الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث
في المعنى المراد من حديث الصورة
إن من يتتبع روايات هذه الأحاديث يتبين له بوضوح المعنى المراد بها، وقد تقدم ما فيه الكفاية من ذكر الروايات، لمن كان قصده الحق.
قال ابن قتيبة: ((الصورة ليست بأعجب من اليدين، والأصابع، والعين، وإنما وقع الإلف لتلك؛ لمجيئها في القرآن، ووقعت الوحشة من هذه؛ لأنها لم تأت في القرآن، ونحن نؤمن بالجميع، ولا نقول في شيء منه بكيفية ولا حد)) (1) .
قال شيخ الإسلام: ((وقد ذكر الخلال في ((السُّنَّة)) ما ذكره إسحاق بن منصور الكوسج عن أحمد، وإسحاق، أنه قال لأحمد: لا تقبحوا الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته، أليس تقول بهذه الأحاديث؟ قال أحمد: صحيح، وقال إسحاق: صحيح.
وذكر عن يعقوب بن بختان، أن أبا عبد الله، أحمد بن حنبل، سئل عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم:((خلق الله آدم على صورته؟)) قال: الأعمش يقول: عن حبيب بن أبي ثابت، عن عطاء، عن ابن عمر (2) .
وقد رواه أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم ((على صورته)) ، فنقول كما جاء بالحديث.
(1)((تأويل مختلف الحديث)) (ص221) .
(2)
يعني حديثه: ((فإن آدم خلق على صورة الرحمن)) ، فأحمد يشير بذلك إلى أن الواجب القول بظاهر الحديث؛ لأنه ظاهر مراد المتكلم به، وقوله: صحيح، يعني أن الحديث صحيح، فيجب اعتقاد ما دل عليه، والقول بموجبه، وفي ذلك رد لقول ابن خزيمة ومن قلده، وسيأتي ذلك.
قال: وسمعت أبا عبد الله، يقول: لقد سمعت الحميدي بحضرة سفيان بن عيينة، وذكر هذا الحديث:((خلق الله آدم على صورته)) ، فقال: من لا يقول بهذا الحديث، فهو كذا وكذا – يعني من الشتم – وسفيان ساكت، لا يرد عليه شيئاً.
قال المروزي: أظن أني ذكرت لأبي عبد الله، عن بعض المحدثين بالبصرة أنه قال: قول النبي – صلى الله عليه وسلم: ((خلق الله آدم على صورته)) ، قال: صورة الطين، قال: هذا جهمي، وقال: نسلم للخبر كما جاء.
وروى الخلال، عن أبي طالب، من وجهين، قال: سمعت أبا عبد الله – يعني أحمد بن حنبل – يقول: من قال: إن الله خلق آدم على صورة آدم فهو جهمي. وأي صورة كانت لآدم قبل أن يخلقه؟
قال الخلال: أخبرني حرب بن إسماعيل الكرماني، قال: سمعت إسحاق – ابن راهويه – يقول: قد صح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه نطق به.
قال إسحاق: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عطاء، عن ابن عمر، عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:((لا تقبحوا الوجه فإن الله خلق آدم على صورة الرحمن)) .
فقد صحح إسحاق حديث ابن عمر مسنداً، خلاف ما قاله ابن خزيمة.
وقال الخلال: أخبرنا علي بن حرب الطائي، حدثنا يزيد بن أبي الزرقاء، عن ابن لهيعة، عن أبي يونس، والأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال:((إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه، فإن صورة الإنسان على صورة الرحمن – عز وجل)) (1) .
(1)((نقض التأسيس)) المخطوط (3/223) .
وقال الحافظ: ((الأكثر على أن الضمير يعود على المضروب؛ لما تقدم من الأمر بإكرام وجهه، ولولا أن المراد التعليل بذلك لم يكن لهذه الجملة ارتباط بما قبلها)) .
وقال القرطبي: أعاد بعضهم الضمير على الله، متمسكاً بما ورد في بعض طرقه:((إن الله خلق آدم على صورة الرحمن)) ، قال: وكأن من رواه أورده بالمعنى، متمسكاً بما توهمه، فغلط.
وقد أنكر المازري ومن تبعه صحة هذه الزيادة.
ثم قال: وعلى تقدير صحتها فيحمل على ما يليق بالباري – سبحانه وتعالى.
قلت: الزيادة أخرجها ابن أبي عاصم في ((السُّنَّة)) والطبراني من حديث ابن عمر بإسناد رجاله ثقات، وأخرجها ابن أبي عاصم أيضاً من طريق أبي يونس، عن أبي هريرة ،بلفظ يرد التأويل الأول (1)، ولفظه:((من قاتل فليجتنب الوجه، فإن صورة وجه الإنسان، على صورة وجه الرحمن)) .
فتعين إجراء ما في ذلك على ما تقرر بين أهل السُّنَّة، من إمراره كما جاء من غير اعتقاد تشبيه (2) ، أو من تأويله على ما يليق بالرحمن (3) جل جلاله.
وزعم بعضهم أن الضمير يعود على آدم (4) ، أي على صفته، أي خلقه موصوفاً بالعلم الذي فضل به على الحيوان، وهذا محتمل.
وقال حرب في كتاب ((السُّنَّة)) : ((سمعت إسحاق بن راهويه يقول: صح أن الله خلق آدم على صورة الرحمن)) .
(1) وهو كون الضمير يعود إلى المضروب
(2)
مذهب السلف اعتقاد ما دلت عليه النصوص بلا تفويض ولا تشبيه ولا تأويل.
(3)
التأويل باطل ، وهو مذهب المتأخرين من الأشاعرة والماتريدية ونحوهم.
(4)
سيأتي إبطال ذلك ، إن شاء الله تعالى.
وقال إسحاق الكوسج: سمعت أحمد يقول: هو حديث صحيح.
وقال الطبراني: في كتاب السُّنَّة: حدثنا عبد الله ابن الإمام أحمد بن حنبل قال: قال رجل لأبي: إن رجلاً قال: خلق الله آدم على صورته، أي صورة الرجل، فقال: كذب، هو قول الجهمية)) (1) .
********
(1)((الفتح)) (5/183) .