الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ تَخْيِيرِهِ الْأَعْرَابِيَّ بَعْدَ ابْتِيَاعِهِ مِنْهُ مَا كَانَ ابْتَاعَهُ مِنْهُ
5290 -
حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ مَنْ أَرْضَى، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جُرَيْجٍ، أَنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ، حَدَّثَهُ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّهُ قَالَ:" اشْتَرَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَعْرَابِيٍّ، قَالَ: حَسِبْتُ أَنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ قَالَ: مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، حِمْلَ قِرْطٍ، أَوْ حِمْلَ خَبَطٍ، فَلَمَّا وَجَبَ لَهُ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " اخْتَرْ "، فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: إِنْ رَأَيْتُ مِثْلَ الْيَوْمِ قَطُّ بَيْعًا خُيِّرَ بَائِعُهُ، مِمَّنْ أَنْتَ؟ قَالَ: " مِنْ قُرَيْشٍ "
⦗ص: 313⦘
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَبَعْضُ النَّاسِ يَزْعُمُ أَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي سَكَتَ اللَّيْثُ عَنِ اسْمِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، فَكَانَ بَعْضُ النَّاسِ مِمَّنْ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ لِلْمُتَبَايِعَيْنِ الْخِيَارَ، فِيمَا يَتَبَايَعَانِهِ بَعْدَ تَعَاقُدِهِمَا الْبَيْعَ، حَتَّى يَتَفَرَّقَا بَعْدَ الْبَيْعِ، يَحْتَجُّ لِمَا يَقُولُ فِي ذَلِكَ، بِمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، لِأَنَّ فِي بَعْضِ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ: أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اخْتَرْ، اخْتَرْ وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ، وَمَا قَدْ رُوِيَ فِيهِ، وَمَا قَالَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا، وَكَانَ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ ذَلِكَ تَحْقِيقُنَا أَنَّ ذَلِكَ التَّخْيِيرَ
⦗ص: 314⦘
مِمَّا يُعْقَدُ الْبَيْعُ عَلَيْهِ، وَيَنْقَطِعُ بِتَمَامِ الْعِقْدِ، وَاحْتَجَجْنَا لِذَلِكَ بِحَدِيثِ اللَّيْثِ الَّذِي رَوَاهُ فِي ذَلِكَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ:" أَوْ يُخَيِّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَإِذَا خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَتَبَايَعَا عَنْ ذَلِكَ، فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ " فَحَقَّقْنَا أَنَّ ذَلِكَ التَّخْيِيرَ مِمَّا يُعْقَدُ الْبَيْعُ عَلَيْهِ، لَيْسَ عَلَى تَخْيِيرٍ يَكُونُ مِنْ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ صَاحِبَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ، فَكَانَ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي رُوِّينَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ، فَلَمَّا وَجَبَ يَعْنِي الْمَبِيعَ، قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعْنِي الْأَعْرَابِيَّ:" اخْتَرْ "، فَكَانَ فِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى وُجُوبِ الْبَيْعِ بَيْنَهُمَا قَبْلَ ذَلِكَ التَّخْيِيرِ فَقَالَ قَائِلٌ: فَمَا كَانَ مَعْنَى تَخْيِيرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِلْأَعْرَابِيِّ الَّذِي خَيَّرَهُ فِيهِ؟ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عز وجل وَعَوْنِهِ: أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِلَّذِي قَدْ رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْهُ
5291 -
مِمَّا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ الْمَدَنِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ أَقَالَ نَادِمًا بَيْعَتَهُ، أَقَالَهُ اللهُ عز وجل عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ "
⦗ص: 316⦘
فَخَيَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ الْأَعْرَابِيَّ فِيمَا كَانَ ابْتَاعَهُ مِنْهُ لِيَكُونَ لَهُ ثَوَابُ مُقِيلِ نَادِمٍ فِيمَا بَاعَ الْمَذْكُورَ ذَلِكَ الثَّوَابَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِنْ كَانَ نَادِمًا بَاعَهُ فِيمَا إِيَّاهُ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ ذَلِكَ الِابْتِيَاعَ الَّذِي كَانَ مِنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِبَائِعِهِ ذَلِكَ الْمَبِيعَ، كَانَ فِي بَيْعٍ تَبَايَعَاهُ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَقَبْلَ أَنْ يُنَبَّأَ
5292 -
كَمَا حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ابْتَاعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ النُّبُوَّةِ مِنْ أَعْرَابِيٍّ بَعِيرًا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الْبَيْعِ:" اخْتَرْ "، فَنَظَرَ الْأَعْرَابِيُّ وَقَالَ لَهُ: لَعَمْرُكَ اللهَ، مَنْ أَنْتَ؟، فَلَمَّا كَانَ الْإِسْلَامُ، جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْخِيَارَ بَعْدَ الْبَيْعِ " فَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ تَكُونَ الْأَحْكَامُ وَالشَّرَائِعُ فَقَالَ هَذَا الْقَائِلُ: فَإِنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: " فَلَمَّا كَانَ
⦗ص: 317⦘
الْإِسْلَامُ، جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْخِيَارَ بَعْدَ الْبَيْعِ " فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عز وجل وَعَوْنِهِ: أَنَّ ذَلِكَ الْخِيَارَ قَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الِاخْتِيَارِ، لَا عَلَى الْوُجُوبِ، وَيَكُونُ الْمُلْتَمَسُ فِي ذَلِكَ هُوَ الْمُلْتَمَسُ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ فِي تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ، وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا
5293 -
مَا قَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَايَعَ رَجُلًا، فَلَمَّا تَبَايَعَا قَالَ لَهُ:" اخْتَرْ " قَالَ: قَدِ اخْتَرْتُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" هَكَذَا الْبَيْعُ " فَقَالَ الَّذِينَ يَذْهَبُونَ إِلَى وُجُوبِ الْخِيَارِ لِلْمُتَبَايِعَيْنِ بَعْدَ الْبَيْعِ، أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ: قَدْ دَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى مَذْهَبِنَا هَذَا، وَوَكَّدَهُ قَوْلُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" هَكَذَا الْبَيْعُ "، وَلَمْ يَكُنْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَنَا زِيَادَةٌ
⦗ص: 318⦘
عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ، وَكَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:" هَكَذَا الْبَيْعُ " مُحْتَمِلًا أَنْ يَكُونَ هَكَذَا الْبَيْعُ الَّذِي يَبِيعُ النَّاسُ، أَنْ يُجْرُوا بِيَاعَاتِهِمْ عَلَيْهِ مِنْ تَخْيِيرِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا فِيهَا، حَتَّى يُصِيبُوا بِذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ فِي إِقَالَةِ النَّادِمِ بَيْعَتَهُ، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ