجن: الآية رقم (16) .

5 جامع البيان عن تفسير القرآن (10/462-463) ، تفسير القرآن العظيم لابن كثير (2/105) .

6 الجامع لأحكام القرآن (6/229) .

ص: 263

ولما كانت الفرائض التي فرضها الله - تعالى - على عباده هي أحب الأعمال إليه تعالى، فلذلك كان أداؤها أحب شئ إليه تعالى وأشد تقربًا منه، كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند البخاري1 وحديث عائشة رضي الله عنها عند أحمد2 من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"وما تقرَّب إليَّ عبدي بشئ أحبَّ إليَّ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه" الحديث. اللفظ للبخاري، ولفظ أحمد بنحوه، وقال الهيثمي بعد عزو الحديث لأحمد: فيه عبد الواحد بن قيس بن عروة، وثقه أبو زرعة والعجلي وابن معين في إحدى الروايتين،

وبقية رجاله رجال الصحيح3.

ومن أبرز الفرائض والعبادات التي تقرب العبد بعد إيمانه وتقواه إلى مولاه، ويستجلب بها خيري الدنيا والآخرة، البركة في الرزق والسعادة والحبور في الحياة وبعد الممات، على سبيل المثال:(الصلاة، الحج والعمرة، الزكاة، والصدقات، وصلة الأرحام) .

1 -

الصلاة:

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} 4. وقال: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ

1 الجامع الصحيح، كتاب الرقاق، باب التواضع (11/340-341) .

2 المسند (6/256) .

3 مجمع الزوائد (2/247) .

4 سورة البقرة: الآية رقم (153) .

ص: 264

وَالْمُنْكَرِ} 1.

وقال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلَاّ لِيَعْبُدُون، مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ، إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} 2. وقال تعالى أيضًا: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} 3.

قال الحافظ ابن كثير: " قوله: {لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ} يعني إذا أقمت الصلاة أتاك الرزق من حيث لا تحتسب، كما قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} 4، وقال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلَاّ لِيَعْبُدُون} 5 " أ?.

وكان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه6 أمر صلَّى كما جاء عند أبي داود7، وأحمد8، ومن طريق أحمد رواه أبو نعيم9 من حديث حذيفة رضي الله عنه سكت عليه أبو داود. وقال المنذري10: وذكر بعضهم أنه مرسل. وقد ذكر المزي11

1 سورة العنكبوت: من الآية رقم (45) .

2 سورة الذاريات: من الآيات رقم (56-58) .

3 سورة طه: الآية رقم (132) .

4 سورة الطلاق: من الآيتين رقم (2-3) .

5 سورة الذاريات: آية رقم 56، وانظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/230) .

6 حزبه أمر: أي نزل به مهم أو أصابه غم. النهاية في غريب الحديث (1/377) .

7 السنن، كتاب الصلاة، باب أي الليل أفضل (2/35) .

8 المسند (5/388) .

9 معرفة الصحابة (4/1881) .

10 مختصر سنن أبي داود (2/94) .

11 تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف (3/50) .

ص: 265

الروايات المسندة والروايات المرسلة ولم يرجح، لكن أفاد ابن حجر1 أن بعضهم ذكر عبد العزيز ابن أخي حذيفة في الصحابة على أنه أخو حذيفة بن اليمان فروى حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم وصوب أبو نعيم وتبعه ابن حجر بأنه ابن أخي حذيفة كما جاء عند أحمد وأبي داود. وقد اكتفى ابن القيم بعزو الحديث إلى المسند فقط ساكتًا عليه2.

قلت: والحديث قابل للتحسين، وقد حسنه الألباني3.

وقد جاء عند الترمذي4، وابن ماجه5، وأحمد6 في الحديث القدسي المرفوع:"إن الله سبحانه يقول: يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنىً وأسدُّ فقرك، وإن لا تفعل ملأت يديك شغلاً ولم أسُدَّ فقرك" وحسنه الترمذي، واللفظ له، وقريب منه لفظ أحمد وابن ماجه فجاء فيهما لفظ "ملأت صدرك" بدلاً من "يديك"، وقال الألباني: صحيح7.

وعند الترمذي8 أيضًا من حديث أنس رضي الله عنه مرفوعًا: "من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من

1 الإصابة (3/157) .

2 زاد المعاد (4/199) .

3 صحيح سنن أبي داود (1/245) .

4 الجامع، كتاب صفة القيامة، باب منه (7/166) .

5 السنن، كتاب الزهد، باب الهم بالدنيا (2/1376) .

6 المسند (2/358) .

7 صحيح سنن ابن ماجه (2/393) .

8 الجامع، كتاب صفة القيامة، باب منه، (7/165) .

ص: 266

الدنيا إلَاّ ما قدر له"، وقال الألباني صحيح1.

وعند ابن ماجة2 من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه مرفوعًا بنحو حديث أنس السابق. وقال البوصيري3: إسناده صحيح رجاله ثقات، وقال الألباني - أيضًا -: صحيح4.

وأحسن ابن قيم الجوزية إذ قال: "الصلاة من أكبر العون على تحصيل مصالح الدنيا والآخرة، ودفع مفاسد الدنيا والآخرة، وهي منهاة عن الإثم، ودافعة لأدواء القلوب، ومطردة للداء عن الجسد، ومنوِّرة للقلب، ومبيِّضة للوجه، ومنشطة للجوارح والنفس، وجالبة للرزق، ودافعة للظلم، وناصرة للمظلوم، وقامعة لأخلاط الشهوات، وحافظة للنعمة، ودافعة للنقمة، ومنزلة للرحمة، وكاشفة للغمة"5 أ?.

وقال المناوي: "الصلاة معينة على دفع جميع النوائب بإعانة الخالق الذي قصد بها الإقبال عليه والتقرب إليه فمن أقبل بها على مولاه حاطه وكفاه لإعراضه عن كل ما سواه، وذلك شأن كل كبير في حق من أقبل بكليته عليه"6.

2 -

الحج والعمرة:

وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن المتابعة بين الحج والعمرة يسبب الغنى، ويطرد

1 صحيح سنن الترمذي (2/300) .

2 السنن، كتاب الزهد، باب الهم بالدنيا (2/1375) .

3 مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجة (3/271) .

4 صحيح سنن ابن ماجه (2/393) .

5 زاد المعاد في هدي خير العباد (4/209) .

6 فيض القدير (5/120) .

ص: 267

الفقر، فقد جاء في حديث ابن مسعود رضي الله عنه وغيره عند كل من الترمذي1، والنسائي2 وابن ماجه3 (لكن عند هذا الأخير من حديث عمر رضي الله عنه) ، وأحمد4، أنه قال صلى الله عليه وسلم:"تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب، كما ينفي الكير خبث الحديد، والذهب والفضة وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة". وقال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب من حديث عبد الله بن مسعود، وفي الباب عن عمر وعامر بن ربيعة وأبي هريرة وعبد الله بن حبشي وأم سلمة، قلت: وهذا اللفظ للترمذي وأحمد في الموضع الأول، وعند النسائي قريبًا من هذا اللفظ، وعند ابن ماجه نحوه.

قال المباركفوري قوله: "ينفيان الفقر" يحتمل الفقر الظاهر بحصول غنى اليد، والفقر الباطن بحصول غنى القلب5.

3 -

الزكاة وما يتبعها من صدقات وصلة أرحام:

أما الزكاة فقد جعلها سبحانه وتعالى طهرة للمال ولصاحبه وقيد النعمة بها على الأغنياء الموسرين فما زالت النعمة بالمال على من أدى زكاة ماله، فيحفظه الله عليه وينميه له، ويدفع عنه بها الآفات والمهلكات، ويجعلها سورًا عليه وحصنًا منيعًا وحارسًا أمينًا له.

ولهذا قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ

1 الجامع، كتاب الحج، باب ما جاء في ثواب الحج (3/538) .

2 السنن، كتاب الحج، باب فضل المتابعة بين الحج والعمرة (5/115) .

3 السنن، كتاب المناسك، باب فضل الحج والعمرة (2/964) .

4 المسند (1/387) ، (3/446) ، (3/447) .

5 تحفة الأحوذي (3/539) .

ص: 268

صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} 1. وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما المرفوع عند كل من أبي داود2، والحاكم3، والبيهقي4: لما نزلت هذه الآية: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} 5، قال: كبر ذلك على المسلمين، وفيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب ما بقي من أموالكم، وإنما فرض المواريث لتكون لمن بعدكم". هذا لفظ أبي داود، وهو عند الحاكم، والبيهقي بنحوه، وقال الحاكم عقبه: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

قلت: والحديث عند أبي داود بسند متصل، رجاله ثقات لا مطعن في واحد منهم، ما خلا جعفر بن إياس (أبو بِشْر) فإنه وإن وثقه ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم الرازيان، والعجلي، والنسائي، والبرديجي، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، وقد احتج به الجماعة، إلا أن شعبة قال حديثه عن مجاهد من صحيفة - يعني أنه لم يسمع منه - وحديثه هنا هو من روايته عن مجاهد عن ابن عباس6، فالله أعلم.

وقال تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} 7.

قال القرطبي: "في معناه قولان: أحدهما: أنه تضاعف لهم الحسنات،

1 سورة التوبة: الآية رقم (103) .

2 السنن، كتاب الزكاة، باب في حقوق المال (2/126) .

3 المستدرك (1/409) .

4 السنن الكبرى (4/83) .

5 سورة التوبة: الآية رقم (34) .

6 تهذيب التهذيب (2/83-84) ، هدي الساري (ص 395) .

7 سورة الروم: الآية رقم (39) .

ص: 269

والآخر: أنهم قد أضعف لهم الخير والنعيم أي هم أصحاب أضعاف"1.

وأما صدقات التطوع والإنفاق وصلة الأرحام: - وقد يدخل (أحيانًا) في مفهومها الصدقة الواجبة - فقد اهتم الإسلام بها اهتمامًا كبيرًا، وقد كان سيد البشر صلى الله عليه وسلم أعظم الناس صدقة بما يملك، وكان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وكان سروره بما يعطيه أعظم من سرور من يأخذ منه بما أخذ، وكان يؤثر على نفسه، هذا كله مع تنويع أساليب العطاء بحسب الحالات، وظروف من يعطيهم، وهكذا علَّم أصحابه وبهذا أمرهم وكان يدعو للمتصدق منهم، فتحصل لهم البركة بما أنفقوا وبما أصابهم من بركات دعائه صلى الله عليه وسلم.

والآيات والأحاديث التي تبين أن الصدقة والإنفاق سبب في جلب الرزق وحصول البركة ودوام النعمة كثيرة، ومن ذلك قوله تعالى:{يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} 2. قوله: {وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} : أي ينميها في الدنيا بالبركة، ويكثر ثوابها بالتضعيف في الآخرة3.

وقال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} 4. أي أن الشيطان يعد الإنسان ويمنيه بالفقر وفقد الأموال، وذلك بتأدية الزكاة ويأمره بالمعاصي وترك الطاعات.

بينما الله- عز وجل يعد المؤمنين بغفران ذنوبهم وسترها بتأدية الصدقة، كما يعدهم أن يخلف عليهم فيتفضل عليهم من عطاياه ويسبغ عليهم في أرزاقهم5.

1 الجامع لأحكام القرآن (14/41) .

2 سورة البقرة: الآية رقم (276) .

3 الجامع لأحكام القرآن (3/362) .

4 سورة البقرة: الآية رقم (268) .

5 جامع البيان عن تأويل القرآن (5/571) بتصرف.

ص: 270

وقال ابن عطية في معنى قوله: {وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً} المغفرة، هي الستر على عباده في الدنيا والآخرة، والفضل، هو الرزق في الدنيا والتوسعة فيه والنعيم في الآخرة1.

وقال تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} 2. قال القرطبي: "هذه إشارة إلى أن الخلف في الدنيا بمثل المنفق فيها إذا كانت النفقة في طاعة الله، والله تعالى يرزق من خزائن لا تفنى ولا تتناهى"3.

وقال ابن كثير: "يخلفه عليكم بالبدل، وفي الآخرة بالجزاء والثواب4. ومن الأحاديث التي بهذا المعنى ما جاء عند مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم أنفق أُنفق عليك" 5، وفي الحديث الآخر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قال لي: أنفق أُنفقُ عليك" 6.

وروى البخاري7، ومسلم8، وأحمد9 حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول

1 المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (2/454) .

2 سورة سبأ: الآية رقم (39) .

3 الجامع لأحكام القرآن (14/295) .

4 تفسير القرآن العظيم (3/715) .

5 الصحيح، كتاب الزكاة، باب الحث على النفقة وتبشير المنفق بالخلف (2/690-691) .

6 المصدر السابق.

7 الصحيح، كتاب الزكاة باب قول الله تعالى: (فأما من أعطى واتقى

) (3/304) .

8 الصحيح، كتاب الزكاة، باب في المنفق والممسك (2/700) .

9 المسند (2/305-306) .

ص: 271

أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا"، هذا لفظ البخاري ومسلم، وهو عند أحمد بنحوه.

ذكر ابن حجر أن الحديث فيه الترغيب في الإنفاق في وجوه البر، وأن ذلك موعود عليه بالخلف في العاجل بالزيادة وفي الآجل بالثواب1.

وقال النووي: "الإنفاق الممدوح هنا ما كان في الطاعات وعلى العيال والضيفان والتطوعات"2.

وقال القرطبي: "وهو يعم الواجبات والمندوبات"3.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه وغيره مرفوعًا، وفيه لفظ:"أنفق بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالاً" عند كل من البزار4، والطبراني5، وأبي نعيم6، والبيهقي في الشعب7، وعند بعضهم من حديث بلال وابن مسعود بنحوه أيضا.

وقال البزار عقب حديث أبي هريرة: لا نعلم أحداً رواه عن يونس إلا مبارك، وقال عقب حديث بلال: مرسل. وقال الهيثمي: "إسناد البزار

1 فتح الباري (3/304-305) بتصرف.

2 فتح الباري (3/305) .

3 فتح الباري (3/305) .

4 البحر الزخار، الأحاديث (1366، 1978) ، وانظر كشف الأستار عن زوائد البزار (4/250-251) .

5 المعجم الكبير، الأحاديث (1020، 1021، 1025، 1026) .

6 الحلية (1/149) ، (6/274) .

7 شعب الإيمان (2/118) .

ص: 272

والطبراني حسن"1.

وقد أطلق العراقي2 أن الحديث ضعيف من جميع طرقه، لكن قال ابن حجر عقب حديث أبي هريرة: إسناده حسن3.

وحديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما عند كل من البخاري4، ومسلم5، وأبي داود6، والترمذي7، والنسائي8، وأحمد9، وعبد الرزاق10، والبيهقي11 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها:"أنفقي ولا تحصي فيحصي الله عليك، ولا توعي فيوعي الله عليك". هذا لفظ عند البخاري ومسلم وأحمد إلا أنه قال عند مسلم "انفحي أو انضحي أو أنفقي ولا تحصي

" وعند هؤلاء - أيضًا - وعند الآخرين بنحوه، وقد اقتصر بعضهم على الشطر الأول فقط أو الشطر الثاني من الحديث.

قال النووي: "ولا تحصي

" معناه: يمنعك كما منعت ويقتر عليك كما قترت، ويمسك فضله عنك كما أمسكته، وقيل معنى لا تحصي: أي لا

1 مجمع الزوائد (10/241) .

2 المغني عن حمل الأسفار حديث (4092)، وانظر: فيض القدير شرح الجامع الصغير (3/61) .

3 مختصر زوائد مسند البزار على الكتب الستة ومسند أحمد (2/494) .

4 الصحيح كتاب الزكاة، باب التحريض على الصدقة (3/299-300) ، وباب الصدقة فيما استطاع (3/301) ، وكتاب الهبة، باب هبة المرأة لغير زوجها (5/217) .

5 الصحيح، كتاب الزكاة، باب الحث على الإنفاق وكراهة الإحصاء (2/713) .

6 السنن، كتاب الزكاة، باب في الشح (2/134) .

7 الجامع، كتاب البر، باب ما جاء في السخاء (6/94) .

8 السنن، كتاب الزكاة، باب الإحصاء في الصدقة (5/74) .

9 المسند (6/344، 345، 346) .

10 المصنف (11/108) .

11 السنن الكبرى (4/187) .

ص: 273

تعديه فتستكثريه فيكون سببًا لانقطاع إنفاقك1.

وقال ابن حجر: "النهي عن منع الصدقة خشية النفاد، فإن ذلك أعظم الأسباب لقطع مادة البركة، لأن الله يثيب على العطاء بغير حساب، ومن لا يحاسب عند الجزاء لا يحسب عليه عند العطاء، ومن علم أن الله يرزقه من حيث لا يحتسب فحقه أن يعطي ولا يحسب، والإحصاء عد الشيء لأن يدخر ولا ينفق منه، وأحصاه الله قطع البركة عنه، أو حبس مادة الرزق أو المحاسبة عليه في الآخرة2 ".

وقال السندي: لا تمنعي ما في يدك فيشدد الله عليك أبواب الرزق، وفيه أن السخاء يفتح أبواب الرزق والبخل بخلافه3.

وقال المباركفوري: "دل الحديث على أن الصدقة تنمي المال وتكون سببًا إلى البركة والزيادة فيه، وأن من شح ولم يتصدق فإن الله يوكي عليه ويمنعه من البركة في ماله والنماء فيه"4.

وحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا عند كل من مسلم5، والترمذي6، والدارمي7، وأحمد8 بلفظ: "ما نقصت صدقة من مال، وما زاد

1 شرح صحيح مسلم (7/119) .

2 فتح الباري (3/301) .

3 حاشية السندي على سنن النسائي (5/74-75) .

4 تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي (6/94) .

5 الصحيح، كتاب البر والصلة، باب استحباب العفو والتواضع (4/2001) .

6 الجامع، كتاب البر، باب ما جاء في التواضع (6/177) .

7 السنن (1/333) .

8 المسند (2/235) .

ص: 274

الله عبدًا بعفو إلا عزًا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله". قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

قلت: هذا لفظ مسلم، والترمذي والدارمي، ولفظ أحمد بنحوه.

معنى "ما نقصت صدقة من مال" أي ما نقصت صدقة مالاً، أو بعض مال، أو شيئًا من مال، بل تزيد أضعاف ما يعطي منه بأن ينجبر بالبركة الخفية وذلك بدفع المضرات، أو بالعطية الجلية، أو بالمثوبة العلية1.

وحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا عند كل من البخاري2، ومسلم3 وغيرهما:"مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جُبتان، (وفي لفظ جُنتان) من حديد من ثُدَيِّهما إلى تراقيهما، فأما المنفق فلا ينفق إلا سبغت - أو وفرت - على جلده حتى تخفي بنانه، وتعفو أثره، وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئًا إلا لزقت كل حلقه مكانها، فهو يوسِّعها ولا تتسع". هذا لفظ البخاري، وهو عند مسلم بنحوه.

فبين الحديث أن المنفق يستره الله تعالى بنفقته ويستر عوراته في الدنيا والآخرة، وينمي ماله بالصدقة والإنفاق، كستر هذه الجبة وضفائها على لابسها، وأما البخيل فهو كمن لبس جبة إلى ثدييه فقط فيبقى مكشوفًا بادي العورة مفتضحًا في الدنيا والآخرة وذلك بمحق ماله في الدنيا وحسناته في الآخرة4.

1 انظر: تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي (6/177) .

2 الصحيح، كتاب الزكاة، باب مثل المتصدق والبخيل (3/305) ، وكتاب الجهاد، باب ما قيل في درع النبي صلى الله عليه وسلم (6/99) ، وكتاب الطلاق، باب الإشارة في الطلاق (9/437) ، وكتاب اللباس، باب جيب القميص (10/267) .

3 الصحيح، كتاب الزكاة، باب مثل المنفق والبخيل (2/708-709) .

4 شرح صحيح مسلم (7/109) بتصرف.

ص: 275

ومما تجدر الإشارة إليه هنا هو أن الدعاء للمتصدق وباذل المال له أهمية كبيرة في حصول النماء والبركة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو لمن يدفع الزكاة، أو الصدقات ويأمر عماله بأن يدعوا لمن يبذل المال كذلك، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة.

فقد قال عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم، قال:"اللهم صلِّ عليهم". فأتاه أبي أبو أوفى بصدقته فقال: "اللهم صلِّ على آل أبي أوفى"1. يريد هنا الدعاء له. ويقول أحيانًا: "اللهم بارك فيه وفي إبله" 2 إذا كانت الصدقة إبلاً، وهكذا.

وأما صلة الرحم: فقد أمر الله تعالى بصلة الأرحام وهي الإحسان إلى الأقارب في المقال والأفعال وبذل الأموال، وأكد على ذلك الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وبين أن في صلة الأرحام خيرات كثيرات، من زيادة في العمر، وفي الرزق، والذكر الجميل، والدرجات الرفيعة في الآخرة بفضل الله تعالى ومنِّه وكرمه. ودليل ذلك قوله تعالى:{فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ، أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} 3.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عند البخاري4 ومسلم5

1 انظر: صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب صلاة الإمام ودعائه لصاحب الصدقة (3/286) . وصحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب الدعاء لمن أتى بصدقته (2/756-757) .

2 سنن النسائي، كتاب الزكاة، باب الجمع بين المتفرق (5/30) .

3 سورة محمد: الآيتان رقم (22-23) .

4 الصحيح، كتاب التفسير باب (وتقطعوا أرحامكم)(8/579) ، وكتاب الأدب، باب من وصل وصله الله (10/417) ، وكتاب التوحيد، باب قول الله تعالى (يريدون أن يبدلوا كلام الله)(13/465) .

5 الصحيح، كتاب البر والصلة والآداب، باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها (4/1981) .

ص: 276

وغيرهما مرفوعًا بطرق وألفاظ عديدة: "خلق الله الخلق فلما فرغ منه، قامت الرحم فأخذت بحقو الرحمن، فقال له: مه، قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك? قالت: بلى يا رب، قال: فذاك". قال أبو هريرة: فاقرأوا إن شئتم: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ، أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} . هذا لفظ البخاري، وعند مسلم بنحوه مختصر.

وحديث أبي هريرة رضي الله عنه عند البخاري1، وحديث عائشة رضي الله عنها عند مسلم2 مرفوعًا ولفظه:"إن الرحم شجنة من الرحمن فقال الله: من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته". هذا لفظ البخاري، وعند مسلم بنحوه.

وحديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه عند الترمذي3، مرفوعا قال الله تبارك وتعالى:"أنا الله وأنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها من اسمي، فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتتُّه". وقال الترمذي: حديث صحيح.

وحديث عبد الله بن عمرو عند كل من البخاري4 والترمذي5، مرفوعًا بلفظ:"ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قُطِعَتْ رحمُه وصلها"، هذا لفظ البخاري، والترمذي مثله إلا أنه قال:"انقطعت رحمه" بدلاً من "قطعت رحمه". وقال الترمذي عقبه: حديث حسن صحيح، وفي الباب عن سلمان وعائشة.

1 الصحيح، كتاب الأدب، باب من وصل وصله الله (10/417) .

2 الصحيح، كتاب البر والصلة والآداب، باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها (4/1981) .

3 الجامع، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في قطيعة الرحم (6/33) .

4 الصحيح، كتاب الأدب، باب ليس الواصل بالمكافئ (10/423) .

5 الجامع، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في صلة الرحم (6/35) .

ص: 277

ومن الأحاديث التي جاء فيها أن صلة الرحم من الأسباب الجالبة للرزق والبركة ما جاء في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من سرَّه أن يبسط له في رزقه أو ينسأ له في أثره فليصل رحمه". وفي لفظ: "من أحب أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه". عند كل من البخاري1، ومسلم2، وهو عند أبي داود3 بنحوه.

وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه المرفوع عند كل من الترمذي4، وأحمد5، والحاكم6، وغيرهم وفيه:"تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم محبة في الأهل، مثراة في المال، منسأة في الأثر". وقال الترمذي: غريب من هذا الوجه، وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وقد أخرجه الطبراني7 بنحوه من حديث العلاء بن خارجة مرفوعًا. وقال الهيثمي8 بعد أن عزاه للطبراني في الكبير: رجاله موثقون.

مما سبق - ومن خلال إمعان النظر في أقوال العلماء شراح الأحاديث - يمكن الخروج بما يأتي:

1 -

تأكيد صلة الرحم وأن الله تعالى اشتق اسمها من اسمه عز وجل

1 الصحيح، كتاب البيوع، باب من أحب البسط في الرزق (4/301) ، وفي كتاب الأدب، باب من بسط له في الرزق بصلة الرحم (10/415) .

2 الصحيح، كتاب البر والصلة، باب صلة الرحم (4/1983) .

3 السنن، كتاب الزكاة، باب في صلة الرحم (2/132-133) .

4 الجامع، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في تعليم النسب (6/113) .

5 المسند (2/374) .

6 المستدرك (4/161) .

7 المعجم الكبير (18/98) .

8 مجمع الزوائد (1/193) ، و (8/152) .

ص: 278

وأنه أنزلها في جواره، وفي حمايته، وجار الله عز وجل غير مخذول.

2 -

تحريم قطيعة الرحم، وأن القاطع لها مقطوع من رحمة الله سبحانه وعظيم إحسانه، مخذول دنيا وآخرة.

3 -

الرحم التي أمر الله بوصلها رحم عامة وخاصة، فالعامة رحم الدين وتجب مواصلتها بالتوادد والتناصح والعدل والإنصاف والقيام بالحقوق الواجبة والمستحبة.

وأما الرحم الخاصة فتزيد على الرحم العامة، النفقة على الأقرباء وتفقد أحوالهم، والتغافل عن زلاتهم، وقضاء حوائجهم، ودفع الضرر عنهم والبشاشة والدعاء لهم، إذا كانوا من أهل الاستقامة والصلاح، فإن كانوا عصاة فساقًا، فمقاطعتهم بعد بذل الوسع في نصحهم هو صلتهم، مع الدعاء لهم بالهداية بظهر الغيب.

4 -

أما فائدة صلة الرحم وهذا هو بيت القصيد هنا، فهي أن الواصل، لا يزال موصولاً بالإحسان العظيم من الرحمن الرحيم، وبحصول الرزق ودفع الضر، وتوالي البركات، والتوفيق في الحياة، والسرور والحبور بعد الممات. وهذا يدرك كثيرًا بالحس والمشاهدة، ويتحدث الناس به ويعرفونه. وقد سبق حديث أبي هريرة وأنس رضي الله عنهما بأن الواصل، يبسط له في رزقه.

قال النووي: "بسط الرزق: توسيعه وكثرته، وقيل: البركة فيه1". وقال الحافظ ابن حجر: قال العلماء: معنى البسط في الرزق البركة فيه، لأن صلة أقاربه صدقة، والصدقة تربي المال وتزيد فيه فينمو بها ويزكو2.

هذا فيما يتعلق بحصول البركة في الرزق وأما الفوائد الأخرى فهي كثيرة وليس هنا محل ذكرها.

1 شرح صحيح مسلم (16/114) .

2 فتح الباري (4/303) .

ص: 279