الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللقاء الثاني
في هذا اللقاء
* هل على الرجل عدة إذا طلق زوجته؟
* دور السنة في خدمة القرآن.
* ما يصدر عن بشريته، وما يصدر عن نبوته.
* أنتم أعلم بأمر دنياكم.
* نريد من هو أعلم منا بالقرآن.
* عندما نأكل السمك والكبد.
اجتمع الشباب في بيت الشيخ، ودار حديث الذكريات، ثم بدأ الحوار.
عارف: منذ عدة أسابيع.
وصديقك (رامي) لم يحضر معك.
وائل: نسأل الله أن يحسن خلاصه.
لقد وقع في محنة، وهو الآن بالسجن.
كانت امرأته في حالة وضع، وجاءت ابنة أخيها لخدمتها، وانتهت الزيارة بطلاق العمة، وزواجه من الفتاة.
هشام: هذه نذالة وخسة.
ولكن ما سبب السجن؟.
عارف: لأنه تزوج الفتاة قبل أن تنتهي عدة عمتها.
وليس لرجل أن يجمع بين المرأة وأختها، ولا بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها، في زواج واحد، ولا في مدة العدة، من هذا الزواج.
هشام: "يضحك ويقول" وهل على الرجل عدة؟!!
عارف: هناك أمور يجب على الرجل فيها أن ينتظر انتهاء عدة زوجته المطلقة، قبل أن يتزوج غيرها.
ومن ذلك: أن يطلق المرأة ليتزوج أختها، أو عمتها، أو خالتها، وكذلك إذا جمع الرجل في عصمته أربع نساء، ثم طلق واحدة، ليتزوج غيرها.
لابد من انتظار العدة.
لأن الزوجية تعتبر قائمة طول مدة العدة.
حتى لو مات أحد الزوجين في مدة العدّة يرثه الآخر.
وائل: لكن القرآن الكريم حرّم الجمع بين المرأة وأُختها فقط.
قال تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ}
عارف: الرسول صلى الله عليه وسلم بيّن حكم العمة والخالة.
قياساً على تحريم الأُخت.
راجع عمدة القارئ في شرح صحيح البخاري جـ 20 ص 105.
كما حرّم كلّ قرابة النسب للأُخت من الرضاعة، قياساً
على الأُخت الشقيقة فقال صلى الله عليه وسلم: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب.
جميل: نلاحظ أنّ السنة المطهرة قيدت المطلق من القرآن الكريم.
فالقرآن بعد أن بيّن المحرمات من النساء.
قال القرآن الكريم: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء 42] بهذا الإطلاق الذي يشمل كلّ امرأة غير المحرمات فجاءت السنة، وبينت أن الإطلاق في الآية الكريمة مُقيد بالحديث الذي بيّن تحريم الجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها.
فالسنة تُقيّد مطلق القرآن.
(1)
(1) من تقييد السنة لمطلق القرآن بيان حرمان الوارث من نصيبه في الميراث إذا قتل مورثه، أو اختلف معه في الدين.
لأن آية الميراث عامة.
والسنة قيدت هذا العموم.
ومن ذلك أيضاً بيان السارق الذي يجب أن تقطع يده، لأنَّ الآية الكريمة {السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (المائدة 38) عامو في كل من يسرق سواء سرق القليل أم الكثير.
فبينت السنة المطهرة من تقطع يده ومن لا تقطع راجع الفصل السادي من هذا الكتاب.
فالسنة أجملت ما أطلقه القرآن.
عارف: تقييد السنة لمطلق القرآن الكريم، نوع نم البيان الذي كلف الله النبي به في قوله تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل 44] .
وكما أنّ السنة تقيد ما أطلقه القرآن فهي أيضاً تُفضّل ما أجمله القرآن.
فالقرآن أخبرنا الناس وقال: "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي".
(رواه البخاري.
595) والقرآن أوجب الحج على المسلمين.
والرسول صلى الله عليه وسلم حجّ أمام الناس ثم قال: "لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ".
(رواه أحمد.
14511) وبين نصاب الزكاة، والمقدار الواجب فيها، وغير ذلك من فروع الدين التي لم تُعرف إلا بالسنة.
يا وائل: إن النبي صلى الله عليه وسلم بيّن بقوله، وفعله وإقراره، جميع أُصول الدين وفروعه.
جهاد: عندما أدرس أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم أشعر بأن عظمته تتجلى في تطابق أفعاله مع كل ما أمر به.
ولعل هذا السبب في أن أقرب الناس منه، وأطلعهم على سلوكه الخاص، هم أكثر الناس إيماناً به، وتعظيماً لقدره صلى الله عليه وسلم لقد قالت عائشة - عن يقين - كان خلقه القرآن.
جميل: بل يزيد الأمر على ما تفضلت به يا جهاد.
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى أصحابه عن صوم الوصال، ومع ذلك كان يصومه هو.
وأسقط الله عنه وجوب القسمة في المبيت بين نسائه.
قال تعالى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب 51] ، ومع ذلك ظل النبي على المساواة بينهن في القسمة، وكان يعتذر إلى الله ويقول:"اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ"
(رواه أبو داوود.
1822) (1) .
جهاد: هناك أمر آخر يجدر أن نشير إليه.
كل حاكم أعلى أو ملك يقسَّم تصرفاته إلى قسمين، قسم يسمح لأجهزة الإعلام أن تقترب منه، وأن تجليه للناس، وللتاريخ.
وقسم يعتبره من أسراره، وأسرار بيته، لا يذاع.
ولكن الدارس للفقه الإسلامي، يرى أن أخصّ أسرار النبي صلى الله عليه وسلم حتى ما يحدث في فرشاه، يُعتبر تشريعاً.
وائل: أُلاحظ إن الشيخ لا يتكلم.
عارف: سكوتي عن الحديث إقرار منيّ بصحة ما تقولون.
وقد اعتبر العلماءُ إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم جزءُ
(1) يقول الإمام الشاطبي، تعليقاً على هذا الأمر: لأنَّ مناصب "الرسالة" تقتضي في الاعتبار الكمالي القتب على ما دون اللائق بها.
(الموافقات جـ 4 ص 64) فحسنات الأبرار سيئات المقربين - كما قال العلماء.
من دلالة سنته.
فالسنة قول وعمل وإقرار.
قال الإمام الشاطبي: وأما الإقرار فمحمله على أن لا حرج في الفعل الذي رآه عليه السلام فأقره، أو سمع فأقره - كسماع النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة وهي تعلم المرأة كيف تتطهر، سمعها ثم سكت.
فعُلم أنّ سكوته إقرار لها.
وفي عمرة القضاء، أنشد ابن رواحة الشعر في المسجد الحرام بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فأنكر عليه عمر بن الخطاب، وقال له: بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وفي حرم الله، تقول الشعر؟! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: خل منه يا عمر.
فلهى أسرع فيهم من نفح النبل.
أخرجه النسائي.
ومن إقراره عز وجل مع عدم المشاركة في الفعل.
رؤيته لمن يأكل لحم الضب على مأدبته، ومع ذلك لم ينهه النبي، ولم يأكل
معه.
فالسنة قول، وعمل، وإقرار.
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم فسرّ من القرآن ما لا يمكن أن نقبل مثله إلا من المعصوم صلى الله عليه وسلم كتفسيره لقول الله تعالى على بني إسرائيل: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ} [البقرة 58] فسرها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: بأنهم دخلوا يزحفون على أوراكهم.
(البخاري) وقالوا (حنطة) بدل كلمة (حطة) .
(1)
.
فتفسير النبي للقرآن أقرب إلى الوحي، منه إلى مُجرد فهم القرآن.
وائل: هذا الحوار الجيد عن دور السنة في القرآن الكريم، فهمت منه أن السنة تُقيّد مطلق القرآن وتشرح مجمله، وتفسر غامضه.
فلماذا يحاول
(1) ومعنى كلمة "حطة" أي حط عنا خطايانا.
فبدل الذين ظلموا الكلمة بكلمة "حنطة" أي قمح أو شعير.
تركوا نداء ربهم، إلى نداء بطونهم.
بعض المنتسبين للإسلام عزلها عن التشريع.
عارف: الدعوة إلى عزل السنة دعوة قديمة.
تستهدف الإسلام، أو العبث بتفسيره بلا ضوابط.
فقد ظهرت في التناريخ جماعة أطلقوا على أنفسهم (القرآنيون) وقد تصدى للرد عليهم الإمام السيوطي في كتابه "مفتاح الجنة في الاحتجتج بالسنة وقد أكد هذا الكتاب أن السنة وحي من الله للنبي، كما أن القرآن وحي.
قال صلى الله عليه وسلم
" أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ "رواه أحمد.
16546) .
وجاء في كتاب "مفتاح الجنة"(1) أن النبي صلى الله عليه وسلم عُرضت عليه قضية فقال: والذي نفسي بيده لأَقضين بينكم بكتاب الله، ثم قضى بينهم بما أراه الله من الحكمة (متفق عليه) فالسنة وحي.
ولكنها وحي بالمعنى دون الألفاظ.
(1) طبع في المطبعة السلفية عدة طبعات.
وائل: نُسلم يا شيخ عارف أن كل ما خرج من فم النبي صلى الله عليه وسلم وحي.
ولكن القرآن قطعيُّ الثبوت، والسنة ظنية الثبوت، فكيف تقيِّد السنة ما أطلقه القرآن؟.
عارف: يذكرني سؤالك ها بحوار بين الإمام الشافعي، وأحد خصومه.
الخصم: القرآن قطعي الثبوت، والسنة ظنية الثبوت.
فكيف نأخذ حكماً ظنيّ الثبوت، ونضعه مع أحكام القرآن، وهي قطعية الثبوت؟.
الشافعي: "يشير إلى رجل بجواره، ويسأل خصمه" هل هذا الرجل معصوم الدم؟.
الخصم: نعم.
الشافعي: وهل المال الذي في يده ملك له؟.
الخصم: نعم.
الشافعي: ماذا يحدث لو شهد شاهدان عليه، بأنه قتل رجلاًَ، وسرق ماله؟.
الخصم: يحكم بإعدامه، ومصادرة ما في يده من مال.
الشافعي: هل يمكن أن يكذب الشاهدان؟.
الخصم: يجوز.
الشافعي: إذن قد تذهب العصمة لدمه - وهي قطعية الثبوت، بشهادة شاهدين، مع أن شهادتهما ظنية الثبوت.
ونحن نتحرى في راوي الحديث، أكثر مما نتحرى عن الشهود في جريمة القتل.
فقد تقبل شهادة الرجل في ساحة القضاء.
ولا تقبل روايته لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
جميل: رضى الله عن الإمام الشافعي فقد أوجز وأفاد.
وأذكر أن رجلاً قال لمطرف بن عبد الله: لا تحدثنا إلا بالقرآن، فقال مطرف: والله ما نريد
بالقرآن بديلاً.
ولكننا نريد من هو أعلم منّا بالقرآن وهو النبي صلى الله عليه وسلم.
عارف: يا وائل..
لقد أخذت الأُمة القرآن من فم النبي صلى الله عليه وسلم فليس بدعاً من الأمر، أن تأخذ أحكامها من سنته.
فالسنة ليست شارحة للقرآن فحسب، ولكنها أنشأَت أحكاماً مستقلة، لم ترد في القرآن وسندها القآني الوحيد هو قوله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر 7] من ذلك حكم الزاني المحصن، فقد حكم النبي عليه بالرجم.
وبقى هذا الحكم موضع قبول الأُمة، مع أنه لم يرد في القرآن الكريم.
وائل: لكن النبي صلى الله عليه وسلم بشر، يجوز عليه ما يجوز على البشر فكيف نأخذ كل ما يصدر عنه؟
عارف: النبي صلى الله عليه وسلم بشر يوحى إليه، والله سبحانه يراقب
كل تصرفات النبي صلى الله عليه وسلم.
واجتهاداته، فإذا صدر عنه أمر خلاف الأولى، نبّهه القرآن إلى الأفضل.
إن جعل الله على قلوب الأنبياء حراسة مشددة.
قال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} [الجن 27] .
جميل: وما مهمة هذا الرصد؟
عارف: مهمة الرصد هي حفظ قلوب الأنبياء من الوساوس، وعقولهم من الزيغ، وذاكرتهم من النسيان في مجال التبليغ.
وائل: هل كل ما ينطق به النبي يعتبر تشريعاً.
عارف: الله يهديك يا وائل.
ماذا تقصد؟
وائل: "يضحكة ويقول والله أريد الحقيقة.
يا شيخ عارف.
وما أريد غيرها.
عارف: النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين ما يصدر عن بشريته وما يصدر عن نبوته.
فالذي يصدر عن نبوته، لابد من اتباعه {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر 7] .
جميل: وكيف نفرق بين ما يصدر عن بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم، وما يصدر عن نبوته؟
عارف: يا أستاذ جميل
…
الوحي له طبيعة خاصة، يدركها من يتذوق الإسلام - وأنت منهم - إن شاء الله.
ومجال ما يصدر عن نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم هو الأُمور التي لا دخل للعقل فيها.
كمسائل العقيدة ومعرفة ما وراء الطبيعة، وأُصول التشريع، والعبادات، وأُصول الأخلاق.
كل هذه قضايا تخضع للوحي، ولا مجال للعقل فيها هذا هو جانب النبوة، وكل ما جاء عنه في هذا المجال فهو موضع قبول الأُمة.
وائل: فماذا عن جانب البشرية؟
عارف: أما الجانب الذي يصدر عن بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم، فمجاله ميادين الحياة كحديثه في الزراعة، وتخطيطه للحرب.
وفصله بين الناس، ومساومته في البيع.
أنه معلوم يا وائل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبعثه الله ليعلمنا كيف نزرع، أو كيف نُعمر الأرض.
جميل: لقد جاء النبي ليعلمنا كيف نزرع الخير في حياتنا، وكيف نُعمر قلوبنا بالإيمان، وكيف نحارب الشيطان..
عارف: يا وائل
…
المسائل التي استشار النبي صلى الله عليه وسلم فيها أصحابه مثل اختيار موقع الجنود في بدر وأسرى المعركة، والخروج للجهاد في أُحد، كل هذه من مسائل بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم ، لأنها لو كانت وحياًَ - صادراً
عن نبوته - ما جرؤ أحد أن يبدى فيها رأياً بجوار الوحي.
لأنه الله نهى المسلمين عن إبداء الرأي والاقتراحات في جانب النبوة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات 1] .
ومدح الله المؤمنين فقال: {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ} [الأنبياء 27] ، فالمؤمنون لا يقترحون على الله، في مسائل الوحي فالأُمور التي استشار النبي صلى الله عليه وسلم فيها أصحابه، هي من الأُمور التي تصدر عن بشريته.
ثانياً: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عن تأبير النخل - أي تلقيح النخل - فلما اشتكى الصحابة من عدم نضج التمر، قال النبي الكريم: أنتم أعلم بأمر دنياكم.
فمسألة زراعة النخيل ليست من تخصص الوحي.
إنها من أُمور البشرية.
وائل: هذا الحديث فرصة لبعض المنحرفين يقول: إن الناس أحرار في كل شئون دنياهم ، فلهم أن يضعوا أحكاماً للزراعة والتجارة، ويقولون: نحن أعلم بأُمور دنيانا.
عارف: يا وائل: طريقة الزراعة شيء، وأحكام الزراعة شيء آخر.
فطريقة الزراعة من اختصاص المهندس الزراعي.
أما أحكام الزراعة فمن اختصاص القضاء الإسلامي والخلط بين الأمرين غباءٌ منهم.
ثالثاً: الحكم بين الناس، بعد سماع حجة كل واحد منهم مسألة، تصدر من جاني البشرية أيضاً فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يستمع لحجة كل خصم، ويُرجّح بينهما ثم يحكم.
روت أم سلمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجلين اختصما إليه: إنما أنا بشر".
وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن - أي أقوى - بحجته من الآخر فأقضي له فمن قضيت له من حق أخيه شيئاً فإنما أقضي له بقطعة من النار.
(البخاري كتاب الأحكام) ومعلوم يا وائل
…
أن الفصل بين الناس عمل قضائي.
يخضع لبشريته صلى الله عليه وسلم فهو يسمع حجج الخصمين ثم يحكم.
أما التشريع القضائي فمن خصائص الوحي، والنبي فيه مبلغ معصوم فالحكم بقطع يد السارق هذا تشريع.
فهم من خصائص الوحي.
والحكم على شخص ما بأنه سرق، هذا تطبيق، يخضع لبشريته صلى الله عليه وسلم.
جميل: أعتقد أن الله يراقب قضاء النبي صلى الله عليه وسلم، ويعصمه من الخطأ.
عارف: هذا صحيح.
وقد حدث أن سرق أحد المنافقين
درعاً وأودعه عند يهودي، فلما ضبط الدرع عند اليهودي، أنكر المنافق السرقة، وعجز اليهودي عن تبرئة نفسه.
وكاد النبي صلى الله عليه وسلم أن يحكم على اليهودي بقطع يده.
ولكن الله أنزل قرآناً يبرئ اليهودي، ويفضح المنافق.
قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء 105] .
فالله سبحانه قد راقب قضاء النبي صلى الله عليه وسلم حتى لا يحكم بغير العدل المطلق.
هذه بعض القضايا التي تصدر عن بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم.
ومن الجانب البشري أيضاً في حياته صلى الله عليه وسلم مساومته في البيع والشراء.
فقد فهم الصحابة أن ما يطلب النبي صلى الله عليه وسلم شراءه، أو ما يرغب في بيعه يُعدّ من الأُمور التي لا دخل للوحي فيها.
فقد طلب
النبي صلى الله عليه وسلم من جابر بن عبد الله أن يبيع له جمله، فاعتذر لأنه ليس عنده جمل آخر.
ومع ذلك لم يعتبر الرسول صلى الله عليه وسلم امتناعه عن البيع معصية.
وطلب النبي صلى الله عليه وسلم من سلمة بن الأكوع أن يهبه فتاة أسرها من قريش فامتنع لحسن المرأة وجمالها ، ثم لقيه الرسول صلى الله عليه وسلم في اليوم الثاني فطلبها منه، فقال سلمة: هي لك يا رسول الله.
فأخذها الرسول صلى الله عليه وسلم، وبعث إلى مكة، ففدى بها ناساً من اسرى المسلمين كانوا بمكة.
فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يعتبر امتناع جابر عن البيع، وسلمة عن الهبة، معصية.
لأنّ البيع، وفداء الأسرى، من أمور الدنيا، وليست من أمور الدين.
(والحديثان بتمامهما في صحيح مسلم) .
وائل: مادامت السنة النبوية بهذه الأهمية، فلماذا لم يكتبها صحابة النبي صلى الله عليه وسلم؟
عارف: النبي صلى الله عليه وسلم نهى صحابته عن كتابة السنة، حتى يتفرغوا لكتابة القرآن.
وأنت تعرف قلة الصحابة الذين كانوا يجيدون الكتابة، وقلة وسائل الكتابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
جميل: ولعل النبي صلى الله عليه وسلم خاف من اختلاط القرآن بالسنة، عند الأجيال القادمة، فنهاهم عن كتابة السنة، حتى يتمكن القرآن من نفوسهم، وبعدها لا حرج عليهم أن يكتبوها.
عارف: الأصل في الحفظ عند الأُمة العربية يومها هو الحفظ في الصدور.
وقد قال ابن شهاب: والله ما دخل شيء قط ونسيته.
وقد عزم عمر بن الخطاب على كتابة السنة، بعد أن فرغ من كتابة القرآن.
ولكنه عدل عن ها وقال: إني كنت أريد أن أكتب السنة، ولكني ذكرت قوماً
قبلكم كتبوا كتباً ثم انكبوا عليها، وتركوا كتاب الله.
وإني والله لا أشوب كتاب الله بشيء أبداً.
هشام: يا أبي أنا أذكر أن بعض صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، كتب لنفسه مجموعة من الأحاديث التي سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم.
وائل: في أي مصدر قرأت هذا يا هشام؟.
هشام: في كتاب (جامع بيان العلم) لابن عبد البر.
وكتاب (تقييد العلم) للخطيب.
وائل: سأرجع إلى هذين المرجعين إن شاء الله لأنَّ الشيخ عارف عودني قراءة المصادر.
عارف: عندنا اليوم كبد وسمك، فتناولوا معنا طعام العشاء.
وائل: كبد وسمك؟ هذا الطعام يذكرني بسؤال.
السمك الميت..
كيف يجوز أكله، والقرآن يحرم علينا أكل الميت؟.
عارف: يا وائل
…
النبي صلى الله عليه وسلم استثنى من الميت السمك والجارد واستثنى من الدم (الكبد والطحال) فهذا من باب تقييد السنة لمطلق القرآن.
ومن يقل: إن القرآن يغنينا عن السنة.
فقد حرم على نفسه الكبد والسمك.
وائل: حبي للكبد والسمك، سيزيذني اهتماماً بدراسة السنة.
يضحك الجميع - ونتركهم وهم يتناولون العشاءَ، وإلى لقاءٍ.