المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثالث: التسمية في كل الأحوال - البركة في الرزق والأسباب الجالبة لها في ضوء الكتاب والسنة

[عبد الله السوالمة]

الفصل: ‌المطلب الثالث: التسمية في كل الأحوال

والباقي بنحوه. وقال الترمذي عقبه: "هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه"، وقال الحاكم:"صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ولم يتعقبه الذهبي.

وهكذا يتضح مما سبق أن التوكل والانقطاع إلى الله سبب في حصول الرزق والبركة فيه وقضاء الحاجات، ورفع الحرج والضيق بإذن الله تعالى.

ص: 285

‌المطلب الثّالث: التّسمية في كلّ الأحوال

التسمية، والذكر والدعاء، والشكر، والتوبة، والاستغفار، وإن كانت هذه العبادات تبدو متداخلة من حيث الظاهر ويمكن أن تندرج جميعها تحت مسمَّى الذكر، إلا أنها في الحقيقة تجتمع وتفترق، وفي كلٍّ منها معنىً زائد على باقيها فيما يتعلق بموضوع البحث، لذا رأيت أن أفرد كل نوع منها على حدة.

فأما التسمية: فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يذكر اسم الله تعالى ويسمي في كثير من الأحيان، ويأمر أصحابه بذلك وذلك لما يحصل من ذكر اسم الله تعالى من البركة، وطرد الشيطان ومنع مشاركته الإنسان إلا فيما لم يذكر اسم الله تعالى عليه.

قال تعالى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَاّ غُرُوراً} 1.

فسَّر بعض العلماء المشاركة هنا بأشياء كثيرة: منها مشاركة الشيطان للمجامع زوجته إذا لم يذكر اسم الله تعالى فقد جاء عند البخاري2 من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أما إن أحدكم إذا أتى أهله

1 سورة الإسراء: الآية رقم (64) .

2 الصحيح، كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده (6/335)، وانظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/70-71) .

ص: 285

وقال: باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فرزقا ولدًا، لم يضره الشيطان".

وأصرح حديث بالأمر بالتسمية وبخاصة عند الطعام، هو ما جاء عند أبي داود1، والترمذي2، والحاكم3، وغيرهم من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى، فإن نسي أن يذكر اسم الله تعالى في أوله، فليقل: بسم الله أوله وآخره". هذا لفظ أبي داود، وعند الترمذي والحاكم بنحوه. وقال الحاكم عقبه: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وصححه أيضًا ابن قيم الجوزية4.

وقد جاء عند البخاري5، ومسلم6 وغيرهما أيضًا حديث عمر بن أبي سلمة وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "يا غلام سمِّ الله وكل بيمينك، وكل مما يليك

".

وتظهر فائدة التسمية بشكل جلي من خلال الأحاديث التالية:

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلُّ أمر ذي بال لا يبدأ فيه باسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر" وفي لفظ: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع" وفي رواية: "فهو أجذم" أخرجه كل من ابن ماجه7، وأبي داود8،

1 السنن، كتاب الأطعمة، باب التسمية على الطعام (3/347) .

2 الجامع، كتاب الأطعمة، باب ما جاء في التسمية على الطعام (5/594-595) .

3 المستدرك (4/108) .

4 زاد المعاد (2/397) .

5 الصحيح، كتاب الأطعمة، باب التسمية على الطعام، والأكل باليمين (9/521) .

6 الصحيح، كتاب الأشربة، باب آداب الطعام والشراب، وأحكامهما (3/1599) .

7 السنن، كتاب النكاح، باب خطبة النكاح (1/610) .

8 السنن، كتاب الأدب، باب الهدي في الكلام (4/261) .

ص: 286

وابن حبان1، والدارقطني2، والنسائي3، واللفظ الثاني هو الأكثر، والأشهر، وقد ذكر طرقه السبكي وصححه4، وقال النووي5: "هذا الحديث حسن

روي موصولاً ومرسلاً، ورواية الموصول إسنادها جيد، ومعنى أقطع: قليل البركة، وكذلك أجذم". أ?.

وقال المحشي على سنن ابن ماجه: قال السندي: "الحديث حسنه ابن الصلاح والنووي"6.

قال الحافظ ابن حجر عند الكلام على كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لهرقل: "فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم": قال النووي: "فيه استحباب تصدير الكتب ببسم الله الرحمن الرحيم ويحمل قوله في حديث أبي هريرة: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع" أي بذكر الله كما جاء في رواية أخرى فإنه روي على أوجه بذكر الله، ببسم الله، بحمد الله، قال: وهذا الكتاب كان ذا بال من المهمات العظام ولم يبدأ فيه بلفظ الحمد بل بالبسملة"7.

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عند كل من مسلم8، وأبي داود9،

1 الصحيح (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان)(1/173-175) حديثا (1، 2) .

2 السنن (1/229) .

3 عمل اليوم والليلة (ص 345-346) .

4 طبقات الشافعية الكبرى (1/5-21) .

5 شرح مسلم (1/43) .

6 وانظر: شرح صحيح مسلم للنووي (13/185) .

7 فتح الباري (8/220) .

8 الصحيح، كتاب الأشربة، باب آداب الطعام والشراب (3/1598) .

9 السنن، كتاب الأطعمة، باب التسمية على الطعام (3/346-347) .

ص: 287

وابن ماجه1، وأحمد2، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه، قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله، قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإذا لم يذكر الله عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء"، هذا لفظ مسلم، والباقون بنحوه وعندهم في أوله زيادة.

وعن عائشة رضي الله عنها عند كل من الترمذي3، وابن ماجه4 قالت:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل طعامًا في ستة من أصحابه فجاء أعرابي فأكله بلقمتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أما إنه لو سمَّى لكفاكم". هذا لفظ الترمذي، ولفظ ابن ماجه بنحوه، وفيه عنده زيادة، وقال الترمذي عقبه: هذا حديث حسن صحيح، وصححه - أيضًا - الألباني5.

وقد ثبت عند البخاري6 ومن حديث غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم مرفوعًا: "أن المؤمن يأكل في معىً واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء".

مما سبق، ومن خلال النظر في كتب شروح الحديث يتبين ما يلي:

1 -

أهمية التسمية على كل أمر ذي بال، وأنها جالبة للخير والبركة، طاردة للشيطان الملعون المطرود الذي يمحق البركة ويسر للمعصية. ومما يدل على أهمية التسمية أيضًا أن كثيرًا ممن خرج الأحاديث السابقة عقدوا تراجم أبوابهم بذكر التسمية كما هو ملاحظ.

1 السنن، كتاب الدعاء، باب ما يدعو به إذا دخل بيته (2/1279) .

2 المسند (3/346، 383) .

3 الجامع، كتاب الأطعمة، باب ما جاء في التسمية على الطعام (5/595) .

4 السنن، كتاب الأطعمة، باب التسمية عند الطعام (2/1086-1087) .

5 صحح سنن ابن ماجه (2/224) .

6 الصحيح، كتاب الأطعمة، باب المؤمن يأكل في معىً واحد (9/536) .

ص: 288