الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبهة الخامسة: أن من أنكر الشرك فقد أنكر شفاعة الرسول
…
فإن قال: أتنكر شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ منها؟ فقل: لا أنكرها ولا أتبرأ منها؛ بل هو صلى الله عليه وسلم الشافع المشفَّع وأرجو شفاعته، ولكن الشفاعة كلها لله كما قال تعالى:{قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً} .
ــ
(المشركون الذين نزل فيهم القرآن هل كانوا يعبدون الملائكة والصالحين واللات وغير ذلك؟ فلابد أن يقول نعم) لا يمكنه أن ينكر شيئاً أثبته القرآن واذكر له النصوص الدالة على أنهم كانوا يدعون الملائكة والصالحين واللات كقوله: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ} الآيتين1، وقوله تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} الآية2 وقوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى} الآيات3.
(فقل له: وهل كانت عبادتهم إياهم إلا في الدعاء والذبح والالتجاء ونحو ذلك؟) يعني أنها ما كانت عبادتهم إلا هكذا، هل هو هذا أو غيره؟ فإنه لا يجد دليلاً غير هذا، فقل له: أنا عندي دليل وهي أن عبادتهم هي هذه {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} (وإلا فهم مقرون أنهم عبيده وتحت قهره وأن الله هو الذي يدبر الأمر ولكن دعوهم والتجؤوا إليهم للجاه والشفاعة وهذا ظاهر جداً) في كشف شبهته.
(فإن) انتقل المشبه إلى هذه الشبهة الأخرى و (قال: أتنكر شفاعة
1 سورة سبأ، الآيتان: 40، 41.
2 سورة الإسراء، الآية:57.
3 سورة النجم، الآيات: 19- 23.
ولا تكون إلا من بعد إذن الله كما قال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَاّ بِإِذْنِهِ} . ولا يشفع في أحد إلا بعد أن يأذن الله فيه كما قال تعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} وهو سبحانه لا يرضى إلا التوحيد كما قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} فإذا كانت الشفاعة كلها لله ولا تكون إلا من بعد إذنه ولا يشفع النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره في أحد حتى يأذن الله فيه، ولا يأذن الله إلا لأهل التوحيد تبيَّن لك أن الشفاعة كلها لله؛ وأطلبها منه فأقول: اللهم لا تحرمني شفاعته، اللهم شفِّعه فيَّ، وأمثال هذا.
ــ
(رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ منها؟) هذا شأن أعداء الله القبوريين؛ إذا أُنِكر عليهم الباطل قالوا هذا إنكارٌ للحق، وإذا أنكر عليهم دعاء غيرِ الله قالوا هذا إنكار للشفاعة1، من شأن أهل الباطل المشبِّهين أهلَ الشرك المباهتةُ وإلباسُهم أهل الحق الشُبَهَ الباطلة، إذا أنكر عليهم دعاء غير الله وشركياتهم وضلالتهم أخذوا في الطعن على أهل التوحيد وقالوا إنكم تنكرون الشفاعة، وأنتم تنقصون الأولياء والصالحين -وليس كذلك- خالفوا طريقة الرسل وألزموهم أن يكونوا راضين بذلك، وهذا عكس ما دعوهم إليه.
1 فهو في الأصل من توضيح الواضح، فما الحاجة إلى التصدي للبحث في ذلك، شيء لازم بواسطة ترويج أهل الخرافات، وإلا فإعطاؤه صلى الله عليه وسلم الشفاعةَ أشهرُ من أن يُذكَر، وكونُ طلبها منه شرك شيءٌ واضح الاستشفاع، وكونهم ما قصدوا ممن عبدوه إلا الشفاعة لم يقصدوا أنه ينفعهم بذاته (عبارة أخرى) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
(فقل: لا أنكرها) وأولى من ذلك أن لا أتبرأ منها، وهي أصلٌ لأهل التوحيد دون غيرهم، بل أنا وأمثالي أرجي لشفاعته لكوني متمسك بسنته، بل هم المحروم لكونهم تعلقوا بأذيال لا توصّلهم بل هم تركوا سبب شفاعته صلى الله عليه وسلم (بل هو صلى الله عليه وسلم الشافع المشفَّع وأرجو شفاعته، ولكن الشفاعة كلها لله) فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا يملكها استقلالاً بل لا يشفع إلا في أناس مخصوصين قائم بهم التأهل لأن يشفع لهم (كما قال تعالى: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً} 1) . هذا في سياق قوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ} فاللام عند جميع العلماء للملك، بيَّنت الآية أن الشفاعة ملك لله وحده وكون النبي صلى الله عليه وسلم أُعطِيها لا استقلالاً من دون الله بل أكرمه المالك لها لأناس مخصوصين في مقدار مخصوص، فهي شيء محدود (ولا تكون إلا من بعد إذن الله كما قال تعالى:{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَاّ بِإِذْنِهِ} 2) فأي قائل أو أي إنسان يخرج النبي من هذا العموم.
ولا يشفع في أحد إلا بعد أن يأذن الله فيه كما قال تعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} 3) يعني من رضي الله قولَه وعمله (وهو سبحانه لا يرضى) من عباده إلا عمل واحد هو الإسلام والذي يدور عليه هو التوحيد؛ فالتوحيد منزلته من الإسلام كمنزلة الأساس
1 سورة الزمر، الآية:44.
2 سورة البقرة، الآية:255.
3 سورة الأنبياء، الآية:28.